﴿وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیࣲّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرࣱ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [آل عمران ١٤٦]
ثم قال الله سبحانه وتعالى:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران ١٤٦] إلى آخره.
أولًا: القراءات في هذه الآية كما يلي:
﴿وَكَأَيِّنْ﴾ هذه واحدة، والثانية:
﴿وَكَائِنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ الثاني (نبي) فيها قراءتان:
﴿نَبِي﴾ و
﴿نَبِيء﴾ بالهمزة، الثالث:
﴿قَاتَلَ﴾ فيها قراءتان:
﴿قُتِلَ﴾ و
﴿قَاتَلَ﴾ والذي معنا مصحف:
﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾.
﴿كَأَيِّنْ﴾ الصحيح أنها كلمة غير مركبة، يعني بسيطة، البسيطة يعني عند النحويين يعنون بها غير المركب، فإذا قالوا: هذه كلمة بسيطة، يعني غير مركبة من كلمتين، فالصحيح أن
﴿كَأَيِّنْ﴾ كلمة بسيطة غير مركبة، وقال بعضهم: إنها مركبة من الكاف؛ كاف التشبيه و(أي) الاستفهامية، ولكن الصحيح خلاف ذلك، الصحيح أنها كلمة بسيطة نطق بها العرب هكذا كما نطقوا بِـ(كَم)؛ وأن معنى
﴿كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ معناها: كم من نبي؛ فهي إذن للتكثير، وهي مبنية على السكون
﴿كَأَيِّنْ﴾، أو
﴿كائن﴾ على اللغتين هي مبنية على سكون النون، أما محلها من الإعراب فهي مبتدأ، والجملة التي بعدها خبره.
وقوله:
﴿منْ نَبِيٍّ﴾ جار ومجرور مميز لـ
﴿كَأَيِّنْ﴾؛ مميز لـ(كأي)؛ لأن (كأي) من الألفاظ المبهمة،
﴿كَأَيِّنْ﴾ من الألفاظ المبهمة، والألفاظ المبهمة تحتاج إلى تمييز، من ذلك مثلًا ألفاظ العدد من الأشياء المبهمة، عندي عشرون؛ عشرون أيش؟ مبهمة تحتاج إلى تمييز، عشرون رجلًا، عشرون كتابًا، عشرون بيتًا، عشرون سيارة، وما أشبهها،
﴿كَأَيِّنْ﴾ من الألفاظ المبهمة التي تحتاج إلى تمييز، وتمييزها يأتي بعدها مجرورًا بـ(من)
﴿كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾.
وقوله:
﴿قَاتَلَ مَعَهُ﴾ يعني كثير من الأنبياء، هذا معنى
﴿كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ كثير من الأنبياء، هذا معنى الكلمة.
وقوله:
﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ كلمة
﴿قَاتَلَ﴾ أو
﴿قُتِل﴾ اختلف المفسرون فيها؛ فبعضهم وقف عليها وقال في قراءته:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِل﴾ أو
﴿كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ﴾، ثم استأنف فقال:
﴿مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾، وتكون جملة
﴿مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾ جملة مكوَّنة من مبتدأ وخبر؛
﴿رِبِّيُّونَ﴾ مبتدأ، و
﴿مَعَهُ﴾ خبر مقدم، والجملة في موضع نصب على الحال من الضمير في
﴿قُتِلَ﴾ أو
﴿قَاتَلَ﴾، يعني: قُتِلَ والحال أن معه ربيين كثيرًا، أو قاتل.
وقيل: إن قوله:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ جملة مستقلة يوقف عليها ثم يُستأنف فيقال: قُتِلَ معه ربيون كثير، يعني وكأين من نبي وُجِدَ وأُرسل وبُعث وأُيِّد بالآيات واتبعه الناس فقُتِل معه وفي صحبته ربيون كثير، وعلى هذا القول تكون
﴿رِبِّيُّونَ﴾ أيش؟ نائب فاعل على قراءة
﴿قُتِل﴾ وفاعل على قراءة
﴿قَاتَلَ﴾، ويكون: النبي هنا مقتولًا أو سالمًا على هذا التقدير الثاني؟
* طلبة: سالمًا.
* الشيخ: يكون سالمًا، أما على الأول فيكون مقتولًا.
* طالب: بارك الله فيك يا شيخ، يذكر المؤرخون أن ثلاثة ملكوا الدنيا منهم ذو القرنين وغيره، ونحن قلنا إن الله سبحانه وتعالى ما يعطي لعباده إلا شيء يسير أو يعني شيئًا..؟
* الشيخ: لا يعطيهم الدنيا كلها.
* الطالب: وهذه المقالة.
* الشيخ: هذا صحيح؛ لأن ذا القرنين ما ملك الدنيا كلها، ولكن يقال أنه من الذين ملكوا الدنيا حسب ما اطلع عليه الناس في ذلك الوقت، فإنه لم يصل إلى أمريكا، ما تجاوز البحر المحيط.
* طالب: شيخ، هل فسّر أحد زيادة العمر بغير هذا التفسير؟
* الشيخ: إي نعم، بعضهم ظنًّا منهم أنه ليس المراد امتداد الأجل، قالوا: إن المراد بذلك بركة العمر، يعني يبارَك له في عمره، أو يُنسأ له في أجله، أي يعني أن ذِكْره بعد موته يطول، والإنسان إذا ذُكِر بعد موته فكأنه حي، قال الله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام ١٢٢]، المتنبي يقول: ذِكْرُ الْفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي وَحَاجَتُهُ ∗∗∗ مَا قَاتَهُ......................فيكون المراد بذلك أنه يُذكر بعد موته بخير، فهذه ثلاثة آراء: إما أن يكون المراد بذلك ذكره بعد وفاته بالخير، وإما أن يكون المراد بذلك البركة في عمره، والصحيح أنها الزيادة الفعلية في عمره، وأن المكتوب عند الله المعلوم عنده هو أن هذا الرجل سوف يصل رحمه ويمتد عمره.
* طالب: شيخ، ذكر شيخ الإسلام أنه يقال للملك: يكتب له عند الملك أجلان، إن وصل رحمه فهو الثاني الأكبر، وإن لم يصل فالأصغر، هل عليه دليل؟
* الشيخ: ليس عليه دليل، ليس عليه دليل إلا أن يدخله أحد في قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]، ولكن مع ذلك لو ثبت هذا لكان هذا في كل شيء حتى في بسط الرزق، وحتى في النكاح الزواج، وحتى في المال وحتى في الجنة أيضًا.
* الطالب: يقال للملك: اكتب له أجلان يعني؟
* الشيخ: يعني لو صح هذا، لو صح لا ننكر شيء يحتمل هذا وهذا، يكون الملك قد قيل له ذلك، لكن هذا يحتاج إلى دليل.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا كان الإنسان يُكتب له كل شيء بحسب ما يفعله، المؤمن إذا دخل الجنة يقال له: «هَذَا مَقْعَدُكَ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا مَقْعَدُكَ فِي النَّارِ لَوْ أَنَّكَ عَصَيْتَ اللهَ»(١)، فيعني هل يكون لكل إنسان مقعد خاص في الجنة ومقعد خاص في النار بحسب عمله أو أنه..؟
* الشيخ: إي نعم، معلوم، وهو يُذَكَّر بهذا لأجل يعرف قدر نعمة الله عليه، يقال: هذا مقعدك، يعني لو كنت كافرًا، وهذا مقعدك حين كنت مؤمنًا، وقد حصل له، مثل ما لو قلت لشخص أكرمته: هذا مقامك أو هذا مكانك لو لم تكن بهذا الخلق النبيل.
* طالب: لكن يا شيخ، الله علم بما يفعله، نقول: مثل العمر؟
* الشيخ: نعم، الله علم لكن الإنسان ما علم، فيقال: هذا مقعدك لو عصيت الله؛ لأجل يفرح ويعرف فضل نعمة الله عليه.
* طالب: يا شيخ، جزاكم الله خير، (...) ثلاث احتمالات: «يُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ»(٢)، وذكرتم قاعدة سابقة: إذا كانت الآية تحتمل معاني ولا تعارض بينها أنا نحملها عليها، ثلاثة يعني نطلق المعنى؟
* الشيخ: لا، بس هنا ما يحتمل المعنيين الآخرين، ما يحتملهما، لكن قد يجازى الإنسان ببركته بأن يبارك له في عمره جزاء لعمله، وهذا حتى في غير صلة الرحم، وقد يُذكر الإنسان بعد موته، كما نشاهد الآن ممن يُذكرون بعد موتهم من أهل العلم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، المعنى الأول هو الظاهر، (...).
* طالب: أحسن الله إليك، (كأي) تأتي بمعنى (كم)؟
* الشيخ: كم.
* الطالب: فيكون تفسيرًا لها؟
* الشيخ: تكون تكثيرية.
* الطالب: أليس التفسير هنا بمعنى (كم)؟
* الشيخ: نعم يصح.
* الطالب: فسرناها بمعنى كثير.
* الشيخ: إيه، و(كم) بمعنى كثير، ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ [الأعراف ٤].
* طالب: عفا الله عنك، هل يدخل في هذه الآية أن الله عز وجل أهلك بعض الأمم كما فعل ببني إسرائيل ثم أحياهم بعد موتهم؟
* الشيخ: مثل من؟
* الطالب: مثل بني إسرائيل الذين قالوا ..
* الشيخ: مثل من؟ بني إسرائيل (...) من يعقوب إلى يوم القيامة.
* الطالب: الذين قالوا لموسى: أرنا الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون؟
* الشيخ: طيب، نعم هؤلاء أُحْيُوا لأن موسى دعا الله عز وجل، دعا الله سبحانه وتعالى أن يحييهم (...) من قومه ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ [الأعراف ١٥٥].
* الطالب: بس كُتب لهم كتاب (...)؟
* الشيخ: كُتب لهم موت ثم حياة من الأصل، لكن هذه الحياة ليست بفعلهم ولا بعملهم، إنما هي من أجل دعاء موسى عليه الصلاة والسلام استجاب الله له.
* طالب: بس قد يتعارض مع حديث ..؟
* الشيخ: لا، ما يتعارض؛ لأن هذا مكتوب عند الله هكذا، هذه الحال التي وقعت مكتوبة عند الله هكذا، هم أُمِيتُوا عقوبة لهم على فعلهم حين قالوا: أرنا الله جهرة، وهم يسمعون كلام الله، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، وهذا ليس إليهم، فعوقبوا بالموت، صُعِقُوا، ثم إن موسى عليه الصلاة والسلام دعا ربه فأحياهم.
* طالب: أليس في حديث والد جابر الذي قال أنه كلمه الله كفاحًا، قال: «إِنِّي قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ»(٣) يعني يتعارض معها؟
* الشيخ: ما يتعارض - بارك الله فيك - ما يتعارض.
* الطالب: كيف يا شيخ؟
* الشيخ: والسبب في هذا كما قلت لك: إن هؤلاء أُحْيُوا لا لأجل أن يُنَعَّموا، لكن من أجل درء المفسدة التي تكون على موسى، وهات أيضًا هات كل الآية التي تشير إليه كلها جاءت لسبب ﴿الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة ٢٤٣] أماتهم الله لأجل أن يعرفوا أنه لا مفرّ من الله إلا إليه، والذي مر على قرية أكرمه الله بأن أماته ثم بعثه، قضية معينة.
* * *أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ ما المراد بهذه الآية؟
* طالب: المراد (...) أي امتنع غاية الامتناع ..
* الشيخ: لا ما هو معناها، قصدي ما الغرض منها؟
* طالب: تسلية لصحابة رسول الله ﷺ حين أُشِيع أن النبي ﷺ قد قتل، فالله عز وجل قال أنه لن يموت إلا بعد أن ينتهي أجله.
* الشيخ: أحسنت بارك الله فيك. قوله عز وجل:
﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ المراد بالإذن هنا؟
* طالب: إذن كوني يا شيخ.
* الشيخ: الإذن الكوني، إذَن على حسب ما يفهم من كلامك أن الإذن ينقسم إلى كوني وغير كوني، ما هو الثاني؟
* الطالب: إذْن شرعي.
* الشيخ: إذن شرعي، ما الفرق بينهما؟
* الطالب: الإذن الكوني لا بد أن يقع.
* الشيخ: نعم، يعني ما أذن الله به كونًا فلا بد أن يقع بخلاف؟
* الطالب: الإذن الشرعي.
* الشيخ: هذا واحد، ما فيه فرق ثاني؟
* طالب: الإذن الكوني قد يكون محبوبًا إلى الله عز وجل وقد لا يكون محبوبًا.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: وأما الشرعي فهو محبوب إلى الله عز وجل.
* الشيخ: فلا يأذن الله إلا بما يحب، تمام.
* طالب: أن الإذن الكوني والشرعي يجتمعان في حق المطيع و..
* الشيخ: لا، ما هي مهمة، هذه نسبة، طيب، هل لك أن تأتي بمثال للإذن الشرعي؟
* طالب: ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١].
* الشيخ: نعم هذا في النفي.
* الطالب: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾.
* الشيخ: هذا في النفي، والإثبات؟
* طالب: والإثبات ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ﴾ [التوبة ٣].
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...) الإذن الشرعي.
* الشيخ: إي، هذا الذي ذكرت نفي الإذن الشرعي، فنريد إثبات الإذن الشرعي.
* طالب: قول الله تعالى: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩].
* الشيخ: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ أحسنت، الإذن الكوني مثل؟
* طالب: قول أخو يوسف: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ [يوسف ٨٠].
* الشيخ: لا هذا الحكم الكوني، نحن نريد الإذن الكوني.
* طالب: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، هذا إذن كوني، صحيح.قوله:
﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، هل هذه الآية على إطلاقها أم مقيدة؟
* طالب: مقيدة.
* الشيخ: مقيدة بماذا؟
* الطالب: مقيدة بمشيئة الله، فلا يعطى الدنيا كلها إذا كان طالبها، إنما يعطى ما أراد الله؛ لقوله تعالى: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾.
* الشيخ: إيه، هذا ظاهر الآية أن الذي يريد ثواب الدنيا لا بد أن يؤتيه الله تعالى منها؛ لأن جواب الشرط واقع إذا وُجِد فعل الشرط.
* الطالب: يعطيه منها ولا يعطيه كلها.
* الشيخ: نعم.
* طالب: مقيدة بأن لا يأخذ ثواب الدنيا كلها وإنما بعضها.
* الشيخ: هذا معروف من اللفظ ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، لكن هل هو يؤتى من الدنيا ولو بعضًا إذا أراد ثواب الدنيا ولّا قد يُحرم من الدنيا كلها؟
* الطالب: يؤتى منها (...).
* طالب: مقيدة بآية الإسراء.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ [هود ١٥].
* الشيخ: ما هي (...).
* طالب: قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ [الإسراء ١٨].
* الشيخ: أحسنت، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ﴾ لا ما يريد هو، ﴿لِمَنْ نُرِيدُ﴾، أحسنت، طيب قوله: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ خُتمت بها الآية إشارةً؟
* طالب: إشارة إلى أن من يرد ثواب الآخرة فهو من الشاكرين.
* الشيخ: نعم، وسيعطَى أكثر مما أراد؛ لأن الله قال: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾، أحسنت. قال الله تعالى:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ﴾ ذكرنا فيها
﴿قَاتَلَ﴾ قراءتان.
* طالب: ﴿قَاتَلَ﴾ و﴿قُتِل﴾.
* الشيخ: ﴿قَاتَلَ﴾ و﴿قُتِل﴾ أحسنت.
* الشيخ: قوله: ﴿قَاتَلَ﴾ أو ﴿قُتِل﴾ والفرق بينهما ظاهر. بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ﴾ أي: قاتل أعداءه ولم يُقتل، وكأين من نبي قُتِل ولو لم يقاتِل، فقوله:
﴿قُتِل﴾ يعني سواء في مقاتلة أو في غير مقاتلة، وقوله:
﴿قَاتَلَ﴾ أي: سواء قُتل أم لم يُقتل، يعني: ما أكثر الأنبياء الذين قاتلوا، وما أكثر الأنبياء - على القراءة الثانية - الذين قُتِلُوا.
وقوله:
﴿مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾، (مع) ظرف وهي خبر مقدم، و
﴿رِبِّيُّونَ﴾ مبتدأ مؤخر، على تقدير أن الضمير في
﴿قَاتَلَ﴾ أو
﴿قُتِل﴾ يعود على النبي،
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ ﴿قُتِل﴾ أو
﴿قَاتَلَ﴾، لكن فيه وجه آخر يقول: إن
﴿رِبِّيُّونَ﴾ فاعل
﴿قَاتَلَ﴾، أو نائب الفاعل على قراءة
﴿قُتِل﴾ ، وبناء على هذا يختلف الإعراب، فتكون (مع) ظرف مكان متعلقة بـ
﴿قَاتَلَ﴾، أو بـ
﴿قُتِل﴾ ، ويكون
﴿رِبِّيُّونَ﴾ فاعل على قراءة
﴿قَاتَلَ﴾، ونائب فاعل على قراءة
﴿قُتِل﴾ ، وعلى هذا التقدير يكون القتال أو القتل واقعًا على الربيين وليس على أيش؟ على النبي، ويختلف الحكم بالنسبة للصحابة، فإذا كان
﴿قَاتَلَ﴾ أو
﴿قُتِل﴾ فيه ضمير يعود على
﴿نَبِيٍّ﴾ صار فيه تسلية للصحابة، تسلية للصحابة أن الأنبياء قد قُتِلوا قبل محمد وقاتَلوا، وعلى الاحتمال الثاني؛ أن
﴿رِبِّيُّونَ﴾ فاعل أو نائب فاعل يكون فيها إشارة إلى أن الصحابة لم يكن الابتلاء بالقتال أو القتل خاصًّا فيهم، بل هو سابق في الأمم المتقدمين، فيكون المراد من الآية شيء من التوبيخ واللوم للصحابة الذين جزعوا لما أصابهم في أُحُد، ولهذا قال:
﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا﴾ إلى آخره، واضح يا جماعة الآن؟ هذا من حيث تركيب الجملة.
أما من حيث الإفراد فقوله:
﴿مِنْ نَبِيٍّ﴾، المراد بالنبي من أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه، ولكن لم ترد كلمة (نبي) في القرآن إلا مرادًا بها الرسول؛ لأن النبي الذي لم يكلَّف بالرسالة لم يُذكر في القرآن بلفظ نبي، ليس في القرآن لفظ (نبي) إلا ويراد به الرسول،
﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [النساء ١٦٣] إلى آخره، ونوح من المعلوم أنه من الرسل، بل هو من أولي العزم من الرسل؛ وعلى هذا فالقاعدة؟
* طالب: أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
* الشيخ: هذا القاعدة، الجماعة يخالفونك.
* الطالب: القاعدة أن ما ذُكِر عن النبي في القرآن يعتبر رسل.
* الشيخ: على كل حال النبي عند أهل العلم من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأُمِر بتبليغه، ولهذا سمي الرسول رسولًا من الرسالة، ولكن كل ما ذُكِر في القرآن من الأنبياء فهو رسول.أشكل على بعض الناس قال: كيف يوحى إليه بالشرع ولا يؤمر بالتبليغ؟ ولكن هذا في الحقيقة ليس محل إشكال؛ لأنه يمكن الجواب عنه بأنه أوحي إليه بالشرع ليتعبد به، ويكون هذا من باب التذكير له إذا كان نبيًّا بعد الرسل، ومن باب البيان له إذا كان نبيًّا لم يُسبق بالرسل، مثال الثاني: آدم، فإن آدم نبي ولم يُسبق برسل، ومثال الأول: ما وُجد من أنبياء بني إسرائيل الذين ليس لهم أتباع ولم يؤمروا بالتبليغ، فيكون إنباء الله لهم من باب التفضل عليهم بذكر الشريعة السابقة وإحيائها، وإن كانوا لم يُلزموا أن يبلّغوا الناس، وبهذا يزول الإشكال فيمكن أن الله ينبّئ أحدًا ولا يأمره ولا يكلفه بالإبلاغ.
وقوله:
﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾،
﴿قَاتَلَ﴾ أو
﴿قُتِل﴾ ، المقاتلة مفاعلة تقتضي وجود مدافعة بالقتل من الجانبين، وهي أعم من القتل، ولهذا قد تجوز المقاتلة ولا يجوز القتل، فالذين لا يؤذّنون، لو وجدنا قرية لا يؤذنون مثلًا، فإنه يجب قتالهم ولكن لا يجوز قتلُهم، يعني أننا إذا قدرنا على المعين ما نقتله، ولكن نقاتلهم حتى يؤذّنوا مثلًا، لو وجدنا قرية لا يصلون العيد فإنه يجب علينا قتالهم حتى يصلوا العيد، ولكن لا يجوز قتلهم، فالقتل أخص من القتال، بمعنى أنه يمكن أن يجوز القتال لقوم ولا يجوز قتلهم، ومن ذلك على رأي بعض العلماء الرجل الذي يريد المرور بين يديك أو بينك وبين سُترتك فتدافعه فيأبى، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ» »
(٤)، ولكن لا يجوز أن يقتله، والفرق ظاهر؛ لأننا لو قلنا: إنه يجوز أن يقتله لجاز لهذا المصلي أن يضرب هذا الذي أراد المرور في مكان مُميت ويسقط ميتًا، ولكن هذا ليس بجائز، وإنما يقاتله مقاتلة دفاع، فإذا اندفع كفّ عنه.
وقوله:
﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾،
﴿رِبِّيُّونَ﴾ قال بعضهم: إن الربيين نسبة إلى الرب، ولكن كُسرت الراء؛ لأنها تغيرت عند النسب، وكم من حركة تغيرت عند النسب، مثلًا بنو أمية نقول فيهم: الأُمويين أو الأَمويين؟ الأَمويين، فيختلف الحرف عند وجود النسبة، فالرِّبيون أصلها رَبيون من الرَّب أو من التربية، وهي مفتوحة الراء، ولكنها لما تحولت إلى نسبة كُسرت الراء، وعلى هذا فالرِّبيون هم الذين قاموا بعبادة الرَّب فنالوا منه سبحانه وتعالى تربية خاصة، ونظير ذلك قول العلماء: هذا عالم رَباني، نسبة إلى أيش؟ إلى الرَّب والتربية، وقيل: إنها مضافة إلى (رِبَّة) بالكسر، يعني منسوبة إلى (رِبّة) وهي الطائفة، فيكون المعنى: معه طوائف كثيرون،
﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أي: طوائف كثيرون، وعلى كل حال فالله تعالى يبين أن كثيرًا من الأنبياء قاتلوا أو قُتِلُوا ومعهم رِبيون كثير، أو كثير من الأنبياء قاتل معه رِبيون أو قُتِل معه رِبيون.
وقوله:
﴿كَثِيرٌ﴾ صفة لـ
﴿رِبِّيُّونَ﴾، وهي لا تقتضي الأكثر، لا تقتضي الأكثر، يعني مثلًا إذا كان عندنا مئة وسلِم منهم خمسون نقول: هؤلاء كثير، سلم منهم عشرون نقول: هذا كثير، سلِم منهم ستون نقول: هذا كثير، لكن ما قبل الخمسين لا نقول فيها أكثر، وإنما نقول: أكثر، فيما تجاوز النصف، المهم أن
﴿كَثِيرٌ﴾ هنا يعني طوائف كثيرة قاتلوا أو قُتِلُوا.
﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي ما جبنوا من أجل ما أصابهم في سبيل الله؛ بل لم يزدهم ما أصابهم في سبيل الله إلا شجاعة وإقدامًا؛ لأن عندهم من الإيمان ما يدفعهم إلى ما يصيبهم في سبيل الله، كما أن من طبيعة البشر أن الإنسان إذا اعتُدِي عليه احتمى، احتمى أو حَمِي وزاد إقدامًا، فكذلك هؤلاء ما جبُنوا لما أصابهم ما أصابهم في سبيل الله.
وقوله:
﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: في طريقه وشريعته؛ لأنهم مؤمنون بأن كل ما أصابهم فهو على خير، ولما دَمِيت أصبع النبي ﷺ في إحدى الغزوات قال:
«هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌدَمِيتِ» ∗∗∗ «وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَالَقِيتِ»(٥) ﴿وَمَا ضَعُفُوا﴾ أي: ما ضعفت عزيمتهم، حتى لو قُتل الكثير منهم فإنها لا تضعف عزيمتهم، خلافًا لمن كان عنده جبن فإنه تضعف عزيمته إذا قُتل أحد من قومه.
﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾ من الاستكانة وهي الذل، أي: ما ذلّوا لعدوهم مع أنه قُتل منهم كثير، لكن كانوا على عزة؛ لأن الذي يعلم أن من قُتل من قومه فهو في سبيل الله لا يهتم؛ إذ إنه مؤمن بأنه لو قُتل هو لكان مقتولًا في سبيل الله، فلا يذل لأعداء الله.
﴿وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾: يحب الصابرين الذين يصبرون على كل ما يجب الصبر عليه، والصبر يقولون: إنه ثلاثة أقسام.
* طالب: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
* الشيخ: نعم، هذا هو، صبر على طاعة الله، يعني أن الإنسان يصبر نفسه على الطاعة ولا يضجر منها ولا يدعها، صبر عن معصية الله؛ يصبر الإنسان نفسَه عن المعصية فلا يقدم عليها، صبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخط لما يقضيه الله عليه من الأشياء المؤلمة.
* في هذه الآية الكريمة فوائد:
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى له عناية خاصة بهذه الأمة، حيث يسليهم بما حصل للأمم السابقة؛ لقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِل﴾ على قراءة الوقف.
* ومن فوائدها: أن الجهاد مشروع في غير هذه الأمة؛ لقوله: ﴿قَاتَلَ﴾، والقتال من الأنبياء وأتباعهم لا يكون إلا عن جهاد، وهو كذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على من سبق ممن يستحق الثناء، ولهذا قال: ﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ إلى آخره.
* ومن فوائدها: أن من طرق التشجيع على الشيء والإغراء به أن يُذكر للإنسان سلف يقتدي به ويتشجع للحاق به؛ لقوله: ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ إلى آخره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى انحطاط مرتبة الذين يذلّون لأعداء الله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا﴾، وذلك أن الإنسان المؤمن يجب أن يكون أشم كالطود العظيم بالنسبة لأعداء الله، حتى إنه يجوز للإنسان الخيلاء وجر الثوب في مقابلة الأعداء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ»(٦)، حتى إن بعض العلماء قال: يجوز للجيش الإسلامي أن يصبغ بالسواد رأسه ولحيته أمام الأعداء من أجل إرهابهم؛ لأنهم يظنون أن المقابل لهم شباب، على كل حال سواء قلنا بهذا القول أم لم نقل ينبغي للإنسان أن لا يذل أمام عدوه، بل أن يُظهر العزة له بالقول وبالفعل؛ لأن إذلال الكافرين محبوب إلى الله، قال الله تبارك وتعالى في وصف النبي ﷺ وأصحابه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح ٢٩]، وقال الله تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ [التوبة ١٢٠] فكل شيء تغيظ به الكفار فهو قربة لك عند الله، كل شيء تنال به الكفار من أذى أو قتل أو غير ذلك فإنه قربة يقربك إلى الله عز وجل، إلا إذا كان بيننا وبينهم عهد فإن الواجب الوفاء في عهدهم؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة ٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المحبة لله؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، والمحبة صفة من صفات الله تعالى المتعلقة بمشيئته، فهي من الصفات الفعلية؛ لأنها تتعلق بالمشيئة، ووجه كونها تتعلق بالمشيئة أنها مربوطة بسبب، وكل صفة مربوطة أو معلقة بسبب فإنها من الصفات الفعلية، وبناء على هذه القاعدة المفيدة نقول: الرضا؟
* طلبة: من الصفات الفعلية.
* الشيخ: فعلية لأيش؟
* طلبة: مربوط بسبب.
* الشيخ: إي، مربوط بسبب، الفرح، الضحك، وهكذا، كل صفة معلقة بسبب أو مربوطة به فإنها من الصفات الفعلية، وهل الله يُحَب؟ نعم يُحَب، ولا ألذ للإنسان من محبة الله من كونه يحب الله عز وجل، ولذلك إذا قمت تصلي وأنت صافي القلب بعيدًا عن الدنيا مقبلًا على الله تجد في هذه الصلاة محبة لله ولذة عظيمة تنسيك الدنيا كلها؛ لأنك لا تجد شيئًا ألذ من محبة الله سبحانه وتعالى، ومر علينا كثيرًا - ولا حاجة إلى التكرار- أن أهل التعطيل ينكرون حقيقة المحبة، ويقولون: إن المراد بالمحبة أيش؟ الإثابة أو إرادة الإثابة، يعني الشيء المخلوق المنفصل عن الله وهو الثواب أو الإرادة، فمعنى ﴿يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ - على قولهم- أي: يثيبهم أو يريد أن يثيبهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على الصبر؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾؛ لأننا لا نعلم فائدة أجلّ وأعظم من الحث على الصبر في مثل هذا التعبير.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾ [آل عمران ١٤٧].
* طالب: قراءة ﴿رِبِّيُّونَ﴾ القراءة الثانية؟
* الشيخ: نعم، ما هو قراءة، قلنا: إنها مشتقة من الرَّب أو من الرِّبة فقط، أما القراءة ما فيها إلا قراءة واحدة، لكن ﴿قَاتَلَ﴾ هي اللي فيها قراءتان.
* طالب: ما تجي من (...) رِبّ ربانيون؟
* الشيخ: لا ما جاءت ما جاءت.
(١) أخرجه البخاري (١٣٣٨) من حديث أنس بن مالك بلفظ:
«فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ». قال النبي ﷺ:
«فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا».
(٢) متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦٧)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢٠)، وابن حبان (٤٣٨) والفظ له من حديث أنس بن مالك..
(٣) أخرجه الترمذي (٣٠١٠)، وابن ماجه (١٩٠) من حديث جابر بن عبد الله.
(٤) متفق عليه؛ البخاري (٥٠٩)، ومسلم (٥٠٥ / ٢٥٨) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٥) متفق عليه؛ البخاري (٢٨٠٢)، ومسلم (١٧٩٦ / ١١٢) من حديث جندب بن سفيان.
(٦) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٦٥٠٨) من حديث خالد بن أبي دجانة.