الباحث القرآني
طالب: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٥ - ١٤٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، ﴿مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ﴾ أي يمتنع غاية الامتناع لأي نفس من الأنفس أن تموت إلا بإذن الله، مهما حاول الناس أن يميتوا أحدًا بدون إذن الله فإنهم لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا، وإذا جاءت ﴿مَا كَانَ﴾ فإنها للممتنع إما شرعًا وإما قدرًا، فهذه الآية: ﴿مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي ما كان قدرًا لنفس أن تموت إلا بإذن الله.
وقوله: ﴿لِنَفْسٍ﴾ نكرة في سياق النفي، فتعم كل نفس من الآدميين وغير الآدميين، لا يمكن لأي نفس أن تموت إلا بإذن الله.
وقوله: ﴿أَنْ تَمُوتَ﴾ الموت هو مفارقة الحياة، ويحصل هذا بانفصال الروح عن الجسد انفصالًا تامًّا؛ وذلك لأن الروح تتصل بالبدن اتصالًا تامًّا، وتنفصل منه انفصالًا ناقصًا، وتنفصل منه انفصالًا تامًّا، فإذا كان الإنسان يقظًا فالاتصال تام، وإذا كان نائمًا فهو انفصال ناقص، وإذا مات الإنسان فهو انفصال تام، لكن هذا لا يمنع أن تعود إليه في قبره عودًا ليس على الوجه الذي هي عليه في الدنيا؛ لأن حياة البرزخ تخالف حياة الدنيا، فالإنسان في قبره تعاد إليه روحه ويجلس ويخاطب ويتكلم ويفهم، ولكن ليست هذه الحياة كحياة الدنيا؛ لأنها لو كانت حياة الدنيا لهلك فورًا؛ إذ إنه مغمور بالتراب الذي فوقه، وربما يكون غرقًا في ماء أو محترقًا بنار.
وقوله: ﴿أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ (إذن) هنا يراد بها الإذن الكوني؛ لأن إذن الله تنقسم إلى قسمين: إذن كوني، وإذن شرعي.
فالإذن الشرعي ما قضى به شرعًا وأذن فيه شرعًا، وهو تحت المشيئة، قد يقع وقد لا يقع، فمثلًا يقول الله عز وجل: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١] الإذن هنا شرعي وليس بكوني؛ لأن الله قد أذن به كونًا، لكنه لم يأذن به شرعًا، وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩] هنا الإذن شرعي، أما في مثل هذه الآية: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فهي إذن كوني، يعني لا يمكن أن تموت إلا إذا أذن الله بذلك كونًا.
وقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي بقضائه وقدره.
﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ كتابًا هذه مصدر مؤكد للجملة التي قبله، أي أن الموت مكتوب كتابًا مؤجلًا محددًا بحد معلوم، لا يتجاوزه ولا يقصر عنه، هذا الكتاب يُكتب في عدة كتب: يكتب في ليلة القدر بأنه سيموت في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية من الشهر الفلاني، وهذه كتابة سنوية، ويكتب أيضًا إذا كان الإنسان في بطن أمه حين يبعث إليه الملك ويؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.
هذا الكتاب يُكتب في عدة كتب: يُكتب في ليلة القدر بأنه سيموت في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية من الشهر الفلاني؛ وهذه كتابة سنوية، ويكتب أيضًا إذا كان الإنسان في بطن أمه حين يبعث إليه الملَك ويؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ويكتب في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فهذه كتب لا تتغير ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ [آل عمران ١٤٥] لا يزيد ولا ينقص.
﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، (من) شرطية، وفعل الشرط ﴿يُرِدْ﴾، و﴿نُؤْتِهِ﴾ جواب الشرط، وفي كل من فعل الشرط وجوابه حذف، أما في فعل الشرط فالحذف من وسط الكلمة، وأما في جوابه فالحذف من آخر الكلمة؛ لأن قوله: ﴿يُرِدْ﴾ أصلها: يريد، فحذفت الياء؛ لالتقاء الساكنين، و﴿نُؤْتِهِ﴾ أصلها: نؤتيه، فحذفت الياء للجازم؛ لأن الفعل المعتل يُجزم بحذف حرف العلة.
﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ أي: من يرد الجزاء في الدنيا من الدنيا فإن الله تعالى يؤتيه منها، ﴿نُؤْتِهِ﴾ أي: نعطه، ﴿مِنْهَا﴾ وليس نعطيه كل الدنيا، فالإنسان قد يريد شيئًا كثيرًا من الدنيا ولكن لا يحصل له وإنما يؤتى منها، ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، مثلًا من يرد القصور والأموال الكثيرة، والزوجات، والمراكب الأثيرة وما أشبه ذلك، من يرد هذا يؤته الله منها؛ لأن من يرد هذا لا بد أن يسعى له، أليس كذلك؟ فإذا كان لا بد أن يسعى له فالغالب أن السعي التام يُحصل به الموجَد، ولهذا قال: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ فيقدر الله الأسباب لحصول ما أراده من الدنيا.
وقوله: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ واضح في أن الله لا يؤتيه كل الدنيا وإنما يؤتى منها، وهذا يحتمل أن يكون عائدًا إلى ما أراده، بمعنى أن الله لا يعطيه كل ما يريد، ويحتمل أن يكون عائدًا إلى الدنيا من حيث هي على سبيل العموم فيعطيه الله كل ما أراد، وعلى كل تقدير فهذه الآية مقيدة بآية الإسراء وهي قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ [الإسراء ١٨] يعني الدنيا، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾، ولم يقل: عجلنا له ما يريد، قال: ﴿مَا نَشَاءُ﴾، وهذا يؤيده الواقع؛ فإن كثيرًا من الناس يريدون الدنيا ويسعون لها بأيديهم وأرجلهم وألسنتهم وأعينهم وآنافهم ولكن لا يحصّلونها، أليس كذلك؟ لأن الله قيد هذا العموم اللي هنا، قيده في سورة الإسراء بقوله: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ﴾ لا ما يشاء هو، ﴿مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ فقيّد المعجَّل والمعجَّل له ﴿مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾، هنا هذا الإطلاق يقيد بذلك.
﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، ﴿مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ ولا نعطه الآخرة كلها؛ لأن الآخرة درجات يختلف فيها الناس، ولا يمكن أن يعطى الإنسان جميع درجات الناس، ولكن يعطى من الآخرة، ولهذا قال: ﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ ولكنها تختلف عن عطية الدنيا، كما قال الله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧]، فعطية الآخرة ليست كعطية الدنيا بل هي أعظم، ولهذا قال في آية الإسراء: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء ١٩]، وهنا قال: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾، فدل ذلك على أن من أراد الآخرة فهو من الشاكرين، وسيجزي الله الشاكرين عز وجل بفضله الواسع، من أتى بحسنة أعطي عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، الآن يتطهر الإنسان في بيته فيسبغ الوضوء، فسيئاته تكفر عنه في آخر قطرة من قطرات الماء، فإذا تشهّد فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، إذا خرج من بيته بعد هذا التطهر يريد المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة واحدة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، هذا أيضًا ثواب كثير، كل خطوة لك فيها فائدتان؛ الأولى: رفع الدرجة، والثانية: حط الخطيئة، ثواب كثير عظيم في عمل قليل، فإذا دخل المسجد وصلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم صلِّ عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، دعاء من الملائكة سخرهم الله عز وجل، فأنت ترى أن من أراد الآخرة فهو من الشاكرين، ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٤]، سيجزيهم على شكرهم أكثر بأضعاف مضاعفة من أعمالهم.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: أن آجال الأنفس محددة؛ لقوله: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾.
* ثانيًا: تسلية أصحاب الرسول ﷺ حين قيل لهم: إن محمدًا قد قُتِل، فأصابهم ما أصابهم من الغم، فقال الله لهم لا يمكن أن يُقتل محمد قبل أجله ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾، إن كان الله قد أنهى أجله فإنه ينتهي، وإن لم ينته أجله بقي إلى الأجل المحدد، فلماذا تجزعون، لماذا تجزعون إذا قيل إن محمدًا قد مات أو قد قُتل، وهذا شيء مؤجل عند الله عز وجل وبإذنه، وما كان مؤجلًا عند الله وبإذنه فإن الإنسان يجب عليه أن يستسلم له ويصبر عليه ويرضى به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن كل شيء حتى الموت مخلوق لله؛ لقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وما كان صادرًا عن إذن فهو مخلوق، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك ٢].
* ومن فوائد الآية: أنه لا يمكن أن يتقدم الإنسان أو يتأخر عن الأجل الذي قدّره الله له؛ لقوله: ﴿كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾، ويؤيد هذا آيات، منها قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل ٦١]، ومنها: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون ١١].
فإن قال قائل: يشكل على هذا قول النبي ﷺ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦٧)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢٠) من حديث أنس بن مالك.]]، فإن هذا يفيد بأن الإنسان إذا وصل رحمه زيد في عمره؟
فالجواب عن ذلك أن يقال: هذا - أعني مد الأجل - كبسط الرزق، والحديث يقول: «أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ»، والرزق مكتوب أو لا؟ مكتوب؛ فقد بيّن الرسول أن الرزق يُبسط ويوسع إذا وصل الإنسان رحمه، فكذلك الأجل يمدد إذا وصل الإنسان رحمه، ولا فرق، وهذا كقولنا: من أراد أن يولد له فليتزوج، صحيح هذا أو لا؟ صحيح، ولا يعدو الحديث: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ» لا يعدو أن يكون بيانًا لسبب طول العمر، وليس معناه أن الإنسان له عمران، عمر عند قطيعة الرحم وعمر عند صلة الرحم؛ لأن المعلوم عند الله والمكتوب عنده إيش؟ عمر واحد، عمر واحد مقرون بسبب، ما هو السبب؟ صلة الرحم، فإذا وصل الإنسان رحمه علمنا أن له عمرًا واحدًا زائدًا مقرونًا بإيش؟ بالسبب، كقولنا أيضًا، يوضح ذلك أنك تقول: إذا أكل الجائع سلم من الموت، صح أو لا؟ فهذا الإنسان على آخر رمق في الحياة أتينا له بطعام فأكل وعاش، هل نقول إنه كان له عمران؟ مع أننا لو تأخرنا عن إسعافه بالطعام لمدة دقيقة واحدة لمات، فهذا لا نقول: له عمران، نقول: له عمر واحد، لكن سبب اندفاع الموت عنه الذي حصل من الجوع إيش؟ هذا الطعام، سببه هذا الطعام؛ فالمسألة ليس فيها إشكال، إذا تأملها الإنسان وجد أن سبب زيادة العمر الذي هو صلة الرحم كغيره من الأسباب التي يحث الشارع عليها، أيضًا نقول: من أراد الجنة فليعمل عملًا صالحًا وهو مؤمن بالله، هل نقول: إن الإنسان له حالان؛ حال يكفر وحال يؤمن؟ أو نقول: هذا قد قدّره الله بقضائه السابق أن يكون مؤمنًا من أهل الجنة؟ الجواب الثاني ولّا الأول؟ الثاني، هكذا الذي وصل رحمه نقول: هذا من الأول لم يكن له إلا عمر واحد مبني على سبب وهو صلة الرحم، إذن فالمراد من الحديث حث الناس على صلة الرحم التي هي سبب لطول العمر.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على الجبرية؛ لقوله: ﴿مَنْ يُرِدْ﴾، حيث أثبت للإنسان إرادة، والجبرية يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وأنه يفعل بدون اختيار ولا إرادة، ولكن كل النصوص السمعية والعقلية ترد على قولهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الناس لهم مشارب ولكل مسلك؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾، وهو كذلك.
* ومنها: أن الإخبار عن الشيء أو عن وقوع الشيء لا يدل على حِله؛ فقوله: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾، لا يدل على حِل إرادة الإنسان الدنيا بعمله، لا يدل عليه، إنما هو خبر عن أمر وقع، والحِل والحرمة يؤخذ من دليل آخر من الشرع، ومن ثم يتبين خطأ من قال: إنه لا يشترط للمرأة محرم في السفر؛ لأن الرسول أخبر أن الظعينة تخرج من صنعاء إلى عدن لا تخشى إلا الله ولا تخاف على نفسها[[أخرجه البخاري (٣٥٩٥) من حديث عدي بن حاتم ولفظه: «لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله» ]]؛ لأن هذا إخبار عن إيش؟ عن الواقع، وليس إقرارًا له شرعًا، ألم يقل الرسول ﷺ:« «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»؟ قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فَمَنْ؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٥٦)، ومسلم (٢٦٦٩ / ٦) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، بلى قال ذلك، هل يعني هذا أنه يجوز أن نتبع سنن اليهود والنصارى لأن الرسول أخبر بأننا سنتبعها؟ أبدًا؛ فالإخبار عن الشيء وقوعًا لا يدل عن جوازه شرعًا، يؤخذ جوازه أو عدم جوازه من أدلة أخرى.
* من فوائد هذه الآية: أن الإنسان قد يريد بعمله أن يُمدح عند الناس، وهذا لا يكون له من عمله إلا ما ناله من الدنيا فقط - نسأل الله السلامة - يعني مثلًا إنسان يصلي ليقال: مجتهد في العبادة، يقرأ ليقال: قارئ، يتصدق ليقال إيش؟ كريم، يقاتل ليقال: شجاع، وما أشبه ذلك، هذا الذي يريد بعمله الصالح هذه الأمور الدنيوية - لأن كل هذه من أمور الدنيا - ليس له حظ في الآخرة، ليس له حظ، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى ٢٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إيثار إرادة الآخرة على الدنيا؛ لقوله: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾؛ فإن هذا يدل على أن من أراد الآخرة فإنه من الشاكرين الذين يجزيهم الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجزاء على العمل، وهذا - أعني الجزاء عن العمل - دائر بين أمرين؛ بين عدل وفضل، ويمتنع الأمر الثالث وهو الظلم بالنسبة لله عز وجل، والذين يجازون العمال على أعمالهم ينقسمون في جزائهم إلى ثلاثة أقسام، وآدم يبينها لنا؟
* طالب: عدل، وفضل، وظلم.
* الشيخ: نعم، عدل، وفضل، وظلم، الذين يجازون العمال، ولهذا نجد الآن العمال عند كفلائهم من الكفلاء من يظلمهم، ومنهم من يعطيهم حقهم كاملًا، ومنهم من يزيد، أما بالنسبة لجزاء الله سبحانه وتعالى فإن الظلم ممتنع، ممتنع على الله لا عجزًا عنه ولكن لكمال عدله سبحانه وتعالى ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾.
* من فوائد الآية أيضًا: الحث على الشكر؛ لأن الإخبار بأن الله يجزي الشاكرين يراد به أيش؟ الحث على الشكر، والشكر قال العلماء: إنه يتعلق بالقلب واللسان والجوارح؛ فبالقلب بحيث يشعر الإنسان بنفسه أن هذه النعمة من الله عز وجل لا من حوله وقوته، أي لا من حول الإنسان وقوته ولكنها بفضل الله، باللسان: يشكر الله، يعني يتحدث بنعمة الله، بلسان الحال وبلسان المقال، فلسان المقال أن يقول: أحمد الله الذي فضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، أحمد الله الذي أعطاني الولد، أحمد الله الذي أعطاني المال، أحمد الله الذي يسّر لي بيتًا، وما أشبه ذلك، وبلسان الحال أن يظهر أثر النعمة على العبد، فإن الله يحب من عبده إذا أنعم عليه نعمة أن يُرى أثر نعمته عليه، وعلى هذا فإذا آتى الله الإنسان مالًا وخرج إلى الناس بالثياب الخلقة أو بثياب الخيش أو ما أشبه ذلك هل يعد شاكرًا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا، أليس هذا زهدًا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ليس بزهد، هذا من رآه قال: هذا فقير ما أنعم الله عليه بشيء، فيكون هذا المظهر منبئًا عن أيش؟ عن أن الله لم ينعم على هذا الشخص.
طيب، بالفعل وهو الثالث: أن يقوم الإنسان بطاعة الله، إذا أنعم الله عليه بمال يتصدق منه، بعلم ينشره، بجاه يتوسط للناس ويشفع لهم، وما أشبه ذلك، هذا من الشكر بالفعل، وعلى هذا يقول الشاعر في كون الشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، أنشدناكم بيتًا فيما مضى؟
* طالب: يقول: ؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا* الشيخ: أحسنت
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَاوابن القيم ذكر أن الله يسّر له شيخ الإسلام ابن تيمية وأخبر أنه لا يستطيع أن يجزيه بأيش؟ بيده ولا لسانه، مرّت علينا هذه في النونية.
{"ayah":"وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَـٰبࣰا مُّؤَجَّلࣰاۗ وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِی ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق