الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران ١٢٣]
يقول الله عز وجل مبينًا نعمته على النبي ﷺ وأصحابه، بل وعلى الأمة جمعاء؛ لأن انتصار النبي ﷺ وأصحابه انتصار لجميع الأمة إلى يوم القيامة، بل إن انتصار الرسل السابقين انتصار للمؤمنين إلى يوم القيامة، ولهذا صام النبي ﷺ عاشوراء شكرًا لله على نعمته بإنقاذ موسى وقومه وإهلاك فرعون وقومه، وقال لليهود: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٩٤٣)، ومسلم (١١٣٠ / ١٢٧) من حديث ابن عباس.]].
يقول عز وجل: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ والجملة هذه مؤكَّدة بأمور ثلاثة: الأول: القسم المقدَّر، والثاني: اللام، والثالث: قد؛ لأن التقدير: والله لقد نصركم الله.
والنصر هو أن يجعل الغلبة لهؤلاء على هؤلاء، فمن جعل الله لهم الغلبة فقد نصرهم.
وللنصر أسباب خمسة:
أولًا: الإخلاص لله؛ لقول الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور ٥٥].
والثاني: إقامة الصلاة، والثالث: إيتاء الزكاة، والرابع: الأمر بالمعروف، والخامس: النهي عن المنكر؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج ٤٠، ٤١] فالأسباب خمسة:
* طالب: الإخلاص لله عز وجل، ودليله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ إلى آخر الآية.
* الشيخ: نريد الشاهد، إلى قوله:
* الطالب: ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾.
* الطالب: الثانية: إقامة الصلاة، الثالثة: إيتاء الزكاة، الرابعة: الأمر بالمعروف، والخامسة: النهي عن المنكر، لقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج ٤١].
* الشيخ: يقول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ الباء هنا بمعنى (في)، فهي للظرفية، ولا غرابة أن تأتي الباء للظرفية؛ كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ﴾ [الصافات ١٣٧، ١٣٨] يعني: وفي الليل، فقوله: ﴿بِبَدْرٍ﴾ أي في بدر.
وبدر مكان معروف، ولا يزال حتى الآن معروفًا بين مكة والمدينة.
وسبب هذه الغزوة أن النبي ﷺ لما سمع بِعير لقريش قدمت من الشام ندب أصحابه إلى الخروج إليها لأخذها؛ لأن قريشًا أخرجوا النبي ﷺ وأصحابه من ديارهم وأموالهم، وهم حرب على رسول الله ﷺ، فكانت أموالهم حِلًّا للرسول ﷺ، فندب أصحابه أن يخرجوا إليهم، وخرجوا في عدد قليل وعدة ضعيفة، خرجوا نحو ثلاث مئة رجل وبضعة عشر رجلًا على سبعين بعيرًا وفرسين فقط يتعاقبونها، الرجلان على بعير، والثلاثة على بعير، على أنهم يريدون العير، ولكن أبا سفيان وهو أمير العير أخذها نحو الساحل -ساحل البحر- لا على الطريق المعروف، وأرسل صارخًا إلى أهل مكة يستنجدهم لحماية عيرهم، ثم لما نجا أرسل إليهم أنه نجا -نجت العير- ولكنهم كانوا قد تأهبوا للخروج لمحاربة النبي ﷺ، فخرجوا بكبرائهم وزعمائهم على الوصف الذي ذكره الله عز وجل، خرجوا ﴿بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال ٤٧]، وقال لهم الشيطان: ﴿لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال ٤٨] ولكنه خانهم: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [الأنفال ٤٨].
خرجوا ما بين ألف وتسع مئة ومعهم النساء؛ لأجل أن يشتد قتالهم خوفًا على نسائهم؛ لأنهم خرجوا بالنساء وجعلوهن بالخلف.
فحصلت المعركة بين النبي ﷺ وبين هؤلاء المشركين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في قلة؛ قلة عَدَد وعُدَد، ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم؛ ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾. أذلة جمع ذليل؛ كـ(أعزة) جمع عزيز. طيب
أذلة من أي ناحية؟ من ناحية العَدد ومن ناحية العُدد، فثلاث مئة وبضعة عشر رجلًا بالنسبة لتسع مئة إلى ألف يعني أقل من الثلث، والذي معهم من العدة ليس بشيء، سبعون بعيرًا وفرسان، ولكن الله نصرهم سبحانه وتعالى.
قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران ١٢٣] اتقوا الله، الفاء هذه للتفريع، يعني بهذا النصر الذي نصركم الله يجب عليكم أن تتقوا الله، وألا تجعلوا النصر سببًا للأشر والبطر كما يفعله من ليس عنده إيمان؛ إذا انتصر على عدوه جعل هذا سببًا للأشر والبطر، ودخل البلد وهو يغني ويطرب، نعم كما ذُكر عن بعض مذيعي العرب أيام حربهم مع اليهود، يقول: غدا تغني أم كلثوم في تل أبيب. سبحان الله! هذا جزاء النعمة؟!
أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه دخل مكة عام الفتح -وهو من أعظم الانتصارات- مطأطئًا رأسه خاضعًا لله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي، أن الإنسان إذا انتصر ألا يجعل هذا الانتصار سببًا للأشر والبطر، بل يجعله من نعمة الله سبحانه وتعالى، ويتقي الله، ولهذا قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
التقوى: اتخاذ وقاية من عذاب الله، بماذا تكون الوقاية؟ ما هي الوقاية من عذاب الله؟ بماذا تكون الوقاية؟ يعني ما الذي يقيك من عذاب الله؟
* طالب: بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
* الشيخ: نعم، فعل الأوامر واجتناب النواهي، فإذا سألنا سائل: ما هي التقوى؟ قلنا: هي فعل الأوامر وترك النواهي؛ لأنك إذا فعلت الأوامر وتركت النواهي فقد أخذت بالوقاية من عذاب الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (لعل) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تنالوا شكر الله، فالتقوى هي الشكر لله، التقوى في الحقيقة: الشكر لله عز وجل، أي من أجل أن تنالوا الشكر، أي درجة الشاكرين.
وشكر النعمة يكون بأيش؟
* طالب: الأعمال الصالحة واجتناب الأعمال السيئة.
* الشيخ: نعم.
* طالب: قال ابن القيم: شكر الله في ثلاثة أمور: الشكر بالقلب، وباللسان، وبأن تصرف في طاعة الله عز وجل.
* الشيخ: يكون بالقلب واللسان والجوارح. الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح.
أما شكر القلب فأن تعتقد بأن هذه النعم من الله فضلًا منه ومنّة، وأنه ليس لك منها إلا فعل السبب الذي أُذن لك فيه، وأما حقيقتها فهي من الله، تؤمن بذلك، ولا تكن كما قال القائل: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨] بل قل: أوتيته بفضل الله ورحمته، حتى وإن كان من عملك.
أما إذا كان من فعل الله فهذا واضح أن كل إنسان ينسبه إلى الله، ومع ذلك من الناس من لا ينسب ما كان من فعل الله إلى الله، إذا حصل المطر قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، ولهذا قال زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: «صلى بنا رسول الله ﷺ في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني على إثر مطر- فلما انصرف أقبل إلينا فقال: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ»[[ متفق عليه؛ البخاري (٨٤٦)، ومسلم (٧١ / ١٢٥) من حديث زيد بن خالد الجهني.]]. إذن لا بد أن تعتقد في قلبك أن النعمة ممن؟
* طالب: من الله سبحانه.
* الشيخ: من الله، وأن ما يحصل منك في جلب هذه النعمة ما هو إلا سبب مأذون فيه من الله عز وجل.
ثانيًا: اللسان، أن تثني بها على الله، لا أن تقولها فخرًا على عباد الله، بل تثني فتقول: الحمد لله الذي أعطاني كذا وكذا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى ١١].
ثالثًا: أن تعمل بجوارحك بطاعة الله، ولاسيما فيما يتعلق بهذه النعمة بخصوصها، فليس من الشكر إذا رزقك الله مالًا أن تشتري به دخانًا تشربه؛ لأن هذا استعانة بنعمة الله على معصية الله، أو أن تشتري به آلة لهو تتلهى بها، فإن هذا ليس من الشكر، بل من الشكر أن تجعل النعمة معينة لك على طاعة الله سبحانه وتعالى، وقد قال أحد الشعراء:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
يدي: هذه الجوارح، ولساني: القول، الثناء على الله بالنعمة، والضمير المحجبا: الاعتقاد.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
* * *
ثم قال: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران ١٢٤، ١٢٥].
أولًا: في هذه الآية قوله0: ﴿مُنْزَلِينَ﴾ فيها قراءة سبعية: ﴿﴿مُنَزَّلِينَ﴾ ﴾، بتشديد الزاي. وقوله: ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ فيها قراءة سبعية أيضًا: ﴿﴿مُسَوَّمِينَ﴾ ﴾ بالبناء للمجهول.
يقول: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الخطاب للنبي ﷺ، وهذا من الخطابات التي تختص برسول الله ﷺ، وقد مر علينا أن الخطابات الموجهة لرسول الله ﷺ تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دل الدليل على أنه خاص به.
والثاني: ما دل الدليل على أنه عام للأمة.
والثالث: ما لم يدل عليه الدليل؛ لا هذا ولا هذا.
فما دل الدليل على أنه خاص به فهو خاص به، مثل هذه الآية: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ﴾، ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب ٣٧] هذا خاص، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] هذا خاص، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] هذا أيضًا خاص، وإن كان الأمة يجب عليها التبليغ من جهة أخرى.
الثاني: ما دل الدليل فيه على العموم؛ كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق ١]، هذا واضح أنه عام؛ لأنه قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾، فوجه الخطاب أولًا للنبي ﷺ ثم عَمَّم في الحكم فقال: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾.
الثالث: ما لم يدل الدليل عليه لا هذا ولا هذا فهو عام، فهو عام بلا شك، حكمه عام، لكن هل الخطاب عام من حيث اللفظ أو لا؟
الذي يظهر أنه عام حتى من حيث اللفظ؛ وذلك لأن الخطاب للإمام خطاب لمن تبعه.
ولهذا لو قال الوزير مثلا للقائد: اذهب إلى الجهة الفلانية، كان ذلك خطابًا له ولمن كان تحت إمرته.
كذلك الخطاب إذا وُجه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يدل الدليل على أنه خاص به فهو شامل له وللأمة جميعًا.
وقال بعض العلماء: إنه لا يشمل الأمة، وإن الخطاب له وحده، ولكن على الأمة الاتباع.
وأنتم إذا تأملتم وجدتم أن الخلاف قريب من اللفظ؛ لأنهم متفقون على أن الحكم عام، لكن هل الأمة تدخل في ضمن هذا الخطاب أو تدخل بخطاب آخر؛ لأنها مأمورة بالاتباع. هذا محل الخلاف، والحقيقة أنك إذا تأملته وجدت أنه قريب من الخلاف اللفظي.
* طالب: شيخ بارك الله فيك، بعض الناس يكثر من الأشياء المباحة حتى يُخشى عليه الإسراف، فإذا نصحته قال: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾؟
* الشيخ: إي نعم، نقول له: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام ١٤١]، نحن لسنا نقول لك إذا كنت غنيًّا: فاخرج في ثياب الفقراء، ولا تأكل إلا ما يأكل الفقراء، نقول: كل ما يأكل الأغنياء والبس ما يلبس الأغنياء، لكن لا تسرف.
* طالب: اقتتلت طائفتان من المسلمين، وكانت إحداهما تغنم ما تأخذ من الأخرى من سلاح، هل يحل للأخرى أن تغنم كذلك؟
* الشيخ: ما فهمت.
* الطالب: أموال المسلمين أليست لا تُغنم؟
* الشيخ: لا تغنم؟
* الطالب: أي في حال القتال.
* الشيخ: ينظر في القتال ما هو، إذا كان لعصبية أو رئاسة فلا شك أنه ظلم ولا يجوز، ولا تحل به الأموال ولا النفوس، أما إذا كان بغيًا فيجب أن الباغي يقاتَل حتى يفيء عن بغيه، كما قال الله عز وجل.
* الطالب: لكن يؤخذ سلاحه؟
* الشيخ: معلوم يؤخذ سلاحه؛ لأننا لو قاتلناه وقدرنا على أخذ السلاح ولم نأخذه لارتد علينا به، فنأخذه، ثم هل يكون غنيمة أو لا فهذا ينبني على من نقاتل؛ إذا كان من نقاتله كافرا فهو غنيمة، وإذا كان غير كافر فهذا محل نظر.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، عدم ولاية الكفار في الأمور العامة ولَّا في الأمور الخاصة؟
* الشيخ: لا، في الأمور القيادية، أما الأمور الغير القيادية، مثل بناء أو شبه ذلك، كعامل عندك؛ فهذا فليس فيه شيء، إلا في هذه الجزيرة العربية فإنه لا ينبغي أن يُجلب إليها الكفار؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وقال: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». فقالت زَيْنَبُ: يا رسولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٦)، ومسلم (٢٨٨٠ / ١) من حديث زينب بنت جحش.]]. والخبث هنا يشمل الخبث الشخصي والخبث العملي. فإذا كثر الخبث من المسلمين أوشك الله أن يهلكهم، وإذا كثر الخبث من الأشخاص غير المسلمين يعني بأن جاء كفار إلى البلد فهذا أيضا يوشك أن الله يأخذهم.
* طالب: الأشياء التي ليست عندنا أو ليست لنا خبرة فيها وهم لهم خبرة فلا بد أن نعطيهم بعض القيادات حتى نتعلم منهم أو يساعدونا في شيء؟
* الشيخ: هذه المسائل قد تكون عارضة، ما هي دائمة، ولهذا لسنا منهيين أن نتعلم منهم ما يعلموننا أو مثلا نأخذ من خبراتهم، هذه فيه فائدة لنا.
* طالب: هل يجوز يا شيخ تولية بعض أهل الفرق الضالة الذين يحقدون على أهل السنة والجماعة مثل الرافضة وغيرهم في ولاية الأمور القيادية؟
* الشيخ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾ [آل عمران ١١٨] من دونكم يعني من سواكم، كل إنسان نعرف أنه لا ينصح لنا فإنه لا يجوز أن نوليه.
* طالب: قول الله تعالى ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج ٤٠]، قوله ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحج ٤١] بعض الناس يقول يعني: إن ظاهر الآية: إن مكناهم في الأرض أقاموا، يعني بعد التمكين يقيمون؟
* الشيخ: نعم هذا من أسباب النصر ما فيه شك، فإذا علم الله أن هؤلاء القوم من نيتهم أنهم إذا مُكنوا من الأرض أقاموا الصلاة هذا من أسباب النصر.
* طالب: يعني ولو كان حالهم (...) من الحال التي قبل النصر؟
* الشيخ: لأن الذي هذه إرادته قبل الانتصار فهو عليها بلا شك.
* طالب: شيخ، جزاكم الله خيرًا، بالنسبة لقول الله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ بعضهم يا شيخ يقول: إن هذا أيضا (لعل) تحتمل الترجي لكن باعتبار المخاطبين؟
* الشيخ: (...) لأنك .. للترجي باعتبار المخاطبين صرفتها عن ظاهرها.
* الطالب: تبقى على أصلها (لعل) للترجي وتكون باعتبار المخاطب؟
* الشيخ: لا، أبدًا، هي للتعليل، فهي للتعليل أقوى، يعني كون التقوى سببًا للشكر هذا أقوى بلا شك.
* الطالب: يعني خطأ..
* الشيخ: نعم هذا خطأ.
* طالب: متى يكون إضافة المطر إلى الزمن جائزًا؟
* الشيخ: إذا أضفت المطر إلى الزمن باعتباره ظرفًا له، لا سببًا له. يعني مثلا قلت: مطرنا في نوء كذا، يعني مطرنا مثلا في نوء الشولة، فهذا معناه، في نوء النعايم، اللي يسموه عندنا الشبط، هذه ما فيها بأس، ولهذا قال العلماء: يحرم أن يقول: مطرنا بنوء كذا، ويجوز أن يقول: مطرنا في نوء كذا. ولكن العامة عندنا يجعلون الباء بمعنى (في)، فيقولون: مطرنا في شباط، مطرنا في المربعانية، ويحطوا الباء: بالمربعانية، بالموسم. على أن الباء عندهم بمعنى (في)، والعبرة بالنية.
* طالب: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (إذ) يتعلق بالنصر ولّا يتعلق بأحد.
* الشيخ: هذه تنبني على أن هذا هل هو في بدر أو في أحد؟
* الطالب: أظن في بدر، بعد (...).
* الشيخ: فيها خلاف سنذكره إن شاء الله، بعض العلماء يقول: هذه في بدر وبعضهم يقول: في أُحد، فالذين قالوا: إنه في بدر قالوا: إن قوله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ هذه الآية معترضة في القصة؛ لأن قوله: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [آل عمران ١٢١] بالاتفاق يراد به غزوة أحد.
* طالب: إذا ولينا الكافر صارت عند نفسه عزة يتعزز بها على المسلمين ولا يعطيه حتى كل (...) لأنه حاقد، كيف نوليه؟
* الشيخ: لا ما نوليه، إذا خفنا من هذا ما نوليه، إذا خفنا من هذا المحظور فلا نوليه.
* * *
* الطالب: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران ١٢٤ - ١٢٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾ إلى آخره.
قوله: ﴿إِذْ﴾ هذه ظرف، والقاعدة في اللغة العربية أن الظرف والجار والمجرور لا بد له من متعلق؛ وذلك لأن الظرف والجار والمجرور يقعان موقع المفعول به، وما كان واقعًا موقع المفعول به فلا بد له من عامل يكون واقعًا عليه.
وقوله: ﴿إِذْ تَقُولُ﴾ إذا قلنا: إنها تحتاج إلى متعلق فأين متعلقها؟ قيل: إن متعلقها قوله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ﴾: ببدر نصركم إذ تقول للمؤمنين. ولكن هذا قول ضعيف.
والقول الثاني: أنها بدل من قوله: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ والتقدير: وإذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم، التقدير: إذ تقول للمؤمنين: إذ غدوت إذ تقول للمؤمنين، وهذا أقرب.
ثم إن قوله: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الخطاب فيه للنبي ﷺ، وهذا من الخطاب الخاص به الذي لا يتعدى إلى الأمة.
وقوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني بهم الصحابة رضي الله عنهم، ووصفهم بالإيمان دون الصحبة لأنه -أعني الوصف بالإيمان- هو مناط النصر في كل وقت، حتى فيما بعد الصحابة، فإن الله ينصر الذين آمنوا.
﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ﴾ هذه مقول القول، أي: إذ تقول لهم هذا الكلام: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾. قال أهل العلم: إن الصحابة رضي الله عنهم بلغهم أن المشركين صار بعضهم يمد بعضًا على قتال النبي ﷺ وأصحابه، فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: ألن يكفيكم -أي يكون كافيًا لكم هذا الأمر- أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين.
﴿بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾ الملائكة هم عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور، ووجه لهم عبادات وأعمالًا يقومون بها لا يعصون الله فيها ويفعلون ما يؤمرون، فليس عندهم استكبار تكون به المعصية، وليس عندهم عجز يكون به تخلف الفعل، بل هم سامعون مطيعون قادرون على تنفيذ أمر الله، بخلاف البشر؛ فإنه يكون عندهم استكبار فيعصون الله، ويكون عندهم عجز فلا يقدرون على تنفيذ أمر الله، أما الملائكة فعندهم قوة لا يعجزون عن امتثال أمر الله، وعندهم انقياد تام فلا يعصون الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ منزلين من أي مكان؟ من السماء؛ لأن الأصل أن مكان الملائكة السماء، ولكن هناك ملائكة يكونون مع الإنسان كالكرام الكاتبين والحفظة الذين يتعاقبون على الإنسان ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، وإلا فالأصل أنهم في السماء.
وقوله: ﴿مُنْزَلِينَ﴾ فيها قراءتان: ﴿﴿مُنَزَّلِينَ﴾ ﴾ و﴿مُنْزَلِينَ﴾، فعلى قراءة التخفيف تكون من (أنزل)، وعلى قراءة التشديد تكون من (نزَّل)، والمعنى واحد، والذي ينزلهم هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم ينزلون بأمره.
قال الله تعالى: ﴿بَلَى﴾ بلى هذه لإثبات، أو للتقرير تقرير الاستفهام: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ﴾؟ بلى، يعني: يكفيكم ﴿أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾.
يقول: بلى، يعني يكفيكم هذا الإمداد، لكن بشرط: إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بأكثر مما قلتَ لهم. فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: ألن يكفيكم أن يمدكم بثلاثة، لكن إن صبرتم واتقيتم أمدكم الله بأكثر. ولهذا قال: ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ﴾.
فهاهنا شيئان: ثلاثة آلاف من الملائكة: هذا وعد به الرسول عليه الصلاة والسلام، خمسة آلاف من الملائكة: زائدة على الثلاثة هذا تكفل الله به، لكن بشرط الصبر والتقوى.
وقوله: ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ [آل عمران ١٢٥] أي يأتوكم من الجهة التي جاؤُوكم منها في وقت مبادر؛ لأن الفور معناه المبادرة بالشيء، فالمعنى أنهم إذا باغتوكم وأتوكم من فورهم فإنه يمددكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
فالشروط إذن ثلاثة: الصبر، الثاني؟
* الطلبة: التقوى.
* الشيخ: والثالث: أن يأتوهم من فورهم هذا، فإن الله يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة ليسوا منزلين فقط، بل مسوَّمين، أي معلَّمين علَم الجهاد وعلَم القتال، وهذا أبلغ من مجرد الإنزال، فالله سبحانه وتعالى تكفل بالزيادة، وهذا يعود إلى الكمية، وتكفل بالقوة والشجاعة، وهذا يعود إلى الكيفية.
وقوله: ﴿﴿مُسَوَّمِينَ﴾ ﴾ [آل عمران: ١٢٥] أي معلمين بعلامات القتال؛ لأن العادة أن الشجعان يجعلون لهم علامات فوق لأمة الحرب حتى يُعرف بها الشجاع من غيره.
هذا الإمداد اختلف أهل العلم هل هذا في بدر أو في أُحد؛ فإن كان في بدر ففيه إشكال، حيث إن الله تعالى ذكر أن الله أمدهم في بدر بألف من الملائكة فقال: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال ٩] وهنا قال: ثلاثة آلاف وخمسة آلاف، لكن جمعوا بينهما بأنه لا مانع أن الله استجاب لهم فأمدهم بألف من الملائكة ثم زيد فيهم إلى ثلاثة آلاف، ثم زيد فيهم إلى خمسة آلاف إذا تمت الشروط.
وبناء على هذا القول يكون قوله: ﴿إِذْ تَقُولُ﴾ متعلق بـ(نَصَرَ).
والقول الثاني: أن هذه الآية في أحد وليست في بدر؛ لأن الذي في بدر كان الأمر فيها غير مشروط: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ وهذه مشروطة، ولم يحصل الشرط فلم يحصل المشروط، أي أن المسلمين في غزوة أحد لم يحصل منهم الشرط الذي اشترطه الله، وهي التقوى والصبر؛ وذلك لأنهم حصل منهم تنازع وفشل ومعصية، فلم يكونوا على الحال التي يستحقون بها ما شرط الله لهم.
وهذا القول أصح وأقرب؛ أن يكون المراد بذلك غزوة أحد، وأنه لم يحصل الإمداد؛ لأن الإمداد كان مشروطًا بشرط لم يتحقق، وعلى هذا فلا يبقى إشكال بين الآيتين؛ لأن كل آية نزلت في غزوة.
ثم إنه يجب أن نعلم أن الذي وعدهم به الرسول عليه الصلاة والسلام غير الذي وعدهم الله به، فليس الكلام من متكلم واحد، بل من النبي ﷺ ومن الله سبحانه وتعالى، فالرسول قال: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ﴾ والله قال: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ﴾ (جعلهُ) الضمير قيل: إنه يعود إلى الإمداد، أو إلى الوعد به بالشروط الثلاثة، وقيل: إنه يعود إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، يعني أن الله لم يجعل قول الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بشرى لكم، والبشرى هي الخبر بما يسر، وهذه لا شك أنها بشرى؛ إذ إن المقاتل إذا علم أن الله سبحانه وتعالى سيمده بالملائكة فإنه سوف ينشط ويقوى ويؤمل النصر، بخلاف ما إذا كان لم يحصل له هذا الشيء.
وقوله: ﴿إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ﴾ [آل عمران ١٢٦] ما نعلم هل تعرفون إعراب بشرى؟
* طالب: مفعول ثان.
* الشيخ: مفعول ثان لأيش؟
* الطالب: لـ(جعل).
* الشيخ: لـ(جعل) ولَّا منصوب على الاستثناء؟
* طالب: مفعول لأجله يا مفعول ثان لـ(جعل)، إذا كان (جعل) بمعنى (صيّر) فمفعول ثان، إذا كان ما هو بمعنى (صير) بعد مفعول لأجله.
* الشيخ: ما تصح استثناء؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: ما هو مذكور المستثنى منه لأنه أداة حصر.
* الشيخ: لأن العامل لم يستكمل معموله.
قال: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ [آل عمران ١٢٦] ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾: الاطمئنان معناه الاستقرار وعدم القلق، ولا شك أن طمأنينة القلب فيها راحة للنفس، وفيها فتح للتفاؤل والأمل، وفيها ثبات على الأمر، بخلاف الإنسان الذي لم يطمئن قلبه، فتجده دائما في قلق وضيق، أما إذا اطمأن قلبه فإن ذلك مما يعينه على التحمل والثبات والصبر، ولهذا قال: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾. في آية الأنفال يختلف السياق، هناك قال: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأنفال ١٠] وحذف قوله: (لكم)، وقدم الجار والمجرور على الفاعل: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ في سورة الأنفال، أما هنا ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾، وهذا مما يؤيد أن الآيتين ليستا في غزوة بدر، بل آية الأنفال في غزوة بدر، وهذه في غزوة أحد، ولم يحصل الإمداد لما عرفتم من تخلف الشرط.
ثم قال: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ يعني حتى لو أُمددتم بالملائكة ثلاثة الآلاف أو خمسة الآلاف؛ فليس النصر بهم، ولكن النصر من عند الله، وهو الذي يهيئ أسباب النصر، فلا تعتمد على غير الله سبحانه وتعالى مما جعله الله تعالى سببا في النصر.
قال: ﴿إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ العزيز يعني: ذو العزة، وعزة الله سبحانه وتعالى ثلاثة أنواع: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، عزة القدر: يعني الشرف والسيادة والفضل، مثل أن تقول: هذا الشيء عزيز وجوده، يعني أنه منفرد بالصفات الكاملة عن غيره. عزة القهر...
ثم قال: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ١٢٦] يعني حتى لو أُمددتم بالملائكة ثلاثة الآلاف أو خمسة الآلاف فليس النصر بهم، ولكن النصر من عند الله، وهو الذي يهيّئ أسباب النصر، فلا تعتمد على غير الله سبحانه وتعالى مما جعله الله تعالى سببًا في النصر.
قال: ﴿إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، العزيز: يعني ذا العزة، وعزة الله سبحانه وتعالى ثلاثة أنواع: عزة القدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع؛ عزة القدْر يعني الشرف والسيادة والفضل، مثل أن تقول: هذا الشيء عزيز وجوده؛ يعني أنه منفرد بالصفات الكاملة عن غيره. عزة القهر يعني الغلبة؛ يعني أنه غالب، ومنه قوله تعالى: ﴿فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص ٢٣] أي: غلبني فيه، فالله سبحانه وتعالى له الغلبة، كما قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ﴾ يعني المنافقين: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون ٨] فسلَّم الله لهم ذلك؛ أن الأعز يخرج الأذل، ولكن لمن العزة؟
* الطلبة: لله العزة ورسوله.
* الشيخ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون ٨] إذن عزة القهر يعني الغلبة، أنه غالب، غالب لكل شيء، ومن الشعر الجاهلي:
؎أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ ∗∗∗ وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَالْغَالِبُ
يقول: الثالث: عزة الامتناع؛ يعني أنه يمتنع أن يناله السوء سبحانه وتعالى أو النقص، وهو مأخوذ من قولهم: (أرض عَزَاز) يعني صلبة قوية، لا تؤثر فيها المعاول، فصارت العزة التي يتصف الله بها ثلاثة أنواع، اذكرها.
* طالب: عِزة القدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع.
* الشيخ: إي نعم، ويش معنى؟ ما معنى عزة القدْر؟
* الطالب: عزة الشرف والمكانة.
* الشيخ: نعم، والسيادة، طيب عزة القهر؟
* طالب: يعني عزة الغلبة.
* الشيخ: عزة الغلبة؛ يعني أنه غالب لا يغلبه شيء، الشاهد على أن العزة تأتي بمعنى الغلبة؟
* طالب: نعم، قول الله عز وجل: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ بمعنى الغلبة.
* الشيخ: بمعنى الغلبة، الثالث: عزة الامتناع ويش معناها؟
* طالب: أن الله سبحانه يمتنع أن يناله سوء أو نقص.
* الشيخ: أو نقص.
* الطالب: ومنه قولهم: (أرض عَزَاز) أي: صلبة.
* الشيخ: نعم، وأما قوله: ﴿الْحَكِيمِ﴾ فالحكيم مأخوذة من (الحُكْم)، ومن (الإحكام)، فالحكم يعني القضاء، والإحكام يعني الإتقان، ونحن نعلم أن حكم الله ينقسم إلى قسمين: حكم كوْني لا يتخلّف المحكوم فيه، وحكم شرعي قد يتخلّف، فالحكم الكوني لا يتخلف أبدًا، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ [يوسف ٨٠] يعني حكمًا شرعيًّا أو حكمًا كونيًّا؟
* طالب: كونيًّا.
* الشيخ: حكمًا كونيًّا، وأما الحكم الشرعي فمثل قوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الممتحنة ١٠]، ومنه قوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة ٥٠].
فإذن الحكم ينقسم إلى؟
* طلبة: قسمين.
* الشيخ: كوني وشرعي، ثم إن في كل منهما حكمة؛ يعني ما من حُكم كوني أو شرعي إلا وهو مقترن بالحكمة؛ لأننا قلنا: إنها مأخوذة من الحكم والإحكام، فالحكم الكوني لا بد أن يكون له حِكمة، والحكم الشرعي لا بد أن يكون له حِكمة، ثم الحكمة قد يكون المراد بها أن وقوع الشيء على هذا الوجه حكمة، والغاية منه حكمة أيضًا، فتكون الحكمة في صورة الشيء، والحكمة الثانية في الغاية منه، فكون الصلوات على هذا الوجه هذا حكمة تتعلق بصورة العمل، والغاية منها حكمة تتعلق بالمراد من هذا العمل، فإذا قلنا: الآن الحكمة إما في الحكم الكوني أو الحكم الشرعي، وإما أن تكون في صورة الشيء أو في غايته، صار عندنا أقسام كثيرة، وكلها داخلة في قوله تعالى: ﴿الْحَكِيمِ﴾.
وربط العزة بالحكمة يفيد معنًى ثالثًا غير المعنى المستفاد من العزة على انفراد أو الحكمة على انفراد؛ وذلك لأن العزيز قد تغلبه العزة حتى يتصرف تصرّف الطيش والسفه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة ٢٠٦] لكن عزة الله عز وجل لا تخرج عن الحكمة، مع أن له العزة المطلقة، فإن هذه العزة لا تخرج عن الحكمة، لن يفعل شيئًا على وجه السفه، إنما يفعله على وجه الحكمة.
ثم قال الله عز وجل: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا﴾.
قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٢٣].
* في هذه الآية: امتنان الله سبحانه وتعالى على رسول الله ﷺ وأصحابه بنصرهم في بدر، والنصر لهم نصر للأمة إلى يوم القيامة.
* ومن فوائد الآية: أن الإنسان بغير نصر الله لا يستطيع أن ينتصر؛ لأنه إذا كان جند الله الذين هم أعظم جند كان على وجه الأرض؛ وهم رسول الله ﷺ ومن معه لم ينتصروا بأنفسهم وإنما انتصروا بنصر الله، فمن سواهم من باب أولى.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أننا لا نُعلّق النصر إلا بالله سبحانه وتعالى، لا نعلّق النصر بقوتنا، ولا بقوة مساندة لنا، وإنما نعلّق النصر بالله وحده، ونجعل هذه الأشياء المادية التي يكون بها النصر نجعلها أسبابًا قد تتخلف عنها مسبباتها؛ لأن النصر يكون من عند الله وحده.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه كلما كان الإنسان أذلّ لله كان أقرب إلى نصر الله، وكلما كان الإنسان مستغنيًا عن الله كان أبعد عن النصر؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾، والإنسان إذا رأى من نفسه العزة وعلا وشمخ فإنه يُخذَل، قال الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق ٦، ٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النصر لا يكون بكثرة العدد ولا بقوة العُدد، بل هو من عند الله سبحانه وتعالى، لكن كثرة العدد وقوة العُدد مما أمرنا الله به وجعله سببًا للنصر، كما قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ﴾ من ورائهم ﴿لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال ٦٠]، ولهذا يجب على ولاة الأمة الإسلامية أن يُعدّوا أعظم سلاح يفتك بالأعداء من أجل إذا احتاجوا إليه يستطيعون المهاجمة؛ مهاجمة العدو، أو المدافعة إذا اعتدى عليهم أحد، وأما الأسلحة التقليدية التي تُعتبر في وقتنا الحاضر مثل الحمير بالنسبة للخيل في الوقت السابق، فهذه لا تكفي إلا إذا كان الإنسان لا يستطيع فإنه معذور، لكن إذا كان يستطيع فالواجب أن يُجهّز نفسه بكل ما يستطيع من قوة؛ لأن أعداء الإسلام يتربّصون به الدوائر، ويريدون أن يقضوا على المسلمين بكل وسيلة، فإذا لم يكن عندنا سلاح نكبتهم به ونخزيهم به ونذلهم به فإننا لم نقُم بما أوجب الله علينا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾. وهنا يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* من فوائدها: أن من منَّ الله عليه بنعمة كان ذلك موجبًا لتقوى الله، فالنصر سبب للتقوى والذل لله والخضوع له والانطراح بين يديه، كما فعل النبي ﷺ حين فتح مكة دخل مطأطئًا رأسه يتلو كتاب الله عز وجل، خلافًا لما يفعله الناس اليوم أو بعض الناس إذا انتصر جعل هذا النصر سببًا للأشَر والبَطر والملاهي والأغاني وغير ذلك من المعاصي، بل قد يكون بعد النصر أكثر منه فسوقًا مما قبل الحرب، وهذا خلاف ما أمر الله به؛ لأن الله قال: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فأمر بالتقوى بعد النصر لئلا يشمخ الإنسان بأنفه ويتطاول على ربه بانتصاره فيعود إلى ما كان عليه من الفرح والبطَر والأشَر.
* ومن فوائد هذه الآية: أن تقوى الله تعالى من الشكر، أن تقوى الله من شكر الله؛ لقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وهذا أمر لا شك فيه أن التقوى من الشكر، بل هي الشكر حقيقة؛ لأن التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، والشكر هو القيام بطاعة المنعِم بالقلب واللسان والجوارح، عرفت؟ الشكر ما هو؟
* طالب: هو القيام بطاعة الله بالقلب واللسان والجوارح.
* الشيخ: نعم، القيام بطاعة المنعِم بالقلب واللسان والجوارح.
ثم قال الله تعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٢٤].
* من فوائدها: ما كان عليه النبي ﷺ في معاملة أصحابه من إدخال الأمل في قلوبهم عند اشتداد الأزمات، وهذه هي الطريقة السليمة؛ لأنك إذا أدخلت الأمل على الناس نشطوا ونسوا ما هم فيه من الهمّ والغمّ، أما بعض الناس فيكون على العكس، تجده يدخل على الناس باب التشاؤم والمروِّعات والمخِيفات، وكلما قلنا: انتهت هذه المروعات جاءنا ما هو أشد ترويعًا، هذا لا شك أنه خلاف السياسة الشرعية، بل هو خلاف العقل، الشيء الذي تدعو الضرورة إليه مما يروّع هذا لا بد منه، أما الذي لا تدعو الحاجة إليه أو الضرورة فافتح للناس باب الأمل، فالرسول عليه الصلاة والسلام لما أنهم خافوا من إمداد المشركين بعضهم بعضًا قال لهم هذا الكلام: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران ١٢٤]. ولما أُخبر بأن بني قريظة نكثوا العهد في عام الأحزاب أرسل إليهم من يقص الخبر، وقال للرسول: «إِذَا أَتَيْتُمْ فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا» ، «الْحَنُوا لِي لَحْنًا»، ويش معنى يلحنوا؟ يعني أخبروني بهذا بإشارة، وهي تُسمى عندنا الآن بالشفرة، شفرة خاصة أخبرهم بها؛ لأنهم إذا جاؤوا ووجدوا أن اليهود قد نقضوا العهد، ثم أخبر الرسول أمام الناس يلحقهم الروع والخوف، فقال: «الْحَنُوا لِي لَحْنًا»، فلما رجعوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبروه أن بني قريظة نقضوا العهد، لكن ما هو بلفظ صريح، باللحن الذي أرشدهم إليه، قال: «أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا»[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (١٣٧٣) من حديث عاصم بن عمر بن قتادة.]]، وكان المتوقّع لو كان مثل بعض قادتنا أن يقول: والله هذه مصيبة جاءنا عدو جديد، ثم ملأ القلوب رعبًا، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «أَبْشِرُوا»، ولما كانوا يحفرون الخندق واعترضتهم كُدْية؛ صخرة شديدة عجزوا عنها، جاؤوا إلى النبي ﷺ وأخبروه، فجاء ونزل في الخندق وأخذ المعول فضربها ضربة انقدح منها شعاع، قال في الأولى: «أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ كِسْرَى أَوْ قَيْصَر»، وفي الثانية: «قُصُور كِسْرَى أَوْ قَيْصَر»، في الثالثة: «قُصُورُ الْيَمَنِ». صَنْعَاء، فقال: «أَبْشِرُوا»[[أخرجه الطبري في التفسير (٢٠ / ٢٢٣) من حديث عوف المزني، وأحمد في المسند (١٨٦٩٤) من حديث البراء بن عازب بنحو هذا اللفظ، وأصله في البخاري (٤١٠١) من حديث جابر بن عبد الله.]]، مع أن الله تعالى قال عنهم في تلك الحال: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ [الأحزاب ١٠].الآن مثلًا هنا في هذه الأحداث نجد أن الطاغي قد تخلخل وظهر فيه الخلل ولا إشكال فيه، ثم يأتي بعض الناس يقول: لا، عنده قوة عظيمة مدخرة بيخليها في آخر الوقت، فالله أكبر! الآن قد بشّرك الله سبحانه وتعالى بما يدل على أن الله سيكفي المسلمين شره، ثم تأتي وتروّع الناس، تقول: لا، عنده، عنده قوة بس بيخليها آخر الشيء، من قال لك هذا؟! إن كان هذا محتملًا فالأول أقرب احتمالًا، ما فيه شك أنه أقرب؛ لأن كل إنسان لا يمكن أن يتظاهر بهزيمة أمام عدوه أبدًا، ولهذا ينبغي لنا أن نُدخل على الناس باب الأمل والمقدّر سيكون، سواء أدخلنا باب الأمل الذي يُنشّطهم ويُدخل عليهم السرور، وينسيهم الغموم، أو أدخلنا عليهم باب المروّعات والمقبّضات حتى إن الإنسان تيبس أمعاؤه على بطنه، هذا ما هو صحيح، أنت أدخل الأمل وما أراد الله سوف يكون، ولكن مع ذلك أنا أقول: إنما يكون إدخال الأمل حينما يتعلق القلب بالله عز وجل، وتنقطع الحيل إلا من عند الله سبحانه وتعالى.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات الربوبية الخاصة؛ لقوله: ﴿أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾.
والربوبية نوعان: عامة وخاصة؛ ففي قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢] هذه عامة، وفي قوله: ﴿رَبُّكُمْ﴾ هنا خاصة، وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى عن سحرة فرعون الذين منَّ الله عليهم بالإيمان: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] الأولى: عامة، والثانية: خاصة.
* الطالب: جاء في بعض الأحاديث أن بعض الملائكة قاتلوا مع المسلمين في غزوة أُحُد؟ كيف (...)؟
* الشيخ: لا، بس هذه إن صحّت الأحاديث في هذا؛ لأن بعض العلماء ضعّفها، وقال: ما قاتلت الملائكة إلا في بدر، وإنما جاءت في أُحُد لتقوية المسلمين فقط، لكن إن صحت فهذه خاصة حينما تخلّى الصحابة عن النبي عليه الصلاة والسلام ولم يبقَ معه إلا نفر قليل.
* طالب: شيخ، بعض الناس في الأحداث الراهنة ينظر بعدم التفاؤل الحقيقة، قلت له: تفاءل يا أخي وأحسن الظن، قال: والله حالنا لا تسرّ؟ فما أدري أيش تقول يعني؟
* الشيخ: نعم، لا شك أن حالنا ضعيفة، ولكن أملنا بالله وعفوه أكبر من سوء ظننا بأنفسنا.
* طالب: شيخ، ما معنى قوله: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ﴾؟
* الشيخ: ما ذكرناها؟!
* طالب: ذكرناها يا شيخ.
* الشيخ: ﴿مِنْ فَوْرِهِمْ﴾ يعني في الوقت الحاضر، يعني من الوجه الذي جاؤوكم به، هم لما انصرفوا هم الكفار هزموا الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه وحصل ما حصل لهم وانصرفوا، قال الله عز وجل: إن جاؤوكم من فورهم هذا ورجعوا عليكم أمدكم الله.
* طالب: شيخ، ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ﴾ عطف على أيش؟
* الشيخ: ويش تقولون؟
* طلبة: ما سمعنا.
* طالب: السؤال يا شيخ.
* الشيخ: يقول: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾ على أيش معطوفة؟
* طالب: على ﴿بُشْرَى﴾ يا شيخ.
* الشيخ: على ﴿بُشْرَى﴾.
* الطالب: إذا كان على ﴿بُشْرَى﴾ (...) مفعول به.
* الشيخ: وهذا مما يؤيد على أنها مفعول من أجله.
* الطالب: إذا كان مفعولًا به؟
* الشيخ: وإذا كان مفعولًا به يُقدّر الفعل.
* الطالب: يقدّر الفعل.
* الشيخ: إي نعم، يعني وأخبركم الله لتطمئن به قلوبكم.
* الطالب: شيخ، سؤال ثان يجوز؟
* الشيخ: يجوز! بشرط أن يوافق الإخوان، توافقون؟
* الطالب: الله تبارك وتعالى أرسل ثلاثة آلاف من الملائكة مع الصحابة مع أن واحد جبريل يكفي بجميع..؟
* الشيخ: إي، لا، قل: ألف؛ لأنه هذا ذكرنا أنه ما حصل الإمداد؛ لأن الشرط لم يحصل على القول الصحيح، لكن الألف من الملائكة في بدر يكفي ملك واحد لا شك، ويُغني عن ذلك أيضًا كلمة واحدة من الله، تُغني عن الملائكة وعن البشر، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد ٤ - ٦] تفوت هذه الفائدة، واضح؟
* طالب: بالنسبة لشروط النصر إذا توفرت تحقق النصر، ولكن نزول الملائكة إلى يومنا تنزل الملائكة؟
* الشيخ: ربما نعم، ربما إن الملائكة تنزل لتثبيت المؤمنين، وإذا كان القتال جهادًا في سبيل الله حقًّا فقد تُقاتل؛ لأن الله تعالى ينصر دينه.
* طالب: شيخ، ما يصلح أن يكون متعلق الظرف (اذكر) أو (تذكّر)؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ هل يصلح؟
* الشيخ: يصلح إذا لم يمكن؛ لأن التقدير الأصل فيه عدمه؛ لأن التقدير يستلزم الحذف، والأصل عدم الحذف، فإذا أمكن أن يكون متعلقًا بشيء موجود فإنه لا يُقدّر، أما إذا لم يمكن يُقدّر.
* طالب: شيخ، الراجح في العائد في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ﴾؟
* الشيخ: إلى قول الرسول، هذا هو الراجح، وإن كان أكثر المفسرين يعود على إخبار الله عز وجل، لكن الأقرب أنه قول الرسول ووعده إياهم.
* * *
* طالب: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)﴾ [آل عمران ١٢٨، ١٢٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران ١٢٤].
أخذنا * من فوائد هذه الآية: أنه ينبغي إلقاء البُشرى في قلوب المقاتلين كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
* من فوائدها أيضًا: الربوبية الخاصة في قوله: ﴿أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ﴾. والربوبية الخاصة تقتضي مع المعنى العام وهو التدبير والملك التثبيت والإعانة والكفّ عن الشرور وما أشبه ذلك؛ لأنها خاصة.
* من فوائدها: أن الملائكة أجسام يُحصَون بالعدد؛ لقوله: ﴿بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ﴾.
* من فوائدها أيضًا: أن موطن الملائكة هو السماء، هذا هو الأصل؛ لقوله: ﴿مُنْزَلِينَ﴾ لأن النزول إنما يكون من أعلى إلى أسفل، فإذا كان الملائكة هؤلاء مُنزلين دلّ على أن مكانهم في السماء، هذا هو الأصل، لكن ينزلون إلى الأرض كثيرًا حسب أمر الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائدها: أن الملائكة لم تقاتل بلا شك، ولكن هل أُمِدّوا؟ ذكرنا أن المسألة فيها قولان للعلماء؛ إن كان في بدر فقد أُمدّوا، وإن كان في أُحُد فإنهم لم يمدوا؛ لأن ذلك شُرط بالصبر والتقوى.
ثم قال الله تعالى: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن الصبر والتقوى سببان للنصر؛ لقوله: ﴿إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ أي: تصبروا على الأوامر وتتقوا المحارم، وقد سبق تفسيرها.
* من فوائدها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى زادهم على ما بشّرهم به الرسول عليه الصلاة والسلام، زادهم ألفين إذا صبروا واتقوا.
* ومن فوائدها: أن هؤلاء الملائكة الذين يمدون بهم لو صبروا واتقوا ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ أو ﴿مُسَوَّمِينَ﴾ على قراءتين، فـ﴿مُسَوَّمِينَ﴾ أي: قد جعل فيهم علامة تختص بهم كما سبق، ﴿مُسَوِّمِينَ﴾ أي: جعلوا علامة، هم جعلوا علامة على ما جعل لهم من الخيول على حسب ما جاءت به الروايات.
* من فوائد الآية أيضًا والتي قبلها: أن من نعمة الله على العبد أن يكون الذي يتولاه الملائكة؛ لأن الملائكة تُثبِّت على الخير، بخلاف الشياطين فإنها تُثبِّت على الشر.
ويتفرع على هذه الفائدة: أنه إذا امتنعت الملائكة عن بيت فإنه نوع من العقوبة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ»[[أخرجه البخاري (٣٢٢٤) من حديث عائشة، ومسلم (٢١٠٦ / ٨٥) من حديث أبي طلحة زيد بن سهل.]].
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ﴾ إلى آخره.
* من فوائدها أيضًا: أن هذا الوعد من الله بشرى أو من الرسول على خلاف بين العلماء، والخلاف في هذا بسيط، الخطب يسير سواء كان ما جعله أي قول الرسول، أو ما جعله أي قول الله لهم ﴿إِلَّا بُشْرَى﴾.
* من فوائدها: أن إمداد الشخص بما يعينه سبب لسروره وبشارته؛ لقوله: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ وسبب لطمأنينة قلبه وثبوته وسكونه؛ لقوله: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه مهما عظمت الأسباب إذا لم يؤيد الله الإنسان بنصر فإنه لن ينتصر؛ لقوله بعد ذكر هذا الإمداد: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه يجب على المرء مع فعل السبب أن يعتمد على ربه، وأن يؤمّل النصر منه سبحانه وتعالى.
* ومن فوائدها: أن النصر من مقتضى اسمه العزيز الحكيم.
* ومن فوائدها: أن الله لن ينصر إلا من اقتضت الحكمة نصره؛ لقوله: ﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، ولا يرد على هذا أن الله سبحانه وتعالى جعل للمشركين نصرًا في غزوة أحُد؛ لأننا نقول: هذا النصر فيه فائدة عظيمة للمسلمين، فهو حكمة، انتصار المشركين في أُحُد لا شك أنه حكمة تترتب عليه فوائد عظيمة تذكر -إن شاء الله- في الآيات.
منها قوله: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ اللام هنا للتعليل، والفاعل في قوله: ﴿يَقْطَعَ﴾ يعود إلى الله سبحانه وتعالى، والمراد بالقطع هنا الإهلاك، أي: ليهلك طرفًا، والجار والمجرور: اللام هذه متعلقة إما بقوله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ﴾ ولكن هذا ضعيف؛ لأنه بعيد، يعني أنه جاءت آيات كثيرة تفصل بين العامل والمعمول، وهذا لا نظير له، وإما أن يكون متعلقًا بمحذوف تقديره: فَعَل ذلك ليقطع طرفًا، وهذا القول أصح، فتكون اللام متعلّقة بفعل محذوف يُقدّر على وجه مناسب.
قوله: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: ليهلكهم، ولكن هل هذا فيما إذا انتصروا على المسلمين أو فيما إذا انتصر المسلمون عليهم؟ أو على الوجهين جميعًا؟
الصواب: أنه على الوجهين جميعًا؛ لأنه إن انتصر المسلمون وهزموهم فقد هلك طرف منهم، وإن انتصروا هم على المسلمين فإنهم سوف يلحقهم الغرور ونشوة النصر، ثم يعيدون الكرّة مرة ثانية وحينئذٍ يُقضى عليهم، فيكون الوجهان حاصلين سواء غَلبوا أم غُلبوا.
وقوله: ﴿طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الطرف: طرف الشيء هو منتهاه من أسفل أو من أعلى، فهل المراد بالطرف هنا الذي يلي المسلمين؟
الجواب: نعم، المراد الذي يلي المسلمين؛ وذلك لأن المسلمين مطالبون بقتال من يليهم من الكفار حتى يفتحوا بلاد الكفار بلدًا بلدًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة ١٢٣] وهذا كما أنه سُنّة الله الشرعية فهو أيضًا موافق للفطرة؛ لأنه ليس من الحكمة أن تذهب إلى البعيد تقاتله وتترك القريب؛ إذ إن القريب في هذه الحال ربما يكون كمينًا؛ يعني يحول بينك وبين رجوعك إلى بلدك.
وقوله: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ يعني يخذلهم ويذلهم وإن لم يحصل فيهم قتل.
﴿فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾ ينقلبوا إلى مَن؟ ينقلبوا إلى بلادهم خائبين أي: لم يحوزوا خيرًا، وذلك كما حصل في غزوة الأحزاب، فإن الأحزاب في غزوة الأحزاب رجعوا خائبين بدون قتال، كما قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾. [الأحزاب: ٢٥]. إذن لا قتال، ردّهم الله بالريح والجنود التي لم نرها.
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ ﴿لَيْسَ لَكَ﴾ قال بعض العلماء: إن المعنى: ليس إليك من الأمر شيء، مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران ١٩٣] يعني ينادي إلى الإيمان، ولكن الظاهر أن اللام على بابها ليست بمعنى (إلى)، والمعنى أنك لا تملك شيئًا، وليس المعنى أنه لا يُرد إليك شيء، بل المعنى أنك لا تملك شيئًا، فاللام على ما هي عليه، والخطاب في قوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ للنبي ﷺ.
وقوله: ﴿مِنَ الْأَمْرِ﴾ يعني الأمر الكوني، أما الأمر الشرعي فإن للرسول عليه الصلاة والسلام منه شيء؛ لقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠] أما الأمر الكوني فلا.
واختلفت الروايات في سبب نزول هذه الآية، ففي بعض الروايات أن سببها أن النبيّ ﷺ دعا على قوم من الكفار مثل أبي سفيان، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام، هؤلاء أربعة كان الرسول ﷺ يدعو عليهم، يلعنهم، إذا صلّى الفجر في الركعة الأخيرة يدعو عليهم: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا»[[أخرجه البخاري (٤٠٧٠) من حديث سالم بن عبد الله، وأحمد في المسند (٥٩٩٧) من حديث ابن عمر.]]. بأسمائهم، فأنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ فالأمر إلى الله.
وفيه أيضًا رواية أخرى صحيحة: أن النبي ﷺ لما شجوا وجهه في أُحُد، جعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؟». »[[أخرجه مسلم (١٧٩١ / ١٠٤) من حديث أنس بن مالك.]] فأنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾.
والقاعدة في أسباب النزول أنه إذا لم يمكن الترجيح فلا مانع من أن يتعدد السبب، فيكون لنزول الآية سببان؛ يعني أنها نزلت بعدهما جميعًا، فيكون الأمران سببين لنزول الآية، أولًا: إنكاره عليه الصلاة والسلام على هؤلاء القوم وقوله: «كَيْفَ يُفْلِحُ؟» استبعاده فلاحهم.
والثاني: لعنه هؤلاء الأربعة. ولا محظور في ذلك، فإن الآية قد يكون لنزولها سببان.
وقوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ قيل: إنها معطوفة على ﴿يَقْطَعَ﴾، وقيل: إن ﴿أَوْ﴾ بمعنى (إلى) أن يتوب عليهم.
فعلى القول الأول لا إشكال في الآية، ويكون الله عز وجل ذكر عاقبة هؤلاء الكفار أربعة أمور: يقطع طرفًا من الذين كفروا، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذّبهم، وهذا الوجه -كما ترون- وجه حسن ليس فيه إلا الجملة المعترضة في قوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ وهذا لا يضر، ففي القرآن جمل معترضة بين أشياء متقاربة في المعنى، بل فيه آيات، فمثل قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة ٢٣٨] ذُكرت هذه في أثناء آيات العِدد، ولا يظهر للإنسان وَجْه مناسبة، لكن الله عز وجل أعلم منا، كذلك أيضًا هنا نقول: لا يضر أن توجد جملة معترضة مع أننا سنبين -إن شاء الله- المناسبة فيها.
أما القول الثاني: الذي يقول ﴿أَوْ﴾ بمعنى (إلى)، فيقولون: إن في الآية حذفًا، والتقدير: ليس لك من الأمر شيء فاصبر أو يتوب الله عليهم، فيقدّرون فعلًا هو (اصبر)، يعني لا تدْعُ عليهم، اصبر أو يتوب عليهم، وتعلمون أن (أو) تأتي بمعنى (إلى)، وتأتي بمعنى (إلا أن)؛ بمعنى (إلى أن) وبمعنى (إلّا أن)، فإذا قال القائل: لأقتلن الكافر أو يسلم، فهي بمعنى (إلا أن)، ولا يصح أن تكون بمعنى (إلى أن). وإذا قال: لألزمن الغريم أو يقضيني ديني، فهي بمعنى (إلى أن).
وقوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ وذلك بهدايتهم للإسلام؛ لأن الكلام الآن في الكافرين، وتوبة الله على الكافر أن يهديه للإسلام، وتوبته على الفاسق أن يرده عن الفسق إلى الطاعة.
وتوبة الله على العبد قسمان: توبة سابقة، وتوبة لاحقة، وتوبة العبد متوسطة بينهما، وهذا مذكور في سورة التوبة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة ١١٧، ١١٨].
﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ هذه التوبة السابقة، والتوبة السابقة معناها التوفيق للتوبة، والتوبة اللاحقة قبول التوبة، وتوبة العبد تكون أيش؟
* طلبة: بينهما.
* الشيخ: بينهما، نعم. ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: ييسرهم للإسلام من الكفر.
* طالب: شيخ، بالنسبة الرسول نهاه، يعني الله نهى الرسول ﷺ ألا يسمي الأسماء في لعنه وهو مثلًا في السجود، (...) واحد (...) مثلًا يعني.
* الشيخ: لا لا، هو نهى عن لعنهم، اللعن لا تلعن، لكن ادعُ عليه بالهلاك لا مانع، ادعُ عليه بأن الله يشدد وطأته عليه.
* الطالب: باسمه؟
* الشيخ: باسمه ما فيه مانع، لكن اللعنة؛ لأن اللعنة معناها الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وأنت لا تدري ربما يكون هذا الكافر المعتدي الظالم يكون في يوم من الأيام ناصرًا للإسلام، أليس خالد بن الوليد قاتَل الرسول عليه الصلاة والسلام في أُحُد؟ قاتله، وصار من فرسان الإسلام، وعمر بن الخطاب، عمرو بن العاص يقول: «والله إني أتمنى أن أتمكن من رسول الله ﷺ* » فأقتله[[أخرجه أبو عوانة في مسنده (٢٠٠) من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري عن عمرو بن العاص.]]، يتمنى منية، فلما مَنَّ الله عليه بالإسلام قال: «والله ما أحِدّ الطرف به تعظيمًا له»[[أخرجه أبو عوانة في مسنده (٢٠٠) من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري عن عمرو بن العاص، ولفظه: إني لم أكن أستطيع أن أملأ عيني منه إجلالًا.]]، الله أكبر! ما تدري القلوب بيد الله.
* الطالب: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ هل يصح العطف على شيء؟ إذا كان (أو) بمعنى (إلا إن)، العطف على شيء هل هو أحسن؟
* الشيخ: لا لا، هذا ما يستقيم المعنى؛ لأنك إذا قلت: إلى أن يتوب عليهم صار معناه: إذا تاب عليهم فلك من الأمر شيء؟
* الطالب: ليس لك من الأمر شيء.
* الشيخ: إلى أن يتوب عليهم.
* الطالب: لله في الأمر شيء ما هو؟
* الشيخ: لا، لله، هذا شيء ثانٍ، لكن إذا قلنا الآية: ليس لك من الأمر شيء إلى أن يتوب عليهم، صار معنى الآية: فإن تاب عليهم فلك من الأمر شيء، ولهذا أنكر ابن جرير هذا المعنى قال: هذا ما يصح؛ لأن الأمر لله سواء تاب عليهم أو ما تاب عليهم، والرسول ليس له من الأمر شيء سواء تاب الله عليهم أو ما تاب عليهم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢)﴾ [آل عمران ١٢٨ - ١٣٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾.
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ سبق الكلام على تفسير هذه الآية، وقلنا: إن القول الراجح أن قوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ جملة معترضة، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ معطوفًا على قوله: ﴿لِيَقْطَعَ﴾، ﴿أَوْ يَتُوبَ﴾ أي: يهيئ لهم أسباب التوبة حتى يتوبوا، وبينّا أن لله سبحانه وتعالى على عبده توبتين: توبة التوفيق، وتوبة القبول، واستدللنا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ إلى قوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة ١١٨].
قال: ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ معطوفة أيضًا على ﴿لِيَقْطَعَ﴾، وهذه هي الحال الرابعة، والثلاث؟
* طالب: ليقطع طرفًا، وليتوب عليهم، ويكبتهم.
* الشيخ: أو يكبتهم، قال: ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ أي: يعذبهم بعذاب من عنده، فهذا كقوله: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ [التوبة ٥٢] يعني أو يعذبهم عذابًا من عنده فيرسل عليهم رجسًا أو رجزًا، بالمرض والطاعون والزلازل وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ الجملة هذه موقعها مما قبلها أنها تعليل لها؛ يعني أنهم يستحقون أحد هذه الأمور؛ لأنهم ظالمون، إلا التوبة، فإن الله إذا تاب عليهم زال وصفهم بالظلم، والأربعة الذين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو عليهم كلهم تاب الله عليهم فأسلموا، وفي هذا إشارة -كما سبق- إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يدعو على شخص مهما بلغ في الكفر والطغيان باللعنة، بل لا يجوز أن يدعو عليه باللعنة؛ لأن اللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولا يحل لك أن تتحجّر رحمة الله، فقد يمنّ الله على هذا الكافر المجرم فيتوب، كما أنه سبحانه وتعالى قد يمن على الفاسق الذي لم يصل إلى حد الكفر فيستقيم وتصلح حاله.
* من فوائد هذه الآية: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا﴾ إثبات الحكمة لله عز وجل في أفعاله وتشريعاته؛ وذلك لأن اللام للتعليل، والتعليل هو الحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى يُسلّط المؤمنين على الكفار ليقطع طرفًا من الذين كفروا، وليس كل الذين كفروا؛ لأن من حكمة الله أن يبقى الإيمان والكفر متصارعين دائمًا حتى يتبين المؤمن الخالص من غيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن مآل الكفار واحد من هذه الأمور الأربعة: إهلاكهم، الثاني: خذلانهم؛ لقوله: ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الكبت وهو الإذلال والخذلان هو الخيبة؛ لقوله: ﴿فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ﴾.
وهل لنا مثل في هذا؟ مثل قصة الأحزاب فإن الله سبحانه ردهم على أعقابهم خائبين.
ثم قال: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن النبي ﷺ لا يملك شيئًا من الأمر، أي الأمر؟ الكوني، وفي هذه الجملة رد على الذين يتعلقون بالرسول عليه الصلاة والسلام في الدعاء والاستعانة به حتى بعد موته، الآن تجدهم عند القبر الشريف يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام صراحة، بل إنهم عند الدعاء ولو كانوا بعيدين يتجهون إلى القبر، لا إلى القبلة، وهذا من سفههم.
* ومن فوائد هذه الآية، بل هذه الجملة: أن النبي ﷺ مُكلَّف، يأمره الله وينهاه، وعليه فيكون في هذا إبطال لدعوى من يقولون: إن الإنسان إذا وصل إلى حالة معينة من العبودية سقطت عنه التكاليف، وهذا قول طائفة من الصوفية، يقولون: إن الإنسان إذا ترقّى في اليقين حتى وصل إلى الدرجة العليا سقط عنه التكليف، وصار كل شيء حرام حلالًا له، وكل شيء واجب ليس بواجب عليه، فلا يوجبون عليه الصلاة، ولا يحرّمون عليه الزنا، ولا شرب الخمر؛ لأن الرجل وصل إلى الغاية، وهذه التكاليف عندهم ما هي إلا وسيلة وطريق، إذا وصل الإنسان إلى الغاية سقطت الوسيلة، فقالوا: لو أنك سافرت إلى بلد ووصلت إلى هذا البلد، هل تحتاج إلى طريق تمشي فيه؟ لا، هم يقولون كذلك، العبادة طريق تصل به إلى غاية معينة، إذا وصَلْت إليها سقطت عنه.
فيقال لهم: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام -وهو أشرف الخلق- لا يصل إلى هذه المرتبة، فما بالك بمن دونه؟!
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى قد يتوب على أعتى الناس وأشدهم كفرًا؛ لعموم قوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله قد يعذب الكافرين عذابًا ليس للمسلمين فيه يد، بل هو من عند الله وحده؛ لقوله: ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الله لا يعذب إلا بذنب؛ لقوله: ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ والظالم مستحق لأن يُنكِّل الله به؛ لأن الله تعالى لا يحب الظلم، بل إنه قال في الحديث القدسي: «إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]].
{"ayahs_start":123,"ayahs":["وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرࣲ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةࣱۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِینَ أَلَن یَكۡفِیَكُمۡ أَن یُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُنزَلِینَ","بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ","وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَىِٕنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ","لِیَقۡطَعَ طَرَفࣰا مِّنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَوۡ یَكۡبِتَهُمۡ فَیَنقَلِبُوا۟ خَاۤىِٕبِینَ","لَیۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡءٌ أَوۡ یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡ أَوۡ یُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَـٰلِمُونَ"],"ayah":"بَلَىٰۤۚ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق