الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ [آل عمران ١١١]، ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ﴾ الخطاب للنبي ﷺ وأصحابه المتمسكين بهديه، والفاعل في ﴿يَضُرُّوكُمْ﴾ يعود على أهل الكتاب، أي: لن يضركم أهل الكتاب إلا أذى. قوله: ﴿إِلَّا أَذًى﴾ اختلف المفسرون فيها هل هي استثناء منقطع أو استثناء متصل، فمنهم من قال: إنها استثناء متصل؛ لأن هذا هو الأصل في الاستثناء، الأصل في الاستثناء أن يكون متصلًا، وعلى هذا الرأي يكون في الآية شيء من الحذف تقديره: لن يضروكم إلا ضررَ أذى، إلا ضرر أذى، ليس ضرر عدوان حسي ببتر عضو أو أخذ مال وإنما هو أذى، وذلك بأن يُسمعوكم ما تكرهون، بأن يسمعوكم ما تكرهون، بالتوبيخ والاستهزاء وما أشبه ذلك، هذا إذا قلنا: إنه - أي الاستثناء- متصل، ولا شك أن الأذى نوع من الضرر، لكنه ليس الضرر الذي يطلق عليه اسم ضرر.
والقول الثاني: أن الاستثناء هنا منقطع، وعلى هذا القول يكون المعنى: لن يضروكم ولكن يؤذونكم، ولكن يؤذونكم، والأذية لا يلزم منها الضرر، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب ٥٧]، فأثبت أنهم يؤذون الله ورسوله، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران ١٧٦] ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾، وفي الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر. ]]، فالضرر مُنتفٍ عن الله، والأذية؟
* طالب: حاصلة.
* الشيخ: حاصلة، الأذية حاصلة، ومن أمثلتها قوله تعالى في الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْر»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦ / ٢) من حديث أبي هريرة. ]]، ويوضح هذا أنه لو صلى إلى جانبك رجل قد أكل بصلًا أو ثومًا فإنك تتأذى برائحته، ولكن هل يضرك؟ لا، لا يضرك، وهذا القول أصح؛ أن الاستثناء منقطع، وهو وإن كان خلاف الأصل لكنه أعلى في البلاغة، هذا في البلاغة، لن يضروك ولكن الأذى ستصبرون عليه، والأذى ليس بضرر، ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾.
فإن قال قائل: هل هذه الآية محكمة عامة إلى يوم القيامة، أو هي منسوخة خاصة بما كان قبل النسخ؟ فالجواب: الأول.
فإن قال قائل: يَرِد على دعواكم أن المراد الأول أن اليهود يعملون بنا اليوم ما هو من أشد الأضرار، ومعلوم أن خبر الله تعالى لا يُخْلَف، فما الجواب؟الجواب أن نقول: الخطاب للنبي ﷺ وأصحابه، ومن كان على مثل ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه فلن يضره اليهود ولا النصارى، أما أناس يعتقدون الدين الإسلامي دين رجعية وتخلف، ويبدلونه بغيره من القوانين الرجعية الوضعية فهؤلاء لا يُكتب لهم النصر، ويضرونهم بالأذى القولي والفعلي والاقتصادي وبكل شيء، وإلا فإن كلام الله سبحانه وتعالى لا يُخلَف أبدًا. لكن قوم يقاتلون قتالًا جاهليًّا مبنيًّا على أيش؟ على القومية المتمزقة، وبدين باطل مضادّ لدين الله، فهؤلاء لا يستحقون النصر، ولذلك كانت اليهود الآن يفعلون الأفاعيل بنا، من يقدرون على الفعل ببدنه فعلوا، ومن لا يقدرون فإنهم يفعلون به ما يفعلون من المضارّ الاقتصادية العالمية، كما هو معروف، وحينئذ تبقى الآية محكمة غير منسوخة، باقية إلى يوم القيامة، لكن المشروط يتوقف على الشرط، فانتفاء الضرر موقوف على وجود شرطه، وهو أن نطبق سيرة مَن وُعِدُوا بهذا الوعد وهم النبي ﷺ وأصحابه.
ثم قال: ﴿وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ [آل عمران ١١١]، يعني: لو فُرِضَ حصل بين المسلمين وبين أهل الكتاب قتال ولَّوا الأدبار، ولّوا الأدبار، ما يمكن يستقرون: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ [الحشر ١٤]، ولكن الخطاب كما عرفتم لمن؟ للرسول ﷺ وأصحابه ومن كان على مثل هدي الرسول ﷺ وأصحابه. طيب ﴿إِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ﴾ عندنا شرط وجواب؛ الشرط المقاتَلة، والجواب: تَوَلِّي الأدبار، فهم بمجرد ما يحصل بيننا وبينهم لقاء وقبل أن يصل أول سهم إليهم -والله أعلم- أيش؟ يفرون يولون الأدبار، وهنا يقول: ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ أي: يجعلون الأدبار تليكم، وهو كناية عن أيش؟ عن الانهزام؛ لأن المنهزم يولي ظهره المنهزَم منه، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ولهذا قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه حينما حوصر في مكة قال متمثلًا أو منشدًا قال:
؎وَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ∗∗∗ وَلَكِــــنْ عَلَــــى أَقْدَامِنَــــا تَقْطُــــرُالدِّمَــــــــــــــــا
الذي تقطر الدماء على أقدامه مقبل، والذي تدمى أعقابه مدبر.
قوله: ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ حُذفت منها النون؛ لأنها وقعت جوابًا للشرط، قال: ﴿ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ (ثم) للمهلة والتراخي، و﴿لَا يُنْصَرُونَ﴾ فيها النون، وهو محل إشكال؛ لأن (ثم) حرف عطف، و﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ معطوف عليه، والمعطوف على المجزوم أيش؟ يكون مجزومًا، ولكننا نقول: (ثم) هنا ليست للعطف ولكنها للاستئناف، والتقدير: ثم هم لا ينصرون، ولا بد من هذا التقدير؛ لأنه لو كانت عطفًا على قوله: ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ لَجُزِمت، ولقيل: ثم لا يُنصروا، وحينئذ يفسد المعنى، يفسد المعنى؛ لأنه لو كان انتفاء النصر عنهم حين يقاتلوننا لأمكن لقائل أن يقول: إنهم ينتصرون بعد ذلك، لو قال: يولوكم الأدبار ثم لا يُنصروا، لصار انتفاء النصر مقيدًا بما إذا قاتلونا، ولكن الأمر ليس كذلك، هم لا يُنصرون أبدًا سواء قاتلونا أم لم يقاتلونا، ولهذا قال: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [آل عمران ١١٢]، فتبيّن الآن أن (ثم) هنا ليست عاطفة ولكنها؟
* الطلبة: استئنافية.
* الشيخ: استئنافية، والفعل بعدها مرفوع؛ لأنها جملة مبتدأ بها، لم تُعطف على منصوب ولا على مجزوم، وقوله: ﴿ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ ما هو النصر؟ النصر هو المنعة والقوة والصرف، وما أشبه ذلك، فمعنى نَصَرْتُه يعني صرفت عنه عدوه وأيّدته وقوّيته، هذا هو معنى النصر، فهؤلاء لا يُنصرون أبدًا، ولكن قد يقول قائل: إنه جَرَت حروب بين المسلمين وبين النصارى، وبين المسلمين وبين اليهود، فنُصِر النصارى على المسلمين، ونُصِر اليهود على المسلمين، والجملة ﴿لَا يُنْصَرُونَ﴾ جملة خبرية، وخبر الله عز وجل لا يمكن إخلافه، فما هو الجواب؟ أما الأول فإن من العلماء من قال: إن هذا في اليهود، وأن اليهود ما انتصروا يومًا من الدهر على المسلمين أبدًا، بل من هزيمة إلى هزيمة، هُزِموا في المدينة؛ بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وهُزِموا في خيبر؛ بنو النضير، ولم يقم لهم قائمة أمام المسلمين، وبناء على هذا نقول: إن الآية خاصة بمن؟ باليهود، أما النصارى فلم تتعرض لهم الآية، ولكننا نجيب بجواب أصح من هذا، نقول: الخطاب للمسلمين حين كانوا يمثّلون الإسلام بالعقيدة والقول والفعل، وهم في هذه الحال سيُنصرون على اليهود والنصارى والمجوس وسائر الكفار، فهمتم؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وحينئذ لا يُشكل، لا يشكل علينا، لا يشكل علينا تغلّب النصارى الصليبيين على المسلمين، ولا يشكل علينا تسلط اليهود على العرب؛ لأن القتال مع اليهود في راية العروبة قتال جاهلية، قتال طائفة لطائفة لا لدين، بل ربما هم يعتقدون أنهم يقاتلون للدين، يعتقدون إن الأرض المقدسة التي كتب الله لهم مكتوبة لهم إلى يوم القيامة، فهم يقاتلون واثقين بوعد الله، وموسى قد قال لهم: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة ٢١]، فهم يقولون: الأرض أرضنا بنص قول نبينا، فنحن نقاتل للوصول إلى أرض كتبها الله لنا، ويذكر أنه لما كانت هزيمة عام سبع وستين ميلادي، لما دخلوا سينا وما استولوا عليه من بلاد العرب، صار الواحد من الجنود يأخذ التراب ويقبّله ثم يسجد عليه ويبكي؛ لأنه رجع إلى أرضه التي وُعِد، فصاروا يقاتلون عن عقيدة، أما عن قومية بائسة طائشة فلا خير فيها.
إذن الجواب عندنا على وجهين؛ الوجه الأول: أن ذلك خاص باليهود، وأن اليهود لم تقم لهم قائمة بعد أن أجلاهم الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة، ثم أُجْلُوا بعد ذلك من خيبر، والقول الثاني: أن المراد اليهود والنصارى، لكن بشرط أن يكون المقابل لهم يقاتل للإسلام لتكون كلمة الله هي العليا.
ثم قال عز وجل: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾ [آل عمران ١١٢]، قوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾، فيها قراءتان، بل ثلاث قراءات: ﴿عَلَيْهِمُ﴾، والثانية: ﴿عَلَيْهُم﴾ ، هاتان قراءتان، الثالثة: ﴿عَلَيْهِمِ الذِّلَّة﴾ ﴿عَلَيْهِمِ﴾ بدل من ﴿عَلَيْهِمُ﴾، فصار الهاء فيها قراءتان: الضم والكسر، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، الميم فيها قراءتان: الضم والكسر.
وقوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ من الذي ضربها؟ الله عز وجل، وسمَّى ذلك ضربًا كالضرب على الفلوس الذي يبقى منطبعًا لا يزول بمسح الأيدي، تعرفون الفلوس؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الفلوس النقد الحديدي هذا.
* طالب: معروف.
* الشيخ: معروف، هذا إذا ضُرب يكون فيه ما ضُرِب، اسم مثلًا الضارب مثلًا في الدولة الفلانية، أو بيان أن هذا نسبته نصف قرش، قرش أكثر أقل، هذا ضرب؛ لأنه أيش؟ ينطبع ما يتغير، فكأن هذه الذِّلة مطبوعة عليهم ما يمكن تتغير.
وقوله: ﴿الذِّلَّةُ﴾ على وزن فِعْلَة، وهي تختلف عن الذُّل؛ لأنها تدل على ذِلّة معينة مخصوصة، قال ابن مالك:
؎وفَعْلَــــــــةٌ لِمَــــــــرَّةٍكَجَلْسَــــــــــــــــــــــــــــهْ ∗∗∗ وفِعْلَــــــــةٌ لِهَيْئَــــــــةٍكَجِلْسَــــــــــــــــــــــــــــهْ
على كل حال (ذِلَّة) على وزن (فِعْلة) أي: ذِلّة مخصوصة، كما تقول: جلس فلان جِلْسة الأسد، يعني جِلْسَة معروفة، طيب ما هذه الذُّلة؟ هي ذُلّة - والعياذ بالله - ما تخرج من قلوبهم؛ لأنه قال: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ﴾، فكما أن النقش في السكة المضروبة لا يتحول ولا يزول فكذلك هذه الذِّلة.
﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾ عندي ﴿أَيْنَ مَا﴾ مكتوبة (أين) وحدها، كذا عندكم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: والقاعدة أنها متصل بعضها ببعض مقرونة (أينما)، لكن ما عليه المصحف قاعدة قديمة.
قوله: ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾، يعني: وُجِدُوا، قال الله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة ١٩١]، يعني: حيث وجدتموهم، فهؤلاء اليهود والنصارى أيضًا من بني إسرائيل ضُرِبت عليهم الذلة، في أي مكان كانوا من الأرض فهم أذلّاء؛ لأن الله ضرب عليهم الذلة.
لكن يقول: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١١٢] ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾، ففي هذه الحال لا تكون الذلة مضروبة عليهم، الحبل من الله: يعني السبب المنجي من هذه الذلة، الكائن من الله، وهو الإسلام، هو الإسلام؛ لأن الإسلام حبل من الله يعصم به الإنسان نفسه وأهله وماله، وعلى هذا فيكون المراد بحبل الله هنا أيش؟ الإسلام؛ لأن الحبل هو السبب، أي: بسبب من الله وهو أن يسلموا فتزول عنهم الذلة، وقيل المراد بحبل الله العهد، العهد الذي يكون بين المسلمين وبين هؤلاء الكفار، يبقون عندنا في ظلنا وحراستنا؛ لأنهم معاهَدون أهل ذمة.
وأما قوله: ﴿وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ فالمراد به الأمان، الأمان الذي يجري بين الرجل الواحد والمأسور مثلًا، وذلك أننا إذا حاربنا بلدًا وفتحناه فإن لنا أن نجير أهله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين فتح مكة: «مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَهُوَ آمِنٌ»[[أخرجه البيهقي في الكبرى (١٨٢٧٤) من حديث أبي هريرة بلفظ: «مَنْ دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ».]] «مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَهُوَ آمِنٌ»، هذه إجارة خاصة، الإجارة العامة أن يكون بيننا وبينهم عهد لا يتعدون علينا ولا نتعدى عليهم، ولا يحموننا ولا نحميهم، وهذا كما يوجد في الوقت الحاضر في العهود الدولية، كعهد ميثاق الأمم المتحدة وما أشبه ذلك.
* الطالب: شيخ، قلنا فيها ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ يعني مثلًا الضرر بالنسبة، أحيانًا المسلمون طبعًا يؤذون اليهود بجميع الأشياء بالسلاح..
* الشيخ: اليهود تؤذيهم ولا هم يؤذوننا.
* الطالب: لا اليهود يؤذون المسلمين من جميع النواحي، مثل هذا الضرر يقولون: نحن المتطورين بالسلاح وأشياء أي شيء بالنسبة (...) صور المرأة مثلًا هذا ضرر ولّا لا؟
* الشيخ: سمعتم كلامه؟
* الطلبة: إي نعم
* الشيخ: يقول: إنهم الآن يؤذون المسلمين، ويضرونهم بالقتل والجرح وسبي المال وما أشبه ذلك، فما هو المخرج من هذا الإشكال؟ وأظن أنه لو كان يقظًا لعرفه، لكن يبدو أنه كحل عينه بشيء من النوم.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ذكرنا أن هذه الآية كانت خاصة بالنبي ﷺ وأصحابه، وهذا لا يكون إلا لمن اتصف بهديهم، بهدي النبي ﷺ وأصحابه، أما من اتبع غير ذلك فله الذلة.
* الشيخ: أحسنت، أعرفت؟
* الطالب: إي عرفت، بس يعني الضرر يعني مثلًا..
* الشيخ: الضرر الحاصل الآن من اليهود أو غيرهم من الكفار على المسلمين؛ لأن المسلمين أنفسهم ما قاموا بالواجب، والله يقول: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ﴾ أنتم أيها المسلمون ومن على شاكلتكم، هذا الفرق.
* طالب: شيخ ألم يُصَب النبي ﷺ بضرر عظيم في غزوة أحد، في حين موته مات بأثر السم من اليهودية، وأيضًا في غزوة بني المصطلق أصيب في عِرْضه وأهله؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: فهل تخلف الشرط؟
* الشيخ: لا يمكن، نقول: هل تضرر بذلك؟
* الطالب: نعم تضرر.
* الشيخ: بأي شيء؟
* الطالب: أثر السم وجده في قلبه.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: وأيضا كُسِرت رباعيته في غزوة أحد.
* الشيخ: من الذي يقابله؟
* الطالب: المشركون.
* الشيخ: إي، وهذا؟
* الطالب: اليهود.
* الشيخ: في اليهود والنصارى أهل الكتاب.
* طالب: ما (...) عامة يا شيخ؟
* الشيخ: لا، الله يقول: ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾.
* طالب: الذلة، يقول: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ تكون مثل الطبع في القلب؟
* الشيخ: مثل أيش؟
* الطالب: الطبع على القلب.
* الشيخ: نعم، الضرب معناه الطبع على القلب.
* الطالب: الذلة؟
* الشيخ: لا الذلة هذه ما فسرناها.
* طالب: أحسن الله إليك، كما يذكر التاريخ في غزوة مؤتة كان الذين يقاتلون الروم وهم النصارى يعني أغلبهم من الصحابة ومع ذلك نُكِّل بهم، كما هُزِموا؟
* الشيخ: صحيح، لكن سماه الرسول عليه الصلاة والسلام فتحًا، لما انحاز بهم خالد رضي الله عنه إلى الجبل وسلِموا قال: «ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ»[[أخرجه أحمد في مسنده (١٧٥٠) من حديث عبد الله بن جعفر، بلفظ: «ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ».]] فسماه فتحًا.
* الطالب: تضرروا.
* الشيخ: صحيح أن منهم من قُتِل لا شك في هذا، ولكن قد نقول: إنه هذا القتل لن يضره؛ لأنه ينتقل من دار إلى أعلى منها.
* طالب: وفي غيرها، في عهد عمر وأبو بكر عندما كانت الجيوش تذهب تقابل الروم في الشام كان بعض المعارك يُهْزَم فيها المسلمون؟
* الشيخ: إي نعم، لو هُزِموا، لكن معنى الآية تدل على أنه ما يمكن يضروننا إلا أذى، حتى الضرر الحاصل قد يكون بمنزلة الأذى، يعني ما يكون النتيجة هو غلبة دائمًا، يمكن يُحمل على هذا.
* طالب: شيخ، قلنا: إن الاستثناء الأصل فيه أن يكون متصلًا، ودائمًا نرى المفسرين وغيرهم إذا قدّروا الاستثناء المنقطع أتوا بـ (لكن)، هل هذا ضابط مطرد أن الاستثناء المنقطع يقدّر ما بعده بـ (لكن)؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما يمكن يقدّر بحرف غير (لكن)؟
* الشيخ: لأن (لكن) هي التي للاستدراك، والاستثناء المنقطع استدراك.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، هل يدخل في اليهود والنصارى الشيعة والمنافقين على تعدد أجناسهم في أذيتهم للمؤمنين؟
* الشيخ: على كل حال المنافقون يؤذون المؤمنين بلا شك، لكن هل يؤذونهم بالقول والفعل، إذا كانوا يؤذونهم بالقول والفعل على وجه فيه الضرر حُمِلت الآية على قوم آخرين لا يضرونا إلا أذى.
* طالب: الضرر الذي يثبت أو ينتفي إذا كانت المقاتلة جماعية أو إذا كان الإنسان منفردًا؟
* الشيخ: لا الظاهر مقاتلة جماعية، يعني مثلًا لو أننا اجتمعنا نحن المسلمين على الإسلام الحقيقي وقاتلناهم فإنهم لن يُنْصَروا علينا.
* الطالب: ولو قاتل شخص منفرد وهو (...) المكر عليهم؟
* الشيخ: ما التزم الله به.
* طالب: ﴿وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ يدل إنه (...) بينهم، حتى ذكرنا أنهم قد يهربون مع أول سهم يصل إليهم (...) التقوا يقاتلوا من المسلمين (...) وبعد ذلك استمر معهم القتال إلى أن انهزموا (...)؟
* الشيخ: الخطاب لمن؟ ﴿وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ الفاعل من؟
* الطالب: اليهود.
* الشيخ: اليهود هؤلاء ما هم عرب.
* الطالب: (...) يا شيخ
* الشيخ: ما هم عرب.
* * *
* طالب: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران ١١٢ - ١١٥]
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾ [آل عمران ١١٢]، قوله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ لم يبيِّن الضارب ولكنه معلوم، وهو؟ الله عز وجل، فأبهمه للعلم به، كقوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨]، مع أن الله هو الذي خلقه، ولكن من طريقة القرآن أن الأشياء غير المرغوبة يعبّر الله عنها بصيغة الفعل المبني للمجهول، بخلاف الأشياء المرغوبة فيعبر عنها باسم الفاعل، كقوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن ١٠].
هنا يقول: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾، الضمير يعود على أهل الكتاب، ولكن هل المراد أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أم أنه خاص باليهود؟ اختلف في هذا أهل العلم، فقال بعضهم: إنه خاص باليهود، وقال بعض العلماء: بل هو عام، والأصل العموم؛ لأن الضمير ﴿عَلَيْهِمُ﴾ يعود على أهل الكتاب المذكورين في قوله: ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران ١١٠]، فنقول: الضمير يعود على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وإذا قُدِّر أنه صار لهم عز في وقت من الأوقات فإنما ذلك لسبب يقتضيه، فهو خلاف الأصل، وإلا فالأصل أن الذلة مضروبة عليهم.
وقوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾، الذلة هنا بمعنى الإهانة، أي: أن الله تعالى أهانهم.
و﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾، (أين) ظرف مكان تدل أيضًا على عموم الأمكنة، ويؤكد عمومها (ما) الزائدة ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾، و﴿ثُقِفُوا﴾ بمعنى وُجِدُوا، يعني في أيما مكان وُجِدوا فإن الذلة مضروبة عليهم.
قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾، الحبل هو السبب، وسُمِّيَ السبب حبلًا؛ لأنه يوصِل إلى المقصود كما يوصل الحبل إلى المقصود فيما لو أدلى الإنسان دَلْوَه في بئر مثلًا فإنه يتوصل به إلى المقصود.
الحبل من الله ما هو؟ قال بعض أهل العلم: إن الحبل من الله هو الإسلام؛ لأن الإسلام فيه العزة وفيه الظهور وفيه النصر، فهم أذلّاء إلا أن يُسلموا، إلا أن يسلموا، فيكون المراد بالحبل من الله الإسلام، فإذا أسلموا ارتفعت عنهم الذلة، وقيل: المراد بالحبل من الله الذمة، يعني أن يكونوا من أهل الذمة، وذلك أن الإسلام يحمي أهل الذمة ويدافع عنهم. ولهذا يجب علينا بالنسبة لأهل الذمة الذين بيننا، يجب علينا حمايتُهم ممن يعتدي عليهم في مالٍ أو دمٍ أو عرضٍ؛ لأنهم تحت رعايتنا وهم يبذلون لنا الجزية ما لم ينقضوا الذمة، فإن نقضوا الذمة فإنهم يعودون كالحربيين يُقْتَلون لانتقاض عهدهم، فصار المراد بالحبل من الله صار الناس فيه على قولين:
قول: إنه الإسلام، والقول الثاني: إنه الذمة.
أما قوله: ﴿وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ فإن ظاهره العموم، يعني: بسبب من الناس، أي أن الناس يدافعون عنهم ويرفعون معنويتهم ويُعزونهم، ولكن ما هو الحبل من الناس؟ قيل: إنه العهد والأمان، العهد والأمان، فالعهد كالذي يجري بين المسلمين وبين الكفار، يحصل بينهم عهد أن لا يعتدي أحد على أحد، وأن تبقى هدنة، كما حصل في غزوة الحديبية، والأمان: أن يدخل رجل من المشركين أو من اليهود والنصارى بأمان من أحد من المسلمين يؤمّنه. والفرق بين العهد والأمان أن الأمان يصح من كل واحد من المسلمين؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»[[أخرجه البخاري (٣٥٧)، ومسلم (٣٣٦ / ٨٢) من حديث أم هانئ.]]، والعهد لا يكون إلا بين أهل الحل والعقد، يعني بين الإمام أو قائد الجيش أو ما أشبه ذلك، والفرق بين العهد والأمان والذمة أن الذمة تُثْبِت لأهل الذمة حقوقًا تجب على المسلمين يدافعون بها عنهم، ولهذا يأخذون عوضًا عن ذلك، يعني يأخذ المسلمون عوضًا عن ذلك الجزية منهم، فالحبل من الناس هو العهد والأمان، ويحتمل أن العهد من الناس أعم من ذلك، أي بأن يكون المراد به العهد والأمان والنصرة والإعزاز، كما حصل لليهود الآن من النصارى من الأمريكان وغيرهم، فإن اليهود أذلة قد ضرب الله عليهم الذلة والهوان، لكن الأمم النصرانية الآن تساعدها وتعززها لا محبة لها ولكن من أجل أنها ضد المسلمين، من أجل أنها ضد المسلمين، فيكون المراد بالحبل من الناس هنا ما هو أعم من العهد والأمان، ومعلوم أنه إذا صلح اللفظ للعموم فإن الأولى أن يبقى أيش؟ على عمومه، أن يبقى على عمومه، فيكون المراد بـ﴿حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ أي: بمساعدة منهم وحماية، كالعهد والأمان والنصرة والولاية وما أشبهها.
قال: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾، ﴿بَاءُوا﴾ أي: رجعوا، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾ [الحشر ٩] أي: سكنوها، فهذه المادة الباء والألف والهمزة تدل على الرجوع والاستقرار، المعنى أنهم رجعوا بغضب من الله، أي: مصطحبين للغضب، والغضب صفة انفعالية، صفة انفعالية لا فعلية، والفرق بين الانفعالي والفعلي أن الفعلي يكون باختيار الإنسان وبالجوارح الظاهرة كالبطش مثلًا، والانفعالي يكون بغير اختيار الإنسان، وهو من القوى الباطنة، فالغضب صفة انفعالية وليست فعلية، ولهذا تأتي للإنسان بغير اختياره، يستثيره أحد من الناس فيغضب، يحمرّ وجهه وتنتفخ أوداجه ويقف شعره، وربما يقتل مَن أمامه، وربما يطلّق نساءه وربما ينتحر أيضًا - نسأل الله العافية - فالغضب إذن صفة انفعالية، وهو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «جَمْرَةٌ يُلْقِيهَا الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ»[[أخرجه الترمذي (٢١٩١)، وأحمد في مسنده (١١٥٨٧) من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: «الْغَضَبُ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ».]] فيفور ويغضب، هذا بالنسبة لغضب الإنسان الآدمي البشر، أما غضب الله فهو صفة من صفاته التي لا يمكننا أن نعرف كيفيتها، لكنه لا شك صفة قائمة بالله، يغضب ويرضى ويسخط ويكره ويحب، كل هذه الصفات ثابتة لله على الوجه الذي يليق به.
وقوله: ﴿بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ (من) هذه للابتداء، أي: بغضب صادر من الله، وهذه الجملة مما يؤيد القول بأن المراد بقوله: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ مَن؟ اليهود، أن المراد بهم اليهود؛ لأنهم هم المغضوب عليهم، قلنا: إن (من) هي للابتداء أي: بغضب صادر منه، وربما يقول قائل: إنها أعم من أن يكون الغضب صادرًا من الله، بل بغضب من تقدير الله، وعلى هذا تكون (من) للسببية، ويكون المراد بالغضب غضب الله وغضب غيره، وهذا هو السر في قوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧]، ولم يقل: غير الذين غضبت عليهم؛ لأن هؤلاء مغضوب عليهم من قِبَل الله ومن قِبَل أولياء الله، ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾
﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ من الضارب؟
* طالب: الله سبحانه.
* الشيخ: الله، والمسكنة هي الفقر، المسكنة هي الفقر، فهم أذلّاء ليس عندهم الشجاعة، فقراء ليس عندهم غنى، ولكن يجب أن نعلم أن الغنى ليس كثرة العَرَض، وإنما الغنى غنى النفس والقلب، فهؤلاء قد ضربت عليهم المسكنة، دائمًا في فقر حتى لو حصل الإنسان منهم ملايين الملايين فهم في فقر، ولذلك حتى الآن نجد أن اليهود أحرص الناس على المال، وأنهم لا يمكن أن يبذلوا فلسًا إلا وهم يؤمِّلون أن يحصّلوا درهمًا، ولا يبذلون درهمًا إلا ويؤمّلون أن يحصّلوا دينارًا، وهذه حالهم، ومن ثم صاروا من أغنى العالم إن لم نقل: هم أغنى العالم، لكنهم أغنى العالم بكثرة العَرَض لا بالقلب والنفس، فهم أشد الناس فقرًا، ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه ما سبق من ضرب الذلة والغضب والمسكنة، والمشار إليه هنا مفرد مذكر، وإن كان ثلاثة أشياء؛ لأن الإشارة عادت إليها باعتبار أنها مذكورة، فيكون تقدير الإشارة: ذلك المذكور ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الباء وأيش معناها ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾؟
* طالب: الباء حرف جر.
* الشيخ: أيش معناها؟
* الطالب: حرف..
* الشيخ: السببية، الباء للسببية، أي: ذلك بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ﴿كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾، وكلمة (كانوا) تدل على اتصاف اسمها بخبرها، و﴿يَكْفُرُونَ﴾ فعل مضارع، تدل على استمرار الكفر منهم، وهو كذلك؛ فإنهم كانوا يكفرون بآيات الله مع ظهورها وبيانها، حتى إنهم قالوا لنبيهم عليه الصلاة والسلام: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف ١٣٨]، مع أنه قد قال لهم: إن الله إله واحد، فهم يكفرون بآيات الله، ومن جملة كفرهم أنهم كفروا بمحمد ﷺ مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ولا أشد معرفة من معرفة الإنسان لابنه ومع ذلك كفروا به عليه الصلاة السلام.
وقوله: ﴿يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ الآيات جمع (آية) وهي العلامة، العلامة على الشيء التي إذا وُجِدَت كان الشيء موجودًا؛ لأنها علامته، كما لو قلت لك مثلًا: علامة طلوع الشمس أن ترى ضوءها على رأس الجبل، فهنا متى رأيت الضوء على رأس الجبل فهي طالعة.
آيات الله تنقسم عند أهل العلم إلى قسمين: آيات كونية، وآيات شرعية، وكلها علامات على الله عز وجل، أما الآيات الكونية فهي المخلوقات: الشمس والقمر والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وغيرها، كل مخلوق لله فهو آية من آياته سبحانه وتعالى:
؎وَفِــــي كُــــلِّ شَــــــــيْءٍ لَــــهُآيَــــــــــــــــــــةٌ ∗∗∗ تَــــــــدُلُّ عَلَــــــــى أَنَّــــــــــــهُوَاحِــــــــــــــــــــــــــــدُ
أما الآيات الشرعية فهي ما جاءت به الكتب، يعني التي أنزلها الله على الرسل، وإن شئت فقل: ما جاءت به الرسل، ليعم الكتب والسنن، ومعنى كون الشيء آية أن غير الله لا يمكن أن يحصل له ذلك أو أن يأتي به؛ لأنه لو أمكن أن يأتي به لم يكن آية، يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣] هذا تحدٍّ بأي الآيات؟ بالآيات الكونية، تحدى الله عز وجل هؤلاء بأصغر آية من آياته الكونية؛ الذباب، لا يستطيعون أن يخلقوه ولو اجتمعوا له، في الآيات الشرعية يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء ٨٨]، ولهذا صار آية، لا يمكن أن يأتي أحد بمثل القرآن أبدًا، لا من جهة صدق الأخبار ونفع القصص وعدالة الأحكام وبلاغة الكلام، إلى غير ذلك، لو لم يكن منه إلا أنك لو تردده صباحًا ومساءً ما مللته، بينما غيره من الكلام لو قرأته كم مرة مللته وتركته، أما القرآن فسبحان الله، لا تمل، الفاتحة كم نقرؤها من مرة في اليوم؟ على الأقل سبع عشرة مرة، في اليوم الواحد نقرأ الفاتحة على الأقل سبع عشرة مرة، ومع ذلك تقرؤها في الركعة الثانية كأنك لم تقرأها في الركعة الأولى من إشفاقك عليها ومحبتك لها، وهذا لا شك أنه من آيات الله سبحانه وتعالى.
إذن الآيات الكونية هي المخلوقات، الشرعية يعني ما جاءت به الرسل، كل الشرائع آيات شرعية، لماذا سُمِّيت آية؟ قلنا: لأنها تُعْجِز الغير، لا يمكن للغير أن يأتي بمثلها، وذكرنا لكم مثالين في التحدي بالآيات الكونية والتحدي بالآيات الشرعية؛ التحدي بالآيات الكونية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾، التحدي بالشرعية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا التحدي بها، نريد دليلًا للتحدي بها؟
* الطالب: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.
* الشيخ: أحسنت، تمام، الآيات الكونية والشرعية؛ الكونية تتعلق بالربوبية، والشرعية تتعلق بالربوبية والألوهية، ولهذا هي منهج عبادة للخلق، كما أنها من حيث كونها حكمًا تتعلق بأيش؟ بالربوبية، الآيات الكونية تتعلق بالربوبية، والشرعية تتعلق بالألوهية؛ لأنها شرع، منهج، عبادة، ومع ذلك لها علاقة وصلة بالربوبية؛ لأنها حكم، والحكم يتعلق بأيش؟ بالربوبية؛ لأن الرب هو الخالق أيش؟ المالك المدبر.
﴿يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، هذا أيضًا من أفعالهم الشنيعة أنهم يقتلون الأنبياء، وهذا أعلى ما يكون من الجناية على البشر، الضرب، الحبس، الإهانة، الأذى، كله دون القتل، فأعلى أنواع الأذية القتل، هؤلاء يقتلون الأنبياء، - والعياذ بالله - قتلًا إما ذبحًا بالسكين أو رميًا بالحجر أو بالسهم أو بغير ذلك، المهم أنهم يقتلون الأنبياء، فأخلّ هؤلاء بالتوحيد والرسالة؛ بالتوحيد بكفرهم بآيات الله، والرسالة بقتلهم الأنبياء.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، هذه الصفة ليست قيدًا، ولكنها كشف وإيضاح، انتبه، ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ هذه الكلمة ليست قيدًا، لكنها كشف وإيضاح، كيف؟ لو قلنا: إنها قيد لزم من ذلك أن ينقسم قتل الأنبياء إلى قسمين: قسم بحق وقسم بغير حق، وهذا لا يكون؛ لأن قتل الأنبياء كله بغير حق، ولو قلنا: إنها للإيضاح والكشف، صار المعنى يختلف، فلا تكون قيدًا، بل تكون لبيان الواقع، أي أن قتل الأنبياء أيش؟ بغير حق، قتل الأنبياء بغير حق، فيكون المقصود بذلك شدة التوبيخ، فيكون المقصود بذلك شدة التوبيخ لهؤلاء، وأنهم يقتلون أشرف الخلق بغير حق، هذه لها نظائر، منها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ٢١]، قوله: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ (الذي خلقكم) صفة للقيد ولّا للإيضاح والبيان؟
* الطلبة: للإيضاح والبيان.
* الشيخ: للإيضاح والبيان؛ لأنك لو جعلتها قيدًا ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ لزم من ذلك أن يكون الرب أيش؟ ربين: ربًّا خلق، وربًّا لم يخلق، والأمر ليس كذلك، بل الرب هو الخالق، فيكون هذا بيانًا وكشفًا، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال ٢٤]: إذا دعاكم الرسول لما يحييكم، فقوله: ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ هذا قيد وليس بكشف وبيان.
* الطلبة: العكس العكس.
* الشيخ: بالعكس؟ طيب، قوله: ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ ليس قيدًا، ولكنه كشف وبيان؛ لأنك لو جعلته قيدًا لكان دعاء النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمنين ينقسم إلى قسمين: قسم يراد به الإحياء، وقسم يراد به الإماتة، وهذا غير صحيح، إذن فقوله: ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ بيان وكشف لما يدعو إليه، وهو أنه ﷺ لا يدعو الناس إلا لشيء يحييهم.
طيب، هذه الآية مثال ثالث: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ بيان أن قتل الأنبياء أيش؟ بغير حق مهما قُتِلوا.
يقول: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾ هذا من باب التوكيد، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾، هذا من باب التوكيد؛ لأن الكفر عصيان، لكن كأن الجملة هذه - والله أعلم - كأنها تعليل لذلك، لماذا كان الكفر سببًا لضرب الذلة عليهم والمسكنة والغضب؟ لأنه عصيان، عصيان ومخالفة، ﴿وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ تعود إلى قتل الأنبياء، فقتل الأنبياء عدوان، والكفر بالله معصية، مع العلم بأنه كله معصية، لكن هذا إلى العدوان أقرب، وهذا إلى المعصية أقرب.
* من فوائد هاتين الآيتين، أولًا: قوله: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ [آل عمران ١١١] فيه دليل على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لن يضروا المسلمين، وهل الواقع شاهد لذلك؟ نقول: نعم شاهد لذلك، لما كان المؤمنون على الإيمان الحق، أما لما تفرّقوا وتمزقوا واختلفوا في دين الله فإن الله يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام ١٥٩]، لم يتحقق لهم هذا الضمان من الله ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾.
* ومن فوائد الآية: أنه لو تقابل المسلمون وأهل الكتاب في قتال فالمنتصر مَن؟ المسلمون، ﴿وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾، ولكن هذا الخبر هل صدق مَخبَرُه؟ صدق لما كان المؤمنون على الإيمان الحق، ولكن لما اختلفوا وتفرقوا من بعد ما جاءهم البينات رفع الله عنهم هذا الالتزام، ولم يلتزم لهم، وكانوا فريسة لأعدائهم من اليهود والنصارى. واعلموا بارك الله فيكم أنه كلما بعدنا عن الإسلام زاد افتراس هؤلاء الأعداء لنا، ووجه ذلك أن المسلمين إذا تخلوا عن الإسلام بقيت الموازنة بين قوى مادية وأخرى، ومعلوم أن هؤلاء بالنسبة للقوة المادية سيكونون أقوى منا؛ لأننا إذا أضعنا أمر الله أضعنا القوة المادية، فإن من جملة أمر الله أن يكون لدينا قوة مادية. إذن فكلما أضعنا أمر الله حصل لهم من القوة علينا بقدر ما أضعنا من أمر الله، وكل درجة بدرجة، كلما نزلنا درجة ارتقوا درجة، وهذا الآن هو الواقع، الآن تكاد أن تقول: إن السيطرة على البسيطة ليست للمسلمين، ولكنها لغيرهم، حتى في بلاد المسلمين ليست السيطرة للمسلمين مع الأسف، لا نقول: إنهم مغلوبون عسكريًّا، قد يكونون غير مغلوبين عسكريًّا، ولكن مغلوبون فكريًّا؛ لأن الذي يقود المسلمين الآن فكريًّا هم الكفار، من اتباع الهوى والصد عن سبيل الله، وفتح أبواب الكفر على اختلاف مسمياته حتى ضاع المسلمون في الأرض، وصاروا يدبَّرون من الخارج، وليس من شرط التدبير أن تحتل العساكر بلاد الإسلام، لا، إذا استعمرت الأفكار بالنسبة للقادة فسد الناس، ولهذا يجب أن نكون منهم على حذر.
المهم أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ نقول: إن هذا الخبر صدق مَخبره متى؟ حين كان المسلمون متمسكين بالإسلام، كان عدوهم مرعوبًا منهم مسيرة شهر، «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»[[أخرجه البخاري (٣٣٥) من حديث جابر بن عبد الله.]]؛ لأنهم متمسكون بدين الله منصورون بنصر الله.
* ومن فوائد هذه الآية: أن أهل الكتاب إذا قاتلونا لا يكتفون بوضع السلاح بل يولون الأدبار، يهربون، لا يمكن أن يقفوا حول المسلمين، ولهذا قال: ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾، وهذا أشد ما يكون من الانهزام، عدوك إذا هرب منك وولّاك دبره حينئذ تسيطر عليه تمامًا، تسيطر عليه أتم السيطرة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هؤلاء لا يُنصرون، وهل المراد لا يُنصرون علينا أو لا ينصرون نصرًا مطلقًا؟ نقول: لا يُنصرون علينا، وهو أيضا مشروط بأن، أيش؟ نتمسك بديننا؛ عقيدةً وقولًا وعملًا، وإلا فسيُنصَرون علينا بقدر ما أهملنا من ديننا.
ثم قال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن هؤلاء الذين ينتسبون للكتاب ولا سيما اليهود منهم قد ضُرِبَت عليهم الذلة، فهم أذلّ الناس حتى إنه قيل: إن اليهودي لا يمكن أن يشهر السلاح على من عدا عليه بغير سلاح، يعني لو كان مع اليهودي سلاح وعدا عليه شخص ليس معه سلاح سقط السلاح من يده من شدة ما ضُرِبَ عليه من الذلة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هؤلاء اليهود قد يكون لهم عزة بحبل من الله أو حبل من الناس، نحن قلنا: إن المراد بالحبل من الله إما الإسلام أو الذمة؛ إن كان هو الإسلام فإن الاستثناء منقطع؛ لأنهم إذا أسلموا لم يكونوا من أهل الكتاب، صاروا من المسلمين، وإن كانت الذمة فالاستثناء متصل.
* ومن فوائد هذه الآية: أن أهل الكتاب قد ترتفع عنهم الذلة بحبل من الله أو حبل من الناس.
* ومن فوائدها: أن الناس قد ينصر بعضهم بعضًا بالباطل، وهذا عائد إلى قوله: ﴿وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾، وهذا هو الواقع المحسوس أن من الناس من ينصر غيره بالباطل؛ لأن الناس ليسوا كلهم أهل عدل، بل فيهم أهل الجور وأهل عدوان الذين يساعدون أهل العدوان.
* ومن فوائدها: إثبات الغضب لله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾، ومنهج أهل السنة والجماعة في مثل هذه الصفة إثباتها لله على الوجه اللائق به، على الوجه اللائق به، وأن الله يغضب وينتقم، ولكن أهل البدع يقولون: إن الله لا يغضب وحاشاه من الغضب، قدَّموا الرأي على النص، لماذا؟ قالوا: لأن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، هذا الغضب، غليان دم القلب لطلب الانتقام، والله عز وجل منزَّه عن ذلك، أحد صمد، ليس له قلب، بمعنى أنه لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه أحد صمد، قال ابن عباس: «الصمد الذي ليس له جوف[[أخرجه ابن جرير في تفسيره (٢٤ / ٧٣١). ]] ». فعلى هذا يقولون: إن الغضب الذي وصف الله به نفسه ليس بثابت له؛ لأنه مُنَزَّه عنه، الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، عرفتم؟ والله مُنَزَّه عن ذلك، ولهذا لا يكون الغضب إلا في مقام القوة، ويقابله الحزن يكون في مقام الضعف.ولكن أهل السنة والجماعة قالوا: لسنا أعلم بالله من نفسه، وقد وصف نفسه بالغضب، فنحن نؤمن بالغضب، بأن الله يغضب، وأن جميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه بابها واحد يجب إثباتها بدون تمثيل، بدون تمثيل، ولا يلزم إذا كان غضب المخلوق هو غليان دم القلب لطلب الانتقام أن يكون هذا المعنى هو الذي يوصف الله به، بل نعلم أن بين غضب الخالق والمخلوق فرقًا كما أن بين ذواتيهما فرقًا، إذن الغضب ثابت لله، ولكننا لا نعلم كيفيته، كيفيته موكولة إليه، فإن قالوا: الغضب لغة هو غليان دم القلب؟ نقول: هذا غضب أيش؟ المخلوق، أما غضب الخالق فيختص به، كما أنكم أنتم تثبتون الإرادة لله، تقولون: إن الله مريد، مع أن الإرادة إرادة المخلوق هي ميل القلب لما ينفعه أو يضره، أي: لطلب منفعة أو دفع مضرة، هذه الإرادة، أنا عندما أريد الشيء أريده لأيش؟ لطلب منفعتي، أو لدفع مضرتي، هل الإرادة التي أثبتموها لله بهذا المعنى؟ سيقولون: لا، نحن نثبت لله إرادة تليق به وتخالف إرادة المخلوق، نقول: يجب عليكم إذن أن تثبتوا لله غضبًا يليق به وأيش؟ مخالفًا لغضب المخلوق، فالباب واحد، فإما أن تنفوا ما أثبتم وإما أن تثبتوا ما نفيتم، فإن أثبتوا ما نفوا وافقوا السلف، وإن نفوا ما أثبتوا وافقوا المعتزلة، وهم يرون أنهم في حرب مع السلف وفي حرب مع المعتزلة، يحاربون المعتزلة، ولا أدلّ على ذلك من فعل أبي الحسن الأشعري رحمه الله كان معتزليًّا وبقي على الاعتزال أربعين سنة، أربعين سنة وهو معتزلي، ثم هداه الله، وأنكر على المعتزلة إنكارًا عظيمًا وبيّن زيفهم وخطأهم وخطرهم وخطلهم فتبرأ منهم.
طيب السلف يتبرأ منهم الذين قالوا: إننا لا نثبت الغضب لله؛ لأنهم يقولون: إن السلف مُجَسِّمَة، ممثلة؛ إذ يعتقدون أن من أثبت لله الصفات على وجه الحقيقة فهو مجسم ممثل، ولهذا صاروا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فنحن نقول لهم: كما أثبتم لله إرادة تليق به فأثبتوا له غضبًا يليق به، وإلا فانفوا الجميع لتوافقوا المعتزلة، وهم لا يثبتون الجميع ولا ينفون الجميع كما هو معروف من مذهبهم وأعني بذلك الأشعرية.
* طالب: أبو الحسن يا شيخ فهمنا من كلامك أنه انتقل من الاعتزال إلى أهل السنة مباشرة؟
* الشيخ: لا، ما انتقل مباشرة، لكنه انتقل إلى مذهب الكُلَّابية، عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب وبقي عليه برهة من الزمن ثم تحول إلى السلف الخالصة.
* طالب: شيخ، قلنا: إن الصفة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ إلى آخره، أنها ليست تقييدية بل هي لبيان الواقع، ما يصح يا شيخ أن نقول أنها تقييدية باعتبار أن الله تعالى خاطب المشركين الذين كانوا يعبدون أربابًا غير الله، وهو يقول: اعبدوا ربكم الذي خلقكم، ليس الأرباب الذين تعبدونهم والذين لا ينفعون ولا يضرون؟
* الشيخ: الخطاب هذا عام للمشركين وغير المشركين، والمشركون لا يعتقدون أن هذه أربابًا، يعتقدونها آلهة، وإلا فالربوبية يؤمنون بأنها لله وحده.
* طالب: شيخ، الأشعرية كانوا أتباع أبي الحسن الأشعري، معلوم أنه كان على الاعتزال ثم على مذهب ابن كلاب، كيف يا شيخ تبعوه وهو على مذهب المعتزلة ولم يتبعوا المعتزلة، هم لم يتبعوا (...)؟
* الشيخ: لا، هم الحقيقة أنهم اتبعوا مذهبه الوسط الذي هو مذهب ابن كُلّاب، ولهذا كانوا للكُلّابية أقرب حتى إن بعضهم ينكر ثبوت كتاب الإبانة عن أصول الديانة، ينكر أنه للأشعري، ويقول: هذا ليس من مؤلفاته، لكن إنكارهم غير صحيح؛ لأن الْمُثْبِت مقدم على النافي وقد أثبته أئمة كبار.
* طالب: أحسن الله إليك، الغضب صفة من الصفات الفعلية لله عز وجل تتعلق بالمشيئة والإرادة.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ورد في البخاري حديث «إِنَّ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ»[[أخرجه البخاري (٣٣٤٠) من حديث أبي هريرة.]]، فنفى أن يغضب الله سبحانه بعد هذا الغضب مع أننا قلنا أنه يتعلق بالمشيئة والإرادة؟
* الشيخ: لا، ما نفى الغضب مطلقًا، نفى أن يغضب مثله، ما نفاه مطلقًا.
* طالب: شيخ قلت: الآيات جمع آية، كيف آية جمع؟
* الشيخ: آية جمعها آيات.
* الطالب: قلت الآيات جمع آية، وهي العلامة، كيف آية جمع؟
* الشيخ: الآية على الشيء العلامة، كما قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس ٤١] ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ١٩٧] الآية هي العلامة.
(...) الله بالانتقام، فقالوا: الغضب الانتقام، وهذا تحريف وليس بتأويل؛ لأن الانتقام شيء منفصل عن الله عز وجل، يعني هم يفسرون بالعذاب، ويدل على بطلانه أن الله قال في آل فرعون: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف ٥٥] و(آسفونا) بمعنى أغضبونا، ومن المعلوم أن السبب غير المسبَّب، وأن فعل الشرط غير جواب الشرط، وهذا أكبر دليل على بطلان تفسيرهم الغضب بأنه الانتقام أو إرادة الانتقام.
* من فوائد هذه الآية: أن الله ضرب على هؤلاء من أهل الكتاب المسكنة، وسبق أن المراد بها مسكنة القلب؛ فقد يكونون كثيري المال لكن لا يزالون في شح وبخل وطلب للمال.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات العلة، أي أن أفعال الله سبحانه وتعالى معلَّلة أي مقرونة بالحكمة، ودليل ذلك قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾، وقد نفى الجبريةُ حكمة الله وتعليل أفعاله، وشُبهتهم في هذا أنهم يقولون: إن العلة غرض، العلة غرض يريده الفاعل، والله سبحانه وتعالى مُنَزَّه عن الأغراض، ومن كلماتهم الدارجة يقولون: إن الله مُنَزَّه عن الأغراض والأعراض والأبعاض، ثلاثة أشياء: عن الأغراض، والأعراض، والأبعاض، الأغراض يعني الحكمة، ولهذا ينكرون الأسباب كلها، لا الأسباب الشرعية ولا الأسباب الكونية، والأعراض الصفات الفعلية كالمجيء والضحك وما أشبهها، والأبعاض الصفات الخبرية كاليدين والوجه والعينين وما أشبهها.
* ومن فوائد هذه الآية: أن أفعال الله عز وجل وعقوباته لا بد أن يكون لها حكمة؛ لأن هذا الغضب الذي باءوا به وضرب المسكنة والذلة بيّن الله لها حكمة، وهي أنها كانوا يقتلون يعني يقتلون أنبياء الله بغير حق ويكفرون بآيات الله ويعصون الله.
* من فوائدها أيضًا: أن الكفر بآيات الله سبب للعقوبات؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، وقد دل على هذا عدة آيات من القرآن مثل قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل ١١٢].
* ومن فوائدها: عتوّ بني إسرائيل في الكفر، وقتل الأنبياء، والمعصية، والعدوان؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، إلى آخره.
* ومن فوائد الآية: أن قتل الأنبياء موجِب للعقوبة؛ لأن الله ذكر لهذه العقوبة عدة أسباب منها قتل الأنبياء.
* ومنها: أن قتل الأنبياء لا يمكن أن يكون بحق؛ لقوله: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، وقد سبق توجيه ذلك أثناء التفسير.
* ومنها أيضًا: جواز تعدد العلل لمعلول واحد، جواز تعدد العلل لمعلول واحد، وهذا متفق عليه؛ وذلك لأن العقوبات التي ذُكِرَت عدة عقوبات، والسبب واحد لكنه متعدد النوع، السبب واحد إلا أنه متعدد النوع، ويجوز أيضًا أن تتّحد العلة أي أن تكون واحدة والمعلول متعددًا، مثل أن يفعل الإنسان فعلًا واحدًا يترتب عليه عدة أشياء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن بني إسرائيل عندهم عدوان على حق الله وعلى حق الأنبياء وغيرهم؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾، وهذه الأوصاف وما ينتج عنها من العقوبات يجب أن نتخذ منها عبرة، وهي الفائدة المهمة المسلكية: أن لا نقرأها على أنها أمر جرى وقصة تاريخية، يجب أن نقرأها من أجل أن نعتبر؛ لقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١].
{"ayahs_start":111,"ayahs":["لَن یَضُرُّوكُمۡ إِلَّاۤ أَذࣰىۖ وَإِن یُقَـٰتِلُوكُمۡ یُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا یُنصَرُونَ","ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"],"ayah":"ضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَیۡنَ مَا ثُقِفُوۤا۟ إِلَّا بِحَبۡلࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلࣲ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّۚ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق