الباحث القرآني
ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبًا﴾ [العنكبوت ٦٨] أي أشرَكَ به.
قوله: ﴿مَنْ﴾ يقول المفَسِّر: (أي لا أحد)، وعليه فيكون الاستفهامُ هنا بمعنى النَّفي، وفائدة إتيَان الاستفهام في موضع النفي أنه يكون مُشْرَبًا معنى التَّحَدّي، كأنه يقال: إن كنتَ صادِقًا فأَعْلِمْنِي أنَّ أحدًا أظلَم، فالاسْتفهام في موضِع النفي هذه فائدتُه؛ أنَّه يكونُ مُشربًا معنَى التحدي.
قال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبًا﴾ أي لا أحدَ أظلَم ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبًا﴾. قوله: لا أحد ﴿أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى﴾: اختلَق ﴿عَلَى اللَّهِ كذبًا﴾ قال المؤلف: (بأَن أشركَ به). وهذا أيضًا تفسير قاصر إلا أن يُريد أيش؟ إلا أن يريد التمثيل، مَن أشرَك بالله فقد افترى على الله كذبًا كيف ذلك؟ لأنَّه زعَمَ أنَّ مع الله إلهًا آخَر وهو كاذِب، مَن قال: إنَّ الله حرَّم كذا، وهو لم يحَرِّمه فقد افترَى على الله كذبًا، فهمتم؟
مَن قال: إنَّ الله أراد بكلامه كذا دون كذا فقد افتَرَى على الله كذبًا، مَن قال: إنَّ الله ليس له يدٌ حقيقة وليس له وجهٌ حقيقة وليس له رضًا حقيقة وما أشبَه ذلك فقد افترى على الله كذبًا، والافتراء على الله كذبًا له أنوَاع كثيرة وأفرَاد لا تُحصَى، فكلُّ مَن قال عن الله أو عن أفعاله أو عن أحكامه شيئًا لم يقُلْه الله ورسوله فإنه مُفْتَرٍ على الله كذبًا.
وقوله: ﴿مَنْ أَظْلَمُ﴾ يشكل علينا أنه في بعض الأحيان تأتي مثل هذه الصيغة في مسألة غير هذه يقال فيها: ﴿مَنْ أَظْلَمُ﴾ [البقرة ١١٤]، وقد جمعهما الله سبحانه وتعالى في آية: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام ٩٣].
عدة مسائل: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٥٣) ومسلم (٢١١١ / ١٠١) من حديث أبي هريرة.]]، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [البقرة ١١٤] ماذا نقول ونحن فسرنا ﴿مَنْ أَظْلَمُ﴾ أي لا أحد أظلم؟ فكيف نجمع بين هذه النصوص؟
* طالب: (...).
* الشيخ: زين، واضح؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، يعني إمَّا أن نقول: لا أحد أظلم في هذا المعنَى المعيَّن؛ يعني مثلًا الافتراء -افتراء الكذب- يكون على الله ويكون على غيرِه، كده ولّا لا؟ أيُّهما أظلم؟
* طالب: مَن افترى على الله.
* الشيخ: مَن افترى على الله. مَن منع مساجد الله، المنْع يكون منْع المساجد، ويكون منع الأسواق، ويكون منع البيت بيتك أنه ما تدخله مثلًا، أيُّها أعظم منْعًا؟
* طالب: مسَاجِد الله.
* الشيخ: مسَاجِد الله. وهكذا نجعَل كل شيء مختَصًّا بما يقتضيه السياق.
أو نقول: إنَّ الجميع اشتَرَك في الأظْلَمِيَّة؛ يعني: ما من أحد أظلَم من هذا، ولا أظلَم من هذا، ولا أظلم مِن هذا، ولا أظلم مِن هذا إلى آخرِه، وصار المعنى أنها كلها اشتركت في أيش؟ في الأظلَمِيَّة (...).
فمَن قال: إنَّ مع الله شريكًا؛ فقد افترى على الله كذبًا، ومَن قال: إنَّ مِن أسماء الله كذا -وهو ليس من أسمائه- فقد افترى على الله كذبًا.
النصارى يُسَمُّون الله: الأب، والفلاسفة يقولون: إنَّه العِلَّة الفاعلة، وهذا كذِب على الله عز وجل. وكذلك الكذب على الله في صفاتِه وقد سبق أمثلَتُه. الكذِب على الله في أحكامه مثل الذي يقول: هذا حلال، وليس بحلال. أو حرام، وليس بحرام، وما أشبه ذلك. فالله تعالى بيَّن أنَّه لا أحدَ أظلَمُ مِن هذا، وسبق الجمع بين هذه الآية ومثلِها في: ﴿مَنْ أَظْلَمُ﴾ أنه يُجمع بينهما مِن أحد وجهين.
قال الله تعالى: ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ﴾. ﴿كَذَّبَ بِالْحَقِّ﴾ الحق: هو الشيءُ الثابت إن كان خبَرًا فهو الصِّدْق، وإن كان أحكامًا فهو العدل.
وقوله: ﴿لَمَّا جَاءَهُ﴾ ﴿لَمَّا﴾ بمعنى (حين) حين جاءَه كذَّبَ به. وقوله: ﴿لَمَّا جَاءَهُ﴾؛ لأنه قبل مجيئِه إليه لا يُلزَمُ به، فإنَّ الله يقول: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥]. فالله سبحانه وتعالى برحمتِه وعدلِه لا يُعاقِبُ أحدًا حتى تقوم عليه الحجة ببلُوغِ الشرْعِ له.
وقوله: (﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى﴾ مأوًى ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ أي فيها ذلك وهو منهُم).
قول المؤلف: (أي فيها ذلك) إشارة إلى أنَّ المراد بالاستفهام هنا التَّقْرِير، والغالب أنَّه إذا دخلت همزةُ الاستفهام على أدَاةِ نفْيٍ الغالب أنَّها للتقرير، وأمثلَة هذا كثيرة مثل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١]، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر ٣٦]، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين ٨]، ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة ٤٠]، وأشبَاه ذلك، فكلُّ هذا يدُلُّ على أنَّ الهمزَة هنا للتَّقْرِير.
قوله هنا: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى﴾ المعنى: في جهنَّم مثوًى؛ ولهذا قال المؤلف: (أي فيها ذلك وهو منهم)، (وهو) أي ﴿مَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ﴾ منهم؛ أي مِن الكافرين.
وقوله: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى﴾ المثْوَى: هو المأْوَى، لكن المأوى الذي هو محَلّ إقامة يَأْوِي إليه على أنَّه محل إقامَتِه، فثَوى في كذا؛ أي: أقَام فيه إقامَةً دائمة.
وقوله: ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ هو في الحقيقة إظْهَار في موضِع الإضْمَار؛ إذ إنَّ مقتضَى السياق أن يقال: أليس في جهنم مثوًى له، لكنَّه أظْهَرَ في موضع الإضمار، وذكرْنا أن الإظهارَ في موضع الإضمار يُستفاد منه ثلاث فوائد:
* طالب: التوكيد.
* الشيخ: (...) ضمير الفصل.
* طالب: تعميم الحكم (...).
* الشيخ: صح، أولًا: تعميم الحكم بحيثُ يكون عامًّا له ولغيرِه، طيب هذا واحد.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، صحيح؛ أنَّ الحكم عليه بهذه الصِّفَة؛ يعني أنَّه مثلًا كافِر في المثال اللي معنا كافِر، فيُستفاد التَّسْجيل على هذا؛ أي على موضِع الضمير بأنَّه متَّصِفٌ بهذا الوَصْف، الفائدة الثالثة:
* طالب: التعليل.
* الشيخ: التعليل إي نعم، إفادة التعليل إذا كان مشْتَقًّا ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾، التقدير: لِكُفْرِه.
لو قال: أليس في جهنم مثوًى له. ما استفَدْنا هذه الفوائد الثلاث، فتكون الفوائد إذن:
أولًا: دلالة التَّعْمِيم.
وثانيًا: الحكم على مَرْجِع الضمير بما يقتَضيه هذا الوصف.
والثالث: إفادَةُ العلة أو الإشارة إلى العِلة، وهذا إذا كان مشْتَقًّا.
ثم قال تعالى: (﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ [العنكبوت ٦٩] في حَقِّنا ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ أي: طُرُقَ المسِير إلينا)
﴿الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ مبتدأ، وجملة ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ خبرُه، والخبرُ كما ترون مؤكَّدٌ بثلاثة مؤكدات؛ وهي: القسم، ويش بعد؟ واللام، ونون التوكيد.
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ ﴿جَاهَدُوا﴾ أي: بذَلُوا جُهْدًا في الوصول إلى الغاية، هذا هو الجِهَاد، بذل الجهد للوصول إلى الغاية يُسمَّى جهادًا.
وقوله ﴿فِينَا﴾ قال المؤلف: (في حقنا) أي في دِين الله وما يجِب له سبحانه وتعالى، ومِن بيان شريعة الله سبحانه وتعالى؛ ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، ومنه كَفُّ النفس عما يحرُم وإلزامُها بما يجِب، كلُّ هذا من الجهاد في الله، ومنه أيضًا قتالُ الكفار لإعلاء كلمةِ الله، فالآية عامة، كلُّ مَن بذَل الجهاد في الله فإن جزاءَه عاجلًا قبل الآجِل.
﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ هدَاية دَلَالة وهِداية توفِيق، فهنا شاملة لأمرين؛ ولهذا قال: ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ ولم يقل: (لنهدينهم إلى..) بل قال: ﴿سُبُلَنَا﴾، فعَدَّى الهداية بنفسِها إلى المفعول الثاني، وإذا تعدت الهداية بنفسها إلى المفعول الثاني شمَل الدَّلَالة والتوفيق.
ومنه قوله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة ٦] لم يقل: (اهدِنا إلى الصراط)، بل قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ﴾؛ لِيَشْمل الهداية إليه والهداية فِيه، الهداية إليه الدَّلالة إليه أنه يدُلّك على هذا، والهداية فيه أن يُوَفِّقَك لِلعمل في إطَارِ هذا الصِّراط.
فإذن ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ يشمَل أيش؟ هداية الأمرين: هداية الدَّلَالة والعِلْم، وهداية التوفيق والإرشاد، وهذا وعدٌ مِن الله عز وجل مؤَكَّدٌ بهذه المؤكدات الثلاث، إذا كان الإنسان يُؤمِن بهذا الوعد؛ لأنَّه مِن الرَّبِّ جَلَّ وعلا وهو لا يُخْلِفُ الميعاد لِتَمَامِ علمِه وقدرَتِه وصِدْقِه أيضًا، عِلْم وصِدْق وقُدْرَة، وإِخلاف الـمَوْعِد يكون بتخَلُّفِ واحِد مِن هذه الثلاثة، ما هي؟ العِلم والصدق والقدرة.
ما أحد يخلفك الموعد إلَّا جاهل وعَدَك بشيءٍ وهو يظَنُّ أنه حصل ولم يكن على ظنِّه، أو إنسانٌ كاذب وعدَك فكذَبَك، أو إنسان عاجز هو صَدُوق ويعلَم الأسباب لكن عجز، أمَّا الله عز وجل فقد انتفى في حقِّه كل هذه الثلاث: الجهْلُ، والكذِبُ، والعَجْز، فلِتمامِ قدرتِه وعلمِه وصدقِه لا يُخلِفُ الميعاد.
أقول: مَن صدَّق بهذا -والحمد لله نحن نُصَدِّقُ به- فإنَّه لا بد أن يبذُل جُهدَه في حَقِّ الله؛ يُجَاهِد، وهذا هو مِصْدَاقُ ما جاء في الآثار الكثيرة مِن أنَّ الإنسان إذا عَمِل بعلْمِه فإنَّ الله تعالى يزِيده عِلمًا، يُثَبِّتُ علمَه الذي كان يعمَل به ويزِيدُه علمًا؛ ولهذا قيل: قيِّدُوا العلم بالعَمَل.
وقيل: العِلْم يهتِف بالعَمَل، فإن أجاب وإلَّا ارتَحَل[[أخرجه الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل (٤١) عن محمد بن المنكدر من قوله.]]. يهتِف يقول: تعال، إن أجابَ وعَمِلَ الإنسان بعلمِه بقِي وزادَ أيضًا، الله يقول: ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ هذه زيادة، وإن لم يُجِب ارتَحَل العلم، وهذا حَقّ يؤيِّدُه الواقع ويؤَيِّدُه المعلوم بالشرع، أمَّا الواقع فإن الإنسان إذا صَار يعمَل بعلمِه فإنَّ عملَه بالعلم دراسَةٌ له في الحقيقة، أليس كذلك؟ نعم ولَّا لا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، إذن العَمَلُ بالعِلم دراسَةٌ له، أنت تعلم كيف كان رسول الله ﷺ يُصَلِّي وتُطَبِّق ذلك في كل صلواتك، تنْسَاه ولَّا ما تنساه؟
* طالب: ما تنساه.
* الشيخ: ما تنساه؛ لأنَّ التطبيق دِرَاسة.
ثانيًا: مِن الناحية الشرعية يقول الله تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم ٧٦]، فكل مَن اهتدى فإنَّ الله تعالى يزِيدُه هدًى وعلمًا وفي الحقيقة، نحن نعرِف هذا ونقرؤُهُ دائمًا، لكن يغْلِبُ علينا السَّهْو والغفْلة والنسيان، ولَّا نعلم أن هذا حق وأنَّ كل مَن عَلِمَ فعَمِل فإنَّ الله تعالى يزيدُه ثباتًا في علمه وفضلًا مما لا يعْلَمُه.
* طالب: (...) هِدَاية الدَّلالة (...).
* الشيخ: إيه لكن هِدَاية الدَّلالة تتَفَاوت، أنت الآن هل تعلم كلّ ما دَل عليه الرسول عليه الصلاة والسلام؟
* الطالب: الصلاة والصِّيام..
* الشيخ: لا، أسألك الآن أَجِبْنِي.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما تعلم ولا أحد يدَّعي ذلك، إذن فهداية الدلالة ما هي ثابتة لكل أحد، الدلالة في الأصل موجودة، لكن اهتداء الإنسان أو علمه بهذه الهداية محدُود، وإلا الكتاب والسنة كلها (...) ما هنا شيء يحتاج الناس إلى الاهتداء إليه إلا وهو مَوجود في الكتاب والسنة، لكن هذا الموجود ليس موجودًا لِكل إنسان، إي نعم.
وقوله: ﴿سُبُلَنَا﴾ الضمير هنا (نا) ضمِير جمع، ما تقول في ضَمِير الجمع هذا؟
* طالب: التعظيم.
* الشيخ: التعظيم؟ يقول النصارى: إنَّه للتثليث.
* الطالب: كذَبوا.
* الشيخ: كذبوا؟ أعطنا دليلًا على كذبهم.
* الطالب: قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة ٧٣].
* الشيخ: إيه طيب، كمِّل الآية عشان يبين.
* الطالب: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [المائدة ٧٣].
* الشيخ: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ كذا؟ كَفَرُوا بقولهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾، وأبطل الله ودلَّل على بطلان قولهم بقوله: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾، وهذا أمْرٌ معلوم بالحس والعقل والفطرة، فإذن هذه الآيات الآية وشبهها التي أضَاف الله فيها الأمْرَ إلى نفسه بصيغة الجَمْع هي مِن متَشابه القرآن عند قوم.
النصارى يقولون: أنتم تقولون الله واحد، والله دائمًا يقول: نحن وفعلْنا وقلْنا، وما أشبه ذلك، كيف تقولون: الله واحد؟ وهذه الضمائر لأي شيء؟ لِلجمع. فنقول: إنَّ هذه للتعظيم، كما يقول ملكُكم أو قِسُّكم يقول: فعلْنا وقلْنا وما أشبَه ذلك، مع أنَّه واحد، لكن له أُناس يأتَمِرون بأمرِه ويقولون بقولِه.
قال: (﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ أي: طُرُق السَّيْر إلينا)
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ هذه الجملة مؤَكَّدة بـ (إن) واللام، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿لَمَعَ﴾ (مع) هذه حرف ولَّا اسم؟
* طالب: حرف.
* الشيخ: حرف؟ مثل هذه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: كيف وجْهُ جوازِها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ولا صارت مفتوحة.
* طالب: إذا كانت ساكنة حرف.
* الشيخ: حرف.
* الطالب: إذا كانت ساكنة.
* الشيخ: إيه، الظاهر أنه (...) عليك ما تقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب وإذا صارت غير مفتوحَة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني وافقته على (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما تقولون أنتم؟
* طالب: حرف.
* الشيخ: حرف؟ حرف أيش؟ حرف جَرّ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب الآن، كيف تُعْرِب (مع) مضَافًا و(المحسنين) مضَافًا إليه؟
* طالب: ﴿لَمَعَ﴾ منصوبة على المعِيَّة.
* الشيخ: ما يخالف، منصوبة على المعيَّة، لكن كيف ﴿مَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ أيش إعرابها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: مجرورة بأيش؟
* الطالب: بـ (مع).
* الشيخ: بـ (مع)، بِالإضَافة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: إذن صارت اسمًا؛ لأنَّه لا يُضَاف إلَّا الاسماء. هي في الحقيقة فيها خلاف بين النحويين: منهم مَن يرَى أنَّها اسمٌ وهو الصحيح بلا شكّ، ومِنهم مَن يرى أنَّها حرف. وفيها لغتان: الفتْح وهو الأكثَر، والتسكِين. قال ابن مالك:
؎ومَـــــــعَ مَـــــــعْ فِيهَـــــا قَلِيــــــلٌوَنُقِـــــــــــلْ ∗∗∗ فَتْــــحٌ وَكَسْـــــرٌ لِسُكُـــــونٍيَتَّصِـــــلْ
الحاصِل أنَّ ﴿لَمَعَ﴾ الصحيح أنَّها ظرْف اسْم، وأنَّها منصُوبة على الظَّرْفِيَّة؛ لأنَّها تدُلّ على الصُّحْبة، و﴿مَعَ﴾ مضاف، و﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ مُضافٌ إليه.
وقول المؤلف: (﴿لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ المؤمنين) هذا تفسِير ناقص؛ لأنَّ ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ أخَصُّ مِن المؤمنين؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ» إلى آخرِه، ثم قال: «الْإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠) ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]. فكل مُحْسِن إحسانًا شرعيًّا -ما هو عادِيًّا- فهو مؤمِن ولا عكس.
وأقول: إحسانًا شرعِيًّا؛ احترازًا مِن الإحسان العادِيّ، فإنَّ الإحسان العادي يقَع حتى مِن الكافر، أليس كذلك؟ لكِن الإحْسَان الشرعي الذي فسَّرَه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»، هذا أخَصُّ مِن المؤمِن.
وقوله: (بالنَّصْر والعَوْن) نعم صحيح هو معَهم بذلك، وليس معَهم في مكانِهم؛ لأنَّ هذا شيءٌ مستحِيل على الله عز وجل أن يكون مع الناس في أمكنَتِهم لا المحسنين ولا غير المحسنين؛ وذلك لأنَّ هذا القول يستلْزِم نفْيَ علُوِّه، وقد التزَم بذلك مَن قال به مِن الجهْمية القُدَماء منهم أيضًا ولَّا المتأخرون كما قرَّرناه غير مرة ماذا يرَوْن بالنسبة لمكَان الله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا لا، يرَوْن أنَّه لا داخِلَ العالم ولا خارِجَه، ولا فوقَ العالم ولا تحتَه، ولا مُتَّصِل ولا مُبَاين، هذا ما استقَرّ عليه مذهب الجهمية، وتبِعَهم في ذلك الأشاعِرة؛ فإنَّهم يرَوْن هذا النفي المحض والعياذُ بالله، أمَّا قدماءُ الجهمية فقالوا بأنَّه -تعالى- في الأرض وليس في السماء؛ ليس علا في السماء، ومِن العجائب أن نَفَوُا العلو مع تطَابق الأدلة عليه، وأثبَتُوا الحلُول مع تطَابُق الأدلة على إنكَارِه.
العُلُوّ تقدَّم لنا أنَّه دَلَّ عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع سلف الأمة، أليس كذلك؟ الكتاب مَمْلُوءٌ بما يدُلُّ على هذا، حتى إنَّ بعض أهل العلم قال: إنَّ في الكتاب ألْف دليل على عُلُوِّ الله، والسنةُ كذلك مملوءة مِن الدلالة على علُوِّ الله عز وجل على وجُوهٍ متنوِّعَة: قَول وفعل وإقرار.
قال النبي ﷺ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤ / ١٤٤) من حديث أبي سعيد الخدري.]]. وقال: «الْعَرْشُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ»[[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٨٩٨٧)، وابن خزيمة في التوحيد (٥٩٤) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
وأشارَ عليه الصلاة والسلام بأصْبُعِه إلى السماء يُشْهِد الله على إِقْرَارِ أمَّتِه بالبلَاغ في أعظَم مجْمَعٍ للمسلِمين، متى؟ يوم عرفة حين قال: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر بن عبد الله.]]. ودعا في خُطبَة الجمعة دعَا ربَّه فرفَع يديه إليه يقول: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٠١٤) ومسلم (٨٩٧ / ٨) من حديث أنس بن مالك.]]. هذه سُنَّة فعلِية ولَّا قولية؟ فِعْلية.
أمَّا الإِقْرَارِيَّة فإنه «سَأَلَ الْجَارِيَةَ قَالَ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قال: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم السلمي.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، وأمَّا دلالة العقْل على ذلك فهي ظاهِرة أيضًا؛ لأنَّنا نقول: العُلُوُّ صفة كمال ولَّا صفة نقص؟ صِفَةُ كمال ولا أحد ينكِرُ هذا، والسُّفُول صِفَة نقْص، والله سبحانه وتعالى مُسْتَحِقٌّ للكمال أو واجِبٌ له الكمال، مُنَزَّهٌ عن النَّقْص، أمَّا الفطرة فسل الصَّبِيَّ والعجُوز والعَامِّيَّ الجاهل الذي لا ..
{"ayahs_start":68,"ayahs":["وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَهُۥۤۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡكَـٰفِرِینَ","وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











