الباحث القرآني

قال: (﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ﴾ [العنكبوت: ٢٨]). (لوطًا) قال المؤلف: (واذكر لوطًا)، فعليه يكون مفعولًا لِفِعْل محذوف. والأمر بذِكْر هؤلاء الفضَلاء مِن الأنْبِيَاء ليس لِمُجَرَّد الثناء عليهم، وإعلاء رتبتِهم بين الناس، ولكن لِهذا الغرض، ولغرضٍ آخر وهو الاقتداءُ بهم، واتِّبَاعهم، والصبر كما صبرُوا. (﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ﴾ بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية، وإدخالِ ألف بينهما على الوجهين في الموضعين). ﴿﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ﴾ ﴾ قوله: (بتحقيق) إلى آخره؛ هذه قراءات، تحقيق الهمزتين، تقول: ﴿﴿﴾﴿أَئِنَّكُمْ﴾ ﴾ هذا التحقيق. الثاني يقول: (تسهيل الثانية): ﴿أَاِنَّكُمْ﴾ سهلَة، خليها بين الياء والهمزة. (إدخال ألف بينهما على الوجهين): ﴿ءَائِنَّكُمْ﴾ هذا على التحقيق، وعلى التسهيل: ﴿آاِنَّكُمْ﴾ سهل. وقوله: (في الموضعين)، وين الموضعين؟ في قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾، ﴿﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ﴾ ﴾. هذه القصة كغيرها من القصص ترِد في القرآن الكريم على وجوه متَنَوِّعة فكيف نجمَع بينها وهي قصةٌ واحدة؟ نقول في الجمع: إن كان مما يمكن أن يتكَرَّر فإنَّها تكون قد تكرَّرَت على الوجهين. وإن كان مما لا يُمْكن فإنَّ الله تعالى يحكِيها بالمعنى، تارةً كذا وتارةً كذا، لوط عليه الصلاة والسلام قال في هذه الآية يقول الله عز وجل إنه قال: ﴿﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾﴾ . * طالب: ﴿إِنَّكُمْ﴾ ﴾. * الشيخ: اللي عندي: ﴿﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ﴾ ﴾، المصحف: ﴿إِنَّكُمْ﴾ ﴾ لكن المفسر (...) همزة، ما ذَكَر إلا أيش؟ * طالب: همزة واحدة. * الشيخ: عندنا بهمزتَين، اقرأ التفسير: ﴿﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ﴾ ﴾ بتحقيق الهمزتين. * طالب: لكن (...) المصحف. * الشيخ: المصحف أصلًا طابعينه على القراءة. * طالب: عندنا التفسير يقول: ﴿لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ﴾ ثم قال: بتحقيق الهمزتين. * الشيخ: هي غلط؛ لأن التفسير اللي بالهامش منقُول مِن الأصل، والأصل على قراءَةٍ واحدة. * طالب: بس ما أشار المفسر إلى القراءة هذه (...). * الشيخ: يعني قصدك أن المفسر، صحيح المفسر ما أشار إليها، كان ينْبَغي أن يُشير إليها. أقول: مثلًا تجدون هنا في قصة لوط، قال: ﴿﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ﴾ في آية أخرى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل ٥٤]، أو ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف ٨٠]، هذا اختلاف، أليس كذلك؟ كيف نجمع بينهما؟ نجمع بينهما بالوجه الأول، بسِيط؛ وهو تعدُّد القَوْل، فمرة يقول لهم كذا، ومرة يقول كذا، وهذا لا إشكال فيه. في قصة فرعون: ﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ [الشعراء ٣٤]، وفي سورة الأعراف: ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف ١٠٩]، كيف نجمَع؟ نقول: كلّهم قالوا هذا وهذا، فإذا أمكن التعدُّد -سواءٌ من القائل أو بالقَول- حُمِل عليه، إذا لم يمكن؛ فإنه يكون مِن باب نقلِه بالمعنى، والله سبحانه وتعالى يتكلَّم به في كل موضع بما يناسِب، وبما تقتضِيه البلاغة، ﴿﴿أَئِنَّكُمْ﴾ ﴾. * طالب: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل ٥٤]، أليس المراد القرية. * الشيخ: لا، دعنا من الاستفهام، الكلام على اختلاف اللفظ، هنا قال: ﴿﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ﴾ ﴾، وهناك قال: ﴿أَتَأْتُونَ﴾. والاستفهام في كل موضعٍ للتوبيخ، والتقرير. قال: ﴿﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ ﴾. (اللام) في قوله: ﴿لَتَأْتُونَ﴾ (لام) التوكيد، و(تأتون) بمعنى: تَجيئون، وقوله: ﴿الْفَاحِشَةَ﴾ (أل) هنا هل هي لاستغراق الجنس، أو للعهد؟ * الطلبة: للعهد. * الشيخ: يعني الفاحشة المعلومَة لديكم، ودخلت عليها (أل) لِعظمِها، وقُبْحِها، ولهذا جاءت في هذا المكان الفاحشة، وفي بابِ الزنا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء ٣٢]، وفي نكاح المحارم: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء ٢٢]، فهذه ثلاث تعبيرات في اللواط، وصفَه الله بالفاحشة فيما نقله عن لوط، وفي باب الزنا قال: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾، وفي نكاح المحارم قال: ﴿فَاحِشَةً وَمَقْتًا﴾، إذن نكاح المحارم أعظم مِن الزنا أو لا؟ لأنَّه وُصِف بوصفين سيئين الفاحشة، والمقْت، واللواط أقبحُ منهما مِن حيث الوصف؛ فإنَّه الفاحشة التي تُسْتفْحَش عند جميع الناس. قال: (﴿الْفَاحِشَةَ﴾، أي: أدبار الرجال) -أعوذ بالله- أدبارُ الرجال، هذا لا شك أنه فاحشة، كلٌّ يستفحشه، كلُّ ذي عقل سليم، فإنه يستفحشه، أما من نُكِسَ قلبه فلا تستَغْرِب إذا قال: إنه ليس بفاحشة، كما أنَّ الذين يعبدون الأصنام يرون أنَّ ذلك منقَبَة وحسنَة هذا أيضًا نفس الشيء، هم -والعياذ بالله- يستحسنون هذا الأمر، ومِن عَجَبٍ أنَّ الواحد منهم يأتِي الذَّكَر في حال شبابه، وهذا المأْتِيُّ إذا كبِر أتَى غيرَه، فيكون فاعلًا مفعولًا به. قال: (﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ﴾ )، الاستفهام في قوله: ﴿﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ﴾ ﴾ للإنكار، والتوبيخ، وأُكِّد هذا الإنكار باللام. (﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ )، (ما) نافية، و﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ فاعل (سبق)، لكنَّه بزيادة حرْف الجَر للتوكيد، أي: ما سبقَكم بها أحدٌ، وقوله: (بها) هل نقول: إنَّ (الباء) هنا بمعنى (على)، ما سبقكم عليها؟ لا أقول: (الباء) على معناها، أي: إنَّكم لم تُسْبَقوا بها، بخلَاف: لم تسبقَوا عليها، لو قال: عليها لكان هذا فيمن أدركَ زمانهم، وكانوا هم أسبق إلى هذا منهم. أمَّا إذا قال: مَن سبقكم بها؛ فهذا يقتَضِي السَّبْق في الزمن، وقوله: ﴿مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾، قال المؤلف: (الإنس والجِن). الإِنْس لا شكّ فيهم، والجن؟ * طالب: نعم. * طالب آخر: ظاهرُها العالمين، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢] عامة. * الشيخ: لا، المشكل لو أخَذْنا بالعموم قلنا: بعد والملائِكة، على كل حَال يجُوز أن تكُون ﴿الْعَالَمِينَ﴾ عامًّا أُرِيدَ به الخاصّ، أي مِن بني آدم، ويجوز أن تكون عامَّة إلا فيما يُخَصِّصُه العقْل، كما ذكرْتُم عن الملائكة. ونقول: يشمل الجن والإنس، والبهائم؟ * طالب: البهائم لا غير مكلفة. * الشيخ: ما هي مِن العالمين؟ * طالب: من العالمين بس غير مكلفة، ثم البهائم ما تأتي إلا.. * الشيخ: على كل حال.. * طالب: ما تأتي، الذكر ما يأتي الذكر إلا ما عدا الحمير. * الشيخ: لا، ما ندرِي على كل حال ما ندري مثله في البهائم، ولكنَّ الجواب مثل ما قلتم: إنَّها غير مكلَّفَة، الكلام على المكلفين. طيب هذا في قوله: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾، يريد زِيادَة التشنيع عليهم؛ يعني: أنتُم الذين سنَنْتُم هذه الطريقَة، «وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]، كأنَّه يقول لهم: لو كنتم قد سُبِقْتُم بهذه الفاحشة لكان لكم نوْعٌ مِن العذر، لكنَّكم ما سُبِقْتُم بها فأنتُم القُدْوة فيها، والعياذ بالله. ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾، هذه الجُمْلة كالتقرير لِمَا سبق في الجملَة السابقة، والتفصِيل لها قال: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾، وظاهر الآية الكريمة أنَّه حتى الكبير -والعياذ بالله- يأتُونه. والذكر إذا بلغ سُمِّي رجلًا ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾، وهذا فيه كِنَاية عن الجماع؛ لأنَّ القرآن يكني، بل هو حتى في اللغة العربية، يُكني عما يُسْتَقبح ذكرُه بما يدُلُّ عليه، أفهمتم؟ فيقال: مثلًا قال الله تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة ٢٢٣]، فعبَّر عن الجماع بالإتيان، وهنا عبَّر عنه أيضًا بالإتيان. ثانيًا: ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ (السَّبِيل) الطَّرِيق، وقطعُهم الطريق له صِفَتَان: الصفة الأولى: قطع الطريق المعروف؛ وهو أن يتعرَّضُوا للناس بالسَّلْب، والنَّهب، والقَتْل، ويُسمَّى عندنَا في اللغة العامية: الحَنْشَلَة. هذه واحِدة. الثاني: قطْعُ الطريق: أنكم تَسَبَّبُون لِعدم سلوك الطرق بما تفعلُون بأهلِها، ولهذا قال: (طريق المارَّة بفعلِكم الفاحشة بمن يَمر بكم، فتركَ الناس الممَرَّ بكم)، هذا أيضًا قَطْع طريق إذا مرَّ أحد -والعياذ بالله- مِن الطريق تعرَّضُوا له بالفاحشة، ما هو بأخذ المال والقتل والسلب والنهب، لكن يفعلون الفاحشة به، إذن تنقَطِع السبل، أليس كذلك؟ * الطلبة: بلى. * الشيخ: تنقَطِع السبل، هذه واحدة، بل هاتان خصلَتَان. الثالثة: (﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ )، نادِيكم، أي: مُتَحَدَّثِكُم، فالنادي، والمُنْتَدَى، والنَّدِيّ كلها أسماء لِمكان الحديث والاجتماع بين الناس، ﴿تَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾: فعلَ الفاحِشَة بعضُكم ببعض. قوله: ﴿الْمُنْكَرَ﴾ المؤلف فسَّره بِـ(فعْل الفاحشة)، وعلى هذا يكون فيه تكرَار، والأصح أنَّ المنكر أعمّ مِن فعل الفاحشة، وهو كل ما يُنْكَر عُرْفًا أو شَرْعًا، ذكروا مِن ذلك أنهم يتلاكزون؛ يعني بعضهم يلكِز بعضا مع عجيزته، وذكروا مِن ذلك أنهم يتضَارطون، الضَّرطة المعروفة، وذكروا مِن ذلك أيضًا أنَّهم يَحِلُّون أزِرَّتهم؛ يعني: يدلّعون، لكن هذه مُنْكرة؟ * طلبة: لا؛ لأنها وردت في السنة. * الشيخ: هذه ما هي منكرة، ولّا بعضهم ذكر هذا، قال: ومنها أنهم يحلون أزرة القباء، فالمهم أن نُبْقِي الآية على ما هي عليه، المنكر كل ما يُنْكَر عُرْفًا أو شرعًا. وكذلك الحذف بالحصى، وما أشبه ذلك. وأنا عندي: أنّه عام في كل شيء حتى أيضًا في الكلام اللي يتضَمَّن السخرية والاستهزاء، وما أشبه ذلك، هذا منكر، هل وُجِد في هذه الأمة ما يشبه ذلك؟ نقول: نعم وجد، فإنَّ في هذه الأمة مَن عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، وفي هذه الأمة مَن إذا سَأَلْت عن مُجتمعاتهم وجدتهم يفعلون مثل فعل لوط، مِنها السخرية، والاستهزاء، واللَّغَط، واللهو، وغير ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»[[أخرجه الترمذي (٢١٨٠)، وأحمد (٢١٨٩٧) واللفظ له من حديث أبي واقد الليثي.]]. * طالب: مثل فَرْقَعَة الأصابع والمهارشة بين الكلاب؛ يعني هذا مِن فعلهم ولّا لا؟ * الشيخ: هم ذكروا المهارشة بين بالكلاب وبين الدِّيَكة. * الطالب: وفرقعة الأصابع؟ * الشيخ: وفرقعة الأصابع، ما أدري، يمكِن فرقَعَة الأصابع على غير المعروف، يمكن يتجمعون، ويقول أحدهم: يلَّا (...). * الطالب: (...). * * * * الشيخ: قوله تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ [العنكبوت ٢٨]، إلى آخرِه. * يُستَفَاد مِن هذا: رفْعُ ذِكْر هؤلاء الدُّعاة إلى الله؛ لأن قوله: (اُذْكُر) يعني: اذْكُره في موضِع الثناء، رفْعُ ذكر الدعاة إلى الله عز وجل مِن الأنبياء وغيرهم، ولِهذا قال الله تعالى في القرآن في قصة مريم: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ [مريم ١٦]. * ومِن فوائد الآية: فضيلة لوط عليه الصلاة والسلام. * ومِن فوائدها أيضَّا: التَّرْكِيز على الأمر الذي انغَمَس فيه الناس، وإن كان غيرُه أولى منه، لوط الآن ما رَكَّز على التوحيد في هذه القصة، ولّا مَا مِن رسول إلَّا يدعو إلى التوحيد، لكن رَكَّز على هذا العمل السائد بين الناس. * ينبنِي عليه فائدة: وهي أنَّ بعضَ الناس إذا رأَى بعض الدعاة يُنكِر شيئا معيَّنًا انغمس الناس فيه قال: الناس أشد مِن هذا، ليش تتكلم على هذا، الناس في الفخ أكبَر مِن العصفور؛ يعني: عندما تكلمت عن الملاهي، أو عن الميْسِر، أو عن الرِّبا، لا يتكلم هذا، فيه ناس ما يصلُّون، ليش ما تتكلم على هذا الشيء؟ فنقول: لا مانع أن يُرَكِّز الدعاة على ما انغمَس فيه الناس، ولو كان غيرُه مما لم ينغمِسوا فيه أهَمّ منه؛ لأنَّ المقصود علاج هذا الداء الذي استَشْرى في الناس. * ومِن فوائد الآية: فُحْش اللِّواط -والعياذ بالله- وهو إتيانُ الذكر الذَّكر، ولا ريبَ أنَّه مِن أعظم الفواحش. وفي الآية الكريمة هنا ما ذَكَرَ حدَّه، وكذلك السنة ما فيها أحاديث صحيحَة صريحة في هذا الأمر في حَدِّ اللوطي، ولذلك اخْتَلَف فيه أهل العلم على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنَّ حدَّه القتْل بكل حال؛ يعني: سواء كان الفاعل والمفعول به محصنًا أم غيرَ مُحصَن، وتعرفون المحصن مَن هو؟ هو الذي تزوَّج، وجامَعَ في نكاح صحيح. وقال بعض العلماء، وهو القول الثاني: إن حدَّه كحد الزاني؛ يعني: أنه إذا كان مُحصنًا رُجِم، وإن كان غير محصَن فإنه يُجْلَد ويُغَرَّب. وقال بعضُ أهل العلم: إنَّه لا حدّ فيه، وإنه يُكتَفَى بالرَّادِع النَّفْسي، وما كان خبيثًا في النفوس فإنَّه لا يكون عليه حد يُكتَفَى فيه بالرادِع، مثل البَولِ، البولُ أخْبَث مِن الخَمْر، والخَمْر فيه حدّ، والبول فيه حدّ؟ ما فيه حد؛ لأنَّ النفوس تَنْفُر منه وتستَقْذِرُه، فاكْتُفِي بالرادِع الطبيعِيّ عن الرادع التأدِيبي، هذه ثلاثة أقوال: أمَّا القول الأول؛ فاستدَلُّوا بالحديث الذي جَاء في هذا المعنى، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»[[أخرجه أبو داود (٤٤٦٢)، والترمذي (١٤٥٦) من حديث ابن عباس.]]، وهو حديثٌ أدنَى أحواله أن يكونَ حسنًا، ثم إنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعوا على قتْل اللوطي الفاعل والمفعولِ به، إلا أنهم اختلَفُوا كيف يُقْتَل؟ فقال بعضهم: إنَّه يُحْرَق بالنار، وقال بعضهم: إنَّه يُرجَم بالحجارة، وقال آخرون: يُلْقَى مِن أعلى مكانٍ في البلد، وهذا الذي اختارَه شيخ الإسلام -رحمه الله- على أنَّه يُقْتَل الفاعل والمفعول به؛ للحديث والآثار عَن الصحابة رضي الله عنهم، وللمعنى والقياس الصحيح؛ لأنَّ هذه الفاحشة -والعياذ بالله- ما يُمكن التحَرُّز منها، فإذا لم يكُن لها رادع قوِيّ استشْرَت في الناس -والعياذ بالله- وغلبَتْ، هذه واحدة. ولأنها قتْلٌ للمعنى والرجولة، فإنَّ الإنسان يكون بمنزِلَة المرأة، حتى إن بعضَهم -والعياذ بالله- المبتلَى بهذا الأمر يتجمَّل ويتمكيج. .. من الشرك. الدليل على الأوَّل -أن إضَافة الشيء إلى سببه المعلوم حِسًّا أو شرعًا جائز- أنَّ في هذه الآية وغيرها وآيات كثيرة وأحاديث كثيرة تضيف الأشياء إلى أسبابها، حتى قال الرسول ﷺ في عمِّه أبي طالب: «لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]] إذا أُضِيف الشيء إلى سببه المعلوم حِسًّا أو شرعًا، لكن مع الله بحرف يقتَضي التسوية، كان ذلك شركًا؛ إما أصغر، وإما أَكبر، قد يصل إلى حد الأكبر، إذا اعتقد أن له تأثيرًا كتأثير الله عز وجل. وإذا أضافه إلى الله وإلى غيره بحرف يقتضي الترتيب، فإن كان (ثُم) فهو جائز؛ لقول النبي ﷺ« لَمَّا قال له رجل: ما شاء الله وشئت، قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ».[[أخرجه أحمد (١٨٣٩) من حديث ابن عباس بلفظ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ عِدْلًا».]] وإن قرنه بحرف يقتضي الترتيب والتعقيب كـ (الفاء) مثلًا: لولا الله ففلان، فما رأيكم؟ عندنا ثلاثة حروف: (الواو) واضح أنها حرام شرك، و(ثم) جائزة، و(الفاء)؟ الحقيقة هذه (الفاء) يتنازعها أمران: إذا رأَينا أن الترتيب موجود فيها قلنا بأيش؟ بالجواز. وإذا رأينا أن الفرق بينها وبين (ثم) التي دلت النصوص على جوازها أن (ثم) تدل على التراخي والْمُهلة، وبُعْد الثاني عن الأول، قلنا: إنه ينبغي ألَّا نجوِّزها، ولا ريب أن الاحتياط والتورع عنها أحسن، وإن كانت لا شك أنها تقتضي الترتيب، لكن بينها وبين (ثم) فرق. * طالب: يا شيخ، قوله ﷺ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ».. * الشيخ: «مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»، إي نعم. * طالب: طيب كونه مثلًا، أو في حديث آخر، ما أجاز إلا (ثم) ما يدل على المنع من سواها؟ * الشيخ: والله هذا الذي قلنا لكم، بس إن السبب أنه منع (الواو)، وأجاز (ثم)، وسكت عن (الفاء). * طالب: نجعلها بمنزلة بين منزلة الشيء ومنزلة.. * الشيخ: الإباحة، إذن فالاحتياط؟ * الطالب: تكون محرَّمة. * الشيخ: لا، الاحتياط تجنبها، ما نجزم بالتحريم؛ لظهور الفرق بينها وبين (الواو)، ولا نجزم بالإباحة؛ لظهور الفرق بينهما وبين (ثم)، فنقول احتياطًا: المسألة نتجَنَّبها، والحمد لله ما من شيء محرَّم إلَّا والمباح أكثر منه وأضعافه، بس يحتاج الناس إلى تنبيه؛ لأن هذه أيضًا من الطرق اللي -وإن كانت خارجة عن الدرس- لكن الكلام يتبعه بعضه، بعض الناس يقول للناس مثلًا يعظهم أو يرشدهم يقول: هذا حرام، ولا يجوز، لكن ما يفتح لهم بابًا يسلكونه، وهذا خلاف الدعوة الصحيحة. نحن ذكرنا أنَّ الإنسان إذا ذكر الباب الممنوع للناس فإنَّه من تمام الدعوة والإصلاح أن يذكر لهم الباب المباح المفتوح. وقلنا: إن هذا ما دل عليه الكتاب والسنة، بل في القرآن يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة ١٠٤]، هذا ممنوع، ولكن ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ فتح لهم بابًا. وفي السنة: قال الرسول عليه الصلاة والسلام لبلال: «بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ»، لَمَّا منعه من شراء الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، قال: «بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ الْجَنِيبَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٠٢)، ومسلم (١٥٩٣ / ٩٥) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.]]، كونه يقول للناس: يا جماعة ترى هذا الشيء مُحرَّم، ثم لا نفتح لهم بابًا يمشون معه، هذا بالحقيقة نقص في الدعوة. * طالب: تكون صعبة. * الشيخ: صعبة في النطق يعني؟ * الطالب: بالنطق. * الشيخ: إي، الحمد لله. * الطالب: والواو بعد أسهل لك من.. * الشيخ: هذه المناسبة لفظية، بارك الله فيك. * الطالب: وفي تلك اللفظة (...). * الشيخ: صحيح، إذن يكون فيها على هذا الحال مطب على ما قالوا، مطب لفظي. * طالب: الحمد لله ما هي موجودة في كلام العوام عندنا. * الشيخ: لا ما هى موجودة، الناس الآن العوام يُغالُون أحيانًا، حدثنا شيخنا عبد الرحمن السعدي أنَّ رجلًا قيل له: كيف كدة تمركم ها (...)؟ كان عندهم صوبة، يعني منزل كبير، ويش اللي أكله؟ قال: ما أكله إلا (...)، أعوذ بالله، يعني أحيانًا يُبَالغون العامة. من فوائد الآية انتهينا أظن.. * طالب: أن الأهل يشمل الذكور والإناث. * الشيخ: إي نعم، إن (أهل) من الناحية اللغوية يعُمّ الذكور والإناث. * طالب: يا شيخ، ما يُثْبِت أن لوطًا عليه السلام دعا عليهم؟ * الشيخ: إلّا، قوله: (...). * الطالب: إي نعم، يعني الأول قلنا: إنه ما فيه. * الشيخ: إحنا الأول صحَّحنا أنَّه دعا عليهم من قوله: رب انصرني عليهم، بالدعاء؛ لأنهم هم تحدوه، ﴿قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت ٢٩]. * طالب: شيخ، ما يؤخذ من الآية (...) قول من قال: إن القرية قلبت عليهم؟ * الشيخ: هذا بييجي صريحًا في الآية أصرح مِن هذا ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت ٣٤] (...) قال الله عز وجل. * طالب: ذكرنا أن في الدعوة نبيِّن للناس ما يحرم عليهم ونبين ما .. * الشيخ: أن نفتح لهم بابًا آخر. * الطالب: أن نفتح لهم بابًا، (...). * الشيخ: هو الغالب إنه فيه ما (...)، وأنا ما أستحضر شيئًا ما فيه ما (...). * الطالب: قصدي من النصوص تأتي مطلقة دون ما يقابلها، يعني يأتي التحريم في آيات .. * الشيخ: إي، يأتي التحريم بآيات لكن تجد في آيات أخرى مذكورًا طريق مباح ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة ٢٧٥]، حرم الربا، لكن عندنا طريق آخر مباح، ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة ٣] ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾ [الأعراف ١٥٧] يعني ما هو بلازم يكون مقترنًا، والنصوص بعضها من بعض، لا تضارب. * طالب: يا شيخ، نستحضر مثالًا (...). * الشيخ: سماع القرآن يا أخي والحديث. * طالب: إي، بس هل هذا مثل هذا؟ * الشيخ: أقول بدل ما أنك تمضي وقتك في أغاني وموسيقى وغيرها، عندك القرآن والأناشيد الطيبة، عندك عطلة، فيه واحد زعم علي البارحة قال: إحنا عندنا دوام أربعة وعشرين ساعة ونلعب ورق، ويش نسوي؟ يبغون يستريحون، (...) رمضان بعد؟ وأرى ما تلعبون الكرة أحسن لكم وأنشط، والحمد لله، وتمشون. * طالب: (...). * الشيخ: نعم، الكرة تفيد الجسم. * الطالب: الدوام يعني .. * الشيخ: لا لا، بس ما هو دوام كتابي، دوام ما كل ما يعلم يقال. * طالب: ولا يستطيعون قراءة القرآن. * الشيخ: لا، يقول: إحنا نصلي ونتروَّح، ونحدث، ونقرأ القرآن فيما بيننا، لكن أربعة وعشرين ساعة، الحقيقة صعب أن الواحد كله يعمل عمل جد، أنا قصدي أن زميلكم يقول: قلنا حرام (...) وبش نجيبه، الحمد لله. * طالب: لكل نبي دعوة، هذه دعوة لوط؟ * الشيخ: الله أعلم هي هذه ولَّا غيرها، إنما هذه لا شك أنه استجاب الله دعاءه. * طالب: الفرق في الدعاء على القوم، قلت: ما ينبغي أن يدعو (...)، مثلًا يقول: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح ٢٦]. * الشيخ: إي نعم، الآن صحيح بالنسبة لنا ينافي الحكمة، لا بد أن يكون هناك..، ولهذا قال: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٣١١)، ومسلم (١٩٢١ / ١٧١) من حديث المغيرة بن شعبة.]]، إحنا لو دعونا بأن الله يمحو الكافرين معناه بطل مدلول هذا الحديث. نقول: ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾ [العنكبوت ٣٢]، ﴿لُوطًا﴾ هذه منصوبة؛ لأنها اسم (إن) مؤخَّر. ﴿قَالُوا﴾ أي: الرسل، ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾ [العنكبوت ٣٢]. قوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ﴾ هذه اسم تفضيل، أين المفضَّل عليه؟ * طالب: إبراهيم. * الشيخ: منك يعني؟ إذا قلت: إبراهيم، كان معناها منك. * طالب: نحن بمعنى نعلم. * الشيخ: يعني كلمة ﴿أَعْلَمُ﴾ ظاهرها أنها اسم تفضيل، وإذا كانت اسم تفضيل فالمفضَّل عليه قطعًا مثل ما قال: إبراهيم، لكن ما وجه ذلك؟ وجه ذلك أن مثل هذا التعبير يخاطَب به من يُراد إعلامه بما عند المتكلم، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «نَحْنُ أَوْلَى بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥٣٧)، ومسلم (١٥١ / ٢٣٨) من حديث أبي هريرة.]]، إبراهِيم عليه الصلاة والسلام قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠]، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «نَحْنُ أَوْلَى بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»، اسم التفضيل هنا باعتبار المفضَّل والمفضَّل عليه، هل فيه شك؟ لا، لكن المعنى أنه لو كان في إبراهيم شك لكنا أولى منه، فكما أننا نحن لا نشك فإبراهيم لا يشك. فالمعنى ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ﴾، يعني معناه: كما أنك أنت عالم فنحن عندنا علم بذلك. وقوله: ﴿أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾، يعني: يشمل لوطًا وغيره؛ لأن (مَن) اسم موصول من صيغ العموم. ﴿لَنُنَجِّيَنَّه﴾ بالتخفيف والتشديد، قراءتان سبعيتان؛ (نُنَجِّي) من المضعَّف (نَجَّى)، (نُنْجِي) من المزيد بالهمزة من (أَنْجَى)، وكلاهما صحيح، والمعنى واحد. وقوله: ﴿لَنُنَجِيَنَّه﴾ النجاة معناها الإنقاذ من الهلكة. ﴿لَنُنَجِيَنَّه وَأَهْلَهُ﴾ معطوفة على الضمير، والجملة كما ترون في قوله: ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ﴾، مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات وهي: القسم المقدَّر، و(اللام)، أيش بعد؟ * طالب: ونون التوكيد. * الشيخ: ونون التوكيد، نعم، ﴿وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾، ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ مستثنى من قوله: ﴿وَأَهْلَهُ﴾، والمراد بالمرأة هنا الزوجة. ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾: الباقين في العذاب، وقوله: ﴿كَانَتْ﴾ هل نقول: إنها فعل ماض مسلوب الزمنية، كما قلناها في عدة آيات مثل: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦] ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء ١٣٤]؟ تقدم لنا أن (كانت) في مثل هذه الآيات مسلوبة الزمنية، والمراد: اتصاف اسمها بخبرها، هنا ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾، هل نقول: إن المراد بيان أنها من الغابرين فقط فهي مسلوبة الزمن؟ أو نقول: إن (كانت) دالة على الزمن، والمراد: كانت في علم الله من الغابرين؟ * طالب: الأول. * الشيخ: نعم، نقول: كلاهما محتمل، ولا تنافي بينهما، فإن شئت فقل: كانت في علم الله من الغابرين. وإن شئت فقل: ﴿كَانَتْ﴾ أي أنها اتصفت بكونها من الغابرين، أي الباقين في العذاب، يعني: فليست ناجية. * طالب: امرأة ذُكِرَت، ما الفرق بين أن نقول: زوجة من زوجات النبي وامرأته. * الشيخ: لا فرق إذا قيل: امرأة فلان فهي.. * الطالب: امرأة فرعون. * الشيخ: يعني زوجته. * الطالب: لكن أنا سمعت أن المرأة إذا اختلف الدين بينهم لا يقال: زوجة. * الشيخ: إيه؟ * طالب: ينظر لقوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصافات ٢٢] * الشيخ: لا، أزواجهم: قرناءهم، ما هو. * طالب: (...) وهنا كذلك. * الشيخ: وامرأة نوح وامرأة لوط، إذا لم تنتقض هذه القاعدة فهي وجيهة. * طالب: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ﴾ (...). * طالب آخر: امرأة فرعون. * الشيخ: إي، هو يقول: إن المرأة ما يقال: زوجة، إذا اختلفت مع زوجها في دينها. * طالب: سواء هو أو هي. * الشيخ: لكن بس اللي قاله زميلكم: إن المرأة تطلق على الزوجة مع الاتفاق في الدين، مثل قوله تعالى في أبي لهب: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ [المسد ٤] يعني: زوجته. إذن معناها القاعدة هذه ما صارت سليمة، ودائمًا الإنسان بالحقيقة يبدو له أحيانًا أن هذا الشيء مطَّرِد، ويغيب عنه أنه قد ينتقض، ومثل هذه ينبغي للإنسان أن يحترز، فيقول: غالبًا، لأجل إذا نُقِض ما يكون داخلًا عليه خلل في تعبيره. * طالب: قوله: أعلم، فيه محذور من أنه يطرأ على بالنا أن الملائكة أعلم منه بما أنه وجد.. * الشيخ: ما فيها محذور إذا كان على سبيل العموم، يعني معناه أن إبراهيم قد لا يعلم كل مَن فيها، لكن لوط، وهو خاطبهم عن لوط، فهمت؟ فإذا قلنا: باعتبار المجموع؛ لوط وقومه؛ فإنه لا مانع من أن تكون الملائكة أعلم من إبراهيم؛ لأن إبراهيم لا نجزم بأنه يعلم كل مَن فيها. لكن إذا قلنا: المراد ما وقع عنه، أو ما وقع فيه الاعتراض، وهو قوله: ﴿إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾، صار ما هي على بابها، فالمعنى: أننا نحن عالمون كما أنت عالم. * طالب: (...) يتصل بلوط عليه السلام دائمًا، وهو يوحى إليه أو يبلِّغه الوحي، فكلهم يعلم بحاله. * الشيخ: إي، يعلم لكن أعلم.. * طالب: لكن نجَّى لوطًا وأهله.. * الشيخ: خَلِّي، بيجي إن شاء الله. قال: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾. نقول في ﴿لَمَّا﴾ كما قلنا فيما سبق. وقوله: ﴿أَنْ جَاءَتْ﴾، ﴿أَنْ﴾ هذه يقولون: إنها زائدة للتوكيد، وكل حرف زائد في القرآن فإنه للتوكيد حسب السياق. ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾ يعني تحقق مجيئهم له، (﴿سِيءَ بِهِمْ﴾: حزن بسببهم). (سيء) هذه فعل ماضٍ مبني للمفعول، ما قال: سُوءَ؛ لأن الماضي يُضَمّ أوله إذا بُنِيَ للمفعول؟ * طالب: لأنه معتلُّ العين. * الشيخ: إي، معتل، مثل: قِيلَ، وبِيعَ. ؎وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ (فَا) ثُلَاثِيٍّ أُعِلْ ∗∗∗ عَيْنًا وَضَمٌّ جَا كَـ(بُوع) ............ إحنا نعرف ننطق بالكسرة الخالصة وبالضم الخالص، فنقول: قُولَا، لكن الإشمام أظنه كان صعبًا علينا. * طالب: صعب الجزم، فيه مواضع من القرآن ليس صعبًا، لكن.. * الشيخ: لا هذه هذه. وقوله: ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ أفاد المؤلف بقوله: (بسببهم)، أن الباء للسببية، أي: لحقه السوء بسببهم، والله أعلم. * طالب: ضابط (أن) الزائدة؟ * الشيخ: إذا كان (أن) وغير (أن) إذا حُذِفت استقام الكلام فهي زائدة، هذا الضابط. * الطالب: ما لها ضابط لفظي. * الشيخ: لا، ما لها، هي الغالب إذا جاءت بعد (لما) حسب ما في القرآن أنها تأتي زائدة، فلما (...). قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾. * من فوائد الآية: بيان رأفة إبراهيم وحلمه؛ لقوله: ﴿إن فيها لوطًا﴾، وكأنه عليه الصلاة والسلام يريد ألا تهلك هذه القرية؛ لوجود هذا الرجل الصالح، هذا احتمال، واحتمال أنه أورد هذه الإيراد ليعرف ماذا تكون حال لوط، وأيهما أرجح؟ الإيراد الآن يحتمل أنه قال ذلك ليُرفَع العذاب عنهم بسبب هذا الرجل الصالح، ويحتمل أنه أورد هذا لينظر ماذا تكون حال لوط. * طلبة: الأول. * طالب آخر: لا، الثاني. * الشيخ: أو الثاني؟ * الطالب: الثاني أولى. * الشيخ: الجواب قالوا: ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾، عندي أنه يرجِّح الثاني؛ أن المعنى: ماذا تفعلون بهذا الرجل؟ * طالب: (...). * الشيخ: اقرأ الآية علشان نتبين، يمكن يكون هذا دليلًا منفصلًا يؤيد.. * الطالب: (...) * الشيخ: ﴿وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود ٧٤]. * الطالب: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود ٧٦]. * الشيخ: الكلام على قوله: ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾، هذه تؤيد الاحتمال الأول. إذن نقول: إنه أراد هذا وهذا، كذا؟ ما يمنع أن إبراهيم عليه السلام قال هذا للغرضين. وعلى كلٍّ ففيه دليل على رأفته عليه الصلاة والسلام، وهذا مشهور عنه، حتى إنه قال: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم ٣٦]. * من فوائد الآية: إثبات القول والعلم للملائكة، مما يدل على أنهم ذوو عقول، وذوو نطق، خلافًا لمن قال: إنهم لا عقول لهم، وهذا من أغرب ما يكون؛ أن يكون هؤلاء الملائكة الذين يسبِّحون الليل والنهار لا يفترون، والذين وصفهم الله بأنهم عباد مُكْرَمون، نقول: إنهم لا عقول لهم، فمن له عقل بعد ذلك؟ وخلافًا أيضًا لمن قال: إنهم أرواح ليسوا أجسادًا؛ لأن ظاهر الحال أنهم أجسام يتكلمون وينطقون، ولهم عقل ونطق. * ومن فوائد الآية: جواز إضافة الشيء إلى سببه؛ لقوله: ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾، ومعلوم أن الإنجاء منين؟ من الله، لكن لما كانت هؤلاء الرسل رسل الله أُضِيف إليهم فعل الله، أي أن ما قدَّره الله عز وجل فهو فعلهم، ففيه إضافة الشيء إلى سببه، وقد تقدم لنا أن إضافة الشيء إلى سببه لها أربعة وجوه: الوجه الأول: أن يضاف إلى السبب بدون ذكر الله. وأن يضاف إلى السبب مع الله بالواو. وأن يضاف إلى السبب مع الله بـ (ثم). وأن يضاف إلى السبب مع الله بالفاء، أليس كذلك؟ القسم الأول: جائز، ولَّا لا؟ القسم الأول: أن يضاف إلى سببه بدون ذكر الله. * طالب: غير جائز. * الشيخ: غير جائز، توافقونه؟ * طالب: لا. * الشيخ: ما توافقونه. * طالب: هذا السبب سبب معلوم؟ * الشيخ: معلوم أنه سببه، متفق على أنه سبب شرعي أو حسي، يعني تخالفون؟ طيب، ما هو الدليل على جوازه؟ * طالب: من الأدلة على جوازه قول النبي عليه الصلاة والسلام لأبي طالب: «وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ». * الشيخ: نعم، «وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]]، والحقيقة الذي منعه أن يكون في الدرك الأسفل من النار الله عز وجل، لكن رسوله عليه الصلاة والسلام سبب. * طالب: وهذا الآية أيضًا. * الشيخ: وهذه الآية، طيب إذا أضيف إلى السبب مع الله بالواو، أيش تقول؟ * الطالب: ما يجوز. * الشيخ: ما يجوز؟ ما الدليل؟ * الطالب: لأن (...) يقضي بالمساواة. * الشيخ: لا، هذا تعليل، لكن نريد الدليل. * الطالب: قول الرجل للرسول ﷺ: ما شاء الله وشئت، قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»[[أخرجه أحمد (١٨٣٩) من حديث ابن عباس بلفظ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ عِدْلًا».]]. * الشيخ: صح؛ ولأن التعليل يقتضي أن يجعل هذا السبب مساويًا لله عز وجل، طيب هذا الحكم لا يجوز، لكن يكفي أن نقول: لا يجوز؟ * طالب: لا شرك، قد يكون أكبر، وقد يكون أصغر. * الشيخ: أكبرا، أكبرا بالتنوين، لا لا إنما نمشي على الكلمة الأولى بدون تنوين، وقد يكون أصغر بحسب ما قام بقلب هذا الْمُشَرِّك، إنما هو شرك على كل حال. إذا كان مضافًا إلى سببه مع الله بـ (ثم) فما حكمه؟ * طالب: جائز. * الشيخ: جائز؟ ما الدليل؟ * الطالب: قل: ما شاء الله ثم شاء. * الشيخ: وينه؟ * الطالب: ثم. * الشيخ: أبغي الدليل، لو أَثَر ما يخالف، من يحفظ؟ * طالب: يعني (ثم) تدل على دليل لازم. * الشيخ: لا، نبغي دليلًا. فيه حديث قُتَيْلَة الرؤيا التي رآها رجل من المسلمين مع رجل. * طالب: النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: «قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ»[[أخرجه النسائي (٣٧٧٣) من حديث قتيلة بلفظ: «مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ».]]. * الشيخ: نعم. * الطالب: حديث ابن عباس. * الشيخ: وحديث ابن عباس أَثَر. فنقول: هذا دل عليه حديث قُتَيْلَة، وفيه إن شاء الله بيجينا في التوحيد، ونشوف عن صحته من عدم صحته، وكذلك أثر ابن عباس، وهو مشهور، في قوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ٢٢]. ثم التعليل أن (ثم) تدل على تأخر المعطوف عن المعطوف عليه تأخُّرًا مباشرًا، ولَّا كثيرًا؟ * طالب: كثيرًا. * الشيخ: كثيرًا؛ لأن (ثم) تدل على الترتيب بمهلة. إذا قرنه مع سببه بالفاء، أيش تقول؟ * طالب: ترددنا فيها. * الشيخ: نعم، ما وجه التردد؟ * طالب: لأن الفاء للتعقيب المباشر فمن حيث إنها للتعقيب تكون جائزة. * الشيخ: تخالف الواو. * الطالب: ومن حيث إنها مباشرة للتعقيب المباشر.. * الشيخ: تخالف (ثم)، و(ثم) ورد جوازها، والواو ورد منعها، وهذه وسط، قلنا: فالأَوْلَى للإنسان تركها، وأن يعدل إلى أشياء ما فيها إشكال. * من فوائد الآية: أن الزوجة داخلة في الأهل، من أين تؤخذ؟ * الطالب: من قول الملائكة: ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾، ثم استثنوا من ذلك امرأته. * الشيخ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾، لو قال قائل: هذا الاستثناء منقطع فلا يدل، ما الجواب؟ * طالب: ما هو الاستثناء المنقطع؟ * الشيخ: إي نعم، المنقطع يكون مستثنى من غير جنس المستثنى منه، فلو قال قائل هذا لو عارضنا بها؟ * الطالب: هذا من جنس المستثنى. * الشيخ: إيه؟ يقول: ليس من جنسه، يقول: ما هو من الأهل. * الطالب: الأصل في الاستثناء الاتصال. * الشيخ: صح. * الطالب: إذن على المدعي الدليل. * الشيخ: هذا هو الصحيح، الأصل في الاستثناء الاتصال؛ لأنه لولا أنه من المستثنى ما احتيج إلى إخراجه، فهو الأصل. * ينبني على هذه الفائدة فائدة: وهي أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام من أهل بيته؟ نعم من أهل بيته، ولا شك، خلافًا للرافضة الذين يُخْرِجون زوجاته من أهل بيته. وفي القرآن ما يدل على ذلك صريحًا؛ أن أزواج الرسول ﷺ من أهل بيته، منين؟ * طالب: قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب ٦]. * الشيخ: لا، لا، السؤال: من القرآن ما يدل دلالة صريحة على أن زوجات الرسول ﷺ من أهل بيته. * الطالب: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود ٧٣]. * الشيخ: لا هذه في إبراهيم. * طالب: في آية الحجاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب ٥٩]، وفي الآخر خالص في آخرها: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب ٣٣]. * الشيخ: ما هي في الآية هذه. * طالب: (...). * الشيخ: إلَّا، هو جاب آية الحجاب. * طالب: لا لا قال: آية التبرج. * الشيخ: آية التبرج. * طالب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب ٢٨]، إلى قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب ٣٢]، ثم ختم الله تعالى الآية بقوله: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٣]. * الشيخ: إلى أن قال: ﴿أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٣] هذا واضح وصريح. * من فوائد الآية الكريمة: أن الاتصال بالصالح لا يستلزم أن يكون المتصل صالحًا، صحيح أن الاتصال بالصالح من أسباب الصلاح، لكنه ليس بلازم، من أين يؤخذ؟ * طالب: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾، كانت مصاحبة له. * الشيخ: نبغي الآية، ما نبغي تعليلًا. * طالب: ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾. * الشيخ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾، فكانت من الهالكين، أو الباقين في الهلاك، مع أنها امرأة رجل صالح نبي من الأنبياء، فلا تُدِلُّ الزوجة على ربها بصلاح زوجها، وتجدون هذه المسألة جاءت في قصة التحريم، أو لا؟ سورة التحريم، لأجل ألَّا تُدِلَّ زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام على الله بكونهن زوجات للنبي. * طالب: شيخ، امرأة لوط في الغابرين، أما امرأة نوح لا يمكننا ذكر الآيات أن الغابرين غرق زوجة نوح.. * الشيخ: لأن نوح -والله أعلم- أنه ما بقي أحد إلا هلك، ولا ندري هل بقيت هي إلى أن هلك الناس بالغرق؟ ما ندري. * طالب: (...) أنها فيها رد على من قال أن امرأة نوح خرجت معه ثم (...). * الشيخ: إي نعم، ويكون قوله تعالى: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود ٨١] ليس مستثنى من قوله: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ﴾، بل مستثنى من الجملة التي قبلها. * طالب: هذا لا يعارض هذا؟ لأنه ممكن تكون إذا التفتت ستكون من الغابرين، يعني هو قدر أو سبب كونها من الغابرين الالتفات، يعني ليس تعارضًا؟ * الشيخ: يعني الرد ما هو بواضح؟ على كل حال الرد واضح جدًّا، وهذه مرَّت علينا أظن، ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾، وذكرنا خلاف العلماء هل هو مستثنى من الجملة الأخيرة، ولَّا من الأولى. * طالب: شيخ، هل هنا إضافة العلم إلى النفس ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾، ما قالوا: بعد الله؟ * الشيخ: هذه فائدة لا بأس، لكن كلنا يعرف أن الإنسان يعلم. * طالب: فائدة نحوية يا شيخ. * الشيخ: ما هي؟ * الطالب: جواز تقدُّم خبر (إن) إذا كان جارًّا ومجرورًا. * الشيخ: لا، هذه ما هي محل إشكال، هذه مثل: الأرض تحتنا، والسماء فوقنا، ما فيها إشكال. * طالب: شيخ، ورد حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع فاطمة وعليًّا والحسن والحسين، وقال: «اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ؟ قَالَ: «أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ».[[أخرجه الترمذي (٣٢٠٥) من حديث عمر بن أبي سلمة.]] * الشيخ: نعم، أَكِّد هذا الحديث ونشوف لفظه، وإلا الآية صريحة، ويصير المعنى إن ثبت هذا هو آل بيته من قرابة. * فيها إذن -في الآية من الفوائد-: جواز القسم بدون استقسام، من أين تؤخذ؟ ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ﴾ كذا . * ومن فوائدها أيضًا: اعتبار القسم المقدَّر، بمعنى أنه لا يُشتَرَط في القسم أن ننطق به، لو قال قائل: لأفعلنَّ كذا هل يكون مُقْسِمًا؟ نعم، يكون مقسمًا؛ لأن المعروف أن هذه الجملة تكون جوابًا لقسم مقدَّر، فيكون مُقْسِمًا، ولو قال: لئن آتاني الله من فضله لأصَّدَّقَنَّ، يكون ناذرًا؟ قال الله وعز وجل: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ [التوبة ٧٥،٧٦ ]، فجعل هذا نذرًا، وذلك لأن النذر ليس له صيغة معينة، كل ما دل على الالتزام فهو نذر بأي صيغة، وقد يكون نذرًا مقرونًا بالقسم فيفيد التوكيد. * طالب: شيخ، قوله: ﴿إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾ هل فعلًا مخالطة الصالحين ووجود الصالحين تدفع العذاب؟ * الشيخ: ربما إنها تدفعه، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال ٣٣]. * * * قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾ هذا شرحناه، وبَيَّنَّا أن (لما) شرطية، و(أن) زائدة. وقوله: ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ هو جواب (لما). و﴿سِيءَ﴾ فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى لوط، أي: حصلت له المساءة. وقوله: ﴿بِهِمْ﴾ الباء للسببية، أي: بسببهم. * طالب: نائب الفاعل مقدَّر؟ * الشيخ: لا مستتر. * الطالب: هل يكون الجار والمجرور هنا نائب فاعل؟ * الشيخ: لا ينوب الجار والمجرور عن الفاعل إلا إذا تعذَّر. * الطالب: ما هو موجود لأن هذا يستدعي فعلًا لازمًا؟ * الشيخ: هو الآن فعل لازم، لكن إذا جعلت الجار والمجرور نائب فاعل فقد عدَّيْتَه؛ لأن نائب الفاعل معناه أنه في الأصل مفعول به، فمعنى ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ أي: لوط. * طالب: (ساء) هذه فعل لازم في الأصل ولَّا متعدٍّ؟ * الشيخ: لا ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾ معناه: حصلت له المساءة، أو أصابه السوء، أما (ساء) في الأصل فيكون متعديًا، كما تقول: ساءني هذا الشيءُ. * طالب: متعدٍّ بغير مفعول به يعني بظرف أو جار ومجرور أو .. * الشيخ: ساءني فلان، ساءني هذا الخبر، كما تقول: سرَّني، واضح؟ قوله: ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾، أيش إعراب ﴿ذَرْعًا﴾؟ * طالب: تمييز. * الشيخ: هذا تمييز مُحَوَّل عن أيش؟ عن الفاعل، والتمييز كما مرَّ علينا يكون محوَّلًا عن الفاعل، وعن المفعول به. مثال المحوَّل عن المفعول به قوله تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر ١٢]، هذا تمييز محول عن المفعول به، وأصله وفجَّرنا عيونَ الأرض. ومثال المحوَّل عن الفاعل تقول مثلًا: انشرح بهم صدرًا، أي: صدرُه. هنا ضاق بهم ذرعًا، أصله: ضاق ذرعُه بهم، وما هو الذَّرْع؟ فسَّره المؤلف بالصدر، قال: (﴿ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ أي: صدرًا)، أي: ضاق صدرُه بهم ولم ينشرح، بل حصل له غَمٌّ وهَمٌّ بذلك. وقيل وهو الصحيح: إن الذَّرْع بمعنى الطاقة، أي: ضاق بهم طاقةً، فصار غير متحمِل لهم، وهذا معناه في اللغة العربية، وسُمِّيَت الطاقة ذرعًا من الذِّرَاع؛ لأن الذراع محل الحمل، والطاقة هي التي بها يستطيع المرء أن يحمل أو لا يحمل، يعني يحمل الشيء. قال: ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾، العلة لأنهم حِسَان الوجوه في صورة أضياف، فخاف عليهم قومَه، فأَعْلَمُوه أنهم رسل ربه، هذا هو السبب أنه ضاق بهم؛ لأن قومه كما ذكر الله في آية أخرى لما سمعوا بذلك ﴿جَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود ٧٨]، يعني مسرعين -والعياذ بالله- يريدون هؤلاء الأضياف، وهذه من فتنة الله سبحانه وتعالى للعبد أن يجعل الأمور المحرَّمة عليه في صورة تهواها نفسه؛ ليعلم الله من يخافه بالغيب. فهم -والعياذ بالله- لما جاء هؤلاء جاؤوا إلى لوط يريدونهم، فكان يقول لهم: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هود ٧٨]، فهو ضاق بهم خوفًا عليهم من قومه؛ لأن قومه كما قال الله تعالى أهل خبث، ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأنبياء ٧٤]، فيُخْشَى منهم. ولكنهم قالوا له: ﴿لا تخَفْ ولا تحْزَنْ﴾، الخوف عما يُتَوَقَّع حدوثه في المستقبل، والْحَزَن عما وقع في الماضي. قالوا: وقد يُطْلَق الْحَزَن على المستقبل؛ ومثَّلوا لذلك بقول النبي ﷺ لأبي بكر: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة ٤٠]؛ لأن ﴿لَا تَحْزَنْ﴾ هنا بمعنى: لا تخف، على أنه يحتمل أن تكون على بابها، وأنه لا تحزن مما حصل من خروجنا ودخولنا إلى الغار واختبائنا فيه، أو أنَّه خَشِي أن يشملَه العذاب فخاف، و﴿سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾، بمعنى: هل ما حصَل لِلُوط مِن كونِه سيءَ بهم وضاق بهم ذَرْعًا، هل السبب الخوف عليهم مِن قومه، أو السَّبب أنَّه هو خَاف أن يَعمَّه الهلاك؟ * طالب: الأول. * طالب آخر: الأول نقول: استئنافية أو تعليلية. * الشيخ: إي، والله على كل حال يصلُح أن تكون استئنافية وتعليلية، وما المانع مِن أنَّه خاف هذا وهذا، هو فيه مانع؟ أن يكون خاف عليهم، وخاف أيضًا على نفسِه أن يعُمَّه العذاب؛ لأنَّ العذاب إذا نزَل يعُمّ، إلَّا مَن أنجَاه الله، فقد تلَوْنا أمس قولَه تعالى: ﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون ٩٣، ٩٤] لأنَّ كل إنسان معرَّض أن يشملَه العذاب. * طالب: لكن (...) يكون ما عرف أنهم رسل، ما حدث من قومه. * الشيخ: في الأول؟ إي، قد لا يكون عَلِم أنهم رسل. * الطالب: ﴿رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾. * الشيخ: لا، قبلها ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾، أخْبَرُوه. * الطالب: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (٧٩) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود ٧٧ - ٨١]. * الشيخ: طيب، ويش وجه الصلاح؟ * الطالب: الصلاح في النقاش والخوف حول.. * الشيخ: أنه خائف عليهم. * الطالب: خوفه حتى علِم أنهم رُسُل ربِّه. * طالب: قوله: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾ [العنكبوت ٣٣] (...). * الشيخ: نتأَمَّلها إن شاء الله بعد. قوله: ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾ [العنكبوت ٣٣] بالتشديد والتخفيف؛ قراءتان، يعني: ﴿مُنْجُوك﴾ و﴿مُنَجُّوكَ﴾؛ ﴿مُنْجُوك﴾ منين؟ الفعل فيها (أنجى)، و﴿مُنَجُّوكَ﴾: (نَجَّى). ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾، ﴿أَهْلَكَ﴾ هنا بالنصب عطْفًا على أيش؟ * طالب: على الضمير. * الشيخ: على الضمير في ﴿مُنَجُّوكَ﴾، وهنا إشكال؛ لأن الضمير في ﴿مُنَجُّوكَ﴾ محله الجر بالإضافة، وهنا جاءت (أهل) منصوبة، فما وجهُ النصب فيها إذا قلنا: إنَّها معطوفة على الكاف في ﴿مُنَجُّوكَ﴾؟ * طالب: لأن اسم الفاعل تارة يعمل عمل الفعل وتارة يُضَاف. * الشيخ: صحيح؟ توافقون على هذا؟ يقول: لأن اسم الفاعل تارة يعمل عمل الفعل وتارة يضاف. * طالب: (...) الإضافة. * الشيخ: (...) التعليل. * طالب: نقول: إن (أهلك) معطوفة على محل المفعول. * الشيخ: محل المضاف، طيب نريد شاهدًا لِهذا من كلام ابن مالك؟ * الطالب: اجرر أو انصب تابع الذي.. كذا؟ * الشيخ: ؎وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ ∗∗∗ كَمُبْتَغِــــــي جَـــــاهٍ وَمَــــــــالًامَــــــنْ نَهَــــــضْ نعم هذا شاهد مِن كلام ابن مالك، ويجوز: كمبتغي جاهٍ ومالٍ مَن نهض. طيب هذه مثل (مالًا)، ولا مثل (مالٍ)؟ * طالب: مالًا. * الشيخ: مثل (مالًا)، ويجوز أن تكون الواو للمعية، وقد قال ابن مالك: ؎يُنْصَـــــــــبُ تَالِي الْــــوَاوِمَفْعُــــــــولًا مَعَــــــهْ ∗∗∗ فِي نَحْــــــــوِ سَـــــــيْرِي وَالطَّرِيــــــــقَمُسْرِعَـــــــــه ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ نقول فيها ما سبق.(ونَصْبُ ﴿أَهْلَكَ﴾ عطف على محل الكاف). (﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ﴾ بالتخفيف والتشديد -﴿مُنْزِلُونَ﴾، و﴿منَزِّلُون﴾ - ﴿عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا﴾: عذابًا، ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ ). قوله: ﴿رِجْزًا﴾ قال المؤلف: (عذابًا)، والرجز غير الرِّجْس؛ الرجزُ: العذاب، الرجس: النَّجِس. وقوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ هل المراد بالسماء السقْفُ المحفوظ، أو العُلُو؟ * طالب: الأول. * الشيخ: كيف؟ ما هو الدليل؟ * الطالب: لأنه هو الأصل . * الشيخ: أكثر الاستعمالات أن السماء للسقف المحفوظ؟ * طالب: العلو. * الشيخ: العلو كثير، والسماء أيضًا كثير. * الطالب: ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ﴾ علو. * الشيخ: على كل حال هو سواءٌ قلنا: إنَّه السقف المحفوظ، وأن هذا العذاب نزل مِن السماء الدنيا، أو قلنا: إن المراد به العلو، فهو على كل حال قد أتاهم مِن فوق، وكونه يأتي من فوق أشدّ، وأبلغ؛ لأَنّ ما يأتي من الفوق يكون عاليًا ومُحيطًا -والعياذ بالله- بخلاف الذي يأتي من أسفل فإنَّه لا يكون كذلك. قال: (﴿رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا﴾ بِالفعل الذي ﴿كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ به، أي: بسَبب فِسْقِهم). غريب كلام المؤلف، فيه شيء مِن التناقض؛ (البَاء) في قوله: ﴿بِمَا﴾ للسببية لا شك، و(ما) أعرَبها على أنَّها اسم موصول، ثم قدَّرَها بالمصدر، مما يدل على أنَّه جعلها مصدريَّة، وهذا من الغرائب. نشُوف الآن إذا أعرَبْناها على التقدير الأول، ﴿بِمَا﴾ قال: (بالفعل الذي)، فتكون (ما) اسمًا موصولًا صفةً لِموصوفٍ محذوف تقديره: بالفعل، الاسم الموصول كما تعرفون يحتاج إلى جملة تكون صلته، ويحتاج إلى عائد يربِط الجملة به، جملة الصلة قوله: ﴿كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾، والعائد قدَّرَه بقوله: (به)؛ بما كانوا يفسقون به، وهذا خلاف المشهور عند النحويين؛ مِن أنَّه إذا كان العائد مجرورًا فلا بد من أن يكون موافقًا لاسم الموصول في نوع العامل، وفي نوع حرف الجر. ما هو الشاهد مِن كلام ابن مالك في اشترَاط هذا الشيء؟ * طالب: الشاهد؟ * الشيخ: تعرف أصل المسألة؟ * الطالب: إي نعم أن العائد لا بد أن موافقًا.. * الشيخ: يلَّا نعم. * طالب: ؎كَذَا الَّذِي جُرَّ بِـ(مَا) الْمَوْصُولَ جَرْ ∗∗∗ كَمُــــــــــــرَّ بالَّـــــــذِي مَــــــرَرتُفَــــهْـــــوَ بَـــــــــــرْ * الشيخ: نعم ؎كَذَا الَّذِي جُرَّ بِـ(مَا) الْمَوْصُولَ جَرْ ∗∗∗ كَمُـــــــــــــــرَّ بالَّــــــــــــــــــذِيمَـــــــــــــــــــرَرتُ ..... وهنا اختلف العامل، فالصحيح أنَّ (ما) هنا مصدرية، أي: بكونهم فاسقين، أو: بكونهم يفسقون، فهي مصدرية، وليست موصولة. وقوله: ﴿يَفْسُقُونَ﴾، الفسق في الأصل الخروج عن الطاعة، ومنه قولهم: فسقت الثمرة، إذا خرجَت من قشرها. وينقسم الفسق إلى قسمين: فسق أكبر مُخرِجٌ عن الملة، وفسق أصغر لا يُخرِجُ من الملة. والمصطلح عليه عند أهل العلم الثاني، إذا أطلَقَوا الفسق فإنما يريدون به ما لا يُخرِج من الملة، لكنه في القرآن ينقسم إلى هذين القسمين، أي أن الفسق يكون فسقًا أكبر مُخرجًا عن الملة، ويكون فسقًا دون ذلك أصغر لا يُخرِج من الملة، لكنَّه بقسميه مُخْرِج من العدالة، فالفاسق ليس بعَدْل. ما هو الشاهد مِن القرآن للفسق الْمُخرِج من الملة؟ * طالب: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [السجدة ٢٠]. * الشيخ: فسقهم هنا مُخرِج مِن الملة بلا شك. * طالب: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ٣٣]. * الشيخ: نعم، وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾، في مقابِل ﴿فأمَّا الذين آمنوا﴾. أما الفسق الذي لا يُخرِج مِن الملة ففي مثل قوله تعالى..؟ * طالب: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام ١٢١] * الشيخ: إيه، وغيرها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦]. أما سبب الفسق؛ وهو الخروج عن الطاعة، فإنَّه قد يكون سببه تركَ واجب، وقد يكون سببُه فعلَ مُحَرَّم؛ قد يكون سببه ترك واجب، كما لو ترَك الإنسان صلاة الجماعة فإنه يكون فاسقًا؛ لأن الجماعة واجبة، وقد يكون سببه فعل مُحَرَّم، كما لو حلَق الإنسان لحيته؛ فإنَّ حلق اللحية محرَّم، إلا أن العلماء يقولون في المحرم: إن كان كبيرة فسَق بمجرَّد فعلها إذا لم يتب منها، وإن كان صغيرة لم يفسق إلا بالإصرار عليها. حلْقُ اللحية يفسُق به إذا فعلَه مرة واحدة؟ * طالب: لا. * الشيخ: لا، لكن إذا أصَرّ، وصار كلما نبتت حلقها صار فاسقًا. * طالب: اللي يأخذ نصفها؟ * الشيخ: يحلق الذقن ويبقي العوارض؟ * طالب: أو يخفف منها. * الشيخ: لا فيه ناس، أنا رأيت إنسانًا حالق الذقن ومبقٍ العوارِض، موجود. المهِم على كل حال هذا حرام، سواء حلق العوارض وأبقى الذقن، أو حلق الذقن وأبقى العوارض؛ لأن كثيرًا من الناس يظنُّون أن اللحية هي الذقن، والذَّقن ما هو اللحية، الذَّقْن مجمَع اللِّحيَين؛ لأن اللحية هي منْبَت الأسنان. وقد ذكر في القاموس أيضًا أنَّ جميع شعر الوجه من اللحية، يعني: قص شعر الخدين من اللحية، على كل حال ليس كالحلق، لكنَّه معصية؛ لأن الرسول قال: «أَعْفُوا اللِّحَى»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٨٩٣)، ومسلم (٢٥٩ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]]، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا أصَرَّ عليه صار فاسقًا. * طالب: التفسير الصحيح لقوله: أنزلنا عليهم رجزًا من السماء، بمعنى الحكم به؛ لأنه نازل من السماء. * الشيخ: إي، هذا ليس بصحيح، الصحيح أنه نفس العذاب نزل من السماء، كما في الآية الأخرى: ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا﴾ [القمر ٣٤] (...). ﴿أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا﴾. * من فوائدها: إطلاق الرُّسل على الملائكة؛ لقولِه: ﴿رُسُلُنَا﴾، وقد ذكرْنا فيما سبق الدليل على أنَّ الملَك يُسمَّى رسولًا. * ومن فوائدها: تشريف هؤلاء الرسل بإضافتهم إلى مَن؟ إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإنَّ الشيء يَشْرُف بشرف ما يُضَاف إليه. * ومنها: أنَّ الأنبياء كغيرهم من البشر؛ يلحَقُهم المساءة والأحزان، والسرور، والفرح؛ لقوله: ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾، فالعوارض البشرية لا تنافي كمال الرسالات، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لَمَّا نسي، قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠١)، ومسلم (٥٧٢ / ٨٩) من حديث ابن مسعود. ]]، وهو أيضًا يبرد، ويحتَرّ، ويجوع، ويعطش. * ومنها: شدة احتراز لوط عليه الصلاة والسلام من قومه؛ لأنه إنَّما سِيءَ بهم، وضاق بهم ذرعًا؛ خوفًا عليهم مِن قومه؛ لأنهم جاؤوا بصورة مُغرية، حيث ذكر أنَّهم جاؤوا على صورة شباب ذوي جمال وحُسْن، فتنة من الله عز وجل. * ومن فوائد الآية أيضًا: الاستدلال على الأحوال بالملامح الظاهرة منين نأخذه؟ * طالب: ﴿سِيءَ بِهِمْ﴾. * الشيخ: لا، أنك تستدل على حال الرجل بملامحِه الظاهرة، قولهم: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾؛ لأنهم رأوا منه العلامات، ولهذا قالوا: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾. فيمكن أن نأخذ منها فائدة تنبني عليها وهي: العمل بالقرائن، والعمل بالقرائن ثابت، ولَّا لا؟ في قصة يوسف: ﴿شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف ٢٦، ٢٧] هذه بيِّنَة ولَّا قرينة؟ قرينة، وكذلك أيضًا في قصة سليمان في المرأتين في غلامهما؛ لأنه تنازعت المرأتان؛ الصغرى والكبرى، وقال عليه الصلاة والسلام: سآتي بالسكين، أو دعا بالسكين؛ ليشُقَّه نِصفين، فأمَّا الكبيرة وافَقَت؛ لأنَّ ولدها قد أكلَه الذئب، وتقول: خَلِّ هذا يروح معه، وأمَّا الصغيرة فقالت لها: يا نبيَّ الله هو لها؛ لأنَّه أدركها الحنان، فعلِمَ بهذه القرينة أنَّه للصغرى، فحَكَم به لها، وهذا من القرائن. كذلك أيضًا: في هذه الشريعة النبي عليه الصلاة والسلام في قِصَّة ذهب حُيَيّ بن أخطب« لَمَّا سأل عن ماله أين هو؟ فقالوا: يا محمد، إنه أكلَتْه الحروب والسنون، قال: «مَا يُمْكِنُ، الْمَالُ كَثِيرٌ، وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ»، ثم دَفَع الرجُل إلى الزبير بن العوام وقال: «مُسَّهُ بِعَذَابٍ»، فلما أحَسَّ بالعذاب قال: انتظر، أنا أرَى حيي بن أخطب يحوم أو يدور حول هذه الخَرِبة» -مكان خراب- «فلا أدري لعلَّه دفنه في هذا، فوجدوه»[[أخرجه أبو داود (٣٠٠٦)، وابن حبان (٥١٩٩) واللفظ له من حديث ابن عمر. ]]. هذا من العمل بالقرائن، ولها أمثلة كثيرة، المهم أن كوننا نستدل على حال المرء بملامحه هو مِن العمل بالقرينة. * ومنها أيضًا -من فوائد الآية-: أنَّه ينبغي طمأنة الخائف لِيزولَ عنه الخوف، في قوله: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾، ومنه ما يستعمل الآن في الطب؛ فإن الطبيب يقول للمريض: هذا أمر سهل وهيِّن، ويُطَمْئِنُه لأجل أن ينشرح صدره. * ومنها: أنَّه ينبغي إزالة المؤذِي قبل حصول السارّ. * طالب: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾. * الشيخ: ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾، فبدؤوا بنفي الخوف والحزن، ثم أعقَبُوه بالبشارة، ولهذا من الكلمات المشهورة عند أهل العلم يقولون: التَّخْلِيَة قبل التَّحْلِيَة، يعني: جَرِّد الشيء مما يشوبُه من النقص، ثم بعد ذلك كمِّلْه بالتحلية. ومنه كلمة الإخلاص، أيُّهما الأسبق النَّفي ولَّا الإثبات؟ النفي، لا إله إلا الله. * ومن فوائد الآية: أنَّ الاتصال بالصالح لا يلْزَمُ منه الصلاح، مِن أين يُؤخذ؟ * طلبة: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾. * الشيخ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾؛ فإنَّ امرأته مُتَّصِلَةٌ به، ومع ذلك لم تصلُح، لكن هل الاتصال بالصالح سبب للصلاح؟ نعم سبب للصلاح؛ ولهذا حثَّ النبي ﷺ على الجليس.[[منها قوله: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ؛ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ: إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ: يَحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» متفق عليه؛ البخاري (٢١٠١)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى. ]] ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا﴾ [القمر ٣٤] والمهم أنَّه إن صحَّ عن النبي ﷺ أنَّ جبريل حَمَلَ هذه القرى وقلَبَها فلا كلام، وإن لم يصِحَّ فإنَّنا لا نقول به؛ لأنَّ هذا خلاف ظاهر الآيات. * طالب: (...). * الشيخ: مؤتفِكة، ما قال: مُؤْتَفَكة، لو كانت باسم المفعول المُؤتَفَكَة المقلوبة. * طالب: (...). * الشيخ: لا، المؤتفِكَة هي التي صنَعَت الإفْك والكذب، وقوله: ﴿أَهْوَى﴾ [النجم ٥٣] ما يدُل على هذا أيضًا؛ لأنَّه إذا هوت من فوق المنازل فقد أهواها. * طالب: (...). * الشيخ: إي نعم، ما هي مشكلة، المهم أن هذه مسألة إذا صحَّت ما بقي الكلام، وإن لم تصِحَّ فليست هي ظاهر القرآن. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾، فإنَّ الباء للسببية. * ومن فوائدها: أن الفسق سبب للعقوبات والدمار، ولهذا جعل الله المعاصي من الفساد في الأرض؛ لقوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾. في إثبات الأسباب رد على طائفة من المبتدعة، مَن؟ * طالب: الأشاعرة. * الشيخ: وغيرهم؟ * طالب: الجبرية. * الشيخ: والجبرية هم الجهمية؛ لأنَّ الجهمية فيهم ثلاث جيمات -الله يعيذنا من الجيمات؛ من جيماتهم ما هو من كل جيم- ومن الشيطان الرجيم، ويش الجيمات اللي لهم؟ * طالب: ؎جَبْرٌ وَإِرْجَاءٌ وَجِيمُ تَجَهُّمٍ ∗∗∗ ............................ * الشيخ: ابن القيم يقول: ؎جَبْرٌ وَإِرْجَاءٌ وَجِيمُ تَجَهُّمٍ ∗∗∗ ............................ ثلاث جيمات، إي نعم، هم يقولون: إنه ما فيه شيء، ما فيه أسباب مؤثِّرة، حتى إنَّك إذا رميت بالحجر على الزجاجة وانكسَرَتْ قالوا: الحجر ما كسرها، انكسَرَت عنده لا به. كلام ما هو معقول، نعم عندما تضع ورقة في النار وتحترق يقولون: النار ما أحرقتها، ما فيها أسباب تؤثِّر، ولكن هذا حصل عند النار لا بها، لو هو عندك الثاني لو حطِّيتها عند الضوء قبل تقع في النار احترقت، ولو كان عندها كان نقول: يصلح على هذا أننا نجيب الحجر ونحطه عند الزجاجة ثم تنكسر. على كل حال هذا قول تصوره كافٍ في ردِّه، لكن هم يريدون أن يتَوَصَّلُوا إلى شيء وراء ذلك، وهو أنَّ الإنسان مُجبَر على العمل، فإذا عذَّبَه الله تعالى وهو عاصٍ لله، فإنَّ تعذيبه إياه ليس حُجَّة؛ لأنَّ الله تعالى قد يُعَذِّب بدون سبب، والأسباب عندهم غير فاعلة، ونحن نوافقهم على أنَّها غير فاعلة بنفسها، أليس كذلك؟ بدليل أنَّ النار المحرِقَة صارت على إبراهيم بردًا وسلامًا، لكننا نقول: إنها فاعلة بتقدير الله عز وجل، الله الذي جعلها تحرق فأحرقت.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب