الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت ٢١]؛ يعني: بعد البعث.
﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ بعد هذا يُعذِّبُ مَن يشاء، ويجوز أن يكون ﴿يُعَذِّبُ﴾ حتى في الدنيا؛ لأنَّ العذاب يكون في الدنيا ويكون في الآخرة، فالعقوبات التي رُتِّبت على الجرائم هذه مِن العذاب؛ لِقول النبي ﷺ في المتلاعِنَيْن: «عَذَابُ الدُنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ»[[أخرجه مسلم (١٤٩٣ / ٤) من حديث عبد الله بن عمر.]]، وكذلك ما يُصِيبُ الإنسان مِن المصائب في بدَنِه وأهلِه وماله هو أيضًا مِن العذاب ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى ٣٠].
وقوله: ﴿يُعَذِّبُ﴾ جاءَت بالفعل المضارع الدالِّ على أنَّ هذا أمرٌ مِن أفعالِه مُستَمِرٌّ ليس أمرًا مضى وانقطع، كما أنه أيضًا يكون في الحاضر يكون أيضًا في المستقبل، ما هو العذاب؟ العذاب هو العقوبة أي يُعاقِب.
وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ مَرَّ علينا كثيرًا بأنَّ الله سبحانه وتعالى إذا أضاف الفعل إلى المشيئة فإنَّه مقرون بالحكمة؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئًا لمجرد المشيئة بل كُلُّ ما فعلَه فهو بمشيئَتِه المقرونة بحكمته، وهذا أمرٌ واضح فإنَّ مَن يعذِّب لا بد أن يكون قد أَتَى ما يَسْتَوْجِبُ التعذيب، وحينئِذٍ تكون الحكمَةُ في تعذِيبِه، وليس الله تعالى يُعذِّب مَن شاء بدون ذنب أبدًا؛ لأن حكمتَه تأبى ذلك ورحمتَه تأبى ذلك، خلافًا لِمَن قال:
؎وَجَـــــــــازَ لِلْـــمَوْلَى يُعَــــذِّبُالْـــوَرَى ∗∗∗ مِنْ غَيْرِ مَا ذَنْبٍ وَلَا جُرْمٍ جَرَى
ثم علل ذلك بقوله:
؎فَكُــــلُّ مَــــا مِنْــهُ تَعَــالَىيَجْمُـــــــــــــلُ ∗∗∗ لِأَنَّـــــهُ عَـــــنْ فِعْلِـــــهِ لَايُسْــــــــــــــــأَلُ
هذا ليس بصحيح، وهو إن جازَ عقلًا لكنَّه ممتَنِعٌ شرعًا؛ لأنَّ الله يقول في الحديث القدسي: «يَا عِبادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]]، وقال تعالى في القرآن: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢] المهم أنَّ قوله: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ قلت: إنه مقرون بأيش؟ بالحكمة إذن فلا يعذِّب إلا مَن يستحِقُّ التعذيب.
﴿وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ ﴿يَرْحَمُ﴾ الرَّحْمَة صِفَة مِن صِفاتِ الله عز وجل، وهي تقْتَضِي الإنْعام والإحسان سَواءٌ كان الإحسان بإيجادِ محبوب أو بدفْعِ مكْرُوه، فإنَّ رحمةَ الله عز وجل تكون لِلإنسان إما بجلبِ ما ينفَعُه، وإمَّا بدفع ما يضرُّه.
وقولُه: ﴿يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ هو فعل مضارع مُشْتَقٌّ مِن الرحمة، والرحمة صفةٌ مِن صفاتِ الله عز وجل ثابِتَةٌ على وجهِ الحقيقة، مِن آثارِها أيش؟ الإنعام والإحسان أو إرادَةُ الإنعام والإحسان، وليسَت هي الإنعام أو الإحسان أو الإرادة، خِلافًا لِمَن قال بذلك، مِمَّن قال بذلك الأشاعرة، ومِن ورائهم المعَطِّلة المحضَة أشد وأشد فهم يقولون: إن الرحمة معناها إرادة الإنعام، وبعضهم يقول: أو الإنعام. والصواب خلاف ذلك؛ لأنَّ الإرادة ناشئةٌ عن الرحمة؛ يرحَم فيريد أن يُحسِن أو يُنعِم، وهذا الذي عليه مذهب أهل السنة والجماعة أنَّ الرحمة صفةٌ ثابتةٌ لله على وجه الحقيقة، وقالوا -الذين احتجُّوا بمنعها أن تكون حقيقية - قالوا: لأنَّ الرحمة خَوَرٌ وضَعْف في الراحم تجِد نفسه تنكَسِر حتى ترحَم.
جوابنا على هذا بسيط أن نقول: فيه وجهان؛ أحدهما أن نمنَع أن يكون ذلك مِن باب الخَوَر والضعف فإننا نجِدُ الملوك الجبابرة قد يُرحَمُون، وهم ليس فيهم خوَرٌ ولا ضعف، وثانيًا: لو فُرِض أنَّ هذا المعنى لازمٌ للرحمة في الإنسان فليس بلازم بالنسبة لله كغيرِه من الصفات التي تثبت حقيقة للمخلوق وتثبت للخالق أيضًا، فإن اللوازم والعوارض التي تكون لصفة المخلوق لا يمكن أن تكون لِصِفَةِ الخالق؛ لِما بينهما من الفرق العظيم في الذات والصفات، فكما أنَّ الله سبحانه وتعالى لا شبيهَ له ولا مثيلَ له في ذاتِه، فكذلك لا شبيهَ له ولا مثيل له في صفاتِه.
﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ قال المؤلف رحمه الله: (﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ تعذيبَه ﴿وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ رحمته) كذا عندكم؟ (﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ تُرَدُّون) ﴿إِلَيْهِ﴾ لا إلى غيره فتقدِيمُ المعمُول يفيد الحصر، فالانقلاب أو القَلْب إلى الله عز وجل ما نُقْلَب إلى غيره، وهذا عامٌّ ولَّا خاصّ؟ عامٌّ لكل أحد، مهما كان الناس إلى أين مرجِعُهم؟ إلى الله سبحانه وتعالى مهما فَرُّوا، فالقلَبُ يعني الرَدّ إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا كان مَرَدُّنا إلى الله صار هو الحَكَم بيننا، هو الذي يحْكُم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، ويحكم بين عبادِه فيما بينَه وبينَهم؛ لأن حُكْم الله في العباد يشمَل الحُكْم فيما بينه وبينهم، والحُكْم فيما يختلِفُون فيه؛ فالمؤمنون مع الكفار مُختَلفون فيحكُم الله بينهم يوم القيامة، وكذلك المُعْتَدُون مع المعتَدَى عليهم مختلفون فيحكم الله بينهم يوم القيامة.
﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [العنكبوت ٢٢] ﴿وَمَا أَنْتُمْ﴾ الخطاب إمَّا أن يكون للكافرين، وإما أن يكون لعموم الناس، فكونُه لعموم الناس أَوْلى؛ يعني: وما أنتم أيها الناس، وكونُه للمكذبين المعاندين أبلَغ لأنهم يظُنُّون أنهم أعجَزُوا الله.
وقولُه: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أظنُّنا نعرف أن ﴿مَا﴾ هنا حجازية ولَّا نجدية؟
* طالب: حجازية
* الشيخ: حجازية؛ لأنَّ القرآن بلغة الحجاز بل بلغة قريش، اسمُها ﴿أَنْتُمْ﴾ الضمير، وخبرُها ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾ والباء هنا زائدة للتوكيد قال ابن مالك:
؎وَبَعْدَ (مَا) وَ(لَيْسَ) جَرَّ البَا الْخَبَرْ ∗∗∗ .........................
كيف نُعرِب ﴿مُعْجِزِينَ﴾؟
* طالب: الباء زائِدَة للتوكِيد، ﴿مُعْجِزِينَ﴾ خبر ﴿مَا﴾ منصوب، وعلامة نصبِه ياءٌ مقدرة على الياء منع مِن ظهورها اشتغال المحل بحركَةِ حرف الجر الزائدة.
* الشيخ: بعلامة إعراب حرف الجر الزائد، ما هي حركة، هذا في الحقيقة مِن التكَلُّف المعروف حسب القواعد، يعني: لا بد أن نُعرِب هذا الإعراب حسب القواعد المعروفة في النحو، فالياء الموجودة الآن ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾ وأيش اللي جلَبَها؟ الباء، جلبتها الباء، وليس الخبر مع أنَّها في الحقيقة هي نفسُها علامة النصب.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ هذه مِن (أعجَز) فهو متَعَدٍّ؛ لأنَّ (عَجَز) لازم و(أعجَز) متعَدٍّ، إذا كانت متعدِّية وهي اسم فاعل فتحتاجُ إلى مفعول، أين المفعول؟ قال المؤلف: (بمعجزِين ربَّكم عن إدْراكِكُم) فيكون المفعول محْذُوفًا تقديرُه بمعجزين ربكم أو بمعجزين الله مثلًا، ما فيه مانع، والمعجز هو مَن فعل ما يُعْجِزُ به غيرَه؛ ولهذا قال بعض أهل العلم عن آيات الرسل: إنها مُعْجِزات؛ لأنَّها تُعْجِز أعداء الرسل عن مُعارضَتِها.
وقوله: ﴿فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ هذا الجار والمجرور حال مِن ﴿مُعْجِزِينَ﴾ يعني: حالَ كونِكم في الأرض أو في السماء ما تُعْجِزُون الله سواءٌ كنتم في الأرض أو في السماء؛ ولهذا قال المؤلف: (لو كنتم فيها)؛ فيكون قوله: ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ على سبيل التقْدِير وليس على سبيل الحقِيقَة؛ لأنَّ الناس في الأرض وليسُوا في السماء.
وقيل: إنَّ هذا على سبِيل ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ (لو كنتم فيها)، لو كنتم على تقدير أنَّكم فيها ما تُعْجِزُون الله، وقيل: إنَّ المعنى على سبيل المبالغة؛ يعني: لا تُعجِزون الله سواء كنتم في أعماق الأرض أو في أجْواء السماء فإنَّكم لا تعجِزُون الله، فيكون المعنى لا تُعْجزُونه في أي مكان كنتم.
وقيل: إنَّ قوله: ﴿وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ يعني به أهل السماء، يعني: أنَّ الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض؛ فأهلُ السماء لا يعجزونه وأهل الأرض لا يعجزونه، فيكون هذا الوجه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا مَن في السماء مُعْجِزٌ اللهَ، نعم على حَدِّ قول الشاعر حسان بن ثابت:
؎فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ ∗∗∗ وَيَمْدَحُــــــــــــــهُ وَيَنْصُـــــــــــــرُهُسَـــــــــــــــوَاءُ
أظنُّنا نعرف جميعًا أنَّ الأوَّل غير الثاني؛ لأنَّ اللي يهجُوه ما يمكن يمدحُه وينصره، فيكون على تقدير: ومَن يمدحه وينصرُه سواء، فهذه مثلها، على كل حال المعنى يظهر لي أنا أنَّه على معنى أنَّكم لا تعجزون الله في أيِّ مكان كنتم، سواءٌ كنتم في السماء أو في الأرض، وهذا وقتَ نزولِ القرآن لا يمكن أن يكون السماء حقيقة إلا أن يُراد بالسماء ما عَلا ولو على قِمَمِ الجبال، في وقتنا الآن يمكن أن يكُون الإنسان في السماء أي في العُلُوّ، ما هي السماء الدنيا، السماء الدنيا ما حَد يصِل إليها ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء ٣٢] حتى النبي عليه الصلاة والسلام وجبريل ما استطاعا أن يدخُلا هذه السماء إلَّا بعد الاستفتاح والاستئْذان.
﴿وَمَا لَكُمْ﴾ قال المؤلف في تفسيرِها الإجمالي: (أي لا تفوتونه) أي: لا تفوتون الله، بل إذا شاء أن يعذبكم أدرككَم، فإنَّ الله تعالى لا يفوتُه شيء ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤]، واعلم أنَّ عقوبة الله عز وجل وإدراكَه للإنسان تارةً يكون بأمور حِسِّيَّة يُقَدِّرُ الله أسبابًا معلومة لنا نُشاهِدُها، وتارة يكون في أمور ما ندركُها نحن، تأتِيه العقوبة مِن الله بدون أيِّ سببٍ معلومٍ لنا.
الآن مثلًا أسباب نصر الرسول عليه الصلاة والسلام أحيانًا تكون بأسباب غير معلومة، وأحيانًا تكون بأسباب معلومة، فمثلًا نصر الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق أسبابُها معلومة مشاهدة أرسل الله عليهم ريحًا وجنودًا لا نراها، الجنود التي لا نراها هي مِن الأمور التي غير معلومة إلَّا بالأخبار، بالشرع، لكن الريح التي أقلَقَتْهم وأكْفَأَت قدورهم وهدمت خيامَهم هذه محسُوسة معلومة، لكن الجنود التي لم نرَها لولا إخبار الله إيَّانا عنها ما كنا نعلَمُها، فالله عز وجل يدرك الإنسان إمَّا بأسباب معلومة تظهر للعِيان، وإمَّا بأسبابٍ خفِيَّة لا تظهر للعيان، ثم قد نعلمُها بطريق الوحي وقد لا نعلمها.
(﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي غيرِه ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ يمنعُكُم منه ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ ينصُرُكم مِن عذابه) ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ ما أدري عن ﴿مَا﴾ هنا هل هي نجدية ولَّا حجازية؟
* طالب: نجدية.
* طالب: اتصل بالجار والمجرور لا يضر.
* الشيخ: لا، هذه اتفقت فيها اللغتان، وذلك لِعَدَم الترتيب ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾؛ لأنَّ ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ هو المبتدأ ﴿وَلِيٍّ﴾ هو المبتدأ أليس كذلك؟ و﴿لَكُمْ﴾ هو الخبر، يعني: لا وليَّ لكم من دون الله.
وقول المؤلف: (﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي غيره) صَح وعبَّرَ عن الغير بالدون لانحطاط رتبتِه.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ قال المؤلف: (يمنعكم منه ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ ينصركم من عذابه) ولا أعلم إلا أنَّ النصر بمعنى المَنع والعون، لكن الصحيح أنَّ قوله: ﴿مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ أنَّ الوليَّ مَن يتولى الإنسان في جميع أحوالِه فينصرُه في مقابِل عدوِّه، ويأتي إليه بالخير ولو في غير مقابلة العدوِّ، فالوليُّ هو الأعمُّ هو الذي يتولَّاه في جلبِ الخير ودفْعِ الشرّ، والنصير: هو الذي يدْفَعُ عنك فقط قد لا يكون مِن أوليائِك لكن يدفَع عنك في الحال المعَيَّنَة التي تحتاج فيها إلى ناصِر، والنصرة تكون في دفع المكروه؛ فيكون الوليُّ هنا أعمَّ يعني: ما أحد يكون يتَوَلَّاكم فيجلب لكم الخير ويدفع عنكم الشر ولا أحد أيضًا ينصركم مِن دون الله فيمنعُ عنكم العقاب، وهذا أمرٌ واقع، فإنَّ بأس الله إذا نزَلَ بقومٍ ما يستطِيعُ أحدٌ أن يدفعَ عنهم هذا البأس ولا أن يمنَعَهُم منه.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ﴾ [العنكبوت ٢٣] أي: القرآن والبعْث ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ أين خبرُه؟
* طالب: الجملة الاسمية.
* الشيخ: الجملة الاسمية في قولِه: ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا﴾ فهذه الجملة كبرى وصغرى، وين الكبرى؟ يقولون: كبرى وصغرى؛ إذا كانت الجملة خبرًا يُسَمُّونها جملة صغرى، وإذا كانت مكونة مِن مبتدأ وخبر تُسمَّى كبرى، فعندنا الآن ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلى آخر الجملة نسمِّيها جملة كبرى.
﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا﴾ هذه جملة صغرى؛ لأنها جزءٌ مِن الجملة، أليس كذلك؟ توافقون على أنَّها جزء من الجملة ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ هي جزءٌ من الجملة، كيف ذلك؟
* طالب: لأنها خبر.
* الشيخ: لأنَّها خبر، هي مبتدأ وخبر لكنَّها خبر فهي جزءُ جملة، وأتى بالجملة الاسمية؛ للدلالة على الثبوت والاستقرار ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ جمعُ آيَة، والآيةُ في اللغة: العلامة، وآيات الله سبحانه وتعالى نوعان كونية وشرعية؛ فالكونية ما خلقَه سبحانه وتعالى في السماء والأرض فهي آياتٌ كونية لدلالَتِها على خالِقِها فهي دالَّةٌ على الخالق، وكلُّ شيء منها يدل على صِفَةٍ تُناسبه؛ لأن الآيات كلها على سبيل العموم تدُلُّ على الخالق كل آيةٍ منها تدلُّ على صفة معينة مِن صفاته، فإذا كانت الآيات عظيمة دلَّت على وُجُودِ الخالق وعلى قدرتِه وإذا ظهرَ فيها إحكامٌ وإتقان دلَّت على الحكمة وهكذا، المهم أنَّها آيات هي بعمومها دالة على وجود الخالق ثم كلُّ آية منها لها دلالةٌ خاصة تدلُّ عليه مِن هذه الصفات الخاصة، هذه الآيات الكونية مثل أيش؟ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [فصلت ٣٧]، وشوف في سورة الروم عدَّة آيات ذكرَها الله عز وجل.
النوع الثاني مِن الآيات: الآيات الشرعية وهي ما جاءَت به الشرائع، الآيات الكونية علامة على الله جدًّا واضحَة، الآيات الشرعية أيضًا علامَة على الله عز وجل، وعلى حكمَتِه، لِماذا؟
* طالب: لأن الشرع (...).
* الشيخ: نعم؛ لأنَّه يعجز البشر عن أن يأتوا بمثلها الآيات الشرعية يعجَزُ البشر عن أن يأتوا بمثلِها؛ لأنها كلُّها إصلاح ودرءٌ للمفاسد كُلُّ الشرائع جاءَت بالإصلاح هذه فائدة، لكن الإصلاح يكونُ في كلِّ أمة بحسَبِها فالشِّدَّة على اليهود مناسِبة والتَّخْفِيف على النصارى مناسب، والجمعُ بينهما في هذه الأمة غايَةُ المناسبة، وإن كان هذا الدين مِن حيث هو يُسْر -دين الإسلام يُسْر ما فيه حرج- لكنه بالنسبة إلى دين النصارى، دين النصارى فيه أشياء كثيرة مُسامَح فيها؛ لأنَّ حالهم تناسب ذلك، ودين اليهود فيها غِلظة وشدة وآصار وأغلال حطَّها الله عنَّا بهذا النبي الكريم، فهذه الشرائع كلُّها آيات تدُلّ على كمال مَن شَرَعَها وسنَّها لعباده، ولكن النوع الأول من الآيات الإيمانُ به سهل والوصول إلى حقيقَتِه سهل، لكن الثاني هو الذي يَكُون فيه نوع مِن الصعوبة؛ لأنَّه ما يعرف كمال الشريعة ودلالَتَها على مَن شرَّعَها إلا مَن تعَمَّق فيها وعرَفَ الحِكَم والأسْرار التي تَتَضَمَّنُها هذه الأحكام، ولهذا ينبَغِي لنا التَّعَمُّق في مَعرفة حِكَمِ التشريع؛ يعني: كَونِي أعرف أنَّ هذا حلال وهذا حرام هذا قد يكون سهلًا، لكن كوني أعرف لَماذا حُرِّم أو لماذا حُلِّل هذا هو المهِم جدًّا، وهو الذي يتبين به كونُ الشرع مِن آياتِ الله عز وجل.
وقوله: ﴿وَلِقَائِهِ﴾ لقائه متى؟ يومَ القيامة يعني كذَّبُوا باللقاء اللازِم منه البعث؛ لأنَّ البعث لازِم مِن لوازم اللقاء، لا لقاءَ إلا ببعث، ولقاءُ الله عز وجل ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦] يعني فأنت ملاقيه فيجازيك على هذا الكَدْح إمَّا خير وإمَّا شر.
وقوله: ﴿وَلِقَائِهِ﴾ يعني البعث؛ لأنَّ المنكرين للبعث يؤمنُون بلقاء الله؟ ما يؤمنون بلقاء الله؛ لأنَّهم يقولون: إنهم -والعياذ بالله- إذا كانوا عظامًا ورفاتًا ما يمكن يبعثون خلقًا جديدًا فكذَّبوا بهذا.
يقول تعالى: ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ هذا جزاؤُهم جزاءُ هذا التكْذيب اليأْس مِن رحمة الله، قال المؤلف: (أي جَنَّتِي) ﴿يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ (أي جَنَّتِي)، فَحَوَّلَها إلى الرَّحْمَة المخلُوقة لا إلى الرَّحْمَة التي هي صِفَةُ الله عز وجل؛ وذلك لأَنَّ الرَّحْمَة المضافَة إلى الله قد يُرادُ بها دارُ رَحْمَتِه فتكُونُ مخلُوقَةً كما في الحديث القدسي أنَّ الله قال للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٤) من حديث أبي هريرة.]] وتُطْلَق على الرحمة التي هي وصف الله عز وجل وحينئِذٍ تكون صفة مِن صفات الله غير مخلُوقة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٥٦]، وقوله: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر ٧]، فما المراد بالرحمة في هذه الآية؟ هل المراد بها النوع الأول الرحمة المخلوقة التي هي مَوْضِعُ الرحمة، أو الرحمة التي هي صفتُه؟ الظاهر أنَّ المراد بها الرحمة التي هي صفته؛ لأنَّه إذا أُطْلِقت فالمراد بها الصفة، إذا أطلقَت الرحمة مُضافَةً إلى الله فالمراد بها الصفة، ما نحمِلها على أنها بمعنى موضِع الرحمة إلَّا إذا وُجِدَت قرينَة، إذا وجدت قرينة عمِلْنا بهذه القرينة وإلَّا فالأصل أنها صفة من صفات الله.
إذن ﴿يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ ويش معناه؟ يَئِسُوا مِن أن أرحمَهم، وإذا لم يرحَمْهم الله ما دخلوا الجنة، كذا؟ هذا هو المعنى الصحيح للآية وما ذكره المؤلف فهو محتَمِل يعني ما نُنْكِر عليه إنكارًا شديدًا، لا؛ لأنَّ الرحمة كما تُطلَق على الصفة تطلق على موطِن الرحمة.
﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [العنكبوت ٢٣] هذه أيضًا -سبحان الله العظيم- جملتان كبرى وصغرى ﴿وَأُولَئِكَ﴾ مبتدأ و﴿لَهُمْ عَذَابٌ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة خَبر.
كُلُّ هذا لِكَمال التهديد لهم، فهم حُرِمُوا مِن الخير ووقَعُوا في الشر، ولهذا قال: (﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مُؤْلِم) و﴿عَذَابٌ﴾ أيش معناه؟ العذاب تقدَّم لنا قريبًا العقوبة، يعني: لهم عقوبة أليمة، أي: شديدة مُؤْلِمَة -والعياذ بالله- وذلك في النار، ولا حاجة إلى شرح ما في هذه النَّار مِن العذاب؛ لأنَّه معلوم.
(قال الله تعالى في قصة إبراهيم: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ [العنكبوت: ٢4]) لأنَّ الجملة على رأي المؤلف معتَرِضَة، منين؟ من قوله: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ إلى هذا، جملة معترِضَة، أفهمتم؟ هذا ما ذهب إليه المؤلف وابن جَرِير وأكثَرُ المفسرين، وقال بعض المفسرين: إنَّ الكلام كلَّه من كلام إبراهيم، وليس فيه شيء معترض، واختار هذا ابن كثير، وقال: إنَّه كله من كلام إبراهيم.
* طالب: يشكل.
* الشيخ: ويش وجْه الإشكال؟
* الطالب: ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾ لو كان من كلام إبراهيم يُشكِل؛ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾، فالرحمة ليست لإبراهيم لكنها لله عز وجل.
* الشيخ: ولَّا معنى غير هذه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أليس يجوز أن يقولَه النبي؟ لأنه حتى الرسول قالَه على رأي هؤلاء، يرون أنه من كلام الله يُخاطِب كفار قريش.
طيب نشوف الآن أولًا ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [العنكبوت ١٨] هذه لو قال قائل: إن فيها إشكالًا نقول: ما فيه إشكال؛ لأن فيه أممًا سبَقُوا إبراهيم،كذا؟
وقوله: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾..
الشيخ: (...) ظاهره أنه من كلام الله، أما ﴿أَوَلَمْ تَرَوْا﴾ فلا فيه إشكال؛ لأن إبراهيم يخاطبهم ويقول هذا الكلام، وقوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [العنكبوت ٢٠].
* طالب: فيه إشكال.
* الشيخ: فيه إشكال أو لا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ويش وجه الإشكال؟
* الطالب: لأن ﴿قُلْ﴾ مخاطب..
* الشيخ: لأن ﴿قُلْ﴾ من الله، فتكون للمخاطب، والحقيقة ما يمكن أن نقول: إنه من كلام إبراهيم إلا على سبيل التكلف بأن نقول: لما كان رسولًا من الله كان خطاب الله تعالى على لسانه، وإن كان مضافًا إلى الله صار فيه التكلف، فالمهم أن الظاهر من سياق الآيات يدل على القول بأن ذلك من كلام الله تعالى معترضًا في القصة.
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ [العنكبوت ٢٤] هذا جواب شديد والعياذ بالله، لكن أولًا فيه إشكال من حيث الإعراب: لماذا نَصب اسم (كان)، والمعروف أن (كان) ترفع الاسم وتنصب الخبر وهنا نصب الاسم؟ نشوف أحدًا عنده جواب؟ (...).
* طالب: اسم كان ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾.
* الشيخ: و﴿جَوَابَ﴾؟
* الطالب: ﴿جَوَابَ﴾ خبر.
* الشيخ: خبر كان مقدم؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: هكذا؟ طيب هكذا، صحيح ﴿جَوَابَ﴾ إذن خبر كان مقدم و﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ هذا هو الاسم، والتقدير: فما كان جواب قومه إلا قولهم، وقوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ هذه تفيد الحصر، يعني: ما كان بالاستسلام ولا كان بالرد الجميل، كان والعياذ بالله بمقام التهديد بالقوة، وهكذا -يا جماعة- كل إنسان ما يستطيع رد الحق فإنه يهدِّد بالقوة إذا كان له قوة على خصمه، وإن كان ما له به قوة صار يتكلم بالسب والشتم؛ لأن اللي عنده معرفة الحق بالمنطق السليم يرده بالمنطق السليم، فرعون ويش قال لموسى؟ قال: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء ٢٩]، لما أنه ناظره المسألة في الشعراء مناظرة ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ سخر به ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ الجواب ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء ٢٦] نعم ثم رماه بالجنون ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء ٢٧] الجواب ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء ٢٨] أنتم المجانين في الحقيقة، لكن جاء بها بأسلوب واضح منطقي كأنك عاقل، رب المشرق والمغرب الذي يأتي بالشمس من المشرق ويأتي بها من المغرب هو الله عز وجل. أخيًرا ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء ٢٩] لأنه ما يستطيع يجيبه؛ لأن هذه الأخيرة ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ تشبه قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام للذي حاجه في الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة ٢٥٨] نعم، هنا في إبراهيم ﷺ الجواب..
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم الجواب: ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ تهديد بالقوة، ما هو بالمنطق، وهو نظير الرسل وخصمائهم، سلسلة ما تتفرق، محمد عليه الصلاة والسلام ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال ٣٠]، هكذا أيضًا ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾، وفي آية أخرى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء ٦٨]، والجمع بينهما بسيط يكون هنا، قال بعضهم: اقتلوه، وقال بعضهم: حرقوه، وقر قرارهم على التحريق إي نعم والله أعلم، نسأل الله العافية.
* طالب: مشاهد أن أهل الباطل دائمًا (...) أهل الحق هددوهم بالقوة (...).
* الشيخ: إي نعم، مشاهد صحيح.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: بس لا تجيب عدم (...).
* * *
قال الله عز وجل: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١] هذا مبتدأ الفوائد.
قوله: ﴿يُعَذِّبُ﴾ ﴿وَيَرْحَمُ﴾ فيه: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل، نعم إثبات الأفعال الاختيارية لله، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة من السلف والأئمة: إثبات الأفعال الاختيارية لله، أي أنه يفعل ما يشاء، وخالف في ذلك الأشاعرة وغيرهم فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى لا يتعلق به فعلٌ حادث، وعللوا ذلك بأنه لا يقوم الحادث إلا بحادث وأننا لو أثبتنا حدوث الأفعال لله لزم من ذلك أن يكون الله تعالى حادثًا، ولا ريب أن هذا قولٌ باطل؛ لأننا نقول لهم: من قال لكم: إن الحادث لا يقوم إلا بحادث؟ من أين جاءت هذه القاعدة؟ هل هي في القرآن؟ هل هي في السنة؟ هل هي بالعقل؟
ثم إننا نقابل هذه القاعدة الفاسدة بقاعدة أكمل منها وأوضح، وهي أن الفعال لما يريد أكمل من الذي لا يفعل، أليس كذلك؟ اللي يفعل ما يريد أكمل من الذي لا يفعل، فأنتم إذا عطلتم الله عز وجل عن أفعاله الاختيارية، معنى ذلك وصفتموه بأنقص ما يكون، فإن هذا أمر معلوم لجميع العقلاء؛ أن الفاعل لما يريد أكمل من الذي لا يفعل أو الذي يجبر على الفعل أيضًا.
* ومن فوائد الآية: إثبات المشيئة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ في الموضعين.
* ومن فوائدها: أن الرحمة لا تُطلب إلا من الله؛ لقوله: ﴿وَيَرْحَمُ﴾ وهذا في مقام التقسيم يدل على الاختصاص ﴿يُعَذِّبُ﴾ ﴿وَيَرْحَمُ﴾ فلا تطلب الرحمة إلا من الله، حتى الذين يرحمون من الخلق ينبغي عندما تَطلب رحمتهم أن تجعل ذلك متعلِّقًا بالله؛ لأن الله عز وجل لو شاء ألا يرحموك لم يرحموك.
* ومن فوائد الآية: إثبات البعث؛ لقوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾.
* ومن فوائدها: التحذير من المخالفة؛ لأنه إذا كان المرجع إلى الله فاحذر من مخالفته؛ فإن هذا يشبه التهديد والوعيد من المخالفة.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [العنكبوت ٢٢].
* من فوائد الآية هذه: كمال قدرة الله عز وجل، وأنه لا يعجزه شيء ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه لا مفر للمرء من قدر الله، سواءٌ كان في السماء أم في الأرض؛ لقوله: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾.
* ومن فوائدها: ضعف البشر بالنسبة إلى الخالق؛ لأن الخطاب ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾ للعموم، فالبشر مهما بلغوا من القوة فهم بالنسبة إلى الخالق عاجزون ضعفاء، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ قال الله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ جاءت ﴿خَلَقَهُمْ﴾ ما قال أن الله هو أشد ﴿الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]، فإذا كانوا مخلوقين فإن الخالق أقوى بلا شك، الخالق أقوى من المخلوق، فأتى بالموصول وصلته كالتعليل والدلالة على ضعفهم أمام الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية: أنه لا ملجأ للبشر في جلب المنافع ودفع المضار إلا إلى من؟ إلى الله، وأنهم مهما استغاثوا بغيره فإنهم خائبون ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
* ومنها -وهي فائدة بلاغية-: أن من أدوات التوكيد الزيادة، زيادة الحروف من أدوات التوكيد؛ لقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾؛ لأن (مِن) هنا زائدة لإفادة العموم أو التنصيص على العموم.
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [العنكبوت ٢٣].
* من فوائد هذه الآية: أن الكفار لا يدخلون الجنة، تؤخذ من قوله: ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إثبات الآيات لله عز وجل الكونية والشرعية ﴿كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: رحمة الله تعالى بالعباد، حيث أظهر لهم من الآيات ما يؤمنون على مثله، أليس كذلك؟ هذه من نعمة الله؛ أن الله تعالى أرى عباده من آياته ما يؤمنون على مثله، ولهذا كلما ظهر للإنسان من آيات الله شيء كان أكبر لنعمة الله عليه وأشد في رسوخ إيمانه، ومن ذلك الكرامات التي حصلت لبعض أولياء الله؛ فإنها تزيد في إيمانهم وتؤيد ما كانوا عليه من الحق، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكثرت الكرامات في زمن التابعين دون الصحابة؛ لأن عند الصحابة من الإيمان ما ليس عند التابعين، فليسوا في حاجة إلى كرامات تقوي إيمانهم كحاجة التابعين، ذكر هذا في كتاب الفرقان، وهذا حق؛ فإنك إذا تأملت الكرامات التي ذكرت وجدتها في التابعين أكثر. فالمهم أن إظهار الآيات للإنسان سواءٌ كانت شرعية أم قدرية أنها من نعمة الله عليه؛ لأنها تزيد في إيمانه ورسوخه في القلب.
* ومن فوائد الآية: إثبات رؤية الله، منين نأخذه؟ من قوله: ﴿وَلِقَائِهِ﴾؛ فإن أهل السنة والجماعة استدلوا بذلك على إثبات الرؤية؛ لأن الملاقاة إذا لم يكن مانع لا بد فيها من الرؤية، ولا مانع يمنع.
وهذه المسألة فيها خلاف كثير بين أهل السنة وأهل البدع، والصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة إثبات أيش؟ إثبات رؤية الله تعالى بالعين وأنه في الآخرة يرى، أما في الجنة فيراه المؤمنون ولا يراه غيرهم؛ لأنهم ليسوا فيها. وأما في عرصات القيامة فالصحيح أنه يراه المؤمنون ويراه المنافقون، لكن المنافقين يرونه ليس رؤية تنعيم، بل هي حقيقة رؤية تنديم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يظهر لهذه الأمة وفيها منافقون فيكشف لهم عن ساقه تبارك وتعالى ويأمرهم بالسجود، فمن كان يسجد لله سجد، ومن كان لا يسجد إلا رياءً وسمعةً يعجز، ما يسجد، لكن المؤمنون يرونه رؤية تكريم، وهؤلاء رؤية تنديم؛ لأنه إذا حُجب عنهم بعد ذلك أو إذا حُجبوا عنه بعد ذلك صار أشد وقعًا في نفوسهم، مثلما أن المنافقين أيضًا يُعطَون نورًا يوم القيامة ثم يُحجَب عنهم، هذا يكون أشد من الذين لم يعطوا نورًا من الأصل، وهذه الرؤية إذا قال قائل: كيف تقرونها وتؤمنون بها مع أن الله جل وعلا يقول لموسى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف ١٤٣] ويقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام ١٠٣]؟
فالجواب: أما قوله لموسى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ فإنه جوابٌ على قول موسى: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١٤٣] وهو يريد الآن، ولهذا قال: ﴿انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف ١٤٣]، فدل هذا على أن نفي الرؤية متى؟ في ذلك الوقت، وهذا حق؛ أن الله جل وعلا لا يرى في الدنيا نعم؛ لعجز الإنسان عن تحمل ذلك، وقد ضرب الله لرسوله موسى ﷺ مثلًا بالجبل وعجز الجبل لما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخر موسى صعقًا.
أما قوله: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ فهي إلى الدلالة على ثبوت الرؤية أقرب من الدلالة على نفي الرؤية؛ لأن الله جل ذكره لم يقل: لا يُرى، بل قال: ﴿لَا تُدْرِكُهُ﴾، ونفي الأخص -لأن الإدراك أخص من مطلق الرؤية- نفي الأخص لا يدل على نفي الأعم، هذه قاعدة معروفة عند أهل العلم: أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فهنا نحن نقول: إن هذا يدل على أنه يُرى؛ لأنه لو لم يكن يرى لقال: لا تراه الأبصار، فلما قال: ﴿لَا تُدْرِكُهُ﴾ عُلم أنه يرى لكن لا يدرك، ونحن نقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ حتى في الآخرة، فإنه لا يمكن الإحاطة بالله عز وجل لكنه يرى، وضرب المثل لا بأس به لكن مع الفرق، ألسنا نرى الشمس ولا ندركها، نراها ولا ندركها، بل إننا نرى أصغر شيء أصغر حيوان (...) تراه بالعين، ومع ذلك لا تدركه، تدرك ما فيه مما خلق الله عز وجل في جوفه أو في جلده؟ ما تدركه.
فالحاصل أنه لا يلزم من نفي الإدراك نفي الرؤية، بل هو دليلٌ على ثبوت الرؤية، ولهذا استدل أهل السنة والجماعة بهذه الآية على ثبوت الرؤية ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾.
* طالب: شيخ، الكفار يرون الله يوم القيامة؟
* الشيخ: لا، الكفار ما يرونه؛ لأنه يقول: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين ١٥].
* الطالب: وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦] (...)..
* الشيخ: هذه الملاقاة بالنسبة للكافر دل الدليل على أنه لا يراه، بالنسبة للكافر.
* ومن فوائد الآية: وجوب الإيمان بلقاء الله؛ لأن الله تعالى عاقب الذين لا يؤمنون بذلك باليأس من رحمته.
* ومن فوائدها: ثبوت الرحمة؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي﴾، طيب الإضافة هنا إن قلنا: إن المراد بالرحمة الجنة، فهي من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفًا وتكريمًا، وإذا قلنا: إنها صفة الله فهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها.
* ومن فوائد الآية: إثبات العقوبة للكافرين، وأنها عقوبة شديدة؛ لقوله: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، والآيات في هذا كثيرة جدًّا، فلا حاجة إلى كثرة الكلام فيها؛ لأنها واضحة الحمد لله.
* طالب: (...) رد على القدرية ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [العنكبوت ٢٢] حيث يكون معناه أن..
* الشيخ: نعم، فيها رد على القدرية، قوله: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ فيها رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله، وإنه لا دخل لمشيئة الله فيه؛ لأننا إذا قلنا بذلك فإنه يلزم أن يُعجِزوا الله، وقد نقول: إن هذا فيه ضعف -هذا الخطاب- لأنهم هم يقرون بأن الله قادرٌ عليهم، على إهلاكهم إذا خالفوا، وعلى استئصالهم بالعذاب.
ذكرنا فيما سبق أن المضاف إلى الله تعالى نوعان، ما أدري تذكرونه؟ المضاف إلى الله نوعان ما يذكره منكم أحد؟
* طالب: قلنا: إن المضاف إلى الله (...).
* الشيخ: طيب الأعيان.
* الطالب: الأعيان إضافة الخالق للمخلوق كبيت الله وناقة الله.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ذكرنا أن المضاف إلى الله سبحانه وتعالى نوعان: إما أعيان أو أوصاف، والأعيان إما أن تكون إضافتها إلى الله على سبيل العموم، أو على سبيل الخصوص، فالأول اللي يضاف إلى الله على سبيل العموم هذا يراد به أن الله سبحانه وتعالى خالق لهذا الشيء؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية ١٣]، فإن هذا يشمل كل ما في السماوات والأرض، وإما أن يكون خاصًّا يراد به التشريف والتكريم، مثل ناقة الله، وبيت الله، نعم، ومساجد الله وما أشبه ذلك، أما إذا كان المضاف إلى الله وصفًا لا يقوم بغيره فإنه من صفات الله، مثل كلام الله، وقدرة الله، وعزة الله، وما أشبه ذلك، وبهذا استدل أهل السنة على أن القرآن مخلوق ولّا غير مخلوق؟
* طلبة: غير مخلوق.
* الشيخ: غير مخلوق؛ لأن القرآن وصف يقوم بالمتكلم، كلام يقوم بالمتكلم به، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف بها، طيب يبقى عندنا أن الله سبحانه وتعالى أضاف روح آدم وروح عيسى إليه، فمن أي الأقسام؟
* طالب: تشريف المخلوق إلى الخالق.
* الشيخ: المخلوق إلى الخالق، طيب إحنا قلنا: أعيان.
* طالب: (...) فيه أعيان الروح (...) إذا خرجت من الجسد تبعها البصر.
* الشيخ: الروح عين، ما هي صفة؛ لأنها تقبض وتلف في الكفن كما جاء في الحديث[[أخرجه أحمد في المسند (١٨٥٣٤) من حديث البراء بن عازب.]]، ويصعد بها إلى الله، فهي عين، لكنها عين غير معلومة، ما لها نظير، ما مثل الأعيان الجسمية اللي احنا نشاهد، هي عينٌ لا نظير لها فيما نشاهده، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥].
* طالب: عبد الله وأمة الله يأتي مثلًا في الخاص والعام؟
* الشيخ: يأتي في الخاص والعام، فإذا قلنا مثلًا: عبد الله بالعبودية العامة فهو للعموم، وإذا قلنا: عباد الرحمن مثلًا فهو للخصوص.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: أي من الأرواح التي خلقها؛ لأن الأرواح مخلوقة لله عز وجل، وليست معناها أني جعلت جزءًا مني فيه هذا ما أحد يقوله إلا الحلوليّة من النصارى وأشباههم.
قال الله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ قرأنا هذا ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾، (أو) هذي هل هي للتخيير أو للشك أو للتنويع؟ للتنويع، هي للتنويع ليست للتخيير؛ لأن الله قال في سورة الأنبياء: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ﴾ [الأنبياء ٦٨]، ولهذا لعلك تذكر أن ﴿جَوَابَ﴾ قلنا في إعرابها: إنها خبر مقدم لـ﴿كَانَ﴾ و﴿أَنْ قَالُوا﴾ هي اسم كان، (...) طيب قلنا: (أو) هنا للشك، ما يمكن؛ لأن كلام الله سبحانه وتعالى ما يقع فيه الشك؛ لكمال علمه سبحانه وتعالى، للتخيير أيضًا، خلاف ظاهر القرآن في سورة الأنبياء، للتنويع صح، أي أن بعضهم قال: حرقوه وبعضهم قال: اقتلوه، وكان الرأي على التحريق ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾.
فإذا قال قائل: أليس الإحراق يحصل به القتل؟
قلنا: بلى، لكن يقصد به التعذيب أكثر، فهم -والعياذ بالله- لحنقهم وشدة ما في صدورهم على إبراهيم رأوا أنه يعذب بالنار عليه الصلاة والسلام ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾، والله حكيم جل وعلا، شوف تجري الأمور على مراده وحكمته، لعلهم لو قتلوه ما حصلت هذه الآية العظيمة، وهي أن تكون النار بردًا وسلامًا عليه، ولكن الله عز وجل حكيم، قال الله تعالى: ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ الآية فيها حذف، التقدير: فحرّقوه فأنجاه الله من النار، فحرّقوه فأنجاه الله، أي خلصه منها ﴿مِنَ النَّارِ﴾ (التي قذفوه فيها بأن جعلها عليه بردا وسلامًا).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: حقيقة نعم، لكن ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ﴾ تمنع هذا، الواقع أنهم جمعوا الحطب وألقوه في النار على أنهم حرقوه، طيب نقول: فأنجاه الله من النار التي قذفوه فيها بأن جعلها عليه بردًا وسلامًا بأمره؛ لأن الله قال: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾ [الأنبياء ٦٩] فكانت بردًا وسلامًا، قال أهل العلم: لو أن الله جل وعلا قال: ﴿بَرْدًا﴾ فقط لكانت ثلجًا عليه، ولكنه قال: ﴿وَسَلَامًا﴾؛ لأجل أن يسلم.
وفيه أن البرد يقتل كما أن الحر يقتل، ولولا أن البرد يقتل ما احتيج إلى قوله: ﴿وَسَلَامًا﴾.
طيب (﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي إنجائه منها ﴿لَآيَاتٍ﴾ ) ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ معلوم أن (إن) تنصب المبتدأ وترفع الخبر، أين اسمها؟
* طالب: ﴿لَآيَاتٍ﴾.
* الشيخ: ﴿لَآيَاتٍ﴾، واللام للتوكيد، و(آيات) كيف نقول: (إن) تنصب وهي مكسورة الآن؟ لكنها..
* طالب: (...).
* الشيخ:
؎........................... ∗∗∗ يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفِي النَّصْبِ مَعَا
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ (آيات) جمع آية، وهي العلامة، والمقام هنا آيات كونية ولَّا شرعية؟
كونية، وجمعها فبين المؤلف الجمع قال: (هي عدم تأثيرها فيه مع عظمها وإخمادها وإنشاء روض مكانها في زمن يسير)، هكذا بين المؤلف الآيات اللي هي:
أولًا: أنها لم تؤثر مع عظمها؛ لأنهم جمعوا حطبًا عظيمًا وأضرموا نارًا عظيمة، حتى إنه ذُكر أنهم ما استطاعوا أن يقربوها وأنهم ألقوه بالمنجنيق، حذف، رمي من بعد، نعم، والله أعلم، إنما على كل حال هي نار عظيمة بلا شك.
(إخمادها) يعني كونها تخمد وتهدأ من اللهب في لحظة هذا من آيات الله عز وجل.
الثالث: أنها يقول: كانت روضة لكن يكفي أنها برد وسلام، أنها كانت بردًا وسلامًا على إبراهيم.
وعندي أن الآيات أكثر مما قال المؤلف:
فإن من الآيات إبطال كيد هؤلاء.
ومنها: صبر إبراهيم وتحمله؛ لأن حقيقة الأمر أن هذا شيء ما يقوى عليه إلا أمثال إبراهيم من أولي العزم.
ومنها: أيضًا انقلاب هذه الحرارة إلى برودة.
ومنها: انقلاب كونها سببًا للهلاك إلى أن كانت سلامًا عليه.
* طالب: (...) لم تخمد، بل كانت بردًا وسلامًا عليه، فهي لهب ومع ذلك برد، حتى طفئت بعد ذلك وهم يرون أنه قد هلك؟
* الشيخ: إي نعم، الله أعلم ما نعرف إنها خمدت أو أنها بقيت، وهو الظاهر أيضًا، الظاهر من القرآن أنها بقيت؛ لأنه قال: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾، فالله تعالى ما أمرها أن تخمد، بل قال: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾، وعلى هذا فيكون في كلام المؤلف نظر، ويكون الصواب أنها بقيت على ما هي عليه ولكنها كانت بردًا وسلامًا على إبراهيم.
* طالب: يعني هذا أظهر في الإعجاز؟
* الشيخ: قلنا: بقاؤها أظهر في الإعجاز.
* طالب: القول بأنها من بره لها لهب (...)؟
* الشيخ: لها لهب؟
* الطالب: من بره يعني.
* الشيخ: إي من رآها رآها تلتهب ولّا (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: تبقى الآية على حالها.
* الطالب: لأنه فيها فائدة؟
* الشيخ: ما فيها (...) إسرائيليات، لكن الواجب الأخذ بظاهر القرآن.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت ٢٤] (يصدقون بتوحيد الله وقدرته لأنهم المنتفعون بها) هذه الآيات قيدها الله بأنها ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ احترازًا من القوم الذين لا يؤمنون، وإن كانت الآيات أمامهم لا ينتفعون بها فليست لهم آيات، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١] هل تعلمون في الكلام شيئًا أعظم آية من كلام الله؟ لا، ما نعلم، وهو الواقع، ومع ذلك من ليس بمؤمن إذا تلي عليه القرآن قال: أساطير الأولين، كما قال الله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [القلم ١٥]، ولذلك إذا رأيت من نفسك أنك لا تتأثر بالقرآن فاتهم نفسك، اتهمها؛ لأن الله تعالى ما قال عن أحد: لا ينتفع بالقرآن إلا عن المكذبين الذين لا يرون في القرآن شيئًا، يعني يأخذ بلبهم وروعهم، وهذه المسألة مسألة نسأل الله لنا ولكم النجاة منها؛ لأن كثيرًا من الناس يقرءون هذا القرآن ولكنه لا يهز مشاعرهم، وهذا خطير جدًّا على الإنسان، يجب أن الإنسان يتهم نفسه بهذا الأمر حتى يُعدِّل ما مال منه، ويقوم المعوج.
وعلى هذا نقول: إن الآيات الكونية والشرعية ما ينتفع بها إلا المؤمن، غير المؤمن لا ينتفع -والعياذ بالله-؛ لأنها تمر عليه وكأنها إن كانت آيات كونية كأنها أمر عادي، أو بمقتضى الطبيعة، فالزلازل التي تصيب الناس ويش يقولون؟ يقولون: هذه براكين عادية، نعم ما هي شيء، وها الرياح العاصفة العظيمة التي تدمر المحاصيل والأشجار، وكذلك ما يحصل من الأمطار المغرقة، كل هذه يقولون: إنها ظواهر طبيعية، ما كأنها عقوبة من الله عز وجل. إذن انتفعوا بها ولَّا لا؟ لا، حتى الآن بدأ الناس في الكسوف، يقولون: هذه أسباب ظاهرة، ونسأل الله السلامة، ينشرونها قبل أن تقع لأجل أن تأتي إلى الناس وهم قد اطمأنوا إليها واستقرت في نفوسهم، فلا ترعبهم ولا تخوفهم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «يُخَوِّفُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ»[[أخرجه أبو داود (١١٨٥)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦٣٣٨) من حديث قبيصة الهلالي واللفظ له.]]، وهؤلاء جعلوها كأنها هلال عيد، حتى إن بعضهم خاطبنا بذلك قال: إحنا نخبر الناس لأجل يتهيئون نعم ويترقبون لذلك حتى يأتي الكسوف وهم مستعدون كأنه هلال عيد بيخرج عشان يخرجون إلى المصلى، وهذا غلط. أنا أذكر ويمكن بعضكم المتقدم في السن يذكر الناس إذا جاء الكسوف ويش يحصل عندهم من الخوف والانزعاج والفزع كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام به، الفزع إلى المساجد والبكاء، أما الآن -نسأل الله العافية- كما ترون يمكن بعض الناس يكون عنده الكسوف يشاهده وعنده آلة لهو تغني وما أشبه ذلك. فالمهم أن هذه الآيات ما ينتفع بها إلا المؤمن.
* * *
(﴿وَقَالَ﴾ إبراهيم: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت ٢٥] تعبدونها، و(ما) مصدرية ﴿مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ﴾ خبر إن، وعلى قراءة النصب مفعول له، و(ما) كافة، المعنى: تواددتم على عبادتها). المؤلف رحمه الله بيّن لنا الآن أن قوله: ﴿مَوَدَّةَ﴾ فيها قراءتان سبعيتان ولَّا لا؟ سبعيتان: قراءة الرفع إحنا الآن بنعرب الآية قبلما نتكلم عن معناها، قراءة الرفع: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ﴾ على قراءة الرفع المؤلف أعرب (ما) مصدرية، لا كافة ولا موصولة، مصدرية، والتقدير على رأيه: إن اتخاذكم من دون الله أوثانا مودةُ بينكم، فيكون المصدر المنسبك من (ما) اسم (إن)، ويكون (مودةُ) خبر (إن)، و(اتخذتم أوثانا)، نحن (...) نكمل إعراب (إن) وما يتعلق بها، وعلى قراءة النصب يقول: إنها مفعول له، ويش مفعول له؟
* طالب: مفعول لأجله.
* الشيخ: يعني يسمونه مفعولًا لأجله، يعني: إنما اتخذتم من دون الله أوثانًا لأجل المودة بينكم، نعم، ولكن على هذه القراءة (ما) كافة، فتكون داخلة على (إن)، و(ما) الكافة إذا دخلت على (إن) تفيد الحصر، يعني: ما اتخذتم الأوثان إلا لأجل المودة بينكم، تصورتم الآن المعنى؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: على الرأي الأول نقول: (ما) -على رأي المؤلف طبعًا- (ما) مصدرية و(اتخذتم) فعل مؤَوّل إلى مصدر، والتقدير: إن اتخاذكم من دون الله أوثانًا مودةُ بينِكم، خبر (إن). على قراءة النصب نقول: (إنما) أداة حصر، و(مودة) مفعول لأجله، يعني اتخذتموه لأجل المودة، نعم، هذا ما قاله المؤلف.
وقيل: إن (ما) اسمٌ موصول على قراءة الرفع، إن (ما) اسم موصول، وإن العائد محذوف، والتقدير: إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودةُ بينِكم، وعلى هذا التقدير يكون مفعول (اتخذ) محذوفًا؛ مفعولها الأول، ومفعولها الثاني (أوثانًا)، وعلى هذا فنقول: (إن) أداة توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر، و(ما) اسمها بمعنى الذي و(اتخذتم) صلة الموصول، والعائد محذوف، والتقدير: اتخذتموه، و(أوثانًا) مفعول ثانٍ لـ(اتَّخَذ)؛ لأن اتخذ تنصب مفعولين؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء ١٢٥].
* طالب: واضح (...).
* الشيخ: إي نعم واضح، يعني أن الذي اتخذتموه أوثانًا هو المودة بينكم، نعم، وهذا أيضًا التقدير اللي ذكرنا أن اسم موصول تصلح حتى على قراءة النصب: إن الذي اتخذتموه أوثانًا لأجل المودة بينكم لا ينفعكم، ويكون الخبر على قراءة النصب محذوفًا، التقدير: لا ينفعكم.
طيب نرجع الآن إلى (اتخذ) تنصب مفعولين على تقدير (ما) موصولة، أين مفعولها الأول؟ محذوف، اتخذتموه اللي هو العائد على (ما)، و(أوثانًا) مفعول ثانٍ. وعلى القول بأن (ما) مصدرية أو كافة نقول: إن المفعول الثاني أيضًا محذوف، والتقدير: آلهة؛ كقوله تعالى: ﴿قُرْبَانًا آلِهَةً﴾ [الأحقاف ٢٨] المعنى: اتخذوا هذه الأوثان آلهة مودة بينهم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: (...) مفعولًا ثانيًا، لا الظاهر أنها حال من أوثان؛ لأنها قدمت عليها.
* طالب: مودة (...)؟
* الشيخ: لا، ما تصلح؛ لأنها واضحة أنها للتعليل، يعني اتخذوه للمودة؛ لأنهم اجتمعوا على هذا لأجل ألا يتفرقوا فقالوا: إننا ننتصر للآلهة بطلب المودة بيننا حتى تجمعنا هذه الآلهة على المودة.
* * *
قوله: ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ إلى آخره.
* من فوائدها: بيان طغيان قومه، حيث يدلهم على الحق، ويكون هذا جوابهم.
* ومن فوائدها: أنهم اختلفوا ماذا يصنعون به، ثم قرروا أنهم يحرقونه، وذلك بناء على الجمع بين هذه الآية وبين آية الأنبياء ﴿حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء ٦٨].
* ومن فوائدها: تمام قدرة الله عز وجل، حيث كانت هذه النار المحرقة بردًا وسلامًا عليه، فإن هذا من آيات الله الدالة على قدرته.
* ومنها: أن كل من قام لله فإن الله تعالى ينجيه بمفازته، يعني ينجيه في موضع هلاكه، قال الله تعالى: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ [الزمر ٦١].
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى يقدِّر من الأمور لإنجاء أوليائه ما لا يخطر بالبال، فإن مَن يخطر بباله أن هذه النار العظيمة تكون بردًا وسلامًا، ولكن الله سبحانه وتعالى يقدر لأوليائه من أسباب النجاة ما لا يخطر لهم على البال.
* ومن فوائد هذه الآية: معرفة الجماد لله؛ لأن الجمادات تعرف ربها فتمتثل لأمره؛ لأن الله قال لهذه النار: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾ [الأنبياء ٦٩].(...) لا ينتفع بها إلا المؤمنون، من أين تؤخذ؟ من قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت ٢٤] واضح؟ ولا ينافي هذا ما جاء في عدة آيات ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد ٤] و﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد ٣]، وما أشبه ذلك؛ لأن العقل والتفكر ونحوهما من مقتضيات الإيمان، وكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا كان أكثر عقلًا وتفكرًا، والتفكر أيضًا يدعو إلى الإيمان، فهما متلازمان.
* طالب: هل ثبت في هذا بالنسبة إلى النجاة من النار لأحد من الصحابة (...).
* الشيخ: نعم، هم ذكروا أنه ثبت، ذكر هذا ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، وقال: إنه ما من آية لنبي سابق إلا كانت آية للنبي عليه الصلاة والسلام أو أعظم، لكن منها ما جرى للرسول عليه الصلاة والسلام نفسه ومنها ما جرى لأمته، وما جرى لأمته فإنه من آياته؛ لأنه يشهد بصحة الطريقة التي هم عليها، فيكون ذلك من آيات النبي عليه الصلاة والسلام.
* طالب: فيه رد على الجبرية؛ لقوله: ﴿اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ [العنكبوت ٢٤] حيث نسب الفعل إليه.
* الشيخ: ماذا تقولون؟ يمكن نأخذ من هذا رد على الجبرية؟
* طالب: (...) في مهب الريح، ما له أي مشيئة ولا أي فعل؟
* الشيخ: إي، بس هم يقولون: إنه يقتل، أن الإنسان يقتل ويفعل ويقوم لكنه مجبر عليه، إلا أن يقال مثلًا: إن كونه مخير بعضهم بعض، هل يدل على هذا؟
فيها أيضًا بعد الفائدة الثانية (...)، وهي أن الأسباب لا تفعل فعلها إلا بإرادة الله، وهذه مهمة، فالأسباب مهما قويت ما تفعل الفعل إلا بإذن الله، بمعنى أن الله تعالى قد يمنع من تأثيرها، فالنار سبب للإحراق بلا شك، وهنا سُلبت هذه السببية ولم تؤثر.
طيب ﴿قَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ [العنكبوت ٢٥] يعني أن الذي اتخذتموه أوثانًا لا يجمعكم عليه إلا المودة، ولهذا قال المؤلف: (المعنى تواددتم على عبادتها)؛ لأنه والعياذ بالله أهل الشر يتوادون على فعل الشر كما أن أهل الخير يتناصرون أيضًا على فعل الخير، فكذلك أهل الشر.
وقوله: ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ هنا يجوز في كلمة (بين) أن يضاف إليها ما قبلها، ويجوز أن يقطع عن الإضافة، فيجوز مثلًا في غير القرآن: (مودةً بينَكم)، ويجوز: (مودةَ بينِكم) وهي هنا على هذا الوجه.
وقوله: ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ متعلقة بما قبلها، يعني أنها مودة في الحياة الدنيا فقط، فهؤلاء المشركون يتوادون في الشرك في الدنيا فقط، تجدهم متناصرين متعاونين، لكن ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾.
﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ يعني ينكره؛ كقوله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة ١٦٦] وهذا لا شك إنه إنكار وكفر بعضهم ببعض.
﴿وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٧، ٦٨]، ومجادلة الأتباع للمتبوعين في عدة آيات من القرآن ليست في آية البقرة فقط، فيه: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ [الأعراف ٧٦]، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [سبأ ٣٣] وما أشبه ذلك.
* طالب: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف ٣٨].
* الشيخ: و﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ فالحاصل أن هذه المودة بين المشركين في الدنيا فقط، أما يوم القيامة فإن كل واحد منهم يتبرأ من الآخر وينكره ويلعنه أيضًا، وهذا لا شك أنه من أشد ما يكون العقوبات، لكن المتقون خُلَّتهم باقية إلى يوم القيامة ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف ٦٧]، وأما هؤلاء فإن المودة فيما بينهم تزول بالموت.
قال: (﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ بتبرؤ القادة من الأتباع ﴿وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ بلعن الأتباع للقادة)، والآية عامة، أنه يتبرأ القادة من الأتباع، والأتباع من القادة، وكذلك أيضًا يلعن بعضهم بعضًا.
قال: ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾: ﴿مَأْوَاكُمُ﴾ (مصيركم جميعًا)، فالمأوى بمعنى المصير؛ لأنه من أوى يأوي إذا سار إلى الشيء واتجه إليه.
﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ وهذه النار قد أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين، وهي الآن موجودة، ورآها النبي ﷺ ليلة أسري به، وهي نار لا يستطيع الإنسان أن يدرك في الدنيا ما فيها من العذاب؛ فإنها فُضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءًا، أقول: إن هذه النار فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءًا، أضف إليها الجزء المتمم للسبعين، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «عَلَى نَارِكُمْ هَذِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٦٥)، ومسلم (٢٨٤٣ / ٣٠) من حديث أبي هريرة بنحوه.]] أو «عَلَى نَارِ الدُّنْيَا»، ونار الدنيا كما تعرفون فيها نار شديدة الحرارة، وفيها نار متوسطة، وفيها نار باردة بالنسبة لغيرها، ومع ذلك فإنها تقاس بأعلى نار في الدنيا فتُفضل عليها بتسعة وستين جزءًا.
(﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ مانعين عنها) ﴿مَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ هذه فيها (من) الزائدة للتوكيد؛ لأن ﴿نَاصِرِينَ﴾ أصلها مبتدأ، وخبره قوله: ﴿لَكُمْ﴾، يعني لا أحد ينصركم فيمنعكم من دخول النار، هذا كلام من؟
* طالب: كلام الله.
* الشيخ: لا، هذا كلام إبراهيم؛ لأنه قال: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت ٢٥] هذا من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
* * *
قال الله تعالى: (﴿فَآمَنَ لَهُ﴾ صدَّق بإبراهيم ﴿لُوطٌ﴾ وهو ابن أخيه هاران ﴿وَقَالَ﴾ إبراهيم) إلى آخره.
﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ الإيمان في اللغة: التصديق، ولكنه ليس مطلق التصديق، بل هو تصديقٌ بطُمأنينة؛ لأن مادة آمن هي مادة الأمن، يعني فيها الهمزة والميم والنون، وعلى هذا فليس الإيمان مطلق التصديق، بل هو تصديق خاص مقرون بأيش؟ أو متضمن للطمأنينة في الشيء، وهو يتعدى باللام كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ﴾ [طه ٧١]، وكذلك ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ [يوسف ١٧] وعدة آيات من هذا، ويتعدى أيضًا بالباء، وهو كثير ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ [البقرة ٢٨٥] ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت ١٠] وما أشبه ذلك، فهل هذا من باب الترادف، أي أن اللام بمعنى الباء والباء بمعنى اللام؟ أو أن هناك فرقًا بينهما؟
يمكن أن نقول: إنه من باب الترادف وإن كل واحدة منهما، أي من اللام والباء تأتي محل الأخرى لكثرة استعمال هذه وهذه، ويمكن أن نقول بالتغاير وأن اللام تدل على استسلام، وأما الباء فتدل على طمأنينة القلب، فاللام للاستسلام ﴿فَآمَنَ لَهُ﴾ [العنكبوت ٢٦] فيُضمن معنى انقاد، وأما الباء فإنها تدل على طمأنينة القلب، فآمن به: اطمأن به، والله سبحانه وتعالى فرق بينهما في القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة ٦١] في آية واحدة ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، فالظاهر والله أعلم من مواردها في القرآن الكريم أنهما ليستا مترادفتين وأن بينهما فرقًا، فما يجب فيه الطمأنينة، أو ما كان فيه معنى الطمأنينة فهو بالباء، وما كان مضمنًا لمعنى الانقياد ولو ظاهرًا فإنه يأتي باللام، سحرة فرعون قال لهم فرعون مرة: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ﴾ [طه ٧١] وقال مرة أخرى: ﴿آمَنْتُمْ بِهِ﴾ [الأعراف ١٢٣]، فهل القولان معناهما واحد؟ لا؛ بناء على ما قلنا ﴿آمَنْتُمْ بِهِ﴾ أي صدقتم به بطمأنينة واطمأنت قلوبكم بصدقه، و﴿آمَنْتُمْ لَهُ﴾ [طه ٧١] تابعتموه واستسلمتم له، ولهذا قال لهم: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه ٧١] فتُنَزل كل آية على معنى، هنا قال: ﴿آمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت ٢٦] نحن نعلم أن لوطًا عليه الصلاة والسلام آمن لإبراهيم وبه، آمن له وبه فهو آمن به بقلبه واطمأن إلى صدقه، وكذلك انقاد له، فتضمن هنا الإيمان معنى الانقياد ومعنى الطمأنينة.
* طالب: هنا يقال: إذا اجتمعا افترقا في المعنى، وإذا أفرد أحدهما دل على ما دل عليه الآخر؟
* الشيخ: ما يظهر هذا، هذا ما يظهر؛ لأن في الحقيقة كلما تتبعت اللام وجدتها في أمر ليس يقتضي الطمأنينة كمالًا، ما تأتي آمنت لله أبدًا.
* طالب: قال فرعون: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه ٧١] نفس منطوق الآية الأخرى قال له..
* الشيخ: إي، فيكون معناه أنه قرر أنهم اطمأنوا به وانقادوا له، إذا أخذنا مجموع الآيتين صار معناه أنه قرر بأنهم معترفون به وبصدقه وانقادوا له أيضًا بسحره، ولهذا ما جاء (آمنت لله)، (آمنت لله) ما جاء، لكن (أسلمت لله) جاء في القرآن العظيم.
قال: ﴿آمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت ٢٦]، وقول المؤلف: (صدّق بإبراهيم) يدل على أنه يرى أن اللام بمعنى الباء.
فإذا قلنا: المؤلف رحمه الله يرى أن ﴿آمَنَ لَهُ﴾ بمعنى آمن به، شوف ويش قال؟ (صدّق) تفسير (آمن)، (بإبراهيم) تفسير (له)، (﴿لُوطٌ﴾ وهو ابن أخيه هاران) يعني أن إبراهيم له أخٌ اسمه هاران بن آزر، وهاران له ابنٌ اسمه لوط.
(﴿وَقَالَ﴾ إبراهيم: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾ من قومي ﴿إِلَى رَبِّي﴾ أي إلى حيث أمرني ربي وهجر قومه، وهاجر من سواد العراق إلى الشام).
قوله: ﴿وَقَالَ﴾ المؤلف يقول: إن الضمير يعود إلى إبراهيم، وعلى هذا ففي التلاوة تقف على ﴿آمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ تقف ولا تقل: ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾؛ لأنك لو وصلت لأوهمت أن القول من لوط، وقال بعض العلماء: إن الضمير يعود على لوط بناء على ظاهر السياق وإن لوطًا عليه الصلاة والسلام آمن وهاجر، فجمع بين الإيمان والهجرة.
وقوله: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾ هنا مفاعل في اللغة العربية ترد بمعنى اشترك فيه اثنان فصاعدًا، كما يقال: مقاتل، وترد على معنى ليس فيه إلا طرفٌ واحد كما يقال: مسافر، فهمتم؟ كلمة مهاجر من أيهما؟ مما هو مشترك بين طرفين أو مما هو خاص بطرف واحد؟
* طالب: خاص.
* الشيخ: يعني هاجر بمعنى هجر، أو هاجر معناه أنه هجرهم وهجروه؟ ولّا فيه احتمال أن المعنى مهاجر أني هجرتهم وهجروني بمفارقتي، ويحتمل أنه من باب ما فيه طرف واحد فقط كمسافر.
* طالب: (...) للسياق يعين من كلام إبراهيم ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [العنكبوت ٢٧]..
* الشيخ: هنا بنلحقها بعدين إن شاء الله..
* الطالب: (...) هنا عزاها إلى ربه (...)؟
* الشيخ: إنها من طرف واحد؟ يمكن أنها تؤيدها الظاهر.
وقوله: (من قومي ﴿إِلَى رَبِّي﴾ ) قال المؤلف: (إلى حيث أمرني) يعني إلى الجهة التي أمرني الله سبحانه وتعالى أن أسافر إليها، هذا ما فسره به، والغريب أن بعض المفسرين قال: إن المؤلف قال: (إلى حيث أمرني) فرارًا من إثبات الجهة لله، فرارًا من إثبات الجهة؛ لأننا لو أخذنا بظاهر الآية ﴿إِلَى رَبِّي﴾ لكان متجهًا إلى الله ذاته، نعم وهم يرون أن الله تعالى ليس في جهة، وهذا رأي من؟
* طالب: الأشاعرة.
* الشيخ: إي نعم، رأي الأشاعرة وكذلك معطلة الجهمية؛ فإن الجهمية انقسموا في مسألة الجهة إلى قسمين: قسم حلولية يرون أن الله سبحانه وتعالى بذاته في كل مكان، وهؤلاء القدماء منهم، وقسمٌ آخر أهل تعطيل محض يرون أن الله سبحانه وتعالى ليس في مكان وليس في جهة، فيقولون: لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، ولا مباين ولا محايد، نسأل الله العافية، هذه الجهة يتوصل بها من ينكرون علو الله عز وجل بذاته، يقولون: لأنك إذا قلت: إن الله عالٍ بذاته على عرشه لزم من ذلك أن يكون في جهة، وإذا كان في جهة لزم أن يكون متحيزًا، والمتحيز محدود، سبحان الله، ما أدري جاءتهم هذه المقدمات والنتائج، نحن نقول لهم: مسألة الجهة ما ننكرها في المعنى، لكننا ننكر جهة تحصر الله عز وجل أو تحيط به؛ لأن الله تعالى محيطٌ بكل شيء، لكننا نثبت بأن له جهة هي العلو، فالجهات ثلاث: جهة سفل، وجهة علو محيطة بالله، وجهة علو لا تحيط به، أيهما المثبت؟ جهة العلو التي لا تحيط به، أما جهة السفل فممتنعة، وأما جهة علو تحيط به فممتنعة أيضًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى ليس فوقه شيء.
إذن كيف نؤول ﴿إِلَى رَبِّي﴾ على القول الصحيح؟ الراجح ﴿إِلَى رَبِّي﴾ أي إلى ديني؛ كقوله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج ٤٠] أي من ينصر دينه، والإنسان المهاجر إلى دين الله يلتمس المكان الذي يقيم فيه دينه، ولهذا يقول العلماء في الهجرة: إنها الانتقال منين؟
* طلبة: من بلد الشرك إلى الإيمان.
* الشيخ: من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، حيث يقيم دين الله عز وجل.
وقوله: ﴿مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾: (إلى) للغاية، وفيها الإشارة إلى حسن نيته وقصده، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٤)، ومسلم (١٩٠٧ / ١٥٥) من حديث عمر بن الخطاب.]] قال المؤلف: (وهجر قومه وهاجر من سواد العراق إلى الشام) ويش هو سواد العراق؟ العراق نفسها أرض العراق، وسمي سوادًا لكثرة نخيله وأشجاره، وقوله: (إلى الشام) معروف.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم هذا ما اتحد تمامًا؛ لأن سواد العراق..
* الطالب: هو العراق.
* الشيخ: لكن فيه السواد، سواد العراق.
قال: (﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه) هكذا يجري المؤلف رحمه الله في تفسير هذين الاسمين، يقول: (﴿الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه)، وهذا فيه شيء من القصور، فهو سبحانه وتعالى عزيزٌ بذاته وبصفاته، وعزته ثلاثة أنواع: عزة القدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع:
أما عزة الامتناع فمعناها أنه يمتنع أن يناله سبحانه وتعالى نقص في جميع صفاته وأفعاله، وأما عزة القدر فهي المنزلة والجلال والعظمة، وأما عزة القهر فهي القوة والسلطان.
إذن لا أحد يغلبه، كذا ولَّا لا؟ فهو الغالب، ولهذا فسرها كثيرٌ من العلماء بأنه الغالب، وكذلك لا أحد يناله بسوء، وكذلك لا يناله نقص في صفاته. فلذلك تكون العزة ثلاثة أنواع وهي؟
* طالب: قهر وقدر وامتناع.
* الشيخ: أيش؟
* طالب: عزة قهر وعزة قدرة..
* الشيخ: قدر.
* الطالب: قدر وعزة وامتناع.
* الشيخ: امتناع طيب، وأصل هذه المادة تدل على القوة، أصل عين زاي تدل على القوة، ومنه قولهم للأرض الصلبة: أرض عزاز، عزاز يعني قوية صلبة، وقوله: (﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه) فيه قصور؛ لأن حكمة الله عز وجل لا تختص بصنعه في خلقه، بل هي في صنعه وشرعه، فهو حكيم فيما صنع، حكيم فيما شرع، والحكيم ليست أيضًا من الحكمة فقط؛ لأن الحكيم من الحكمة، بمعنى المتقن، لكنها من الحكمة، ومن الحكم أيضًا، وفعيل كما عرفتم في اسم الفاعل تأتي بمعنى الفاعل للمبالغة، أو لا؟ أليس كذلك؟
من أمثلة المبالغة: فعّال أو مِفعال أو فعول، ثم قال بعدها: فعيل وفَعِل خمسة، فهي إذن فعيل من حكم فهو حاكم، لكن صارت بمعنى حكيم للمبالغة أو لكونه صفة مشبهة، فهي إذن من الحكم، وحكم الله عز وجل ينقسم إلى قسمين، وهما الكوني والشرعي، فحكم الله تعالى نوعان: كوني وشرعي، مثال الكوني قول أخي يوسف ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ [يوسف ٨٠] هذا أيش؟ هذا كوني، ولهذا ما قال: ليحكم علي، قال: ليحكم لي، يعني يقدر لي، والحكم الشرعي مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠]، وأما ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة ١] فتتناول الأمرين، أين وجدت ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة ١] في أي سورة؟
* طالب: في أول سورة المائدة.
* الشيخ: في أول سورة المائدة نعم، إذن نقول يا إخوانا: الحكيم مأخوذة من الحكم والحكمة، والحكم هو القضاء، وهو نوعان: كوني وشرعي، مثال الكوني ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾، ومثال الشرعي ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠]، ومثال ما جمع بين الأمرين ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة ١] طيب، الحكمة تكون في الشرع وتكون في القدر، وهي مشتقة منين؟ من الإحكام، بمعنى الإتقان، تكون في الشرع، بمعنى أن جميع ما شرعه الله عز وجل فهو موافق للحكمة، وتكون في القدر بمعنى أن كل ما قدره الله فهو لحكمة، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم ٤١] الفساد من حيث هو فساد وجوده حكمة ولَّا لا؟ لا، من حيث هو فساد لا ليس بحكمة؛ لأن الله تعالى لا يحب الفساد، فليس بحكمة، لكن للغاية التي يكون هو حكمة ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ هذه الحكمة.
فإذن كون أمور الخير حكمة ظاهر جدًّا للجميع أو لا؟ يعني وجود ما فيه الخير للعباد حكمته ظاهرة، وجود ما فيه الشر للعباد هذا ما يمكن يقع من الله عز وجل إلا لحكمة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) من حديث علي بن أبي طالب.]] ما قال: ليس منك، فهو لا ينسب إلى الله، لكن كل ما وقع فهو من الله من خير ومن شر هو الذي قدره، لكن الشر لا يقدره الله عز وجل إلا لمصلحة أعظم منه، وإذا كان لمصلحة أعظم منه صار حكمة ولَّا لا؟ يكون حكمة، تجد الإنسان الذي هو أرحم الخلق بابنه يأتي به إلى الطبيب ليشق جلده، فيسيل دمه، هذا شرّ؛ لأنه يؤلم الصبي لكنه لمصلحته، فالعاقبة حميدة، ويأتي به إلى الطبيب ويقول: احم هذه الحديدة على النار واكوه بها، والكي شر في حد ذاته لكن غايته حميدة، وكذلك في الختان يأتي به إلى الخاتن ويقول: خذ اقطع جلدة من ذكر ولدي نعم، موضع حساس وبيقطع من جلده، لكن العاقبة حميدة.
المهم نقول: الشر قد يكون خيرًا باعتبار ما يؤول إليه، وإن كان هو في حد ذاته شرًّا، طيب المهم يا إخوان الحكيم صار معناه اشتق منين؟ من الحكم والحكمة أو الإحكام، والإحكام بمعنى الحكمة، والحكمة تكون في الشرع وتكون في القدر، القدر كل ما قدره الله فهو لحكمة، سواء كان خيرًا أم شرًّا، أيضًا الشرع كل ما شرعه الله فهو لحكمة، شرع الله عز وجل في الزاني المحصن أن يرجم بأيش؟ بالحجارة، لو قتل بالسيف أهون ولَّا لا؟ أهون، لكن كونه يرجم بالحجارة ويشهر به ويعلن هذا لحكمة عظيمة، وهي ردع غيره عن مواقعة هذا المحظور، ثم من أجل أن هذا البدن الذي تلذذ كله بالشيء المحرم ينبغي أن يناله ألم من العقوبة نعم.
* طالب: على تقدير: إني مهاجر إلى ربي: إلى دين ربي، أقول: أليس دين ربه موجودًا في كل بقعة؟ هل يذهب إلى أناس يدعون الله.
* الشيخ: لا، ما هو موجود في كل بقعة، لو كان موجودًا في كل بقعة ما خرج من مكانه هذا؛ لأن قومه هؤلاء كذبوه وأنكروه وأرادوا أن يحرقوه.
* طالب: يعني هاجر به، لا هاجر إلى دينه.
* الشيخ: إلى دينه، إلى مكان فيه دين الله، ولذلك مثلًا المدينة صارت دار هجرة لما أُقيم فيها الدين.
* الطالب: يعني هاجر إلى قوم يعبدون الله.
* الشيخ: إي نعم، إلى دين الله الذي..
* طالب: (...) ما في الأرض مؤمن إلا أنا..
* الشيخ: نعم، هذه قالها وين هو فيه؟ في مصر، ما هو في الشام، قالها في مصر وهو صحيح، وقوله: في الأرض، الصحيح أنه ليس المراد بعامة الأرض، الصحيح أن المراد أرض مصر.
* طالب: زوجة إبراهيم (...)؟
* الشيخ: إي، مؤمنة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* * *
قال: (﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ [العنكبوت ٢٧] بعد إسماعيل ﴿إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ ) الهبة معناها الإعطاء بدون ثواب أو بدون عوض، وكل ما تفضل الله به على عباده فهو بدون عوض تفضل منه، (﴿إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ بعد إسحاق) وإنما جعل الله يعقوب هبة لإبراهيم لأنه ابن ابنه، وسيأتي لنا إن شاء الله تعالى في الفوائد أن هذا دليل على أن الجد أبٌ؛ لأن الله جعل ابن الابن هبة لجده.
﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ ذرية من؟
* طالب: إبراهيم.
* الشيخ: إبراهيم، وهنا خالف القاعدة الضمير، فعاد إلى المذكور الأول، والغالب أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، لكنه قد يخرج عن هذه القاعدة بحسب السياق، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾ [الحج ٧٨]، (هو) يعود على من؟ على الله، لا على إبراهيم، مع أن إبراهيم أقرب مذكور.
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ قدم الجار والمجرور، وهو الظرف، على المظروف، وهي النبوة والكتاب؛ إشارة إلى الحصر، ولهذا قال أهل العلم: ما من نبي بعد إبراهيم إلا وهو من ذرية إبراهيم. ويُكنى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأبي الأنبياء.
(﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ فكل الأنبياء بعد إبراهيم من ذريته ﴿وَالْكِتَابَ﴾ بمعنى الكتب) فهو مفردٌ يراد به الجنس (أي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان)، التوراة نزلت على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والفرقان على محمد ﷺ.
(﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ وهو الثناء الحسن في كل أهل الأديان ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ) ﴿آتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه، فهي تنصب مفعولين، أحدهما الهاء في ﴿آتَيْنَاهُ﴾، والثاني: ﴿أَجْرَهُ﴾.
وقوله: ﴿أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ الأجر هو العوض، عوض الشيء يسمى أجرًا، ومنه الأجرة عوضًا للعامل عن عمله.
وقوله: ﴿أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ ما هو أجره في الدنيا؟
هل نقول: إنه ما قال المؤلف الثناء الحسن في كل الأديان؛ أو ما هو أعم من ذلك؟ الصواب أنه ما هو أعم من ذلك؛ من قرة عينه بأولاده وانتشارهم وكثرتهم، وكذلك الثناء الحسن؛ كل الأديان ينتمون إليه ويريدون أن يكون منهم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا﴾ كما ادعت اليهود ﴿وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ كما ادعت النصارى ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران ٦٧]، ثم حكم الله تعالى بين الطوائف فقال: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ محمد ﷺ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ٦٨].
وقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ اللام في قوله: ﴿لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ للتوكيد، فالجملة مؤكدة بـ (إن) واللام.
وقوله: (﴿الصَّالِحِينَ﴾ أي الذين لهم الدرجات العلى)، والمراد هنا أعلى أنواع الصالحين، وهم الأنبياء أو الرسل؛ لأن إبراهيم ﷺ من أولي العزم الخمسة، وهم محمد ﷺ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وموسى وعيسى ونوح.
وقوله: ﴿لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ إذا جاءت (الصالحون) وحدها شملت كل الأجناس الأربعة، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، والله أعلم.
* طالب: شيخ (...).
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأنه أبلغ (...).
* * *
* الشيخ: أولًا: أن الأصنام لا تنفع عابديها.
* ومن فوائدها أيضًا: أن غاية ما يحصل لهم من هذه الأصنام الموادة بينهم في هذه الحياة الدنيا على الباطل.
* ومن فوائدها أيضًا: أن أهل الباطل قد يقع بينهم مودة لحماية باطلهم والانتصار على الحق، ولكن هذا لا يدوم.
* من فوائد الآية: أن هؤلاء الذين اجتمعوا على الباطل إذا كان يوم القيامة فإن بعضهم يتبرأ من بعض ويلعن بعضهم بعضًا؛ لقوله: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات البعث؛ لقوله: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾، وسمي يوم القيامة ذكرناه سابقًا، ونسيت أن أذكره في مجالسنا الأخيرة، فقد سمي يوم القيامة لوجوه ثلاثة:
* أولًا: أن الناس يقومون فيه من قبورهم لرب العالمين.
* وثانيًا: أنه يقوم فيه الأشهاد كما قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١].
* وثالثًا: أنه يقام فيه العدل ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء ٤٧].
* طالب: الأشهاد يا شيخ (...).
* الشيخ: الأشهاد الذين يشهدون على الرسل بأنهم بلغوا، وعلى الأمم بأنهم بُلّغت، وكذلك الجوارح تشهد على الإنسان بما عمل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات النار؛ لقوله: ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾، وهل هي موجودة الآن ولَّا لا؟
* طالب: موجودة.
* الشيخ: موجودة، بدليل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١] فهي موجودة الآن.
* ومن فوائد الآية: أن هؤلاء المشركين لا يجدون من يمنعهم من عذاب الله؛ لقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ فلا أحد يمنعهم من عذاب الله تعالى يوم القيامة.
هل يؤخذ من الآية أن المتقين في يوم القيامة تبقى مودتهم ولّا ما يؤخذ؟ ربما يؤخذ بما يسمى قياس العكس الذي أثبته النبي ﷺ؛ لأن القياس قياسان: قياس مماثلة وموافقة وقياس عكس؛ قياس العكس أثبته الرسول ﷺ في قوله لما قال: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» يعنى الإنسان إذا جامع زوجته فهو صدقة، «قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ» الجواب: نعم يكون عليه وزر «فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»[[أخرجه مسلم (١٠٠٦ / ٥٣) من حديث أبي ذر.]]. هذا يسمى قياس العكس، ممكن أن نقول: إذا كان هؤلاء المشركون يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة ويلعن بعضهم بعضًا فالمتقون الموحدون المخلصون على عكس ذلك، وأنا أريد هل تؤخذ من هذه الآية لست أريد إثبات الحكم نفسه، فإن الحكم ثابت في آية أخرى، وهي قوله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف ٦٧].
ثم قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ طيب فيها مناقشة، ما ناقشناكم بالحقيقة، أخذنا الفوائد ونسينا نناقش، قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾: (يوم) هذه ظرف، وما هو العامل فيها؟
* طالب: العامل فيها الفعل (يكفر).
* الشيخ: (يكفر)، والثاني؟ ما هو بتنازعها عاملان؟
* طالب: يكفر ويلعن.
* الشيخ: يكفر ويلعن، نعم.
وقوله: ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ إعرابها مأوى؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إعرابها ما أبغي (...) ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾.
* الطالب: (...).
طالب: لا يجوز أن تكون خبرًا.
* الشيخ: لماذا؟
* طالب: لأنه لا بد لها من مسوغ؛ في كونها خبرًا.
* الشيخ: هو العادة أنه يخبر..
* الطالب: تقديم الخبر هنا لا مسوغ له.
* الشيخ: لا، المسوغ أنه يكون الحصر.
* طالب: الحصر لو كان جَارًّا ومجرُورًا، أو ظرفًا.
* الشيخ: لا مطلقًا، لا، تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر هذه قاعدة عندهم.
* طالب: يا شيخ، هل من دواعي تقديم الخبر هذه المسألة؟
* الشيخ: عامَّة، عند البلاغيين عامَّة، تقْدِيم ما حقه التأخير.
* طالب:
؎وَنَحْوُ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِي وَطَـــرْ ∗∗∗ مُلتـــــــــــزَمٌ فِيـــــــهِ تَقَـــــــــدُّمُالخَبَـــــــــــرْ
* الشيخ: وجوب التقديم غير مسألة جواز التقديم؛ يعني هنا نقول: (النارُ مأواكم) يصلح في غير القرآن، إنَّما قُلْنَا: بِجَوَاز أن يكون مأَوْاكم خبرًا مُقَدَّمًا؛ لأنّ الأصل أن يخبَر عن الأعيان، لا بالأعيان، تقول: زيد قائم. فتخبِر عن زيد بأنَّه قائم، فهنا نُخْبِر عن النار بأنَّها مأوى، هذا الأصل.
الأصل أنَّه يُخْبَر عن الأعيان، لا بالأعيان، والنار عيْن فيجُوز فيها الوجهان لا شكّ، وغدا هذا يكون حلًّا وَسَطًا.
لا نقول: إنه لا يجوز أن تكون ﴿مَأْوَاكُمُ﴾ مبتدأ، ولا نقول: إنه لا يجوز أن تكون خبرًا.
* طالب: ليست ظرفًا (...).
* الشيخ: ما هو بلازم، أصل تقديم الخبر وإن لم يكن ظرفًا جائز، تقول: قائمٌ زيد، ما فيه مانع.
* طالب: الإخبار عن الأعيان بالظَّرْف مثلًا هل هو ممنوع؟
* الشيخ: لا، لا، هذه مسألة ثانية، إنَّما التقديم والتأخير، سواء هذا ولَّا هذا، تقول: قائمٌ زيدٌ (قائم) خبر مقدم، و(زيد) مبتدأ مُؤخَر، ما فِيه مانع.
قوله: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت ٢٦]، ويش تقول، لِمَاذَا عُدّي بـ(اللام) هنا؟ وهل يُعَدَّى بغير (اللام)؟ من يعرف؟
* طالب: نعم، عدى بـ(الفاء)، (اللام) طبعًا من التصديق والاستسلام.
* الشيخ: والاتِّبَاع.
* الطالب: و(الباء) للتصديق.
* الشيخ: والطُّمَأْنِينَة بالشيء، وهل يمكن أن نقول: إنَّ الحرفين يتناوبان؟
* طالب: لا يمكن.
* الشيخ: ليش؟
* طالب: لا بد أن تقول: آمنت بالله (...).
* الشيخ: ما تقول آمنت لله، طيب في غيرِ الله هل يجوز: آمنْتُ به ولَه.
* طالب: يجوز.
* الشيخ: ويش الدليل؟
* طالب: الدليل قوله تعالى في قصة فِرْعون (...): ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [الأعراف ١٢٣]، هذه فِي سورة الأعراف، وفي سُورة الشعراء: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ [الشعراء ٤٩].
* الشيخ: آمنتم له، وآمنتم به، لكن لَمَّا كان الإيمان بالله ما هو مُجَرَّد اتباع لا بد يكون رضا وطمأنينة، ما صَحَّ أن نقول: آمنت لله، طيب ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة ٦١]، جمَعَ بينهم ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، لوط ما منزِلَتُه مِن إبراهيم؟ منزلة لوط من إبراهيم؟
* طالب: يقول المؤلف: إنَّه (ابن أخيه).
* الشيخ: أنَّه ابن أخيه، عزَوْتَه للمؤلف؛ لأنك غير مقتنع به؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: وأيش تراه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، المعروف أنَّه ابن أخيه، هذا المعروف، وبناءً على هذا المعروف يُشْكِل قوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ [العنكبوت ٢٧] فإن لوطًا نبِي، والجواب؟
* طالب: يقال: إن كون النبوة في ذريته من بعده..
* الشيخ: من بعد أيش؟
* الطالب: من بعد موت إبراهيم.
* الشيخ: أو من بعد مُهَاجَرِه.
* طالب: أو من بعد مُهَاجَره.
* الشيخ: من بعد مُهَاجَره؛ لأن لوطا آمَن قبل أن يُهاجر إبراهِيم، فيصير ﴿جَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ بعد أن هاجر.
وهذا أقرب من قولِ بعضهم: إن هذا مسْتَثْنى، فيصير ﴿جَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ ما عدا لوطًا؛ فإنَّه ليس من ذريته.
* طالب: آية الأنعام، جعل لوطًا من ظاهر السياق يحتمل أنه من نوح، أو من إبراهيم، قال به بعض المفسرين، ما يشمل هذا؟
* الشيخ: على ما قال المؤرخون: إنه ابن أخيه؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: والله هنا حل الإشكال، لكن نحن نقول بناءً على هذا القول، أمَّا إذا ثبت أنه مِن ذرية إبراهيم فلا إشْكَال، ولكنه ليس مِن ذريته؛ لأن إبراهيم معروف أنَّه ما له إلا إسماعيل وإسحاق، هذا معروف.
* طالب: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا﴾ [الأنعام ٨٤].
* الشيخ: يعقوب هذا ابن ابنه.
* طالب: معروف، ﴿كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ﴾ إلى آخر الآية [الأنعام: ٨٤].
* الشيخ: ﴿دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام ٨٤ - ٨٦]، هذه الآية ظاهرها -مثلما قال إبراهيم- أنَّه مِن ذرية إبراهيم، لكن المعروف ما دام أنه موجود في عهده أن إبراهيم ما له إلا إسماعيل وإسحاق، هذا المعروف، إسماعيل هو الأوَّل، وإسحاق هو الثاني فيكون على هذا قوله: لوط مِن ذرية نوح، وليس مِن ذرية إبراهيم.
* طالب: ما قال المؤرخ من بعد إبراهيم.
* الشيخ: لا، الذرية معروفة أنها النسل.
* طالب: (...) بس أقول الإشكال هذا ما يقال: إن ذرية إبراهيم (...).
* الشيخ: في الآية اللي معنا هو هذا، لكنَّنا نقول: إن لوطًا ليس مِن ذريته، إذا كان ليس من ذريته فيكون ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ لكن لوط كان قبل أن يُهَاجِر، وقبل أن تكون النبوة في ذريته.
* مِن فوائد الآية: -نبدأ الآن ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ - من فوائد الآية أنَّ لوطًا عليه الصلاة والسلام كان مِن أتباع إبراهيم مع أنه نبِيّ؛ لقوله: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ مع أنه نبي.
* ومِن فوائدها: فضيلَة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمهاجَرة؛ فإنَّ الهجرة مِن أفضَل الأعمَال؛ لأنَّ الإنسان يَدَعُ فيها المألُوف مِن الأهل، والوطن بل مِن الوطن لِيُقِيم دين الله.
* ومِن فوائدها: الإشَارة إلى الإخلاص؛ في قوله: ﴿مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾.
* ومِن فوائدها: إثباتُ اسمين من أسماء الله: وهما العزيز، والحكيم، وإثباتُ ما تضَمَّنَاه مِن الصِّفَة؛ لأنَّ كلّ اسم مِن أسماء الله فهو متضَمِّن لِصَفَة، وليس كلُّ صِفَة متضمنة لاسم؛ يعني: كل اسم هو متضمن لصفة، ولا عكس.
بمعنى: أنَّه لا يُشْتَقُّ مِن الصفات أسماءٌ لله، لكن أسماء الله كلّها متضمنة للصفات، فمثلًا مِن صفات الله سبحانه وتعالى المكْر بمن يستَحِقُّ المكْر، فلا نسمِّيه بالماكر.
ومنها من أسمائه أنه ﴿عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [آل عمران ٤]، ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ هذا صفة فلا نسميه المنتقم كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان ظاهِر كلام ابن القيم في البدائع إثباتُ اسم المنتقم، وقال: إنه من الأسماء المزدوجة؛ التي ما تُذكر مفردة، ما يُقال: المنتقم فقط، بل يقال: العفو المنتقم.
إذن إثبات ما تضمنه اسم العزيز مِن الصفة ما هي؟
العِزَّة؛ وهي كما قال أهل العلم: ثلاثة أقسام.
والحكيم ما هي الصفة التي تضمنها؟
الحِكْمَة، والحُكْم، وقد سبق شرحه.
* طالب: (...) اسم الجبار.
* الشيخ: الجبار في القرآن.
* طالب: بس (...) المنتقم الجبار.
* الشيخ: لا المنتقم العفو، نعم، مع أنه ما فيه اسم المنتقم أبدًا، ما صح.
* طالب: نقول: رد على الجبرية، ﴿آمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ نسب الإيمان إلى لوط.
* الشيخ: إي نعم، أنت ما شاء الله ترد على الجبرية والقدرية.
* فيه أيضًا: الرد على القول بالجبر؛ لقوله: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾، وفي قوله: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾ أيضًا، فإنَّ الهجرة مِن الأفعال، وهو نسبَها إلى نفسِه، والحمد لله الردّ على الجبرية واضِح، المشكلة عندنا الآن في مسألة القدرية هي التي عند كثِير مِن أهلِ الجهل، قد يمِيلُون إلى مذهب القدرية؛ لأنَّهم يرون أنَّ الإنسان مستقل بعمل، بحرية فربما ينكِرون القدر، الجبرية ما يحتاج إلى الانتماء إلى مذهبهم أو الاحتجاج به إلَّا أهل المعاصي والكَسَل، يحتَجُّون بمذهب الجبرية ، أهل المعاصي أكثرهم، لكن أهل الصَّنَائع والحِرَف وما أشبه ذلك هم إلى القدرية أمْيَل.
لكن أهل الحق الذين يأخذون بكل دليل لا يوافقون هؤلاء، ولا هؤلاء.
* طالب: (...) القدرية عند الطاعات (...).
* الشيخ: نعم، إي نعم.
* ومِن فوائدها: إثباتُ الحكْمَةِ، حكمة الله عز وجل، إثبات حكمة الله؛ مأخُوذة مِن ﴿الْحَكِيمُ﴾.
والإيمان بالحكمة يستلْزِم التسليم التام للقَضَاء والقدَر، ولِلشرع أيضًا.
إذا آمنت بحكمة الله لزم من هذا الاستسلام التام للقضاء والقدر، أيش بعد؟ وللشرع؛ لأنَّك إذا عَلِمت أن ما هنا شيء يفعله الله عز وجل أو يشرعه الله إلا لِحكمة؛ فإنَّك لا شك ترضَى بهذا وتقْتَنِع.
ولهذا أحيانًا يقول لك القائل: ما الحكمة من وجوب كذا، ما الحكمة مِن تحريم كذا؟ ويش نقول؟
نقول: الحكمة؛ لأنَّه شَرْعُ الله، ولهذا عائشة «لما قيل لها: ما بال الحائض تقضِي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟» ويش اللي استدَلَّت به؟ قالت: «كان يصِيبنا ذلك، فنُؤْمَر بقضاء الصوم، ولا نؤمَر بقضاء الصلاة»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢١)، ومسلم (٣٣٥ / ٦٩) واللفظ له من حديث عائشة.]]، فهذه مِن الحكمة.
* طالب: بالنسبة للأنبياء، هل يجوز عليهم قبل النبوة ما يخالف الإيمان؛ قوله تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ دل على..
* الشيخ: إي، لا ما يدل على..؛ لأن بعض المفسرين قال: آمن له مع إيمانِه مِن قبل، و(اللام) هذه تدل على الاتباع.
والأنبياء قبل النُبُوَّة معصُومون مما يخلُّ بالشرف والمروءة، كالزنا واللواط والسرقة، وما أشبه ذلك.
وأمَّا عن الشرك فلا أعلم أنَّهم وقَعُوا فيه أبدًا، وإن كانوا يعيشون في بيئَةٍ مشركة، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما عبدَ الأصنام أبدًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: وأيش أول الآية؟
* طالب: أول الآية أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾.
* الشيخ: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ [الأعراف ٨٨، ٨٩]، ما أدري ما نقدر نجزم بهذا، تحتاج إلى مراجعة إن شاء الله.
* * *
نبدَأ الدرس الجديد الآن ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [العنكبوت ٢٧].
* يُستفَاد مِن الآية هذه: أن الذرية التي يمُنُّ الله بها على العبد أنَّها مِن مِنَحِ الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾.
* ومِن فوائدها: أنَّ ابنَ الابنِ ابنٌ؛ لأنَّ يعقوب ابن ابن إبراهيم وجعلَه الله تعالى موهوبًا لإبراهيم، ويدل لذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحسن بن علي بن أبي طالب: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ»[[أخرجه البخاري (٢٧٠٤) من حديث أبي بكرة. ]]، والعلَماء أجمَعوا في باب الميراث: أنَّ ابْن الابن بمنزلَة الابن عند فقْدِه.
هل يؤخذ من ذلك: أنَّ أبَ الأبِ أبٌ؟
لأن هذا هو قياس الطرد.
وقلنا: إذا كان ابنُ الابن ابنًا لزِمَ أن يكون أبُ الأبِ أبًا.
ولهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال في زيد بن ثابت، ماذا قال له؟ «أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ يجعل ابنَ الابن ابنًا، ولا يجعل أبَ الأبِ أبًا»[[ما رواه الأكابر عن الأصاغر لأبي بكر الباغندي (١٤) من حديث ابن عباس. ]]، وهذا هو الصحيح، أنَّه إذا كان ابنُ الابن ابنًا فإنَّ أب الأب أب هذا هو الصحيح، فيكون -على هذا- فيه دليل على سقوط الإخوة بالجد في باب الميراث.
* ومِن فوائد الآية، بل مُنَاقشة فيها، لِمَاذا ذكر الله تعالى أن يعقُوب موهوبٌ لإبراهيم؟
قال المفسرون: لأنه ولد في حياتِه، وأقرَّ الله عينه به وهو حيّ؛ كما قال الله تعالى عن امرأته: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود ٧١]، وهبنا له إسحاق ويعقوب.
* ومن فوائد الآية: فضيلة إبراهيم، وبركته؛ مِن قوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت ٢٧]، وهذا هو النسل المبارك أن يكون في ذُرِّية الإنسان مَن يعطِيه الله سبحانه وتعالى النبوة والكتاب.
النبوة بعد محمد ﷺ متعذِّرَة مستحِيلة لكن الكتاب ممكِن، اللي هو العِلْم، نعم العلم ربما يجعَل الله سبحانه وتعالى في ذرية الإنسان بركَة في العلْم ونشرِه، ومن ذلك قصة عبد الله بن أبي طلحة حيث «دعَا النبي عليه الصلاة والسلام أن يُبَارِك الله لأبي طلحة في ليلته مع أهله»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٠١)، ومسلم (٢١٤٤ / ١٠٧) من حديث أنس.]]، يقولون: إنه صار لعبد الله هذا عشرة مِن الأولاد كلهم يحفظُون القرآن.
وحفظ القرآن عند السلف ما هو بالأمر الهين، ليس كما هو عندنا الآن، الإنسان يحفظ القرآن، ولكنه لا يظهر عليه أثرُه، عند السلف إذا حفظ الإنسان القرآن ظهَر عليه أثرُه بالسَّمْت، والآداب، والأخلاق، والأعمال الصالحة.
* ومِن فوائد هذه الآية..
* طالب: (...) الأربعة.
* الشيخ: لا، لا، عامّ، هذا اللي إحنا فهمنا، أقول هذه الكتب المفهومة قد يكون هناك كتب على رسل ما بُيِّنَت لنا.
* من فوائد الآية: إثبات الجزاء؛ لقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾، وأنَّه قد يُعَجَّل للإنسان، إثبات الجزاء هذه واحدة، والثانية هو أنَّه قد يعجَّل للإنسان، تعجيل الجزاء للإنسان في الحقيقة لا يُعَدّ حرمانًا له مِن أجرِ الآخرة؛ ولهذا قال: ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وتعجِيل الثواب للإنسان في الدنيا مِن نعمَة الله على العبد؛ لأنَّ الإنسان يرَى أثرَ عمله، فينشَط على العمل، فيُعْتَبَر هذا مِن نعمة الله على العبد أن يُرِيَه أثرَ عمله سواءٌ كانت هذه الإراءة في أشياء خارجِيَّة، أو في أشياء في نفْس الإنسان، وفي باطنِه، مِن ذلك مثلًا، مِن ثواب الأعمال الصالحة؛ أن يجِد الإنسان في قلبِه السرور، والنور، والارتياح إلى العمل الصالح هذه لا شك أنَّها مِن الثواب العاجل.
ومنها من الأشياء الخارجية: أن تُرَى له مَرَائِي سارة؛ كما أخبر النبي ﷺ بأنَّ «ذَلِكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»[[أحرجه مسلم (٢٦٤٢ / ١٦٦) من حديث أبي ذر.]] «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»[[أخرجه الترمذي (٢٢٧٣) من حديث أبي الدرداء. ]]، قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنها من عاجل بشرى المؤمن ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس ٦٤].
إذن * يستفاد مِن هذه الآية: تعجيل الثواب في الدنيا.
* وينبني على هذه الفائدة فائدة أخرى: أنَّ تعجِيل الثواب في الدنيا مِن نعمة الله على العبد؛ لما فيه مِن تنشيط الإنسان على العمل، واستمراره فيه.
* ومِن فوائد الآية: أنَّ وصْفَ الصلاح، وهو أعمُّ مِن وصف النبوة يجُوز أن يُوصَفَ به النبي؛ يعني: أنَّه يجوز الوصف بالمعنى الأعم دون الأخَصّ؛ لقوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، والأنبياء في ليلة المعراج يقولون للرسول ﷺ: «مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٧)، ومسلم (١٦٤ / ٢٦٤) من حديث مالك بن صعصعة.]].
* ومِن فوائِد الآية الكريمة: الثناء على إبراهيم، مؤُكدًا بـ(إنَّ)، و(اللام)؛ ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
* طالب: (...) أن الأولاد الأصل نعمة على العبد (...).
* الشيخ: مِن أين تؤخذ؟ مِن قولِه: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ إحنا ذكرْنا أنَّها مِنْحَة، وعَطِيَّة مِن الله لكن في الحقيقة هذه المنحة قد تكون مِحنَة، إذا أضاعَ الإنسان حقَّ اللهِ فيهم فإنَّهم يكونون محنةً عليه، إنَّما إذا قام الإنسان بما يجب لله في أولاده فهم مِنْحَة بلا ريب.
* طالب: حتى لو ما اهتدوا؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأنَّه يُؤْجَر على تربيتِهم، وتوجِيههم، ثم إن صلحوا، والغالب -والله أعلم- أنَّهم يصلَحون، ولو في المستقبل.
* طالب: في حديث أن امرأة كانت تكشّف، وقالت للرسول ﷺ: ادع الله لي..
* الشيخ: إي نعم، التي كانت تُصْرع، فقال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ، وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِن شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٥٢)، ومسلم (٢٥٧٦ / ٥٤)، وأحمد (٣٢٤٠) واللفظ له من حديث ابن عباس.]] ما فيه إشكال.
* الطالب: لأنها يعني..
* الشيخ: الرسول عليه الصلاة والسلام فَهِم من هذه المرأة أنَّ عندها نوعًا من الجزع؛ فلهذا وطَّنَها على أن تصبر، والصبْر درجة عالِية ما تُنَال بمجرَّد أني صبَرْت، فهذا هو السبب أنَّ الرسول قال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ، وَلَكِ الْجَنَّةُ».
{"ayahs_start":21,"ayahs":["یُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُ وَیَرۡحَمُ مَن یَشَاۤءُۖ وَإِلَیۡهِ تُقۡلَبُونَ","وَمَاۤ أَنتُم بِمُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرࣲ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَلِقَاۤىِٕهِۦۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَىِٕسُوا۟ مِن رَّحۡمَتِی وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ ٱقۡتُلُوهُ أَوۡ حَرِّقُوهُ فَأَنجَىٰهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ","وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَـٰنࣰا مَّوَدَّةَ بَیۡنِكُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ ثُمَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضࣲ وَیَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضࣰا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِینَ","۞ فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطࣱۘ وَقَالَ إِنِّی مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّیۤۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَجَعَلۡنَا فِی ذُرِّیَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَـٰبَ وَءَاتَیۡنَـٰهُ أَجۡرَهُۥ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"],"ayah":"وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَـٰنࣰا مَّوَدَّةَ بَیۡنِكُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ ثُمَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضࣲ وَیَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضࣰا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق