الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ [العنكبوت ١٩] بالياء والتاء: ينظُرُوا، بالياء والتاء يعني: ﴿يَرَوْا﴾، والثانية ﴿تَرَوْا﴾ فهما قراءتان سَبْعِيَّتان، الرؤية هنا فسَّرها المؤلف بمعنى النظر فهي رؤية عين ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾، ويحتمل أن تكون رؤيةً قلبية أي: علمِيَّة بمعنى: أولم يعلموا، وننظر أيهما أولى مِن سياق الآية ﴿كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ ﴿يُبْدِئُ﴾ يقول: (هو بضَمِّ أوله وقُرِئَ بفتحِه؛ مِن (بَدَأَ) و(أبدأ) بمعنًى أي يخلُقُهم ابتداءً). عندنا ﴿يُبْدِئُ﴾ الآن فيها قراءَة سبعية وقراءة شاذة، القراءة السبعية ﴿يُبْدِئُ﴾ منين؟ الماضِي مِن ﴿يُبْدِئُ﴾ أَبْدَأ رُباعِي. القراءة الشاذة يقول: بفتحِ أوَّله ﴿يَبْدَأُ﴾ منين؟ مِن (بَدَأَ)، كيف عرفنا أن هذه القراءة الشاذة؟ لأن اصطلاح المؤلف رحمه الله أنه إذا قال: قُرِئَ فهي شاذة، المؤلف يقول: (مِن (بدأ) و(أبدأ) هذا اللَّفّ والنَّشْر مُرَتب أو مُشَوَّش؟ مُشَوَّش يعني: لَه شُوشَة؟! أو مُشَوَّش يعني غير مُرَتب، شوف الآن (مِن بَدَأَ) هذا على أيِّ القراءَتِين؟ الشاذَّة هذه ﴿يَبْدَأُ﴾ ، و(أبدأ) على القراءة السبعية التي هي ﴿يُبْدِئُ﴾، والحقِيقَة أنَّ المؤلف لَيْتَه ما فعل هذا؛ لأنَّه قد لا يَفْهم الإنسان أن هذا مِن باب اللف والنشر المشوش ولا داعيَ إليه، لو قال المؤلف: مِن (أبدأ) و(بدأ) لكان أوضح للإنسان الطالب. وقوله: (بمعنًى) أيش معناه؟ يعني بمعنىً واحد يعني (بَدَأ) و(أبدأ) معناهما واحد؛ أي: يخلقُهم ابتداءً؛ يعني كيف يخلقهم سبحانه وتعالى ابتداءً. وقولُه: ﴿كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ﴾ ﴿الْخَلْقَ﴾ هنا مصدر بمعنى اسم المفعول؛ أي: المخلُوق كيف يبدِئه ثم يُعِيدُه، والمصدَر يأتي بمعنى اسم المفعول كثيرًا في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ﴾ [الطلاق ٦] الحَمْل اللي في البطن بمعنى محْمُول، وقوله ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له من حديث عائشة.]] بمعنى: مَرْدُود. هنا (خَلْق) بمعنى مخلوق، ومثلُها قوله تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان ١١] أي: مخلُوقُه. قوله: (﴿كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ﴾ هو ﴿يُعِيدُهُ﴾ أي: الخلق كما بدأهم) شوف المؤلف يقول: (أي: الخلق كما بدأهم) إشارة إلى أنَّ الخلق بمعنى المخلوق اللي يعم كل الناس. وقوله: (﴿ثُمَّ﴾ هو ﴿يُعِيدُهُ﴾ ) قدَّر هو لِتكونَ الجملةُ استئنافِيَّةً، لماذا؟ لأنَّ إعادَةَ الخلق لا يمكن أن ينظُرُوا إليها متى تكون إعادة الخلق؟ يوم القيامة في المستقبل، لكن ابتداء الخلق يمكن ينظرون إليه هذا، مثلًا ننظر إلى مخلوقات الله عز وجل كيف تتوالد وكيف تتنامى وكيف تكبُر إلى آخرِه، نعرِفُه، لكن إعادةُ الخلق ما يمكن؛ فلهذا قدَّرَ المؤلف رحمه الله قولَه: (﴿ثُمَّ﴾ هو ﴿يُعِيدُهُ﴾ ) لِئَلَّا يتوهَّمَ إنسانٌ أنَّها معطوفة على ﴿يُبْدِئُ﴾ فلا يصِحُّ عطفُها على ﴿يُبْدِئُ﴾؛ لأنه لو كانت معطوفة عليها لكان المعنى كيف يبْدئ الخلق ثم كيف يعيده، وهنا النظر لِكيفية الإعادة متعذرة. قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾، أنا ذكرْت لكم أنها يحتَمل أن تكون علمية والمؤلف مشى على أنها عَيْنِيَّة بالبصر، أيُّهما أشمل؟ * طلبة: علمية. * طلبة آخرون: قلبية. * الشيخ: أيهما أشمل؟ الظاهِر أنَّ القلبية أشمَل؛ لأنها تَشْمَل ما رآه الإنسان بعينِه وما عَلِمَ به مِن غيره، أليس كذلك؟ فهي إذن أشمل. واعلم أنَّ الآية إذا احتملَتْ معنيين أحدُهما أشمل فالأولى حملُها على الأشمل؛ لأنَّ الأخصّ داخل فيه، بخلاف ما إذا حُمِلَتْ على الأخص فمعناها أنَّنا أخرجْنا بعضَ دلالتها، فعليه نقول: إنَّ الأولى أن نحملَها على الرؤية العلمية التي تحصُل بالبصَر وبالسمع أيضًا كما قال الله تعالى: ﴿جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [النحل ٧٨] ﴿السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ طريق العلم، ﴿وَالْأَفْئِدَةَ﴾ محَلّ الوعي. وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ يقول المؤلف: (﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المذكُورَ مِن الخلق الأول والثاني ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ ) أي: سهل، ابتداء الخلق سهْل على الله، واقْرَأ قولَ الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩] أمر سَهْل على الله. إعادَة الخَلْق أيضًا سَهْلَة؛ لقولِه: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [النازعات ١٣] زجرَة واحدة فقط ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٤]، وأعمّ مِن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر ٥٠] بدُون تأخُّر، واحِدَة، يأمُرُ الله الشيء فيكون مثل لَمْح البصر وهذا دليل على كمال قدرته جل وعلا. وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ في آيةٍ ثانية ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧] فإنَّنا نقول لهؤلاء المنكرين للبعث: هل تُقِرُّون بأنَّ الله خلقكم ابتداءً؟ ماذا يقولون؟ هم يَقُولُون: نعم -الكلام على المنكرين المقِرِّين بابتداء الخلق- ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧]، مُقِرِّين بهذا الشيء، نقول لهم: أيُّما أهون الابتداء أو الإعادة؟ الجواب: الإعادة أهون، فكيف تقرون بالأصعب ثم تُنْكِرُون الأهْوَن، وأقول: بالأصعب، لا باعتبار ذلك منسوبًا إلى الله عز وجل لا باعتبار كونه منسوبًا إلى الله، ولكن لأنَّ الكُلّ يسير عليه، لكن نقول لهؤلاء: ما دام الابتداء أشَدّ وأشَقّ فالإعادة مِن باب أولى أن تقِرُّوا بها. لكن هم يقِرّون بالابتداء لأنهم ما يستطيعون إنكاره، ما يستطيعون يقولون: ما خلقنا الله، نحن الذين خلقْنا أنفسنا، الزوج هو الذي خلَقَ الولد في رحم الأم؛ هذا ما يمكن يقولونه، فلِهَذا احتَجَّ الله عليهم بالابتداء لِيقرُّوا بالإعادة، وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ فكيف ينكرون الثاني؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب