الباحث القرآني

(﴿فَأَنجَيْنَاهُ﴾ [العنكبوت ١٥] أي: نوحًا) مِن هذا الطوفانِ العظيمِ ﴿وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾ ﴿وَأَصْحَابَ﴾ (أصحاب) ويش المعطوف عليه؟ على الهاء في قوله: ﴿أَنجَيْنَاهُ﴾؛ يعني وأنجينا أيضًا أصحاب السفينة؛ يعني أهلَها؛ أي: (الذين كانوا معه فيها)، وهُم المؤمنون، أهْل نوحٍ كُلّهم إلا ابنَه الكافر. والمؤمنون مِن قومه وكذلك أيضًا الحيوانات ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود ٤٠] كُلّ اللي على وجه الأرض يعيش مِن الحيوانات حُمِل في هذه السفينة، لأن (...) كُلّ شيءٍ على الأرض، هؤلاء أصحاب السفينة نجَوْا. ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ جعلْنَاها عِبرةً للعالَمين. ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ الضمير في ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أي: القِصَّة، أو ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أي: السفينة. * طالب: (...). * الشيخ: إذ هو يؤيِّد أنَّها السفينة؛ أنها لأقْربِ مذكورٍ، ويؤيِّد العموم أنَّ العِبرة ليستْ في السفينة فقط بلْ في السفينة وفي القصة؛ حيث إنَّه بقي هذه المدَّةَ الطويلةَ ولم يؤمن معه إلا قليلٌ، وحَصَل هذا الغَرَق العظيم الذي لا نَظِيرَ له فيما نعلم، فهي آيةٌ للعالَمين. وأمَّا أنَّها السفينةُ فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس ٤٢] ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ﴾ أي: مِن مِثْل الفُلْك المشحون الذي نجا به نوحٌ ﴿مَا يَرْكَبُونَ﴾، فصارَ أوَّل من صنع السُّفُن نوح ثمَّ أخذها الناسُ منه، وتأمل الحكمة في قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر ١٣] ولا قال: حملْناه على السفينة، ليش؟ تنبيهًا على الموادِّ التي يُسمُّونها الموادَّ الخام في صُنْع السفينة. ويش هي؟ الألواح والدُّسُر؛ يعني المسامير، يعني معناه أنها تُصنَع من الألواح والمسامير علشان يعرف الناس ذلك، وهذا هو الواقع، كُلُّ الناس عرفوا بها، وتطورت الصنعة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن. وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ بعض العلماء يقول: ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أي السفينةَ عينًا، وأنَّ هذه السفينة بقِيَتْ في الأُمَم حتى أدرَكَتْها آخرُ الأُمَم وهُم أوَّل هذه الأُمة، فيُقَال: إنَّ أجزاء هذه السفينة بقِيتْ موجودةً إلى أن أدرَكها أوَّلُ هذه الأُمَّة على الْجُودِيِّ الذي استَوَتْ عليه. وهذا فيه نظر. والقول الثاني أنَّ الهاء في قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ يعود على السفينة باعتبار الجنس لا باعتبار الشَّخْص؛ فالضَّمِير يعود إليها باعتبار جنسها كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا﴾ ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أي: الشُّهُب التي تَخرُج من هذه المصابيح ﴿رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك ٥]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ [المؤمنون ١٢، ١٣] ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ هذا الضمير يعود على الإنسان باعتبار جنسه أو باعتبار شخصه؟ * طالب: باعتبار جنسه؛ لأن الأول آدم .. * الشيخ: لا تُعَلِّل (...)، مَن يوافق أو يخالف؟ * طالب: باعتبار الجنس. * الشيخ: باعتبار الجنس، إي نعم، ما يصِحُّ أن يكون باعتبار الشخص؛ لأنه ما هو بـ(آدم)، هو اللِّي نُطْفة في الأرحام، هل آدم الذي خُلِق من سلالةٍ من طينٍ يكون في الأرحام نطفةً في قرارٍ مَكينٍ؟ لا، ولكن ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ﴾ أي الإنسانَ باعتبار جنسه، فالضمير يعود إلى الإنسان باعتبار الجنس لا باعتبار الشخص، فعلى هذا يكون قوله تعالى هنا: ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ أي: السفينةَ باعتبار جنسها ولَّا باعتبار شخصها؟ يعني: نفس السفينة ولَّا جنس السفينة؟ فيه قولان للعلماء؛ أنا قلتُ لكم: بعض العلماء يقول: إنها بقيتْ هذه السفينة؛ شَخصُها بقي حتى أدركَتْه آخِرُ الأُمَم هذه الأُمَّة، وعلى هذا يكون ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أي: السفينةَ عينَها. وبعضهم يقول: لا، سفينةُ نوحٍ لها قرون عظيمة، تكسَّرتْ وأتلفتْها الرياحُ والشمسُ والناسُ، راحتْ، لكنْ ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ أي: السفينةَ باعتبار الجنس. * طالب: (...). * الشيخ: (...)، نحن نتكلم عن السفينة، هي التي نتكلم عليها، إي نعم. * طالب: نقول يمكن (...). * الشيخ: على كل حالٍ المسألةُ فيها قولان لأهل العلم: إما باعتبار الشخص، وإما باعتبار الجنس. ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ المراد بـ(العالَمين) هنا مَنْ بَعْدهم مِن الناس كما قال المؤلِّف: (لِمَنْ بَعْدهم مِن الناس إن عَصَوْا رُسُلهم). وهذا مِن المؤلِّف؛ كأنه يقول: إنَّ الضمير في ﴿جَعَلْنَاهَا﴾ يعود على القِصَّة كلِّها وأنَّها عِبرة للعالَمين، إنْ عَصَوْا رُسُلَهم فسيَحِلُّ بهم من العقوبة ما حَلَّ بقوم نوحٍ. ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (لِمَنْ بَعْدهم من الناس إنْ عَصَوْا رُسُلهم. وعاش نوحٌ بَعْد الطوفانِ ستين سنة). يصير أربعون سنةً قبْل البعثة وستون سنةً بعد الطوفانِ مئةَ سنةٍ، وتسع مئةٍ وخمسون: ألف وخمسون سنة، لكنْ عاد المؤلِّف قال: (ستين سنةً أو أكْثَر حتى كَثُر الناس). يعني أنَّه ما جَزَم بأنَّه ما بقي إلا ستين سنةً بعد الطوفانِ. ونحن نقول: ليس لنا فائدة من معرفة كَمْ لَبِثَ قبْل الرسالة ولا مِن معرفة كَمْ لَبِثَ بعد الطوفانِ؛ لأنَّ المهم ما هي؟ المهم هو القصة. إن هذا أوَّل الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومع ذلك وجد من قومه من المعارضات والاستكبار ورَدِّ دعْوته ما لم يجِدْه نبيٌّ مِثْله؛ لأننا ما نعلم أن نبيًّا بقي في قومه ألْف سنةٍ إلا خمسين عامًا إلَّا نوحًا، وأمَّا المثل العامِّي عند الناس يقول: (عسى عُمْرك عُمْر شعيب) هذا مشهورٌ عندنا، ما أدري، معروفٌ عندكم؟ إذا بغوا يَدْعون الناس بطول العُمْر قالوا: (عسى عُمْرك عُمْر شعيب) يظنُّون أن عُمْر شُعَيب أطول الأعمار، ولكن هذا غير صحيحٍ، الآن اللِّي بَلَغَنَا مِن كتاب الله سبحانه وتعالى أنَّ أطولَ الناسِ عُمْرًا نوح، هذا الذي بَلَغَنا، فهُمْ لو قالوا: عسى عُمرك عُمر نوح، كان معقول، لكن (عسى عُمرك عمُر شعيب) (...) . * طالب: (...). * الشيخ: ما أدري هم يظنون هذا الظن أو أنه شعيب أخو مدين. * طالب: (...). * الشيخ: ما أدري، الله أعلم. في قصة نوحٍ يقول الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]، والله يقول: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ ما فيه تعدُّد، نوحٌ واحد، أيش لونه؟ * طالب: باعتبار الجنس؛ يعني: كذَّبوا الرسول فكذَّبوا الرُّسُل. * الشيخ: إي نعم، يعني أنَّ الذي يُكذِّب رسولًا من الرُّسُل مُكذِّبٌ للجميع؛ لأنه ويش الفرق بين نوح وهود وصالح؟! كلُّهم من بني آدم، كونك تكذِّب واحدًا قامتْ البيِّنة على أنه رسول كأنَّما كذَّبْتَ جميعَ الرسل، مثلما أنَّ مَن آمَنَ ببعض الرسالة وكَفَر ببعضٍ فقد كَفَر بالجميع؛ أحدٌ يقول: أنا أومِن بأنَّ الصلاة مفروضةٌ لكن ما أومِن بأنَّ الزكاة فرضٌ. نقول: الآن كذَّبْتَ بهذا وبهذا؛ لأن إيمانك بأنَّ الصلاة مفروضةٌ دون الزكاةِ عن هَوى ولَّا عن هُدى؟ عن هوى، لو كان عن هُدى لآمَنْتَ بهذا كما آمَنْتَ بهذا، فأنت إذَنْ لسْتَ بمؤمن لا بهذا ولا بهذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب