الباحث القرآني
(﴿وَابْتَغِ﴾ اطلب ﴿فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ﴾ من المال ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ [القصص ٧٧] بأن تنفقه في طاعة الله).
﴿وَابْتَغِ﴾ أي: اطلب ﴿فِيمَا﴾: في الذي ﴿آتَاكَ اللَّهُ﴾ يعني: أعطاك، منين؟
* طالب: من المال.
* الشيخ: من المال، من هذه الكنوز العظيمة التي مفاتحها تنوء بالعصبة، اطلب بها ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾، والمراد بـ: ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ الجنة هنا، نعم ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص ٨٣]، وكيف يطلب به ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾؟
قال المؤلف رحمه الله: (بأن تنفقه في طاعة الله)، وحينئذ يكون ذلك أيش؟ ذخرًا لك عند الله في الدار الآخرة، وإذا عود الإنسان نفسه على ذلك ورغبها عليها، على هذا الأمر، صار هذا الأمر سجية له يفرح به ويُسَر وتنعم به نفسه، ولذلك الكريم أحب شيء إليه هو العطاء، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن الإنفاق لله سبحانه وتعالى، الإنفاق لله في الله؛ يعني في حدود الشرع، يقول: إنه من أكبر أسباب انشراح الصدر، وهذا أمر معلوم، تجد أكثر الناس انشراحًا في الصدور هم الكرماء، وأنه إذا أعطى إنسانًا عطية يجد بذلك سرورًا وانشراحًا.
فهو لو أنه استعمل هذا وابتغى به ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ [القصص ٧٧]، فإن ذلك لا يضيع عليه عند الله، ثم مع ذلك يقول الناصحون له: (﴿وَلَا تَنْسَ﴾ [القصص ٧٧] تترك)؛ لأن النسيان يطلق على أمرين؛ أحدهما: الذهول عن الشيء المعلوم اللي كان (...) ثم ذهلت عنه، والثاني: الترك، فهنا ﴿وَلَا تَنْسَ﴾ أي: ولا تترك، ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة ٦٧]، أيش معنى نسوه؟ تركوه فلم يقوموا بحقه، ﴿فَنَسِيَهُمْ﴾: تركهم سبحانه وتعالى فلم يثبهم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ﴾ أي: تركوه، ﴿فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر ١٩] أي: جعلهم ينسونها ويغفلون عنها ويتركونها بدون رعاية لحقها.
وأما قوله تعالى: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة ٦]، المراد بالنسيان الذهول عن شيء معلوم، فالله تعالى أحصاه لكن هؤلاء نسوه.
فهنا إذن من هذين الشاهدين من القرآن الكريم يتبين لنا أن النسيان يطلق على معنيين؛ أحدهما: الترك، والثاني: الذهول عن شيء معلوم. أيهما الذي أصح أن يوصف الله به؟
* طالب: الترك.
* الشيخ: الترك، أما الذهول فقد نفاه الله عن نفسه، فقال تعالى: ﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه ٥٢]، هذا نسيان أيش، ذهول ولّا؟
* طالب: ذهول.
* الشيخ: ذهول وليس تركًا؛ لأن الله يترك من شاء من عباده ممن يستحقون الترك.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه ١١٥]، من أي النوعين؟
* طالب: الذهول.
* الشيخ: الذهول، أو الترك؟
* طالب: لا، الترك يا شيخ.
* الشيخ: يعني هل آدم ﷺ حين أكل من الشجرة كان ناسيًا؟
* الطالب: لو كان ناسيًا ما أُبعد عنها، ما آخذه الله عليها.
* الشيخ: إي، ما آخذه الله عليها، ما تقولون؟ هذه المسألة فيها قولان لأهل العلم؛ منهم من قال: إن قوله: ﴿فَنَسِيَ﴾ [طه ١١٥] أي: ترك عن عمد، فيكون مستحقًا للعقاب، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في المسألة، كونه يعاقب على أمر تركه من غير ذهول، تركه وهو عالم به، ويكون ملومًا ولّا لا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: يكون ملومًا، ولهذا قال: ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه ١١٥].
ومنهم من قال: إن المراد بالنسيان الذهول، وهؤلاء قصدوا بذلك تجنب وصف آدم بتعمد المعصية؛ لأنه إذا تركه عن نسيان -يعني: عن ذهول- يُلام ولّا ما يُلام؟
* طالب: ما يُلام.
* الشيخ: ما يُلام، وهؤلاء يحتاجون إلى الجواب عن سقوط الإثم بالنسيان، ويقولون: إن هذا من خصائص هذه الأمة، سقوط الإثم بالنسيان؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ»[[أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٣) عن أبي ذر.]]، فقوله: «عَنْ أُمَّتِي» يدل على أن الأمم السابقة مؤاخذة به، وكون الأمم السابقة أيضًا مؤاخذة، في الحقيقة هذا لا يرجح أحد القولين، لكن الذي يرجح أنه نسيان ترك لا نسيان ذهول، قوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه ١٢١]، وهذان الوصفان -معصية وغي- يدلان على أنه فعل ذلك عن عمد، لكنه اغتر بغرور إبليس: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ [الأعراف ٢٢]، لما قاسمهما ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف ٢١]، وقال: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه ١٢٠]، فاغتر آدم وفعل ما فعل.
المهم أن النسيان هنا، قوله: ﴿وَلَا تَنْسَ﴾، من أي النوعين؟ تترك.
﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص ٧٧]، وإنما قال: ﴿وَلَا تَنْسَ﴾، كأنهم يقولون: اجعل انهماكك فيما تريد في الآخرة، حتى كأن ما تريده للدنيا يغيب عنك، ولكن لا تنساه.
وقوله: (﴿نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ أي: أن تعمل فيها للآخرة)، يشير المؤلف إلى أن المراد بنصيبه من الدنيا أنه عائد على قوله: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ [القصص ٧٧] يعني: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص ٧٧] بإمهالك، فما دمت قد أُعطيت مهلة فلا تنس هذه المهلة أن تنفق المال في طاعة الله، فيكون المراد بالنصيب من الدنيا هنا المراد العيش في الدنيا؛ يعني: لا تنس أن تغتنم الفرصة في هذه الدنيا فتنفق، فتكون الجملة هنا عائدةً على الجملة الأولى في المعنى؛ يعني: اطلب الدار الآخرة فيما تنفق حتى لا يضيع عليك الوقت فيضيع نصيبك من الدنيا.
ولهذا قال: (﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ أي: أن تعمل فيها للآخرة)، كأنه يقول: اغتنم هذه المدة التي هي نصيبك من الدنيا، اغتنمها للآخرة، فتكون الجملة الثانية عائدةً على الجملة الأولى.
ويحتمل -وهو الأقرب- ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ أننا لا نأمرك بأن تنفق جميع مالك في الآخرة، بل اطلب الآخرة فيه، وخذ نصيبًا من الدنيا لك، فنحن لا نريد أن تنخلع من مالك، ولكننا نريد أن تبتغي به ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾، ومع ذلك فخذ ﴿نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ من طيب المأكل ونظافة المنزل والثياب والزوجات وما أشبه ذلك، وهذا المعنى أقرب وأصح؛ لأننا على المعنى الذي ذهب إليه المؤلف تكون الآية فيها شيء من التكرار.
ثم هل هي تكون سببًا لجلبه وقبوله النصيحة، أو نقول: إنه إذا قيل له: اطلب الآخرة ولا تنس حظك من الدنيا، أن هذا أقرب إلى قبول النصيحة؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: الأخير أقرب؛ لأنه لو قيل: هذا المال العظيم الذي مفاتحه تنوء بالعصبة كله ابتغ به الدار الآخرة يمكن ما يقبل، لكن إذا قيل: ابتغ به الآخرة وتمتع في الدنيا بنصيب؛ هذا يكون أدعى للقبول، وهو أيضًا من الأساليب الحسنة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، «والنبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»[[أخرج البخاري (٦١٣٤) عن عبد الله بن عمرو، قال: دخل عليَّ رسول الله ﷺ فقال: «ألم أُخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار» قلت: بلى، قال: «فلا تفعل، قم ونم، وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا»، أما اللفظ المذكور فهو من قول سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما، أخرجه البخاري (١٩٦٨) من حديث أبي جحيفة السوائي.]]، لا تقل: إني أقوم الليل وأصوم النهار ما عشت، هذا خطأ، «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا» بعبادته، ولكن «لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» بإعطائها الراحة، فالصواب هو هذا.
﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: هذا، (...)؟
* الشيخ: ما ندري هل هذه النصيحة قبل، لما كان فرعون موجودًا أو بعد، الله أعلم.
* الطالب: بس كون (...)؟
* الشيخ: إي، ما يمنع أن هذا الرجل كفر واتصل بفرعون فصار له المال العظيم، ما فيه مانع.
قال: (﴿وَأَحْسِنْ﴾ للناس بالصدقة ﴿كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ ).
هنا المؤلف خص الإحسان، قال: (أحسن للناس في الصدقة)، ولكن الصحيح أن المراد ما هو أعم؛ أي: أحسن في عبادة الله، وفي معاملة عباد الله.
﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص ٧٧]، الكاف هنا للتشبيه ولّا للتعليل؟
* طالب: للتعليل.
* الشيخ: للتعليل، ولا تكون للتشبيه؛ لأنه ما يمكن الإنسان يحسن مثل ما أحسن الله إليه، إحسان الله إليه أكمل وأعظم، فالتشبيه ممتنع، فيكون الكاف هنا للتعليل.
وقد جاءت الكاف للتعليل في عدة مواضع من القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة ١٩٨] أي: واذكروه لهدايتكم، ومثل قوله ﷺ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٧٠)، ومسلم (٤٠٦ / ٦٦) من حديث كعب بن عجرة.]]، فإن الكاف هنا للتعليل وليست للتشبيه، وهذا المعنى الذي ذكرناه نسلم به من الإيراد الذي أورده بعض الناس على هذا الحديث، وهو أنه من العادة أن المشبه أقل شأنًا ورتبة من المشبه به، ومحمد ﷺ لا شك أنه ليس أقل من إبراهيم، ولّا لا؟ فكيف قيل: «صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ»؟ من العلماء من أجاب قال: إن المراد «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»، أنه تشبيه للصلاة على واحد بالصلاة على جماعة: إبراهيم وآدم، وهذا يصح أنه يُعطى محمد ﷺ مثل ما أعطي هؤلاء كلهم، ولكن لا حاجة إلى هذا التأويل، بل نقول: إن المعنى أنك يا رب كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وأن هذا من شأنك ومن عادتك التكرم، فمُنَّ أيضًا على محمد ﷺ، فتكون هذه الجملة: «كَمَا صَلَّيْتَ» للتعليل، وهي في الحقيقة للتوسل؛ يعني: أننا نتوسل إليك بما فعلت من قبل في إبراهيم وآله، أن تفعل ذلك في محمد ﷺ وآل محمد.
﴿كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص ٧٧] وقوله: ﴿كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، بماذا أحسن الله إليه؟
* طالب: بالمال.
* الشيخ: بالمال العظيم الذي مفاتحه تنوء بالعصبة.
﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص ٧٧]، ﴿الْفَسَادَ﴾ بأي شيء؟ أولًا بالبغي، حيث قال تعالى: ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص ٧٦]، فلا تبغ الفساد في الأرض بالبغي.
كذلك أيضًا إن كان هذا الرجل يعمل بماله لمعصية الله، فيكون هذا من الفساد في الأرض، وهذا هو الغالب؛ أن من آتاه الله مالًا وليس عنده إيمان، فإن يجعل من ماله وسيلة إلى الفساد في الأرض؛ لقوله: ﴿الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾، الرجل هذا هل هو يروح مثلًا يفجر السدود ويهدم الجدران ولّا كيف ﴿الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾؟
* طالب: بالمعاصي.
* الشيخ: المعاصي؛ لأن المعاصي في الحقيقة هي سبب الفساد في الأرض ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [البقرة ٤١]، ولهذا ما من شيء يكون في الأرض من فتن وحروب وقتال وذبح وغيره إلا بسبب المعاصي، ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر ٤٥].
فهذه الآن، هذا الهرج الذي كثر في هذا العصر ولا سيما في هذا العام، ويش أسبابه؟ ما تكاد تفتح الإذاعة إلا وتسمع من أول النشرة إلى آخرها حروب في كل مكان، واغتيالات، وتفجيرات، وفساد، كل ذلك بسبب المعاصي التي تُفعل، فهي عقوبة للعصاة الذين أُصيبوا بهذه، وإنذار للآخرين؛ فإنك قد ترى البلاد الآمنة المطمئنة التي يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، ويُجلب الناس إليها من كل مكان، تجد أنها دُمِّرت الآن، دمرت مساكنها وبيوتها وأمنها ورخاؤها، بسبب أيش؟ بسبب المعاصي، فهو إنذار للآخرين..
وهذا النهي، بل هذا النفي نفي للحق، يعني للمعبود الحق، فإنه لا إله إلا الله، فحُذفت عين الفعل، أو لا؟
﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ﴾ [النحل ١٢٧]، (تكن)، النهي هنا أثَّر ولّا ما أثّر؟
* طالب: أثر.
* الشيخ: ولا شك أنه أثر بالفعل، ويش اللي أثر به؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، حُذِف منه الواو اللي هي عين الفعل: (ولا تكن)، هنا ما حُذِفت الواو التي هي عين الفعل، لماذا؟ قال: (لبنائه)، أنه مبني على الفتح، وأصل حَذْف عين الفعل من أجل السكون.
(ولا تكن)، كيف تكون أصلها؟ (تكون)، لو أننا أبقينا الواو وسكنَّا النون التقى ساكنان، وهذا غير جائز في اللغة العربية، وإذا التقى ساكنان والأول منهما حرف لين حُذِف، ولهذا حُذفت الواو التي هي عين الفعل. أما هنا: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [القصص ٨٧] فلم تُحذف، يقول المؤلف: (لبنائه).
وقوله: ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، الشرك كما مر علينا كثيرًا ينقسم إلى أكبر مُخرِج عن الملة، وإلى أصغر لا يُخرج من الملة، فالأكبر: أن يُشرِك مع الله أحدًا في عبادته أو رُبوبيته، فمَن أشرك مع الله في ربوبيته أو في عبادته فهو مُشرِك، وما دون ذلك مما أُطلق عليه الشرك فهو شرك أصغر، والغالب أن الشرك الأصغر يكون إما لأنه وسيلة للأكبر كما في مسألة الرياء، فإن الرياء إنما كان شركًا؛ لأن اللي يعمل العبادة ويُحَسِّنها للناس، قد يؤدي به الأمر إلى أن يعمل أصل العبادة للناس، فيكون بذلك مشركًا شركًا أكبر. وقد يكون الشرك الأصغر ليس وسيلة إلى الشرك الأكبر، وإنما يتعلق بأمور أخرى ما تتعلق بالشرك، ولكن على كل حال الشرك الأكبر هو أن يعتقد الإنسان لله شريكًا في ألوهيته أو ربوبيته. (...)
* * *
نقف على هذا؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هو كفر، لكن نوع هذا الكفر أنه شرك؛ لأن الكفر عام، جنسٌ يشمل أنواعًا.
* * *
* طالب: (...).
* الشيخ: (﴿﴿وَلَا تَدْعُ﴾ ﴾ [القصص: ٨٨] تعبد).
(لا) ناهية، و(تدع) فعل مضارع مجزوم بـ(لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف الواو، والضمةُ قبلها دليل عليها.
﴿مَعَ اللَّهِ إِلَهًا﴾ مفعول ﴿تَدْعُ﴾، والإله بمعنى المألوه أي المعبود، ﴿آخَرَ﴾، فإن هذا غير ممكن أن يكون مع الله إله آخر حقٌّ؛ وذلك لأن الآلهة التي سوى الله كلها باطل كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ [لقمان ٣٠].
وفي هذه الآية - ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [القصص ٨٨] - سمى الله تعالى ما يُعبد إلهًا؛ وذلك لأن الإله فِعَال بمعنى مفعول، أي: معبود.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص ٨٨]، هذه الجملة كالتعليل للنهي السابق، يعني: فإنه لا إله إلا هو، وهذا النفيُ نفيٌ للحق، يعني للمعبود الحق، فإنه لا إله إلا الله، وحينئذٍ لا يكون بينها وبين ما سبقها منافاة؛ إذ إن ما سبقها كما ترون يُثْبت آلهة مع الله، لكن ينهى أن تُدعى هذه الآلهة. والثاني يقول: لا إله إلا هو، ينفي أن يكون هناك إله، والجمع بينهما أن يقال: الإله الحق الذي عُبِد وهو يستحق أن يعبد هذا ليس إلا الله، وأما الإله الباطل الذي عُبِد وهو لا يستحق أن يُعبد فهذا ثابت لغير الله، وهذا هو الصحيح في النفي، مع أنه يحتمِل أن يكون نفيًا بمعنى النهي، أي: لا تعبد إلا الله، والنفي بمعنى النهي يَرِد في القرآن، كما قالوا في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة ٢]، قالوا: إن معناه، بعض المفسرين، ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: لا ترتابوا فيه، فجعلوا النفي بمعنى النهي، ولكنّ الأَوْلى أن يبقى النفيُ على ظاهره وأن يُجعَل نفيًا حقيقةً، ويكون النفي أبلغ من النهي؛ لأن النفي إثبات صفة، وأما النهيُ فإنه نهي عنها، قد يمكن الامتثال وقد لا يمكن، يعني قد يحصل (...) وقد لا يحصل، أما إذا كانت نفيًا فهي أعظم وأَولى. فعليه نقول: هذا النفي لا يتعارض مع ما قبله؛ لأن ما قبله باعتبار أنها آلهة باطلة، والثاني باعتبار أنها آلهة حق، فلا إله حق إلا الله.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، كلمة (هو) ضمير يعود على الله، وليس (هو) اسم مستقلًّا، بمعنى أنه ليس من أسماء الله (هو)، خلافًا للصوفية المبتدعة الضالة؛ فإنهم يجعلون (هو) من أسماء الله، ويقولون: لا إله إلا هو مثل: لا إله إلا الله، ويقولون في أذكارهم الباطلة: هو، هو، هو، يكررونها، ويقولون: هذا هو (...).
فنقول: الضمير (هو) ليس اسمًا علمًا لله، وإنما هو ضمير يعود على الله، ﴿مَعَ اللَّهِ﴾ [القصص ٨٨] هذا الاسم، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ أي: إلا الله المذكورة في السابق.
قال: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨].
﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ﴾ بمعنى زائل ومُضمحِل ومعدوم بعد الوجود.
﴿هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، قال المؤلف: (إلا إياه) يعني: إلا الله، فإنه سبحانه ليس بهالك، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن ٢٦، ٢٧].
وقوله: ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ فسَّره المؤلف بقوله: (إلا إياه)، ردًّا على قول أهل الباطل الذين قالوا: إن الله يفنى إلا وجهَه، والعياذ بالله، وجعلوا الوجه هنا لم يعبَّر به عن الذات، بل جعلوه معبَّرًا به عن صفة الوجه فقط، وقالوا: إن الله يفنى إلا وجهه، وهذا لا شك كلام باطل، وأن المراد بالوجه هنا الذات كلها، كل الذات العلية، لكنه عبَّر بالوجه كسائر التعبيرات اللُّغوية؛ حيث يُعبَّر بالوجه عن الشيء كلِّه. (...)
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إن جاءت (...) هذه أنه ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ يعني: إلا الله، إي، فيكون الأَوْلى أن نقول: لا إله إلا الله، إذا ما سبق شيء يعود على الضمير فالأولى أن نذكر الله باسمه العلَم، ولهذا «بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلّا اللهُ»[[أخرج البخاري (٨) ومسلم (١٦/٢٠) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».]].
قال: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، فقول المؤلف: (إلا إياه) صحيح باعتبار الرد على من يقولون: إن الله يهلك إلا وجهه، لكنه قد يوهِم معنًى باطلًا، وهو إنكار الوجه، لكنّ المؤلف ما أظنه يريد ذلك، بل معروف أن الأشاعرة ينكرون الوجه حقيقةً، فنحن نقول: إن لله وجهًا حقيقيًّا بلا شك، وهذه الآية يُستدل بها، ولهذا قال: ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾، لكنه نقول: عبَّر بالوجه عن الذات، نعم، كسائر أساليب اللغة العربية.
وقيل: إن المعنى كل شيء هالك إلا ما أُريد به وجهه، فيكون هذا عائدًا على الأعمال، يعني جميع الأعمال مردودة وغير مقبولة، إلا ما أريد به وجه الله. واستدل هؤلاء بأن قوله: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [القصص ٨٨]، هذا من أعمال الإنسان، ثم قال: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ كأنه قال: كلُّ الشرك هالِك وتالف وغير نافع للمرء إلا ما أريد به وجه الله، وهو الخالص له، فإنه يبقى للمرء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الهلاك بمعنى أنه ما يفيد الإنسان، معنى ﴿هَالِكٌ﴾ يعني لا تفيده، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري بنحوه (٢٦٩٧) ، ومسلم واللفظ له (١٧١٨/١٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.]].
ولكنا نقول: إن الآية المعنى الأول أقوى، أن المراد: كل شيء فان وتالف إلا وجه الله، وهو كالتعليل لقوله: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص ٨٨]، يعني فكأنه يقول: هذه الأصنام المعبودة من دون الله تبقى ولَّا ما تبقى؟
* طالب: ما تبقى.
* الشيخ: ما تبقى، والله تعالى هو الذي يبقى، فكان هو الذي يستحق أن يُعبد.
قال: ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص ٨٨].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما هو من باب التعليل، هذا حقيقة وبدون تأويل؛ لأنه يُعبر بالوجه عن الذات دائمًا، فيقال مثلًا: وجهُك الكريم، مع أنه يريد الكريم هو الله نفسه، فالتعبير بمثل هذا عن الوجه وفق اللغة العربية ما فيه التأويل.
وقوله: ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص ٨٨]، هذه جملة مكوَّنة من مبتدأ وخبر، الخبر ﴿لَهُ﴾ مقدَّم، و﴿الْحُكْمُ﴾ مبتدأ مؤخَّر، وتقديم ما حقُّه التأخير يُفيد؟
* طالب: الحصر.
* الشيخ: الحصر، والمعنى: ﴿لَهُ﴾ وحدَه ﴿الْحُكْمُ﴾.
و﴿الْحُكْمُ﴾ يقول المؤلف: (القضاء النافذ)، وفسره بالحكم الكوني، والصحيح أنه يشمل الحكم الكوني والشرعي، فله القضاء النافذ على كل أحد، وله أيضًا الفصل بين الخلق في الأحكام الشرعية، فالحكم شامل للأمرين: الحكم الكوني والشرعي. وقد مر علينا أن من أمثلة الحكم الشرعي قوله تعالى في سورة الممتحِنة: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الممتحنة ١٠]، وأما مِن الحكم الكوني فقوله تعالى عن إخوة يوسف: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يوسف ٨٠].
وقوله: ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾، ذكرنا أن الجملة فيها اختصاص، أن الحكم لله وحده، مع أن غيره له الحكم، ولهذا يقال: الحاكم الشرعي، وحاكم البلد، وما أشبه ذلك، والجواب على هذا أن يقال: حكم هؤلاء تابع لحكم الله، والحكم المطلق التام الشامل هو لله وحده، فكون هؤلاء حكَّامًا هو من باب التبعية؛ إذ إن هذا الحاكم لا يحكم بغير ما أنزل الله، فإن حكَم لم يَنْفُذ حكمه.
(﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٨٨] بالنشور من قبوركم).
(إليه) أي الله ﴿تُرْجَعُونَ﴾، فيجازيكم على أعمالكم، وذلك بالنشور إذا نشركم من القبور، فلا مرجع إلا إلى الله.
ويحتمِل أن يكون الرجوع هنا أعمَّ مما ذكَر المؤلف، بحيث يكون معنى ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾: حتى في أحكامكم، فإنما ترجعون إلى الله، ولهذا يُرَد الحكم بين الناس إلى مَن؟ إلى الله عز وجل.
* * *
ثم قال الله تعالى: ﴿الم﴾ [العنكبوت ١]، سورة العنكبوت مكية، وهي تسع وعشرون آية (...).
منها آية مستقلة يُؤتَى بها في ابتداء السور ما عدا سورة براءة.
﴿الم﴾ قال المؤلف: (الله أعلم بمراده بذلك)، وهذا حق فيما لو جعلنا هذه الكلمة لها معنًى، ولكن الصواب أنه لا معنى لها كما قاله مجاهد وغيره، هي في حد ذاتها ما لها معنى؛ وذلك لأن القرآن نزل باللغة العربية، والحروفُ المركَّبة الهجائية ما لها معنى؛ فإن: (ألف، باء، تاء، ثاء، جيم) ما لها معنى، ولكن هذه لها مغزى: وهو الإشارة إلى أن هذا القرآن الكريم الذي أعجزكم معشرَ العرب وأعجز غيركم لم يأت بحروف جديدة ما تعرفونها، وإنما أتى بحروف تعرفونها وتُرَكِّبون منها كلامكم، ومع ذلك أعجزكم. ولهذا لا تكاد تجد سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وجدتَ بعدها ذِكْر القرآن أو ما هو من خصائص القرآن. شوف ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ١، ٢]، ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ١ - ٣]، ﴿المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١، ٢]، ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس ١]، تجد أيضًا: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الجاثية ١، ٢]، ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة ١، ٢]... وهكذا.
هذه ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾ [العنكبوت ١، ٢]، ما فيها ذكر القرآن، لكن فيها ذِكْر ما هو من لازم القرآن، وهو قوله: ﴿أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، فإن مَن آمن بالقرآن لا بد أن يُفتن.
قوله: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾.
قوله: ﴿أَنْ يَقُولُوا﴾ هذا محل الاستفهام، يعني: أيظن الناسُ أن يُتركوا إذا قالوا: آمنا بدون أن يُختَبَروا؟ هذا أمر لا يكون، بل لا بد من الاختبار، وكلَّما كان الإنسانُ أقوى إيمانًا كان اختبارُه أكثر، فإن الله تعالى يَبتلي الناس، يُبتلى الصالحون الأمثل فالأمثل، حتى يُنظَر في دينه هل فيه قوة أو هو دِين ضعيف[[أخرج أحمد (١٥٥٦) عن سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، حتى يبتلى العبد على قدر دينه، ذاك فإن كان صلب الدين ابتلي على قدر ذاك - وقال مرة: أشد بلاء - وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر ذاك - وقال مرة: على حسب دينه - قال: فما تبرح البلايا عن العبد، حتى يمشي في الأرض - يعني - وما إن عليه من خطيئة».]].
وقوله: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾، (حسِب) بمعنى: ظنَّ.
وقوله: ﴿النَّاسُ﴾ يشمل مَن؟ المؤمنين وغير المؤمنين؛ وذلك لأن قوله: إني مؤمن يكون من المؤمن حقًّا ويكون من المنافق، والمنافق لا يصح أن يُسمى مؤمنًا على الإطلاق، بل إنما يقال: مؤمن بلسانه كافر بقلبه.
﴿أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾ أي: بقولهم: آمنَّا، يعني يظن الناس أن يُتركوا بلا فتنة إذا قالوا: (﴿آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ يُخْتَبَرُونَ بما يتبين به حقيقية إيمانهم)، وهذا الاستفهام للتقرير ولَّا للإنكار؟
* طالب: للإنكار.
* الشيخ: للإنكار، يعني لا تظنوا هذا أنكم إذا قلتم: آمنَّا تُركتم بلا فتنة، بل لا بد من فتنة واختبار، واللهُ سبحانه وتعالى يَبتلي المرء تارَةً بأفعاله التي يفعلها به سبحانه وتعالى، وتارةً بأفعال غيره التي يُسَلطون بها عليه. أما بأفعاله فإن الله تعالى قد يَبتلي الإنسان بمصائب يَختبِر بها إيمانَه، مصائب مالية أو أهلية أو بدنية، فإن مِن الناس مَن إذا أصابته هذه المصائب -والعياذ بالله- عجز أن يصبر، وربما يرتد بعد إسلامه ويكفر والعياذ بالله، ومِن الناس مَن يصبر ويحتسب. كذلك قد يُبتلى المرء بأمر يسلطه الله عليه، ما هو من فعل الله، مثل أن يسلَّط عليه قوم يؤذونه بالقول أو بالفعل أو بهما جميعًا، مثلما حصل لِمَن؟ حصل للصحابة رضي الله عنهم، للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، حصل للنبي ﷺ وأصحابه، فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام أوذي إيذاءً عظيمًا من قومه ومن غير قومه، وكذلك أصحابه أُوذوا إيذاءً عظيمًا، ولَّا لا؟ ومع ذلك صبروا واحتسبوا، فإن عمار بن ياسر وآله حصل لهم إيذاء عظيم[[ومما جاء في ذلك ما أخرجه الحاكم (٥٧٤٦) عن ابن إسحاق قال: كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام، وكان بنو مخزوم يعذبونهم، فقال رسول الله ﷺ: «صبرا يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة».]]، وكذلك غيرهم من المؤمنين، منهم من يُؤذَى بالقول، ومنهم من يؤذى بالفعل، ومنهم من يؤذى بالقول وبالفعل.
وقوله: ﴿وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت ٢]، يقول: (نزل في جماعة آمنوا فآذاهم المشركون).
طيب، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت ١٠]، ثم يرتد والعياذ بالله.
كذلك مِن الناس الآن، وخصوصًا من الشباب المتجهة إلى الدين، مَن يؤذيه أولئك الفسقة ويسبونه، ويقولون: أنت مطوع، وأنت رجعي، وما أشبه ذلك، هذا ابتلاء من الله وامتحان؛ ليعلَم سبحانه وتعالى هل يصبر هذا على دينه أو ينحسر ثم يرجع خوفًا من أذية هؤلاء.
ومن الناس أيضًا من يؤذَى بالتحلي بأخلاق المؤمنين، كحلق اللحية مثلًا، فيؤذَى بذلك إما بالقول والاستهزاء والاستخفاف، وإما بالفعل فيُضرَب عليها أو يُحبَس، فتجده يحلق لحيته خوفًا من هذا الأمر، وهذا لا يجوز؛ لأن الواجب أن تصبِر، نعم، إن أُكرِهت على هذا غُلَّت يدُك وأُتِي بالمُوسى وحُلِقت، يعني الأمر ليس إليك، لكن ما دام الأمر إليك فإنه لا يجوز لك أن تفعل المعصية خوفًا من الناس، المعاصي يجب أن الإنسان ما يفعلها خوفًا من الناس أبدًا، يجب أن يصبر ويحتسب.
فمِن الناس ﴿مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت ١٠]، ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت ٣].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما أُكرِه، هذا غاية ما هنالك أنه يُضرب أو يُحبس ويقول: يحلقها مثلًا، اللي ما يحلق (...).
* الطالب: بس (...)؟
* الشيخ: والمشقة تزول، فليصبر وليحتسب على دينه، ولا يَرِد على هذا قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل ١٠٦] فإنه ما عليه شيء؛ لأن ذاك بعض العلماء يقول: هذا في الإيمان القولي الذي مصدره اللسان، وإن كان الصحيح أنه حتى في الكفر الفعلي شامل؛ لأن الآية عامة، حتى مثلًا لو أُكره على السجود وما أشبه ذلك، أما التخلي عن الأمر الشرعي فهذا لا يجوز أن يتخلى عنه. ففرق بين الفعل، أن تُجبر على فعل معصية، مثلًا على كفر؛ هذا تُعذر به، وأما أن الترك واجب وهو وجوب إعفاء اللحية فهذا ما يجوز. لو قيل لك: اترك الصلاة مثلًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، ما يمكن تتركها (...)، صلِّ ولو أُوذِيت بالضرب والحبس ما فيه مانع.
* الطالب: طيب، أيش الفرق بين (...).
* الشيخ: حتى أكل الميتة إذا اضطررت إليه؛ لأنك إذا أكلت منه بَقِيَتْ حياتك. أما هذا فليس كذلك، هذا قد تُهدد بالضرب ولا تُضرب، وقد تُضرب وتَصبِر وتحتسب. هذا (...) الحكم الذي ذكر الله، يعني إذا أتيت تطبقه على حالك (...)، ما دام قلنا: إن الإنسان إذا أوذي في الله يجوز أن يَدع ما أمر الله به، ما صار للحكم فائدة، فلا بد من فتنة واختبار.
(﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في إيمانهم علم مشاهدة ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت ٣] فيه).
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ﴿فَتَنَّا﴾ بمعنى: اختبرنا ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مِن فتنة مَن قبلنا أن الرجل يُنشر بأمشاط الحديد ما بين عظمه وجلده، ومع ذلك فإنه يصبر ويحتسب[[أخرج البخاري (٣٨٥٢) عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».]]. يعني يُؤتى بأمشاط الحديد ويخلع بها اللحم، نعم، يُنشَر ومع ذلك يصبِر على دينه ولا يرتد. فإذا كان هذا فيمن قبلنا، فإن هذه الأمة أولى بالصبر على هذا الأمر العظيم، لا سِيَّما إذا كان المقام مقامَ جهاد، مثلما وقع للإمام أحمد رحمه الله في أيام المحنة، فإنه كان يُضرب بالسياط ويُجر بالبغال ليقول: إن القرآن مخلوق، ومع ذلك أبى أن يقول: إن القرآن مخلوق؛ لأنه لو قال: إن القرآن مخلوق، ما هي المسألة تنطلي عليه هو، لكنه يترتب على ذلك فساد الأمة كلها. ولهذا من أُكرِه على الكفر وكان كفرُه يستلزم كفر غيره وفسادَ الملة، فإنه لا يجوز له أن يوافِق ولو أُكرِه؛ لأن المقام في حقه، ويش المقام؟ مقام جهاد، والإنسان يجب أن يجاهد في سبيل الله ولو تعرَّض للقتل. أما إذا كانت المسألة إكراهًا شخصيًّا على الكفر، فإن هذا يجوز بشرط أن يكون قلبه مطمئنًّا بالإيمان.
فعلى هذا؛ هذا رجل مثلًا قدوة وإمام في الناس، أُكرِه على أن يفعل معصية أو أن يفعل كفرًا، فعلُه لها ليس لمُجرد أن يتخلص من الأذية، ولكن يفتن به أمةً من الناس. فهذا نقول له: لا تفعل، لا توافق ولو أُكرهت ولو ضُربت؛ لأن المقام مقام جهاد في سبيل الله.
وإنسان آخر لا يُؤبَهُ به ولا يَنظر الناس إليه ولا يَقتدون به، أُكرِه على أن يفعل شيئًا من الكفر أو ما دونه، فله أن يفعل بشرط أن يكون قلبه مطمئنًّا بالإيمان مثلما قال الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت ٣]، أيش معنى ﴿صَدَقُوا﴾؟ الصدق مُطابَقة القول للواقع، أو مطابقة الفعل للواقع.
﴿الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت ٣] في أيش؟ في قولهم: إنهم مؤمنون، فمَن كان صادقًا في إيمانه فإنه يَسلَم بذلك، ومن كان كاذبًا فإنه -والعياذ بالله- ينخدع بهذه الفتنة وينقلب على وجهه فيخسر الدنيا والآخرة.
وقول المؤلف: (علم مشاهدة) يشير إلى أن قوله تعالى: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت ٣] فإن قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ مستقبَل، بدليل دخول نون التوكيد عليه، وبدليل أنه جملة قسَمِيَّة، والجملة القَسمية تكون في المستقبل، فهو فعل مضارع واقع في جملة قسمية مُؤكَّد بالنون، فيكون للمستقبل. والله تبارك وتعالى يعلم ذلك قبل أن تحصل الفتنة، أليس هكذا؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: فكيف الجواب عن قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ الدال على أن العلم ما يكون إلا بعد الفتنة؟
المؤلف قال: (علم مشاهدة)؛ وذلك لأن علم الله تعالى بالأشياء ينقسم إلى قسمين: علم بأنها ستقع، وعلم بأنها وقعت؛ فالأول: علم بما لم يكن، والثاني: علم بما كان، وهذا هو الذي يُنَزَّل عليه مثل هذه الآيات، مثل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ﴾ [محمد ٣١]، المراد: عِلْم مشاهدة، وأما العلم بمن سيكون مجاهدًا فهذا سابق، ولكنّه علم بأنه سيكون، فمُتَعَلَّق العلم الآن إما مستقبل يعلمه الله بأنه سيكون، وإما واقع عَلِم الله بأنه قد كان. هذا جواب.
والجواب الثاني: أن العلم ينقسم إلى قسمين؛ عِلم يترتب عليه جزاء، وعِلم لا يترتب عليه الجزاء، فعِلم الله في الأزل قبل وقوع الشيء عِلمٌ لا يترتب عليه الجزاء، وعِلم الله تعالى بعد الوقوع هو عِلمٌ يترتب عليه الجزاء، فيكون العلم الذي يجعله الله تعالى مرتَّبًا على الوقوع المُراد به علم المجازاة؛ إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
فهذان جوابان عن مثل هذه الآية، ولا يقال: إن الله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه كما قال ذلك غلاةُ القدَرية؛ فإن غلاة القدرية يقولون: إن الله ما علم بالشيء إلا بعد وقوعه، ويستدلون بهذا المتشابه من القرآن، ولكننا نقول: هؤلاء في قلوبهم زيغ؛ لأنهم اتبعوا ما تشابه منه، ولو رجعوا إلى قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج ٧٠]؛ لتبين لهم أن الله عالِم بما سيكون قبل أن يكون.
وقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت ٣]، الكاذبين في أيش؟ في قولهم: إنهم مؤمنون، فالله تعالى إذا فتَنَ الإنسان، الخلق، علِم مَن كان صادقًا في قوله ومَن كان كاذبًا.
وفي هذا التحذير، تحذير المرء عند وقوع الفتَن، أن يَرْتَدَّ عن إيمانه فيكون بذلك كاذبًا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: (...)؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: والله ما أعرف مدى صحته.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذا اشتهر بها.
* الطالب: إي، لكن الكلام (...)؟
* الشيخ: إي، لكن بس مناظرة (...) هذه خاصة، لكن المناظرة العامة التي ثبت عليها أنها محمودة أمام العالم.
* الطالب: ما هو (...).
* الشيخ: لا، المقصود أنه له معنى لكن ما نعلم المشار به هذا المعنى.
* الطالب: لكن (...).
* الشيخ: إي (...).
* * *
اللام في قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾ [العنكبوت ٣]، وقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ﴾ [العنكبوت ٣] اللام هذه للتوكيد، وهي أيضًا موطِّئة للقَسم، فتكون الجملة مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات.
وقوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ﴾، ليش مفتوح الفعل؟ مع أنه ما فيه ناصب؟
* طالب: مبني.
* الشيخ: إذن مبني وليس منصوبًا.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إي نعم، مبني على فتح في محل رفع وليس منصوبًا.
ثم قال الله عز وجل: ﴿أَمْ﴾ [العنكبوت ٤].
طيب، نبدأ بالفوائد إن شاء الله، آخر ما ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [القصص ٨٨]؟
* طالب: لا، ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾ [القصص ٨٧].
* الشيخ: إي.
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ﴾ [القصص ٨٧].
* من فوائد هذه الآية: نهيُ النبي ﷺ عن التأثر بمعارضة أولئك المشركين؛ لقوله: ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾.
* ثانيًا: تثبيت الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك من وجهين: أحدهما قوله: ﴿عَنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾، يعني: فإنك الآن على حق، والثاني من قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ﴾، وهذا لا شك أن فيه تثبيته؛ حيث يرَى أنّ ما معه من آيات الله، أن الذي معه من آيات الله، والذي يعلم أن الذي معه من آيات الله سيكون أقوى.
والثاني قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ﴾، يعني: فأنت الآن موحًى إليك، فعليك ألا تتأثر بمعارضتهم.
* ومن فوائد الآية: أن القرآن الكريم من آيات الله الكونية أو الشرعية؟
* طالب: الشرعية.
* الشيخ: الشرعية.
* ومنها: أن القرآن مُنزَّلٌ غيرُ مخلوق؛ لقوله: ﴿بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات علوِّ الله؛ لأن النزول يكون من أعلى.
* ومنها: إثبات نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام، مِنين؟ ﴿بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ﴾، وهذا يدل على نبوته، بل على رسالته؛ لقوله: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ [القصص ٨٧].
* ومن فوائد الآية: وجوب الدعوة إلى الله؛ لقوله: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾، وأنه لا يكفي الإنسان أن يؤمن ويُصلح نفسه فقط، بل يجب أن يدعو إلى الله.
* ومنها: وجوب الإخلاص في الدعوة، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾، أن تكون دعوتك إلى الله، ما إلى نفسك.
* ومنها أيضًا: أن التمسك بالإسلام يوصِل العبد إلى الله، وهذا هو أكبر غايات الإنسان، أن يصل إلى ربه.
* ومنها: تحريم الشرك، من أين تؤخذ؟ ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [القصص ٨٧].
* ومنها: جواز وقوع النهي عما لا يكون شرعًا؛ لقوله: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ فإن الرسول شرعًا لا يمكن أن يكون من المشركين، وأما قدَرًا فإنه ممكن، لكنّه بعد أن كان نبيًّا لا يمكن.
* طالب: الفائدة في (...)؟
* الشيخ: فائدته أن النهيَ عن الشيء قد يُنهى عنه المرء وإن كان لا يمكن أن يقع منه شرعًا، فائدته تقبيح هذا الأمر، يعني حتى ولو لم يقع لا تفكر أن تكون فيه (...). قال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨].
* يستفاد من هذه الآية أيضًا: تحريم دعاء غير الله، سواء كان دعاء مسألة أو دعاء عبادة، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب، يشكل على هذا قولُ الرسول عليه الصلاة والسلام: «وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ»[[أخرجه مسلم (٢١٦٢/٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
* طالب: ما هو بدعاء عبادة.
* الشيخ: ما هو دعاء عبادة؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: إي، طيب، نقول: إن الدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة؟
* طالب: ليس دعاء مسألة.
* الشيخ: إي، ويش هو؟
* طالب: يحتمل الدعاء (...)، دعاء مسألة فيما لا يقدر عليه قدرًا يا شيخ، أما فيما يقدر عليه المخلوق (...).
* الشيخ: ويش لونه؟ يعني يجوز دعاء الإنسان فيما يقدر عليه؟
* طالب: لا.
* طالب: نعم.
* الشيخ: فيما يقدر عليه؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: كما لو قلت مثلًا: أعطني مالًا، إي، سؤال نعم، هو دعا، الرسول قال: «إِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ» فسماه دعاءً.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، نقول مثلًا: إن دعاء التعظيم الذي يرى الإنسان نفسه مفتقرًا إلى هذا المدعوِّ غاية الافتقار وأن المدعو فيه كمال الغنى؛ فهذا شرك، وأما الدعاء الذي يدعو الإنسان غيرَه مما يستطيعه مع اعتقاده أن هذا الغير لا ينفرد بالإجابة؛ فهذا لا بأس به، مع أنه يجب ألا يكون بصفة الدعاء، مثلًا (...)، وتقول: يا فلان أعطني، جزاك الله خيرًا مثلًا، ما يصح بهذه الصفة؛ لأنها مُشابَهة فعلية.
* طالب: طيب، إذا (...)؟
* الشيخ: إلا، إذا (...)، إي، هو دعا، قال: يا فلان احضرني، احضر عندي مثلًا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، فلا بأس، إي، إذن الكلام هنا يدل أن الدعاء الذي منهي عنه ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [القصص ٨٨] أنه إما دعاء مسألة أو دعاء عبادة، فدعاء العبادة: أن تتعبد له وتركع وتسجد وتخضع، ودعاء المسألة: أن تطلب منه شيئًا. فنقول: دعاء المسألة إذا كان الإنسان اتخذ هذه الداعي بمنزلة الرب أنه قادر فاعل، فهذا لا يجوز، وإن دعاه بناءً على أنه سبب ولم يتذلل له تذلل المخلوق للخالق فإن هذا لا بأس به.
* طيب، ومنها، من فوائد الآية: إثبات وجود الآلهة مع الله وإن كانت باطلة، منين نأخذه؟ ﴿مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾، فأثبت الله ألوهيتها، لكنها ألوهية باطلة؛ لأن الإله بمعنى المعبود، سواءٌ كان بحق أو بباطل. لكن معلومٌ أن المعبود بباطل لا وجودَ له ولا حقيقةَ له، فإنه يُعبَد بغير حق، فهو باعتبار نظر الشرع لا حقيقةَ له ولا وجود له شرعًا وإن كان موجودًا واقعًا.
* ومنها أيضًا: إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية؛ لقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص ٨٨]، أن هذا يدل على انفراده بالألوهية.
وهل بين أول الآية وآخرها تناقض؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لأنه قال: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾، ثم قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، شوف بالأول يُثبِت وفي الثاني يَنفِي.
* طالب: في الأول يثبت باعتبار الواقع، والآخر ينفي باعتبار الشرع.
* الشيخ: إي، حقيقة شرعية، يعني معناه أن الإله الباطل موجود، والإله الحق؟
* طالب: أن الله حق.
* الشيخ: (...)، تصير آخر الآية ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ باعتبار كونه إلهًا حقًّا، والأول باعتبار كونه مطلق إله، أي أنه معبود لكنه بباطل.
* ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: أن كل شيء يفنى إلا الله؛ لقوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨].
طيب، فإذا قال قائل: يرِد على هذا الجنة والنار وما فيها من الحور والنعيم، نعم، فما رأيكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، نقول: هذا من العام الذي خُصِّص، ما فيه مانع، ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، فالآية هذه عامة، ونفيها بما ثبت به النص يكون أيضًا مستثنًى، نعم.
* طالب: ما يقال: كل ما له روح؟
* الشيخ: لا؛ لأنا إذا قلنا: كل ما له روح، معناه أننا حولنا الآية من العموم إلى الخصوص، يعني يكون عامًّا أريد به الخاص، نعم، ولعل -والله أعلم- أن الذين قالوا: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ أي: كل شيء من الأعمال باطل إلا ما أريد به وجهه، لعلهم - والله أعلم - فروا من هذا، منين؟ من أنه يوجد أشياء ما تهلِك، بل تبقى.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما هو بشيء، لكن حتى لو فرضنا أنه على قول هؤلاء يبقى عندنا جنة، والأرواح أيضًا ما تفنى، والعرش ما نعلم أنه يزول.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: وأنت إذا أردتَ قلت: كل شيء فيه روح، أو كل شيء في الدنيا، حولتَ الآية بعمومها الكامل إلى خاص؛ لأن اللي فيه الروح بالنسبة إلى غيره قليل جدًّا، وكذلك الدنيا بالنسبة للآخرة أيضًا قليلة.
على كل حال نحن نقول: هذه الآية إن كان الله تعالى يريد بها ما يتصور فناءه أو ما قَضَى عليه بالفناء، فيكون عامًّا أريد به الخاص، فالمسألة واضحة ما فيه إشكال، وإن كان الله أراد بها العموم فإنه قد ورد التخصيص فيما ذكرناه. على أن قوله في الآية: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن ٢٦] يُخَصص قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨]، ويكون المراد: ﴿كُلُّ شَيْءٍ﴾ مما على الأرض، لكن عاد يتعين أنه إذا قلنا بهذا القول أن نجعل قوله: ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ استثناءً منقطعًا؛ لأنه ليس على الأرض، أن الله تعالى في السماء، فإذا ذهبنا إلى هذا المذهب قلنا: الآية نعم يراد بها الخصوص، عام ويراد به الخصوص، وهو كل من على الأرض، ﴿كُلُّ شَيْءٍ﴾ مما على الأرض ﴿هَالِكٌ﴾، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ استثناءً منقطعًا؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى ليس على الأرض.
* طالب: يرد عليه يا شيخ أن الأرواح مما في الأرض (...).
* الشيخ: إذن الأحسن أن نقول: هذه الآية، هذا العموم خُصَّ بأشياء غير هذا الاستثناء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا ما (...)، تُفارِق البدن فقط.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، تفارق البدن ولكن تبقى، هي تفارق البدن؛ لأن الموت مفارقةُ الروح للبدن، وليس عدمًا؛ لأن الروح تبقى والبدن كذلك ربما يبقى، فإن أرواح الأنبياء تأكلها الأرض؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما تأكلها الأرض[[أخرج ابن ماجه (١٦٣٦) من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يعني بليت، قال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».]].
على كل حال المسألة واضحة لنا، وهي أننا كيف نخرج من هذا العموم مع وجود أشياء تبقى سوى وجه الله سبحانه وتعالى؟
قلنا: الجواب من وجهين؛ إما أن تكون الآية عامة ويراد بها الخصوص، وإما أن تكون الآية عامة مخصوصة بما دل النص على بقائه. وهذا الأخير أولى من الأول؛ لأن الأصل بقاء العموم على ما كان عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الوجه لله؛ لقوله: ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إذا جعلنا الاستثناء متصلًا، أن الله يُطْلَقُ عليه اسم شيء، ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾؛ لأنه لولا دخوله في قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ﴾، لولا دخوله فيه ما كان للاستثناء وجه؛ لأنه إذا لم يكن داخلًا ما حاجة لاستثنائه.
* طالب: هو اسم؟
* الشيخ: لا، يُخبَر عنه بأنه شيء ولا يُسمى به، ما هو من أسمائه. لكن مثلما نقول: مُريِد ومتكلم ومخبِر ومُحدِّث، ولا نسميه بهذه الأسماء.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: مما يُخبر به عنه ولا يسمى به.
* طالب: هل نقول: إن الله شيء؟
* الشيخ: نعم، إن الله شيء عظيم، نحن ذكرنا في سورة الأنعام آية واضحة جدًّا: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام ١٩]، فهذا واضح، ولكن لاحظ أنه ما يسمى به؛ لأن الله يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف ١٨٠]، فأسماء الله لا بد أن تكون مُتضمنة لأكمل الوجوه وأحسنها، أما ما يَحتمل هذا وهذا فهو ما يمكن أن يُسمى الله به.
فالألفاظ ثلاثة أقسام: ألفاظ موهمة للنقص؛ هذا لا يمكن أن يُخبَر به عنه ولا يُسمى به، كالظالم مثلًا والجائر، كله يوهم النقص، هذا لا يمكن أن يسمَّى به ولا يخبَر به عنه.
والثاني: ما تضمن لأكمل الأمور والوجوه، فهذا يُسمى به، ومع ذلك ما يمكن أن نقيس نحن؛ لأن أسماء الله توقيفية.
والثالث: ما لا يتضمن نقصًا ولا مدحًا، ولكنه حسب ما يضاف إليه، فهذا يُخبر به عنه ولا يُسمى به.
ومن الألفاظ ما يكون نقصًا باعتبار، وكمالًا باعتبار، فلا يُوصف الله به إلا على وجه الكمال، مثل: المكر والخداع والاستهزاء وما أشبه ذلك، وعلى هذا فتكون الألفاظ أربعة أقسام: كمال محض، ونقص محض، وكمال باعتبار ونقص باعتبار، والثالث: ما لا يتضمنهما.
فالأول (الكمال المحض) يُسمى به، والثاني (النقص المحض) ولا يخبَر به عنه مطلقًا بأي وجه من الوجوه، والثالث (ما يتضمن كمالًا ونقصًا) يخبَر به عنه في حال الكمال، يعني في الحال التي يكون بها كمالًا، مثل أن تقول: إن الله تعالى يمكر بالكافرين، يستهزئ بالمنافقين، وما أشبه ذلك، والرابع (ما لا يتضمن مدحًا ولا نقصًا)، فهذا يُخبر به عنه ولا يُسمى به، مثل: المُريد والجائي والمتكلِّم والشيء والموجود وما أشبه ذلك، هذه يُخبر بها عنه، ولكن ما يُسمى بها، ولهذا ما يجوز تقول: يا موجود اغفر لي مثلًا؛ لأن كلمة (الموجود) فيه موجود على وجه الخير وموجود على وجه الشر، ولهذا لا يُسمى به، (المتكلم) يتكلم بالخير ويتكلم بالشر ولهذا لا يُسمَّى به، ولكن يقال: يُخبَر به عنه.
* طالب: (...)، مثلًا السمع قد يسمع الإنسان ما فيه الخير وما فيه الشر؟
* الشيخ: هذا منفصل، المسموع منفصل عن صفة السامع بائن منه، أقول: السامع ما يتكلم بشيء أو فعل شيئًا، والمسموع منفصل وبائن، يعني مثلًا إذا سمع الشر هل ينسب إليه شيء؟ لكن المتكلم يتكلم بالشرّ مثلًا أو بالسوء فيُنسب إليه.
* الطالب: إي، بس السمع ملك الإنسان، يقدر يسمع ويقدر ما يسمع؟
* الشيخ: لا، (...) يسمع.
* الطالب: إلا، (...) ما يسمع.
* الشيخ: بس، المهم أن هذا الشيء، هو يريد السماع نعم، يريد السماع (...)، وأما مجرد السمع لا، مجرد السمع ما يكون ذنبه، ولهذا ما يعاقب الإنسان على ما سمع من آلات اللهو وشبهها بدون استماع إليها.
* الطالب: بس يا شيخ أيش الفرق بين (...)؟
* الشيخ: الفرق أنك لغيت كلمة (شيء)، هل فيها ما يدل على الكمال؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: لكن كلمة (سميع)؟
* الطالب: فيها كمال.
* الشيخ: فيها طبعًا كمال.
* الطالب: و(المتكلم) كذلك؟
* الشيخ: (المتكلم) نعم من الكمال، صحيح، لكن لما كان قد يتكلم بالشر ما صار من أسماء الله تعالى.
* الطالب: طيب، صفة المجيء؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: قد تكون حسنة وقد تكون سيئة، قد يأتي الإنسان إلى خير وقد يأتي إلى شر؟
* الشيخ: نعم، ولهذا نقول: يُخبر بها عنه ولا يُسمى بها، ما يُسمى الجائي، لكن يُخبر عنه بأنه يجيء ويأتي.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: سامعين كلامه؟ يقول: رجل جاءه بطاقة دعوة (...)، هل يجب عليه الإجابة ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا كانت وليمة يجب حضورها.
* الطالب: ما (...).
* الشيخ: المهم نقول: إذا كانت. أهل الزوج (...)، أو إذا قلنا بإجابة الدعوة مطلقًا كما هو مذهب الظاهرية.
* الطالب: (...) طرق للدعوة ولكن الغاية واحدة؟
* الشيخ: هي لا شك أنها دعوة، لكن بس هل نقول: إنه يراد بها الحقيقة؛ لأنه أحيانًا ترسل هذه البطاقات مُجاملة فقط، يعني حتى نفس الداعي ما هو بعلى يقين أن هذا الرجل يبغي يحضر، نعم، يعني دائمًا البطاقات ييجي للواحد عشرون بطاقة، ويدلك على أنها هي الدعوة الحقيقية، ولما يبغي ييجي يقول: هل أنت بتيجي ولا عندك وعد! مجرد توجيه فقط للإكرام، فهذه أنا أشك في وجوب الإجابة إليها، اللهم إلا رجلًا له حق عليك خاص، كقريب مثلًا، فإن إجابته من صلة الرحم؛ لأنك يمكن ما تعرف يكتبون مثلًا خمس مئة بطاقة ويوزعونها، بس من طرأ على فكرك قال: يلَّا أرسل له بطاقة، والله أظن هذا ما يجري.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: هو في الحقيقة لو ردت إليه لكان هو ما يريد من هؤلاء إلا نفر قليل اللي دعوتهم حقيقية، ولهذا يؤكد عليهم، يقول: جاءتكم البطاقة اللي أرسلناها لكم، ويشوفهم على نية للحضور أم لا. فالظاهر لي - والله أعلم - أن هذه مجرد مجاملات فقط، ولهذا هم نفس اللي يرسلون أحيانًا يقولون: فلان ابن فلان وعائلته، وهم ما يعرفون العائلة ولا بينهم وبينهم صلة لا قرابة ولا صحبة ولا شيء.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (...) سلمك الله، أصلًا لو عينك تعيينًا، قال: يا فلان، أنا أبغيك تحضر عندي، ودعوة حقيقة يعني، وأنت تعلم أنه عنده محرم ما تستطيع إزالته، فهو ما يجوز لك الحضور، هذا واضح حتى لو عَيَّنك شخصيًّا، فهذه أنا عندي أشبه ما لها الجفلى، والجفلى كما تعلمون ما يجب الإيجاب، يعني مثلًا إذا قال: "أيها الناس تفضلوا"، وقف على باب المسجد وقال: "يا جماعة تفضلوا"، ما يجب على كل واحد أنه يجيب، أما إذا عَيَّنه فهو على حسب القول بأنها تجب مطلقًا أو تجب في وليمة العرس.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، ربما لما ييجي إن شاء الله تنصحه متى ما...
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، هو على كل حال يستعدون بأكثر بعد، مسألة الاستعداد يستعدون بأكثر وهم في قرارة (...).
إثبات الوجه له.
* من فوائد الآية: أن الحكم لله وحده؛ لقوله: ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص ٨٨]، وهو شامل للحكم الكوني والشرعي.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أنه لا يجوز لأحد أن يخالف أحكام الله الشرعية؛ لأنه يكون منازِعًا لله في حكمه، المخالف يكون منازعًا لله تعالى في حكمه، سواءٌ خالف في التشريع أو خالف في المعصية؛ لأنه ينازع الله تعالى حكمه.
* ومن فوائد الآية: إثبات الحشر يوم القيامة؛ لقوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٨٨].
* * *
أما سورة العنكبوت ففيها فوائد:
* منها: الحكمة في ابتداء السور بالحروف الهجائية، وقد تقدم لنا توضيح ذلك.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى يختبر المؤمنين؛ ليعلم بذلك صِدْق إيمانهم من عدمه.
* ومنها: أن هذا الاختبار ليس خاصًّا بهذه الأمة، بل لهم ولِغيرهم؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [العنكبوت ٣].
* ومنها: أنه كما قيل: عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان، وأنه لا يُعرف حقيقة المرء إلا بامتحانه، فإذا امتُحِن وثبت كان ذلك دليلًا على صدقه، وإنِ انحرف كان ذلك دليلًا على كذبه وعدم صدقه.
* ومنها: إثبات العلم لله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [العنكبوت ٣].
* ومن فوائد الآية: انقسام الناس في الإيمان إلى صادق وكاذب، فمَن هو الصادق؟ الذي يثبت على إيمانه عند الامتحان، والكاذب الذي لا يثبت. ما فيه شيء بعد هذا؟
* * *
قال الله تعالى: (﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ الشرك والمعاصي ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت ٤] يفوتونا فلا ننتقم منهم).
قوله: ﴿أَمْ حَسِبَ﴾، (أم) هذه منقطعة؛ لأنَّ (أم) تأتي في اللغة العربية على قسمين: متصلة ومنقطعة، فالفرق بينهما أن المتصلة بمعنى (أو)، وأنها تأتي بعد همزة التسوية، وأنها تأتي بين متقابلين، ثلاث علامات لها: المتصلة تأتي بمعنى (أو)، وبعد همزة التسوية، وبين متقابلين. مثالها: قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة ٦]، فهنا تجدون أن (أم) بمعنى (أو)، يعني هذا وهذا سواء، وثانيًا: تجدون أنها بعد همزة التسوية ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾، وتجدون أنها بين متقابلين: أنذرتهم، لم تنذرهم. ومثلها قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون ٦]، ومنها أيضًا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ [إبراهيم ٢١]، ولها أمثلة متعددة:
أما المنقطعة فهي التي تأتي بمعنى (بل)، ما هي (...) بمعنى الواو، ولا تقع بعد همزة التسوية ولا بين متقابلين.
فهنا ﴿أَمْ حَسِبَ﴾ بمعنى: (بل أحسب)، وهذا الإضراب إضراب انتقال وليس إبطالًا، يعني بعد أن ذكَر الله سبحانه وتعالى وأنكر على الذين حسبوا ﴿أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت ٢]، انتقل سبحانه وتعالى إلى ذِكر صِنف آخر من الناس، وهم الذين لم يقولوا: آمنا ولم يؤمنوا، بل هم يعملون السيئات ويظنون أن الله تعالى لن يُحيط بهم، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [العنكبوت ٤]، يعني يعملون الأعمال السيئة، والسيئ: ما يسوءُ فاعلَه، وكلُّ عمل محرم فإنه سيئ؛ لأنه يسوء صاحبَه بما يجد فيه من العقوبة الحاضرة والمستقبلة.
وقوله: (الشرك والمعاصي) أفادنا المؤلف أن السيئات هنا تعم الصغائر والكبائر، الكبائر اللي أعلاها الشرك، والصغائر ما دون الكبائر، وهي المعاصي، فهي تشمل كل ما يسوء فاعلَه من معصية الله تعالى بالشرك فما دونه.
حسِب ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت ٤] هذا مفعول حسب، (﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ يفوتونا فلا ننتقم منهم)، والسَّبق بمعنى الفوات، كما تقول: سبقت فلانًا، يعني: فُتّه فلم يدركني. فهؤلاء يظنون -الذين يعملون السيئات- أن الله سبحانه وتعالى لا يدركهم، وأن الله لا ينتقم منهم، وهذا بلا شك سوء ظن بالله تبارك وتعالى، ولهذا قال: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت ٤] أي: (ساء حكمهم هذا)، وهو حسبانهم بأن الله تعالى لن يدركهم.
يقول: ﴿﴿سَاءَ﴾ ﴾ بمعنى (بِئْس)، و(بئس) فعل ماضٍ جامد لإنشاء الذم، فيحتاج إلى فاعل ويحتاج إلى مخصوص، والمخصوصُ دائمًا يُحذف استِغناء عنه أو لدلالة الفاعل عليه، ولهذا قال المؤلف: ﴿سَاءَ﴾ بمعنى (بِئْس)، ﴿مَا﴾ بمعنى (الذي)، فهو اسم موصول.
(﴿يَحْكُمُونَ﴾ ـه) قدَّر المؤلف الهاء لتكون عائدًا إلى الموصول: ﴿سَاءَ﴾ الذي ﴿يَحْكُمُونَ﴾ ـه.
إذن (الذي) فاعل، أين المخصوص؟ قال المؤلف: (حكمهم هذا)، هذا هو المخصوص، وكلُّ فعل من الأفعال الجامدة التي للذم أو المدح تحتاج إلى فاعل، وتحتاج إلى مخصوص، تقول مثلًا: (نِعْم دار المتقين الجنةُ)، أين الفاعل؟
* طالب: دار.
* الشيخ: (دار)، (الجنة) هي المخصوص بالمدح، و(الجنة) هذه إعرابُها لك فيه وجهان؛ أحدهما: أن تجعلها مبتدأ مؤخرًا، والجملة خبرًا مقدمًا، والثاني: أن تجعلها خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره (هي الجنة).
أما الأول (نعم دار المتقين) فهذا فعل وفاعل على ما فعلوه.
يقول: (بئس ﴿مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت ٤] حكمهم هذا)، ولا ريب أنّ ما حكموه وظنوه، لا ريب أنّه ظنُّ سوء لا يليق بالله؛ لأن الله تعالى يقول في آيات كثيرة: ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر ٥١]، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر ٤٤]، فهؤلاء الذين استمروا في عمل السيئات وظنوا أن الله تعالى لا يَقدر عليهم ولا ينتقم منهم، هؤلاء أضافوا - والعياذ بالله - شرًّا إلى شرهم.
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ (﴿لَآتٍ﴾ فليستعدَّ له ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوال العباد ﴿الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت ٥] بأفعالهم).
قال: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو﴾، (من) هذه شرطية، وجواب الشرط -على رأي المؤلف- محذوف، تقديره: (فليستعد له)، وسنناقشه في هذا الأمر.
قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو﴾، وقال المؤلف في تفسير ﴿يَرْجُو﴾: (يخاف)، وهذا صرفٌ للفظ عن ظاهره، والرجاء غير الخوف، الرجاء أي: الأمل، وهذا هو الصواب؛ أن معنى ﴿يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ﴾ أي: يأمل أن يلقى الله عز وجل راضيًا عنه، ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف ١١٠]، وليس هناك ما يوجِب صرف اللفظ عن ظاهره، بل إن المعنى: أيُّ إنسان يرجو لقاء الله، وأنه يلقاه وهو راضٍ عنه؛ فإن الأمر ليس ببعيد.
﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، أي: المدة التي جعلها الله سبحانه وتعالى حائلًا بينك وبين لقائه سوف تأتي، يعني: سوف يأتي ذلك.
ويحتمِل أن قوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ أي المدة التي قدَّرها للقاء، وهذا أحسن، المدة التي قدرها للقائه لا بد أن تأتي.
(﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ به) أي: باللقاء؛ لأن اللقاء مؤجل، كل شيء مؤجل بأجل معلوم.
﴿لَآتٍ﴾، اللام ويش إعرابها؟ نحن مرَّت علينا بالألفية.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، اللام للتوكيد؛ لأنها واقعة في خبر (إنَّ)، ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، فهي للتوكيد، وقد ذكرنا لكم ونحن نشرحها في الألفية أن محَلها أن تكون في أول الجملة، ولكنهم أخَّروها لأن (إن) للتوكيد، فكرهوا أن يجتمع مُؤَكِّدان متواليان، وزحلقوا اللام إلى مكانها بالخبر.
﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، و(آتٍ) قلتُ: إنها خبر (إن)، ومع ذلك فهي مكسورة، والمعروف أن خبر (إن) يكون مرفوعًا، فكيف صح ذلك؟
نقول: إن (آتٍ) اسم ناقص ولَّا لا؟ أو منقوص؟ منقوص؛ لأن الاسم إما منقوص أو مقصور أو ممدود أو صحيح الآخر، فهنا نقول: لأنه منقوص، أصله (لآتِي) بالياء، فحُذفت الياء وعُوض عنه التنوين: ﴿لَآتٍ﴾، وعلى هذا فنقول: (آتٍ) خبر (إن) مرفوع بها، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين.
﴿وَهُوَ﴾ أي الله سبحانه وتعالى (﴿السَّمِيعُ﴾ لأقوال العباد ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأفعالهم).
نعم، ﴿السَّمِيعُ﴾ يعني: ذو السمع، الذي لا يخفى عليه شيء، كل شيء من المسموعات فإن الله تعالى مدركه، كما أن السمع -كما مر علينا- ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك، وسمع إجابة. فالأول مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ [المجادلة ١]، والثاني مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩]، ومثل قول المصلي: (سمع الله لمن حمده) ، فإن المعنى أنه استجاب.
وذكرنا فيما سبق أنَّ سمْعَ الإدراك ينقسم إلى أقسام، منها ما يقتضي التهديد، ومنها ما يقتضي النصر والتأييد، ومنها ما يُقصد به مجرد الإدراك.
ومثال الأول الذي للتهديد؟
* طالب: قوله تعالى: (...).
* الشيخ: لا؛ لأنه (...)، ما يحتاج بالنسبة لكذا وبالنسبة لكذا.
* طالب: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران ١٨١].
* الشيخ: نعم، هذا المراد به التهديد. ومثال المراد به النصر والتأييد؟
* طالب: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
* الشيخ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾، إي نعم. ومثال المقصود به مجرد الإدراك؟ ما يراد به مجرد بيان أن الله محيط بالشيء سامع له محيط؟
* طالب: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ [المجادلة ١].
* الشيخ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾.
وكونه تعالى سميعًا هل يلزم منه إثبات الأذن؟ الجواب؟
* طالب: لا يلزم.
* الشيخ: لا يلزم، كما أن كونه بصيرًا لا يلزم منه إثبات العين، ولكنّ العين ثبتت بدليل آخر، لولا أن الله أثبتها لنفسه بدليل آخر ما أثبتناها، فالسميع ما نقول: يلزم من كونه سميعًا أن يكون له أُذن، كما لا يلزم من كونه متكلمًا أن يكون له لسان وشفتان وما أشبه ذلك، فإننا نعلم أن الأرض تُحدث أخبارها ولا تُحدث إلا بعد سماع، وهل لها أُذن؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما لها أُذن، فيما نعلم ليس لها أذن، وهل لها لسان؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما نعلم أن لها لسانًا، فعلى هذا نقول: لا يلزم من إثبات السمع إثبات الأُذن.
فإذا قال قائل: إنه ثبت في الحديث الصحيح: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ أَذَنَهُ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»[[أخرجه مسلم (٧٩٢/٢٣٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به».]]؟ فالجواب أن معنى «مَا أَذِنَ لَهُ» أي: ما استمع له، ولا يلزم من هذا أيضًا إثبات الأُذن؛ لأنه ما هو صريح، والصفات ما يمكن أن نثبتها بالاحتمال، لا بدّ من أن تكون المسألة واضحة وصريحة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا «مَا أَذِنَ» يعنى قدَّر؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: لا، معناها: استمع.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو معناها (...)، معناها استمع؛ لأن الأمر معلق بصوت، «لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»، وإلا الله أذِن للناس من جهة الإذن الشرعي مثلًا ورخص لهم أو أباح لهم ما هو أعظم من هذا، فإن التوحيد وغيره مما هو أفضل من قراءة القرآن لا شك أنه يأذن به أكثر.
وقوله: ﴿الْعَلِيمُ﴾ يقول المؤلف: (بأفعاله)، والحقيقة أن العلم يتعلق بالأفعال والأقوال أيضًا، فتخصيصه بالأفعال هذا فيه نظر؛ لأن الذي يختص بالأفعال إنما هو الرؤية، أما العلم فإنه أعمُّ، يتعلق بالأفعال ويتعلق بالأقوال ويتعلق بحديث النفس ويتعلق بالجهر وكل شيء.
يقول تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ﴾ [العنكبوت ٦] قال المؤلف: (جهادَ حرب أو نفس).
نسيت أن أقول: أين جواب ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ﴾، المؤلف قدره بقوله: (فليستعد له) وجعله محذوفًا. وعندي أنه لا بأس أن نقول: إن جواب الشرط هو قوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾، ويكون هذا المعنى: أن الذي يرجو لقاء الله فإنه سيحصل له، ولا حاجة أن نقدر شيئًا محذوفًا؛ لأن الأصل عدم الحذف.
وهذا الذي قدره المؤلف مثلُ ما قدره في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [البقرة ٩٧]، قد تقدم أن المؤلف قدره بقوله: (فلْيَمُتْ غيظًا)، وذكرنا هناك أنه لا حاجة لهذا التقدير.
* طالب: ما يكون (...)؟
* الشيخ: يؤنث.
* الطالب: يؤنث (...).
* الشيخ: إي، لكن الأمل مبني على المحبة، أنت ما تؤمل الشيء إلا وأنت تحبه، فالرجاء -رجاء الشيء- بمعنى الأمل على حصوله.
قال: (﴿وَمَنْ جَاهَدَ﴾ جهادَ حرب أو نفس).
أفادنا المؤلف من هذه العبارة أن الجهاد ينقسم إلى قسمين: جهاد حرب وذلك بجهاد الأعداء، وجهاد نفس بأن تجاهد نفسك على فعل الطاعات وعلى ترك المحرمات.
﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ [العنكبوت ٦]، قال في معناها: (فإن منفعة جهاده له، لا لله)، فالذي يجاهد - والجهاد: بذل الجهد في الشيء - الذي يجاهد لا يجاهد لله، وإنما يعمل لنفسه، كقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ [فصلت ٤٦].
وقول المؤلف: (فإن منفعة جهاده له، لا لله)، نعم، (له) لأنه مأجور، سواء جاهد نفسه أو جاهد غيره، مع أنه إذا جاهد غيره قد تكون المنفعة أيضًا للغير، فإن هذا الغير في الجهاد ربما يدخل في دين الله، وحينئذٍ يحصل له منفعة.
المهم أن الله سبحانه وتعالى لا ينتفع بهذا الجهاد، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت ٦]، هذا كالتعليل لقوله: ﴿فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ [العنكبوت ٦]، فالله تعالى غني عنه لا ينتفع بطاعته ولا يتضرر بمعصيته.
وقوله: (غني عنهم)، ويش معنى (الغني)؟ معناه: الذي لا يحتاج إليهم؛ لِما عنده من الجود والسَّعة والتدبير للأمور، فهو لا يحتاج إلى العالَمين كلِّهم، قال المؤلف: (﴿الْعَالَمِينَ﴾ الإنس والجن والملائكة) أيش بعده؟
* طالب: (وعن عبادتهم).
* الشيخ: (وعن عبادتهم)، إي نعم، غني عنهم لا يحتاج إليهم، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات ٥٦، ٥٧]. كذلك غني عن عبادتهم؛ لأن عبادتهم إنما تكون لهم، أما الله سبحانه وتعالى فإنه لا ينتفع بطاعة الطائعين ولا يتضرر بمعصية العاصين.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ﴾، الجملة هنا مؤكَّدة بكم مؤكِّد؟
* طالب: باثنين.
* الشيخ: باثنين، وهو (إن) واللام، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
(﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ بعمل الصالحات ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ بمعنى حسن، ونصبه بنزع الخافض الباء ﴿الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت ٧] وهو الصالحات).
قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذا في مقابل ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت ٤]، أما هنا فيقول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، والإيمان كما تقرر كثيرًا: هو التصديق مع القَبول والإذعان، وليس مجرد التصديق.
وقوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هذا في أعمال الجوارح، فالإيمان في القلب وعمل الصالحات في الجوارح، والعمل يتناول الفعل والقول، ولهذا ليس قسيمًا للقول كما يظنه بعض الناس، فيقول: قول وعمل، بل إن قسيم القول هو الفعل، أما العمل فإنه يشمل القول ويشمل الفعل أيضًا. فـ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ إذن يتناول الأفعال؛ مثل: الركوع والسجود والصلاة والقيام والقعود فيها، ويتناول الأقوال: كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد وغير ذلك.
وقوله: ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ يعني الأعمال الصالحات، فهو صفة لموصوف محذوف تقديره: الأعمال الصالحات. والعمل الصالح: ما جَمَع؟ العمل الصالح هو الذي جمع كم شرطًا؟
* طالب: الإخلاص والمتابعة.
* الشيخ: نعم، جمَع شرطين، العمل الصالح هو الذي جمع شرطين هما الإخلاص والمتابعة، فالإخلاص: يعني أن تقصد بعملك وجهَ الله سبحانه وتعالى والدارَ الآخرة، والمتابعة: أن تكون في ذلك متَّبعًا للنبي ﷺ. ضد الأول: الإشراك، وضد الثاني: البدعة، فلا تكونُ مشركًا ولا مبتدعًا.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [العنكبوت ٧]، هنا قال: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ﴾، والجملة جوابٌ لقسَم مقدَّر تقديره: والله لنكفرن، فهي إذن مُؤَكَّدة بثلاثة مؤكِّدات: القسَم واللام والنون.
وقوله: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾، التكفير بمعنى: السَّتر، ومنه (الكُفُرَّى) وهي القشرة التي تَستر طَلْع النخلة، فمعنى ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أي: نسترها، والمراد بالسَّتْر لازمُه وهو العفو.
لكن ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ بماذا؟ بإيمانهم وعملِهم الصالح؛ لأن الإيمان يَهدم ما قبله، والعمل الصالح يقول الله فيه: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء ٣١].
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هذه هي سَترها، يعني مأخوذ من الكفر والستر.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم صحيح، ومنه: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾؛ لأنها مأخوذة من التغطية، وتغطية السيئات معناها إزالتها وعدم المؤاخذة عليها.
وقوله: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾، قال المؤلف: (بعمل الصالحات)، فأعمالهم الصالحة تكون مكفرة للسيئات، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ»[[أخرجه مسلم (٢٣٣/١٦) وأحمد (٩١٩٧) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، إلا أنه قال: «مكفرات ما بينهن».]]، وقال ﷺ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا»[[متفق عليه؛ البخاري (١٧٧٣) ومسلم (١٣٤٩/٤٣٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فالأعمال الصالحة تكون بمنزلة الغلاف على الأعمال السيئة حتى لا يظهر لها أثر.
قال: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ [العنكبوت ٧].
﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾، الجزاء بمعنى المكافأة على الشيء، وقوله: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ يقال فيها بالنسبة للتوكيد ما قيل في قوله: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ﴾.
وقوله: ﴿أَحْسَنَ﴾ قال المؤلف: (بمعنى حَسَن)، وكأنه فرَّ من إشكال قد يُورد، وهو أن الآية تدل على أنهم يُجزون أحسن الذي كانوا يعملون. طيب، والحسن؟ لأن العمل الصالح حَسَن وأحسن؟ فإذا كانت الآية ﴿أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت ٧] معناه أن الحَسَن يُجازون عليه ولَّا لا؟
* طالب: ما يجازون.
* الشيخ: ما يجازون، فلهذا أوَّل المؤلف ﴿أَحْسَنَ﴾ بمعنى حسن ما كانوا يعملون. ولكن نحن نرى أنه لا حاجة إلى التأويل، وأن ما دلت عليه الآية أولى مما قدَّره المؤلف، وهو أن الله يقول: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ جزاء ﴿الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، فهي على تقدير محذوف، ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ﴾ جزاء، نعم، وأحسن الجزاء بيَّنَه الله تعالى في قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام ١٦٠]، وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ﴾ [البقرة ٢٦١]، فهذا الجزاء أحسن جزاء ولَّا لا؟ أحسن جزاء؛ لأن الجزاء غايتُه أن يكون مثلما فعل الفاعل، لكن هنا يُجازى بأحسن وأعظم.
وعلى هذا فيكون (أحسن) ليس منصوبًا بنزع الخافض كما قال المؤلف: (ونصبه بنزع الخافض الباء)، بل هي مفعول ثانٍ؛ لقوله: (نجزي)، والمفعول الأول هو الهاء، والميم في قوله: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ للتوكيد؛ هذا هو معنى الآية الكريمة، يعني أن الله وعدهم بأمرين: بتكفير السيئات بالأعمال الصالحة، وبالجزاء على هذه الأعمال أحسنَ جزاءٍ يُعطونه؛ وذلك أن تكون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وقوله: ﴿أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، منين؟ يقول المؤلف: (وهو الصالحات)، فهذه الأعمال الصالحة التي يعملونها يُجازيهم الله عليها أحسن جزاءٍ يُجازون به.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت ٨].
لما ذكَر سبحانه وتعالى مُجمَل حقه وما توعَّد به المخالفين وما وعَد به المنافقين، قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾.
(وصيناه بهم) أي عهدنا إليه بهم، والوصية إنما تكون في الأمور الهامة.
وقوله: ﴿بِوَالِدَيْهِ﴾ أي: أمه وأبيه.
﴿حُسْنًا﴾، قال المؤلف: (أي: إيصاء ذا حُسْن)، فعلى رأيه يكون قوله: ﴿حُسْنًا﴾ وصفًا لمحذوف، أي: إيصاء حسنًا. و(حُسْن) كما تعرفون مصدر وليست حَسَنًا، فإذا كانت مصدرًا فإنه يجب أن يُقدَّر لها مضاف وهو (ذا حسن)؛ هكذا قال المؤلف.
ويحتمِل احتمالًا قويًّا: أن (حُسنًا) هذه منصوبة بنَزْع الخافض، أي: عهدنا إليه في حُسن، وأن الحُسن هنا بمعنى الإحسان، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ [الأحقاف ١٥]. وهذا أقرب من تقدير المؤلف، والله أعلم. (...)
* * *
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي هو الظاهر، هذا هو الظاهر بعينه، كما قال تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر ١٤]، أي: بمرأى منا بأعيننا.
* طالب: (...).
* * *
* الشيخ: على من ظن أن الله تعالى لا يقدر على الانتقام منه بعمل السيئات؛ لقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت ٤].
* ويستفاد منها أيضًا: تهديد عامل السيئات بأخذ الله لهم وأنهم لم يُعجِزوا الله.
* ويستفاد من هذا: تحريم ظنِّ السوء بالله؛ لقوله: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [العنكبوت ٤]، فإن من ظَنّ أن الله (...).
{"ayah":"وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











