الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ [القصص ٧٦].
﴿قَارُونَ﴾ اسم رجل غني من بني إسرائيل، و﴿كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ قال المؤلف: (من أقاربه)، فسر القَوم هنا بالأقارب، فقال: (إنه ابن عمه وابن خالته)، كيف (ابن عمه وابن خالته)؟ ويش يصير؟ صورها لي؟
* طالب: أخوان يتزوجان أختين.
* الشيخ: تزوجا أختين، أخوان تزوجا أختين، فأتى كل واحد منهما بولد، يكون هذان الولدان ابني عم وابني خالة، ولكن هذا دعوى ما ندري عنها هل تصح ولّا لا؟ إنما قيل بها أنه كان ابن عمه، وقيل: إنه كان من قومه؛ أي: من بني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل هم قوم موسى، ونحن لا يهمنا أن يكون قريبًا من موسى أو بعيدًا منه، المهم هو قصته التي وقعت، وأن هذا الرجل كان من قوم موسى.
(وآمن به ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ بالكبر والعلو وكثرة المال) الباء للسببية، ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ أي: اعتدى واستطال عليهم، على من؟ على قوم موسى، ﴿كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص ٧٦] أي: على هؤلاء القوم؛ وذلك بما أعطاه الله تعالى من المال صار طاغيًا، وهذا هو شأن الإنسان من حيث هو إنسان، قال الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق ٦، ٧]، فهذا الإنسان إذا كثر ماله ورأى أنه في غنًى عن غيره يطغى، والعياذ بالله.
﴿وَآتَيْنَاهُ﴾.
* طالب: وين (...)؟
* الشيخ: الباء في قوله: (بالكبر).
قال: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ﴾ [القصص ٧٦]، ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿مِنَ الْكُنُوزِ﴾ أي: من كنوز المال، وهو جمع كنز، والكنز ما يحتفظ به ويغلق عليه، ويشمل جميع أنواع المال من ذهب وفضة وزمرد وجواهر ونقود وغير ذلك.
هذه الكنوز ﴿مَا إِنَّ﴾، ﴿مَا﴾ اسم موصول وهي المفعول الثاني لـ(آتيناه)، ومفعولها الأول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، الضمير، الهاء في ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾.
وقوله: ﴿مَا﴾ أي الذي ﴿إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص ٧٦].
﴿إِنَّ﴾ حرف توكيد تنصب المبتدأ والخبر، و(مفاتح) اسمها، وجملة ﴿لَتَنُوءُ﴾ خبرها، والجملة من ﴿إِنَّ﴾ واسمها وخبرها صلة الموصول ﴿مَا﴾ يعني: الذي ﴿إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾، المفاتيح تنوء أي: تثقل به، ﴿إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾، و(مفاتح) جمع مفتح، وهو اسم للمفتاح.
قال المؤلف: (﴿لَتَنُوءُ﴾ تثقل ﴿بِالْعُصْبَةِ﴾ الجماعة ﴿أُولِي﴾ أصحاب ﴿الْقُوَّةِ﴾ أي: تثقلهم، فالباء للتعدية).
الباء في قوله: ﴿بِالْعُصْبَةِ﴾ لتعدية الفعل إلى مفعوله بحرف الجر، وإنما احتاج المؤلف إلى هذا؛ لأن (ناء، ينوء) يتعدى بنفسه أو بحرف الجر، وهنا تعدى بحرف الجر.
(أي: تثقلهم، فالباء للتعدية، وعدتهم قيل: سبعون، وقيل: أربعون، وقيل: عشرة، وقيل غير ذلك) عدة العصبة، ولا ريب أن العصبة هي الجماعة التي يعصب بعضها بعضًا، والعصب في اللغة: الشد، ومنه سموا القرابة عصبة؛ لأنهم يشدون أزر قريبهم.
فهم الجماعة ذوو القوة، بعض العلماء يقول: من ثلاثة إلى سبعة، بعضهم يقول: إلى عشرة، وبعضهم -كما قال المؤلف: (سبعون) و(أربعون)، والمسألة فيها خلاف، ولكن الظاهر لنا أنهم هم الجماعة الذين يشد بعضهم بعضًا، ولا بد أن يكونوا ذوي كثرة، ولا حاجة إلى حدهم.
لكن مع هذا، مع كونهم جماعة مجتمعين، هم أولو قوة أقوياء، فاجتمع هنا في حقهم أمران: القوة بالكيفية، والعدد في الكمية، فصار عندهم كمية وكيفية، هؤلاء الجماعة لو اجتمعوا على حمل المفاتيح فقط، بس المفاتيح، لكانت المفاتيح تثقلهم، نقول مثلًا: هذا ما يشيله عشرة، مفاتيحه ما يشيلها العشرة أصحاب القوة، إذا كان هكذا فما بالك بالخزائن؟! هذه مفاتيح الخزائن، فما بالك بما في هذه الخزائن؟! يعني (...) كثير جدًا أعطاه الله سبحانه وتعالى.
﴿إِذْ قَالَ لَهُ﴾: (اذكر ﴿إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾ المؤمنون من بني إسرائيل ﴿لَا تَفْرَحْ﴾ [القصص ٧٦] بكثرة المال فرح بطر).
﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾ الناصحون له، وهم كما قال المؤلف: (المؤمنون)؛ لأنه لا ينصح بمثل هذه النصيحة إلا رجل مؤمن.
وكلمة: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾، الإضافة تفيد بيان أن هؤلاء على جانب كبير من النصح؛ لأن من كان من قومك فإنه يبعد أن يغشك، ولا بد أن يكون ناصحًا لك.
وقوله: ﴿لَا تَفْرَحْ﴾، ﴿لَا﴾ نافية أو ناهية؟
* طالب: ناهية.
* الشيخ: ويش الدليل؟
* الطالب: جزم.
* الشيخ: جزم الفعل، نعم، ﴿لَا تَفْرَحْ﴾، والفرح ينقسم إلى قسمين: فرح يكون سرورًا لا يحمل على الأشر والبطر، بل يكون حاملًا للإنسان على رضاه بنعمة الله سبحانه وتعالى وقيامه بما أوجب الله عليه فيها، والثاني: فرح بطر وترفُّع وعدوان وبغي، وهذا هو الفرح الذي نهى عنه هؤلاء القوم قارونَ.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ وهذه الجملة هل المراد: لا يحب ولّا يكره؟ أو أنه إذا نفى المحبة ثبت ضدها؟ نعم، هو من ناحية السبر والتقسيم؛ إما أن يفرح أو لا يفرح أو يكره؛ يعني قصدي: يحب أو لا يحب أو يكره، ولّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: الإنسان إما أن يحب الشيء، أو يكره الشيء، أو لا يحب ولا يكره، فإذا قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد ٢٣]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص ٧٦]، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة ٢٠٥]، هل المعنى نفي المحبة فقط ويكون هذا الأمر الذي نفيت المحبة فيه ليس محبوبًا ولا مكروهًا عند الله، أو المراد إثبات ضد ذلك؟
* طالب: إثبات ضد ذلك.
* الشيخ: الظاهر -والله أعلم- أن المراد إثبات ضده، وإن كانت القسمة العقلية لا تقتضي ذلك، لكن السياق يقتضيه؛ لأن كل شيء نفى الله أنه يحبه نجد أنه مما يكرهُهُ الله، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة ٦٤]، ﴿لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة ٢٠٥]، ﴿لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان ١٨]، ﴿لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام ١٤١]، ﴿لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص ٧٦]، فالظاهر من السياقات أن المراد أيش؟ إثبات الكراهة، لكنه أتى بنفي المحبة؛ لأن المحبة محبوبة، فكأن هذا الذي أحب الفساد أو أحب الفرح وما أشبه ذلك يُقابل بنقيض قصده.
وقوله: (﴿الْفَرِحِينَ﴾ بذلك) المشار إليه كثرة المال، (بذلك) أي: بكثرة المال، والمراد بالفرح الذي نفى الله محبته فرح البطر والأشر.
فإذا قال قائل: ما الجمع بين قوله تعالى هنا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص ٧٦]، وقوله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس ٥٨]؟
قلنا: إن المراد بقوله: ﴿بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، الفرح بفضل الله: الدين، العلم، والإيمان، ولهذا قال: ﴿هُوَ خَيْرٌ﴾ منين؟ ﴿مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ من الدنيا، فدل هذا على أن الفرح الذي أمر به أن يفرح الإنسان بما أنعم الله به عليه من العلم والإيمان، وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ»[[أخرجه أحمد (١١٤)، والنسائي (٩١٨١) واللفظ له من حديث عمر بن الخطاب.]]، أما الفرح الذي لا يُحمد صاحبه، فهو الفرح بالدنيا على وجه البطر والأشر.
الفرح في الدنيا على وجه أنه حصل للإنسان ما يسره لا بطرًا؟ هذا لا بأس به، «قال عمرو بن سلمة الجرمي لما كساه قومه ثوبًا، قال: فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي بمثل هذا الثوب»[[أخرج البخاري (٤٣٠٢)، وأبو داود واللفظ له (٥٨٥) من حديث عن عمرو بن سلمة، قال: كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي ﷺ، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله ﷺ قال: كذا وكذا، وكنت غلًاما حافظًا، فحفظت من ذلك قرآنًا كثيرًا، فانطلق أبي وافدًا إلى رسول الله ﷺ في نفر من قومه فعلمهم الصلاة، فقال: «يؤمكم أقرؤكم» وكنت أقرأهم لِمَا كنت أحفظُ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعليَّ بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشَّفت عني، فقالت: امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصًا عمانيًّا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين.]]، أو قال: «بهذا الثوب»، ولّا لا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: «وقالت عائشة: لأن أكون استأذنت النبي ﷺ كما استأذنته سودة -يعني في الدفع من مزدلفة- أحب إليَّ من مفروح به»[[أخرج البخاري (١٦٨١) ومسلم واللفظ له (١٢٩٠/٢٩٣) عن عائشة رضي الله عنه قالت: لأن أكون استأذنت رسول الله ﷺ كما استأذنته سودة، فأكون أدفع بإذنه، أحب إلي من مفروح به.]].
فالفرح الطبيعي الذي ما يحمل على الأشر والبطر والكبرياء هذا أمر لا يُذم الإنسان عليه، بل إذا فرح به؛ لأنه وسيلة إلى مقصود شرعي كان بذلك محمودًا مأجورًا عليه، مثل: أن يفرح بما جاءه من المال؛ لأنه يحب أن يبذله في سبيل الله أو في طلب العلم أو في بناء المساجد أو في التصدق على الفقراء، يكون هذا الفرح محمودًا.
{"ayah":"۞ إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَیۡهِمۡۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَاۤ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوۤأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُو۟لِی ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡفَرِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











