الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [القصص ٧٣].
﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ﴾، الجار والمجرور متعلق بقوله: ﴿جَعَلَ﴾، يعني: وجعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه من رحمته.
وقوله: ﴿مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ ﴿مِنْ﴾ هنا للسببية، أي: بسبب رحمته، أو بسبب ما اتصف به سبحانه وتعالى من الرحمة، والرحمة صفة حقيقية ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي غير الإرادة، غير إرادة الإنعام، وغير الإنعام، فأهل السنة والجماعة يقولون: إن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله عز وجل لا تُشبِه رحمة المخلوق، وأما الأشاعرة فيُحرِّفون معنى الرحمة إلى أنها الإنعام أو إرادة الإنعام، فيفسرونها بالفعل وهو الإنعام، أو إرادته؛ لأنهم يثبتون الإرادة وهي صفة معنوية يثبتونها، وقد مر علينا أنهم لا يثبتون من الصفات إلا سبع صفات، منها الإرادة، فيفسرون الرحمة بإرادة الإنعام، لماذا؟ قالوا: لأن الإرادة دل عليها السمع والعقل، ونحن لا نُثبت من صفات الله إلا ما دل عليه العقل، فأما ما لم يدل عليه العقل فإنه يجب علينا أن نؤوله، ونحن نقول: نحرفه على فعلهم، هم يسمونه تأويلًا، ونحن نقول: هو تحريف، فيقولون: ما دل عليه العقل من صفات الله أثبتناه، وما لا فإنه يجب أن نؤوله، وبالمعنى الأصح أن نحرفه.
ويش دليل العقل على الإرادة؟ يقولون: إن العقل يدل على الإرادة بواسطة التخصيص؛ تخصيص المخلوقات، كل شيء من المخلوقات خُصِّص بشيء، ولَّا لا؟ هذا أراد الله أن يكون قاسيًا فصار قاسيًا، وهذا أن يكون لينًا فصار لينًا، وهذا يكون طويلًا فيكون طويلًا، وهذا قصير فيكون قصيرًا، إلى آخره. هذا، قلنا (...)، هذا يدل أيش؟ يدل على إرادة، يعني الأمر لا يخلو من إرادة.
الرحمة ليش أنكرتموها؟ قالوا: لأن الرحمة عبارة عن رِقَّة تعتري القلب، توجب الحنو على المخلوق أو المرحوم. فنقول لهم: هذه الرحمة التي ذكرتم إنما هي رحمة المخلوقين، ونحن نثبت لله رحمة لا تُشبه رحمة المخلوقين، ثم إننا نستدل على الرحمة بالعقل كما استدللتم على الإرادة بالعقل، كم لله سبحانه وتعالى علينا من نعمة؟
* طالب: لا تعد.
* الشيخ: لا تعد ولا تحصى، وكم لله تعالى من تفريج كربات؟ لا تعد ولا تحصى. ما هو الأمر المقتضي لهذه الأشياء لجلب النعم ودفع النقم؟
* طالب: الرحمة.
* الشيخ: الرحمة؛ لأن القاسي الذي لا يرحم (...) ما يجلب النعمة ولا يدفع النقمة.
فإذن الاستدلال بالحوادث التي فيها جلب النعم ودفع النقم أظهر وأبين من الاستدلال بالتخصيص على الإرادة؛ لأن دلالة التخصيص على الإرادة لا يفهمها إلا أفراد من الناس، لكن دلالة جلب المنافع ودفع النِّقَم على الرحمة كل الناس يفهمونها، حتى العامي في سوقه إذا شاف رجلًا قاسيًا على أولاده مثلًا قال: هذا ما في قلبه رحمة، وإذا شاف أنه مثلًا دائمًا يجلب لهم الخير ويدفع عنهم الشر قال: هذا إنسان رحيم.
فإذن دلالة العقل على الرحمة أقوى من دلالته على الإرادة، ومع ذلك هم يُثبتون الإرادة ولا يُثبتون الرحمة.
فهم يقولون: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ﴾، ما يمكن أن نثبت لله صفة هي الرحمة، وإنما نقول: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [القصص ٧٣] من إنعامه. ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ...﴾ إلى آخره [القصص: ٧٣].
ونحن نقول: إن ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ﴾ ﴿مِنْ﴾ للسببية. و﴿رَحْمَتِهِ﴾ هي صفته التي اتصف بها أزلًا وأبدًا؛ ولهذا افتتح كتابه ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم﴾ [الفاتحة ١] وقرن ربوبيته بذلك: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة ٢، ٣] إشارة إلى أن هذه الربوبية كلها ربوبية رحمة، ما هي ربوبية انتقام وغلظة، بل هي ربوبية رحمة، فكيف ننكر هذه الصفة العظيمة من صفات الله ونُثبت ما هو دونها؟
وهذا يدل على تناقض هؤلاء المعطلين من الأشعرية والمعتزلة وغيرهم، وأنهم يتناقضون فيثبتون لله من الصفات ما يدل العقل على إثبات ما هو أولى منه، وينكرون من الصفات ما يدل العقل على إثباتها.
﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ﴾، ﴿جَعَلَ﴾ بمعنى خلق، وليست بمعنى صيَّر، ولهذا لم تنصب مفعولين.
﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [القصص ٧٣]، ليل ونهار يتعاقبان بينكم على الناس.
(﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [القصص ٧٣] أي: في الليل، ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ في النهار للكسب).
قوله: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾، اللام للتعليل، أي: لأجل أن تسكنوا فيه، ولا يلزم من وجود المعلول وجود العلة إذا لم تكن العلة مؤثرة، مثلًا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦] هذه علة غائية، والعلة الغائية لا يلزم من وجود المعلول وجودها، فلا يلزم من الخلق وجود العبادة.
كذلك ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ هذه علة غائية وليست علةً مؤثرة، ولا يلزم من وجود المعلول وجود العلة الغائية، فمثلًا قد يقول قائل: نجد بعض الناس ما يسكنون في الليل، صح ولَّا لا؟ فيه ناس ما يسكنون بالليل، أحد معاشه بالليل كالحراس، وأحد لهوه بالليل كأصحاب البطالة الذين ينامون النهار ويسهرون الليل. فنقول: إن وجود المعلول إذا كانت العلة غائية لا يلزم منه وجود العلة، كما لو قلت: قدَّمْت لك هذه البعير لتركب عليها، فقد تركب وقد لا تركب. أعطيتك القلم لتكتب به. ربما تكتب وربما لا تكتب.
قوله: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ يقول المؤلف: (تسكنون تستريحون)؛ إذ إنه ليس من السكنى، ولكنه من السكون.
أين النون في قوله: ﴿لِتَسْكُنُوا﴾؟ النون حذفت.
* طالب: (...).
* الشيخ: حُذفت النون؛ لأنه منصوب الفعل، العجيب أنه عندي أنا (لتسكنونه)، عندي بالشرح، وفسر أيضًا المفسر بقوله: (تستريحونه)، لا، أستغفر الله! هذا اللي قبله.
(﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ أي: في الليل) يعني تستريحون.
﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص ٧٣]، (تبتغوا) أي: تطلبوا.
وقوله: ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: من عطائه ورزقه (في النهار للكسب).
وفي الآية هنا لف ونشر مُرتَّب ولَّا غير مرتب؟
* طالب: غير مرتب.
* الشيخ: ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص ٧٣]؟
* طالب: غير مرتب.
* الشيخ: مرتب.
* الطالب: كيف؟
* الشيخ: إي، بدأ بالليل، وقدم منفعته؛ السكون، وهذا في الليل، ففيه لف ونشر مرتب: ﴿اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾.
﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
(لعل) هذه للتعليل، أي لأجل أن تشكروا الله سبحانه وتعالى على نعمته، فهذا ذكر الله سبحانه وتعالى العلتين؛ الشرعية والقدرية، أما القدرية فهي؟ العلة القدرية في خلق الليل والنهار؟ ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾.
* طالب: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾.
* الشيخ: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾. والعلة الشرعية؟
* الطالب: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. تشكرون الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليكم من تعاقب الليل والنهار؛ لأن الأشياء تتبين بضدها، لو كان الليل سرمدًا والنهار سرمدًا ما كان أحد يستريح بليل، ولا يبتغي الفضل بالنهار، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك لأجل الراحة، مع أن هناك فوائد أخرى غير مسألة ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص ٧٣]، ذكرها الله في سورة الفرقان: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان ٦٢]، وفي الحديث الصحيح: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ»[[أخرجه مسلم (٢٧٥٩/٣١) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]].
فالحاصل أن في تعاقب الليل والنهار فوائد عظيمة تستوجب أن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها.
واعلم أن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح:
أما الشكر بالقلب: فهو أن يعترف الإنسان بقلبه بأن هذه النعم من الله تعالى وحده، يعترف اعترافًا كاملًا، حتى لو أن هذه النعم جاءت عن سبب، فليعتقد أن السبب منين؟ من الله، هو الذي أوجده فحصلت به هذه النعمة.
وأما الشكر باللسان: فإنه الثناء على الله تعالى بما يستحق، سواء على هذه النعمة أو غيرها، فالثناء على الله بما يستحق على هذه النعمة أو على غيرها، كل ذلك داخل في الشكر، وعلى هذا فقول الإنسان: سبحان الله والحمد لله والله أكبر يُعتبر شكرًا، وقوله حينما يأكل طعامًا أو يشرب شرابًا: الحمد لله-يعني على هذا الطعام أو الشراب- يعتبر أيضًا من الشكر.
أما الثالث، وهو الجوارح: فهو أن يقوم الإنسان بطاعة الله، سواء تتعلق بهذه النعمة أو لا، فيستعين بهذه النعمة على طاعته، أو يفعل الطاعة التي لا تتعلق بهذه النعمة.
؎أَفَادَتْكُـــمُ النَّعْـــــمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
(يدي) وهذا جارح، (ولساني) وهذا قول اللسان، (والضمير المحجبا) وهذا اعتراف القلب.
إذا قال قائل: ذكرتم أن الشكر باللسان هو الثناء على الله سبحانه وتعالى سواء كان يتعلق بهذه النعمة أو بغيرها، هل يدخل في هذا قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى ١١]؟
* طالب: نعم، يدخل.
* الشيخ: نعم، يدخل في هذا: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، فيكون داخلًا في هذه الآيات الكريمة.
إذا قال قائل: هذا يوجب الافتخار؟ قلنا: لا، ليس هذا على سبيل الافتخار، بل هو على سبيل التواضع لله، وأن هذه النعم من الله، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ»[[أخرجه الترمذي (٣١٤٨) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]].
ثم قال تعالى: (﴿وَ﴾ اذكر ﴿يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ﴾ [القصص 74]) أفادنا المؤلف بتقدير (اذكر) أن الظرف ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ متعلق بمحذوف تقديره (اذكر).
وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ﴾ أي: الله، وذلك يوم القيامة ﴿فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص ٦٢]، أظنه مرت علينا هذه؟ إي، مرت قريبًا، وهذا تكرار للتحذير من الشرك؛ معناه: اذكروا أيضًا النداء مرة ثانية ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص ٦٢].
ومعنى ﴿شُرَكَائِيَ﴾ يعني: الذين جعلتموهم شركاء لي في الخلق والرزق والتدبير، أو في العبادة؟
* طالب: في العبادة.
* الشيخ: نعم، الذين أشركوا حين بُعث الرسول في العبادة، وهم يُقرُّون بأن الله منفرد بالخلق والرزق، لكن من الناس من ينكر ذلك أيضًا ويقول: لا رب، أو يقول: إن هذه الأشياء أوجدتها الطبيعة المحضة، هذا أيضًا نوع من الشرك، والأول تعطيل محض؛ اللي ينكر الإله مطلقًا هذا مُعطل محضًا، والثاني مشرك.
وقوله: ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾، قال المؤلف: (ذُكِر ثانيًا ليُبْنى عليه ﴿وَنَزَعْنَا﴾ أخرجنا ﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ [القصص ٧٥]، وهو نبيهم يشهد عليهم بما قالوا ﴿فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ على ما قلتم من الإشراك ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ [القصص ٧٥] أي: الألوهية لله) إلى آخره.
نقف على هذا (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا؛ لأنه قول، هو من الجوارح بلا شك لكنه قول، فلهذا كان (...).
حقيقية ثابتة لله على وجه الكمال، ولا تشبه رحمة المخلوقين.
(...)
فمثلًا إذا قيل: إن الرحمة تقتضى الضعف والرقة وما أشبه ذلك، قلنا: هذا بالنسبة للمخلوق، فهو رحمة حقيقية لا تشبه رحمة المخلوق.
* ومنها، من فوائدها: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى بتعاقب الليل والنهار ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [القصص ٧٣].
* ومنها: أن الليل للسكن والنهار لطلب المعاش؛ لقوله: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ في الليل ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص ٧٣] في النهار.
* ويتفرع على هذه المسألة فائدة، وهي: ما ذكره الأصحاب -رحمهم الله- في القسم بين الزوجتين، إذا كان للإنسان زوجتان، وأراد أن يقسم بينهما، فإن مدار القسم الليل ولّا النهار عماده؟ عماده الليل لمن معاشه في النهار، والنهار لمن معاشه في الليل، فإذا أشكل علينا الأمر فالعماد هو الليل بأنه محل سكن.
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: أن الليل هو محل السكن، فالسكون فيه في النوم، فالراحة أفيد للبدن من ذلك في النهار.
* ومنها أيضًا: إثبات الأسباب؛ حيث قال: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ لتطلبوا، فالرزق ما يأتي من السماء ينزل، بل لا بد فيه من طلب، إذا لم تفعل هذا السبب الذي تحصل به على الرزق ما حصل الرزق؛ لأن الله تعالى حكيم، ربط الأسباب بمسبباتها، ففي الآية ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ إثبات الأسباب، وأن الأمور بأسبابها.
* ومنها: أن الرزق منة من الله عز وجل وفضل وعطاء ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص ٧٣]، فليس حاصلًا بمجرد كد الإنسان وكدحه، وكم من إنسان يكد ويكدح ومع ذلك يكون رزقه ضيقًا، وكم من إنسان يفعل أسبابًا أقل مما فعله الأول ثم يوسع له في الرزق.
* ومن فوائد الآية: أهمية الشكر؛ لقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص ٧٣].
* ومنها، من فوائد الآية: أنه ينبغي للمرء أن يكون ذا بصيرة فيما سخر الله له، حتى يشكر الله عليه، فإن الله سخر لنا الليل والنهار، والشمس والقمر، فلنأخذ من هذا عبرة نتوصل بها إلى شكر الله سبحانه وتعالى على ذلك.
* * *
ثم قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص ٧٤].
يؤخذ من فوائدها ما سبق في الآية الأولى، أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ما مرت علينا هذه الآية بلفظها؟ نعم، مرت علينا بلفظها، فتحال فوائدها على ما سبق.
قال الله تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ [القصص ٧٥].
﴿وَنَزَعْنَا﴾ النزع بمعنى الإخراج، نزع الشيء من الشيء: أخرجه منه، ﴿وَنَزَعْنَا﴾ أي: (أخرجنا) ﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ﴾ والمراد بالأمة هنا الطائفة، ولكنها ليست مجرد الطائفة، الطائفة التي كانت على منهاج واحد، فهذه الأمة، إذا كانت طائفة على منهاج واحد فإنها تُسمى أمة، ولهذا جاءت فيها (الميم) الدالة على الجمع والاجتماع، فالدولة ذات الأحزاب تكون أمة ولّا لا؟ ما هي أمة في الواقع؛ لأنها مختلفة، لكن الأمة هي الطائفة التي اجتمعت على منهاج واحد، فمثلًا أُمة الإسلام على دين واحد، أمة الكفر على دين واحد.
وقوله: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾، ﴿شَهِيدًا﴾ بمعنى شاهدًا، ولكنه أتى بصيغة المبالغة أو بصيغة الصفة المشبهة باسم الفاعل.
ومن المراد بالشهيد؟ يقول المؤلف: (وهو نبيهم، يشهد عليهم بما قالوا)، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
وقال بعض العلماء: المراد بالشهيد: العريف، مثل ما نقول: العريف؛ يعني: زعيمهم وكبيرهم ننزعه من بينهم، ثم نسأله هذا السؤال المبني على التحدي: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص ٧٥]، وهذا ما ذهب إليه شيخنا عبد الرحمن في تفسيره، أن المراد بالشهيد هنا: الكبير من الأمة الذي يُعتبر بمنزلة العريف؛ وذلك لأن الكبير من الأمة نائب عن الأمة، وأيًا كان فالأقرب -والله أعلم- ما ذهب إليه شيخنا: أن المراد بالشهيد من يكون شهيدًا بينهم ومُعتبرًا بينهم، فهو بمنزلة العريف.
(﴿فَقُلْنَا﴾ لهم ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ )، من القائل؟ الله سبحانه وتعالى.
﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ البرهان: الدليل، أي: هاتوا الدليل (على ما قلتم من الإشراك)، يجيبون دليلًا ولّا لا؟
* طالب: ما يجيبون.
* الشيخ: طبعًا، ما عندهم دليل.
وقوله: ﴿هَاتُوا﴾ فعل أمر، والمقصود به التحدي والتوبيخ أيضًا، التحدي؛ لأنه طلب ما لا يمكن، والتوبيخ؛ لأنه سوف يلحقهم من الخزي والعار أمام الناس في ذلك المجمع ما لا يستطيعون دفعه.
وقوله: ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ [القصص ٧٥]، متى علموا أن الحق لله؟ لما لم يأتوا بدليل وبرهان على إشراكهم، علموا أنه لا حق لهم في هذا الإشراك، وأن الحق لمن؟ ﴿الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ وحده، وأن هذه الأصنام ليس لها حق في العبادة، كذا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: هذه الأصنام ليس لها حق في العبادة، ﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ يعني في العبادة ﴿لِلَّهِ﴾ وحده.
وهذا العلم ينفعهم في ذلك الوقت ولّا لا؟ ما ينفعهم؛ لأنهم في ذلك اليوم يوم المجازاة، ينفعهم لو أنهم عملوا به في الدنيا لنفعهم، لو علموا أن الحق لله في الدنيا ثم عملوا لكان ذلك نافعًا لهم، أما بعد أن شاهدوا العذاب فيعلمون أن الحق لله فإن ذلك لا ينفعهم.
لكن فيه فائدة عظيمة، الفائدة العظيمة في ذلك: هي إقامة الحجة عليهم ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك ٨ - ١٠]، فالفائدة من ذلك من كونهم يتحدون حتى يتبين لهم أن الحق لله هو أنهم يعرفون أنهم لم يُظلموا شيئًا.
﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا﴾ [القصص ٧٥] نعم، (﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ في الإلهية ﴿لِلَّهِ﴾ لا يشاركه فيه أحد).
(﴿وَضَلَّ﴾ غاب ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص ٧٥] في الدنيا من أن معهم شريكًا تعالى الله)، (شريكًا) أيش بعدها؟
* طالب: (تعالى عن ذلك).
* الشيخ: (تعالى عن ذلك)؟
﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا﴾، ﴿وَضَلَّ﴾ يقول المؤلف: (بمعنى غاب)، ولكن (ضل) أبلغ من (غاب)؛ لأن (ضل) يقتضي كأنه أمر مطلوب، يُطلب ولكنهم عجزوا عنه، كالضالة، الإنسان إذا ضلت بعيره مثلًا أو شاته يتطلبها فلم يجدها، ويكون ذلك أشد عليه حسرة، فهنا ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ كأنما هو شيء مفقود عزيز عليهم، ولكنهم لم يتمكنوا منه.
وقوله: ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص ٧٥]، ﴿مَا﴾ ويش إعرابها؟
* طالب: موصول.
* الشيخ: اسم موصول فاعل (ضل) أو لا؟ فاعل (ضل)؟ إي نعم، فاعل (ضل)، وأين العائد؟
* الطالب: محذوف.
* الشيخ: والتقدير؟
* الطالب: يفترونه.
* الشيخ: ما كانوا يفترونه.
وقول المؤلف: (في الدنيا)؛ لأن ﴿كَانُوا﴾ فعل ماض، فـ﴿مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ في الدنيا من أن مع الله شريكًا، يضل عنهم هذا الشريك يوم القيامة، ولا يستطيعون أن يقوموا ببرهان عليه.
{"ayahs_start":73,"ayahs":["وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُوا۟ فِیهِ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","وَیَوۡمَ یُنَادِیهِمۡ فَیَقُولُ أَیۡنَ شُرَكَاۤءِیَ ٱلَّذِینَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ","وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدࣰا فَقُلۡنَا هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡ فَعَلِمُوۤا۟ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"],"ayah":"وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدࣰا فَقُلۡنَا هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡ فَعَلِمُوۤا۟ أَنَّ ٱلۡحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











