الباحث القرآني
(﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ عقوبة ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من الكفر وغيره ﴿فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا﴾ هلا ﴿أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ المرسل بها ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص ٤٧]).
(لولا) هنا تكررت مرتين، وفي كل موضع لها معنى غيره في الموضع الآخر.
الأول قال: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ﴾ الضمير يعود على قريش، أهل مكة، وإصابة الشيء بمعنى نزوله، يعني تنزل به مصيبة، والمراد بالمصيبة هنا العقوبة بسبب كفرهم، وهي - أعني (لولا) - حرف امتناع لوجود، و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ، وجواب (أن) محذوف كما يقدره المؤلف.
وقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ﴾ أي: بسبب، و(ما) اسم موصول، أي: بسبب الذي قدمت أيديهم، والمراد بأيديهم أنفسهم، أي: بما قدموه، وعبر باليد عن النفس لأن اليد في الغالب هي آلة العمل.
واعلم أن هناك فرقًا بين إضافة الفعل إلى اليد وبين إضافة الفعل إلى النفس بواسطة اليد، فمثلًا قوله تعالى: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١]، أي: مما عملناه، أي: مما خلقناه، وليس المراد أن الله خلق الأنعام بيده.
وأما قوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥]، فهنا أضاف الفعل إلى نفسه، ثم جعل اليد واسطةً، فيدل على أن آدم خلق بيد الله.
كذلك مثلًا لو قلت: (بما عملت بيدك) فهنا نقول: الإنسان عمل الشيء بيده، كذا ولَّا لا؟ فهو عمله نفسه لكن بيده. أما إذا قلت: (بما عملت يداك)، أو (بما قدمت يداك)، فالمراد: بما عملت، سواء عملته بواسطة اليد أو بالعين أو بالرجل أو باللسان، المهم أنه يُضاف إليك، يضاف العمل إلى اليد، لا إلى العامل بواسطة اليد، فإذا أُضيف إلى العامل بواسطة اليد صار العمل له، لكن من باب المباشر للعمل اليد، وإذا أضيف العمل إلى اليد صار المراد به عمل الإنسان سواء بيده أو بغير يده.
فقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ ليس كقوله: بما قدموا بأيديهم أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لأن الأول المراد (بما قدموا) سواء كان باليد أو بالرجل أو بالعين أو بالأذن أو باللسان.
وقوله: (﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من الكفر وغيره)، صحيح أن المصائب ما تكون إلا بالمعاصي، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠]، وهنا قال: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ بسبب كفرهم.
﴿فَيَقُولُوا﴾، الفاء حرف عطف، و(يقولوا) معطوف على ﴿تُصِيبَهُمْ﴾، يعني: (فأن يقولوا) متى؟ بعد المصيبة ولا قبلها؟
* طالب: بعدها.
* الشيخ: بعد المصيبة، ﴿فَيَقُولُوا﴾ محتجين على الله: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ﴾، يعني: هلا أرسلت إلينا رسولًا قبل أن تصيبنا بالعقوبة ﴿فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وهي حجة لهم ولَّا لا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: إي حجة لهم، لو أصيبوا بغير أن يرسل إليهم رسول لكان ذلك حجة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾، ويقول: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥]، فلولا هذا الأمر أن يصابوا بكفرهم وذنوبهم ثم يحتجوا على ربهم بأنه لم يرسَل إليهم رسول، فما هو الجواب؟ هل الجواب: لعاقبناهم؟ أو الجواب: لما أرسلناك إليهم؟
* طالب: لما أرسلناك إليهم.
* الشيخ: نشوف، قال المؤلف: (وجواب لولا محذوف، وما بعدها مبتدأ)، يعني: والخبر محذوف معروف، (والمعنى لولا الإصابة المسبب عنها قولهم، أو لولا قولهم المسبب عنها لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولًا).
كأن المؤلف جعل الجواب مركبًا من إثبات ونفي، الإثبات قوله: (لعاجلناهم بالعقوبة)، والنفي: (ولما أرسلناك إليهم)، لماذا؟ لأنهم هم ذكروا أمرين؛ لأن الله ذكر أمرين: الإصابة، وقولهم: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾، فكان الجواب أيضًا مركبًا من أمرين.
ويجوز أن يكون الجواب مركبًا من أحد الأمرين، أي: لعاقبناهم أو لما أرسلناك إليهم؛ لأن المعنى يتم بدون تقدير الأمرين جميعًا، وعلى هذا فتكون الواو هنا في كلام المؤلف بمعنى (أو).
وأظن الآية معناها واضح من حيث الإجمال: أنه لولا أن هؤلاء الكفار المستحقين للعقوبة بسبب كفرهم، لولا أن يحتجوا بأنه لم يرسَل إليهم رسول، لعاقبناهم بدون أن نرسلك، أو لما أرسلناك إليهم، فيكون إرسال النبي عليه الصلاة والسلام إقامةً للحجة عليهم، ودفعًا ليش؟ لحجتهم؛ دفعًا لحجتهم ودحضًا لها. فكأن النبي عليه الصلاة والسلام الآن أرسل إليهم قبل أن يؤخذوا بالعقوبة، وهذا يقتضي أنهم إذا كذبوه كانوا مستحقين للعقوبة؛ لأن الحجة التي يحتجون بها قد زالت.
طيب، عندنا الإعراب أظننا فهمناه من كلام المؤلف:
(لولا) الأولى شرطية، وهي حرف امتناع لوجود.
و(لولا) الثانية تحضيضية بمعنى هلا.
وقوله: ﴿فَيَقُولُوا﴾ معطوف على قوله: ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ﴾.
وقوله: ﴿فَنَتَّبِعَ﴾ منصوب بـ(أن) مضمرةً بعد فاء السببية الواقعة في جواب (لولا) التحضيضية ولَّا لا؟ منصوب بـ(أن) مضمرةً بعد فاء السببية الواقعة جوابًا لـ(لولا) التحضيضية.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا؛ (لولا) التحضيضية، (لولا) بمعنى (هلا)، نعم، وهي تحضيضية، وإذا وقعت الفاء في جوابها نُصب الفعل بـ(أن) مضمرة.
ابن مالك يقول:
؎وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ ∗∗∗ مَحْضَيْنِ أَنْ وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ
يعني أن (أن) تنصب بعد فا الواقعة في جواب طلب أو نفي محضين، (وسترها) أي حذفها وجوبًا (حتم).
وأظنه موجود في بيت يقرؤه الطلاب منذ صغرهم لما تنصب فيه (أن) مضمرة في الجواب، وهو؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا شاهد، قواعد.
؎مُرْ وَادْعُ وَانْهَ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمِ ∗∗∗ تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاكَ النَّفْيُ قَدْكَمُلَا
هذه تسعة، إذا وقعت الفاء جوابًا لواحد منها فإنه ينصب الفعل بعدها بـ(أن) مضمرةً، ما حفظتموه من قبل؟
؎........................... ∗∗∗ تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاكَ النَّفْيُ قَدْكَمُلَا
* طالب: ما يصح (...)؟
* الشيخ: لا، ما يصح؛ لأنه قد تكون فاء السببية عاطفة.
طيب، بعد هذه الأمور، أمَّا (مُرْ) فهي إشارة للأمر، نعم، كما تقول: (انزلْ عندنا فنكرمَك).
(وادع) هذا دعاء الله، قال الشاعر:
؎ربِّ وفِّقْنِي فَلَا أَعْدِلَ عَنْ ∗∗∗ سَنَنِ السَّاعِينَ في خَيْرِ سَنَنْ
(رب وفقني فلا أعدلَ)، وتقول: (رب وفقني فأعملَ صالحًا).
(وانهَ): ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ﴾، ويش بعدها؟
* طالب: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾.
* الشيخ: ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ [طه ٨١].
(وسَلْ)، اسأل يعني للاستفهام: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا﴾ [الأعراف ٥٣]، منصوب الفعل بـ(أنْ).
(واعرِضْ) العَرْض، كما في قول القائل: (ألا تنزلُ عندي فتصيبَ خيرًا)، (ألا تنزل) عرض (فتصيبَ خيرًا).
(لِحَضِّهِمِ) هذا التحضيض، مِنْه هذه الآية: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ [القصص ٤٧].
(تَمَنَّ) المُراد به التمني، تقول: (ليت لي مالًا فأتصدقَ منه).
(وارْجُ) الرجاء، الترجي يعني: ﴿لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ [غافر ٣٦، ٣٧]، لعلي أبلغ فأطلعَ.
(كذاك النفيُ)، النفي غير النهي، فتقول: (ما تَعَلَّم زيدٌ فيُعَلِّمَك).
نعم، هذه تسعة مواضع إذا وقعت الفاءُ بعدها فإنه يُنصَب الفعل بـ(أن) مُضْمَرة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: في النفي.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (ما تعلم زيد فيعلمَك).
طيب، قال: ﴿فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ [القصص ٤٧].
* طالب: فيه النهي (...) فيه النهي، فيه (وانه) فيها النهي؟
* الشيخ: فيه النهي؟
* الطالب: (...) (وانه)؟
* الشيخ: إي، مثَّلنا له بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ﴾ [طه ٨١].
* طالب: البيت الثاني:
ربِّ وفقني فلا أعدلَ..
* الشيخ:
؎ربِّ وفِّقْنِي فَلَا أَعْدِلَ عَنْ ∗∗∗ سَنَنِ السَّاعِينَ في خَيْرِ سَنَنْ
قال: (﴿فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ المرسَلَ بها ﴿وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وجواب ﴿لَوْلَا﴾ [القصص ٤٧] محذوف).
المعنى: إنا أرسلناك يا محمد إقامةً للحجة عليهم ورحمةً بهم أن يصيبهم العذاب بدون أن يصِل إليهم رسول.
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص ٤٨].
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾، ﴿الْحَقُّ﴾ ذكرنا فيما سبق أنَّه الشيء الثابت، وأنَّه فيما يقابل الأوامر هو العدل، وفيما يقابِل الأخبار هو الصدق، والمراد بالحق هنا قال المؤلف: (إنه محمد ﷺ)، وكأنّه عَدَل به عن المعنى الظاهر منه من أجل قوله: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ﴾، هذا الحق ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، فكأن المؤلف عدَل عن معنى الحق الظاهر إلى أن يكون محمد ﷺ في هذا. ولكن الصواب: أن المراد بالحق الوحي الذي نَزل على محمد ﷺ، المراد بالحق الوحي الذي نَزل على محمد، ولهذا قال: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾، والعِنْدِيَّة تقتضي القرب، وأن يكون ذلك من الله، وهذا لا يتصور أنه محمد ﷺ، بل هو الحق الذي جاء به. كما أن مثل هذه الآية: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ في جميع مواضع القرآن هي مطَّرِدة أن المراد به الوحي الذي نزل على محمد ﷺ.
ويكون قوله: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ﴾، أي: محمد الذي جاء بهذا الحق، فمعنى الآية هنا ظاهر جدًّا ولا فيه تكلُّف، فكوننا نقول: إن الضمير ﴿لَوْلَا أُوتِيَ﴾ يؤيد أن يكون الحق محمدًا، نقول: لا حاجة إلى ذلك، ما دام جاء الحق، والذي جاء به مَن؟ محمد، فيكون معلومًا أن قولَه: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ﴾ يعني محمدًا ﷺ الذي جاء بالحق، وليس محمدٌ هو الحق. ولهذا ليس من أسماء الرسول عليه الصلاة والسلام الحقّ، نعم هو ﷺ صادق فيما جاء به من النبوة، ولكنّه جاء بالحق.
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا﴾، الضمير يعود على مَن؟ يعود على مَن جاءهم الرسولُ عليه الصلاة والسلام.
(﴿قَالُوا لَوْلَا﴾ هلَّا)، ويش معناه على هذا التفريع؟
* طالب: تحضيضية.
* الشيخ: تحضيضية، وليست شرطية، هلا ﴿أُوتِيَ﴾ أي أُعطِي ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ يعني (من الآيات)، مثلَما أُعطي موسى من الآيات، وهذا الجواب فيه إشكالٌ إذا جعلناه عائدًا إلى قريش؛ لأن قريشًا -كما هو معلوم- قوم أميون لا يعلمون عن الرسل شيئًا، فكيف يعارِضون بقصة موسى؟
أجاب المفسرون عن ذلك بأن قريشًا كانت عندما بُعِث الرسول عليه الصلاة والسلام تُراسِل اليهودَ وتقول: جاءنا رجلٌ يقول: إنه نبي، فما هي علامات الأنبياء عندكم؟ فتخبِرُهم اليهود بعلامات الأنبياء، ولهذا عارضت قريشٌ النبيَّ ﷺ بالآيات التي جاءت لموسى.
ويَحتمِل أن قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص ٤٨] عائدٌ إلى اليهود؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مبعوثٌ إليهم، ويُؤَيد هذا الاحتمالَ قولُه: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص ٤٨]. ويأتي إن شاء الله بقية الكلام عن الآية.
* طالب: قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ﴾ [يس ٧١]، (...) المخلوق، وهي أن اليد هي آلة العمل.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: هذا غير موجود في (...).
* الشيخ: لا، ما نقدر نقول: غير موجود.
* الطالب: ما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، فيدل على أنه يفعل (...).
* الشيخ: إي، لكن بس ﴿يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
(...) فمعناها حرف وجود الوجود أنها أشبه بالشرطية.
ما المراد بالحق في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾، أيش المراد بالحق؟ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص ٤٨]، أيش يقول المؤلف في المراد بالحق؟
* طالب: المؤلف يقول: إن الحق محمد.
* الشيخ: المؤلف يقول: إن الحق محمد.
* الطالب: والصحيح أن الحق القرآن.
* الشيخ: القرآن الذي جاء به محمد.
طيب، قوله: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، أيش معنى ﴿لَوْلَا﴾؟
* طالب: هلَّا.
* الشيخ: هلَّا، والضمير في قوله: ﴿أُوتِيَ﴾ يعود إلى مَن؟
* الطالب: إلى موسى.
* الشيخ: لا.
* الطالب: الضمير؟
* الشيخ: إي، قال: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ﴾؟ أي: محمد، ﴿لَوْلَا أُوتِيَ﴾ أي: محمد.
قوله: ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، ما المراد بـ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾؟
* طالب: التوراة.
* الشيخ: ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ يعني التوراة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ويش المراد بالمثلية؟ ﴿مِثْلَ﴾ ليش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) أتى بوحي مثلما أن التوراة وحي.
* الطالب: محمد.
* الشيخ: إي نعم، ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ بأيش؟
* الطالب: بالتوراة (...).
* الشيخ: إي، وأيضًا التوراة في نزولِها جملة واحدة، هم قالوا: مِثل أوتي موسى مِن نزول الوحي جملةً واحدة ومِن الآيات (...)، فهمتم؟
طيب، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص ٤٨]، ما تقول: ﴿يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ﴾، الضمير يعود على مَن؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿يَكْفُرُوا﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: وهل موسى مبعوثٌ إليهم حتى يؤنبوا على الكُفر به؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن إذا كفر بها مَن لم تُرسَل إليه ما قال...
* الطالب: (...).
* طالب: الضمير يعود إلى الجنس.
* الشيخ: المراد يعود إلى الجنس، يعني أن آيات موسى ما نفعت أيضًا، كفرَ بها مَن كفر من الناس، ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا﴾ أي جنس البشر ﴿بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾، فاقتراحكم أن تكون آيات محمد ﷺ كآيات موسى ليس ذلك بموجِبٍ للإيمان؛ لأن آيات موسى كُفِر بِها.
قوله: ﴿قَالُوا سِحْرَانِ﴾ [القصص ٤٨]، فيها قراءة ثانية؟ ﴿قَالُوا سِحْرَانِ﴾، وأيش القراءة اللي فيها؟
* طالب: ﴿﴿سَاحِرَانِ﴾ ﴾.
* الشيخ: نعم، إذا كانت ﴿﴿سَاحِرَانِ﴾ ﴾ مَن تعني؟
* الطالب: تعني (...).
* الشيخ: وإذا قال: ﴿سِحْرَانِ﴾، على قراءة ﴿سِحْرَانِ﴾؟
* الطالب: تعني (...).
* الشيخ: وهما؟
* الطالب: القرآن والتوراة.
* الشيخ: القرآن والتوراة، صح، نعم.
قوله: ﴿تَظَاهَرَا﴾ [القصص ٤٨]، أيش معناها؟
* طالب: تعاونا.
* الشيخ: أي: تعاونا.
طيب، قوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [القصص ٤٩] ما المراد بالأمر هنا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ﴿فَأْتُوا بِكِتَابٍ﴾ أمر، ما هو للاستفهام: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابٍ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) هذا أمر.
* الطالب: التعجيز.
* الشيخ: التعجيز والتحدي.
قوله: ﴿أَهْدَى مِنْهُمَا﴾ [القصص ٤٩]، ﴿مِنْهُمَا﴾ الضمير يعود على أيش؟
* طالب: على التوراة والإنجيل.
* الشيخ: الإنجيل؟! التوراة؟
* الطالب: على التوراة والقرآن.
* الشيخ: والقرآن.
طيب، وما معنى ﴿أَهْدَى﴾؟
* الطالب: ﴿أَهْدَى﴾ يعني أكثر هدايةً.
* الشيخ: أكمل؟
* الطالب: أو أكمل هداية.
* الشيخ: أكمل هداية. طيب، ما الذي جزَم ﴿أَتَّبِعْهُ﴾؟
* طالب: نعم؟
* الشيخ: ﴿أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ﴾ [القصص ٤٩]، العين ساكنة مجزومة.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أيش اللي جزمها؟
* طالب: جواب الطلب.
* الشيخ: وين الطلب؟
* الطالب: ﴿فَأْتُوا﴾.
* الشيخ: ﴿فَأْتُوا﴾، نعم، فإذا جعلوا الغاية جوابًا للأمر السابق صار مجزومًا.
قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القصص ٥٠]، ويش تقول؟ ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾، ﴿يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾ في أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني ما يجيبون كتابًا مِن عند الله هو أهدى مِنهما، إي نعم.
قوله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [القصص ٥٠]، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾؟
* طالب: يعني ما أحد ﴿أَضَلُّ﴾؟
* الشيخ: لا أحد ﴿أَضَلُّ﴾. طيب، ما هو الغرض مِن الإتيان بالنفي بصورة الاستفهام؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: كيف نجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأحقاف ٥]، كيف نجمع بين الآيتين؟ هذه تقول: لا أحد أضل مِمَّن اتبع هواه، وتلك تقول: لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله. كيف نجمع بينهما؟ يعني كل واحدة تقول: ما أحدَ أضل من هذا.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، والثانية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: باعتبار أيش؟
* الطالب: (...) في مقام الدعاء: لا أضل مِمَّن يدعو من دون الله، في مقام الاتباع، لا أضل مِمَّن يتبع (...).
* الشيخ: نعم، معناه أنه هنا تُنَزَّل كل الآية على معنى لا يتعلق (...) يعني؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: يعني معناه أنها ضلال الغاية باعتبارِ ما هو مِن جنسها؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، هذا واحد. فيه وجه آخر؟
* الطالب: (...) الضلال اللي يدعو كل واحد.
* الشيخ: فهما في مرتبة واحدة.
* الطالب: في مرتبة واحدة.
* الشيخ: وهذا والله ما يخالف أنه مثلًا ما فيه شيء يساويه، إذن ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ [القصص ٥٠] فلا يمنع أن يوجد شيء يساويه في ذلك، فيكون كلٌّ من الأمرين قد بلغ الغاية في الضلال، إي نعم، هذا يعني معناه أنه يُجمع بينها بِأحد أمرين: إما أن يقال إن كلَّهما في منزلة واحدة، أو يقال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ باعتبار هذا المعنى، نعم، فيكون كل واحد منهما يُنَزَّل على معنى.
نرجع الآن إلى استنباط الفوائد:
الفائدة الأولى: قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص ٤٨] هذه الآية معلوم تفريعها على ما سبق، ﴿فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ [القصص ٤٧].
* ففيها: تكذيب دعوى هؤلاء في قولهم: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾، فإنّه قد جاءهم الحق مع الرسول، ومعَ ذلك كذبوا ولّا لا؟ كذَّبوا، وقالوا: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾.
* ففي الآية: تكذيب هؤلاء الذين قالوا: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾.
* من فوائدها: أن ما جاء به النبي ﷺ فهو الحقُّ، والحق بمعنى الشيء الثابت، وهو بالنسبة للأخبار الصدق، وبالنسبة للأحكام العدل.
* مِن فوائدها: أنَّ ما خالف ما جاء به النبي ﷺ فهو باطل؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس ٣٢]، فكلُّ خبر يَتضَمَّن تكذيب خبرِ الله ورسوله فهو الكذب. فمثلًا إذا قال قائل: أصل الإنسان قرد، ثم تطور فصار إنسانًا، ماذا نقول له؟ كذِبٌ؛ لأنه يُخالِف ما جاء به النبيُّ ﷺ، نعم. وإذا شرَّع الإنسان قوانين مخالفة للشرع، قلنا: هذا باطل وضلال؛ لأنَّ الحق فيما جاء به الشرع فقط، نعم.
* من فوائد الآية: بيانُ عُتُوِّ هؤلاء المُكَذِّبين للرسول عليه الصلاة والسلام، عتوُّهم وعنادُهم، وهو أنَّهم كذَّبوا بالحق بعد أن قالوا: ﴿لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ﴾ [القصص ٤٧].
* ومن فوائد الآية: أن قريشًا عِنْدهم بعض المعلومات عن الرسل السابقين؛ حيث قالوا: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾. وبأيِّ وسيلة حصلوا على هذا العلم؟
* طالب: عن طريق اليهود.
* الشيخ: عن طريق اليهود؛ لأنهم لما جاء الرسول ﷺ بُعِث أَرسلوا إلى اليهود يسألونهم عن أخبار هذا الرجل، فكتبوا لهم بما يعرفون من أخباره وبما جاء به موسى[[أخرج البيهقي في الدلائل (٦١١) عن ابن عباس رضي الله عنهما.]].
* من فوائد الآية: إثبات رسالة موسى ﷺ؛ لقولهم: ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص ٤٨].
* من فوائدها: أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطاه الله تعالى آياتٍ يؤمِن على مِثْلها البشرُ، وهذا ليس خاصًّا بِه، بل هو لِكل رسول بعثه الله، لا بد أن يؤتيَه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر؛ لأن البشر لا تُصَدِّق رجلًا قال: أنا رسول الله إليكم، آمركم بكذا وأنهاكم عن كذا، واتركوا ما كان عليه آباؤكم مِن عبادة الأصنام، واتركوا ما كان عليه آباؤكم من تحريم الحلال، وما أشبه ذلك. ما يقبلون إِلا بآيات تدُل على صدقه وتُؤَيِّده.
* طيب، ومنها أيضًا، مِن فوائد الآية: إبطالُ حُجَّة هؤلاء المكذِّبين، إبطال حجتهم: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ [القصص ٤٨].
* ومن فوائدها أيضًا: أنه ينبغي في مقام المناظَرة والمجادَلة أن يُفْحَم الخَصمُ بإبطال قولِه بقولِه أو بفعلِه، أنه يُبْطَل قولُه بِما جرى مِنه هو، لِماذا؟ لأنَّ ما جرى مِنه لا يمكن أن يُنكِره، ولو أنكره ما قُبِل، فكوننا نُقيم الحجة على الخصم مِن فعلِه وقولِه؛ هذا أبلغ في إفحامه. ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾.
* ومنها: أنّ طبيعة البشر واحدة، بناء على أن قولَه: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا﴾ [القصص ٤٨]، أنّ الضمير يعود على جِنس الإنسان؛ لأن الطبيعة البشرية واحدة.
* ومنها، مِن فوائد الآية أيضًا: أنّه ينبغي أيضًا عند المُخاصمة أو عند المُناظرة إبطالُ قولِ الخصم بالواقع، أنّك تُبطل قولَ الخصم في الأمر الواقع، ما (...) في الأمر الواقع، فإن الآيات التي جاء بها موسى و(...) هؤلاء كُذِّبَت ولَّا ما كُذِّبَتْ؟
* طالب: كُذِّبَتْ.
* الشيخ: كُذِّبَتْ، ما آمن بها البشر. إذن، فالمدار ليس على جنس الآيات، ولكن المدار على حال المُخَاطَب، وإلا فالآيات قائمة وبَيِّنَة، لكن ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١].
* ومِنها: أن أهل الباطل يُلقِّبون أهل الحق بألقاب السوء تنفيرًا للناس عن قَبولهم، مِنين تؤخذ؟
* طالب: ﴿سِحْرَانِ﴾.
* الشيخ: ﴿قَالُوا سِحْرَانِ﴾ أو ﴿﴿سَاحِرَانِ﴾ ﴾، ﴿﴿قَالُوا سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا﴾ ﴾ [القصص: ٤٨]، أو ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾، فسواءٌ وَصفوا ما جاءت به الرسُل بالسحر أو وصفوا الرسُلَ أنفسهم بالسحر، فإنّ المقصود بذلِك التنفير؛ تنفير الناس عن قَبول ما جاءت به الرسل.
طيب، هل نقول: إن هذه القاعدة ثابتةٌ لأتباع الرسل؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: بدليل قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٢٩ - ٣٢]، والله تبارك وتعالى قد جعل لِكُل نبيّ عدوًّا من المجرمين، والعدوُّ من المجرمين عدوٌّ للنبي بشخصه أو عدوٌّ له بوصفه؟
* طالب: بوصفه.
* الشيخ: بوصفه، بدليل أن محمدًا ﷺ قبل أن تأتيَه الرسالة وهو عند العرب الصادق الأمين، ويرونه أنّه من أفضل بني هاشم وأقومِهم بالعدل، فلما جاء بالحق ويش صار؟ صار الخائنَ الكذوبَ، واضح؟ إذا كان هؤلاء المجرمون يعادون الرسلَ لِوصفهم، فمعنى ذلك أنه هذه المعاداة ستنتقل إلى مَن تابَع هؤلاء الرسل؛ لأنّ المعْنَى الذي حصلت به العداوة موجود أيضًا في أتباع الرسل.
* وعلى هذا، فيمكن أن نأخذ منه فائدة، وهي: طمأنة أتباع الرسل وتثبيتهم على أنّهم سينالهم مِن ألقاب السوء ومِن المعاداة مِثلُ ما نال الرسلَ، نعم، فعليهم أن يقابِلوا ذلك بالصبر والثبات والقوة، نعم، لا أن ينخذلوا، بل يكونوا كما كان متبوعوهم: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف ٣٥].
* ومِنها أيضًا، مِن فوائد الآية: أن التعاون حتَّى على الباطل له تأثير، ولَّا لا؟ التعاون حتى في الباطل له تأثير وتقوية، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿تَظَاهَرَا﴾ [القصص ٤٨]، فإذا كان التعاون في الباطل له تأثير، فما بالك بالتعاون في الحق.
وعلى هذا فينبغي لنا، وهي الفائدة التي تترتب على ذلك: ينبغي لنا أن نكون متعاونين فِيما نحن عليه مِن دعوة الحق، وألا يخذل بعضنا بعضًا، نعم، خلافًا لِما كان عليه حال الناس اليوم، فإنهم في هذا الباب ليسوا بمتعاونين، حتى أهلُ الحق وأهلُ الدعوة تجدهم غيرَ متعاونين؛ لأنهم أولًا كل واحد ما همه إلا نفسه، وثانيًا: أنهم رُبَّمَا يختلِفُون في أمر بسيط جُزْئِي من أمور الدِّين، ويتعادَون على ذلك، نعم، يمكن يخالفه في كيفية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، هذا يقول: ترفع يديك إلى الأذنين، وهذا يقول: ترفع إلى المنكبين، ثم يقول: أنت على ضلال، وهو يقول: أنت على ضلال. ثم ماذا تصنع هذه الكلمة؟ تصنع الحقد والبغضاء والعداوة.
وأنا قد قصصت عليكم قصةَ طائفتين من أهل إفريقيا، كلُّ طائفة تُكَفِّر الأخرى في مسألة بسيطة من مسائل الدين، طائفة تقول: إن السنة أن يضع الإنسان يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وطائفة أخرى تقول: إن السنة أن يرسِل الإنسان يديه إلى جنبِه، كلُّ واحدة تقول للأخرى: أنتِ كافرة ملعونة؛ لأنكِ تركتِ السُّنة عن عمْد وقصْد، والإنسان اللي يكره ما أنزل الله يكون كافرًا. ففيه خصومة عظيمة، وفي وقت الحج هذه الأيام في منى، ويا الله أنه يجتمع ناس من الإخوان من التوعية اجتمعوا عليهم وهدَّؤُوهم وبينوا أن هذا ما يجوز؛ لأن هذا ضرر عليكم أنتم يا أهل الحق؛ لأنكم إذا كفَّر بعضكم بعضًا أيش تصيرون على أهل الخرافات وأهل البدع، نعم، المكفِّر (...) كافر.
فنقول: إن التعاون له تأثير بالغ، وأظنكم تعرفون في نقض الصحيفة التي كَتَبَتْ قريش في مقاطعة بني هاشم، كيف نقضوا هذه الصحيفة؟ ما جاء واحد من الناس ينقضها، ما يستطيع، لكنه ذهب إلى فلان وقال له يوبِّخه، فقال: بنو هاشم قوم منكم كيف ترضون أن تقاطعوهم حتى يموتوا مِن الجوع، وذهب إلى آخر وإلى ثالث ورابع، حتى إنهم كوَّنوا جماعة فذهبوا إلى هذه الصحيفة من الكعبة ومزَّقوها[[انظر قصة السقيفة في السيرة النبوية لابن هشام (١/٣٧٦).]]. فإذن التعاون أساس النجاح، مثلما قال العامة، وانظر إلى كلمة المجرمين، يقولون: ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ [القصص ٤٨].
* طيب، ثانيًا: من فوائد الآية: بيان عُتُوِّ هؤلاء أيضًا من جهة أنهم لم يؤمنوا بالأمرين، وقالوا: ﴿إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص ٤٨].
* ومنها أيضًا: أن تقديم المعمول في قوله: ﴿بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ أيش يفيد؟ الحصر، مع أنهم كفروا به مع غيره، لكن سبق أن قلنا: إن هذا الحصر المقصود به إغاظة الخصم، كأنهم يقولون: لو آمنا بكل شيء ما كفَرنا إلا بهما. وإلَّا معلوم أنهم يكفرون به وبغيره، وهذه فائدة قليلٌ مَن ينتبه لها، وهو أنه إذا كان الشيء غيرَ محصور في هذا الشيء ولكنَّه حُصِر فيه، فلا بدَّ أن هناك غرضًا، الغرض هنا: الإغاظة، كأنهم يقولون: نحن وإنْ آمنا بكل شيء، فنحن كافرون بِما جئتم به: ﴿إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [القصص ٤٩].
* في هذه الآية من الفوائد: أنه مِن العدل التنزُّلُ مع الخصم إلى حال يُقِرُّ بها، فإنه من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يعلم أنه لا يمكن أن يأتوا بما طُلب منهم، أو لا؟ حين طلب منهم أنهم يجيبون كتاب أهدى مِن التوراة والقرآن، والله يعلم أنهم لن يأتوا بذلك أو لا؟ كيف يقول للرسول: ﴿قُلْ فَأْتُوا﴾ مع أنه يعلم أنّه ما يمكن؟ هذا مِن باب التنزل مع الخصم إلى غاية ما يكون مِن العدل، كأنه جعلَه مع خصمه شيئًا واحدًا، فيقول: أنتم هاتوا كتابًا أهدى من التوراة والقرآن أتَّبِعه، أنا ألتزم باتباعه، فإذا لم يأتوا معناه: يلزمهم أن يتبعوا التوراة والقرآن، ولَّا لا؟ يلزمهم ذلك، يعني ما دام أنِّي أنا ملتزِم لهم بأنكم إذا أتيتم بكتاب أهدى منهما بأن أتبعه، فأنتم يجب عليكم أن تتبعوا ما دام ما وجدتم.
إذن فيه التنزل مع الخصم، وأن ذلك مِن تمام العدل في المناظَرة.
* ومن فوائد الآية أيضًا: إفحام الخصم بالتحدي، ولو أنكم قرأتم آخر سورة الطور لوجدتم فيها شيئًا غريبًا من المناظرة، من قولِه: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾ [الطور ٢٩]، إلى قوله: ﴿حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور ٤٥]، تجِدون يعني آدابًا كثيرة مِن المناظرة: ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ [الطور ٣٨]، إن كان الأمرُ ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [الطور ٣٨]، ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الطور ٣٣]، إن كان الأمر كذلك ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [الطور ٣٤]، فالمناظرة، يعني الله سبحانه وتعالى في ختام المناظرة يجعل الخصم مُفحَمًا بتحديه بما لا يستطيع، فهنا ما يستطيعون أن يأتوا بمثله فتقوم بذلك عليهم الحجة.
* ومِن فوائد الآية: أن التوراة والقرآن من عند الله، فيكون القرآن والتوراة كلامَ الله، لكن القرآن نَزَل وحيًا، والتوراة نزلت كِتَابةً، كتبها الله في ألواح ألقاها إلى موسى.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أنه لا يلزم الإنسان الانتقال عمَّا كان عليه إلى غيره، إلَّا إذا كان أهدى منه. أنا ما يلزمني الانتقال مثلًا من مذهب الحنابلة إلى مذهب الشافعية حتى أرى أنه أصوب؛ لأنه قال: ما يجب الاتباع إلا إذا كان ما جاءوا به أهدى منه، أما إذا كان مساويًا فأنتم لا تلزموني، وأنا لا ألزمكم إذا كان مساويًا، إنما الإلزام متى؟ حينما يكون ما جاء به الخصمُ أهدى مِمَّا أنا عليه. وهذه فائدة مهمة جدًّا، وهي: لا يَلزَم الإنسانَ الانتقالُ مما هو عليه مِن طريقة ومذهب إلا إلى مَن هو أصوب وأحسن وأهدى منها، أمَّا عند التساوي فإنه لا يُلزَم ولا يُلَام أيضًا إذا لم يَنتقل، وإما أيضًا إذا كان ما فيه غيره أدنى فإنه من باب أولى لا يلزم.
طيب، فالمراتب الآن ثلاثة: إما أن يكون ما تُدْعَى إليه أدنى مما أنت عليه، أو أهدى، أو مساويًا. إن كان أهدى، أيش الواجب؟ يلزَم الاتباع. وإن كان أدنى حَرُم الاتباع. بقينا إذا كان مساويًا هل يلزَم الاتباع أو يحرُم أو يُخَيَّر به الإنسان؟
العلماء يقولون في مثل هذه الحال: يُخيَّر الإنسان، قالوا: وإذا أفتاه عالمان ولم يكن أحدُهما عنده أرجح فإنه يُخيَّر في اتِّباع أيِّ القولين شاء. وربما يُؤخَذ مِن هذه الآية، ربما يُؤْخذ حكم هذه المسألة مِن هذه الآية؛ لأنه ما أوجب الله الاتباع إلا إذا كان أهدى، ومعلومٌ أنه إذا كان أدنى كان الاتباع محرمًا، فيبقى المُساوي ليس إلى جانب التحريم وليس إلى جانب الوجوب، وهذه مرتبة التخيير.
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: الأمر أن التحدي أيضًا يكون بالوصف كما يكون بالفعل، ﴿فَأْتُوا﴾ [القصص ٤٩] تحدٍّ بفعل ما هم بآتين به، ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ تحدٍّ بالوصف، إن كنتم من الصادقين أن ما أنتم عليه حق فأتوا بهذا، وإلا فأنتم مِن الكاذبين، ولهذا قال: ﴿أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [القصص ٤٩].
قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٥٠].
قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾، أي: فإن انتفت استجابتهم لك.
* ففيه: جواز التعليق بالشرط فيما هو محقق الوقوع، أو ما فهمتم هذا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: يعني معناه ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾، هذا أمر محقَّق الوقوع، فهل يظن الظانُّ أن فيه احتمالًا أن يستجيبوا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما فيه، ما يظن. إذن فنقول: جواز تعليق الشيء المحقَّق بالشرط، ولو كان محققًا أنه لن يكون، وكذلك ولو كان محققًا أنه كائن، فإن هنا الانتفاء كائنٌ لا محالة، ومع ذلك عُلِّق بالشرط، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ»[[أخرجه مسلم (٢٤٩/٣٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، يقوله لأهل المقابر، فمعلومٌ أن هذا الأمر؟
* طالب: مُحَقَّق.
* الشيخ: مُحَقَّق، نعم.
* ومنها أيضًا: أن هؤلاء المكذِّبين للرسول ﷺ ليس عندهم حُجة سوى اتباع أهوائهم؛ لقوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القصص ٥٠]. وهل معنى ذلك أي: فلا تجادِلْهم؟ لأن المتَّبِع هواه مشكل مُكابِر، اللي يتبع هواه مكابر ما تقدر تقنعه، ما دام أنه ما هو بيريد الحق، وإنما يريد أن ينتصر لنفسه فقط ويتَّبِع هواه، فأعتقد أن مثل هذا الرجل ما يمكن أن يُجَادَل، لو جادلتَه ما دام صاحب هوى ما فيه فائدة.
* فهل نقول: إنه يُستفاد من هذه الآية: أنه إذا عُلم بأن المجادَل يريد اتباع هواه فإنه لا فائدة من جداله؛ لأنه إضاعة وقت؟ نعم، نقول هكذا؛ لأنه قال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾، يعني: ولا فائدة من جدالهم، فإذا كنتَ بيَّنت للإنسان الحق ووضحته بأدلته النقلية والعقلية والحسية حسب ما هو موجود من الأدلة، ولكنه أصر إلا أن يبقى على ما كان عليه، فاعلم أنه متبع لهواه، والمتبع الهوى مشكل، ما هو بإنسان يتطلب الهدى، ما يمكن ينتفع.
ولهذا نقول في هذه الحال: لا يجب على المرء مجادلتُه، وإنما ينتقل إلى شيء آخر، وهو معاقبته: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت ٤٦]، فالمعاند غير مَن يريد اتباع الحق ولم يَظهر له، المعاند له حال، وقد قال الله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى ٩]، يعني: وإنْ لم تنفع فلا تُذَكِّر، وهذه تَقدم الكلام عليها هل هذا الشرط له مفهوم أو ليس له مفهوم؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، (...) ما دام تجادلتم أمام الناس اتضح الحق، ما هو معنى أنه يتصل ويتكلم بالباطل وتسكت؛ لأنه إذا ما سمعته يتكلم بالباطل يجب أن الناس تعرف الحق وتغيير هذا الباطل. لكن إذا كنت جادلته أمام الناس وتبين الحق وهو أبى، ما عندك شيء، ما فيه فائدة من مجادلته.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هو على كل حال نحن ما نقول: جادِل عند الناس، لكن أحيانًا يكون الجدال عند الناس، تكون عند ناس في مجلس ويبدأ البحث ويحصل النقاش، هل نقول: إن هذا الرجل إنك تسكت وتخليه؟ لا، يجب عليك أنك تقاوم بالذي عندك، نعم. كذلك لو سمعته مثلًا يتكلم في مجمع ويُقَرِّر الباطل، يجب عليك أنك تتكلم بالحق، إي نعم.
* ومِن فوائد الآية: اختلاف الناس في الضلال، أن الناس يختلفون في الضلال، فليسوا على حدٍّ سواء في الضلال، كما أنهم ليسوا على حدٍّ سواء في الهدى، وليسوا على حد سواء في الغيِّ، وليسوا على حد سواء في الرُّشْد، أو لا؟ الناس على حد سواء في هذه الأمور؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، ولهذا قال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ﴾ [القصص ٥٠]، ففي هذا دليل على أن الناس يتفاوتون في الضلال، ولكن ما هناك أحد أضل مِن هذا الذي اتبع هواه بغير هدًى من الله.
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: أنَّ الهوى قد يكون موافِقًا للهدى. منين نأخذه؟
* طالب: ﴿هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى﴾.
* الشيخ: ﴿هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص ٥٠]، أمَّا مَن اتبع هواه بِناء على هدى من الله، فهذا طيب أن يكون هواه تبعًا لما جاء به الحق، هذا طيب، وقد ذكرنا لكم الحديث المروي عن النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»[[أخرجه ابن بطة في الإبانة (٢٧٩) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]]، فالحاصل أن الهوى المذموم هو الذي ليس على هدى.
* طيب، ومن فوائد الآية: أنَّ الظالم قد عرَّض نفسه لِحِرمانه من الهدى، أو إن شئت فقل: إن الظلم سبب لِحرمان الظالم مِن الهدى؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٥٠]، فالظالم هو الذي حَرَمَ نفسَه الهدى.
(...)
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي﴾، والقدرية يرون أن الإنسان يُمكن أن يهتدي بنفسه، وليس لله تبارك وتعالى عليه أيُّ سلطة؛ لأنهم - والعياذ بالله - القدرية، ويش يقولون بالنسبة لقدر الله؟
* طالب: أن الأمر أنف.
* الشيخ: إي نعم أن الأمر أُنُف، بمعنى أن الله ما قدَّر أفعال العباد، وإني أنا أفعل وأترك باختياري المجرد المحض، وليس لله فيه أي مشيئة ولا خَلْق ولا شيء، لكن ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٥٠] يرد عليهم، كما أنه أيضًا يرد على الجهمية الجبرية الذين يقولون بالجبر؛ لأن الله تعالى نسَبَ هؤلاء -بفعلهم- إلى الظلم، ولو كانوا مجبَرين عليه لكانت نسبةُ الظلم إليهم ظلمًا، والله تبارك وتعالى لا يظلم أحدًا.
ففي الآية إذن: ردٌّ على القدرية، ورد على مَن؟ ورد على الجبرية، والجبرية جهمية، يعني الجهمية مِن مذهبهم الجبر، وفيهم ثلاث جِيمات، كما قال ابن القيم في النونية: الجهمية فيهم ثلاث جيمات، كلهم جيمات ذم، أيش هي؟ جبر وإرجاء وجيم تجهُّم، فهم جبرية مرجئة جهمية، نعم، الله يكفيك شر الجيمات الثلاثة، نعم، الجهمية والجبرية والمرجئة.
* على كل حال، في الآية الكريمة: ردٌّ على الطائفتين الضالَّتين، وهما: القدرية والجبرية، والقدرية يُنكِرون قدَر الله بالنسبة لأفعال العبد، والجبرية بالعكس.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
* طيب، ومن فوائد الآية: أنّ مَن تحرى العدل فإنه قد تعرَّض للهداية؛ لأن الظلم ضده العدل، وانتفاء الهداية بوصف الظلم يقتضي ثُبوت الهداية بوصف العدل. فمن تحرى العدل فإنه يُوَفق للهداية، فالعدل سبب للهداية. وهكذا كل من تحرى الخير - بس عسى الله يوفقنا لتحريه - كل من تحرى الخير فإنه يُوفَّق له إذا كانت النية صادقة والعزم أكيد.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يقولون: إن الإنسان له إرادة مستقلة ما لله فيها دخل، ما لله دخل فيها على الإطلاق. (...)
{"ayahs_start":47,"ayahs":["وَلَوۡلَاۤ أَن تُصِیبَهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ فَیَقُولُوا۟ رَبَّنَا لَوۡلَاۤ أَرۡسَلۡتَ إِلَیۡنَا رَسُولࣰا فَنَتَّبِعَ ءَایَـٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","فَلَمَّا جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوا۟ لَوۡلَاۤ أُوتِیَ مِثۡلَ مَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰۤۚ أَوَلَمۡ یَكۡفُرُوا۟ بِمَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُوا۟ سِحۡرَانِ تَظَـٰهَرَا وَقَالُوۤا۟ إِنَّا بِكُلࣲّ كَـٰفِرُونَ","قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِكِتَـٰبࣲ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَاۤ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","فَإِن لَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یَتَّبِعُونَ أَهۡوَاۤءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَیۡرِ هُدࣰى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِكِتَـٰبࣲ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَاۤ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











