الباحث القرآني
قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص ٣٤].
أولًا: ما إعراب هذه الجملة ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾؟
﴿أَخِي﴾ مبتدأ، أو لا؟ (أخي) مبتدأ.
فأصل الفائدة قوله: ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ [القصص ٣٤]، وحينئذٍ نسأل: هل ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل أو ﴿هُوَ﴾ مبتدأ و﴿أَفْصَحُ﴾ خبر، والجملة خبر المبتدأ (...)؛ لأن ضمير الفصل ما (...)، والمبتدأ والخبر مَعرِفتان؛ لأنه في هذه الحال يلتبس الخبر بالفعل، أما إذا كان الخبر نكرة كما هنا فإنَّه يُجعَل مُبتَدأ.
قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ﴾ [القصص ٣٤]، أخوه مِن أمه وأبيه ولَّا مِن أبيه؟
مِن أمِّه وأبيه، وأما قوله تعالى: ﴿يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ [طه ٩٤] فإنهم ذكروا أنَّ نسبته إلى أمه لأنها أقرب مِن الأب، فذكَّره (...) لِيُشفِق عليه.
قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ [القصص ٣٤].
﴿أَفْصَحُ﴾ بمعنى أَبْيَن مِني، وقوله: ﴿لِسَانًا﴾ أي كلامًا، وعبَّر باللسان عن الكلام لأنَّه آلة الكلام، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم ٤] أي بِنطُقِهم ولُغتهم.
وقوله: ﴿أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾، لماذا؟ قيل في الإسرائيليات: إنَّ موسى عليه الصلاة والسلام كان في لسانه (...) مِن جمرة أخذها وأكلها، لما فرعون أراد أن يقتله فقالت امرأته: إنَّه طفل لا يدري ولا يعرف، وإذا أردت أن تختبِره فأعطه تمرة وجمرة، فقدم له التمرة والجمرة، الجمرة تتلألأ وهيئتها أجمل من التمر، فأخذ الجمرة ووضعها في فمه، فانعقد لسانه. وهذه إسرائيلية؛ لأنَّ هذا غير ممكن؛ إذ إنه إذا أراد أن يأخذ الجمرة وأخذها ما يستطيع أن يمسكها في يده (...) ولهذا طلب موسى مِن الله أن يحُلَّ هذه العقدة، قال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه ٢٧، ٢٨].
وأنتم تشوفون بعض الناس يكون في لسانهم فأفأة، وبعضهم يكون في لسانه تأتأة (...) وبعضهم ما يكون لا هذا ولا هذا لكن ما يستطيع ينطق، تجده إذا أراد أن ينطق -اللهم عافنا- يحمر وجهه، يتعب (...) فالعقدة سواء في صفة الحروف أو في النطق بالحرف، كل هذه مِن العقد. في صفة الحروف: أنه ما يستطيع يطلعه على الوجه الأكمل، أو في نفس النطق: ما يقدر، ما ينطلق لسانُه.
فالصواب أن هذه العلة التي لِموسى عليه الصلاة والسلام أنه مِن أصل الخِلْقة وليس هناك تمرة وجمرة.
قال: (﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ [القصص ٣٤] معينًا، وفي قراءة بفتح الدال بلا همزة)، كيف نقول؟ ﴿رَدًّا﴾ ، يعني ما (...) ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾.
فهِمَ موسى عليه الصلاة والسلام أنَّ الله أرسله إلى فرعون من قوله: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ [القصص ٣٢]، ولهذا قال: ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ﴾ فهنا عرَف أنَّه رسول.
وقوله: ﴿مَعِيَ﴾، المعية بمعنى المُصاحَبة والمُقارَنة، وهي في كل موضع بِحسَبه، أي بحسب ما تُضاف إليه، وتقتضي في كل موضع غيرَ ما تقتضيه في الموضع الآخر، فالرجل إذا قِيل: معه زوجته، ليس مثلما إذا قيل: القائد معه جنوده، أو لا؟ فبينهما فرق. وكذلك إذا قيل: اللبن مع الماء، يعني ممتزجًا مختلطًا به. وهنا: ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ غير مَعِيَّة الزوج لِزوجته ومعية اللبن للماء، ولكنها مصاحَبة يُرَاد بها التأييد والنصر، ولهذا قال: ﴿رِدْءًا﴾، والردء: المُعِين الظهير للشخص.
﴿يُصَدِّقُنِي﴾، أيش معنى ﴿يُصَدِّقُنِي﴾؟ أي: يكون مُصَدِّقًا لي أمامَهم حتى يقوى قولِي به ويكون صدقًا، وليس المعنى أنه يقول: أنت صادق. ولكن إذا قَوَّى كلامُه كلامي صار ذلك مُوجِبًا لتصديقِه.
قال: (بالجزم جواب الدعاء، وفي قراءة بالرفع وجملته صفة ﴿رِدْءًا﴾ ).
(بالجزم) تقول: ﴿يُصَدِّقْنِي﴾ تكون جوابًا للدعاء، وين الدعاء؟ ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ﴾، وهو واضح، يعني إنْ أرسلْتَهُ صدَّقَني.
(وفي قراءة أخرى) في قراءة سبعيَّة ولَّا شاذة؟ سبعية؛ لأن قاعدة المؤلف رحمه الله أنه إذا قال: (في قراءة) فهي سبعية، وإذا قال: (وقرئَ) فهي شاذة.
قال: ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ وجملته على قراءة الرفع صفةُ ﴿رِدْءًا﴾، يعني: ردءًا مُصَدِّقًا لي، هذا هو التفصيل.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، طيب، الفائدة مِن القراءتين (...) فائدة، وهي أن قوله: ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ إذا كانت جوابًا فإن معناه أنه يحصُلُ به الصدق، نعم، وإذا كانت صفة فالمعنى أنه يُحاوِل أن (...) أن يكون أو يحاول أن يُبَيِّن للناس أنَّه صادق، فتكون قراءة الرفع على سبيل السبب، وقراءة الجزم على سبيل النتيجة، فيكون هارون فاعلًا مُؤَثِّرًا.
قال: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص ٣٤]، الضمير في ﴿يُكَذِّبُونِ﴾ ضمير الواو يعود على فرعون ومَلَئِه.
و﴿أَخَافُ﴾ بمعنى أتوقع وأخشى، وليسَ خوفَ الرعب، ما فيه رعب هنا، ولكنَّه يتوقع ذلك ويخشاه.
وقوله: ﴿أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾، فيها إشكال من حيث الإعراب؛ لأن المعروف أنَّ ﴿أَنْ﴾ إذا دخلت على الأفعال الخمسة حُذِفَت النون مِنها، وهنا فيها نون؟
والجواب: أنَّ هذه النون نون وقاية، وليست نون إعراب، ولهذا تُشاهِدونها الآن مكسورة. إذن أصله (أنْ يكذِّبونَنِي) أصله (يكذبونني)، فحُذفِت نون الرفع لأجل النصب، وحُذِفَت الياء تخفيفًا.
ونظيرها قوله تعالى في سورة الذاريات، قريب منها: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ﴾ [الذاريات ٥٩]، إذا وقفتَ عليها فأنت تقف بالسكون، فيفهم الطالب المبتدئ اللي ما عنده معرفة بالنحو أنَّه هنا بقيَت النون مع وجود (لا) الناهية، وهي مع وجود (لا) الناهية يجب حذفها، ولكن نقول: هذه النون في الآية نون الوقاية، بدليل أنك لو وصلتَ لَكَسَرْتها وقلت: ﴿فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ﴾ [الذاريات ٥٩، ٦٠]، نعم، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب قال المؤلف، نعم، قال الله تعالى: (﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ﴾ [القصص ٣٥] نقويك).
الشدّ بمعنى التقوية، والعَضُد هو العظم الكامل في عظْم الذراع والمنكب؛ هذا العضد، وشدُّ العضد كناية عن التقوية وأن اليد هي آلة العمل، فإذا شُدَّ عضدها وقُوِّي صارت قويَّة. والمعنى أننا سنُقويك ونُؤَيِّدك بأخيك ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [القصص ٣٥] هارون، أجاب الله طلبه ولّا لا؟ أجاب الله طلبه، وقال: ﴿سَنَشُدُّ﴾، والسين أيش معناها؟
* طالب: تفيد التسويف.
* الشيخ: إي، تفيد التسويف، لكن ويش يقول النحويون في إعرابها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: للتنفيس اللي هي للتسويف، سوف، للتنفيس، وتفيد تقوية التأكيد والتقريب، تأكيد الشيء وتقريبه أنه سيكون عن قُرْب.
قال: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾، ولا شك أنه إذا قال الله له ذلك معناه أنه يتقوى الآن؛ لأنَّ الله وعده لا أن يرسلَ هارون معه فقط، بل سيكون معينًا له على هذا الأمر.
(﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ [القصص ٣٥] غلبة)، وهذه بشرى ثانية لهما جميعًا.
﴿وَنَجْعَلُ﴾ نقيض لكما سلطانًا، والمراد بالسلطان هنا يقول المؤلف: (غلبة)، والسلطان في القرآن يأتي بمعنى الغلبة والقدرة، ويأتي بمعنى الدليل؛ لأن الدليل يَتقوى به الإنسان ويكون له به سلطة، قال الله تعالى: ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يونس ٦٨]، أيش معنى ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾؟ يعني: ما عندكم دليلٌ بهذا. وقولُه تعالى: ﴿فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن ٣٣]، أي: بقوة وغلبة. وقوله: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ [النحل ١٠٠]، أي: سيطرته وغلبته.
هنا يقول: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ [القصص ٣٥]، يقول: (غلبة) فهو من القسم الثاني.
(﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ [القصص ٣٥] بسوء)، المعنى: لا ينتهون إليكما بالسوء، فما خفتَ منه، فإنه سوف ينتفي بما جعل الله لك من تأييد بأخيك، وهذه بشرى لهما وتفيد التقوية، وهي نظير قوله تعالى: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
قال المؤلف: (اذهبا ﴿بِآيَاتِنَا﴾ )، كأنَّ المؤلف يرى أن قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ منفصل عن قوله: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾، ولهذا قدَّر لها فعلًا تتعلق به، ويكون على هذا التقدير الوقوف على قوله: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾، ونبدأ فنقول: ﴿بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا﴾ [القصص ٣٥].
طيب، المؤلف قدَّر (اذهبا ﴿بِآيَاتِنَا﴾ )، ثم قال أيضًا (...) ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾، فصار أقرأ الآية على حسب تقدير المؤلف: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾، ﴿بِآيَاتِنَا﴾، ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾؛ لأنه قدَّر (اذهبا ﴿بِآيَاتِنَا﴾ )، ولا يصلح أن نقول: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ تابعة لها؛ لأن مَن اتبعهما لم يذهب بالآيات. فاهمين يا جماعة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب هذا وجه.
ووجه آخر يقولون: إن قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ متعلق بـ﴿وَنَجْعَلُ﴾: وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا بِآيَاتِنَا، أي: بسبب آياتنا نجعل لكما السلطان، فلا يستطيعون الوصول إليكما ولا إبطالَ دعوتِكما. وعلى هذا يحتاج إلى تقدير في الآية ولَّا لا؟
* طالب: ما يحتاج.
* الشيخ: ما يحتاج إلى تقدير، وهل نقف على قوله: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ ولَّا نصل؟ نصِل، فتكون القراءة: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ [القصص ٣٥]، أي: بسبب ما معكما من الآيات، وهذا المعنى هو الصحيح؛ أولًا: لأنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لأنَّ التقدير يا جماعة لا بد أن يسبِقَه مرتَبَتَان: المرتبة الأولى: إثبات أن في الكلام حذفًا، والمرتبة الثانية: إثبات أنَّ تقدير المحذوف هو ذاك، أو لا؟ (...) أو غيرها، لا بُد أن يتقدَّم دعواه مرتبتان: المرتبة الأولى: إثبات أن في الكلام حذفًا يحتاج إلى تفسير، والثانية: إثبات أن المقدَّر هو هذا، يعني تعيين المقدر؛ لأنَّه على فرض أنَّ الآية تحتاج إلى تقدير، فإنه قد يُنازَع، ويقال له: ما هذا التقدير الذي قدرت؟ لا نُسَلِّم أن تقدير المحذوف هو هذا (...) كلُّ مَن ادعى حذفًا في آية فإنه يحتاج إلى شيئين أو مرتبتين؛ المرتبة الأولى: إثبات أن في الكلام حذفًا، وبأي طريق نعرف هذا؟ إذا كان الكلام لا يستقيم بدون تقدير علِمْنا أن هناك حذفًا؛ هذه واحدة.
المرتبة الثانية: إثبات أن المحذوف هو هذا الشيء الذي قدَّرْتَه؛ إذ مِن الجائز أن يكون المُقَدَّر غيره ولَّا لا؟ وهذا طبعًا تقدير يُعيِّنه السياق؛ لأنَّ السياق هو الذي يُعيِّن نوع المحذوف.
طيب، إذا كان الكلام لا يحتاج إلى هذا التقدير، فالأفضل عدمُ التقدير. هذه الآية معناها واضح جدًّا على القول بعدم التقدير، وأنَّ المعنى: نجعل لكما سلطانًا بسبب آياتِنا التي معكما فلا يصلون إليكما، وهذا المعنى أيضًا أوضح مما قدَّره المؤلف وغيرُه؛ لأنه في الحقيقة هو يقول: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ هنا جمع، وفي الأول يقول: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [القصص ٣٢]، فلم يرسلهما الله سبحانه وتعالى حين أرسلهما إلا على آيتين ولَّا آية واحدة؟ آيتين.
الصواب إذن أنَّ الآية موصولٌ بعضها ببعض، وأنَّنَا نقرأ: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾، نعم ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾، ويكون متعلقًا بقوله: وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا بِآيَاتِنَا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا.
وزعم بعض المُعربِين أن قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ متعلِّق بـ﴿الْغَالِبُونَ﴾، وهذا في المعنى قريب مما ذكرنا، يعني: أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ بِآيَاتِنَا. والغالب بالآيات هو الذي جُعِل له بها سلطان، فيكون على هذا: فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ بِآيَاتِنَا. وهذا لا شك أنه أحسن مِن تقدير المؤلف؛ لأنه ما يحتاج إلى حذف، ولأنه يُوجِب أن يكون كلام بعضُه مُتصلًا ببعض، لكن فيه محذوف من حيث القواعد النحوية، وهي أن ﴿الْغَالِبُونَ﴾ اسم فاعل، و(أل) المتصلة باسم الفاعل أيش هي عند النحويين؟ اسم موصول:
؎وَصفَةٌ صَرِيْحَةٌ صِلَةُ (أَلْ) ∗∗∗ ............................
اسم موصول، والمعروف أن الاسم الموصول لا يعمل ما بعده فيما قبله، لا تعمل صلتُه، فحينئذٍ نحتاج إلى جواب عن هذه القاعدة؟
الجواب قالوا: إنَّ (أل) هنا ليست موصولة، وإنها كألف داخلة على الاسم الجامد، داخلة على الرجل والأسد وما أشبههما.
إذن في هذا التقدير فيه مخالفة لِلمعروف مِن القواعد النحوية.
نرجع الآن إلى أنَّ الصواب أن نجعل قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ متعلقة بـ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ ونسْلَم مِن كُلِّ ذلك، مِن المخالفات ومِن التقديرات التي نعتمد عليها ومِن تعيين المقدَّر.
وقوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾، ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾، فيه دليل على أن الله تعالى أعطى موسى وهارون آيات، وقد ذَكَر في سورة أخرى أنه أعطاه تسعَ آيات ولَّا لا؟ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ﴾ [الإسراء ١٠١].
وقوله: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا﴾ مِنين؟ مِن بني إسرائيل ومِن آل فرعون؛ لأنَّ مِن آل فرعون مَن اتبعهما، كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر ٢٨].
وقوله: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا﴾ فيه دليل على أن الإنسان يُنْصَر ويَغلِب باتِّباع الرسل، وأنَّه لا طريقَ إلى النصر والغلبة إلا الدخول في طريق الرسل واتِّباعهم، وعليه فيكون من هذا قاعدة: كل مَن كان للرسول أتبَعَ كان إلى النصر أقرب، وكل مَن كان مِن اتباع الرسول أبعَدَ كان عن النصر أبعد؛ لأنَّه مِن المعلوم في القواعد المقررة: أنَّ الحكم إذا عُلِّقَ بوصف كان ثبوتُه قوةً وضعفًا، ووجودًا وعدمًا، بحسب ذلك الوصف، إذا عُلِّق الحكم على وصف كان ثبوت الحكم كان ذلك الحكم ثُبوتًا وجودًا وعدمًا وقوةً وضعفًا، كَمِّل؟ بحسب ذلك الوصف.
مثلًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة ١٥٣]، مَعِيَّتُه للصابرين قُوَّتُها وضعفها بحسب ما معهم مِن الصبر.
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [النحل ١٢٨]، وجود المعية للمتقين قوة وضعفًا بِحسَب تقواهم... وهكذا.
وقوله: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص ٣٥] ﴿الْغَالِبُونَ﴾ لِمن؟ يقول المؤلف: (﴿الْغَالِبُونَ﴾ لهم)، (...)، لكنَّا إذا أردنا أن نأخذ هذا على سبيل العموم نقول: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ لِلمخالفين، فأتباع الرسل غالبون لِمن خالفوا الرسل، دائمًا وأبدًا ولَّا لا؟ دائمًا وأبدًا، بل إنَّ هذه الأمور (...) على غيرِهم، قال النبي ﷺ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨) ومسلم (٥٢١/٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ]]، الله أكبر! ما أعظم هذه الفائدة لو أننا كُنَّا على المستوى الذي ينبغي! لو كُنا مُتَّبعين لهذا النبي الكريم ﷺ على وجه الحقيقة لكان عدونا مرعوبًا مِنَّا مسيرةَ شهر، لكننا مع الأسف الشديد لم نكن متبعين للرسول عليه الصلاة والسلام في الحقيقة، ولذلك صار بأسُنا بيننا، لا مَن يدعي الإسلام منَّا ولا مَن أراد أن ينزوي تحت قاعدة الجاهلية، وهي القوميةُ العربية، فإنها ما انتصرت القومية منذ نشأت إلى اليوم، ولن تنتصر أبدًا، بل لا تزدادُ إلَّا فشلًا وتفرُّقًا وتصدعًا، نعم، وقتالًا فيما بينها. وكذلك أيضًا في الحقيقة ما اجتمعْنا على قومية إسلامية، ما اجتمعنا عليها، فيبقى المسلمون لا على هذا ولا على هذا، ولهذا ما كان لنا النصر الذي وعد الله به نبيَّه ﷺ.
قال: (﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ﴾ [القصص ٣٦] واضحاتٍ حال).
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أي: آل فرعون.
﴿مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾، ولم يقل: (وهارون)؛ لأن الرسالة في الأصل لموسى.
وقوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ الباء للمصاحبة، يعني مصحوبًا بالآيات.
وقوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾، جمع آية، وهي العلامات، وأُضِيفت إلى (الله) إضافةَ العَطِيَّة إلى مُعْطِيها؛ لأنَّ هذه الآيات ليست بآيات على الله، لكنها آياتٌ منه على أي شيء؟ على رسالة موسى، وموسى في ضمنها إثبات أن الله وحده هو الإله الحق.
﴿بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ﴾ قال: (واضحات)، وقال في إعرابها: (حال)، حال مِنين؟ (...).
* طالب: من (آيات).
* الشيخ: من (آيات)، ولا يصِحُّ أن تكون صفة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: تصِح ولَّا ما تصِح؟ أعطني الحكم قبل التعليل؟
* الطالب: ما تصح.
* الشيخ: ما تصِح؛ لأن (آيات) معرفة، و﴿بَيِّنَاتٍ﴾ نكرة، ولا تُنعت المعرفة بِنكرة، بل إذا جاءت النكرةُ بعدَ المعرفة وهي وصف لها أُعرِبَت حالًا.
وفي قولِه: ﴿بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ﴾ إقامة للحجة؛ لأن الآية هي علامة، وكلما كانت أظهر كانت الحجة أقوى، فالآيات بينة.
جاءهم بالآيات البينات، فأيُّ جواب كان منهم؟
(﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ [القصص ٣٦] مختلق) أعوذ بالله.
﴿مَا هَذَا﴾ أي الذي جئتَ به يا موسى ﴿إِلَّا سِحْرٌ﴾، وهنا نسأل: لماذا لم تعمل (ما)، ولغةُ الحجاز أنَّها تعمل عمل (ليس)؟ لأن ابن مالك يقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، يعني معناه بأنَّه يُشترط بقاء النفي، وهنا ما بَقِي النفي، انتقض به (...).
قولهم: ﴿مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾، أيش هو السحر الذي قالوا (...)؟
* طالب: العصا.
* الشيخ: العصا واليد، هذا إذا قلنا: إنه يعود على الآيات الحسية. فإن قلنا: إنه يعود إلى الآيات المعنوية، وهي مثل الكلام؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»[[أخرجه البخاري (٥٧٦٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ]].
وقوله: (﴿مُفْتَرًى﴾ مختلق)، وصف الافتراء إلى القول واضح، لكن وصف الافتراء للعصا واليد؛ لأن السحر لا يقلب الأشياء حقيقة، ولكنه يقلبها تخيُّلًا بحسب ما يتخيله المرء، فيكون هذا التخييل مطابِقًا للواقع ولَّا مُخالفًا للواقع؟ وكل ما يخالف الواقع فهو مُفترى، كل ما يخالف الواقع فهو مفترى. خذوا بالكم يا جماعة.
فالافتراء هنا إن وُصِف به ما قالاه مِن الرسالة فهو مُشكِل.
* طالب: (...).
* الشيخ: واضح. إن وُصِف به ما قالاه مِن الرسالة فهو مُشكل ولَّا واضح؟ واضح؛ لأن نسبة الافتراء إلى القول أمر معلوم، لكن إذا وُصِف به ما جاء به من الآيات الحسية، كقلب العصا وخروج اليد بيضاء، فكيف نقول: إنه مفترى؟ يعني لأن السحر لا يقلب الأمر عن حقيقته، لا يغيره عن حقيقته، فيكون ظهوره بغير الحال التي عليها من باب الكذِب والفِرية، ولهذا قالوا: ﴿إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾.
(﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ كائنًا ﴿فِي﴾ أيام ﴿آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [القصص ٣٦]) (...).
﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾.
﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ المشار إليه: ما جاء به من الرسالة؛ لأنَّها هي المسموعة، فأما آية اليد والعصا فهي مُشاهَدة مرئية.
وقوله: ﴿فِي آبَائِنَا﴾، قال الشارح المؤلف: (كائنًا)، أشار به إلى أن مُتَعَلَّق الجار والمجرور بـ﴿آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ محذوف تقديره (كائنًا).
و(كائنًا) هنا على تقدير المؤلف مفعول ثانٍ ولَّا حال؟
حال مِن اسم الإشارة.
وقوله: ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ أي: في وقتهم، ولهذا قال: (في أيام آبائنا الأولين) أي: السابقين.
وكلامهم هذا صحيح ولَّا كذب؟
* طالب: كذب.
* الشيخ: وليش يكذبون؟
* الطالب: (...) ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ﴾.
* الشيخ: نعم، ﴿بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ [غافر ٣٤].
إذن قولهم: ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [القصص ٣٦]، خبرٌ كذب، فهم كاذبون في هذه الدعوة. ثم على فرض أن الدعوة صحيحة وأنهم ما سمعوا، هل كون هذا لم يوجد في الأولين يقتضي أن يكون باطلًا في الآخرين؟
* طالب: ما يقتضيه.
* الشيخ: ما يقتضيه؛ لأن الحق إذا جاء وجَب قبولُه سواءٌ كان موجودًا في الأولين أم غير موجود. فهذه الحجة إذن مُرَكَّبة من كذب وباطل؛ أما الكذب فإنَّ قولهم: ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ كذب؛ لأنَّ مؤمنَهم أقام عليهم الحجة بوجود نظير لِما جاء به موسى في قوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ﴾، وأما كونها حجة باطلة على تقدير أنها صحيحةٌ قولًا؛ فلأن عدم وجود ذلك في الأولين لا يقتضى بطلان وجوده في الآخِرين، فإن الله تعالى فعَّال لما يريد، فما دامت الآيات بينات ما فيه حجة بأنها لم توجد فيما سبق.
وقوله: ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾، ﴿آبَائِنَا﴾ كيف يقول: ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ وهم آباء؟
لأن الأب يُطلق على الأب المباشر وعلى الجَدِّ وإن علا، قال الله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ﴾ [الحج ٧٨]، وقال يوسف: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [يوسف ٣٨]، يعقوب أبوه المباشر، وإسحاق جده، وإبراهيم جدُّ أبيه، سماهم آباءً. وهذا وإن كان فيه التغليب، لكن ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ ما فيه التغليب، يعني ما فيه أب مباشر، ولهذا كان القول الراجح في (...) أن الجد؟
* طالب: يحجب الجد.
* الشيخ: يحجب الجد، وأن الله...
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: هذا خاص بالظاهر، لكن ﴿ومَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ [القصص ٣٦] (...).
* * *
* يُستفَاد مِن ذلك: جواز تقديم العذر عند الأمر بالشيء ليتخلص من (...) به، نعم، حتى في طاعة ولي الأمر مثلًا لو أمرَكَ، يعني أمرك بشيء، فإن طاعته واجبة في غير معصية، فإنه لا بأس أن تذكر العذر لأجل أن تتخلص مِن هذا الأمر، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يقدمون للنبي ﷺ العذر إذا أمرهم بالشيء ليعذرَهم.
* ويستفاد منه: أن الخوف الطبيعي لا ينافي مقام الرسالة؛ لقوله: ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ [القصص ٣٣].
* ويستفاد منه: أن القصاص موجود فيما سبق (...)، موجود في الأمم السابقة؛ لقوله: ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ يعني بدل من قتله (...)، فهل نقول: إن هذا على سبيل القصاص أو على سبيل العدوان مِن آل فرعون؟ يعني قد لا يبالون، ولو أننا طبقنا هذا على الحكم الإسلامي لكان ناقصًا؛ لأنه لا يُقتَل مسلم بكافر. فنقول: هذا إما أن يكون، قوله: ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ إما أن يكون مِن أجل أن القصاص كان مشهورًا بينهم، أو أنه كان يَخشَى أن يعتدوا عليه بالقتل، وإنْ لم يكن ذلك بحقٍّ، وهو ما دام الاحتمال فإنه لا يمكن أن نعتبره دليلًا على (...).
* * *
﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾، ماذا؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: سواء، (...).
قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص ٣٤].
* يستفاد من هذا: بيان المنة الكبرى من موسى لأخيه، حيث جعل الله تعالى أن يرسله معه، ولهذا يقال: أعظم هدية أهداها خليلٌ لخليلِه هي من كانت من موسى لهارون؛ لأنه سأل الله أن يرسله معه، والرسالة مقام عظيم لا يناله إلا الخيرة من بني آدم.
* طالب: (...).
* الشيخ: * ومنها أيضًا، مِن الفوائد، من فوائد الآية أيضًا: أنه يجوز للإنسان أن يستعين بغيرِه في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ [القصص ٣٤].
* ومنها أيضًا: أن اتخاذ الأعوان من أسباب النجاة، وهذا أمر معلوم من قديم الزمان وحديثه، أنه كلما كان الإنسان معه مَن يعينه ويساعده كان ذلك أقربَ إلى نجاحِه من انفراده، والعوام يقولون: إن اليد الواحدة ما تصفِّق.
* ومنها: أنَّ الفصاحة لها تأثير، فصاحة اللسان لها تأثير قوي في القبول أو الرفض، وقد قال النبي ﷺ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»[[أخرجه البخاري (٥٧٦٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ]]؛ لِقوله: ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾.
* ومنها: فضيلة موسى عليه الصلاة والسلام بإقراره بالفضل لأخيه: ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾؛ لأن مِن الناس مَن يكون ناقصًا ولكن ما يستطيع أن يعبر بالكمال لغيره والنقص لنفسه.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه ينبغي للداعي أن يَذكُر مبررات دعوته؛ لأن قوله: ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ﴾ [القصص ٣٤] هذا من مبررات دعوته وسؤاله اللهَ تبارك وتعالى أن يرسله معه، وهو أنه أفصح منه لسانًا. وهذا معروف (...) من آداب الدعاة أن الإنسان يذكر مبررات الدعوة، يقول: والله (...).
* وفيه أيضًا، يستفاد مِن الآيات الكريمة: أن موسى عليه الصلاة والسلام خاف أن يكذبوه إذا كان وحده، فطلب مزيدًا من العون؛ لأنه كما قلنا: الواحد مع الواحد يكون أقرب للتصديق.
* ومنه أيضًا: أن الخبر يزداد ثبوتًا بتعدد مُخْبِريه، ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: هو قال (...).
* الشيخ: إي، ما (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: (...) يعينه؛ لأن أصل الرسالة خبر، فإذا كان معه مَن يقويه على هذا الخبر ويثبته ويصدقه فإنه يكون أقوى، وثبوت الخبر بتعدد المخبرين أمر أيضًا معلوم، لكنه (...).
* * *
﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص ٣٥].
* في هذا: دليل على فضل الله سبحانه وتعالى على عبده، حيث إن الله أجاب دعوة موسى، قال: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ﴾.
* وفيه: دليل على أن الله أعطى موسى أكثرَ مما سأل؛ لأنه قال: ﴿رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص ٣٤]، فأعطاه الله أكثر من ذلك، أكثر من كونه أن يصدقه بأن يقويَه أيضًا؛ لأن التصديق معناه الخبر بأنه صادق، لكن التقوية أبلغ، ولهذا قال: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾.
* ومنها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى قد يَمنُّ على العبد فيجعل له سلطانًا بما آتاه من العلم؛ لقوله: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ ﴿بِآيَاتِنَا﴾ [القصص ٣٥].
* ومنها: أن العلم سلاح؛ لأن السلطان معناه القوة والغلبة، وإذا كان سببه العلم كان ذلك دليلًا على أن العلم سلاح من أعظم ما يُدافع به الإنسان ويحاجج أيضًا. وأظنه مر علينا قصة ابن عمر مع الخادم (...)، فإن هذا لولا علم ابن عمر لكان لهذا الخادم سلطان، لكن ابن عمر كان عنده من العلم ما جعل له السلطة والغلبة على ذلك (...).
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: حماية الله سبحانه وتعالى لموسى وهارون؛ لقوله: ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ [القصص ٣٥]، وهذا نظير قوله: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
* ومنها أيضًا: أن التمسك بشريعة الله سببٌ للغلبة، قال: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص ٣٥]، كل من اتبعكما.
(...) ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾.
* ومنها: أنه إذا كان هذا في بني إسرائيل أنه مَن اتبع موسى هو الغالب، فمن اتبع النبي عليه الصلاة والسلام من باب أولى، فإن من اتبع النبي ﷺ فإنه غالب، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة ٣٣]، معنى ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾، أيش معنى ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يُعَلِّيه؛ لأن الظَّهر والظُّهور كله يدل على الغلبة.
قال: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [القصص ٣٥، ٣٦].
* طالب: (...).
* * *
* الشيخ: ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [القصص ٣٦].
* في هذا يستفاد منه: أن موسى ﷺ نَفَّذ ما أرسله الله به.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الآيات التي يرسِل الله بها الأنبياء تكون بينةً واضحة؛ لئلا يكون لِلمدعُوِّين حجة في خفاء الحجة، فيجعل الله تعالى الآيات بينة واضحة. وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا آتَاهُ اللهُ مَا عَلَى مِثْلِهِ يُؤْمِنُ الْبَشَرُ»[[ أخرج البخاري (٤٩٨١) بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة». ]]. فلا بدَّ أن تكون الآيات التي يُرسَل بها الرسل تكون بينة واضحة لئلا يبقى للناس حجة.
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: أن الآيات التي أعطاها الله موسى ليست واحدة ولا اثنتين، بل هي آيات متعددة يؤمن على مثلها البشر، لكن هؤلاء قوم عُتاة والعياذ بالله.
* ومنها، من فوائدها: أن دعوى المكذِّبين للرسل ما تكون إلا مِن نوع المكابرة، فإن قولهم: ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾، هل يقتضي ردَّ الحق ولَّا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما يقتضي رد الحق، إي ما سمعتموه لكن إذا كان حقًّا فاقبلوه، وليس للإنسان حجة إذا قال: والله هذا ما سمعنا به.
* ومنها أيضًا: أن أعداء الرسل يُلقِّبون الرسل بألقاب السوء والعيب؛ لقوله: ﴿مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ [القصص ٣٦]، ما عند أعداء الرسل إلا أنهم يلقبونهم بألقاب: هذا ساحر، هذا كذاب، هذا مجنون، هذا شاعر، وما أشبه ذلك.
* إذن نأخذ منه أيضًا فائدة متفرعة: أن أعداء الرسل سوف يُلقِّبون من يدعون بدعوة الرسل بمثل هذه الألقاب، فيقولون: كالرجعيين، متأخرون، متزمتون، متشددون، متعصبون.. وما أشبه ذلك، نعم، أو ربما يقولون إلى أبلغ من هذا، يقولون: ضالون، ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٣٢]. المهم أنه يجب أن نعرف أن هذه الدعوة -دعوة الحق- لها أعداء، هؤلاء الأعداء الذين قابلوا الرسل بما قابلوهم، والرسل هم الأقوى في القيادة، سيقابلون مَن بعدهم بمثل ما قابلوهم به أو أكثر. إذن فلنطمن أنفسنا على أننا إذا دعونا إلى الله على حق وعلى بصيرة، فسيقولون لنا، فسيقوم أمامنا مَن يقول لنا مثلما قالوا للرسل.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، ﴿رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [المؤمنون ١٠٩] (...)، ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٣٢]، المهم أنه ما دامت الدعوة واحدة فعدوُّها واحد، وما قيل في الأول يُقال في الثاني.
* ومن فوائد الآية: أنه لا ينبغي للمرء أن يثنيَه عن قول الحق ردُّه أو وصفه هو (...)؛ لأن موسى هل توقف لما قالوا له هذا الكلام؟ لا، استمر في الدعوة، وبه قامت الحجة مع أنه هُدِّد بالسجن، ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يُبال بهذا، فكذلك ينبغي للداعي إلى الله أن يصبر ما دام يعلم أنه على حق.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["قَالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلۡتُ مِنۡهُمۡ نَفۡسࣰا فَأَخَافُ أَن یَقۡتُلُونِ","وَأَخِی هَـٰرُونُ هُوَ أَفۡصَحُ مِنِّی لِسَانࣰا فَأَرۡسِلۡهُ مَعِیَ رِدۡءࣰا یُصَدِّقُنِیۤۖ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ","قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِیكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یَصِلُونَ إِلَیۡكُمَا بِـَٔایَـٰتِنَاۤۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَـٰلِبُونَ","فَلَمَّا جَاۤءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَا بَیِّنَـٰتࣲ قَالُوا۟ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّفۡتَرࣰى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِیۤ ءَابَاۤىِٕنَا ٱلۡأَوَّلِینَ"],"ayah":"فَلَمَّا جَاۤءَهُم مُّوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَا بَیِّنَـٰتࣲ قَالُوا۟ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّفۡتَرࣰى وَمَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِیۤ ءَابَاۤىِٕنَا ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق