الباحث القرآني
قال: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [القصص ٣٢].
قال المؤلف: (﴿اُسْلُكْ﴾ أَدْخِلْ ﴿يَدَكَ﴾ الْيُمْنَى بِمَعْنَى الْكَف ﴿فِي جَيْبِكَ﴾ ).
قوله: ﴿اسْلُكْ﴾ يعني: (أدخِل) (...)، فمعنى ﴿اسْلُكْ﴾: أدخل.
وقوله: (﴿يَدَكَ﴾ بمعنى الكف)، في الحقيقة لا حاجة إلى هذا؛ لأنه قد (...)، بل المراد باليد عند الإطلاق الكف؛ ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة ٣٨]، قالوا: المراد بالأيدي الأَكُف. أما إذا أُريد باليد غير الكف فإنها تُقَيد به، كما في قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة ٦]، في التيمم قال: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة ٦]، وكان الفرق مسْح الكف فقط؛ يعني ما كله، فاليد عند الإطلاق تكون بمعنى الكف فقط.
وقوله: (اليمنى)، منين نأخذه؟ ما في الآية دليل على هذا؛ ولهذا الأَوْلى أن نجعلها مُبهَمَة كما أبهمها الله سبحانه وتعالى، ولا يهمنا أن تكون اليد اليمنى أو اليسرى، المهم أنه قيل، قال: (﴿فِي جَيْبِكَ﴾ [القصص ٣٢] هُوَ طَوْق الْقَمِيص وَأَخْرِجْهَا).
قوله: (هُوَ طَوْق الْقَمِيص) (...)، اللي يدخل معه الرأس، فالجيب هو الطوق الذي يُدخل معه الرأس في القميص.
وقوله: (وَأَخْرِجْهَا ﴿تَخْرُجْ﴾ [القصص ٣٢])، المؤلف قدَّر طلبًا ليناسِب الجواب؛ لأنه ليس مجرد الإدخال لتخرج به بيضاء، بل إذا أخرجها خرجت بيضاء. لكن في الحقيقة أنه لا داعيَ إلى ذلك، وأنه لا مانع أن يكون ﴿تَخْرُجْ﴾ جوابًا لقوله: ﴿اسْلُكْ﴾؛ فإن الإدخال إذا قلت: ﴿تَخْرُجْ﴾ معناه لزم من ذلك أن يكون أخرجها، والأصل عدم الحذف. وعليه فـ﴿تَخْرُجْ﴾ هنا مجزومة جوابًا للطلب في قوله: ﴿اسْلُكْ﴾؛ لأن جواب الطلب إذا حُذِفت منه الفاء صار مجزومًا، وإن وُجِدت معه الفاء صار منصوبًا بـ(أنْ)، قال ابن مالك:
؎وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَو طَلَبْ ∗∗∗ مَحْضَيْنِ (أَنْ) وَسَتْرُهَا حَتْمٌنَصَبْ
يعني معناه: أنَّ (أنْ) تنصِب بعد فاء التي وقعت جوابًا لنفي أو طلب محض، ولكنه إذا سقطت الفاء فإنه يُجزم الفعل، ولكن يقول:
؎وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ أَنْ تَضَعْ ∗∗∗ (إِنْ) قَبْلَ (لَا) دُونَ تَخَالُفٍيَقَعْ
هنا بمعنى طلب؛ طلب أمر.
(﴿تَخْرُجْ﴾ خِلَاف مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأُدمَة).
(الأُدمة) السمرة، يعني اللون الذي بين البياض والسواد يُسَمَّى: أُدْمَة، وكان موسى ﷺ آدَمَ.
فأدْخَلَ يده، فخرجت ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [القصص ٣٢] أي مِن غير عيْب، وأن العيب يسوء المرء، والبياض الذي يسوء المرء ما هو؟ البَرص، ولهذا قال المؤلف: (أَيْ بَرَص).
وقوله: ﴿بَيْضَاءَ﴾ محلها من الإعراب؟
* طالب: حال.
* الشيخ: حال منين؟ من فاعل ﴿تَخْرُجْ﴾.
﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾، قال: (فَأَدْخَلَهَا وَأَخْرَجَهَا تُضِيء كَشُعَاعِ الشَّمْس تَغْشَى الْبَصَر).
هذه مبالَغة، يكفينا أن نقول: ما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾، يعني ليس برصًا، بل بياضًا لا (...)، وأما أن تكون تضيء لكان الله يقول: تخرج مضيئة؛ لأن الإضاءة أبلغ من مجرد البياض، كذلك أيضًا أقوى للآية، ونحن نقول كما قال الله: ﴿بَيْضَاءَ﴾.
(﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص ٣٢] بفتح الحرفين) ﴿الرَّهَبِ﴾ .
(وسكون الثاني مع فَتْح الْأَوَّل وَضَمِّه)، (سكون الثاني) يعني اللي هو الهاء، (مع فتح الأول) الذي هو الراء (وضمه)، فتكون القراءات ثلاثًا: ﴿الرَّهَبِ﴾ و﴿الرَّهْبِ﴾ و﴿الرُّهْبِ﴾ .
فـ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهَبِ﴾ صح؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: صحيح، هي القراءة التي بدأ بها المؤلف.
﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرُّهْبِ﴾ [القصص: ٣٢] صحيح.
﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ أيضًا صحيح.
وقوله: ﴿جَنَاحَكَ﴾، المراد بالجناح اليد؛ لأنها للإنسان بمنزلة الجناح للطائر.
وقوله: ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾، ﴿مِنَ﴾ للسببية، معناها السببية، أما عن الإعراب فهي حرف الجر.
قال: (أَي الْخَوْف)؛ هذا تفسير لـ﴿الرَّهْبِ﴾، ﴿الرَّهْبِ﴾ معناه: الخوف.
المعنى يقول المؤلِّف: (أَي الْخَوْف الْحَاصِل مِنْ إضَاءَة الْيَد بِأَنْ تُدْخِلهَا فِي جَيْبك فَتَعُود إلَى حَالَتهَا الْأُولَى).
يعني معناه إذا قال: ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [القصص ٣٢]، وأردتَ أن تعود إلى حالها الأولى، فاضممها إليك مرة ثانية، فحينئذٍ تعود إلى حالتها، فإذا أدخلها في جيبه وأخرجها صارت بيضاء، وإذا أراد أن تعود إلى حالها ضمَّها إليه فعادت إلى حالها. هذا معنى كلام المؤلف.
وقال بعض العلماء: إن الجملة هذه منفصلة عن الجملة الأولى؛ لأن الله تعالى أرشده إذا خاف أن يضم يده إلى صدره حتى يزولَ عنه الخوف. وهل هذه آية لموسى فقط، بأنه إذا خاف من شيء فإنه يضم يده إلى صدره، أو أنها عامة لكل أحد؟
هي على كل حال بالنسبة لموسى (...) أنه إذا خاف مِن فرعون أو مِن غيره يضم إليه يده، لكنَّ غيره رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما من خائف يضع يده على صدره إلا زال خوفه[[ذكر أبو محمد القيرواني في تفسيره الهداية إلى بلوغ النهاية (٨/٥٥٣٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى، ثم يدخل يده فيضمها إلى صدره، إلا ذهب عنه الرعب. ]].
(...)
على كل حال هي بالنسبة لموسى الآن فيها قولان لأهل العلم:
القول الأول: أن هذه معالجة لإعادة اليد على ما كانت عليه. وهذا يُضعِفه أن الله قال: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾، وموسى لم يَرهَب؛ لأن الله ما دام قال له: ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ فإنه لم يرهب.
والقول الثاني: أنه عندما يحصل من موسى الخوف، فموسى كما عرفتم مِن الآية ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [القصص ٣١] خائفًا، فأرشده الله إلى أنه إذا أراد أن يُزيل الخوف من (...) فإنه يضم يده إليه إلى نفسه: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ [القصص ٣٢].
(وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْجَنَاحِ؛ لِأَنَّهَا لِلْإِنْسَانِ كَالْجَنَاحِ لِلطَّائِرِ)، وهذا صحيح، وهي جناح أيضًا، حتى الإنسان عند ارتفاعه (...) بيديه ولَّا لا؟ إي نعم، لو تربط يديه ما (...) فهي لا شك أنها تعين الإنسان، كما أن جناح الطائر يعينه.
(﴿فَذَانِكَ﴾ [القصص ٣٢] بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف؛ أَيْ الْعَصَا وَالْيَد وَهُمَا مُؤَنَّثَانِ، وَإِنَّمَا ذُكِّرَ الْمُشَار بِهِ إلَيْهِمَا الْمُبْتَدَأ لِتَذْكِيرِ خَبَره).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، (...)؛ لأن اليدين -كما تعرف- واحدة جناح والأخرى (...)، فإذا أدخلها في جيبه (...)، وهذا هو الذي يمنع من القول (...) سواء في اللغة العربية أو في القرآن.
وقوله: ﴿فَذَانِكَ﴾ يقول: (بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف).
(بالتشديد): ﴿فَذَانِّكَ﴾ ، وبـ(التخفيف): ﴿فَذَانِكَ﴾.
نريد مَن يستشهد لنا من كلام ابن مالك على هذين الوجهين، التشديد والتخفيف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
؎وَالْنُّوْنُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شُدِّدَا ∗∗∗ أَيْضًا.................................
مثل: النون من اللذان واللتان.
؎.................................. ∗∗∗ ..... وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ قُصِدَا
(﴿فَذَانِكَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف؛ أَيْ الْعَصَا وَالْيَد)، (العصا) مؤنث ولَّا مذكر؟
* طالب: مؤنث.
* الشيخ: مؤنث، قال: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ [طه ١٨]، ولم يقل: هو عصاي أتوكَّأ عليه، بل قال: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾. اليد مذكر ولَّا مؤنث؟
* طالب: مذكر.
* الشيخ: اليد مذكر؟!
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، (...) ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ [القصص ٣٢]، ولم يقل: يخرج أبيض، وقال تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤]، وقال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة ٦٤]. وغيرها، المهم أنها مؤنث.
إذن العصا مؤنث واليد مؤنث.
والإشارة ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَان﴾ [القصص ٣٢] مذكر ولَّا لا؟ من الإشارة، ولو كان بالتأنيث لقال: فتانِك برهانان. فلماذا جعله مذكرًا؟
يقول المؤلف: (وَإِنَّمَا ذُكِّرَ الْمُشَار بِهِ إلَيْهِمَا الْمُبْتَدَأ)؛ لأن (ذان) مبتدأ، والخبر ﴿بُرْهَانَان﴾: (لِتَذْكِيرِ خَبَره ﴿بُرْهَانَانِ﴾ ).
﴿بُرْهَانَان﴾ مثنى برهان، و(برهان) مذكر ولَّا مؤنث؟
* طالب: مذكر.
* الشيخ: مذكر؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: (...) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء ١٧٤]، وإن كان هذا ما هو بيعني واضح؛ لأنه مفصول بين الفعل والفاعل، ما قال: قد جاءتكم برهان، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ﴾.
إذن (برهان) مذكر، واليد والعصا مؤنث، فهنا لُوحِظ الخبر ولَّا لُوحِظ المُشار إليه؟ لُوحِظ الخبر؛ لأن ﴿بُرْهَانَانِ﴾ مذكر فذُكِّر اسم الإشارة.
﴿بُرْهَانَانِ﴾، ما هو البرهان؟ هو الدليل.
وقول المؤلف: (مُرْسَلَانِ ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ )، كلمة (مرسلان) ليست تفسيرًا لـ﴿بُرْهَانَانِ﴾، ولكنَّها بيان لِمُتَعَلَّق. قوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾؛ لأن كلمة (برهان) اسم جامد لا يصح أن يكون مُتَعَلَّقًا للجار والمجرور. فهمتم يا جماعة أو لا؟
مرة ثانية نقول: (مرسلان) قد يظن الظانُّ أنها تفسير للبرهان، والبرهان ليس معناه المُرسل، البرهان معناه الدليل، الدليل الواضح يُسَمَّى برهانًا، وعند المتكلمين يقولون: إن البرهان هو الدليل القاطع القطعي.
ولكن المؤلف أدخَل (مرسَلان) لِيُبيِّن أن قوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ متعلِّق به، بـ(مرسلان) المُقَدَّر، ولم يجعلْه مُتَعلِّقًا بـ﴿بُرْهَانَانِ﴾؛ لأنَّ ﴿بُرْهَانَانِ﴾ اسم جامد، والجار والمجرور ما يتعلق إلا بفعل أو مُشتَق، كما قال الناظم الناظم:
؎لَا بُدَّ لِلجَارِ مِنَ التَّــــــعَلُّقِ ∗∗∗ بِفِــــــــــــعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْـــــــــــــوُمُرْتَقِي؎وَاسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَلْ ∗∗∗ كَالْبَا وَمِنْ وَالكَافِ أيْضًا وَلَعَلْ
الشاهد قوله: (لَا بُدَّ لِلجَارِ مِنَ التَّعَلُّقِ بِفِعْلٍ أَوْ مَعْنَاهُ) يعني: (مرسلان).
لكن غير المؤلف قال: لا حاجة إلى أن نُقَدِّر (مرسلان)، بل نقول: ﴿بُرْهَانَانِ﴾ كائنان مِن ربك، فهو متعلِّق (...) كغيره من الجار والمجرور. لكن هذا الذي قاله مَن خالفوه أصح مما قال المؤلف؛ لأن ما قاله المؤلف خاص، وما قدَّره غيرُه عام، ومتعلَّق الجار والمجرور إذا كان خاصًّا لا يجوز تركُه، بل لا بُدَّ من ذِكْره، فلا يُحذف متعلَّق الجار والمجرور إلا إذا كان عامًّا، مثل: (كائن) أو (موجود) أو ما أشبه ذلك.
فالصواب إذن أن نُبقِي الآية على ما هي عليه، فنقول: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ متعلِّق بمحذوف تقديره: (كائنان).
﴿بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [القصص ٣٢]، وهذا الذي أوجَب للمؤلف أن يُقَدِّر (مُرسلان)، لأجل قوله: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾، ولكنه ليس هو المرسل، المُرسل في الحقيقة مَنْ؟ موسى، لكنْ معه دليلان ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي قومه، وفرعون هو حاكِمُ مِصرَ، وقد قيل: إنه عَلم جنس لِكل مَن حكم مصر كافِرًا، كل من حكم مصر كافرًا فإنه يُسَمى فِرعون، وكل مَن ملك الفُرْس كافرًا فإنه يُسَمى كِسْرَى، وكل من ملك الروم كافرًا فإنه يسمى قَيْصَر.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص ٣٢]، الجملة تعليل لِما قبلها، يعني: أننا أرسلناك بهاتين الآيتين إلى هؤلاء القوم؛ لأنهم كانوا قومًا فاسقين.
﴿كَانُوا﴾ فيما مضى، أو ﴿كَانُوا﴾ في عِلْم الله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نحن قررنا قبلُ أن (كان) مفصولة الزمن، مفصولة الدَّلالة على الزمن؛ يعني ما دلَّ على ماضٍ ولَّا على غيره، فمعنى ﴿كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ أي: مُتَّصِفِين بالفِسْق. وقرَّرنا هذا بأنَّ (كان) ما تدل على مفهوم نفي الْمُضِيِّ، قررنا هذا؛ لأنَّ الله تعالى يقول عن نفسه دائمًا: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب ٤٠]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦]... إلى آخره، ومعلومٌ أنه ليس المراد الزمن الماضي، بل المراد أنه مُتَّصِفٌ بهذه الصفات، لكنَّها قد تدل على الزمن الماضي بِقرينة غير لفظ الفعل.
وقوله: ﴿فَاسِقِينَ﴾، أيُّ الفِسْقَيْن منهما؟ فسق الكفر ولَّا فسق الطاعة؟
(...)، وقد مرَّ علينا أن الفسق ينقسم إلى قسمين: قسم مُخْرِج عن الملة؛ وهو فسق الكفر، وفِسْق مخرج عن الاستقامة؛ وهو فسق المعصية، المعصية بدون الكفر، مثال الأول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: مثال غير هذه الآية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، يمكن، لكن فيه آيات أوضح منها، يعني فيها تفصيل (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [السجدة ١٨ - ٢٠].
ومثال الفسق الذي لا يُخرج عن الإيمان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ [الحجرات ٦].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الملأ؟ الملأ (...)، والظاهر -والله أعلم- أنه كما أن (...).
ثانيًا: حكمة الله سبحانه وتعالى أيضًا، حيث يُعطِي الأنبياء مِن الآيات ما يُناسِب الوقت وحال المُرسَل إليهم؛ لأن هذا مِن الحِكمة أن تأتي الآيات مُطابِقة للواقع.
* ومنها أيضًا: هذه الآية التي أُعْطِيَت لِموسى، وهي أنه يخرج يدَه إذا ضمها (...) في جيبِه، يخرجها بيضاء مِن غير سوء.
* ومنها: إرشاد الله تبارك وتعالى لِموسى إذا خاف مِن شيء أن يَضُم إليه يده حتى يطمئن ويسكن قلبه. وهل هذا خاص به أو عام؟ تقدم أنه رُوِي عن ابن عباس: أنه إِنْ خاف مِن شيء أن يضع يده على صدره[[ذكر أبو محمد القيرواني في تفسيره الهداية إلى بلوغ النهاية (٨/٥٥٣٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى، ثم يدخل يده فيضمها إلى صدره، إلا ذهب عنه الرعب. ]]. فعليه يكون عامًّا. والظاهر أنه خاص بِموسى؛ لأن الإنسان قد يستعمل هذا الشيء ولا يُغني عنه شيئًا.
* ومنها: إثبات أو تأييد الأنبياء بالآيات الدالة على صدقهم؛ لقوله: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ﴾ [القصص ٣٢].
* ومنها: أن الآيات التي تأتي للأنبياء حُجَج على قومِهم؛ لأن البرهان معناه الحجة والدليل، فالآيات التي تفيدها حجج على قومهم أن يلزمهم بالتطبيق، كذا؟
* ومنها: أنه ما مِن رسول يُرسَل إلا أُوتِي آيةً تدل على صدقه؛ لأنه لو لم يُؤْتَ آيةً لكان لِلناس عذرٌ في رده (...) ولَّا لا؟ لأنه لو جاء وقال: أنا رسول رب العالمين وعليكم أن تفعلوا كذا وعليكم أن تجتنبوا كذا، فربما يقولون: ما نقدر إلا بِبينة، والبينة هي الآيات.
* ومنها: لُطْف الله تبارك وتعالى بعباده؛ حيث يُرسِل إليهم الرسل لمصلحتِهم لا لِمصلحتِه؛ إذ إن الله يقول: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ٩٧]، لكن لِمصلحة الخلْق يُرسِل إليهم الرسل.
* ومن فوائد الآية: أنَّ الرسالة تكون حيث يحتاج الناس إليها للخروج عن طاعة الله؛ لقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص ٣٢].
* ومِنها: أن الله سبحانه وتعالى يُجَدِّد لِهذه الأمة دِينها كلَّما خرجت عنه. منين نأخذه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لأن الرسل إذا كانوا يُرسَلون لإنقاذ أمتهم، هذه الأمة إرسال الرسل فيهم (...)، فيكون بدلًا مِن الرسول أن يُبعث رجلٌ عالِم مُعَلِّم يخرج منهم، سواء كان واليًا من ولاة السلطة أم (...). المهم أن يعرف أن الله سبحانه وتعالى يُرسِل الرسل عند الحاجة إليهم، وفي هذه الأمة لا رسول، فيبقى (...) يُبعث مِن قومه قوم صالحون مصلحون يُصلحون الخلق.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، (...).
ومنها أيضًا: أن الغالِب أن أتباع رؤساء الكفر هم الأشراف؛ لقوله: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [القصص ٣٢]؛ لأن الملأ هم الأشراف، وإن كانت تُطلق على القوم؛ لأن الله ذكَر في آية أخرى: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل ١٢]، لكن الغالب أن الملأ هم الأشراف وهم الذين غالبًا ما يأتون يستكبرون على ما جاءت به الرسل، أما الضعفاء والفقراء فإنهم يتبعونهم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: هذا الظاهر، لكن لعله والله أعلم (...)، على رأس كل مئة[[أخرج أبو داود (٤٢٩١) بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». ]]، فقد يكون هذا الحد الأعلى، (...).
قال: ﴿وَأَخِي هَارُونُ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: فيها قراءتان: ﴿فَذَانِّكَ﴾ ، ﴿فَذَانِكَ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...).
{"ayah":"ٱسۡلُكۡ یَدَكَ فِی جَیۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَیۡضَاۤءَ مِنۡ غَیۡرِ سُوۤءࣲ وَٱضۡمُمۡ إِلَیۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَ ٰنِكَ بُرۡهَـٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق