الباحث القرآني

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٦]. * في هذه الآية: إثباتُ أنَّ الرسل عليهم الصلاة والسلام قد يخطئون. شوف الفائدة هذه قد تُسَلَّم ولَّا لا؟ * طالب: لا، هذا قبل الرسالة. * الشيخ: هذه لا تُسَلَّم لأنه قبل الرسالة، وقبل الرسالة ممكن أن يقع منهم هذا الشيء، لكن لا يقع منهم فسادُ الأخلاق وشربُ الخمور وما أشبه ذلك، أمَّا الغَيْرة والحميَّة فهذا قد يقع منهم. * وفيها أيضًا: جواز التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بحال الداعي؛ يؤخذ منين؟ من قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾، فالظالم لنفسه محتاجٌ إلى من يُنقذه، فهو توسلٌ إلى الله سبحانه وتعالى بحال الداعي، ومنه قوله تعالى عن موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص ٢٤]. والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى يكون بحال الداعي، ويكون بالثناء على الله وأسمائه وصفاته، وكذلك بأفعاله التي يُنعِم بها، وقد اجتمع الجميع في تعليم النبي ﷺ لأبي بكر؛ قال: «علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، فقال: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٢٦)، ومسلم (٢٧٠٥ / ٤٨)، من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.]]. * طالب: ذكرنا أمس أنه (...)؟ * الشيخ: لا، ما هو بهذا، (...) الآية الأولى ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾. * وفيه أيضًا: إثبات هذين الاسمين من أسماء الله: (الغفور) و(الرحيم)، وإثباتُ الاسم -كما مرَّ علينا في أصول العقيدة- يتضمَّن ثلاثة أمور إذا كان الاسم متعدِّيًا، وأمرين إذا كان لازمًا: يتضمَّن إثباتَ هذا الاسم من أسماء الله، وإثباتَ ما دلَّ عليه من صفة، وإثباتَ الأثر وهو تَعَدِّيه إلى المخلوق مثلًا؛ فـ﴿الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ تَضمَّن ثلاثة أشياء: إثباتَ (الغفور) (الرحيم) على أنهما من أسماء الله، وإثباتَ صفتَيِ المغفرة والرحمة لله سبحانه وتعالى، وإثباتَ الأثر المترتب على ذلك وأنه يغفر ويرحم. * وفيه أيضًا -في قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ - دليلٌ على إثبات الأسباب؛ منين يؤخذ؟ مِن أنَّ الفاء هنا للسببيَّة؛ يعني: فبسبب ظُلم نفسي فإنِّي أسألك أن تغفر لي. * طالب: قوله: ﴿فَغَفَرَ لَهُ﴾ ما يستفاد منه: استجابة الله منه؟ * الشيخ: إي نعم. * يستفاد من قوله: ﴿فَغَفَرَ لَهُ﴾ استجابة الله سبحانه وتعالى وما تتضمَّنه هذه الاستجابة من صفات؛ لأن الاستجابة تتضمَّن السمع والعِلم والقدرة والغِنى، هذا (...)، إذا استجاب الله لإنسان فهو معناه أنه كان قد سَمِعه وعَلِم بحاله وقدر على إعطائه سُؤْلَه، كل هذا يُستفاد منه. * وفيه أيضًا: إثباتُ كرم الله؛ لقوله: ﴿فَغَفَرَ لَهُ﴾. * وفيه أيضًا: إثباتُ أنَّ الدعاء سببٌ، خلافًا لمن أَنْكر سببيَّته وقال: إنَّ الشيء إنْ كان قد كُتِب لي لم يَحتجْ إلى دعاء، وإنْ كان لم يُكتَب لي فلا فائدة من الدعاء. والجواب على ذلك أن يُقال: هو مكتوبٌ لك بالدعاء، مكتوبٌ لك بهذا الشرط؛ بالدعاء. يقول مثلًا: أنا ما أدعو؛ لأن المكتوب لا بدَّ أن يحصل، وما لا يُكتَب لا يمكن أن يحصل. هذا صحيح؟ * طالب: لا، ليس بصحيح. * الشيخ: نقول: ليس هذا بصحيح؛ لأنه مكتوبٌ لك بهذا السبب، كما لو قال قائل: أنا لن أتزوَّج، إنْ كان الله مُقدِّرًا لي ولدًا بيجيني ولد، وإن كان الله ما قدَّر لي ولدًا ما فيه فائدة من الزواج. نقول: ولكنه مقدِّرٌ لك الولد بأيش؟ بالزواج. فهذه الأمور الغيبيَّة منافية للأمور المشاهَدة، كما أنَّ الأمور المشاهَدة لا تصلح إلا بفعل الأسباب التي توصل إليها فكذلك الأمور الغائبة ما تصلح، إذَن نقول: لا تعمل بعدُ، لا تعمل عملًا صالحًا؛ لأنك إنْ كنتَ من أهل الجنة فإنك ستكون من أهل الجنة، إنْ كنتَ من أهل النار فلن تكون إلا من أهل النار! فيُقال: أنت تكون من أهل الجنة بعملك، ولهذا لَمَّا قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ إِمَّا فِي الْجَنَّةِ أَوْ فِي النَّارِ». قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العملَ ونتَّكل على الكتاب؟ قال: «لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ». أو: «فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ»، ثم تلا قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ١٠][[أخرج البخاري (٤٩٤٩) -واللفظ له- ومسلم (٢٦٤٧ / ٧) من حديث عليٍّ رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ في جنازة، فأخذ شيئًا فجعل ينكت به الأرضَ فقال: «ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتِب مقعده من النار ومقعده من الجنة». قالوا: يا رسول الله، أفلا نتَّكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: «اعملوا، فكلٌّ ميسَّر لِمَا خُلِق له...».]]. المهمُّ أنَّ في هذه الآية وغيرها من الآيات الكثيرة دليلًا على تأثير الدعاء في حصول المطلوب، أليس كذلك؟ * طالب: بلى. * الشيخ: لأن مَن أنكر ذلك فهو في الحقيقة مكابرٌ أو جاهلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب