الباحث القرآني

طيب، ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ﴾ [القصص ١٥]، بعد بلوغ الأشُدِّ ولَّا لا؟ * طالب: بعده. * الشيخ: إي، بعده، بعد بلوغ الأشُدِّ؛ لأن الأصل أن ما تقدَّم ذِكْرًا فهو متقدِّمٌ وقوعًا وعملًا؛ هذا الأصل: ما تقدَّم ذِكْرًا فهو متقدِّم وقوعًا إن كان في الأخبار، وعملًا إن كان في الأحكام، ولهذا «أقبل» « النبيُّ عليه الصلاة والسلام على الصفا فقال: «﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]]، وقال العلماء: إن الفقراء أشدُّ حاجةً من المساكين؛ لأن الله بدأ بهم في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة ٦٠]، فهنا نقول لما ذكر اللهُ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ ﴿وَدَخَلَ﴾ علِمْنا أن دخوله المدينةَ بعد أن بلغ أشُدَّه. وقوله: (﴿الْمَدِينَةَ﴾ مدينة فرعون، وهي مَنْف) أو (مُنْف) ما أدري بضم الميم، المهم بسكون النون (بعد أن غاب عنه مدة). تعيين المدينة بأنها مدينة فرعون في نفسي من هذا شيء؛ لأن الرجل قد تربَّى عند مَن؟ * الطلبة: عند فرعون. * الشيخ: عند فرعون في نفس مدينته وفي نفس مكانه، اللهم إلا أن يُقال: إن فرعون كان في مصر، وإن (منف) هذه بلد خارجة عن القاعدة اللي هي قصبة البلد، وأنه خرج من يوم من الأيام فدخلها. والأحسن في هذا في مثل هذا المقام إذا لم تَرِدْ عن النبي عليه الصلاة والسلام، الأحسن أن نقول: مدينة من مُدُن مصر، ويسكنها أقباط وإسرائيليُّون، بدليل القصة. ﴿دَخَلَ الْمَدِينَةَ﴾ (﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ وقتَ القيلولة). قوله: ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ بعض العلماء يقول: المراد ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾ زمنًا؛ يعني أنهم في زمنٍ يغفل الناس فيه. بعضهم يقول: ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ أي: كلامًا، بمعنى أنهم نسوا موسى وقصته، وطال الزمن، فدخل على حين غفلةٍ من التحدُّث في هذا الأمر. ولكن المعنى الأول أظهرُ أنَّه دخلها في وقتٍ أهلُها غافلون. هل يتعيَّن أن يكون وقت القيلولة؟ ما يتعيَّن؛ يكون وقت القيلولة، يكون مثلًا بالليل، يكون في المغرب، الله أعلم، إنما في وقتٍ أهل البلد غافلون. (﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ أي: إسرائيليٌّ ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ أي: قبطيٌّ). ﴿وَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ﴾ الاقتتال بمعنى المنازعة والمخاصمة والمضاربة أيضًا، وليس المراد فيما يبدو أنهما يريدان أن يقتل بعضهما بعضًا. لكنْ ﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ﴾ شيعةُ الرجل معناه: أتباعه؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافات ٨٣]، وقيل: إن الشيعة مَن يُناصرك، كلُّ مَن يُناصرك فهو شيعةٌ لك سواء كان متَّبعًا لك أو غير متَّبع، وعلى كل حال فهُنا المراد بالشيعة يعني أنه من قبيلته، ولهذا قال المؤلف: (أي: إسرائيليٌّ). ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ من عدوِّ موسى من آل فرعون، وهم الأقباط. (أي: قبطيٌّ يُسَخِّر إسرائيليًّا ليحمل حطبًا إلى مطبخ فرعون) واللهِ عجائب! من يقول هذا؟! على كل حال ﴿يَقْتَتِلَانِ﴾ كعادة الناس الأعداء، الأعداء يخاصم بعضهم بعضًا دائمًا ويُقاتل بعضهم بعضًا، وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره بأن هذا يدلُّ على قوة شعب بني إسرائيل؛ بعد أن كانوا أذِلَّةً يُقَتَّل أبناؤهم ويُستحيَا نساؤهم أصبحوا الآن يجعلون أنفسهم أندادًا لمن؟ لآل فرعون الأقباط؛ لأنهم يعرفون أن موسى منهم، وأن موسى في منزلةٍ عظيمةٍ عند فرعون، فهم استقوتْ ظهورهم بهذا الشيء، وهذا واضح أنهم سوف يَقْوَون بهذا الشيء ويرون أنفسهم أندادًا لآل فرعون. أمَّا أنه يريد أن يُسَخِّره ليحمل الحطب إلى المطبخ، فهذا ما هو بظاهر، ومحتاج إلى دليل بَيِّن، ولا دليل في المسألة، ثم شرح الموقف على قوله: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾. * طالب: ﴿يَقْتَتِلَانِ﴾؟ * الشيخ: ﴿يَقْتَتِلَانِ﴾ يعني: يتخاصمانِ ويتنازعانِ، وربما يحصل بينهما ضَرْب. أصل القصة دخول موسى للمدينة، ووجود الرجُلين، وقتْل النفس، كلُّ هذا كان سببًا لخروج موسى ثم نبوَّته. * فيستفاد منه: أنَّ الله سبحانه وتعالى يُجري الأمور بأسبابها، إثباتُ الأسباب. * ويُستفاد من هذا -من قوله: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ﴾ [القصص ١٥]-: جواز الاستغاثة بالمخلوق، لكنَّه مشروطٌ بما يُفيد فيه، أمَّا ما لا يُفيد فيه فلا يجوز؛ فعلى هذا إذا استغاث بميِّت فلا يجوز لأنه لا يفيده، وإذا استغاث بحيٍّ فيما لا يَقدر عليه فلا يجوز لأنه لا يفيده، وإذا استغاث بحيٍّ فيما يَقدر عليه فهو جائز. إذَن الاستغاثة بالمخلوق جائزة بشرط أن تكون فيما يفيد، وذلك في حيٍّ قادرٍ على دَفْع الشدة. * وفيها أيضًا: إثبات العداوة والولاية؛ لقوله: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص ١٥]، وهو أصل في الدين، فإن ولاية المؤمنين من واجب المؤمن، والبراءة من الكفار من واجب المؤمن؛ ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الممتحنة ٤]، وهذا أمرٌ لا بدَّ منه أنْ يتبرَّأ الإنسان من كلِّ كافر. * وفي الآية: دليلٌ على قوَّة موسى؛ لقوله: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص ١٥]. * وفيها: إثبات غَيْرته وسرعة استجابته؛ لأنه ما تلكَّأ في الأمر، بل بادر به. هل يستفاد منه جواز الدفْع - دفع الصائل - بما يصِل إلى القتل؟ * طلبة: لا، ما يستفاد. * الشيخ: (...). * طالب: ما أُقِرَّ عليه. * الشيخ: إي، ما (...) على هذا ولا أُقِرَّ، لكنَّه بالشريعة الإسلامية معروفٌ أنَّ الإنسان إذا صال عليه أحدٌ ودفعه بالتي هي أحسن ولم يندفع فله أن يقتله. * وفيها: أنَّ المعاصي من أوامر الشيطان وأعماله؛ لقوله: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [القصص ١٥]. * وفيها أيضًا: إثباتُ السبب؛ لقوله: ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾؛ لأن ﴿مِنْ﴾ للسببيَّة. * وفيها أيضًا: ثبوتُ عداوة الشيطان لبني آدم؛ ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ﴾ [القصص ١٥]، وأُكِّد بـ(إنَّ) لشِدَّة التنفير منه؛ لأنَّ عداوته ليس فيها التباس. ﴿ ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب