الباحث القرآني
﴿لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ إلى آخر القصة.
وهذا من جملة ما يلقاه النبي ﷺ من القرآن وهي قصص الأنبياء.
وفائدة ذكر هذه القصص ما ذكره الله تبارك وتعالى في سورة يوسف: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١] عبرة نعتبر بها في أحكامها وفي عواقبها.
ولهذا الصحيح أن ما ذكر من هذه القصص من الأحكام فإنه يجوز لنا أن نتبعه وأن نقتدي به؛ لقول الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام ٩٠].
كذلك نعتبر بما جرى من العواقب لمن؟ للرسل وأتباعهم، وما جرى من العواقب لمخالفيهم، ومعلوم أن عاقبة الأولين عاقبة محمودة وعاقبة الآخرين عاقبة سيئة.
فمن جملة القصص التي كثر ذكرها في القرآن قصة موسى، ولا غرو أن تكثر في السور المدنية؛ لأن المدينة كان بها طائفة من اليهود؛ حتى يتبين أمرهم، ولهذا فصلت أحوالهم كثيرًا في سورة البقرة، وأما ذكر قصة موسى في السور المكية كهذه فإن فائدتها التوطئة والتمهيد للنبي ﷺ حتى يكون على بصيرة من أمرهم.
وهذا التوجيه، وهو الاستعداد للمستقبل، سلكه النبي ﷺ أخذًا بتوجيه القرآن حينما قال لمعاذ بن جبل: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٩٦)، ومسلم (١٩ / ٣١) من حديث ابن عباس.]].
﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ﴾ وأظننا تكلمنا على موسى عليه الصلاة والسلام وأنه موسى بن عمران، وأنه أفضل أنبياء بني إسرائيل.
(﴿لِأَهْلِهِ﴾ زوجته عند مسيره من مدين إلى مصر).
يقول: (زوجته): ألا يحتمل أن يكون زوجته وأمه وأباه وما أشبه ذلك؟
* طالب: بعيد.
* الشيخ: لماذا؟
لأنه خرج من مصر وحيدًا، خرج وحيدا ثم التقى بالمرأتين، ثم اتصل بأبيهما، ثم زوجه على أن يأجره ثمان حجج وانتهت الحجج، ثم سار بأهله (زوجته عند مسيره من مدين إلى مصر).
وبهذه المناسبة بعض الناس يظنون أن صاحب مدين هو شعيب النبي، وليس كذلك فإن بينه وبين موسى برهة من الزمن، وإنما صاحب مدين رجل من أهل مدين، هذا هو الصحيح بلا شك.
قال: (﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ أبصرت من بعيد ﴿نَارًا﴾ ).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ليس بنبي، إي نعم.
﴿إِذْ قَالَ﴾: ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ جملة (إني آنست) هذه مقول القول، ولهذا كسرت (إن).
وقال: (﴿آنَسْتُ﴾ أبصرت من بعيد).
(آنس) بمعنى أبصر، وكونها من بعيد ما يدل عليه اللفظ في الحقيقة، اللهم إلا أن يقال: إن الإيناس إنه لا يدل على القرب بسبب أنه يدل على الخفاء، والخفاء في النار ما يكون إلا إذا كانت بعيدة.
وقوله: ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ السين للتنفيس، وقد ذكرنا فيما سبق أنها إذا دخلت على الجملة -وهي طبعًا لا تدخل إلا على المضارع- تفيد أمرين، هما؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طلبة: القرب.
* الشيخ: القرب، والثاني؟
* طالب: التحقق.
* الشيخ: والتحقق، القرب والتحقق، ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ آتيكم ولا أتيكم؟
* طالب: آتيكم.
* الشيخ: ويش الفرق بين آتيكم وأتيكم؟ آتيكم أي: أعطيكم، وأتيكم بمعنى أجيئكم، هكذا يصير ولّا خطأ؟ أو آتيكم بمعنى أجيئكم؟
* طالب: آتى بمعنى أعطى وأتى بمعنى الاثنين: أجيئكم وأعطيكم.
* الشيخ: طيب زين، وأوتيكم بمعنى أعطيكم، نصرفها الآن نحن في غير الآية، أتيت مضارعه.
* طالب: يأتي.
* الشيخ: يأتي لا أتيت.
* الطالب: آتي.
* الشيخ: آتي، كذا آتيت.
* الطالب: أوتي.
* الشيخ: إي نعم أوتي، إذن فآتيكم بمعنى أجيئكم على كل حال، والإنسان أول ما يتبادر إلى ذهنه (...) بمعنى أجيئكم وهنا قال: ﴿سَآتِيكُمْ﴾ وفي آية أخرى: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ﴾ [طه ١٠] فهل بينهما فرق أم هما بمعنى واحد، وإن قلنا بالفرق فما الجمع؟ إذن بينهم فرق.
* طالب: بينهم فرق.
* الشيخ: ما الجمع؟ القصة واحدة.
* طالب: إي نعم، لكن هناك (...).
* الشيخ: طيب.
* طالب: قوله: ﴿سَآتِيكُمْ﴾ عندما كان في البعد.
* الشيخ: في أيش؟
* الطالب: عندما كان في البعد، أما قوله: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ﴾ عندما قرب إليها.
* الشيخ: لا، هو يخاطبهم، يخاطب أهله.
* الطالب: عندما اقترب من النار؟
* الشيخ: لا.
* طالب: أن القصص تروى بالمعنى.
* الشيخ: ما يخالف، المعنى مختلف الآن، إذا قلنا: هذه للترجي وهذه للتحقيق.
* طالب: من قوي رجاؤه يقينًا قال: سآتيكم، يوم يئس قال: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ﴾ [طه ١٠].
* الشيخ: أو بالعكس، كان بالأول يترجى ثم قوي، هكذا قال بعضهم، لكن يمكن أن تكون بمعنى واحد بدون اختلاف؛ لأن (لعل) تأتي للتوقع، ولّا لا؟ ذكرنا فيما سبق في النحو أن (لعل) تكون للترجي والإشفاق والتعليل والتوقع، ولو صار للتوقع صار معناها التوكيد، أما إذا قلنا: إن (لعل) للرجاء، فهو رجا أولًا ثم قوي وجزم به وقال: سآتيكم.
وقوله: (﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ عن حال الطريق وكان قد ضلها).
هذا واضح أن الخبر اللي يريد خبر من يدله على الطريق؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان قد ضله.
(﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ بالإضافة للبيان وتركها) ترك الإضافة؛ يعني قراءتين: ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابِ قَبَسٍ﴾ ، أو ﴿بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾، أما (بشهابِ قبسٍ) فهي للبيان كما قال المؤلف، والإضافة إذا كانت للبيان فهي على تقدير (مِن)، مثلما يقال: خاتمُ حديدٍ أي: خاتم مِن حديد. فهنا (شهابِ قبسٍ) أي: شهاب من قبس كذا؛ لأنها بيانية، وإذا جعلناها (شهابٍ قبسٍ) صارت (قبس) صفة لـ(شهاب)، صفة مبينة أيضًا، فيكون الإضافة والقطع بمعنًى واحد.
وفي قوله: ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾: ﴿أَوْ آتِيكُمْ﴾ هل (أو) هذه مانعة جمع أو مانعة خلو؟
* طالب: مانعة خلو.
* الشيخ: ويش الفرق بينهم؟
* الطالب: مانعة الجمع معناها أنه لا بد أن يحدث أحد هذين الأمرين.
* الشيخ: أنه ما يكون إلا أحد الأمرين إما هذا أو هذا، ومانعة الخلو؟
* الطالب: مانعة الخلو: أن لا يخلو الأمر من واحد منهما، وقد..
* الشيخ: أو منهما جميعًا.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: مانعة الخلو معناه أنه ما يخلو الأمر من واحد منهما، أو منهما جميعًا كذا؟ وهي تشبه قول النحويين: إن (أو) تأتي للإباحة وللتخيير، وهناك قالوا: الإباحة والتخيير إذا كانت في سياق الطلب، تقول مثلًا: تزوج هندًا أو أختها، هذه (أو) ويش هي له؟ للتخيير ما تأتي للإباحة. جالس فلانًا أو فلانًا، هذه للإباحة، كُلْ خبزًا أو رزًّا، للإباحة، اللي للإباحة ما تمنع الجمع، واللي للتخيير تمنع الجمع، وإذا كانت (أو) في خبر فإنهم يسمونها مانعة خلو أو مانعة جمع.
إذن هي مانعة خلو، بمعنى أنه يمكن يأتيهم بالأمرين جميعًا، الدلالة أيش بعد؟ والشهاب القبس.
وفهم من هذا الكلام ﴿آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أن الليلة كانت باردة، وما أحوج الضال للطريق في ليلة باردة، ما أحوجه إلى نار يصطلي بها وإلى أهل نار يخبرونه عن الطريق؛ لأن النار معلوم أنها ما تكون وحدها ولَّا لا؟ لا بد أن عندها أحدًا يخبر.
قال: ﴿أَوْ آتِيكُمْ﴾ (أي: شعلة نار في رأس فتيلة أو عود).
هذا الشهاب القبس، القبس الذي يقتبس منه، وهذه تكون كما قال المؤلف: (شعلة نار في رأس فتيلة أو عود).
﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل ٧] (لعل) هنا أيش معناها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، للتعليل، (لعل) للتعليل، أي: لأجل أن تصطلوا بها.
(والطاء بدل من تاء الافتعال)
اصطلى أصله اصتلى بالتاء على وزن افتعل، لكن أبدلت التاء أيش؟ طاء، لسبب صرفي.
(﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ والطاء بدل من تاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام وفتحها -صلى- تستدفئون من البرد)
وما أحلى النار التي يصطلي بها الإنسان في حال البرد، ولهذا يقول المثل: (النار فاكهة الشتاء والمكذب يصطلي)، صحيح وهذا مشاهد.
ذهب موسى عليه الصلاة والسلام وبقي أهله في هذا المكان، وذهب هو وحده إلى النار لعله يأتيهم بالخبر أو بالشهاب، ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ﴾ ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾ (...) فيها حذف، والتقدير: فذهب فلما جاءها، ويسمى هذا الإيجاز إيجاز الحذف؛ لأن الإيجاز عندهم في البلاغة إما إيجاز قصر وإما إيجاز حذف، فإذا كانت الجملة القصيرة تشتمل على معانٍ كثيرة بدون حذف يسمى إيجاز قصر؛ كقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة ١٧٩] هذه جملة مختصرة، لكنها تتضمن معاني كثيرة، يسمي علماء البيان يسمون هذا إيجاز قصر، وهو أن تكون الجملة قصيرة لكنها متضمنة لمعانٍ كثيرة.
إيجاز الحذف معناه: قصر الجملة، لكن الجملة نفسها ما تتضمن معاني كثيرة إلا بتقدير أشياء محذوفة، هذا من إيجاز الحذف.
وأمثلته في القرآن كثيرة، مثل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة ١٨٤] فيها إيجاز حذف، ويش التقدير؟ فأفطر فعدة من أيام أخر.
* * *
قال: (﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ﴾ أي: بأن ﴿بُورِكَ﴾ أي: بارك الله ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ أي: موسى ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي: الملائكة أو العكس).
﴿نُودِيَ﴾ المنادي هو الله عز وجل، الدليل أنه في آية أخرى صرح بذلك ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ﴾ [مريم ٥٢] فالمنادي هو الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (﴿أَنْ﴾ أي: بأن) أفادنا المؤلف رحمه الله أن (أن) هنا مخففة من الثقيلة، حينما قدر الباء؛ لأن تقدير الباء يدل على أن ما بعدها مؤول بمصدر.
وهناك قول آخر: يجعلون (أن) هنا تفسيرية مثل: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧]. ويقولون: إن (نودي) متضمن لمعنى القول دون حروفه، و(أن) إذا سبقت بما يتضمن معنى القول دون حروفه فهي تفسيرية، ولكن من حيث المعنى واحد، إنما الاختلاف في الإعراب.
﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ قال الشارح أو المفسر: (أي: بارك الله ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ )، قدّر هذا ليبين أن فاعل البركة من؟ الله، وأن (بارك) يتعدى بنفسه: بارك الله فلانًا كما يقال: بارك الله في فلان، فهو يتعدى بنفسه ويتعدى بحرف الجر.
* طالب: في غير اللغة العربية.
* الشيخ: لا، الآن لما سيقت باللغة العربية أخذت حكم اللغة العربية.
* الطالب: أن تفسيرية على أن..
* الشيخ: أنا فهمت كلامك، هذا ما يصلح؛ لأن التفسير في الحقيقة لكل الكلام، ترجمة الكلام الذي وقع من الله سبحانه وتعالى لموسى في كل الجمل هذه ما هو بس في قوله: ﴿بُورِكَ﴾ في كل جملة.
يقول المؤلف رحمه الله: (بارك الله ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ ).
(من) إعرابها بدون تقدير المفسر اسم موصول في محل رفع نائب فاعل.
وقوله: (﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ أي: موسى ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي: الملائكة أو العكس) ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ الملائكة، ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ موسى.
واحتمال ثالث: أن يكون ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ موسى ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ البلاد التي حول هذه النار؛ لأنها بلاد الشام مباركة، أو ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أهله، كل ذلك فيه احتمال.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، حول النار.
قوله: ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ فيه إشكال في الحقيقة؛ لأن (في) للظرفية والنار ظرف، فهل موسى في النار؟
المؤلف قدر لهذا، قال رحمه الله: (وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف، ويقدر بعد في مكان). يعني: من في مكان النار؛ لأنه لو كان في النار حقيقة لاحترق، ولكن يقدر مكان.
فإذا قيل: ما الفائدة من قوله: ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ وحذف المكان؟
قلنا: الفائدة من ذلك -والله أعلم- شيئان: الشيء الأول: القرب التام منها.
والشيء الثاني: أن شعاع النار قد وصل هذا القريب منها، يعني النار كما هو واضح لها شعاع، الإنسان القريب منها يكون في نفس الشعاع، فكأنه لقرب ووصول شعاع النار إليه صار كأنه فيها نفسها، ولّا ما هو في نفس الشعلة، هذا ما يمكن، هذا -والله أعلم- الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى قال: ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾.
* طالب: (...) في النار؟
* الشيخ: إي.
* طالب: حقيقية؟
* الشيخ: حقيقة هذا هو الأصل.
* طالب: (...) نار باعتقاد موسى يا شيخ.
* الشيخ: لا، لكن ما لنا أن نقول إلا ما قال الله، والله تعالى على كل شيء قدير، هذه النار عاد ما وقودها؟ ما ندري، ما لنا أن نتكلم.
* طالب: كثير من المفسرين يكثرون حول هذا الموضوع ويقولون: أراد أن يأخذ منها شيئًا فاتجهت إليه ثم انقلبت إلى نور وهكذا.
* الشيخ: شوفوا بارك الله فيكم يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ [إبراهيم ٩] فكل علم يأتينا عن هؤلاء الأمم من غير القرآن أو صحيح السنة فليس بشيء، غاية ما هنالك أن يكون من أقوال بني إسرائيل التي لا تصدق ولا تكذب.
ولهذا القصص ما يجوز أن نتعدى فيها القرآن إلا ما جاءت به السنة؛ لأن قوله: ﴿لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ ويش معناه؟ قطع أي خبر يأتي من غير طريق الله؛ لأنه لو كان هناك أخبار صحيحة تأتي من غير الله لكان الله يعلمها، وهؤلاء المخبرون أيضًا يعلمونها، والله تعالى حصر ﴿لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾، وهذا من أقوى طرق الحصر الذي هو النفي والإثبات ﴿لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾.
فهذه الآية تبين لنا أن كل ما يقال في هذه القصة، وكذلك في قصة سليمان وداود وغيرهم: إنها مسائل إن كان الشرع ينافيها أو مقام النبوة ينافيها فهي باطلة وكذب كما في قصة داود اللي مر علينا: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ إلى آخره [ص: ٢٣].
وإن كان إنه ما يكذبه موقفنا فيها أن نقول: لا نصدق ولا نكذب، أما أن نفسر بها كلام الله فهذا لا يجوز أن يفسر بها كلام الله.
﴿وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ معلوم للجميع أن (سبحان) اسم مصدر، وأن عامله محذوف دائمًا، وأنه ملازم للإضافة، كل هذا شيء معلوم، وأن معنى (سبحان الله) أي: تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وعيب، لكن هل هي الجملة هنا خبرية بمعنى الطلب أو خبرية على ظاهرها؟
يقول بعض المفسرين: إنها تعجيب لموسى يعني بمعنى: اعجب وسبح الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به، وأن هذا الأمر الذي رأيت والكلام الذي سمعت ما هو إلا كلام رب العالمين: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل ٨].
فعلى هذا تكون الجملة الخبرية هنا من حيث المعنى طلبية، أي: سبح الله رب العالمين عما لا يليق به، وإذا قلنا: إنها على ظاهرها صار معناه ثناء من الله عز وجل المكلم المنادي ثناء من الله على نفسه، أي المعنيين أشمل؟
* طالب: الخبري.
* طلبة: الأول.
* الشيخ: الأول، الطلبية؛ لأنها تتضمن إذا أمر بها موسى تتضمن أن الله أهل لها، فهذا هو الخبر، وتتضمن زيادة ثانية وهي تعجيب موسى عليه الصلاة والسلام واعتقاده بأن الله سبحانه وتعالى منزه عن كل عيب.
وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أيش معنى الرب؟
* طلبة: المالك المتصرف.
* الشيخ: المالك المتصرف، لكنها أيضًا متضمنة لمعنى أدق وهو التربية، فهو سبحانه وتعالى يربي مع كونه مدبرًا خالقًا متصرفًا.
والعالمين كل من سوى الله فهو من العالمين، وسموا عالمين، قيل: لأنهم علم على خالقهم، علم ودليل عليه، فإن كل ما في الكون شاهد بوحدانية الله تبارك وتعالى وبما تقتضيه هذه الأكوان من معاني ربوبيته سبحانه وتعالى.
* طالب: (...) معناها.
* الشيخ: معناها أنه يربي عباده تربية حسية ومعنوية، فالتربية الحسية مثلا لنضرب مثلًا بالإنسان كونه في الخلقة يتطور من شيء إلى شيء عقلًا وجسمًا وفكرًا، هذه تربية، هذا الطفل الصغير لو فرضنا أن هذا الطفل الصغير أن عقله كالكبير، يمكن أن يعيش؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: ما يمكن يعيش؛ لأنه ما يتحمل الأشياء التي تقابله، فهذا الطفل لو فرضنا أنه في عقل الكبير، كان لو مثلًا تستحيي أمه تروح عنه ما يستقر أبداً، وكان يبدأ يدبر ويزين ويسوي كذا ويزين كذا، ما هو بلائق، كذلك بالعكس لو كان الكبير بعقل الصغير ما استطاع أن يعمل شيئًا، وهكذا أيضًا الطعام يأتي إلى الإنسان شيئًا فشيئًا، هذه من التربية الحسية، والتربية المعنوية ظاهر أن الله سبحانه وتعالى يربي عباده بالعلم النافع شيئًا فشيئًا.
* * *
(﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) يَا مُوسَى﴾ من جملة ما نودي، ومعناه تنزيه الله من السوء) يقصد معنى التسبيح (﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ﴾ أي الشأن ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ) هذا تفسير الضمير.
ضمير الشأن هو ضمير يتصل ويفسر بالجملة التي بعده، فعلى هذا يكون أنه هذا الشأن، و﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ هذه تفسير لهذا الضمير.
أما من حيث الإعراب فإننا نقول: (إن) حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر.
والهاء ﴿إِنَّهُ﴾ اسمها، و﴿أَنَا اللَّهُ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع خبر (إن).
وقال بعض المفسرين: ﴿إِنَّهُ أَنَا﴾ فرأوا أن الهاء ضمير لا ضمير شأن، ضمير حقيقي للمتكلم.
ثم قال: ﴿أَنَا﴾ يعني: إن الذي يكلمك أنا.
ثم بين هذا الضمير بقوله: ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ لكن ما سلكه المؤلف أقرب وإن كان الثاني محتملًا، وفهمتم الفرق بين المعنيين، الثاني يقول: إن (إن) حرف توكيد (...) ويرفع الخبر، والهاء اسمها وليس ضمير شأن، و(أنا) خبره، يرون (أنا) هي الخبر، والأول يرون ﴿أَنَا اللَّهُ﴾ هو الخبر، يعني أن الله قال لموسى: ﴿إِنَّهُ أَنَا﴾ يعني: إن الذي يكلمك أنا.
وكلمة: ﴿إِنَّهُ أَنَا﴾ هل يتبين من هو؟ ما يتبين، ولهذا نهي أن يقول الإنسان إذا استأذن عند الباب وقيل له: من؟ فقال: أنا، إذن (أنا) هنا مبهمة بينت بقوله: ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
* طالب: يستقيم هذا المعنى.
* الشيخ: يعني يستقيم، لكن الأول أقوم ﴿إِنَّهُ﴾ أي الشأن ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فهذا الذي قدر المؤلف أحسن من الذي قدره بعض المفسرين مثل الزمخشري.
* طالب: قلت: ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (...).
* الشيخ: تصير بيانًا للضمير ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ و﴿الْعَزِيزُ﴾ خبر، و﴿الْحَكِيمُ﴾ خبر ثانٍ، وهي بيان لـ(أنا).
﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ قال: الله، ابتدأ بالألوهية، والله تبارك وتعالى هو الاسم العلم على الله الذي لا يسمى به غيره، وجميع ما يأتي من أسماء الله دائمًا تجدونها تبعًا لهذا الاسم، دائمًا يصدر أسماء الله بكلمة الله؛ لأنه العَلم الذي لا يسمى به غيره، ثم تأتي الأسماء بعد ذلك تابعة له.
والعزيز أيش معناه؟
* طالب: القوي الذي لا يغلب.
* الشيخ: القوي الذي لا يغلب، بل هو الغالب، وقيل: إن العزة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ما هي؟
* طالب: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة المكانة..
* الشيخ: لا.
* طالب: عزة قهر وعلو (...).
* الشيخ: لا، عزة الامتناع، وقالوا: إنها مشتقة من الأرض العزاز، الأرض العزاز يعني الصلبة القوية، ونحن نسميها باللغة العامية عزى، نحذف الزاي الثانية. فالعزيز معناه: هو القوي الغالب الذي لا يغلب، إذا قلنا بهذه الثلاثة أتينا بالمعاني الثلاثة..
* طالب: عزة قهر..
* الشيخ: والقدر والامتناع.
وقوله: ﴿الْحَكِيمُ﴾ تقدم لنا الكلام عليه، وإنما ذكر الله له ذلك ليشعره بأن مآله للعز، وأن ما سيوحى إليه فهو حكمة؛ لأن الصادر من العزيز يكون عزيزًا، ومن الحكيم يكون حكمة.
* * *
﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل ١٠] عصاه، ما هي العصا التي معه؟
عصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، عصا عادية، فإضافتها إلى موسى عليه الصلاة والسلام إضافة مملوك إلى مالكه، وليس مخصوصًا إلى من اختص به، أي أن هذا العصا ليس له اختصاص وأنه عصا من جوهر معين أو ما أشبه ذلك، هو عصا عادي.
(﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها، ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ ) هذا أيضًا من إيجاز الحذف كما مر، ودائمًا القصص يكون فيها إيجاز حذف؛ لأن المحذوف دائمًا يكون معلومًا من السياق، فيكون حذفه سهلًا وميسرًا.
وقد قال ابن مالك -رحمه الله- في الألفية قاعدة من أفيد ما يكون، هو ذكرها في باب المبتدأ، وهي صالحة لكل شيء، قال:
؎وَحَــذْفُ مَــا يُـعْـلَـمُ جَــائِــزٌ كَـــمَــا ∗∗∗ تَقُولُ: زَيْدٌ بَعْدَ: مَـنْعِـنْـدَكُـمَـا
(وحذف ما يعلم جائز) هذه قاعدة.
قال: (فألقاها، ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ تتحرك).
ولكن تفسير الاهتزاز بمطلق التحرك فيه نظرٌ؛ لأن الاهتزاز أبلغ من التحرك، كأن الاهتزاز فيه نوع من القوة والاضطراب.
(﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ حيّة خفيفة) وقيل: حية عظيمة، وقيل: الذكر من الحيات الجان، وأيًّا كان فإنها صارت هذه العصا اللي كانت بيده عصا ألقاها فصارت حية تهتز وتتحرك وتضطرب مثل الجان، يعني الحية العظيمة.
* طالب: خفية.
* الشيخ: لا عندك خفيفة.
* طالب: (...) الجان.
* الشيخ: يطلق على هذا وهذا، من الأسماء المشتركة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: قوله تعالى في سورة طه: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ [طه ٢٠].
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، نفس الشيء القصة واحدة.
* طالب: يا شيخ ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ [النمل ١٠] الأقوال التي في الإيجاز؟
* الشيخ: لا، ما فيه إيجاز، الإيجاز في قوله: ﴿فَأَلْقَاهَا﴾ تقدير فألقاها إيجاز.
* الطالب: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾.
* الشيخ: إلا ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها.
* الطالب: طيب تفسير فألقاها؟
* الشيخ: لا، هذه جملة محذوفة.
* الطالب: (...) الآية.
* الشيخ: نعم، ﴿أَلْقِ عَصَاكَ﴾ تفسيرها: ضع عصاك.
* الطالب: فـ﴿أَلْقِ عَصَاكَ﴾ الآية..
* الشيخ: ما هي تفسير هذه، فـ﴿أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ لو أخذنا الآية بظاهرها لكانت تهتز وهي بيده قبل أن يلقيها، لكن الآية لا بد فيها من شيء محذوف، فألقاها فإذا هي تهتز.
* طالب: يعني ما يكون الإيجاز عند قوله: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾.
* الشيخ: قبله، عنده يعني قبله، مثلما قدرها المؤلف.
* الطالب: الإيجاز يكون هناك كلام محذوف فيكون بينه إيجاز.
* الشيخ: هذا (فألقاها) محذوف.
* الطالب: هو الذي محذوف.
* الشيخ: إي هو المحذوف، ولا بد من تقديره؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما قال: ﴿أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾، لو أخذنا بظاهر القرآن كان لما أمر أن يلقي عصاه اهتزت، فلا بد من تقدير شيء.
﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا﴾ (ولى) هذه جواب (لما)، و(مدبرًا) حال.
﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ يعني هاربًا، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ (يرجع) لماذا ولى؟
* طلبة: خوفًا.
* الشيخ: خوفًا من هذا؛ لأن هذا بطبيعة البشر أن إنسانًا ألقى عصاه وصار حية تسعى لا بد أن يخاف، لا سيما وأنه عليه الصلاة والسلام ما علم أنه سيرسل وأنه رسول، إنما كلمه الله سبحانه وتعالى وإلى الآن ما صار شيء.
فالحاصل أن هذه طبيعة البشر، لا بد أن يولي، وليس في هذا نقص للنبي ﷺ؛ لأن الأمور البشرية تعتري الرسل وغيرهم، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام ينسى في أعظم العبادات؛ في الصلاة، ويقول: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠١)، ومسلم (٥٧٢ / ٨٩) من حديث ابن مسعود. ]] وليس في هذا أي قدح للرسل.
(﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ فقال الله تعالى له: ﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ﴾ منها).
فقال الله تعالى: ﴿يَا مُوسَى﴾ هذه فيها أيضًا إيجاز بالحذف، ونحن نقول باختصار: جميع القصص ولا سيما القصص الطويلة غالبًا يكون فيها إيجاز حذف، وأحيانًا تكون جملة، وأحيانًا تكون جملًا، وسيأتينا إن شاء الله في القصص التي في السورة التي تلي هذه شيء كثير من هذا.
* طالب: (...) قول المؤلف (...).
* الشيخ: هذا معنى الجان.
قال: ﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ﴾ وناداه باسمه ليطمئنه؛ لأن الإنسان اللي يناديك وهو يعرفك تطمئن إليه أكثر، لم يقل: يا هذا لا تخف، أو يا مولي لا تخف، بل قال: ﴿يَا مُوسَى﴾؛ لأنه معلوم أن اللي يعرفك تطمئن إليه أكثر ولَّا لا؟
الآن لو مثلًا رأيت عدوًّا ظننته عدوًّا ثم هربت منه فقال: يا فلان، يا فلان، تطمئن ولَّا لا؟ تطمئن أكثر؛ لأنك تقول: هذا أعرفه ما ينالني بسوء.
(﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ﴾ منها) والتقييد بـ(منها) الذي أوجب للمؤلف أن يأتي به هو ظاهر السياق؛ لأن الظاهر أن موسى ﷺ إنما هرب منها فقال: ﴿لا تَخَفْ﴾.
(﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ﴾ عندي ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ من حية وغيرها) معلوم، الذي بحضرة الله عز وجل ما يمكن يخاف من شيء؛ لأنه في كنف الله تعالى وفي جواره، فلا يمكن أن يخاف وهو عند الله.
وقوله: ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ هذا أيضًا فيه بشارة لموسى ﷺ بأنه عند الله وأنه من المرسلين، ومعلوم أنه إذا بشر بمثل هذه البشارة سوف يزول عنه الخوف نهائيًّا، وسوف يحل مكان الخوف أمن ومكان الذعر سرور ﴿لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾.
* طالب: هذه العصا هي التي ضرب بها البحر؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما تغيرت؟
* الشيخ: ما تغيرت، وهي التي ألقاها أيضًا للسحرة وأكلت سحرهم.
* * *
(﴿لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ من حية وغيرها ﴿إِلَّا﴾ لكن ﴿مَنْ ظَلَمَ﴾ نفسه ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا﴾ أتاه ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾ أي: تاب ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أقبل التوبة وأغفر له).
سبحان الله العظيم! قد يقول قائل: ما لهذه الجملة وللكلام الذي قيل: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾، لكن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال الله له: ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ لعله تذكر أنه قد وقع منه خطيئة، ويش الخطيئة؟
* طالب: أنه قتل..
* الشيخ: أنه قتل نفسًا، وكأنه عندما يتذكر هذا قد يستبعد في نفسه أن يكون من الرسل، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ ليذكره بما من به عليه من التوبة.
﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾. (بدل) المؤلف فسرها بقوله: أتى حسنًا؛ لأن ظاهره في الحقيقة ما يستقيم به المعنى، بدل حسنًا بسوء، أيهم المأخوذ؟ (...) بدل حسنًا بسوء؛ لأن (بدل) تدل على أن هناك بدلًا ومبدلًا منه، فإذا قلت: بدل حسنًا ويش هو به؟ بسوء، يصير الحسن مدفوعًا، والسوء مأخوذًا، أو لا؟ (بدلت ثوبي بثوبه) أين المأخوذ؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: الأخير، كذا ولًّا لا؟ فهنا بدل حسنًا لو أخذنا بظاهرها معناه أنه ترك حسنًا وأخذ سوءًا. ولهذا فسر المؤلف قوله: ﴿بَدَّلَ﴾ بـ(أتى).
والدليل على ذلك: أنه لو كان المراد بالتبديل ظاهر معناه، أو ظاهر معناه ما صح أن يعبر بقوله: ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾، لو كان كذلك لقال: بدل حسنًا بسوء، ما قال: ﴿بَعْدَ﴾، فلما قال: ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾ علم أن ﴿بَدَّلَ﴾ هنا بمعنى استبدل، واستبدل بمعنى أخذ، ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة ٦١] وأخذ مثلما قال بمعنى أتى. والمعنى من الآية الكريمة: أن من أتى حسنًا بعد سوء (...) جزمًا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، اسم شرط جازم، وليست اسمًا موصولا مستثنى؛ لأن الاستثناء هنا منقطع.
﴿مَنْ ظَلَمَ﴾ (ظلم) فعل الشرط، وجملة ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* الطالب: جواب الشرط.
* الشيخ: جواب الشرط، أقول: لو قال قائل: ما وجه ارتباط الجواب بالشرط؟
* طالب: نقول (...) بالحسنى (...) لكن بالعقل (...) أو قال: الرحمة أو يستحق الغفران والرحمة.
* الشيخ: إي نعم، الجواب على هذا نقول: لما ذكر الله سبحانه وتعالى هذين الاسمين: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فإنه يريد مقتضاهما، فمقتضى المغفرة أن يغفر لهذا الذي ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء، ومقتضى الرحمة أيضًا أن يرحمه.
ونظير هذا قوله تعالى في المحاربين: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤] يعني معناه يسقط عنهم الحد؛ لأن هذا مقتضى المغفرة والرحمة، فهنا مقتضى المغفرة والرحمة أن من بدل حسنًا بعد سوء فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ويرحمه، يشمل الرسل وغير الرسل؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم يشمل الرسل وغير الرسل، نعم يشمل الرسل وغيرهم، ومن ثم حسن أن يقول المؤلف ونقول معه أيضًا: إن (إلا) هنا الاستثناء؟
* طلبة: منقطع.
* الشيخ: منقطع؛ لأنه يشمل الرسل وغير الرسل.
* * *
* طالب: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل ١٢ - ١٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل ٧].
* أولًا: يستفاد من هذه الآية: حسن خلق موسى عليه الصلاة والسلام، وذلك لمسالمته لأهله ولمراجعته إياهم لما يهم الجميع، يعني أنه لم يذهب هو بدون أن يقول لهم هذا القول؛ مما يدل على أنه يتراجع معهم لما يهمهم.
* وفي هذا دليل على أن الزوجة من الأهل، وهذا هو القول الصحيح، فعلى هذا آل النبي ﷺ يدخل فيهم أزواجه؛ لأنها من الأهل.
وقد اختلف العلماء فيما إذا أوصى الإنسان بأهله أو أوقف لأهله، هل يدخل الزوجات في ذلك أم لا؟
والذين يقولون بعدم الدخول يردون ذلك إلى العرف، ويقولون: إن العرف عند الناس أن الزوجات ليسوا من الأهل وإنما الأهل القرابة.
وإذا كان هكذا فإنه يقال: الزوجات من الأهل، فإذا أوقف الإنسان على أهل فلان أو أوصى لهم دخل فيهم الزوجات بمقتضى اللغة، ثم إن وجد عرف مضطرد لما في ذلك رجعنا فيه إلى العرف؛ لأن الصحيح من الأقوال يرد إلى أعراف الناس وعاداتهم، ترد معانيها إلى أعراف وعاداتهم، فإذا لم يوجد عرف رجعنا إلى الشرع أو اللغة حسب ما يكون ذلك، وفي هذا دليل..
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم؛ لأن هنا أهل البيت (...).
* وفيه دليل على أن الأحوال البشرية تطرأ حتى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن موسى في تلك الليلة كان قد ضل الطريق ولم يهتد إليه، وقد أصابه البرد هو وأهله، والأنبياء والرسل لا يختلفون عن غيرهم إلا في أي شيء؟
* طلبة: في الرسالة.
* الشيخ: في الرسالة ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف ١١٠] فالأول: المماثلة في البشرية، والثاني: الاختصاص ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾ بالوحي.
* وفيه أيضًا دليل على أن الإنسان لا يلام على اتخاذ الوقاية الدافعة أو الرافعة؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ هذه الوقاية دافعة ولّا رافعة؟
* طالب: دافعة.
* طالب آخر: رافعة.
* طالب آخر: دافعة رافعة.
* الشيخ: دافعة رافعة، رافعة للبرد السابق ودافعة للبرد اللاحق، فاتخاذ الوقاية الدافعة أو الرافعة لا يلام عليها الإنسان، بل إنه ربما يؤمر به أمر إيجاب أو أمر استحباب حسب ما تقتضيه الحال التي يريد أن يرفعها أو يدفعها.
وفي الآية دليل على قبول خبر الثقة، منين تؤخذ؟
* طالب: ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾.
* الشيخ: ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ والعمل بخبر الثقة هذا سائغ، وأما من ليس بثقة فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ [الحجرات ٦].
(...) في هذا المقام ثلاثة أقسام: قسم يوثق به وقسم لا يوثق به وقسم محتمل.
الذي لا يوثق به لا يقبل، والموثوق به يقبل، والمجهول أو المحتمل يتبين عنه يتوقف حتى يتبين.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم ﴿سَآتِيكُمْ﴾ هذا يخاطب أهله، ففيه دليل على مخاطبة الواحد بلفظ الجمع، لكن هذا فائدة لغوية.
* طالب: خبر الثقة (...) فيكون بين أهله ثقة.
* الشيخ: الكلام على من يوثق به.
* الطالب: عامة يا شيخ.
* الشيخ: لا، عامة وخاصة، يعني قد يكون هذا الإنسان معلوم الحال عندي أثق به، وهو عند الناس مجهول، يتوقفون بأمره، الكلام على الثقة الذي تثق به، لو أن رجلًا قال: إنه رأى الهلال وهو نظره ضعيف وأخبر أنه رأى الهلال، والناس اللي معه ما رأوه؟
* طلبة: لا يقبل قوله يا شيخ.
* الشيخ: ما يقبل قوله، ولو ذكره.
* الطلبة: ما يقبل.
* الشيخ: لأنه ما هو عدل، إي نعم، ما يقبل، ولهذا وقع عند بعض القضاة أنه قد رأى الناس الهلال، فقال شيخ منهم: إني رأيت الهلال، الناس اللي معه أقوى منه بصرًا فقالوا: ما رأيناه، والشيخ هذا (...) دينه وسوء أمانته موثوق به، وأصر على أنه رأى الهلال، فقال القاضي: ادن مني. فدنا منه، فمسح حاجبه، فقال له: انظر. قال: الآن ما رأيته، إي نعم فإذا هي شعرة بيضاء، وهذه من ذكاء القاضي لأنه تأكيد الناس اللي معه ما رأوه وهو رأى، فما يمكن وهو ثقة، ما هو برجل سوء في خبره، لكن قد يخطئ.
ثم يقول: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل ٨].
* يستفاد من هذه الآية أولًا: إثبات كلام الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿نُودِيَ﴾ فإذا قال قائل: الفعل هنا مبني للمجهول لم يبين من المنادي فلا دليل فيه على كلام الله، فما الجواب؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: أولًا: تحقيقها فيه، والثاني أيضًا: قوله لموسى عليه الصلاة والسلام: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل ٩].
* وفيه دليل على أن كلام الله سبحانه وتعالى بصوت؛ لقوله: ﴿نُودِيَ﴾، والنداء لا يكون إلا بصوت، ففيه رد على طائفتين، مر علينا قولهما بالأمس من؟
* الطلبة: الأشاعرة..
* الشيخ: الأشاعرة والكُلَّابية الذين يقولون: إن كلام الله تعالى معنى قائم بنفسه، وهذا القول باطل وقد مر بنا كثيرًا.
* وفيه دليل على أنه ينبغي لما في المستوقف، الإنسان المستوقف نقول له: أوقف على معنى، لكي يطمئن ويكون قابلًا لما يلقى إليه؛ لأن المستوقف ما يقبل ما يلقى إليه، بمعنى أنه ما يتمكن من قبوله، يؤخذ من قوله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: غيره قبله، ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾؛ لأن إثبات البركة لمن في النار ومن حولها ليزداد به طمأنينة لأهله، ولهذا أول ما خاطبه الله في هذه الآية ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
* وفيه دليل على تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به؛ لقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾.
* وفيه دليل على عموم ربوبية الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وهل معه رب آخر؟ لو كان معه ما صار ربًّا للعالمين، لو صار معه ربٌّ آخر لم يكن الله تعالى ربًّا للعالمين، بل ربًّا لبعض العالمين، والله سبحانه وتعالى رب العالمين، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنه لا يمكن أن يكون مع الله إله آخر عقلًا، وقال: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء ٢٢] ولم تفسدا، فدل على امتناع الآلهة، امتناع فسادهما، دل على امتناع تعدد الآلهة، وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون ٩١] وهذا أمر لم (...).
باب وحدانية الله سبحانه وتعالى في ربوبيته معلوم، حتى المشركون في عهد الرسول ﷺ كانوا يقرون بوحدانيته في الربوبية.
* وفيه دليل على ثناء الله تبارك وتعالى على نفسه، وأن ذلك من كماله؛ فإنه أثنى على نفسه بقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أثنى على نفسه بنفي وإثبات أو لا؟ النفي؟
* طالب: سبحان.
* الشيخ: سبحان الله، والإثبات؟
* الطالب: رب العالمين.
* الشيخ: رب العالمين، ومن هنا نعرف أنه لا يتم كمال الأوصاف إلا بهذين الأمرين، وهما النفي والإثبات؛ لأن إثبات الكمالات فقط لا يدل على نفي النقائص، ونفي النقائص فقط لا يدل على إثبات الكمالات، وباجتماعهما يحصل الثناء المطلق، ولهذا قالوا: لا بد من تخلية وتحلية.
* وفيه دليل -في الآية- دليل على أن جميع الخلق مربوبون لله سبحانه وتعالى، يتصرف فيهم بمقتضى ربوبيته؛ لقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ولهذا حكم الربوبية ما أحد يستطيع أن يخالفه.
* طالب: (...).
* الشيخ: الآن (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا مُوسَى﴾..
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم فيها أن (...) مباركة لقوله: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
وفي قوله تعالى: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
* أولًا: في الآية دليل على أن تعيين الشخص بالنداء له فائدة، وذكرناها بالأمس، وهي؟
* طلبة: الطمأنينة.
* الشيخ: التطمين والإيناس؛ لأنك إذا قلت: يا فلان اطمأننت بلا شك، تقول: هذا يعرفني ما ينالني بسوء، ولهذا قال: ﴿يَا مُوسَى﴾.
* وفيه دليل على إثبات العزة والحكمة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
* وفيه أيضًا دليل على أنه ينبغي لمن أراد تعيين نفسه أن يبين اسمه؛ لقوله: ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، ما قال: أنا مثلًا أنا مكلمك، أنا أنا أو ما أشبه ذلك، بل بين سبحانه وتعالى من الذي يكلمه.
هل فيها إثبات الألوهية لله، قصدي حصر الألوهية في الله؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأن وصفه بالعزة والحكمة يقتضي أن يكون هو المألوه وحده.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ومن تعرف (...) المبتدأ والخبر؟ هذا حصر له؟
* وفيها أيضًا إثبات الحكم المطلق لله سبحانه وتعالى، ومأخوذة من ﴿الْحَكِيمُ﴾ لأنا ذكرنا أن الحكيم ذو الحكم والحكمة.
* الطلبة: (...).
* الشيخ: نعم إثبات الحكم المطلق لله سبحانه وتعالى من قوله: ﴿الْحَكِيمُ﴾.
﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل ١٠، ١١].
* أولًا: تفيد هذه الآية العظيمة الدلالة على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وهي من قوله: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾؛ لأنه أُمر بإلقائها فألقاها بمجرد وصولها إلى الأرض صارت حية، ولهذا في سورة طه: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ﴾ [طه ٢٠]، (إذا) فجائية تدل على مفاجأة الأمر ووصوله على وجه الفورية.
ففيها دليل واضح على أي شيء؟ على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه إذا قال للشيء: كن فإنه يكون.
* وفيه أيضًا دليل على حكمة الله تعالى في آيات الرسل وأنها تناسب العصر؛ لقوله: ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾؛ لأن هذا أشبه ما يكون، لما تطور تطورًا بالغًا عندهم في ذلك الوقت وهو السحر، فإن أحدًا لو أنه أخذ عصا أمامه ووضعها في الأرض ثم رأيتها حية ماذا تقول؟ تقول: هذا سحر، ولذلك أوتي موسى علية الصلاة والسلام من الآيات ما يقضي على سحرهم.
* وفيه دليل على أن من البلاغة الإيجاز بالحذف، ولا يؤدي هذا قصورا ولا تقتيرًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: منين (...) على الأول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ هنا فيه ثلاثة وجوه: (﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ )؛ لأنه لو أُخذ الكلام على ظاهره لقال: وألق عصاك لما أمر بهذا اهتزت وهي في يده وليس الأمر كذلك.
* وفيه أيضًا دليل على أن هذه العصا لم تكن مجرد حيوان يتحرك، ولكنها أبلغ من ذلك ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾، ومعلوم أن الجان بنفسه مروع، الحية بنفسها مروعة، فإذا كانت من عظيم الحيَّات صارت أشر وأبلغ.
* وفيه دليل على جواز الخوف، أو على جواز أن يعتري الأنبياء الخوف ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾، وأن ذلك لا يعد نقصًا فيهم؛ لأنه من مقتضى الطبيعة البشرية.
وهذا الذي يكون من مقتضى الطبيعة البشرية ما أحد يلام عليه الأنبياء (...) ويعطسون ويبردون ويمرضون ويموتون أيضًا ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف ١١٠].
* وفيه دليل على رحمة الله تبارك وتعالى بنبيه موسى؛ لقوله: ﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ﴾ فإن هذا من رحمة الله به؛ لأنه إذا قال له وقد علم أنه رب العالمين إذا قال: لا تخف لا يمكن يخاف.
* وفيه دليل على جواز توجيه الأحكام الشرعية إلى الأمور الفقهية، يعني مثل لا تخف، إذا قال قائل: كنت (...) الخوف طبيعي كيف يبتعد عنه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أنا قصدي هل يتوجه الحكم إلى مثل هذه الأمور الطبيعية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) يمكن؛ لأن الإنسان (...) الخوف أمر طبيعي (...) يأتي الإنسان غصبًا عليه، لكنه يمكنه معالجته (...).
ولهذا جاء رجل للرسول عليه الصلاة والسلام قال: أوصني، قال: «لا تَغْضَبْ»[[أخرجه البخاري (٦١١٦) من حديث أبي هريرة.]] الغضب من طبيعة الإنسان، لكن معنى «لا تَغْضَبْ» معناه أنك تحاول أن تقلل من غضبك وأن تكون دائمًا هادئًا، ثم إن غضبتَ فلا تنفذ مقتضى هذا الغضب، فهمتم الآن؟
فإذن الأمور الطبيعية البشرية التي هي مقتضى الطبيعة البشرية يجوز أن يوجه الحكم إليها أمرًا أو نهيًا، ويكون ذلك من باب المدافعة أو من باب تقليل الآثار من باب مدافعتها قبل وجودها أو من باب تقليل آثارها، فلا يكون للإنسان أمرًا بما لا يستطيع إلا بعدم الغضب، وهو لا بد أن يغضب، أمر بعدم الخوف وهو لا بد أن يخاف من مظنة الخوف.
* طالب: (...).
* الشيخ: هو لما توجه تلقاء مدين أيش قال؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) النبوة فوق معرفة (...).
* وفيه أيضًا دليل على أن من كان مع الله سبحانه وتعالى فإنه لا ينبغي أن يخاف ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾، (﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ﴾ أي: عندي ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ ).
ولذلك كلما ذكر الإنسان ربه زال عنه الخوف ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال ٤٥] ففي ذكر الله سبحانه وتعالى زوال الخوف والقوة والرغبة في تنفيذ ما أمر الله تعالى به، ولهذا أمر الله به في الجهاد.
* وفيه دليل على أن من ظلم ثم أفاء بعمل صالح، فإن الله تعالى يمحو العمل السيئ بالعمل الصالح؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيم﴾.
وقد مر علينا بالأمس مناسبة هذه الجملة ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ مناسبة ذكرها في هذا المقام ما هو؟
* طالب: لما موسى عليه السلام لما قال له سبحانه وتعالى: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ ذكر خطيئته (...) فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ حتى يطمئن موسى عليه السلام ليرى أن الله قد غفر له.
* الشيخ: وفيه أيضًا إثبات المغفرة والرحمة لله؛ لقوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* وفيه أيضًا أخذ الأحكام من مقتضى أسماء الله تعالى وصفاته، أخذ الأحكام من مقتضى الأسماء والصفات منين نأخذه؟ فإن قوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي أغفر له، وهذا حكم، وأخذ الأحكام من مقتضى الأسماء والصفات هذا من أحسن ما يكون من الاستدلال، ذكر أن رجلًا قرأ عند أعرابي: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالًا من الله والله غفور رحيم) عند أعرابي، فقال الأعرابي وهو ما يقرأ القرآن، قال: أعد الآية، أخطأت فيها. فأعادها مرة ثانية وقال: (فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالًا من الله والله غفور رحيم). قال له: أعد الآية. فأعادها في الثالثة على الصواب، قال: ﴿نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة ٣٨] قال: الآن؛ فإنه عز وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع، قال: صحيح[[ينظر البحر المحيط (٤ / ٢٥٥)، والكشكول (٢ / ١١٢).]].
ويدل على هذا الفهم قوله تعالى في المحاربين: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤] إذن معناه إذا علم أن الله غفور رحيم يغفر لهم ويتركون. ولهذا إذا تاب قاطع الطريق قبل القدرة سقط عنه الحد، وهل عاد يلحق به غيره من ذوي الحدود أو لا؟ قلت: لا.
إذن يستفاد من هذا أخذ الأحكام من مقتضى أسماء الله تعالى وصفاته؛ لقوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) وهو لا شك أن الأنبياء ما يعصمون مما لا يخل بالرسالة (...) المنافي للرسالة والشرف والمروءة ما يعصمون منه، لكنهم يعصمون من الإقرار عليه، لا بد أن يوفقوا للتوبة، وهذا هو الفرق بينهم وبين غيرهم، وأظن أنا ذكرنا (...).
يقول: من يفرق بينهم وبين غيرهم من وجهين: من ناحية الذنوب والمعاصي.
أولًا: أنه لا يمكن أن يصدر منهم ما يخل بالرسالة، مثل الكذب والخيانة، ولا بالشرف والمروءة، كالزنا وما أشبهه.
ثانيًا: أنه إذا وقع منهم ما يمكن الوقوع بالمعاصي فإنهم لا يقرون عليه، لا بد أن يحصل لهم ما يوجب تركهم لهذا الشيء؛ لأنهم رسل قدوة (...) على المعاصي، لكانت المعاصي من شرائعهم، وأما القول بالعصمة مطلقًا فلا وجه له، ما فيه عصمة مطلقًا، بل الصواب أنه يحصل منهم ما يحصل ولكنهم لا يُقَرون عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: هو اعترف بأنه ظالم ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [القصص ١٦]، اعترف بأنه ظالم واعتذر عن ذلك أيضًا بمطلق الشجاعة.
* الطالب: (...) أن موسى قتل نفسًا، يعني ما ظلم نفسه، بل يدافع عن قومه، ليس بظالم، إذا كان يرى إنسان مثلًا فاضل (...) قوم يسلطوا عليه (...).
* الشيخ: ما هو بصحيح، كلامه ما هو بصحيح؛ لأنه (...) في الأرض، وهذا الرجل بالذات بينه وبين الثاني عهد (...) خاصة.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه مسألة (...) ولكنه خلاف الأولى، ولهذا لامه الله عليها، لكن ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة ٤٣] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التحريم ١]، هذا مما يدل على أن الأمر وقع من الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنه غفر له ما عوقب عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم صحيح هو قولنا، ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ الإشارة إلى أن موسى عليه الصلاة والسلام إشارته بالرسالة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، أصبح النداء ما هو يلزم منه القرب والبعد النداء بصوت مسمع.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) وقد يرفع صوته ولا يفهم منه شيء، (...) يقولون: إن الله ناداه من بعيد ثم قربه نجيًّا، مثلما قال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم ٥٢].
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني الحكم بأنه (...) هذه النار، الله أعلم، ما أدري، لكن لعل هناك حكمة أن المكان هذاك بالذات بالوادي المقدس، أن الوادي هذا مبارك مقدس، فصار ابتداء الوحي من ذاك المكان؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام بعيدًا منه (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؟ بوضوح (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: وأيش الحكم في البعاد عن (...)؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، يمكن الإنسان يتحمل، ولهذا لما اختار موسى قومه سبعين رجلًا وكلم الله تعالى موسى وهم يسمعون، وقالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة ٥٥]، الآن ما يتبين لي إلا أنه والله أعلم أن هذا في مكان خاص هو المقدس المبارك، وربما بعد البحث نحصل عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إلا، من قوله: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مبتدأ الكلام: (﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ طوق القميص) هذا التفسير للجيب أنه طوق القميص.
وقوله: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ﴾ اليد كلها تطلق على الكف فقط، ولا تشمل الذراع إلا مقيدة.
والدليل على هذا أن الله تعالى لما قال في التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ [النساء ٤٣] صار خاصًّا بالكفين، ولما أراد الله تبارك وتعالى الذراع قال في الوضوء: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة ٦] إذن اللي يعطل هذا النص باللغة العربية أن الذي أُمر أن يدخله موسى ليس اليد الذراع، بل الكف (...) في جيبه هكذا.
﴿فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ (تخرج) مجزومة مع أنها فعل مضارع، ولا دخل عليها حرف جازم، لكنها مجزومة بأي شيء؟
* الطلبة: جواب الطلب.
* الشيخ: بجواب الطلب، جواب الطلب اللي هو (أدخل)، ومعروف أنه إذا سقطت الفاء وقصد الجزاء جزم، هذه القاعدة، فاء السببية إذا جاءت بعد الطلب جزم الفعل بها، أو بـ(أن) المضمرة، فإذا سقطت الفاء بعد الطلب وقصد الجزاء جزم.
* الطلبة: جزم.
* الشيخ: جزم، هذه قاعدة معروفة في النحو.
(﴿تَخْرُجْ﴾ -يعني اليد- خلاف لونها من الأدمة ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ ) منين أخذ المؤلف أن لونها الأدمة؟
* الطلبة: من قوله: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ لأنها لو كانت بيضاء من قبل ما قال تخرج بيضاء، فلا بد أنها تغيرت من اللون الأول إلى اللون الثاني.
وقوله: ﴿بَيْضَاءَ﴾ حال من فاعل (تخرج) يعني حال كونها بيضاء.
﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ هذا تقييد؛ لقوله: ﴿بَيْضَاءَ﴾؛ لأن البيضاء قد يكون بياضها سوءًا، مثل البرص فإنه سوء؛ لأنه عَيب يسوء صاحبه، لكنه قال: ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ إذن بياض ليس كبياض البرص.
ولهذا يقول المؤلف: (﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ برص لها شعاع يغشى البصر آية).
أما قوله: (لها شعاع) فهذا يحتاج إلى دليل، فالله تبارك وتعالى ما ذكر إلا أنها لون، وكفى بذلك آية أن تدخل اليد على لون ثم تخرج بلون آخر، وأما زيادة الشعاع فإن الله تعالى لم يذكره، وليس لنا أن نتجاوز في هذه الأمور ما دل عليه القرآن؛ لأننا ذكرنا فيما سبق أن المسائل الخبرية لا مجال للرأي فيها، المسائل الخبرية ما للرأي فيها مجال، يقتصر فيها على أي شيء؟ على ما جاء به الخبر، فنقول: هي بيضاء وكفى بها آية.
قال المؤلف: (آية ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ ) (في) للظرفية، فتكون الآية هذه وكذلك آية العصا تكون من جملة التسع وليست زائدة على التسع.
(﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ مرسلًا بها ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ ) عرف موسى آيتين منها، من هذه التسع، وهي؟
* الطلبة: العصا..
* الشيخ: العصا واليد لكن بقي؟
* طلبة: سبع.
* الشيخ: سبع آيات، فما هي الآيات (...).
* طلبة: (...).
* الشيخ: نقول: في تسع آيات آيتان معروفتان الآن، بقية التسع ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ﴾ [الأعراف ١٣٣] هذا كم مع اثنتين؟ سبع ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف ١٣٠] فكم الجميع؟
* طالب: تسع.
* الشيخ: تسع آيات، هذه الآيات التسع.
﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ ويش هو الطوفان؟
* طالب: الفيضان.
* الشيخ: الفيضان، فيضان الماء، (الجراد) معروف، (القمل).
* طالب: النمل.
* الشيخ: الدودة لا الدودة هي التي تكون في الحبوب، هذه القمل.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، (الضفادع) معروفة، و(الدم)؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: معروف، عاد نشوف الآن، الدم بعض العلماء يقول: إن الدم هذا الماء إذا شربوه فإذا هو دم، وإذا سلمه القبطي إلى الإسرائيلي هذا ماء.
ولكن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ذهب أيضًا هذا المذهب، و(الطوفان) الفيضان، وهذا يفسد الزروع قبل خروجها، و(الجراد) يأكل الزروع بعد خروجها، يعني ما تجد شيئًا مزروعًا، هذا يفسده الماء، والخارج يأكله الجراد، وفي المدخر يفسده؟
* طلبة: القمل.
* الشيخ: القمل، أو تفسده الضفادع كذا (...) المأكول والمشروب فقط، واضح؟ (...) إذا أكله الإنسان أو شرب يتحول إلى دم أرسل عليهم الدم أيضًا، وهو النزيف، النزيف: الرعاف، فعلى هذا يكون هؤلاء غذاؤهم فسد وما حصل بالغذاء نجس أيضًا، وهذا الأخير هو معناه السليم؛ لأن كونه من الماء ويصير دم يحصل (...) بالضفادع، الضفادع (...) يدخل جسد الواحد يكون رائحته خبيثة..
أرسل عليهم الدم أيضًا وهو النزيف الرعاف.
فعلى هذا يكون هؤلاء غذاؤهم فسد، وما حصل بالغذاء نجس أيضًا، وهذا الحقيقة هو معنى الدم؛ لأن كونه مع الماء يصير دم يحصل إفساد الماء بالضفادع، الضفادع إذا صار (...) ما يمكن يوجد ضفادع (...) رائحته خبيثة ومنظره خبيث، وما يمكن يضع شفته إلا (...).
الحاصل: أن الصواب ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله في التفسير، هذه تسع آيات: ﴿بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف ١٣٠] السنين وأيش معناه؟ الجدب والقحط وهو عدم (...).
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل ١١] ليذكّره بما من به عليه من التوبة، ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ ﴿بَدَّلَ﴾ المؤلف فسّرها بقوله: أتى حُسنًا؛ لأن ظاهره في الحقيقة ما يستقيم به المعنى، بدّل حسنًا بسوء، أيهم المأخوذ؛ لأن (بدّل) تدل على أن هناك بدلًا ومبدلًا منه، فإذا قلت: بدّل حسنًا، وأيش يقول؟
* طالب: بسوء.
* الشيخ: بسوء، يصير الحُسن مدفوع، والسوء مأخوذ، أو لا؟ بدّلت ثوبي بثوبك، أين المأخوذ؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: الأخير،كذا ولَّا لا؟ فهنا ﴿بَدَّلَ حُسْنًا﴾ لو أخذنا بظاهرها معناه: أنه ترك حسنًا وأخذ سوءًا؛ ولهذا فسّر المؤلف قوله: ﴿بَدَّلَ﴾ بـ(أتى).
والدليل على ذلك: أنه لو كان المراد بالتبديل ظاهر معناه ما صحّ أن يُعبَّر بقوله: ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾، لو كان كذلك لقال: بدّل حسنًا بسوء، ما قال: ﴿بَعْدَ﴾، فلما قال: ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾ عُلم أن (بدّل) هنا بمعنى (استبدل)، و(استبدل) بمعنى (أخذ)؛ ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة ٦١]، و(أخذ) -مثلما قال- بمعنى (أتى).
والمعنى من الآية الكريمة: أن من أتى حُسنًا بعد سوءٍ (...).
إي نعم، اسم شرط جازم، وليست اسمًا موصولًا مستثنى؛ لأن الاستثناء هنا منقطع.
﴿مَنْ ظَلَمَ﴾ ﴿ظَلَمَ﴾ فعل الشرط، وجملة ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ جواب الشرط.
أقول: لو قال قائل: ما وجه ارتباط الجواب بالشرط؟
* طالب: أن الظلم وتبديل الظلم بالحسنى يناسب العفو من الله، أو يستحق الغفران والرحمة.
* الشيخ: إي نعم، الجواب على هذا أن نقول: لما ذكر الله سبحانه وتعالى هذين الاسمين؛ ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فإنه يريد مقتضاهما، فمقتضى المغفرة: أن يغفر لهذا الذي ظلم ثم بدل حُسنًا بعد سوء، ومقتضى الرحمة أيضًا: أن يرحمه.
ونظير هذا قوله تعالى في المحاربين: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤] معناه: يسقط عنه الحد؛ لأن هذا مقتضى المغفرة والرحمة، فهنا مقتضى المغفرة والرحمة: أن من بدّل حُسنًا بعد سوء فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ويرحمه.
يشمل الرسل وغير الرسل؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، يشمل الرسل وغير الرسل.
ومن ثمَّ حَسُن أن يقول المؤلف ونقول معه أيضًا: إن (إلا) هنا الاستثناء منقطع؛ لأنه يشمل الرسل وغير الرسل.
* * *
* طالب: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل 12 - 16].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل ٧].
* أولًا: يستفاد من هذه الآية: حُسْن خلق موسى عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لمكالمته لأهله ومراجعته إياهم فيما يَهِمّ الجميع؛ يعني: أنه لم يذهب هو بدون أن يقول لهم هذا القول، مما يدل على أنه يتراجع معهم فيما يهمهم.
* وفي هذا دليل على أن الزوجة من الأهل، وهذا هو القول الصحيح، فعلى هذا آلُ النبي ﷺ يدخل فيه أزواجه؛ لأنهن من الأهل.
وقد اختلف العلماء فيما إذا أوصى الإنسان لأهله أو أوقف لأهله، هل يدخل الزوجات في ذلك أم لا؟
والذين يقولون بعدم الدخول يردّون ذلك إلى العُرف، ويقولون: إن العُرف عند الناس أن الزوجات لسن من الأهل، وإنما الأهل القرابة.
وإذا كان هكذا فإنه يُقال: الزوجات من الأهل، فإذا أوقف الإنسان على أهل فلان أو أوصى لهم دخل فيهم الزوجات بمقتضى اللغة.
ثم إن وُجد عُرفٌ مضطرد ينافي ذلك رجعنا فيه إلى العُرف؛ لأن الصحيح أن الأقوال تُردُّ معانيها إلى أعراف الناس وعاداتهم، فإذا لم يوجد عرف رجعنا إلى الشرع أو اللغة حسب ما يكون ذلك.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يعني هنا أهل البيت (...).
* وفيه دليل على أن الأحوال البشرية تطرأ حتى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإن موسى في تلك الليلة كان قد ضل الطريق ولم يهتدِ إليها، وقد أصابه البرد هو وأهله، والأنبياء والرسل لا يختلفون عن غيرهم إلا بأي شيء؟
* طالب: بالرسالة.
* الشيخ: بالرسالة، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف ١١٠]، فالأول مماثلة في البشرية، والثاني الاختصاص يوحى إليه بالوحي.
* وفيه أيضًا دليل على أن الإنسان لا يُلام على اتخاذ الوقاية الدافعة أو الرافعة؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾، هذه الوقاية دافعة ولَّا رافعة؟
* طالب: دافعة، رافعة.
* الشيخ: دافعة رافعة؛ رافعة للبرد السابق، ودافعة للبرد اللاحق، فاتخاذ الوقاية الدافعة أو الرافعة لا يُلام عليها الإنسان، بل إنه ربما يُؤمر به أمر إيجاب أو أمر استحباب، حسب ما تقتضيه الحال التي يريد أن يرفعها أو يدفعها.
* وفي الآية دليل على قبول خبر الثقة، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿سَآتِيكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾، فالعمل بخبر الثقة هذا سائغ، وأما من ليس بثقة فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ [الحجرات ٦].
والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام: قسم يوثق به، وقسم لا يوثق به، وقسم محتمل.
الذي لا يُوثق به لا يُقبل، والموثوق به يُقبل، والمجهول أو المحتمل يُتبين أمره، يُتوقف حتى يتبين.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، ﴿سَآتِيكُمْ﴾ هذا يخاطب أهله، ففيه دليل على مخاطبة الواحد بلفظ الجمع، لكن هذه فائدة لغوية.
* طالب: شيخ، خبر الثقة يذكر إذا كان أهله، يعني فلا يشغلون الناس فيكون بين أهل الثقة؟
* الشيخ: الكلام على من يوثق به.
* الطالب: العامة أو الخاصة؟
* الشيخ: لا، عامة وخاصة؛ يعني: قد يكون هذا الإنسان معلوم الحال عندي أثق به، وهو عند الناس مجهول يتوقفون في أمره، الكلام على الثقة الذي تثق به.
لو أن رجلًا قال: إنه رأى الهلال وهو نظره ضعيف، والناس الذين معه ما رأوه؟
* طالب: ما يُقبل قوله.
* الشيخ: ما يُقبل قوله، ولو هو ثقة؟
* الطالب: ولو هو ثقة.
* الشيخ: لأن له عدلًا، إي نعم، ما يُقبل؛ ولهذا وقعت عند بعض القضاة فيما سبق؛ تراءى الناس الهلال فقال شيخ منهم: إني رأيت الهلال، والناس اللي معه أقوى منه بصرًا فقالوا: ما رأيناه، والشيخ هذا في حدِّ دينه وفي أمانته موثوقٌ به، وأصر على أنه رأى الهلال، فقال القاضي: ادنُ مني، فدنا منه فمسح حاجبه، فقال له: انظر، قال: الآن ما رأيته، فإذا هي شعرة بيضاء، وهذا من ذكاء القاضي؛ لأنه قال: كيف الناس ما رأوه وهو رأى؟ هذا ما يمكن، وهو ثقة، ما هو رجل مشكوك في خبره، لكن قد يهم.
﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل ٨].
* يستفاد من هذه الآية؛ أولًا: إثبات كلام الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿نُودِيَ﴾.
فإذا قال قائل: الفعل هنا مبني للمجهول لم يُبَيَّن من المنادي، فلا دليل فيه على كلام الله، فما الجواب؟
* طالب: مذكور في آية أخرى.
* الشيخ: أولًا ذكره في آية أخرى، والثاني أيضًا قوله في استفتاح الكلام: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل ٩].
* وفيه دليل على أن كلام الله سبحانه وتعالى بصوت؛ لقوله: ﴿نُودِيَ﴾، والنداء لا يكون إلا بصوت، ففيه رد على طائفتين مر علينا قولهما بالأمس من؟ الأشاعرة والكلَّابية الذين يقولون: إن كلام الله تعالى معنًى قائم بنفسه، وهذا القول باطل بأوجه كثيرة.
* وفيه دليل على أنه ينبغي إيناس المستوحش، الإنسان المستوحش أنك قد تقول له أو تفعل معه ما يؤنسه ليطمئن، ويكون قابلًا لما يُلقى إليه؛ لأن المستوحش ما يقبل ما يلقى عليه؛ بمعنى أنه ما يتمكن من قبوله، يؤخذ من قوله؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: وغيره قبله ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾، فإن إثبات البركة لمن في النار ومن حولها يزداد به طمأنينة بلا شك؛ ولهذا أول ما خاطبه الله في هذه الآية: ﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
* وفيه دليل على تنزيه الله سبحانه وتعالى عمّا لا يليق به؛ لقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾.
* وفيه دليل على عموم ربوبية الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وهل معه ربٌ آخر؟ لو صار معه ربٌ آخر لم يكن الله تعالى ربًّا للعالمينظ، بل ربًّا لبعض العالمين، والله سبحانه وتعالى ربُّ العالمين، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنه لا يمكن أن يكون مع الله إلهًا آخر عقلًا، فقال: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ الأنبياء: ٢٢] ولم تفسدا، فدل على امتناع تعدد الآلهة، وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون ٩١]، وهذا أمر لم يحدث.
فإثبات وحدانية الله سبحانه وتعالى في ربوبيته معلومة، حتى المشركون في عهد الرسول ﷺ كانوا يقرون بوحدانية الربوبية.
* وفيه دليل على ثناء الله تبارك وتعالى على نفسه وأن ذلك من كماله، فإنه أثنى على نفسه بقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، أثنى على نفسه بنفيٍ وإثبات أو لا؟ النفي ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾، والإثبات ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
ومن هنا نعرف أنه لا يتم كمال الأوصاف إلا بهذين الأمرين وهما: النفي والإثبات؛ لأن إثبات الكمالات فقط لا يدل على نفي النقائص، ونفي النقائص فقط لا يدل على إثبات الكمالات، وباجتماعهما يحصل الكمال المطلق؛ ولهذا قالوا: لا بد من تخلية وتحلية.
* وفيه دليل على أن جميع الخلق مربوبون لله سبحانه وتعالى يتصرف فيهم بمقتضى ربوبيته؛ لقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؛ ولهذا حكم الربوبية ما أحد يستطيع أن يخالفه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، ما يخالف، بس الآن ويش وجهه؟
* الطالب: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الرب مالك يتصرف في ملكه كما يشاء.
* طالب آخر: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، فيها أن (...) مباركة؛ لقوله: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
وفي قوله تعالى: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
* أولًا: في الآية دليل على أن تعيين الشخص بالنداء له فائدة وذكرناها بالأمس وهي: التطمين والإيناس؛ لأنك إذا قلت: يا فلان، طمأنته بلا شك؛ لأنه يقول: هذا يعرفني ما ينالني بسوء؛ ولهذا قال: ﴿يَا مُوسَى﴾.
* وفيه دليل على إثبات العزة والحكمة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
* وفيه أيضًا دليل على أنه ينبغي لمن أراد تعيين نفسه أن يبيّن اسمه؛ لقوله: ﴿أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، ما قال مثلًا: أنا مكلمك، أنا أنا، أو ما أشبه ذلك، بل بيّن سبحانه وتعالى من الذي يكلمه.
هل فيها حصر الألوهية في الله؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: كيف تعرفها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني معناها وصفه بالعزة والحكمة يقتضي أن يكون هو المألوه وحده؟
* الطالب: أن يكون هو المألوه.
* طالب آخر: ﴿أَنَا اللَّهُ﴾.
* الشيخ: ومن تعريف المبتدأ والخبر أن هذا حصر لفظي.
* وفيه أيضًا: إثبات الحكم المطلق لله سبحانه وتعالى، ومأخوذة من ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ لأنا ذكرنا أن الحكيم ذو الحُكم والحكمة.
﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل ١٠، ١١].
أولًا: في هذه الآية العظيمة الدالة على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى وهي من قوله: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾؛ لأنه أُمر بإلقائها فألقاها، وبمجرد وصولها إلى الأرض صارت حيّة؛ ولهذا في سورة طه: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ﴾ [طه ٢٠] (إذا) فجائية تدل على مفاجأة الأمر ووقوعه على وجه الفورية.
* ففيها دليل واضح على أي شيء؟ على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه إذا قال للشيء: كن، فإنه يكون.
* وفيه أيضًا دليل على حكمة الله تعالى في آيات الرسل وأنها تناسب العصر، في قوله: ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾؛ لأن هذا أشبه ما يكون بما تطور تطورًا بالغًا عندهم في ذلك الوقت وهو السحر، فإن أحدًا لو أنه أتى بعصا أمامك ووضعها في الأرض، ثم رأيتها حيّة، ماذا تقول؟ تقول: هذا سحر؛ فلذلك أوتي موسى عليه الصلاة والسلام من الآيات ما يقضي على فعلهم.
* وفيه دليل على أن من البلاغة الإيجاز بالحذف، ولا يؤثر هذا قصورًا ولا تقصيرًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب، من أين ينوّه على الأول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ هنا بلا شك فيه محذوف، ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾؛ لأنه لو أُخذ الكلام على ظاهره، لو كان: وألق عصاك، لما أُمر بهذا اهتزت وهي في يده، وليس الأمر كذلك.
* وفيه أيضًا دليل على أن هذا العصا لم تكن مجرد حيوانٍ يتحرك، ولكنها أبلغ من ذلك ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾، ومعلومٌ أن الجان بنفسه مروّع، فالحيّة بنفسها مروّعة، فإذا كانت من عظيم الحيّات صارت أشد وأبلغ.
* وفيه دليل على جواز أن يعتري الأنبياء الخوف؛ ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾، وأن ذلك لا يُعد نقصًا فيهم؛ لأنه من مقتضى الطبيعة البشرية، وهذا الذي يكون من مقتضى الطبيعة البشرية ما أحد يلام عليه، فالأنبياء يجوعون، ويعطشون، ويبردون، ويمرضون، ويموتون أيضًا؛ ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف ١١٠].
* وفيه دليل على رحمة الله تبارك وتعالى بنبيه موسى؛ لقوله: ﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ﴾، فإن هذا من رحمة الله به؛ لأنه إذا قال له -وقد علم أنه رب العالمين-: ﴿لَا تَخَفْ﴾، ما يمكن أن يخاف.
* وفيه دليل على جواز توجيه الأحكام الشرعية إلى الأمور الفطرية؛ يعني مثلًا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ إذا قال قائل: أنت إذا قلت للإنسان: لا تخف، الخوف طبيعي كيف يدفعه عنه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أنا قصدي: هل يتوجه الحكم إلى مثل هذه الأمور الطبيعية؟ نقول: نعم، يمكن؛ لأن الإنسان وإن كان الخوف أمر طبيعي غير شعوري، كأن يأتي الإنسان غصبًا عليه، لكنه يمكنه معالجته بالمدافعة.
ولهذا «جاء رجل للرسول عليه الصلاة والسلام قال: أوصني، قال: «لَا تَغْضَبْ»[[أخرجه البخاري (٦١١٦) من حديث أبي هريرة.]]، والغضب من طبيعة الإنسان، لكن معنى: «لَا تَغْضَبْ» يعني: حاول أن تقلل من غضبك، وأن تكون دائمًا هادئًا، ثم إن غضبت فلا تنفذ مقتضى هذا الغضب.
فإذن الأمور الطبيعية البشرية التي هي مقتضى الطبيعة البشرية يجوز أن يوجّه الحكم إليها أمرًا أو نهيًا، ويكون ذلك من باب باب مدافعتها قبل وجودها، أو من باب تقليل آثارها.
فلا يقول: إن الإنسان أُمر بما لا يستطيع؛ أُمر بعدم الغضب وهو لا بد أن يغضب، أُمر بعدم الخوف وهو لا بد أن يخاف مما هو مخوف.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هو لما توجه تلقاء مدين وأيش قال؟
* الطالب: ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي﴾ [القصص ٢٢].
* الشيخ: (...) النبوة فوق معرفة الله والتعبد.
* وفيه أيضًا دليل على أن من كان مع الله سبحانه وتعالى فإنه لا ينبغي أن يخاف، ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ أي: عندي ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾؛ ولذلك كلما ذكر الإنسان ربه زال عنه الخوف؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال ٤٥]، ففي ذكر الله سبحانه وتعالى زوال الخوف والقوة والرغبة في تنفيذ ما أمر الله تعالى به؛ ولهذا أمر الله به في الجهاد.
* وفيه دليل على أن من ظلم ثم أتى بعملٍ صالح فإن الله تعالى يمحو العمل السيئ بالعمل الصالح؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل ١١].
وقد مر علينا بالأمس مناسبة هذه الجملة: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ مناسبة ذكرها في هذا المقام، ما هو؟
* طالب: أن موسى عليه السلام لما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ ذكر خطيئته بقتل القبطي فظن أنه ليس أهلًا للمغفرة فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ حتى (...) موسى عليه السلام يرى أنه قد غفر له.
* الشيخ: * وفيه أيضًا: إثبات المغفرة والرحمة لله؛ لقوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* وفيه أيضًا: أخذ الأحكام من مقتضى أسماء الله تعالى وصفاته، من أين نأخذه؟ فإن قوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي: أغفر له، وهذا حكم، وأخذ الأحكام من مقتضى الأسماء والصفات هذا من أحسن ما يكون من الاستدلال.
ذُكر أن رجلًا قرأ عند أعرابي: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة ٣٨] والله غفورٌ رحيم عند عربي، فقال الأعرابي -وهو ما يقرأ القرآن- قال: أعد الآية، أخطأت فيها، فأعادها مرة ثانية وقال: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ والله غفورٌ رحيم، قال له: أعد الآية، فأعادها في الثالثة على الصواب قال: ﴿نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، قال: الآن؛ فإنه عزّ وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع، وهذا صحيح.
ويدل على هذا الفهم قوله تعالى في المحاربين: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤].
إذن معناه: إذا علم أن الله غفور رحيم يُغفر لهم ويُتركون؛ ولهذا إذا تاب قاطع الطريق قبل القدرة سقط عنه الحد، وهل عاد يُلحق به غيره من ذوي الحدود أو لا؟ فيه خلاف.
* إذن يستفاد من هذا: أخذ الأحكام من مقتضى أسماء الله تعالى وصفاته؛ لقوله: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هو لا شك أن الأنبياء ما يأثمون مما لا يخل بالرسالة من الذنوب، اللي ما يخل بالرسالة والشرف والمروءة ما يأثمون منه، لكنهم يأثمون من الإصرار عليه، لا بد أن يوفقوا للتوبة، وهذا هو الفرق بينهم وبين غيرهم، وأظن أنا ذكرناه بالتفصيل من أنه يُفرّق بينهم وبين غيرهم من وجهين في مسألة الذنوب والمعاصي:
أولًا: أنه لا يمكن أن يصدر منهم ما يخل بالرسالة، مثل الكذب والخيانة، ولا بالشرف والمروءة، كالزنا وما أشبهه.
ثانيًا: أنه إذا وقع منهم ما يمكن وقوعه من المعاصي فإنهم لا يُقرون عليه، لا بد أن يحصل لهم ما يوجب تركهم لهذا الشيء؛ لأنهم رسل قدوة، ولو أُقِرّوا على المعاصي لكانت المعاصي من شرائعهم.
وأما القول بالعصمة مطلقًا فلا وجه له، ما في عصمة مطلقًا، بل الصواب أنه يحصل منهم ما يحصل ولكنهم لا يُقرّون عليه.
* طالب: (...) من الكبائر؟
* الشيخ: إي، قتل النفس من الكبائر.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [القصص ١٦]، اعترف بأنه ظالم واعتذر عن ذلك أيضًا في مسألة الشفاعة؛ لأنه يعتبر بأنه ظلم نفسًا.
* الطالب: (...) يدافع عن قومه هو ليس بظالم، إذا يرى إنسانًا (...)؟
* الشيخ: الأمر ما هو صحيح؛ (...) وهذا الرجل بالذات (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هذه مسألة (...) ما هي معصية، ولكنها خلاف الأولى؛ ولهذا لامه الله عليها؛ ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة ٤٣]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التحريم ١]، هذا مما يدل على أن الأمر وقع من الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه غُفر له، ما أُقر عليه.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، صحيح، يؤخذ منها؛ ﴿إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾: الإشارة إلى أن موسى عليه الصلاة والسلام بشارته بالرسالة.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: وأصبح النداء ما هو يلزم منه القرب أو البُعد، النداء بالصوت المطلق، قد يكون من بُعد، وقد يرفع صوته لموسى ولو كان من قرب، فهذا قد يكون أن الله ناداه من بعيد، ثم قرّبه نجيًّا مثلما قال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم ٥٢]؛ لأن الحكمة بأن ظهور هذه النار -الله أعلم، ما أدري- لكن لعله من الحكمة أن المكان هذا بالذات في الوادي المقدّس: أن الوادي هذا مبارك ومقدّس، فصار ابتداء الوحي من ذاك المكان، وأنه كان عليه الصلاة والسلام بعيدًا في سيره.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: ما هي (...)؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، يمكن الإنسان يتحمل؛ ولهذا لما اختار موسى قومه سبعين رجلًا، وكلّم الله تعالى موسى وهم يسمعون، وقالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة ٥٥]، فالآن ما يتبين لي إلا أنه -والله أعلم- أن هذا المكان الخاص هو المقدّس المبارك، وربما بالتأمل يحصل (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: من قوله: ﴿مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [النمل ١٢] طوق القميص، هذا تفسير للجيب أنه طوق القميص.
وقوله: ﴿أَدْخِلْ يَدَكَ﴾ اليد كلها تُطلق على الكف فقط، ولا تشمل الذراع إلا مقيّدة، والدليل على هذا أن الله تعالى لما قال في التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ [المائدة ٦] صار خاصًّا بالكفين، ولما أراد الله تبارك وتعالى الذراع قال في الوضوء: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾.
إذن -حسب مقتضى اللغة العربية- أن الذي أُمر أن يدخله موسى ليس الذي هو الذراع، بل الكف يغيبها في جيبه هكذا.
﴿فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ ﴿تَخْرُجْ﴾ مجزومة، مع أنها فعل مضارع ولا دخل عليها حرف جازم، لكنها مجزومة بأي شيء؟
* طلبة: بجواب الطلب.
* الشيخ: بجواب الطلب الذي هو ﴿أَدْخِلْ﴾.
ومعروفٌ أنه إذا سقطت الفاء وقُصد الجزاء جُزم، هذه القاعدة، فاء السببية إذا جاءت بعد الطلب نصب الفعل بها أو بـ(أن) مضمرة، فإذا سقطت الفاء بعد الطلب وقُصد الجزاء جُزم الفعل، هذه قاعدة معروفة في النحو.
﴿تَخْرُجْ﴾ يعني: اليد (خلاف لونها من الأدمة)، ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ من أين أخذ المؤلَّف أن لونها الأدمة؟
* طالب: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾؛ لأنها لو كانت بيضاء من قبل ما قال: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾، فلا بد أنها تغيّرت من اللون الأول إلى اللون الثاني.
وقوله: ﴿بَيْضَاءَ﴾ حال من فاعل ﴿تَخْرُجْ﴾؛ يعني: حال كونها بيضاء.
﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ هذا تقييدٌ لقوله: ﴿بَيْضَاءَ﴾؛ لأن البيضاء قد يكون بياضها سوءًا، مثل البرص فإنه سوء؛ لأنه عيبٌ يسوء صاحبه، لكنه قال: ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ إذن بياض ليس كبياض البرص؛ ولهذا يقول المؤلَّف: (﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ برص لها شعاع يغشى البصر آية).
أما قوله: (لها شعاع) فهذا يحتاج إلى دليل، فالله تبارك وتعالى ما ذكر إلا أنها بيضاء، وكفى بذلك آية؛ أن تدخل اليد على لونٍ، ثم تخرج بلون آخر، وأما زيادة الشعاع فإن الله تعالى لم يذكره، وليس لنا أن نتجاوز في هذه الأمور ما دل عليه القرآن؛ لأننا ذكرنا -فيما سبق- أن المسائل الخبرية لا مجال للرأي فيها، يُقتصر فيها على أي شيء؟ يُقتصر فيها على ما جاء به الخبر، فنقول: هي بيضاء، وكفى بها آية.
قال المؤلَّف: (آية ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ ) (في) للظرفية، فتكون الآية هذه وكذلك آية العصا تكون من جملة التسع، وليست زائدة على التسع.
(﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ مرسلًا بها ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ ) عرف موسى آيتين من هذه التسع وهي: العصا واليد، لكن بقي سبع آيات، فما هي الآيات؟
نقول: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ آيتان معروفتان، بقية التسع: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ﴾ [الأعراف ١٣٣] هذه خمس، مع اثنتين سبع، ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف ١٣٠] فكان الجميع تسع آيات، هذه الآيات التسع.
﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف ١٣٣] وأيش هو الطوفان؟ الفيضان؛ فيضان الماء.
الجراد معروف، القُمَّل: الدودة التي تكون في الحبوب، هذا القُمَّل، الضفادع معروفة.
والدم معروف، الدم بعض العلماء يقول: إن الدم هذا الماء إذا شربوه فإذا هو دم، وإذا سلّمه القبطي إلى الإسرائيلي عاد ماءً، ولكن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ذهب غير هذا المذهب قال: الطوفان: الفيضان، وهذا يفسد الزروع قبل خروجه، والجراد يأكل الزروع بعد خروجه؛ لأن الزروع منها شيء فهو مزروع، هذا يفسده الماء، وشيء خارج يأكله الجراد، وشيء مدّخر يفسده القُمَّل، الماء يفسده الضفادع، كذا؟
إذن الآن: المأكول والمشروب فسد، هذا المأكول والمشروب إذا أكله الإنسان أو شرب يتحول إلى دم، أُرسل عليهم الدم أيضًا وهو النزيف الرعاف.
فعلى هذا يكون هؤلاء غذاؤهم فسد، وما حصل بالغذاء نجس أيضًا، وهذا الحقيقة هو المعنى السليم؛ لأن كونه مع الماء يصير دم يحصل إفساد الماء بالضفادع، الضفادع إذا صار الماء ممكن (...) بده يكون رائحته خبيثة ومنظره خبيث، وما يمكن يضع شفته إلا (...).
الحاصل: أن الصواب ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله في التفسير. هذه تسع آيات: السنين ونقص من الثمرات، السنين وأيش معناه؟ الجدب والقحط، وهو عدم (...)، لكل من ملك مصر كافرًا، مثل كسرى علم جنس لكل من ملك الفرس كافرًا، وكذلك قيصر لكل من ملك الروم كافرًا، إي نعم.
وقوله: القوم الأصحاب، وسُمِّي الأصحاب قومًا؛ لأن بهم قوام الإنسان، فالإنسان يعتز ويقوم بقومه.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ هذا تعليل للرسالة إليه؛ يعني: إنما أرسلناك في تسع آيات إلى هؤلاء؛ لأنهم كانوا قومًا فاسقين؛ يعني: خارجين عن الطاعة، وقد مر علينا في درس التوحيد أن الفسق ينقسم إلى قسمين: فسقٌ أكبر وهو الخروج عن مطلق الطاعة، وفسقٌ أصغر وهو الخروج عن الطاعة المطلقة، كذا يا جماعة؟ ونشوف يبين لنا الفرق بين التعبيرين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: عن الطاعة المطلقة، وأيش الفرق بين الطاعة المطلقة ومطلق الطاعة؟
* الطالب: الطاعة المطلقة (...).
* الشيخ: يعني: شاملة لكل أفراد الطاعة؛ الطاعة المطلقة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني أنه يطيع في كل أمر، إي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: والواقع إذا قال: هذا الرجل قد أطاع الله؛ أي: طاعة مطلقة، فمعناه: في كل ما أُمر به؛ أي إذا فسق يصير خرج عن الطاعة المطلقة؛ لأن الفرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق مطلق الشيء معناه: وجود أي جزء منه، والشيء المطلق: الكامل؛ ولهذا الفاسق عند أهل السنة والجماعة هل معه الإيمان المطلق أو مطلق الإيمان؟
* طلبة: معه مطلق الإيمان.
* الشيخ: معه مطلق الإيمان، مطلق الطاعة إذا قيل: هذا الرجل فاسقٌ؛ أي: خارجٌ عن مطلق الطاعة، ففسقه؟
* طالب: أصغر.
* الشيخ: لا، أكبر، يعني معناه: ما يصدق في حقه ولا أقل طاعة، ما أطاع أبدًا، هذا كافر.
وإذا قيل: هذا الفاسق خارجٌ عن الطاعة المطلقة، معناه أنه معه طاعة، لكن الطاعة الكاملة ما هي معه.
ولذلك عندهم أيضًا حتى في الفقه يقولون: هذا ماءٌ مطلق، وهذا مطلق ماء، قالوا: ما تغيّر بالأشياء الطاهرة ليس بطهور؛ لأنه ليس بماء مطلق، وإنما هو مطلق ماء.
فالفرق بين التعبيرين معروف عند الفقهاء وعند الأصوليين، وعند أهل الكلام أن الفرق بين مطلق الشيء والشيء المطلق:
الشيء المطلق معناه الكمال، ومطلق الشيء معناه الأصل.
هنا ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ أيّ الفسقين؟
* طالب: الفسق الأكبر.
* الشيخ: الفسق الأكبر؛ لأنهم خارجون عن مطلق الطاعة، ما عندهم طاعة.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ [النمل ١٣] ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ﴾ الضمير يعود إلى فرعون وقومه.
وقوله: ﴿آيَاتُنَا﴾ أي: العلامات الدالة على صدق موسى ﷺ برسالته وعلى أحقية ما دعا إليه؛ لأن الآيات التي بعث الله بها موسى تدل على أمرين: على صدق موسى، وهذا تأييدٌ له، وعلى صحّة ما جاء به، فالآيات هذه تشمل الأمرين.
وقوله: ﴿مُبْصِرَةً﴾ فسّرها المؤلِّف: (أي: مضيئة واضحة)، وهنا كلمة (مبصرة) اسم فاعل، والفعل منها (أبصر)، فهل الآيات هي التي بها البصر، أو مبصرة جاعلة غيرها يُبصِر بها؟
* طالب: جاعلة غيرها يبصر بها، المعنيان يجوز.
* الشيخ: أيهما أبلغ؟ الثاني أبلغ؛ أنها جاعلة غيرها يُبصر بها؛ يعني: أنها تُبصر غيرها.
الآيات هذه بنفسها ظاهرة وواضحة، والذي يراها يُبصر بها؛ ولهذا نقول: ﴿مُبْصِرَةً﴾ هي تعني أنها باصرة بنفسها، وموجبة للإبصار في غيرها.
لما جاءتهم هذه الآيات المبصرة كان الجواب: ﴿قَالُوا هَذَا﴾ أي: ما جاءنا، ولم يقولوا: هذه؛ أي: الآيات؛ لأجل أن يشمل كل شيء، هذا الذي جاءنا من الآيات وغير الآيات.
(﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ بينٌ ظاهر) فـ﴿مُبِينٌ﴾ هنا على تفسير المؤلِّف وهو واقع من (أبان) اللازم أو المتعدي؟ اللازم.
﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ﴾ السحر معناه في اللغة العربية: كل شيء صار خفي السبب، ما خفي سببه ولَطُفَ يسمى سحرًا؛ ولهذا ذكر ابن كثير أقسام السحر في تفسيره، وذكر من جملة السحر: الساعات اللي تطورت إلى ما ترون الآن؛ لماذا؟ لأنها في الحقيقة خفية السبب، عندك الآن الساعات (...) بنفسها العقرب هذه، وأيش يكون؟!
أو أبلغ من هذا جاءت الأخيرة هذه الإلكترونية، وأيش اللي يجعل هذا المسمار إذا غمزته تحول التاريخ إلى توقيتٍ آخر، أو أظهر لك تاريخ الشهر أو اليوم؟! لو جاءت في غير هذا الوقت كان الناس تعجبوا منها.
* طالب: يعني: يكون سحرًا مستحبًّا؟
* الشيخ: لا، هذا يسمى سحر لغة، لكن شرعًا لا ليس بسحر؛ لأن السحر شرعًا هو عبارة عن عقد وعزائم ورقى تؤثر في بدن المسحور أو عقله، ربما تمرضه، ربما تهلكه، ربما تخبّله، فهذا هو السحر.
هنا الآن قولهم: ﴿هَذَا سِحْرٌ﴾ قول فرعون وقومه، وأيش يقصدون بهذا؛ السحر الحقيقي الشرعي ولَّا السحر اللغوي؟
* طالب: الحقيقي.
* الشيخ: الحقيقي الشرعي؛ لأنهم قالوا له: ﴿مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف ١٣٢]، والعياذ بالله.
فهم قالوا: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وهذا الجواب ليس صادرًا من فرعون فقط، بل جميع المكذّبين للرسل قالوا هذا؛ قال الله تعالى في سورة الذاريات: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢] ﴿مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ﴾ كل الرسل السابقين يقول أقوامهم هكذا، ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾ [الذاريات ٥٣]؟ لا، ما تواصوا به، لكن الجامع المشترك الطغيان، ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هذه مانعة (...)؛ يعني: ربما أن بعضهم يقول: ساحر، وممكن الجميع.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، مجرد الضرر ما يدخل الكفر في الحقيقة؛ ولهذا لو أضررت الإنسان بدواء -كَسُمٍّ وشبهه- ما صار كفرًا، لكن الظاهر أنه يقترن به من الأحوال الشيطانية واعتقاد أن هذا مؤثر من دون الله سبحانه وتعالى، هذا هو الظاهر.
* الطالب: لكن (...)؟
* الشيخ: إذا قال هكذا نقول: ظاهر القرآن الكفر، وما ندري شو العلة، إذا قال هكذا وأبطل هذه العِلَّة فنقول: القرآن يدل على الكفر، إن جاز.
* الطالب: أليس (...) في قوله تعالى؟
* الشيخ: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾ [البقرة ١٠٢] ما يخالف، تكفر بتعلم السحر.
* الطالب: المراد يعني إيه؟
* الشيخ: لا، ما هو معناه: فلا تكفر بشيءٍ ثم تتعلم السحر؛ ولهذا قال: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾ يعني: بهذا التعلم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، لكن تعلم السحر.
* الطالب: لأنه ما يتعلم إلا إذا كفر.
* الشيخ: لا، معناه: أن تعلم السحر نفسه كفر.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لأن هذا خلاف ظاهر اللفظ؛ معناه أنه يكون يكفر بشيء لم يذكر في القرآن، والآية ظاهرها أن الكفر يكون بالتعلم نفسه.
* الطالب: صلاة الأوابين، (...)؟
* الشيخ: إي صحيح، هو الذي نتكلم به الآن مسألة قلنا: نبحث عن حديثي عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله[[أخرحه مسلم (٧١٩ / ٧٨).]]. وما رأيته صَلَّى سبحة الضحى»[[متفق عليه؛ البخاري (١١٢٨)، ومسلم (٧١٨ / ٧٧).]].
* * *
* طالب: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل ١٣ - ١٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فوائد الدرس الماضي:
أولًا: في قوله تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾.
* فيه: آية من آيات الله سبحانه وتعالى؛ وذلك أن يده دخلت على طبيعتها، ثم خرجت بيضاء من غير سوء بلحظة؛ لأن قوله: ﴿أَدْخِلْ﴾ ﴿تَخْرُجْ﴾، فهذه ﴿تَخْرُجْ﴾ جواب لـ﴿أَدْخِلْ﴾، فالمعنى أن في مجرد الإدخال تخرج هكذا، وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، تخرج إلى آخره، إذا أخرجها هو، ما هي معنى بمجرد ما هي دخلت تخرج اليد بنفسها، لكن تخرج إذا أخرجها.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، لا تخرج منه، إذا أخرجها وإذا هي بيضاء.
* وفيه أيضًا دليل على حكمة الله تبارك وتعالى في آيات الأنبياء؛ حيث تكون مناسبةً للعصر الذي بُعثوا فيه، ويؤخذ هذا من أين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: وهذه الآية تشبه السحر أو لا؟ لكنها حقيقة، والسحر خيال، السحر ما يمكن يقلب اليد إلى بيضاء، أو المتحرك إلى ساكن، أو الساكن إلى متحرك، ما يمكن يقلبه حقيقة، لكن هذه الآية حقيقة.
* وفيه أيضًا دليل على مبدأ الاحتراز في الكلام؛ أنه ينبغي الاحتراز في الكلام عندما يوهم الشيء بأمرٍ يُحترز منه؛ لقوله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لقوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾، فإن البيضاء قد تكون من سوء، ولكنه احترز بقوله: ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾، هذه ثلاث فوائد.
* وفي الآية دليل على أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطاه الله تعالى تسع آيات، منها آيتان سابقتان، والباقي لاحق، فما هذه التسع؟
* طالب: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وهذه الاثنان باقي الآيات.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: السنين ونقصٍ من الثمرات.
* الشيخ: السنين ونقصٍ من الثمرات.
* ومن فوائد الآيات: أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل نبيًّا إلا بآية؛ لتقوم الحجة، من أين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من أين؟ أعطنا الكلمة أو الجملة اللي في الآية تدل عليها.
* الطالب: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾.
* الشيخ: نعم، ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾، ما هي الحكمة بأن الله لم يرسل رسولًا إلا بآية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم؛ لأن ما تقوم الحجة إلا بهذا؛ إذ لو جاء رجل وقال: أنا رسول من عند الله بدون آيات، ما صدق، وإذا لم يُصدق فلا حجة على الخلق به.
* الطالب: يقول: (...) يحتمل في قوله: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ بمعنى مع تسع آيات (...)؟
* الشيخ: ما هو صحيح هذا، الصواب أن (في) للظرفية، وأن ما ذكره وغيره ناهيك من الآيات العظيمة، الآيات العظيمة هي هذه.
* وفيه دليل على طغيان فرعون وقومه، من أين تؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا؛ لأنه ما بعد.
* الطالب: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ (...).
* وفيه دليل على أنه من الفصاحة والبلاغة قرن الحكم بتعليله.
* الطالب: قوله لما ذكر لموسى يذهب إلى فرعون وقومه: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ أنهم لم يستجيبوا.
* الشيخ: لم يستجيبوا ما بعد جاء.
* الطالب: (...) سيتبين بالآيات التي بعدها.
* الشيخ: لا.
* الطالب: كل آية خاصة؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: تعليل الإرسال بأنهم فاسقين.
* الشيخ: إي نعم، تعليل الإرسال ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾، لماذا؟ ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.
وقد ذكرنا أن من فوائد قرن الحكم بتعليله له فوائد، هذا خارج عن نطاق الدرس؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يمكن تامة (...).
* الطالب: (...) أيضًا العموم.
* الشيخ: التعميم بعموم العِلَّة، كذا؟ إذا ذُكرت العِلَّة فلها ثلاث فوائد:
أولًا: بيان حكمة الله سبحانه وتعالى في تشريعه وقضائه.
الثاني: التعميم بعموم العِلَّة.
والثالث: أن المخاطب يطمئن إذا علم حكمة الحكم، يزداد طمأنينة. واضح؟
* الطالب: الفائدة؟
* الشيخ: الفائدة أنه من البلاغة: قرن الحكم بتعليله.
* وفيه دليل على أن الفسق يُطلق على الكفر، من أين؟
* الطالب: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾، وقد ذكرنا أن الفسق نوعان: فسقٌ مطلقٌ، ومطلقُ فسقٍ.
فالفسق المطلق هو الكفر، ومطلق الفسق هو العصيان من المؤمنين؛ يعني معهم مطلق فسق؛ إذ إن أصل الفسق هو الخروج عن الطاعة، فإن كان خروجًا كاملًا شاملًا فهو فسقٌ مطلق، وإن كان بعض خروج فهو مطلق فسق.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.
* يستفاد من هذه الآية: أن الحجة قامت على فرعون وقومه؛ حيث جاءتهم الآية مبصرة.
* وفيه؛ من الفوائد في هذه الآية: أن آيات الله سبحانه وتعالى فيها الإبصار، فهل هي مبصرة بنفسها -يعني: باصرة- أو مبصرة لغيرها؟
* طلبة: كلاهما.
* الشيخ: كلاهما، هي مبصرة بمعنى أنها هي باصرة، وكذلك تُبصر غيرها وتدل عليه.
* في هذا دليل على أن آيات الله سبحانه وتعالى بيّنة واضحة توضح الحق، ولولا ذلك ما كانت آيات.
* وفيها دليلٌ على عظم طغيان فرعون وقومه؛ لقولهم: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.
* وفيه أيضًا: مبالغة صاحب الباطل بدعواه؛ حيث قالوا: ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ يعني: بيّن ظاهر ما فيه إشكال، وهكذا المدّعي يأتي بالكلمات التي تشبّه على الخلق حتى يصل إلى ما يريد من الباطل.
وهنا لماذا قال: ﴿هَذَا سِحْرٌ﴾ ولم يقل: هذه، مع أنه قال: ﴿آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾؟
* الطالب: لأجل أن يشمل كل ما جاء.
* الشيخ: لأجل أن يشمل كل ما جاء حتى يشمل نوح بنفسه يكون ساحرًا، عندك سؤال؟
* الطالب: قوله (...) أنه أرسل بتسع آيات، ألا نقول: إن القرائن تقوي الشيء؛ يعني تزيد من قوة الشيء، فهذه..
* الشيخ: الدلائل يعني قصدك؟
* الطالب: نعم، أو الدلائل في هذه الآيات.
* الشيخ: لا، هو هذه قلنا: في الحقيقة أن الأشياء ما تثبت إلا بدلائلها، وأنه لا بد من بيّنات على الأمر.
* الطالب: قوله: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾.
* الشيخ: نعم، قلنا قبل قليل: إن الآيات هذه منها شيءٌ حاضر وهما الثنتان، وشيءٌ لاحق.
* الطالب: يعني: (...).
* الشيخ: وهو ما جاءت يعني: ستجيء.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["إِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهۡلِهِۦۤ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا سَـَٔاتِیكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ ءَاتِیكُم بِشِهَابࣲ قَبَسࣲ لَّعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ","فَلَمَّا جَاۤءَهَا نُودِیَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِی ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّهُۥۤ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","وَأَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَاۤنࣱّ وَلَّىٰ مُدۡبِرࣰا وَلَمۡ یُعَقِّبۡۚ یَـٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّی لَا یَخَافُ لَدَیَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ","إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسۡنَۢا بَعۡدَ سُوۤءࣲ فَإِنِّی غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَأَدۡخِلۡ یَدَكَ فِی جَیۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَیۡضَاۤءَ مِنۡ غَیۡرِ سُوۤءࣲۖ فِی تِسۡعِ ءَایَـٰتٍ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَقَوۡمِهِۦۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمࣰا فَـٰسِقِینَ","فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ ءَایَـٰتُنَا مُبۡصِرَةࣰ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"],"ayah":"یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّهُۥۤ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق