الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: (﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الموجودين في زمن نبينا ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل ٧٦] أي: ببيان ما ذكر على وجهه الرافع للاختلاف بينهم لو أخذوا به وأسلموا).
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ﴾: ﴿هَذَا الْقُرْآنَ﴾ يعني المنزّل على النبي ﷺ.
و(قرآن) إما مصدر بمعنى اسم المفعول وإما اسم فاعل.
المعنى الأول: قرآن: مصدر بمعنى المفعول؛ فلأنه مقروء، أي يقرأ، وهو أيضًا: مقروء من القرء بمعنى: الجمع. فهو مجموع وهو متلو؛ بمعنى الجمع والتلاوة.
وأما على أنه مصدر: فإن فُعلان تأتي مصدرًا، مثل: الغُفران والشُّكران، فهو في الحقيقة مصدر بمعنى اسم المفعول، وإما مصدر مطلق، كالغفران والشكران.
ما (...) اسم فاعل بمعنى أنه جامع لأحكام الكتب السابقة (...)، هذا وجه أيضًا ثالث: أن يكون قرآن بمعنى جامع، وقد ذكر الله تعالى أن القرآن مهيمن على الكتب السابقة.
وقوله: ﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ القص بمعنى: التحدث بالشيء، التحدث بالشيء هو القص، فهذا القرآن ﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الموجودين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أيش يقص عليهم؟ ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ وسيأتي إن شاء الله أمثلة لهذا.
قال: ﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: الذكور منهم ولّا والإناث؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: نعم. لأن الابن إذا كان المراد به القبيلة فهو شامل للذكر والأنثى، وإذا لم يرد به القبيلة فهو خاص بالذكور، فإذا قال قائل مثلًا: هذا وقف على بني محمد، محمد شخص، هذا وقف على بني محمد، من يختص به؟
* طلبة: الذكور.
* الشيخ: الذكور، فإذا كان القبيلة كلها تسمى بني محمد فهو للذكور والإناث، بنو تميم: إذا كان الإنسان موقفًا على بني تميم حين وجود تميم قبل أن يكونوا قبيلة، حين وجود الجد، اللي هو تميم؟ فهو خاص بالذكور، وبعد أن كانوا قبيلة يكون عامًّا للذكور وللإناث. إذن بنو إسرائيل هنا المراد بهم القبيلة ولّا لا؟ نعم القبيلة، فيعم الذكر والأنثى.
وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فهم أبناء عم للعرب؛ لأن العرب أبوهم إسماعيل بن إبراهيم، وهؤلاء أبوهم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، يعني جدهم إسحاق اللي هو أخو إسماعيل، هؤلاء القوم ينسبون إلى أبيهم، و وإسرائيل بمعنى عبد الله.
بعض الناس اليوم يقولون: كيف نسمي الدولة اليهودية إسرائيل؟ كيف يكون باسم إسرائيل؟ ويش الجواب؟
الجواب أن هذا نسبة إلى أبيهم، ألسنا نسمي العرب قريشًا؟ نسبة إلى من؟ إلى جدهم قريش، ما نقول: بنو قريش، نقول: قريش. فهنا تسمى القبيلة باسم أبيها، وإن كان بلا شك أن الأنسب أن تسمى بما سماها الله به، وهم بنو إسرائيل، على أننا أيضًا نشك بأن هؤلاء اليهود الموجودين من بني إسرائيل، ما ندري، لعلهم من أوربا ومن غيرها من البلاد التي ليست من بني إسرائيل.
لكن على كل حال، مثل ما أن العرب الآن يعتبرون العروبة بالعربية، ويقولون: من نطق بالعربية فهو عربي، وإن كان أصله أعجميًّا، أولئك أيضًا يقولون: من نطق بالعبرية فهو إسرائيلي، وإن لم يكن من بني إسرائيل، ولهذا نحن الآن نجزم أن الطائفة الآن التي تسمى اليهود ليست كلها من بني إسرائيل، بل إنما ينتمون إلى هؤلاء القوم باعتبار أن الجامع بينهم اللغة.
﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي﴾: ما قال: كل الذي، قال: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، فما الذي يخرج من الأكثر؟ يخرج بالأكثر؟
* طالب: الأقل.
* الشيخ: يخرج الأقل؛ وذلك أن القرآن إنما قص عليهم ما فيه مصلحة، أما ما لا مصلحة فيه فإنه لا يقصه؛ لأن القرآن كما تعلمون هدى، وكل ما فيه فإنه له معنى ومقصود. فالشيء الذي لا فائدة منه ما يقصه عليهم الذي اختلفوا فيه. مثلًا: اختلفوا في لون الكلب لأصحاب الكهف، هل فيه زيادة فائدة؟ ما فيه فائدة. كذلك اختلفوا في أشياء كثيرة من هذا النوع ما قصها القرآن، البقرة التي أمروا بذبحها اختلفوا من هي له، فقيل: إنها لإنسان بار بابنه، وقيل: إنها لشيخ كبير، وقيل أشياء كثيرة، لكن هذا هل منه فائدة؟ لا، لا فائدة منه، فـ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ مما في ذكره فائدة يقصه هذا القرآن ليحكم بينهم.
﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ لأي شيء يقص ذلك؟
لأجل أن يصدقوا بالقرآن؛ لأنه إذا جاء هذا القرآن قاصًّا عليهم ما سبق مما فعلوه، والنبي ﷺ قد عُلم بأنه ما درس التوراة، ولا درس على اليهود، عُلم أن ما جاء به فهو حق، وهذه هي الحكمة من كونه يقول: ﴿يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، مع أن هذا القصص لبني إسرائيل ولغيرهم، لكن بني إسرائيل عندهم من علم الكتاب ما ليس عند العرب، فلهذا بُين لهم لإقامة الحجة عليهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: هو إقامة الحجة عليهم؛ لأنهم يعلمون ما لا يعلم العرب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي؛ لأن عندهم كتابهم ويعلمون، فإذا نزل هذا القرآن حاكمًا بينهم، ويقص عليهم ما كانوا يختلفون فيه، دل هذا على أنه حق.
* طالب: القَصص (...).
* الشيخ: القَصص مصدر، وقَصصٌ مصدر، والقِصص: جمع قصة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) بمعنى جمع قصة. ويصلح فقط بمعنى قص، ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف ٣].
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾ [الأنعام ٣].
* الطالب: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾ (...).
* الشيخ: (...).
(...) ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
قال: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ يعني: لا كله، والذي يقص عليهم ما كان فيه فائدة لهم ولغيرهم، ومن ذلك: ما قص عليهم في شأن عيسى؛ فإن عيسى كما تعرفون اختلف فيه بنو إسرائيل، فمنهم من كذبه وأنكره وزعم أن أمه بغي وقتله، ومنهم من غلا فيه وقال: إنه ابن الله، أو إنه إله، وكذلك أيضًا: خلافهم في السب وغير ذلك مما قص الله علينا في القرآن، فالقرآن قص أكثر الذي هم فيه يختلفون، وأما ما لا فائدة من قصه فتركه.
* * *
قال الله تعالى: (﴿وَإِنَّهُ﴾ -أي القرآن- ﴿لَهُدًى﴾ من الضلالة ﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل ٧٧] من العذاب).
﴿إِنَّهُ لَهُدًى﴾: هذه الجملة مؤكدة بـ(إن) واللام، ﴿إِنَّهُ لَهُدًى﴾، والهدى معناه الدلالة؛ فإن القرآن هدًى، يعني دلالة، ولكنه لا ينتفع به إلا المؤمنون، كما قيده به في قوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقوله: ﴿وَرَحْمَةٌ﴾: أي سبب لها، سبب للرحمة؛ لأن الإنسان إذا اهتدى به نال رحمة الله سبحانه وتعالى، فيكون رحمة لكن للمؤمنين، والتقييد بالمؤمنين لأنهم المنتفعون به.
وقد ذكر الله في القرآن أنه هدًى للعالمين، وأنه هدًى للمؤمنين وللمتقين، والجمع بينهما أنه في حالة العموم معناه: دال وموضع دلالة، وفي حالة التقييد: أنه ما انتفع به ووُفق للاهتداء به إلا من قُيد به، هذه الآية من المطلق ولّا من المقيد؟
* طالب: من المقيد.
* طالب آخر: المقيد.
* الشيخ: (...).
* الطالب: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ إي نعم.
إذن ﴿هُدًى﴾ هذا العلم، والرحمة: العمل والتوفيق؛ لأنه سبب الرحمة.
* * *
(﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ كغيرهم يوم القيامة ﴿بِحُكْمِهِ﴾ أي عدله ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب ﴿الْعَلِيمُ﴾ [النمل ٧٨] بما يحكم به فلا يمكن أحدًا مخالفته، كما خالف الكفار في الدنيا أنبياءه).
قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ أي بين بني إسرائيل؛ لأن السياق فيهم، ولهذا قال: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ والمختلفون يحتاجون إلى من يحكم بينهم أيهم على الصواب، فحكم الله بينهم في الدنيا، ويحكم بينهم يوم القيامة، بماذا حكم بينهم في الدينا؟ بما أنزله في القرآن المستفاد من قوله: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ويحكم بينهم يوم القيامة بالحكم العدل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ﴾.
وقول المؤلف: (﴿يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ كغيرهم يوم القيامة): لا يتعين أن يكون هذا القضاء يوم القيامة، بل قد يكون في الدنيا أيضًا؛ فإن القضاء كما يكون يوم القيامة يكون أيضًا في الدنيا، وقد قضى بينهم في الدنيا بما أنزله في كتابه وبيّن الذين على حق والذين على باطل من بني إسرائيل، وهذا نوع من القضاء، ويوم القيامة يقضي بينهم قضاءً يترتب عليه الثواب؛ الثواب إما بالعقوبة وإما بالإحسان.
فالحاصل أن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ لا يتعين أن يكون يوم القيامة كما قيده به المؤلف؛ لأن القضاء كما يكون في الآخرة يكون في الدنيا.
وقول المؤلف: (كغيرهم): يفيد أن القضاء يوم القيامة ليس بين بني إسرائيل فقط، بل بينهم وبين غيرهم، وهذا أمر لا شك فيه، ولا حاجة إلى تقديره؛ لأنه ما دام السياق في بني إسرائيل فإن (غيرهم) لا ينبغي أن تقحم في هذه الآية؛ لأنك إذا أقحمت (كغيرهم) يكون كالاعتراض على القرآن؛ لأن معناه أن المقام يقتضيه ولكنه لم يُبَيّن، فنقول هنا: لا حاجة إلى تقدير (كغيرهم)، بل هو يقضي بينهم، والآية هنا لم تتعرض للقضاء العام، وأما القضاء العام فمستفاد من آيات أخرى.
﴿بِحُكْمِهِ﴾ أي: بعدله، وهنا أضاف الحكم إلى الله سبحانه وتعالى لأمرين:
الأمر الأول: أنه حكم متضمن للعدل، والأمر الثاني: أنه حكم لا يُعَقَّب، بخلاف حكم غيره فإنه عرضة للخلل من الناحيتين، من ناحية أنه قد يكون غير عادل، ومن ناحية أنه قد يكون غير منفذ، أما حكم الله فإنه متضمن للأمرين: للعدل، والثاني؟
* طلبة: أنه لا يعقب.
* الشيخ: أنه لا يعقب، بل لا بد من أن ينفذ.
﴿إن ربك يقضي بحكمه﴾: (أي عدله)، وهذا طرف أو جزء مما يدل عليه قوله: ﴿بِحُكْمِهِ﴾؛ إذ إنه يدل على الأمرين اللذين ذكرنا.
﴿بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ ﴿الْعَزِيزُ﴾ يقول المؤلف: (الغالب).
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا قد شايفها (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا (...).
﴿الْعَزِيزُ﴾: يقول: (الغالب)، وقد مر علينا في شرح الأسماء الحسنى أن (العزيز) له ثلاثة معانٍ، وهي؟
* طالب: عزة القهر وعزة..
* الشيخ: القدر.
* طالب: القدر، وعزة الامتناع.
* الشيخ: وعزة الامتناع، وأن (العزيز) معناه الممتنع عن كل نقص، الذي لا يلحقه نقص، وأنه غالب، وأنه ذو قدر عظيم، وغالبًا ما يفسر المؤلف وغيره العزيز بالغالب؛ لأنه أظهر معانيه، ولأنه يكون أحيانًا في سياق يقتضي أن يكون الغلبة أخص به من غيره.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ (بما يحكم به).
وهذان الأمران من شروط الحكم؛ لأن مَن حَكم بغير علم أصاب حكمه الخلل، ولّا لا؟ ومن حكم بغير عزة أصاب حكمه الخلل أيضًا.
فالأول اللي هو فوات العلم: يحصل به خلل الحكم في إصابة الصواب؛ لأن من حكم بغير علم فإصابته للصواب من باب المصادفة.
الثاني: الغلبة: إذا فاتت العزة حصل الخلل للحكم، لا من ناحية الصواب، ولكن من ناحية التنفيذ، فإنه إذا كان ليس له عزة وحكم بأمر فقد يُخالَف في هذا الأمر، فلهذا قال: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ ليتبين الأمران.
فإذا قال قائل: كيف يقدم ﴿الْعَزِيزُ﴾ على العلم، والعلم سابق من حيث الترتيب الحكمي؛ إذ إنه يعلم ثم يحكم ثم ينفذ.
قلنا: لأن المقام هنا يقتضي بيان قوة حكم الله سبحانه وتعالى، وأن هذا الحكم لا بد أن ينفذ لكونه صادرًا عن عزيز، ويش قلنا في تقدير ﴿الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾؟
* طالب: أين؟
* الشيخ: يعني الحكمة في أنه ختم قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾؟
* طالب: باسم العليم (...) بدون علم، فإن (...) حكمه من قبيل المصادفة.
* الشيخ: إصابته للصواب من قبيل..
* طالب: إصابته من قبيل المصادفة.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: وأما إذا كان عليمًا وبدون عزة فإن حكمه لا ينفذ (...)..
* الشيخ: فيكون الخلل خللًا حكميًّا في فوات هذا وهذا (...) فصار الخلل الآن -الخلل في الحكم- يكون إما من فوات العلم، وإما من فوات العزة. ففي فوات العلم يحصل الخلل من جهة الإصابة؛ لأن الجاهل إذا حكم توفيقه للصواب من باب المصادفة. وفي فوات العزة أيش؟ خلل في التنفيذ؛ لأن الضعيف اللي ما عنده عزة لا ينفذ. ولهذا كان الحكم يفتقر إلى الوسطين جميعًا، وهما العزة والعلم.
أوردنا إشكالًا وهو تقديم ﴿الْعَزِيزُ﴾ على ﴿الْعَلِيمُ﴾ مع أن العزة تتعلق بالتنفيذ والتنفيذ بعد الحكم، والعلم يتعلق بالحكم والحكم سابق على التنفيذ، فما هي الحكمة أنه يقدم العز هنا على العلم؟
قلنا: لأن المقام يقتضيه، مقام التنفيذ وقضاء، فكان من المناسب أن تقدم العزة على العلم.
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ قال: (فلا يمكن أحدًا مخالفته كما خالف الكفار في الدنيا أنبياءه).
الحكم في الدنيا كما قال المؤلف: يخالف. والمراد الحكم الشرعي يخالف، أما الحكم الكوني فلا يمكن أن يخالف لا في الدنيا ولا في الآخرة، ما أحد يقدر يخالف الله. والحكم الشرعي يمكن مخالفته في الدنيا كما هو كثير، بل أكثر الناس يخالفون الحكم الشرعي في الدنيا؛ لأن بني آدم منهم تسعمئة وتسعة وتسعون من الألف كلهم مخالفون للحكم الشرعي، وواحد في الألف موافق للحكم الشرعي. (...).
* طالب: (...) في دليل عليه.
* الشيخ: إي نعم، فيه الدليل، حديث آدم أن الله يناديه يوم القيامة فيقول: «يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٨)، ومسلم (٢٢٢ / ٣٧٩) من حديث أبي سعيد الخدري.]] هذا نص.
ابن القيم يقول في النونية:
؎يَا سِـــــــلْعَةَ الـــــــرَّحْمَنِ لَــــــــيْسَيَنَالُهَـــــــــا ∗∗∗ فِي الْأَلْـــــــفِ إِلَّا وَاحِــــــــدٌ لَااثْنَــــــــانِ
إي نعم، واضح؟
* * *
قال: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [النمل ٧٩]: (﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ثق به ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ أي: الدين البين، فالعاقبة لك بالنصر على الكفار).
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾: الخطاب للنبي ﷺ، والأمر هنا للوجوب، والتوكل نصف الدين، قال الله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود ١٢٣]، وقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة ٥]، ولا استعانة إلا باعتماد، ولهذا يقولون: إن الدين عبادة وتوكل؛ عبادة: يفعل بها الإنسان، وتوكل: يعتمد به على الله، يعتمد به على الله سبحانه وتعالى.
هنا قال المؤلف: (﴿تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ثق به)، وفسره غيره بأن التوكل والاعتماد على الله مع الثقة، فلا بد من اعتماد وثقة، وبه يكون التوكل، إذا قد تعتمد على غير الله مثلًا، لكن لا تثق به، تعتمد على إنسان في أن يشتري لك شيئًا، ولكنك مع هذا لا تثق به، قد تثق بالإنسان في أمانته، ولكنك لا تعتمد عليه لضعفه، والأول: إما لضعفه أو خيانته.
أما الله عز وجل فيجب عليك أن تعتمد عليه واثقًا به، ولا يمكن تحقيق التوكل إلا بهذا، إذن التوكل على الله: الاعتماد عليه مع الثقة به، فلا بد من الأمرين من اعتماد وثقة.
والأمر بالتوكل لا ينافي فعل الأسباب؛ فعل الأسباب الصحيحة التي تؤثر في المسبَّبات، فإن الرسول ﷺ بلا شك كان سيد المتوكلين، ومع ذلك فكان يفعل الأسباب التي تحصل بها المنافع وتندفع بها المضار؛ كان يأكل ويشرب ويلبس، وكان أيضًا يتخذ ما يقي من الضرر، حتى إنه في أُحد ظاهر بين درعين[[أخرجه أبو داود (٢٥٩٠) من حديث السائب بن يزيد عن رجل، وابن ماجه (٢٨٠٦) من حديث السائب بن يزيد. ]]، يعني لبس درعين، كل ذلك تقوية للأسباب التي تندفع بها الأضرار.
فإذن التوكل على الله لا يعني ألا تأخذ بأسباب النجاح، بل خذ بالأسباب، مع الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والثقة به أن ينفع بهذا السبب. ولما حج قوم من أهل اليمن وليس معهم زاد قالوا: نحن نحج، ونحن المتوكلون. أيش قيل لهم؟ قيل لهم: أنتم المتواكلون.
ففرق بين التواكل والتوكل؛ الإنسان الذي يريد أن تأتيه الأمور بدون فعل أسبابها هذا متواكل، وليس عنده ولا عقل، حتى العقل ما عنده عقل، البهائم والحشرات وغيرها هي تفعل الأسباب ولّا ما تفعل الأسباب؟ تفعل الأسباب، مع أن الذي قام برزقها وتكفل به هو الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود ٦] ومع ذلك تجدها تفعل الأسباب.
بل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»[[أخرجه الترمذي (٢٣٤٤)، وابن ماجه (٤١٦٤) من حديث عمر بن الخطاب.]]، ما قال: تبقى في أوكارها ويأتيها رزقها، قال: «تَغْدُو» : تذهب في الصباح في الغدو، «خِمَاصًا» يعني جائعة، «وَتَرُوحُ» في آخر النهار «بِطَانًا» ملآنة بطونها.
فالإنسان المتوكل هو الذي يأخذ بالأسباب النافعة.
أما عن الأسباب التي لا تنفع فإن الأخذ بها نوع من الشرك، كل من أخذ بسبب ليس بنافع، يعني ما دل على نفعه حس ولا الشرع فإنه مشرك، قد فعل نوعًا من الشرك، ولهذا التمائم والتعوذات والتِّولة وما أشبه ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تفعل وهي لا تفعل، جعلها النبي ﷺ من الشرك[[أخرجه أبو داود (٣٨٨٣)، وابن ماجه (٣٥٣٠) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك».]]؛ لأننا نقول في تقرير هذا: كل من اتخذ سببًا غير نافع -يعني لا يدل على نفعه شرع ولا حس، وإن شئت قل: شرع ولا قدر- فإنه مشرك. كيف يكون مشركًا، ما وجه كونه مشركًا؟
أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا، فكان مشاركًا لله تعالى هنا في تقديره؛ لأن مقدر الأسباب وجاعل الأسباب سببًا هو الله، هذا إلى الله، فأنت إذا قلت: هذا سبب، وهو ليس بسبب فقد أشركت مع الله، جعلت نفسك شريكًا مع الله سبحانه وتعالى.
* طالب: قوله تعالى (...) للوجوب هذا الأمر؟
* الشيخ: نعم، للوجوب أو الاستحباب، ما كان بقدر الكفاية فهو للوجوب، وما زاد فهو للاستحباب.
* طالب: (...) يتخذ سببًا محرمًا.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: يعني يتخذ سببًا محرمًا (...) هل يعد من الشرك؟
* الشيخ: لا، هذا ما يعد من الشرك؛ لأن هذا السبب حسي، كونه سبب الرزق سبب حسي، لكن محرم شرعًا.
الآن مثلًا: اللي يرابي، هل اتخذ وسيلة تحقق له الربح قدرًا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أسألك، الإنسان المرابي اتخذ وسيلة تكون للربح قدرًا، معروف الواحد (...) ويأخذ اثني عشر، هذا سبب للربح ولّا لا؟ لكنه سبب شرعي ولا قدري؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قدري ولّا لا؟ أيش تقولون؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: قدري، الله ما أذن فيه شرعًا، لكن إذا وقع علمنا أنه أذن فيه قدرًا، هذا ما يكون نوعًا من الشرك، هذا ليس بشرك؛ لأنه سبب قدري، إنما هو محرَّم؛ لأنه منهي عنه شرعًا.
* طالب: يا شيخ (...) في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ ما يمكن لأحد مخالفته، ولكن الحكم الذي حكم به غير الذي يمكن لأحد مخالفته.
* الشيخ: لا، قصده في كل أحكامه.
* الطالب: شيخ، هنا الحكم مثلًا في الآخرة.
* الشيخ: بما في الآخرة وفي الدنيا على الصحيح، الآية عامة، في الآخرة وفي الدنيا.
* الطالب: (...) سياق الآية، هي في الآخرة وفي الدنيا (...) سياق الآية.
* الشيخ: سياق الآية ويش سياق الآية؟ ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [النمل ٧٧ - ٧٨] من جملة ما قص الله علينا في القرآن أن قضى بين بني إسرائيل، فبنو إسرائيل اختلفوا مثلًا في أشياء؛ كاختلافهم في المسيح عليه الصلاة والسلام وغيره، فحكم الله بينهم بالقرآن، والحكم الذي يترتب عليه الثواب والجزاء يكون يوم القيامة، فهنا الحكم بالدنيا ما يتبين به الحق من الباطل، وأما في الآخرة فهو ما يترتب عليه الثواب أو العقاب.
* طالب: يا شيخ، يصح أن تقول: إن من الناس من أعتمد عليك في إنجاز هذا العمل؟
* الشيخ: إي ما فيه مانع؛ لأن الاعتماد على الأسباب الحقيقة جائز، لكن مع اعتقاد أنه سبب؛ لأنه مستقل.
* طالب: يا شيخ (...) بني إسرائيل بعدما (...) كيف (...)؟
* الشيخ: لا، يحكم بينهم بأن هؤلاء مصيبون وهؤلاء مخطئون، وبين أن اليهود أخطؤوا، والنصارى أخطؤوا أيضًا، والمعتدلون من النصارى أصابوا.
* طالب: قول العوام: وكل الله.
* الشيخ: وكل الله.
* طلبة: (...) وكل الله.
* الشيخ: الظاهر أن معنى (وكل الله) عندهم معناه: اعتمد على الله، ما هو معناه أن اجعل الله وكيلًا لك، أو معناه: اجعل الله وكيلًا لك معناه يعني أن الله تعالى يكون شاهدًا عليك، ولّا مو بيقتضي أني أنا في قيامي بأمرك مثل قيام الله بأمرك. ما يقصد هذا بلا شك.
* طالب: (...) توكل على الله..
* الشيخ: إي، إن قصده توكل على الله يعني معناه: اعتمد على الله، ووكله عليَّ شهيدًا، يعني الآن لو أردنا نشوف ظاهر اللفظ: إني أنا لك بمنزلة الله. العوام ما يريدون هذا، ما يريدون هذا أبدًا، يريدون وكل الله يعني معناه اجعله شهيدًا علي، إي نعم. أو معناه: وكل: بمعنى: اعتمد على الله.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) على الله ما فيها شيء، هذه صحيحة وطيبة، أيضًا (الله وكلك) ما فيها شيء.
* طالب: (...).
* الشيخ: و(اتكل عليه) ما فيها شيء.
* طالب: ما تقتضيه الأخبار من (...).
* الشيخ: لا؛ لأن الله وكله بلا شك، إذا وقع الأمر فهو بقضاء الله، الشيء اللي واقع ما يحتاج (...) قضاء الله، (الله وكلك) يعني جعلك وكيلًا لي، بالصيغة التي نطقت بها مثلًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيها شيء، بشرط أنه يكون حقيقة مما يمكن أن يعتمد عليك فيه (...).
إذن التوكل على الله ما هو؟ الاعتماد على الله مع الثقة به؛ ما هو مجرد الاعتماد، بل مع الثقة، ولا ثقة إلا برجاء، ثم إن التوكل قلنا: لا ينافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا شرعًا أو قدرًا.
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ (أي: الدين البين).
فسر المعلق ﴿الْحَقِّ﴾ بالدين، و﴿الْمُبِينِ﴾ بالبين.
وليس هذا بجيد؛ لأن الدين منه حق وباطل أو لا؟ أليس كذلك؟ ولهذا قال: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة ٣٣] وهذا هو الدين الباطل. دين الحق يظهر على الدين كله، أي: على الدين الباطل، فتفسير المؤلف الحقَّ بالدينِ قصورٌ بلا شك، بل الحق هنا: الثابت بصدق أخباره وعدل أحكامه. هذا معنى الحق أنه ثابت، وذلك بالصدق في أخباره والعدل في أحكامه.
وأما قوله: ﴿الْمُبِينِ﴾ ففسره بالبين، وعلى هذا جعل (أبان) من المتعدي ولّا اللازم؟
* طالب: المتعدي.
* الشيخ: لا، من اللازم. جعله من اللازم؛ لأن (بان يبين فهو بين) و(أبان يُبين فهو مبين).
هنا ما تصلح أن تكون بمعنى مُظهِر؟
الجواب: لا. بيّن هنا أنسب من مُظهر، فهذا الحق بيِّن ظاهر.
وفي قوله: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ تثبيت للرسول ﷺ على أن يبقى على ما هو عليه معتمدًا على الله تبارك وتعالى؛ لأن الإنسان إذا علم أنه على حق فإنه يثبت وترسخ قدماه، وإذا كان شاكًّا أو مترددًا فإنه لا يثبت، فأمره أن يعتمد عليه، وبين له أن ما كان عليه من هذا الدين فهو حق بين ظاهر.
إعراض هؤلاء عنه، إعراض المعرضين عنه، هل يقدح في كونه بينًا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما يقدح؛ لأن البلاء ليس من القرآن، البلاء منهم، ولهذا أعقبه بقوله: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ إلى آخره [النمل: ٨٠].
فالحاصل الآن أمَر الله نبيه أن يعتمد على الله، وبيّن له الحالة التي كان عليها، وأن هذا الدين أيش؟ وأن هذا الدين حق بين ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾.
ثم بين سبحانه وتعالى أن إعراض من أعرض عنه ليس لقصور في بيان هذا الدين وظهوره، ولكن لقصور في هؤلاء المعرضين؛ لأن الدين هنا بالنسبة إليهم لم يصادف محلًّا. وأنتم تعرفون أن الأمر إذا لم يصادف محلًّا لم يثبت، إذا لم يصادف محلًّا قابلًا فإنه لم يثبت، حتى إن الإنسان ليقرأ آية على مريض فيشفى، ويقرؤها على مريض آخر بنفس المرض فلا يشفى؛ لأن المريض الأول قابل مؤمن بتأثيرها، والثاني ليس مؤمنًا بتأثيرها فلا تنفعه، فلا بد في الأمور من قابلية، يعني محلًّا يقبل هذا الشيء، وإذا لم يقبل إذن فلا يمكن أن يلائمه، وهذا كما أنه في الأمور الشرعية، كذلك أيضًا في الأمور القدرية؛ لو أننا زرعنا قلبًا في إنسان ونفر منه الجسم هل يبقى؟ ما يبقى، يموت، أو زرعنا كلية في إنسان ونفر منها الجسم فإنها لا تبقى، تعفن ويموت، فكل شيء لا بد أن يكون المحل قابلًا له، فإن لم يقبله فلا مكان له، هؤلاء الذين أعرضوا عن القرآن ليس معناه النقص في القرآن؛ فالقرآن حق بين واضح، لكن البلاء منهم.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّكَ﴾ أي: (الدين البين، فالعاقبة لك بالنصر على الكفار، ثم ضرب أمثالًا لهم بالموتى وبالصم وبالعمي، فقال: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ ).
* طالب: يستفاد من الآية أن الموتى لا يسمعون.
* الشيخ: ما بعد وصلناها، ما وصلناها الآن، ولا وصلنا الفوائد.
يقول: (ضرب لهم أمثالًا بالموتى وبالصم وبالعمي فقال: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ ) وهذا مثل كما قال المؤلف؛ لأن الرسول ﷺ ما خرج إلى المقابر يدعو أهل القبور حتى يقال له: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾، وإنما دعا الأحياء، دعاء الأحياء انقسم الناس في هذه الدعوة إلى قسمين:
قسم قبِلها واطمأن إليها: فهو حي، ولهذا قال الله تعالى في القرآن: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ﴾ [يس ٧٠] على من؟ ولّا على الموتى؟
* طالب: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، لا، ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ ليتبين أن المراد بالحياة هنا حياة القلب، حياة الإيمان، لا الحياة الجسدية؛ لأن مقابلة الشيء بالشيء تفيد معناه، ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ حياة جسم؟
* طلبة: لا، القلب.
* الشيخ: لا، لو كانت حياة جسم لقال: ويحق القول على الموتى، ولكن قال: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وبهذا عرفنا أن كل حياة في مثل هذا السياق فالمراد بها حياة القلب، لا حياة الجسم.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾: ﴿الْمَوْتَى﴾ جمع ميت، والمراد به هنا ميت القلب، أو نقول: إن المراد به ميت الجسد ويكون هنا تشبيهًا، أي أن هؤلاء الذين تدعوهم ولم يؤمنوا كالموتى، لو أتيت إلى ميت وقلت: يا فلان، اعبد الله، وآمن بالرسول عليه الصلاة والسلام، واتق الله، ينتفع؟ ما ينتفع، كالحجر لا ينتفع. ولا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قرر الحق على الذين ألقوا في قليب بدر وقال لهم: «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» وقال: «لَسْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»[[أخرجه مسلم (٢٨٧٤ / ٧٧) من حديث أنس بن مالك، والحديث متفق عليه؛ البخاري (٣٩٧٦)، ومسلم (٢٨٧٥ / ٧٨) من حديث أبي طلحة بمعناه.]] لكن هذا على سبيل التوبيخ، لا على سبيل الدعوة؛ لأن هؤلاء مهما كان لا يمكن أن يجيبوا في هذه الحال إجابة دعوة، ولهذا الكافر ما ينتفع انتفاع ثواب بما يسمع عند قبره من تلاوة أو ذكر ما ينتفع بها.
به نعرف بدعة هؤلاء الذين ابتدعوا القراءة عند القبور أو على القبور، يظنون أن الميت ينتفع، فنقول: إنه انتفاع الثواب لا يمكن أن ينتفع انتفاع ثواب، أما انتفاع تخفيف عقاب فهذا ربما ينفع، لكن لما لم يرد صار من البدع، وإلا فهم يزعمون أن ذلك يخفف العذاب لأن الرسول قال في الجريدتين: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٨)، ومسلم (٢٩٢ / ١١١) من حديث عبد الله عباس.]]، وقالوا: إن العلة في ذلك أنها قبل اليبس تسبح الله، فيخفَّف عنه لكونه يُسبح عند قبره، ولكن هذا ليس بصحيح، إذن ﴿لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ يحتمل أن يراد بالموتى هنا موتى القلوب، وحينئذ فالآية ليس فيها تشبيه، أو أنه موتى الأجسام، فيكون هؤلاء مشبهين بالموتى.
* طالب: (...) قرأت القرآن (...) يتعذب به، إن كان عاملًا به (...)، وإن كان لم يعمل (...).
* الشيخ: ما عرفت هذا، ما أظن (...).
قال: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾.
﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾ ولّا (الصمُّ)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: وين فاعل ﴿تُسْمِعُ﴾؟
* طالب: أنت.
* طالب آخر: ضمير مستتر.
* الشيخ: وجوبًا.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: وجوبًا. ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾: إذن ﴿الصُّمَّ﴾ مفعول أول، و﴿الدُّعَاءَ﴾ مفعول ثان.
﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾: يعني ما تخلي الصم اللي ما يسمعون ما تخليهم يسمعون دعاءك، والمراد بالدعاء: الطلب، ما هو بدعاء الله، يعني لو دعوت أصم وقلت: يا فلان، يا فلان، هل يسمع ولّا ما يسمع؟
* طالب: لا يسمع.
* الشيخ: ما يسمع، وبهذه المناسبة في (...) ﴿تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ هو دعاء الله، يعني أنك إذا دعوت ما يسمعون، أو الدعاء طلبهم، نعم طلبهم. المراد لو دعوتهم ما سمعوك، قال الله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣]: يعني دعوتكم إياه ودعوته إياكم. يشمل الأمرين على القول الصحيح.
المعنى أن هذا ﴿لَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾.
أيضًا: إذا صاروا الصم، إذا كانوا صمًّا وولوا مدبرين، يكون هذا أبلغ؛ لأن الأصم إذا كان مقابلًا لك، ربما يفهم الخطاب بحركات الشفتين ولّا لا؟ لكن إذا ولى مدبرًا ما عاد أبدًا، لو ترمي المدافع خلفه ما يسمع، ولهذا قال: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ فهذا غاية ما يكون من البعد، من بعد السمع، والله تبارك وتعالى يبين هؤلاء، الحقيقة أن هؤلاء حالهم كحال هؤلاء الصم المدبرين أو لا؟ لأن هؤلاء معرضون عن الحق، غير قابلين له، فلذلك صار هذا التشبيه بهم من أبلغ ما يكون، فهم صم غير سامعين، ومع ذلك غير مقبلين؛ لأن الأصم إذا أقبل عليك كما قلت ربما يفهم منك بعض الشيء، ولّا لا؟ لكن إذا كان مدبرًا ما فيه رجاء ولا أمل.
وقول المؤلف: ﴿الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا﴾ يقول: فيها قراءتان (بتحقيق الهمزتين) كيف أقرؤها؟
* طالب: ﴿الدُّعَاءَ إِذَا﴾.
* الشيخ: ﴿الدُّعَاءَ إِذَا﴾.
أو (تسهيل الثانية بينها وبين الياء)، يعني تسهل الهمزة الثانية حتى تكون بين الهمزة والياء مثل: ﴿الدُّعَاءَ اذَا﴾ : خلها لا هي بياء خالصة ولا همزة خالصة.
﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ ﴿وَلَّوْا﴾: والتولي هو الإدبار، وعلى هذا فتكون ﴿مُدْبِرِينَ﴾ حالًا مؤكِّدة للعامل ولّا لصاحب الحال؟ للعامل (...) ولى؛ لأن التولي نفس التولي إدبار. مثلها كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة ٦٠]، ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، المفسدين: حال من الواو، وهي مؤكدة لأيش؟ للعامل؛ لأن العثو هو الفساد، هنا: ﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ حال من الفاعل، لكن ليست مؤكدة للفاعل؛ لأن تأكيد الفاعل لو جاءت في سياق أجمعين فإن الواو دالة على الجمع، لو جاءت بلفظ أجمعين صارت مؤكدة، لكن جاءت بلفظ ﴿مُدْبِرِينَ﴾ فهي مؤكدة لأي شيء؟ للعامل ﴿وَلَّوْا﴾، فيكون هذا في حقيقة التأكيدين التولي والإدبار، أو لا؟ مع أن التولي هو الإدبار، لكن قد يكون من المتولي فيه رجاء وأمل، يتولى وهو يمسك الثقل ببيته، لكن إذا كان مدبرًا؟ (...) إدبار جسدي وقلبي، وهو أصم، يكون هنا فيه ثلاثة موانع للقبول أو للسماع، وهي الصمم، والتولي، والإدبار ﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.
﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ [الروم ٥٣] نعم.
* طالب: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾ (...) ﴿لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ (...).
* الشيخ: لا، هذه نعم، هذا أقرب، ما لها التمثيل والتشبيه، يعني شبههم برجل أصم ولى مدبرًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: إي نعم (...).
* الشيخ: ﴿وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ على كل حال يصلح، لكن بس هنا، كونها تشبيهًا أقرب، ولّا هم يجوز أن نقول: إنهم صم، وإنه انتفى السماع عنهم لانتفاء فائدته. فيكون هنا نفي السمع عنهم لانتفاء فائدته، والشيء قد ينفَى لانتفاء فائدته: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال ٢٠، ٢١].
ثم قال: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾، ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ﴾ بالكسر؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم. هذه فيها إشكال من الناحية النحوية، قال: ﴿بِهَادِ الْعُمْيِ﴾، ما هي ﴿بِهَادِ﴾ اسم فاعل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: واسم الفاعل يعمل عمل الفعل، وهنا ما نصب العمي.
* طالب: بالإضافة.
* الشيخ: بالإضافة، إذن هو مضاف إلى مفعوله معنى، وليس كقوله: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾ [البقرة ٢٥١]؛ لأن ﴿دَفْعُ اللَّهِ﴾ مضافة إلى فاعلها، هنا مضافة إلى مفعولها.
الإشكال الثاني: قوله: ﴿الْعُمْيِ﴾ بالكسر، وإحنا قلنا: إن الاسم إذا كان منقوصًا فإنه لا يظهر عليه إلا الفتح، (...) الفتح؟ وهنا ظهرت الكسرة على الياء؟
* طالب: جمع.
* الشيخ: إي (...) الجمع؟ (...) جمع، لا فرق بين الجمع وبين غير الجمع، هذا مثل المنقوص؟
* طالب: (...) ﴿هَادِ الْعُمْيِ﴾ ساكنة.
* الشيخ: إي نعم، إذن ليس منقوصًا، هذا ليس منقوصًا؛ لأن المنقوص كل اسم معرب آخره ياء لازمة أيش بعد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: مكسور ما قبلها، وهذه ساكن ما قبلها، واضح؟ إذن ليس منقوصًا.
﴿بِهَادِ الْعُمْيِ﴾: جمع أعمى.
﴿عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ قوله: ﴿عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾: هي متعلقة بالعمي ولّا ﴿بِهَادِ﴾؟ ﴿بِهَادِ﴾ بلا شك.
وقال بعضهم: متعلقة بالعمي، وتكون ﴿عَنْ﴾ هذه للمجاوزة؛ كقوله: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ﴾ [هود ٥٣]، أي: أنهم عمي بسبب ضلالتهم، ولكنه ليس بصحيح.
بل ﴿عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ متعلق ﴿بِهَادِ﴾، ويصير (هاد) بمعنى صارف؛ لأن الهداية تتضمن أمرين، الصرف عن الضلال أيش بعد؟
* طالب: والدلالة (...).
* الشيخ: والدلالة على الحق، فيقول: ما أنت بصارف هؤلاء عن ضلالتهم إلى الحق، لماذا؟
(﴿إِنْ﴾ ما ﴿تُسْمِعُ﴾ سماع إفهام وقبول ﴿إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ القرآن ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ مخلصون لله تعالى بتوحيده).
قوله: ما ﴿تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ﴾، ﴿إِنْ﴾ أي بمعنى: ما.
وإحنا ذكرنا لكم قبل أن (إن) تأتي لعدة أمور. فتأتي؟
* طالب: للشرط.
* الشيخ: تأتي شرطية، أيش بعد؟
* طالب: (...) نافية.
* الشيخ: وتأتي نافية
* الطالب: بعد (إلا).
* الشيخ: إذا وقعت بعد (إلا) للتوكيد، وهي المخففة من الثقيلة، الرابع؟
* طالب: تكون زائدة.
* الشيخ: تكون زائدة، فتكون زائدة.
الزائدة كقوله:
؎بَنِي غُدَانَـــــــــةَ مَـــــــا إِنْأَنْتُـــــــمُ ذهَـــــــــــــبٌ ∗∗∗ وَلَا صَـــرِيــفٌ وَلَكِــــــنْ أَنْتُــــــــــمُالْخَــــــــــــــزَفُ
قوله: (ما إن أنتم) أي: ما أنتم.
نعم، ولهذا قال ابن مالك:
؎إِعْمَالُ لَيْسَ أُعْمِلَتْ (مَا) دُونَ (إِنْ) ∗∗∗ مَـــــــــــعَ بَقَــــــــا النَّــــــفْيِ،وَتَـــــــــــرْتِيبٍ زُكِـــــــــنْ
إعمال (ما) دون (إن): يَقِصد بـ(إن) الزائدة، يُمثَّل لها بهذا البيت:
؎بَنِي غُدَانَـــــــــةَ مَـــــــا إِنْأَنْتُـــــــمُ ذهَـــــــــــــبٌ ∗∗∗ وَلَا صَـــرِيــفٌ وَلَكِــــــنْ أَنْتُــــــــــمُالْخَــــــــــــــزَفُ
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذه تخفيف كأن، هذه كأن مخففة (...) إلا، نعم، طيب.
يقول: إن..
﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ [النمل ٨٢].
قبل أن نتكلم على هذا نستنبط من الفوائد ما شاء الله مما قبل من قوله: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل ٧٦].
* أولًا: في هذه الآية من الفوائد: أن القرآن كلام؛ لقوله: ﴿يَقُصُّ﴾ والقصص قول، فالقرآن إذن قول، ومعلوم أن القرآن نزل من الله فيكون قولًا لله سبحانه وتعالى، كما يدل على ذلك سياق الآيات: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ﴾ [النمل ٧٨]، في هذا القول الذي قص عليه.
* الفائدة الثانية: أنه يجوز أن يُخصَّ طائفة ممن يُخاطبون من أجل إقامة الحجة عليهم، فإن القرآن يقص على بني إسرائيل وغيرهم، لكن بني إسرائيل اعتنى بهم هنا؛ لأن الموضوع فيما يتعلق بهم.
* الفائدة الثالثة: أنه ينبغي أن يُعتنى بما هو أهم أو بما هو مهم، ويُترك ما لا فائدة منه؛ لقوله: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ولم يقص عليهم جميع ما يختلفون فيه،وأن مما اختلفوا فيه ما لا فائدة من ذكره أو ما لا داعي لذكره، وهذه المسألة ينبغي للإنسان أن يعتني بها، بأن يقتصر على المهم أو الأهم، وأن يدع ما لا فائدة منه؛ لأنه إضاعة للوقت وتطويل للكلام بلا فائدة، ومن ذلك ما يوجد في كثير من التفاسير يذكرون الاختلاف في أمور هي في الحقيقة واحد، تجده مثلًا يذكر الخلاف عن مجاهد ومقاتل وعلقمة وابن مسعود وابن عباس، والاختلاف بينهم إنما هو في التعبير فقط، فمثلًا: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣]، يقول: قال بعض العلماء: قضى بمعنى (وصّى)، وبعضهم يقول: بمعنى (عهد)، وبعضهم يقول: بمعنى (أوجب)، وبعضهم يقول: بمعنى (ألزم)، هذه لا داعي لها؛ لأن كل هذه الكلمات الأربع مثلًا تدل على معنى واحد.
كذلك أيضًا يذكرون الخلاف بما لا طائل تحته، كما ذكروا الاختلاف في كلب أصحاب الكهف، هو أسود ولا أحمر ولا أبيض، وما أشبه ذلك.
وكذلك أيضًا اختلافهم في عدة أصحاب الكهف فإن الله تعالى ذكر الخلاف، وأبطل قولين، وأقر الثالث، المهم أن الله يقول بعد هذا بعد ما ذكر القولين وأبطل الثالث: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف ٢٢]؛ يعني: لا تتعمق إذا جاء أحد يجادلك في هذا الأمر؛ لأنه لا فائدة منه، فالشيء الذي لا فائدة منه أو فائدته قليلة ويضيع عليك ما هو أهم ينبغي لك تجنبه، وهذا ليتنا نسير عليه في حياتنا كلها، لكنا نستوعب الوقت فيما فيه الفائدة، لكن ما أكثر الأوقات التي تضيع علينا، وما أكثر الأقوال التي تقال ونضيّع الوقت فيها، المهم أنه يؤخذ من هذه الآية أنه ينبغي الاعتناء بما هو أهم وترك ما لا فائدة منه؛ لقوله: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
* الفائدة الرابعة: الإشارة إلى الخلاف بين بني إسرائيل: ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ والاختلاف رحمة ولا شر؟
* طلبة: شر.
* الشيخ: وأما «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ»[[ينظر تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (١/ ١٠٦)، وكنز العمال (١٠/ ١٣٦).]] فموضوع لا يصح؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود ١١٨، ١١٩]، لكن لو صح هذا الحديث مثلًا، أو قاله بعض أهل العلم من قوله فالمعنى: أن هذا الاختلاف داخل في رحمة الله وفي سعته بالنسبة للمختلفين؛ أي: أنهم لا يُعذّبون، وليس المعنى: أن إيقاع الخلاف بينهم من رحمة الله، بل هو من حكمة الله، ولكن رحمة الله وسعت فلا يقال مثلًا: إنهم معذّبون بهذا الخلاف، أو إن الواحد المصيب منهم له أجر والباقون محرومون أو ما أشبه ذلك.
* طالب: (...) الصحيح أنه لا يتكلم مرتاحون من هذا، فهم معذورون (...)؟
* الشيخ: لا، ما هو بصحيح؛ يعني بعض الناس تقول هكذا، ويتخذ من هذا المعنى وسيلة إلى جواز الترخُّص، ويقول: اختلافهم رحمة؛ بمعنى أن لي أن آخذ بأحد الأقوال التي تناسبني، ولكن ليس هكذا، فإذا صدر من قول أهل العلم فإنه لا يصح إلا على الوجه الذي قلت: إن المعنى: أن هذا الاختلاف تحت رحمة الله، فلا يُعذّب أحد عليه.
* طالب: من الممكن أن يكون (...) ما ظاهره الاختلاف (...) العلماء إلى الآن، فظاهرة الاختلاف موجودة، هل من الممكن أن يكون وجودها على خلاف مصلحة أولى؟
* الشيخ: تمام، لكن الحكمة اقتضت لأن الصراع بين هذه الأقوال يتبين به الحق أكثر، ولذلك تجد الإنسان عندما يمر به قول لا خلاف فيه ما يتطلب الأدلة ولا يمرر نفسه عليه، فهذا الصراع بين المتخالفين فيه حكمة، وإلا لو كانوا على قول واحد لكانوا أصلح بلا شك، والآية صريحة في هذا، إذن يؤخذ من هذا أن الاختلاف ليس بمحمود.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل ٧٧].
* يستفاد من هذه الآية؛ أولًا: بيان مرتبة القرآن وفضله، وأنه هدى ورحمة، (...) في الدلالة ورحمة بالعمل به.
* الفائدة الثانية: أنه لا ينال هذا الهدى وتلك الرحمة إلا المؤمنون؛ لقوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
* الفائدة الثالثة: أنه لا معارضة بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ في وصف القرآن ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة ١٨٥].
والجمع بينهما؛ أن الإثبات هنا والإثبات هناك مختلف الجهة، فهناك: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ بمعنى دليل لهم، فهو دليل لكل الناس، لكن هل من استدل به انتفع به؟ لا، قد يهتدي به وقد لا يهتدي، إنما هو نفسه صالح للهداية لجميع البشر.
* الفائدة الرابعة: فائدة الإيمان، لو لم يكن من فوائد الإيمان إلا هذا لكفى، وهو أيش؟ الاهتداء بالقرآن ونيل الرحمة به.
* الفائدة الخامسة: أنه كلما كان الإنسان أقوى إيمانًا كان أقوى اهتداء بالقرآن، وهذا مأخوذ من قاعدة مرت علينا، وهو أن الحكم إذا عُلِّق بوصف قوي ذلك الحكم بقوة ذلك الوصف وضعف بضعف ذلك الوصف، واضح؟
فما دامت الهداية والرحمة معلّقة بوصف الإيمان، فكلما ازداد هذا الوصف ازداد الهدى وازدادت الرحمة، القاعدة: أن الحكم إذا عُلِّق بوصف فإنه يزيد بزيادته وينقص بنقصانه.
* طالب: الفائدة؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: فائدة الإيمان؟
* الطالب: كلما كان الإنسان أقوى؟
* الشيخ: أقوى إيمانًا كان أقوى اهتداء.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [النمل ٧٨].
* يستفاد من هذه الآية؛ أولًا: أن القضاء موكول إلى الله وحده؛ لقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ﴾.
* ثانيًا: أن كل قضاء لا يستند إلى قضاء الله فهو باطل.
* الفائدة الثالثة: إثبات العدل لله سبحانه وتعالى، منين تؤخذ؟ من قوله: ﴿بِحُكْمِهِ﴾ فإن إضافة الحكم إلى الله دليل على أنه مشتمل على العدل.
* الفائدة الرابعة: وهي مستفادة من التفسير أيضًا؛ أن الحكم هذا يتضمن الحكم الشرعي والحكم الجزائي، فيقضي بينهم بحكمه شرعًا في الدنيا، وبجزائه عدلًا في الآخرة.
ذكرنا في درس أمس للإضافة إلى حكم الله فائدتين من يعرفهما؟ الحكم إلى الله فيه فائدتين.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا غير هذا، قلنا: إضافته إلى الله سبحانه وتعالى يقتضي أمرين؛ أحدهما: العدل، والثاني: الإصلاح.
يعني ما دام حكمًا مضافًا إلى الله سبحانه وتعالى، وقد عُلم أنه سبحانه وتعالى حكيم، فإن هذا الحكم لا بد أن يكون مناسبًا وموافقًا لمحله، وكل حكم وافق محله فهو إصلاح، فإن هذا يتضمن العدل والإصلاح.
* الفائدة الخامسة: وصف الله تعالى بالعزّة والعلم؛ لقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾.
* الفائدة السادسة: قرن العزة مع العلم في هذا الموضع يستفاد منه فائدة مستقلة غير فائدة العزة على حدة والعلم على حدة؛ يعني: يستفاد من جمعهما فائدة مكونة منه، وهي: أن حكم الله سبحانه وتعالى لا بد أن ينفذ؛ لقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾، ولا بد أن يكون مطابقًا وصحيحًا من قوله: ﴿الْعَلِيمُ﴾ لأننا قلنا فيما سبق: إن من تمام الحكم العلم والعزة، العلم ليحكم بالصواب، والعزة لينفذ ما حكم.
وأن خلل الحكم يأتي إما من الجهل وإما من الضعف، إما لجهل -أي: الحاكم- فيحكم بغير الصواب، وإما لضعفه فلا يستطيع أن ينفّذ، ولَّا لا؟
إذن يؤخذ من جمع هذين الوصفين لله سبحانه وتعالى عقب ذكر الحكم: تمام حكم الله؛ حيث كان مبنيًا على أي شيء؟ على العزة والعلم، فبالعزة يكون التنفيذ، وبالعلم يكون الصواب، فهمتم ولَّا لا؟
* الفائدة السابعة: تقديم الأخص من الأوصاف على الأعم، الأخص يعني معناه: الأنسب للقضية، فهنا قدم العزة على العلم مع أن العلم سابق عليها في الترتيب الحكمي، في الترتيب الحكمي، أيهما أسبق؟
* طالب: العلم الأسبق؛ لأن الإنسان يعلم، ثم يحكم.
* الشيخ: يعلم، ثم يحكم، ثم ينفذ، ففي الترتيب الحكمي العلم مقدم، لكن هنا قدم العزة على العلم بالذكر، لماذا؟ لأن المقصود الأهم في الحكم هو تنفيذه، فكان من المناسب تقديم أيش؟
العزة على العلم نظير هذا قوله تعالى عن الملائكة لما قالت امرأة إبراهيم حينما ﴿صَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات ٢٩] ﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الذاريات ٣٠]، فقدموا الحكمة على العلم، مع أن العلم سابق؛ إذ لا حكمة إلا بعلم، لكنه لما كان هذا أمرًا خارجًا عن العادة ومستغربًا قدّموا الحكمة ليتبين لها أنه ما خرج ذلك عن العادة إلا لحكمة، هذه فوائد سبع من قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [النمل ٧٨].
قال الله تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل ٧٩].
* يستفاد من هذه الآية؛ أولًا: وجوب التوكل على الله؛ لقوله: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، والأصل في الأمر الوجوب، ومعنى التوكل سبق تفصيله.
* الفائدة الثانية: أن بالتوكل على الله سبحانه وتعالى تتيسر الأمور؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يكابد من عناد بني إسرائيل وغيرهم، فأمره الله بالتوكل عليه؛ لأن الله ذكر فائدة التوكل في قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق ٣]، فبالاعتماد على الله تتيسر الأمور، وباعتماد الإنسان على نفسه يحصل الخذلان ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة ٢٥] مع أن الرسول معهم عليه الصلاة والسلام، ومع أنهم خير القرون، وأفضل أهل الأرض لما قالوا: لن نغلب اليوم من قلة حصل هذا الأمر، فيتبين بهذا أن من اعتمد على نفسه في حصول مقصوده أو دفع مضروره فإنه يُخذل، واضح؟
ولهذا أمر الله رسوله بالتوكل على الله في هذا المقام مقام النزاع، وبيان الحق لبني إسرائيل وهو يكابد النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك.
* والفائدة الثالثة: تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾.
* الفائدة الرابعة: شهادة الله تعالى لما جاء به الرسول بأنه الحق؛ لقوله: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾.
* ومن هذه الفائدة نستفيد فائدة أخرى وهي: الترغيب في سلوك طريق النبي ﷺ، ما دام حقًّا؛ لأن كل إنسان عاقل يختار الحق على الباطل.
* الفائدة الخامسة: فضيلة النبي ﷺ حيث كان مسلكه الحق المبين: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ فهذا فيه شهادة من الله وتسلية للرسول عليه الصلاة والسلام وهو يتضمن فضيلة الرسول ﷺ؛ لأن الشهادة من الله أنه على الحق المبين.
* الفائدة السادسة: أن كل ما خالف ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام فهو باطل؛ لأننا لو قلنا: إنه حق للزم الجمع بين النقيضين، يكون ما كان عليه الرسول حق، وهذا حق، ما يمكن وهو يخالفه؛ إذ هذا جمع بين النقيضين، إذ لا يمكن أن يكون الشيئان المتناقضان كل منهما حق، لا بد أن أحدهما هو الحق، ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس ٣٢]، ويقول: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ﴾ حدانا ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ ٢٤] واضح؟
وبهذا نعرف أن جميع ما خالف ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام فهو باطل، وهو في النار كما قال الرسول ﷺ: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً»[[أخرجه ابن ماجه (٣٩٩٣) من حديث أنس بن مالك.]].
فإن كانت المخالفة تامة فهو باطل كله، وإن كانت المخالفة جزئية كان فيه من الباطل بقدر ما خالف ما كان عليه الرسول ﷺ.
* الفائدة السابعة: ظهور أحقية ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه حق ليس فيه خفاء؛ لقوله: ﴿الْمُبِينِ﴾.
* الفائدة الثامنة: أن بيان الحق لا يلزم منه أن يكون بينًا لكل أحد، فإن الخفافيش تعمى بضياء النهار، فلا يلزم من كون الرسول عليه الصلاة والسلام على الحق المبين ألا يعرض عنه أحد، ولهذا أعقبه بقوله: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل ٨٠]؛ يعني: لا تظن أن هؤلاء الذين أعرضوا، أعرضوا لأنك على باطل، بل لعدم قابلية المحل.
وتعرفون أن الشيء وإن كان تامًّا إذا لم يجد محلًّا قابلًا لم يكن له تأثير، رجل معه سيف مُصْلَت وحادٌّ للغاية، وأمامه عمود من حديد صلب وهو ينتخي ويقول:
؎أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا ∗∗∗ .....................
ويضرب هذا الصلب الحديد بالسيف، يريد أن يقطعه، هل ينقطع هذا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا، لعدم قابلية المحل، الآن السبب موجود سيف صارم، ورجل شجاع، ورجل يعزز نفسه، ويتشجع ويصيح بهذا العمود من الحديد، وطبعًا إذا صار بهذه الحالة بيضرب بقوة ولَّا لا؟ ولَّا لا يضرب؟
* طالب: بقوة.
* الشيخ: بقوة، ومع ذلك لم يؤثر؛ لأن المحل غير قابل، فما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من الحق المبين هو حق مبين بلا شك بيّن ظاهر، وعدم سماع هؤلاء له ليس لخلل فيه، السبب كان، لكن الخلل في المحل، غير قابل لهذا الحق، ولهذا ما أحسن هذه العبارة أو هذه الآية بعد الآية التي قبلها ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ فلا تظن أنك لست على حق، لكن هؤلاء موتى، هذه ثمان فوائد.
﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل ٨٠، ٨١].
* في هذه من الفوائد؛ أولًا: أن الميت، والمراد بالميت هنا ميت القلب، أو الموتى موتى الأجسام على سبيل التمثيل لا يسمع، فإذا كان ميّت القلب فالأمر ظاهر أنه لا يسمع سماعا ينتفع به، وإلا فهو يسمع سماع إدراك، لكنه لا ينتفع به.
* الفائدة الثانية: استدل بالآية هذه من قال: إن الموتى في قبورهم لا يسمعون.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: منهم من قال: إن الموتى يسمعون، ولكن لا يجيبون.
ومنهم من قال: إنهم لا يسمعون، ويقبل ما وردت به السنة من سماعهم، لكنه يقصره على ذلك، ويقول فيما عدا ذلك لا يسمع الميت، فالسنة وردت بأن «الْمَيِّت إِذَا دُفِنَ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالَهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٣٨)، ومسلم (٢٨٧٠ / ٧٠) من حديث أنس بن مالك.]]، السنة وردت فيما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقف على أصحاب قليب بدر من المشركين، وجعل يؤنّبهم: يا فلان ابن فلان، يا فلان ابن فلان، بأسمائهم وأسماء آبائهم «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؛ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» فيقال للرسول عليه الصلاة والسلام: ما تكلم من قوم قد جيفوا؟ فيقول: «لَسْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٩٧٦)، ومسلم (٢٨٧٥ / ٧٨) من حديث أبي طلحة الأنصاري.]].
فهذا الكلام الآن والمناداة؟ كانت عند الدفن أو عند إلقاء الميت أو تسليمه للآخرة، فلا يقتضي أن يسمع كل وقت، ومن العلماء من قال: إنه يسمع كل وقت كشيخ الإسلام ابن تيمية ويستدلون بالحديث الذي رواه ابن عبد البر، وصححه وهو: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ»[[الاستذكار (١ / ١٨٥) من حديث ابن عباس.]]، فيصححون هذا الحديث، وبعضهم يضعفه ويقول: إنه لا يصح.
ولكن هذا الحديث لا ينبغي أن يكون هو ركيزة من يقول: إن الموتى يسمعون، بل إننا نقول: الموتى يسمعون قد نستدل بحديث أصح من هذا، وهو ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يزور المقبرة ويقول: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»[[أخرجه مسلم (٩٧٥ / ١٠٤) من حديث بريدة الأسلمي.]].
وتوجيه السلام إليهم في الخطاب يدل على أنهم يسمعون، وإلا لكان يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين، ولا يقول: عليكم.
ولو قال قائل: إن هذا من باب قوة الاستحضار، قلنا: قوة الاستحضار لا تحتاج إلى الدنو، ولهذا نحن نقول: السلام عليك أيها النبي، وإن كنا بعيدين، ولا يسن أن نقول الآن هنا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، حتى نحضر إليهم، فدل هذا على أنهم يسمعون.
يبقى عندنا: إذا كانوا يسمعون فما هو الجواب عن هذه الآية ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾؟
نقول: المراد السماع سماع القبول إذا كان المقصود بالموتى موتى القلوب، أو السماع الذي تحصل به الإجابة، وسماع الإدراك الدنيوي، هذا ما يمكن.
يعني: ليس سماع الميت لما يتكلم به الإنسان كإدراك الحي، بل هو سماع ما نعرف عاد كيفيته إنما هو سماع لا يمكن أن يجيب، إلا إذا أراد الله تبارك وتعالى إحياؤه وتكلم ونطق، فهذا يمكن مثل صاحب البقرة؛ فإن صاحب البقرة ضربوه ببعضها فأحياه الله وتكلم ومات، ولكنه لم يتكلم، ولم يجب إلا بعد أن حي حياة دنيوية، ثم أماته الله.
* طالب: حديث ابن عبد البر وجه الدلالة على السماع؟
* الشيخ: قوله: إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، لكنه كلما سلّم عليه رد عليه وعرفه، إذن هو يسمع.
* طالب: ما هو بأخص بالدعوة.
* الشيخ: لا، ما هو بأخص بالدعوة.
* طالب: قد لا يسلّم هو يتكلم بكلام آخر.
* الشيخ: طيب، ويش المانع؟ وهو على كل حال ما هم بيسمعون كل الكلام؛ يعني مثلًا: لو نمر أنا وإياك في قبر ونحن نتكلم، ما يلزم من هذا أنهم يسمعون، ما يسمعون إلا الخطاب الموجّه إليهم، وليس معنى ذلك أنهم يسمعون، وإن كان ظاهر كلام الفقهاء أنهم يسمعون حتى ما لا يخاطبون به.
* طالب: ما يكون مانع أنهم يسمعون الكلام إليهم فقط، وإن كلّمناهم مرة أخرى لا يسمعون؟
* الشيخ: لا، يسمعون مطلقًا؛ لأنه إذا كان السبب في هذا السماع ما هو الخطاب خطابنا لهم.
* الطالب: توقيفي يا شيخ يعني؟
* الشيخ: هو توقيفي، لكن ما دام الخطاب إذا سمعوه مرة يسمعوه مرة أخرى، ويش المانع؟
* طالب: ما يقال المفهوم بأنها تنزع الروح بعد السلام؛ لأنها إذا رُدّت لأجل السلام..
* الشيخ: نعم، هو الظاهر، هذا هو الظاهر، أنها إذا رُدَّت فإنها إذا انتهى السلام لم تسمع، نحن نقول: كلما خُوطبوا رد الله عليهم أرواحهم فسمعوا.
بقي أن يقال: هل يسمعون بدون مخاطبة؟
ظاهر كلام الفقهاء أيضًا أنهم يسمعون، ولهذا قالوا: إن الميت يتأذى بفعل المنكر عنده من قول أو فعل، وعلى هذا على رأي الفقهاء، ولا أدري ما مستنده، يكونون يسمعون حتى ما لم يخاطبوا به، وعليه أيضًا: يكون للإنسان إذا شرّف القبر بالأحجار التي تلقى عليه أو بالكتابات أو بغير ذلك، فإن الميت يتأذى به؛ لأن هذا من المنكر، تشريف القبر وتمييزه على غيره من القبور هذا منكر ولا يجوز.
فعلى كلام الفقهاء يكون الميت يتأذى بذلك، ويكون هذا الذي أراد تشريف ميّته هو في الحقيقة آذاه.
* طالب: (...) سماعهم يوم الجمعة أو صلاة الجمعة..
* الشيخ: هذا ما بصحيح على كل حال.
* الثالثة: أن من لم يقبل الحق فهو بمنزلة الأصم الذي لا يسمعه؛ لقوله: ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾.
* الفائدة الرابعة: أن الجوارح والحواس التي لا يُنتفع بها كالمعدومة، وجه ذلك: أن هؤلاء لهم آذان ولهم سمع، لكن لما لم ينتفعوا به صاروا صُمًّا.
* الفائدة الخامسة: بيان شدة إعراض هؤلاء عن الحق؛ لأنهم صم مولون مدبرون، وهذا أبعد ما يكون عن السماع، فالأصم إذا كان مقبلًا إليك قد يفهم منك ما يفهمه من الإشارات والحركات، فينتفع بذلك ولو كان أصم، لكن إذا ولّى مع الإدبار ولّى ببدنه وأدبر بقلبه أو بالعكس، فإن ذلك يكون أشد استحالة في سماعه مما إذا كان أصم مع الإقبال.
وأيضًا في هذا دليل على أن الإنسان -والعياذ بالله- إذا ولى مدبرًا عن الشرع، فإنه قد يعاقب بالصمم عن سماع الحق؛ بحيث أنه ما ينفع له موعظة ولا نصيحة، وهذا هو الغالب، الغالب أن الإنسان إذا كان ما عنده إقبال على الحق أن يُحرم الحق، حتى لو تكلم الناس وفعلوا وأقاموا الأدلة ما انتفع بذلك.
ونضرب لكم مثلًا الآن: بالمرابين والمتحايلين على الربا، هم ما يسمعون المواعظ؟ يسمعونها لكنهم يولون، يرون أن ما هم عليه لا بد أن يفعلوه، ولذلك ما وفقوا للانتفاع بها، ما وفقوا بل بقوا على ضلالهم، والسبب في هذا أن ما عندهم أي إقبال من الإقبال الذي ينفعهم، فلهذا نقول: إن هذه الآية تدل على أن الإنسان إذا ولّى مدبرًا عن الحق فإنه لا يوفق لسماعه.
* الفائدة السابعة: أن المعرض عن الحق بمنزلة الأعمى، فهنا قال: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ﴾.
* الفائدة الثامنة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يملك هداية الخلق؛ لقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ﴾، ولا يعارض هذا قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى ٥٢]؛ لأن الهداية المثبتة غير الهداية المنفية.
ما هي الهداية المثبتة؟
* طلبة: هداية الدلالة.
* الشيخ: هداية الدلالة والعلم والبيان؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام معلم مبيّن، ودال للخلق على الحق، وأما التوفيق لذلك فهو بيد الله، فالجمع بين الهداية المثبتة للرسول ﷺ والمنفية عنه أن نقول: ما أثبت للرسول فهو هداية العلم والبيان، وما نفي عنه فهو هداية التوفيق والعمل، ما يستطيع هذا أبدًا.
* ويستفاد من هذه الآية: أن هؤلاء الجماعة الذين أعرضوا عن الحق قد أُقفلت عليهم طرق الخير، فهم موتى القلوب؛ لم ينتفعوا بقلوبهم، صم الآذان؛ لم ينتفعوا بآذانهم، عمي العيون؛ لم ينتفعوا بعيونهم.
والآيات إما عقلية أو مسموعة أو مرئية: فالعقلية محلها القلب، وقد انتفى عنهم الانتفاع بها في قوله: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾.
والمشهودة بالعين، وقد انتفى عنهم الانتفاع بها في قوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ﴾.
والمسموعة بالآذان، انتفى عنهم الانتفاع بها في قوله: ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾، فجميع الطرق التي تحصل بها الهداية في هؤلاء كلها والعياذ بالله مسدودة مغلقة.
* الفائدة التاسعة أو العاشرة: أن الذي ينتفع بالآيات التي جاء بها الرسول هم المؤمنون بها ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾.
* والحادية عشرة: أنه كلما قوي إيمان الإنسان بآيات الله قوي انتفاعه بها؛ لأنه عُلِّق على وصف الإيمان به في هذه الآيات، فكلما قوي هذا الوصف قوي الانتفاع.
* الفائدة الثانية عشرة: أن الإيمان يستلزم الإسلام؛ لقوله: ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وهل الإسلام يستلزم الإيمان؟
* طلبة: ما يستلزمه.
* الشيخ: ما يستلزمه قد يكون الإنسان مسلمًا وليس بمؤمن، ولهذا قيل: عند الرسول عليه الصلاة والسلام عن رجل إنه مؤمن فقال: «أَوْ مُسْلِمٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧)، ومسلم (١٥٠ / ٢٣٦)، واللفظ له من حديث سعد بن أبي وقاص.]]، فدل ذلك على الفرق بين الإيمان وبين الإسلام.
كثير من الناس الآن، كثير من المسلمين مسلمون، ولكن ليسوا بمؤمنين، وكثير من المسلمين مستسلمون وليسوا بمسلمين، فالمسلمون اليوم إما مستسلم، أو مسلم، أو مؤمن، أقلهم المؤمن بلا شك.
والمسلم المستسلم كثير في البلاد التي غير بلادنا، أكثرهم مسلم بمعنى مستسلِم هوية فقط، ولهذا يجي ناس من البلاد الأخرى يقولون: ما نعرف نتوضأ، ولا نعرف نصلي، ولا نعرف أوقات الصلاة، ومع ذلك مكتوب في الهوية مسلم.
القسم الثالث: المسلم غير المؤمن، وهذا كثير في بلادنا، مسلمون لكن ليسوا بمؤمنين.
الدليل على هذا: أن الأعمال أو الأخلاق التي عُلِّقت بالإيمان تجدها مفقودة في كثير من هؤلاء لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، موجود هذا بكثرة؟
* طالب: بندرة.
* الشيخ: بقلة، «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنّا»[[أخرجه مسلم (١٠٢ / ١٦٤)، والترمذي (١٣١٥) من حديث أبي هريرة، واللفظ للترمذي.]]، انتفاء الغش موجود بكثرة؟ بقلّة، «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»[[أخرجه البخاري (٦٠١٦) من حديث أبي شريح.]]، بقلّة وامشِ على هذا، لا يدخل الجنة نمَّام، هذا موجود النميمة بكثرة، فالمهم أن الإيمان بالنسبة للمسلمين اليوم قليل، والإسلام كثير، والاستسلام أكثر.
* طالب: لا يدخل الجنة (...).
* الشيخ: إي نعم، يدخل الجنة؛ لأن المسلم شرعًا بس ما دخل الإيمان في قلبه، فمآله إلى الجنة لكنه ما يدخل.. له معاصٍ، إما عاد أن يعذب عليها، وإما أن يُعفى عنه.
* الطالب: ما الفرق (...)؟
* الشيخ: الفرق بينهما أن المسلم عنده إيمان، وأما المنافق فليس فيه إيمان إطلاقًا، المنافق قلبه خالي من الإيمان، والعياذ بالله.
* الطالب: هو أرفع درجة يا شيخ؟
* الشيخ: المستسلم أرفع من المنافق، إي نعم؛ لأن المستسلم عنده يعني تجاه الإسلام حقيقة، لكن ما عنده الشيء مثل ما عند المسلم الذي ينفّذ الشرائع، يكون غالبًا جاهلًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، إي بمعنى أنه (...) أسلم، يحقق الإسلام.
* الفائدة الثالثة عشرة: قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ تفيد بأن الآيات كثيرة ليست واحدة، وهي تنقسم إلى أيش؟ قسمين: آيات كونية، وآيات شرعية، فما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب فهو آيات شرعية، وما دلت عليه الحوادث، أو ما كان من الحوادث فهو من الآيات الكونية قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [فصلت ٣٧] هذه أيش هي؟
* طلبة: كونية.
* الشيخ: كونية، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف ٧] هذه الآيات الشرعية.
ما وجه كون الآيات آيات: لأنها دالة على الله، ما نقول: على خالقها ونريد بها الشرعية، دالة على الله.
والآيات الكونية دالة على الخالق من حيث القدرة والحكمة والسلطان إلى غير ذلك من معاني الربوبية، والآيات الشرعية دالة على منزّلها من حيث العدل والإصلاح؛ لأن جميع الشرائع ما هو شريعة الإسلام فقط -الذي جاء بها محمد- كلها تحارب الفساد، وكلها تقرر الصلاح، لكن شريعتنا تمتاز على غيرها بأنها تراعي المصالح العامة (...).
{"ayahs_start":76,"ayahs":["إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَقُصُّ عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ","وَإِنَّهُۥ لَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ","إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡعَلِیمُ","فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِینِ","إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡا۟ مُدۡبِرِینَ","وَمَاۤ أَنتَ بِهَـٰدِی ٱلۡعُمۡیِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ"],"ayah":"إِنَّ رَبَّكَ یَقۡضِی بَیۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡعَلِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق