الباحث القرآني
يقول: ﴿أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [النمل ٥١، ٥٢]
﴿تِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾، لما قال: ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ﴾ هذا عام مبهم، نص على شيء معيّن (...)
* طالب: هو أن بيوتهم.
* الشيخ: أن بيوتهم خاوية الآن، ويش معنى خاوية؟
* طالب: فيها قولان: إما خالية، وإما متهدمة.
* الشيخ: مدمّرة، ﴿خَاوِيَةً﴾ وهذا قد نقول: إن فيه فائدة، وهي: التبيين بعد الإجمال؛ لأن التبيين بعد الإجمال أوقع في النفس، فالشيء إذا جاء مجملًا تتشوف النفس إلى بيانه ومعرفته، فإذا جاء إليها مبيَّنًا بعد الإبهام صادف أرضًا يابسة تشرب الماء، لكن إذا بُيِّن من الأول مر مر الكرام، وهذا دائمًا تجدونه في القرآن: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْر﴾ ويش هو ذلك الأمر؟ ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر ٦٦].
عندما تقف: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْر﴾ تجد نفسك هذا الأمر بـ(أل)، أيش الأمر هذا؟ وأن تجيء: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ يتبين لك وقع هذا البيان بعد الإبهام.
* وفي هذا دليل على أن التدمير والإتلاف من أسباب الظلم؛ لقوله: ﴿بِمَا ظَلَمُوا﴾؛ لأن الباء هنا للسببية.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يصلح هذا وهذا؛ لأن (من) للسببية.
* وفيه دليل على أن الجزاء من جنس العمل.
* وفيه دليل على أن الله سبحانه وتعالى ليس بظالم، ما دام لا يعاقب إلا بسبب فعل العبد، فمعنى ذلك أنه منتفٍ عنه الظلم سبحانه وتعالى.
* وفيه دليلٌ على التحذير من الظلم؛ لأننا إذا تبينا أن التدمير من أسباب الظلم معناه أننا ننفر منه ونهرب منه، وفيه التحذير من ممارسة الظلم سواء كان متعديًا أو لازمًا، أو سواء كنت تظلم نفسك وحدها بالتقصير بواجب الله أو بالظلم لغيرك أيضًا.
* وفيه دليل على أن هذه الحوادث التي يحدثها الله عز وجل آيات من آياته، تدل على كمال قدرته وسلطانه وعلى كمال عدله أيضًا، ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾؛ أي: علامة على قدرة الله وسلطانه، وعلى حكمته، وأنه سبحانه وتعالى لا يفعل إلا بمقتضٍ للفعل.
* وفيه رد على من ينكرون الحكمة، مثل من؟ الجهمية؛ فإن الجهمية يقولون: إنه لا حكمة لله سبحانه وتعالى في أفعاله، وخالفتهم المعتزلة تمامًا وقالت: أفعاله مقرونة بالحكمة، والحكمة موجبة، ولهذا قالوا: يجب عليه فعل الصلاح، وبعضهم قالوا: يجب عليه فعل الأصلح.
وأما الجهمية فبالعكس، وهذا من المواضع التي اختلفت فيه الجهمية والمعتزلة، وإن كانوا يشتركون في كثير من الأشياء، لكنهم يختلفون أيضًا في أشياء أخرى منها هذه المسألة: هل فعل الله لحكمة أو لمجرد مشيئة؟
الجهمية يقولون: لمجرد مشيئة، والمعتزلة يقولون: لحكمة، لكن غلوا في إثبات الحكمة؛ حيث أوجبوا على الله سبحانه وتعالى فعل الأصلح.
وقد مر علينا هذا في العقيدة وبيّنّا أن الصواب أنه يجب على الله فعل الأصلح، لكن لا بإيجابنا نحن، ولكن بمقتضى حكمته؛ لأن الحكمة تقتضي هكذا.
* طالب: والأشاعرة (...)؟
* الشيخ: الأشاعرة مثل الجهمية.
* وفي هذا دليل على أنه لا ينتفع بالآيات إلا أولو العلم؛ لقوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، أما من ليس من ذوي العلم فإنه يفوتهم شيء كثير لا يعتبرون به ولا يتعظون به، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت ٤٣]، والأمثال تشمل الأمثال المعقولة والأمثال المحسوسة المشاهدة، فالله تعالى يضرب الأمثال المعقولة ويضرب الأمثال المحسوسة: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس ١٣] إلى آخره، هذا ما يسمى المشهود المحسوس.
مثلًا: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ هذا من الأمثال المعقولة.
والحاصل: أن أهل العلم هم الذين يعقلون هذه الآيات ويعتبرون بها، وينتفعون بها.
* وفيه دليل على فضيلة العلم.
* وفيه دليل أيضًا على الحث على العلم؛ لأنه إذا ثبت فضله فمعنى ذلك أن الله ذكره لنا لنتعلم.
ولا شك أن العلم من أفضل ما أنعم الله به على العبد، يعني: ما بعد الإسلام نعمة مثل العلم، هي أفضل من نعمة المال، وأفضل من نعمة قوة البدن، وأفضل من نعمة البنين، ما يعادلها إلا نعمة الإسلام فقط.
ولذلك تجد أن العلماء، ولكن الذين مثّلوا العلم، بأن كانوا دعاة إلى الله، وكانوا علماء ملة، لا علماء دولة؛ لأن العلماء منهم علماء ملّة يدعون إلى الملة والشريعة ويهدون بأمر الله، ومنهم علماء دولة يدعون إلى ما تريده الدولة. وتعرفون أول ما ظهرت بدعة الاشتراكية أو أول ما ظهر فسق الاشتراكية؛ لأنها من زمان، صار أناس من أهل العلم -في البلاد التي ظهرت فيها هذه البدعة- صاروا يدعون إليها ويزعمون أن القرآن والسنة دلّا عليه، ويجيبون آيات تدل على هذا، مثل: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم ٢٨].
* طالب: هذا (...) الإنكار يؤخذ منه.
* الشيخ: إي ﴿فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ خلاص، أنتم سواءٌ في الرزق، و«النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ»[[ أخرجه أبو داود (3477) من حديث رجل من المهاجرين ، وابن ماجه (2472) من حديث عبد الله بن عباس.]]، وهكذا، وبدؤوا يحرفون الكتاب والسنة، لماذا؟ لأنهم علماء دولة لا علماء ملة، وهذا كثير أيضًا.
وفيه أيضًا محدِّثون دولة، مر علينا الذي قال للمهدي -ابراهيم بن غياث أو غياث بن إبراهيم- قال: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ جَنَاحٍ»[[أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات (١ / ٤٢)، والحديث أخرجه أبو داود (٢٥٧٤)، والترمذي (١٧٠٠)، والنسائي (٣٥٨٥) من حديث أبي هريرة بدون لفظة: أو جناح. ]].
الحاصل أن هذه دلالة في القصد، لكن المراد بالعلم الممدوح هو العلم المؤثر للعمل والدعوة.
والحقيقة أن مقام طلبة العلم ما هو مقام علم فقط ويكون العلم قابعًا في صدورهم، إذا لم يكن هناك دعوة، أنت الآن وارث للأنبياء ولّا لا؟ «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ»[[أخرجه أبو داود (٣٦٤١)، والترمذي (٢٦٨٢)من حديث أبي الدرداء.]]، ادع إلى الله، ادع مثلما دعا الأنبياء إلى الله سبحانه وتعالى، اعلم ثم ادع، ما نقول: ادع بجهل؛ الدعاء بجهل ضرر عليك وعلى الإسلام أيضًا، لكن اعلم وادع ولا تبالِ.
واعلم أنك ما قلت كلمة تبتغي بها وجه الله إلا كان لها تأثير لا بد، ونحن نضرب دائمًا لكم مثلًا بقول موسى أمام السحرة وأمام فرعون وجنوده وعامة أتباعه، قال للسحرة: ﴿وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه ٦١] كلمة أيش عملتْ؟
* طالب: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ [طه ٦٢].
* الشيخ: ولا قنبلة ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ راحت معنويتهم واجتماعهم، وأخيرًا آمنوا بالله، أعلنوا إعلان كامل بتصميم وعزم، سبحان الذي أعطاهم إياه بها اللحظة: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] فوعدهم: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ﴾ [الأعراف ١٢٤]، ويش قالوا؟ ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ [طه ٧٢] (...) ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه ٧٢] الله أكبر.
* * *
قال الله تبارك وتعالي: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [النمل ٥٢، ٥٣].
* في هذا دليل على أن الإيمان والتقوى من أسباب النجاة؛ لأن قوله: ﴿وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ حكمٌ معلّقٌ بوصف، والحكم إذا عُلِّق بوصف دل ذلك على علِّيَّة هذا الوصف وتأثيره في الحكم، فيكون فيه دليلٌ على أن الإيمان والتقوى -وهي متضمنة للعمل الصالح- من أسباب النجاة.
* الفائدة الثانية: الحث على الإيمان والتقوى؛ لأن كل إنسان عاقل ينبغي له أن يسلك أسباب النجاة، فيكون في الإخبار عن نجاتهم الحث على السبب الذي به نجوا.
* الفائدة الثالثة: بيان عدل الله سبحانه وتعالى حيث أهلك من يستحق الإهلاك، وأنجى من يستحق الإنجاء: ﴿وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
* الفائدة الرابعة: أن صالحًا ومن معه كانوا مؤمنين متصفين بهذا الوصف بالإيمان والتقوى؛ لأنهم هم الذين أُنجوا من هذه العقوبة.
* * *
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ [النمل ٥٤، ٥٥].
* في هذا من الفوائد على أنه ينبغي إدراك الغرض الذي من أجله أُرسل الرسول؛ لأن الرسل كلهم كافة أُرسلوا لتوحيد الله، لكن بعضهم يبيّن مع الأمر بعبادة الله أنه أُرسل لهذا الغرض، ولوط هنا بيّن الله تعالى أنه أرسله لغرض انتشال قومه من هذه الفاحشة العظيمة: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾، مع أنه لا بد أنه قال لهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، لكن لما كانت هذه الفاحشة ظاهرةً فيهم بيّنها الله تبارك وتعالى.
* طالب: لماذا يعني الرسل سواء لوط أو غيره لماذا لم (...) حتى يؤمنوا، بحيث لا يطالبونه بهذا الشيء حتى (...)؟
* الشيخ: هم مؤمنون، طالبوهم أولًا بالإيمان ثم بهذا، الكلام هنا فيما قصّ الله.
* الطالب: لكن في الآيات كثيرًا يقرنونها سواء قرن ..
* الشيخ: قرن بالواو ما تقتضي أنها الفورية ولكن التعقيب.
* الطالب: لأن النبي ﷺ خالف كثيرًا من هذا الشيء؟
* الشيخ: لا، حتى (...) ما تدل على المخالفة، وهو إما أن يكونوا مثلًا أخطؤوا في هذه العملية مع تحقيق العبادة، ويكون الأمر بعبادة الله من باب الأمر بالاستمرار عليها، أو أنهم يأمرونهم ثم بعد ذلك إذا استقر الإيمان في نفوسهم نهوهم عما هم عليه.
* الفائدة الثانية: أن الرسل يرسَلون إلى قومهم؛ لقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ ولم يُبعث أحدٌ إلى عموم الناس إلا رسول الله ﷺ.
* الفائدة الثالثة: بيان عظم اللواط وقبحه، وأنه في قمم الفواحش؛ لقوله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾.
* رابعًا: بيان وجوب الإنكار على من أتى هذه الفاحشة؛ لقوله: ﴿أَتَأْتُونَ﴾؛ لأن الهمزة هنا للاستفهام والتوبيخ.
ولا شك أنه يُنكر عليه، لكن بماذا يُعاقب؟ في شريعتنا يُعاقب بالقتل مطلقًا، سواء كان محصنًا أم غير محصن، وهذا هو ما دل عليه الحديث الذي في السنن[[أخرجه أبو داود (٤٤٦٢)، والترمذي (١٤٥٦) من حديث عبد الله بن عباس .]] وصححه الحاكم[[المستدرك (٨٢٤٥).]] وغيره من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ َوَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ».
وهو الذي أجمع عليه الصحابة كما حكاه عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
لكنهم اختلفوا كيف يُقتل: هل يُقتل بالرجم، أو بإلقائه من شاهق وإتباعه بالحجارة، أو يُقتل بالسيف، أو يُقتل بالإحراق بالنار؟ اختلفوا في هذا، المهم أنهم اتفقوا على قتله، وتكون الكيفية هنا راجعة إلى الإمام، إذا رأى أقوى كيفية تردع عن هذا العمل الخبيث فإنه يسلكه.
* وفيه دليل على أن الفواحش تقبُح بحسب ما يقترن بها؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ فإن هذه الفاحشة منكرة، ولكنها إذا كانت علنًا وجهرًا يبصر الناس بعضهم بعضًا فيها صارت أقبح وأعظم، ولهذا أتى بالجملة الحالية في قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾.
* طالب: إجمالا (...)؟
* الشيخ: ما هي؟
* الطالب: على هذه الفعلة.
* الشيخ: لا، يجب قتله، ما لها حد في كيفية قتله.
* الطالب: الكيفية، يعني ما يُحد، وإنما بحسب الردع.
* الشيخ: بحسب ما يكون رادع، نعم.
* الطالب: الإحراق (...)؟
* الشيخ: فعله أبو بكر رضي الله عنه، وفعله أيضًا هشام بن عبد الملك، وفعله عبد الله بن الزبير (...).
* طالب: ولا أنكر عليهم الصحابة ذلك؟
* الشيخ: ما أنكروا عليهم. فهذه خمس فوائد.
* * *
ثم قال: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل ٥٥].
* في هذه الآية من الفوائد: أولًا: قبح فعل هؤلاء، وهذا مع الوجه الأول ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ يكون قبُح من وجهٍ آخر: وهو أنهم يأتون الرجال الذين ليس لهم حق في إتيانهم، ويدعون النساء اللاتي خلقهن الله لذلك: ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾.
* الفائدة الثانية: أن هذه الشهوة إنما تصدر عن جهل، لا بمقتضى الطبيعة، وإنما هي عن سفهٍ في الإنسان؛ لقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾. كأنه قال: إتيانكم إياهم شهوة ليس له محل، ولكن الذي أوجد ذلك لكم أنكم قوم ذووا جهل، أي: سفه ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾.
* الفائدة الثالثة: بيان ما عليه هؤلاء القوم من المظهر الاجتماعي الفاسد؛ لأنهم إذا كانوا يأتون الرجال ما بقي منهم رجل في الحقيقة، صاروا كلهم بمنزلة النساء، إلا أنه إذا كبر الإنسان ارتفع عن أن يُفعل به وصار فاعلًا.
فهم في حال الشباب مفعولٌ بهم، وفي حال الكبر فاعلون، ولهذا يُعتبر هذا الانحطاط الاجتماعي في البشر من أحط الانحطاطات.
* ورابعًا: أن هذه الفعلة من السفه العظيم؛ لقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾. فأتى بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار.
* طالب: إذا قلنا (...) عن شهوة (...).
* الشيخ: عن شهوة بمقتضى الطبيعة.
* الطالب: ما يشكل على هذا ما روي من تحاذر بعض الأئمة (...) مقاربة بعض الصبيان خوفًا من هذا الفعل أو خوفًا من أن يقع (...).
* الشيخ: إي، كما أن الزنا قبيح بالفعل، ومع ذلك قد تدعو النفس إليه، فلا يمنع أن النفس الأمّارة بالسوء تدعو إلى ما يخالف مقتضى الطبيعة، ولهذا قال بعض العلماء: إنه ليس فيه حد ولا عقوبة؛ لأن النفس تنفر عنه بمقتضى الطبيعة، فهو كشرب البول، وأكل الغائط، ولكن هذا ليس بصحيح، صحيح أن بعض النفوس السافلة قد تدعو إليه.
* طالب: يعني الزنا في مقتضى الطبيعة مرغوب يعني.
* الشيخ: إي نعم. يعني الزنا محرّم بوصف الشريعة لا بمقتضى الطبيعة لأنه زنا، ولهذا لو تزوجها حلّ له ذلك، أما هذا فهو محرم بمقتضى الشريعة والطبيعة، حتى النفس تنفر منه إلا نفسًا مقلوبًا على أمرها. ولهذا قال لهم: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾. ليس هذا شهوة طبيعية تمليها الطبيعة، وهو حقيقة، كيف الإنسان يروح مثلًا يستعمل هذا المحل اللي هو محل الخبث والأنتان والأقذار، وربما يعلق به شيء من ذلك، ويدع المحل الطاهر الذي أباحه الله له؟!
{"ayahs_start":51,"ayahs":["فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَـٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِینَ","فَتِلۡكَ بُیُوتُهُمۡ خَاوِیَةَۢ بِمَا ظَلَمُوۤا۟ۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ","وَأَنجَیۡنَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ یَتَّقُونَ","وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ","أَىِٕنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنِّسَاۤءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمࣱ تَجۡهَلُونَ"],"ayah":"وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق