الباحث القرآني

(﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: إغراق فرعون وقومه ﴿لَآيَةً﴾ )، وتفسير المؤلف للمشار إليه فيه قصور؛ لأنها ليست الآية بإغراق فرعون وقومه فحسب، ولكن في فلق البحر وكونه يبسًا، وإنجاء موسى وقومه وإغراق فرعون وقومه. ولو قيل: إن الإشارة تعود إلى كل ما ذكر؛ يعني: إن في ذلك المذكور من قصة موسى ﴿لَآيَةً﴾: علامة على قدرة الله سبحانه وتعالى وعلى نصره لأوليائه، فيكون متضمنًا لتسلية النبي ﷺ وتحذير المخالفين له، (﴿لَآيَةً﴾ عبرة لمن بعدهم). واللام؟ * الطالب: للتأكيد. * الشيخ: للتأكيد، وأصلها أين محلها؟ محلها في هذا دائمًا الابتداء اللي تكون في أول الجملة (لأن في ذلك). لكن قال النحويون في تعليلهم لهذا: إنه لا ينبغي أن يجتمع مؤكِّدان متواليان، فأخَّروا اللام إلى ما تأخر من خبر (إن) واسمها، والله أعلم هل هذا حقيقة أو أن العرب نطقوا به هكذا. (﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بالله لم يؤمن منهم غير آسية امرأة فرعون، وحزقيل مؤمن آل فرعون، ومريم بنت ناموصي التي دلت على عظام يوسف عليه السلام). يجوز أن يكون ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾؛ يعني: أكثر قوم موسى الذين أُرْسِلَ إليهم، ويجوز أن يكون ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾؛ أي: أكثر الناس المخاطبين بهذا القرآن؛ يعني هذا فيه آية لكن ما كان أكثر المخاطبين به مؤمنين به. وأما كون ذلك كما قال المؤلف فنقول: أما امرأة فرعون فصحيح أنها آمنت، وأما مؤمن آل فرعون فصحيح أنه آمن، لكن تسميته بحزقيل يحتاج إلى دليل، والثالثة مريم بنت ناموصي، هذه (...) وما سمعنا بها إلا الآن. وقوله: (التي دلت على عظام يوسف) أيش يوسف؟ * طلبة: يوسف عليه السلام. * الشيخ: يوسف بن يعقوب، فأين عظامه؟ ما ندري، ثم إذا دلت على عظامه فهل تُمْدح ولَّا تُذَم؟ هي إلى الذم أقرب؛ لأن العظام مُحترمة، المفروض أنها لا تنبش ولا يُسْأل عنها. ثم إن عظام يوسف هذا خطأ؛ لأنه ثبت أن الله حَرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فكيف يقال: إنه ما بقي إلا عظامه؟! فالحاصل أن مثل هذه الإسرائيليات يُؤْسَف مِن المؤلف ومن غيره أن ينقلوها. * طالب: (...). * الشيخ: هو أكله؟ * الطالب: لا، ما أكله. * الشيخ: طيب. * الطالب: (...) الإسرائيليات. * الشيخ: هذا (...)، فيوسف عليه الصلاة والسلام ما أكله الذئب ولا أكلته الأرض أيضًا؛ لأنه من الأنبياء، فكيف يدل على عظامه؟! * طالب: (...) يسبح. * الشيخ: يسبح؟ * الطالب: (...). * الشيخ: إي، لكن هذا ما هو محل العوم؛ لأنهم انطبق عليهم الماء وفي أعماق البحر ما يستطيعون. ثم إن العذاب إذا نزل ما ينفع فيه السباحة ولا غيرها. تذكرون أن قبل ثلاث سنوات أظن نزل على محطة الكهرباء في نيويورك صواعق مع أن عندهم مانعة صواعق من الأعمدة ولكن ما نفعت. يقول: الأَولى أن يقال: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أنه يعود على الذين نزل عليهم القرآن، لا على بني إسرائيل أو آل فرعون. وقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء ١٢٢] هذا مما يؤيد ما ذهبنا إليه؛ أن المراد بـ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ الذين نزل عليهم القرآن، ولهذا أضاف الربوبية إلى النبي ﷺ في قوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾؛ لأنها تقتضي العناية الخاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام. وفي قوله: ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ أتى باللام الدالة على التأكيد لتكون الجملة مؤكَّدة بمؤكدين. فإذا قال قائل: الخطاب للنبي ﷺ وحاله لا تقتضي التأكيد؛ لأنه مُقِرٌّ، ومن قواعد البلاغة أنه لا يؤكد الكلام إلا للمتردد أو للمنكر؛ فإن كان للمتردد فهو استحسان، وإن كان للمنكر فهو وجوب زيادة تأكيد، وهنا أكد بمؤكدين مع أن الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وهو مُقِرٌّ بذلك؟ فيقال: إن هذه القاعدة التي ذكروها ليست على إطلاقها، بل فيها قصور؛ فإن الشيء يؤكَّد باعتبار حال المخاطب، وحينئذٍ نقول: إذا كان مُترددًا فيحسُن تأكيده، وإذا كان مُنكِرًا فيجِب تأكيده. كذلك يُؤَكَّد الكلام باعتبار أهميته؛ إذا كان الكلام ذا اهتمام فإنه يُؤَكَّد حتى وإن كان المخاطب مُقرًّا به؛ لبيان اعتناء المتكلم به. فهنا هذه المسألة مهمة جدًّا. ثم يقال أيضًا: إن الآية ذُكِرَت تسليةً للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن جهة أخرى تهديد للكفار، والكفار قد يشكُّون أو يُنكرون في عزَّة الله ورحمته، فلهذا جمع بينهما مُؤكِّدان. وقوله: (﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ فانتقم من الكافرين بإغراقهم، ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين فأنجاهم من الغرق) يُقْرِنُ الله تبارك تعالى دائمًا بين العزة والحكمة، وأحيانًا في مثل هذه السورة بين العزة والرحمة، وبين الوصفين أو الاثنين تناسب ظاهر؛ أما العزة والحكمة فالتناسب بينهما هو أن العزيز هو الغالب القاهر، والغالب القاهر إن لم يكن في غلبته حكمة صار تصرفه غير محمود؛ لأنه يتصرف من مصدر القوة، وإذا كان يتصرف من مصدر القوة ولا حكمة عنده صار يبطش بطشًا في غير محله، وربما يترك ما ينبغي فيه البطش في غير محله، فجاءت الحكمة مقترنة بالعزة. وأما هنا فلما كان سياق الآيات يتضمن ما تقتضيه الرحمة ويتضمن ما تقتضيه العزة، فإهلاك فرعون يقتضي أن يقابل بالعزة، وإنجاء موسى يقتضي أن يقابل بالرحمة؛ لأنه من مقتضاه جمع الله تعالى بينهما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب