الباحث القرآني
قال الله تعالى: (﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ﴾ [الشعراء ٥٧] أي فرعون وقومه من مصر ليلحقوا موسى وقومه ﴿مِنْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين كانت على جانبي النيل ﴿وَعُيُونٍ﴾ أنهار جارية في الدور من النيل ﴿وَكُنُوزٍ﴾ [الشعراء ٥٨] أموال ظاهرة من الذهب والفضة، وسُمِّيت كنوزًا؛ لأنه لم يُعطَ حق الله منها ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ مجلس حسن للأمراء والوزراء يحفه أتباعهم).
يقول الله عز وجل: ﴿أَخْرَجْنَاهُمْ﴾ الضمير يعود على آل فرعون.
وفي قوله: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ﴾ بصيغة العظمة لمناسبة المقام؛ لأن هؤلاء الذين تعاظموا في أنفسهم وتكبروا قُوبلوا بما هو أعظم وهو قوة الله سبحانه وتعالى: ﴿أَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ﴾.
يقول المؤلف: (بساتين كانت على جانبي النيل) ولا يقال للبساتين جنات إلا إذا كانت كثيرة الأشجار والزروع بحيث تستتر أرضها بها، ويستتر من فيها بها، وأما ما فيه نخلات قليلة أو زرع قليل فلا يُسمَّى جنة.
وفي قوله: ﴿مِنْ جَنَّاتٍ﴾ إشارة إلى كثرتها، ولعل الكثير منهم كان له بستان.
وقوله: (﴿عُيُونٍ﴾ أنهار جارية في الدور من النيل) وينبغي أن يقال: في الدور وغيرها، حتى الجنات التي هى البساتين إذا كان فيها أنهار مطردة فإن ذلك لا شك مما يبهج ويسر القلب فهو أعم من كونها في الدور أو في هذه الجنات.
وقوله: ﴿وَكُنوزٍ﴾ يقول المؤلف: (أموال ظاهرة)، ولكن في هذا نظر كونه يفسرها بالأموال الظاهرة، ولو فسرناها بالأموال التي تُكنز، سواء كانت مكنوزة بالفعل لكثرة المال ووفرته فهم لا يحتاجون إلى إنفاقه، وإنما يكنزونه في الأرض ليقصدوه لما يُستقبل، أو نقول: إنها يعني سواء كانت مكنوزة بمعنى مدفونة أو غير مدفونة؛ لأن الذهب والفضة يُسمى كنزًا، إذا لم تُؤدَّ زكاته، وهذا كنز شرعي، وإذا دُفِن سُمِّي كنزًا لغويًّا.
المهم أنننا نقول: الكنوز هى الأموال العظيمة الكثيرة من الذهب والفضة، وسواء كانت هذه الكنوز نقودًا أو كانت حُلِيًّا يتحلَّون بها.
يقول: ﴿وَكُنوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ المقام يقول: (المجلس)، ويمكن أن يكون المراد به محل الإقامة؛ يعني المراد بالمقام المسكن فهو أعم من أن يكون المجلس، المسكن.
والكريم: الحسن؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٦٧١)، ومسلم (١٩ / ٢٩) من حديث ابن عباس.]] يعني أحاسنها، فصار هؤلاء ممتعين من كل وجه، مقام كريم فيه أمن وطمأنينة وراحة وحسن باللون والكيفية، كذلك أيضًا من حيث الأموال الوفيرة التي توافرت لهم حتى صاروا يكنزونها لاستغنائهم عنها.
يقول الله عز وجل: ﴿كَذَلِكَ﴾ أي إخراجنا كما وصفنا ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. يعني إن ﴿كَذَلِكَ﴾ تكون خبرًا لمبتدأ محذوف؛ يعني إخراجنا لهم كان كذلك، أو يكون التقدير: الأمر كذلك. المهم أن ﴿كَذَلِكَ﴾ خبر لمبتدأ محذوف، فهي جملة مستقلة عما قبلها وعما بعدها.
ثم قال: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا﴾ يعني هذه الجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم أورثناها (﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ بعد إغراق فرعون وقومه) فصارت لهم.
وقوله: ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق، ومعناه عبد الله، وإنما نُسبوا إليه؛ لأن بني إسرائيل تفرعوا منه.
وقوله: ﴿أَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فيها من الإشكال أن النبي ﷺ يقول: «أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر.]]. وهنا أورث الله ديار فرعون وقومه وأموالهم أورثها بني إسرائيل، فهل هذا ينافي الحديث أو لا؟ أنتم فهمون المقصود؟
* طالب: ما ينافي الحديث.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: لأن هذا الله سبحانه وتعالى هو الذي ملكهم إياها، أما هناك فالرسول محمد ﷺ ملكه إياه ولكن بوحي من الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: الرسول يقول: «إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ الْمُعْطِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧١)، ومسلم (١٠٣٧ / ١٠٠) من حديث معاوية.]]. إي لكن (...).
* طالب: (...)؛ لأن الغنيمة هي ما أخذ من الكفار بعد القتال في ديار الحرب، أما هؤلاء فإن الله سبحانه وتعالى أباح قتل فرعون في البحر (...) بدون حرب.
* الشيخ: صحيح، الغنيمة هي ما أُخذ من مال الكفار بقتال وما أُلحق به. هذا تعريفها شرعًا، وهذا ما أُخذ بقتال، هؤلاء هلكوا بقيت ديارهم لمن؟ لبني إسرائيل حتى لو لم يسكنها بنو إسرائيل لسكنها آخرون غيرهم، فالمسألة هذه ما غنموها بأيديهم، ولكنه من الله عز وجل لهلاك هؤلاء؛ يعني كان الأمر أنهم لما هلكوا صارت إرثًا لبني إسرائيل إرثًا قدريًّا؛ لأنه لا بد أن يكون كذلك.
* طالب: فيه جواب آخر أن يقال كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥] فهذا شيء كتبه الله سبحانه وتعالى من بدء الخليقة أن الأرض للمؤمنين، فهذه هي القرينة التي تخرج على الغنائم، فلا تحل الغنيمة.
* الشيخ: لا، هو الآن ما هي أرض فقط جنات وعيون وكنوز ومقام كريم، المسألة حتى الكنوز هذه مما ينقل.
* طالب: طيب هم كانوا ساكنين معهم.
* الشيخ: من؟
* الطالب: بنو إسرائيل.
* الشيخ: ساكنين في جانب من جانب مصر، جانب المدينة لكن الآن أخذوا كنوز فرعون وآل فرعون.
المهم الجواب الصحيح هو الأول أن يقال: إن الغنيمة هي ما أُخذ بقتال وما أُلحق به، وما عدا ذلك لا يسمى غنيمة شرعًا.
* طالب: بنو إسرائيل خرجوا كلهم من مصر؟
* الشيخ: إي نعم، هو الظاهر أنهم خرجوا مع موسى كلهم ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ [طه ٧٧] هذا عام.
* الطالب: بعد ذلك عادوا؟
* الشيخ: بعد ذلك عادوا، رجعوا إلى مصر وصاروا فيها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا بعد هذا.
* الطالب: بعده؟
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: قد يقول قائل: إن موسى هرب من فرعون، وقطع البحر، ولم يتقاتل مع فرعون، وإنما هؤلاء أُهلكوا من الله سبحانه وتعالى، ما هناك حرب بين موسى وفرعون (...)، ما فيه غنيمة، ولا فيه، أقصد بذلك (...) أن ديار فرعون خربت وخرج فرعون من هذه الديار، وتقابل مع موسى عند البحر فما غنم في هذا المكان فهو الذي لا يحل لموسى، أما (...) فليست غنيمة.
* الشيخ: بس ما صار فيهم قتال إطلاقًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما صار فيه قتال.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لكن إحنا نقول: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ ظاهرها مشكل مع قوله: «وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر.]]. إحنا نقول: أصلًا ما فيه غنيمة هنا، يعني كونه أنه يقول: هذه من الغنائم؛ ما هو بصحيح، ليست غنيمة لكن قد يقول قائل: يعني يتبادر إلى ذهن أحد عندما يقرأ الآية هذه لأول وهلة يقول: هذه كيف يورثها الله بني إسرائيل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْغَنَائِمَ لَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي». فجوابها أن نقول: هذه ليست من باب الغنائم.
* طالب: بنو إسرائيل الذين آمنوا مع موسى هؤلاء ماذا لو قلنا: إن (...) عبد الله بن إسحاق فهل يلزم يعني موسى عليه السلام أدرك يعني إبراهيم عليه السلام؟
* الشيخ: لا مدة طويلة، الذرية يعني.
* الطالب: هو النبي الذي أتي بعد إبراهيم مباشرة أو بينهما يوسف.
* الشيخ: إسحاق ويعقوب، وجاء بعد يوسف جاء إلى أهل مصر يوسف بن يعقوب، جاء إلى أهل مصر رسول؛ ولهذا المؤمن قال: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ﴾ [غافر ٣٤].
المهم صار نقول: الجواب على هذا: أن هذا التوريث ليس من باب الغنيمة؛ لأن الغنيمة ما أخذ من كفار بقتال وما ألحق به.
﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ﴾ [الشعراء ٥٩، ٦٠] (لحقوهم ﴿مُشْرِقِينَ﴾ وقت شروق الشمس). الواو في قوله: ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ﴾ يعود إلى فرعون، والهاء إلى بني إسرائيل، وعلى هذا فقوله: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ من حيث المعنى جملة معترضة؛ لأن توريث بني إسرائيل كان بعد أن غرق فرعون وقومه، مفهوم؟
وفي ذكر ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ مناسبة تقديمها في الترتيب على ما بعدها؛ لأنه لما قال: ﴿أَخْرَجْنَاهُمْ﴾ كأن قائلًا يقول: من الذي حل محلهم؟
فقال: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ فلمناسبة الإخراج قدمت وإلا كان مقتضى الترتيب أن تكون بعد ذكر إهلاك فرعون وقومه.
(﴿فَأَتْبَعُوهُمْ﴾ لحقوهم) يقال: تبعه، واتبعه، وأتبعه بمعنى واحد. ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الأعراف ١٧٥]، أتبع يعني تبعه أو اتبعه، كل الثلاثة معناهم واحد ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ﴾ يعني أتبعوهم أو تبيعوهم؛ بمعنى لحقوهم.
(﴿مُشْرِقِينَ﴾ وقت شروق الشمس) وإلى جهة المشرق أيضًا مثل ما نقول: إحنا نشرِّق؛ يعني نحو المشرق فهم في الحقيقة مشرقون إما كما قال المؤلف: وقت شروق الشمس، أو متجهين نحو المشرق، وكلا المعنيين صحيح؛ فمُشْرق متجهين نحو المشرق باعتبار المكان، ومشرق وقت الشروق باعتبار الزمان، والعادة أن الخروج أول النهار أنشط للناس وأولى، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يخرج مبكرًا ولكنه يبقى حتى تفيء الأفياء، وتزول الشمس وتهب الرياح ﴿أَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾.
* طالب: ربما يقول قائل: لماذا موسى ومن معه خرجوا بالليل وفرعون ما خرج بعدهم إلا بعد شروق الشمس؟
* الشيخ: هذا كثير الجواب عليها، ويش تقولون؟
* طلبة: ما علم بهم؟
* الشيخ: لا، هو ما علم إلا بعد مدة؛ لأنه أرسل في المدائن حاشرين، وجمع الناس وخرج، لكن أنت بأيش تجيب أن هذا خرج ليلًا وهذا خرج نهارًا؟
* الطالب: أقول: لأن النهار هو الذي سيبينه، أما لو خرجوا ليلًا فربما يختبئون في مكان.
* الشيخ: قلنا: لماذا خرج موسى وقومه ليلًا؟
* طلبة: للاختفاء.
* الشيخ: للاختفاء خوفًا على أنفسهم من فرعون، خرجوا بالليل، أما هذا ما خرج خائفًا حتى ينتظر ويكون الليل خرج معلنًا بأنه ظاهر منتصر في نفسه.
(﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ [الشعراء ٦١] أي رأى كل منهما الآخر) والمراد بهما جمع موسى وجمع فرعون.
(﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ يدركنا جمع فرعون فلا طاقة لنا به).
﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ أكدوا الإدراك بـ(إن) و(اللام)؛ يعني مدركون يقينًا، كيف ذلك؟ لأن البحر أمامهم وآل فرعون خلفهم، فلا بد أن يدركوهم، أين يذهبون؟ ليس أمامهم إلا البحر إن خاضوا البحر غرقوا وهم لن يخوضوه بحسب اعتقادهم، تلك الساعة؛ لأنهم ما يعلمون بالأمر، فهم لن يخوضوا البحر، فما بقي إلا أن يدركهم آل فرعون؛ ولهذا قالوا: ﴿إِنَّا لَمدْرَكُونَ﴾ بالجملة الاسمية المؤكدة بـ(إن) و(اللام)، ولكن موسى أجابهم بقوله: (﴿كَلَّا﴾ أي لن يدركونا) قال ذلك إيمانًا بالله تعالى وثقة بوعده، وأنه سبحانه وتعالى ما أمرهم بالخروج إلا ليحميهم من فرعون وآله.
(﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾ بنصره ﴿سَيَهْدِينِ﴾ طريق النجاة قال الله تعالى إلى آخره).
أولًا: ما قال: كلا إني سأُهدى بل قدم معية الله؛ لأنها أقوى في تثبيت قومه ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾ وكل إنسان يكون الله معه فلن يضره شيء.
ثم قال أيضًا مؤكدًا أثر هذه المعية ﴿سَيَهْدِينِ﴾ والسين تدل على التحقيق والقرب.
ومعنى يهدين هنا يدلني ﴿سَيَهْدِينِ﴾ أي: سيدلني على طريق أنجو به.
وهل كان موسى عالِمًا بهذه الطريق حين ذاك؟
* طالب: لا، لم يكن يعلم.
* الشيخ: لم يعلم، لكنه واثق بالنجاة؛ ولهذا أتى بالسين الدالة على التحقيق وعلى القرب أيضًا؛ لأن المقام يقتضي ذلك، فهؤلاء أكدوا أنهم مدركون يقابلون بالتأكيد أنهم لن يدركوا، وتأكيد ذلك أولًا بذكر معية الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾، وتأكيده ثانيًا بقوله: ﴿سَيَهْدِينِ﴾؛ لأن السين -كما هو معروف عند أهل النحو- تدل على التحقيق والقرب.
﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ وفعلًا حصل ما تيقنه موسى عليه الصلاة والسلام من أن الله تعالى سيهديه طريق النجاة ﴿فَأَوْحَيْنَا﴾ إليه.
* طالب: قول المؤلف هنا بنصره يعني ما يوهم أن هذا فيه (...) تأويل للصفات يعني (...) مَعِيَّته.
* الشيخ: هو المراد بالمعية هنا المعية الخاصة التي تقتضي النصر والتأييد، فإن قصد بنصره أنه تفسير للمعية للمعنى الذاتي فهذا ليس بصحيح، وإن أراد بنصره أنه أثر لذلك فهذا صحيح، فالمؤلف ما يُعترض عليه؛ لأنه فيه احتمال أن يقول: معي بنصره؛ بمعنى أن هذه المعية سيكون أثرها النصر.
﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ [الشعراء ٦٣] هذه ما يصلح (أن أضرب)؛ لأن ضرب ما تأتي رباعية؛ ولهذا يجب كسر النون ﴿أَنِ اضْرِبْ﴾، و﴿أَنِ﴾ هذه مثلما قلنا فيما سبق: تفسيرية.
(﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ فضربه) ﴿فَانْفَلَقَ﴾ تقدير المؤلف فضربه صحيح؟ نعم؛ لأن البحر لم ينفلق بمجرد الوحي بل بالضرب.
وفي قوله: ﴿أَنِ اضْرِبْ﴾ ﴿فَانْفَلَقَ﴾ إشارة إلى أن موسى ﷺ بادر بضرب البحر، وأن البحر انفلق حالًا بدون تأخر.
ومعنى (﴿انْفَلَقَ﴾ انشق اثني عشر فرقًا ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ الجبل الضخم، بينها مسالك سلكوها لم يبتلَّ منها سرج الراكب ولا لبده).
يقول: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ أي عصا هذه؟ العصا التي كان يحمله دائما يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، وله فيها مآرب، فتكون هذه العصا فيها مصالح عظيمة، وفيها من آيات الله ثلاث آيات، هذه إحداها، والثانية؟
* طلبة: ثعبان.
* الشيخ: أنه إذا ألقاها صارت ثعبانًا مبينًا، والثالثة: إذا ضرب بها الحجر تفجر عيونًا، هذه ثلاث آيات، أما عاد البقية الاتكاء عليها، والهش بها على الغنم، ودفع الصائل وما أشبه ذلك، فهذا ليس من الآيات من الأمور المعتادة.
وقوله: ﴿الْبَحْرَ﴾ ما المراد به؟ البحر الأحمر، ويسمى بحر القلزم، هذا البحر انفلق ﴿فَكَانَ كلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ كالجبل العظيم؛ يعني لكِبره وارتفاعه؛ لأن قاع البحر طويل عميق فيكون كالطود العظيم؛ للكبر والارتفاع، وظاهره أنه يعني عريض؛ لأن الطود العظيم يتناول الكِبَر والارتفاع والعِرْض، وهو كذلك، وهذا من آيات الله؛ لأن العصا إذا ضربت لا تتسع لمكان واسع، وهذه الأطواد الاثنا عشر مكانها بلا شك واسع، والطرق أيضًا ستكون واسعة، ثم إن في هذه الضربة من آيات الله غير انفلاق البحر أنه كان يبسًا يبس في الحال في لحظة ﴿يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه ٧٧]، وهذا أيضًا من آيات الله أن الله أزال عنهم الخوف وألقاه عنهم، وإلا فطبيعة البشر تقتضي إذا كان الماء على يمينه ويساره كالأطواد تقتضي أن يخاف ولَّا لا؟ أن يخاف ولكن الله سبحانه وتعالى ألقى عنهم الخوف فلم يخافوا أبدًا.
وفي قوله: ﴿كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ ظاهر أن الماء لم يتغير؛ يعني لم يتجمد بالمعنى المعروف فيكون أبيض جامدًا، ولكنه بقي جامدًا على طبيعته أسود، وهذا أعظم مما لو تجمد، لو تجمد وهو على غير طبيعته، صار فيه آية واحدة، وهي سرعة التجمد في هذه اللحظة، لكن كونه لا يسيل من آيات الله ولَّا أمر معتاد؟
* طلبة: من آية الله.
* الشيخ: أمر معتاد.
* طالب: (...).
* الشيخ: أي وهو جامد (...)، وهو جامد أمر طبيعي عادي لكن كونه يبقى مائعًا، ولكن لا يسيل هذا أبلغ من ذلك، فيه آيتان أنه ما يسيل، وأنه لا يسيل وهو على طبيعته، والله تعالى عل كل شيء قدير.
* وفيه أيضًا: دليل على أن كل شيء يمتثل لأمر الله، وأن الله تعالى قادر على قلب الأمور عن طبائعها فضلًا عن تغير صفاتها، فهذه النار التي من طبيعتها الإحراق والحرارة كانت بردًا وسلامًا على إبراهيم في الحال، وهذا الماء الذي من طبيعته الإغراق والسيلان صار أمنًا وجامدًا لا يسيل بالنسبة لبني إسرائيل.
قال أهل العلم: إنه ما من آية أُعْطِيها أحد من الأنبياء إلا وكانت للرسول عليه الصلاة والسلام فما هي الآية المقابلة لهذا الأمر؟
* طالب: ما جرى لسعد بن أبي وقاص حين أراد الغزو، فصار النهر صار يبسًا.
* الشيخ: يبسًا؟
* الطالب: إي يعني أراد حينما كان معه سلمان الفارسي.
* الشيخ: ما صار يبسًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي (...) بس هو ماء.
* الطالب: لم (...).
* الشيخ: لكن ما يخالف، ما صار يبسًا، هذا أبلغ أنه باقٍ على طبيعته، يجري كما هو، وهذه الخيول والإبل والمشاة يمشون عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، هذا المثال، لكن إذا قال قائل: هذه ليست في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟
* طلبة: كرامات أوليائه (...).
* الشيخ: كرامة أتباعه معجزة له..
لكن كونه يبقى مائعًا ولكن لا يسيل، هذا أبلغ من ذلك، فيه آيتان: أنه ما يسيل وأنه لا يسيل وهو على طبيعته، والله تعالى على كل شيء قدير.
* وفيه أيضًا: دليل على أن كل شيء يمتثل لأمر الله، وأن الله تعالى قادر على قلب الأمور عن طبائعها فضلًا عن تغير صفاتها، فهذه النار التي من طبيعتها الإحراق والحرارة كانت بردًا وسلامًا على إبراهيم في الحال، وهذا الماء الذي من طبيعته الإغراق والسيلان صار أمنًا وجامدًا لا يسيل.
بالنسبة لبني إسرائيل، قال أهل العلم: إنه ما من آية أعطيها أحد من الأنبياء إلا وكانت للرسول عليه الصلاة والسلام، فما هي الآية المقابلة لهذا الأمر؟
* طالب: ما جرى لسعد بن أبي وقاص حين أراد الغزو، فصار النهر يبسًا.
* الشيخ: يبسًا؟
* الطالب: إي، يعني حينما كان معه سلمان الفارسي..
* الشيخ: ما صار يبسًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي (...) بس هو ماء.
* الطالب: لم (...).
* الشيخ: لكن ما يخالف، بس ما صار يبسًا، هذا أبلغ أنه باق على طبيعته يجري كما هو، وهذه الخيول والإبل والمشاة يمشون عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، هذا المثال. لكن إذا قال قائل: هذه ليست في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
* طلبة: كرامات أوليائه (...).
* الشيخ: كرامة أتباعه معجزة له (...).
صخرة في وسط الماء فاستراحت عليها، ثم (...)، فهذا أيضًا من الآيات.
فالحاصل أن يقال: إن ما جرى لبني إسرائيل جرى لهذه الأمة مثله؛ وذلك لأن كرامة أتباع النبي معجزة له؛ إذ معنى الكرامة الشهادة بأن ما عليه هذا المكرم حقٌّ، فإذا كان أتباع النبي عليه الصلاة والسلام جاء لهم شهادة بأن ما هم عليه حق، كان معنى ذلك أن ما جاء به الرسول ﷺ فهو حق.
* طالب: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ [الشعراء ٦٣]، فانفلق اثني عشر فرقًا، الاثنا عشر هذه، ضرب اثنتي عشرة مَرَّة أو ضربة واحدة؟
* الشيخ: لا، ضربة واحدة.
* الطالب: ضربة واحدة صاروا اثنتي عشرة.
* طالب آخر: (...) اثني عشر ألف (...).
* الشيخ: ما ندري إذا كانوا اثني عشر داخلين من طريق أو عشرة آلاف أو ألفًا، ما ندري.
* الطالب: (...) عددهم.
* الشيخ: اثني عشر ألف رجل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: على القول اللي قال: ست مئة ألف.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا يقول: ست مئة ألفٍ عددهم.
* الطالب: (...) اثني عشر.
* الشيخ: ما ندري، هم على كل حال اثنتا عشرة قبيلة، الأسباط في بني إسرائيل مثل القبائل في العرب هم مئتا عشرة قبيلة، ما نعرف كم عدد القبيلة، قد تقلُّ وقد تكثر (...)، كل قبيلة (...) خمس مئة نفر يمكن أو أكثر أو أقل.
* طالب: قوله: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء ٦٣] دليل على الكثرة؛ لأنه (...) الحكمة (...) اثني عشر (...)، طريق عظيم هم قليلون.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...) قبائل بني إسرائيل هم قليلون (...) الحكمة، فلا بد أنهم كثيرون كل واحد كالطود العظيم.
* الشيخ: إي نعم، كل فرق..
* الطالب: كل فرق كالطود العظيم.
* الشيخ: الفرق ما هو معناها الطريق، في اللغة العربية الماء اللي بينه مثل الجبال ما هو بنفس الطريق، ﴿كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ يعني: من الماء؛ الماء بينهم مثل الجبال.
ذكر بعض الذين ينقلون الإسرائيليات أنه صار بهذه الأطواد صار فيها فرج ينظر بعضهم إلى بعض زيادة في الأمن، ولكن الله أعلم هذا صحيح ولَّا لا، ما يعلم فيه شيء.
* طالب: (...) بني إسرائيل قبل أن تحدث المعركة (...)؟
* الشيخ: ما فيه معركة.
* الطالب: قبل أن يأتي الانتصار لبني إسرائيل على فرعون (...).
* الشيخ: الظاهر أني كان (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، كررناها مرتين أو ثلاثة.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) في المعنى؟
* الطالب: في المعنى لكنها (...)، فإذا قال: قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ﴾ [الشعراء ٥٧] يتبادر إلى الذهن (...)، فيكون الجواب: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ٥٩].
* الشيخ: هذا وجه المناسبة، يعني بالنظر إلى الترتيب يكون ﴿أَوْرَثْنَاهَا﴾ بعد ذكر الإغراق، بالنظر إلى الترتيب الطبيعي يكون الإرث بعد الإغراق، لكن بالنظر إلى الترتيب التناسبي مناسبة الإرث للإخراج قدمها على ذكر الإغراق.
* طالب: قولك يا شيخ: النظر إلى حال بني إسرائيل (...) ما يدل على أن إيمانهم (...) ضعيف؟
* الشيخ: لا، ما هو الظاهر، لاحظ أنه أحيانًا ترى ينسب القول إلى الأمة والمراد البعض، بل إن الله أحيانًا يخاطب بني إسرائيل في عهد الرسول ﷺ بفعل أمتهم من قبل.
* طالب: (...).
* الشيخ: هادول غير اللي قالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا﴾ [الأعراف ١٣٨].
* الطالب: هم الذين قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء ١٥٣].
* الشيخ: هم الذين قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾.
* الطالب: أليس (...)؟
* الشيخ: إلا بلى، هادول المختارين.
* الطالب: هادول المختارين.
* الشيخ: لا شك أن هذا في الحقيقة مما يدل على أنهم مهما بلغوا في الكمال ما هم مثل هذه الأمة.
* طالب: هم إيمانهم ضعيف؛ لأنهم وصلوا إلى حد عبادة الصنم.
* الشيخ: لا، يعني طلبوا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طلبوا إلهًا.
* الطالب: طلبوا، يعني..
* الشيخ: لكن منعوا من هذا.
* الطالب: عبدوا العجل.
* الشيخ: عبدوا العجل بعد أن غاب عنهم موسى.
* الطالب: إلا إن قلنا (...) في البداية.
* الشيخ: على كل حال، فهم مهما كان حتى ولو كان إيمانهم ضعيفًا في أول البداية نحن ما ندري عن إيمانهم، لكن ظاهر الآيات أن الله مَنَّ عليهم بهذا لكمال إيمانهم، أنت تعرف أن الإنسان إذا توفَّرت لديه النعمة قد تختلف حاله، فهم خرجوا بالأول وهم في قلة وفي ضعف وفي خوف وهم أقرب إلى الإيمان مما إذا نعموا هذا النعيم؛ لأن العادة أن الإنسان إذا نعم أنه يحصل منه الأشر والبطر، هذه العادة.
* طالب: ما يمكن أن يقال: إن هؤلاء بعدين صاروا شيعًا ذريتهم يعني أو (...)؟
* الشيخ: ما هو بالظاهر، الظاهر أنهم يعني على حسب الأجيال المعروفة يتوالدون، وأن موسى (...) اللي صار ذريتهم على ما قيل الذين تاهوا؛ اللي صاروا في التيه وحُرِّمَت عليهم أربعين سنة.
* طالب: هذا لا يعني (...)؟
* الشيخ: هذا هو اللي قيل: إنه حُرِّمت عليهم أربعين سنة لأجل أن تتغير أوضاعهم وأحوالهم في إنشاء خلق آخر.
* طالب: نجزم أن إيمانهم..
* الشيخ: المهم نجزم أن إيمانهم في ذلك اليوم كان إيمانًا جيدًا قويًّا حينما أغرق فرعون، ولهذا نصروا هذا النصر العظيم على فرعون وأُغْرِق فرعون، وسياق الآيات يدلُّ على هذا.
* طالب: قد يكون هذه نعمة وابتلاء، واللي في إيمانه ضعف.
* الشيخ: إي، لكن ما نقول (...).
* الطالب: يُبْتَلى بنعمة.
* الشيخ: يُبْتَلى بنعمة أو ببلاء.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إنما من يقول: إن إيمانهم ضعيف، مَن يقول هذا؟
* الطالب: قرينة ما حصل.
* الشيخ: ما حصل بعد، الإنسان يتغير.
* الطالب: يعني المهاجرين لما آمنوا إيمان قوي، والأنصار لما آمنوا ما صار منهم شيئًا.
* الشيخ: لا يمكن تقارن بني إسرائيل بهذه الأمة، لا تقارنهم، مسألة المقارنة غير ورادة؛ لأنه لا سواء، بنو إسرائيل ابتلوا بالحيتان فلم يصبروا وتحيلوا، وهذه الأمة ابتلوا بالصيد وهم محرمون فصبروا وغيره، لا تقارن إيمان هذه الأمة بإيمان من سبق.
* الطالب: لا، أنا ما أقصد المقارنة، وإنما أقصد أن الإيمان إذا كان جيدًا وكان في البداية، يعني الغالب أنه يصرف عنهم هذه الأشياء الخطيرة بالذات إلا الصغائر يمكن أن تحدث.
* الشيخ: على كل حال ما نقدر، نقول: إنهم حين ذاك لا شك أنهم مؤمنون؛ لأنهم شهدوا إيمانًا وغيره في الأرض، ولا مانع من أن تطرأ لهم أحوال فيتغيرون بها.
* طالب: نقول: لو لم يكونوا مؤمنين ما صبروا على آذى فرعون حينما قطَّع أرجلهم وأيديهم من خلاف، هذا دليل على قوة إيمان عظيم.
* الشيخ: لا، هادول السحرة لا شك في قوة إيمانهم، والسحرة من آل فرعون.
* الطالب: يعني غير اللي راح ذهبوا مع موسى؟
* الشيخ: إي غيره، هذا الكلام على بني إسرائيل، بنو إسرائيل غير السحرة، السحرة من القبط؛ من آل فرعون.
* طالب: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف ١٢٩] دليل على أنهم عندهم..؟
* الشيخ: عندهم صبر.
* الطالب: عندهم صبر (...) قبل وبعد يعني (...) قوة إيمانهم (...).
* الشيخ: هو كل حال كونهم يقولون: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف ١٢٩] وعد موسى لهم..
* الطالب: نفوسهم ضعيفة.
* الشيخ: (...) إيمان ضعيف، نقول: الأصل أن إيمانهم في هذه الساعة قوي، هذا الأصل، وأن النصر إنما يستحقه المؤمنون، وإنما يرث الأرض عباد الله الصالحون، ولَّا لا؟ لكن لا مانع من أن تطرأ أحوال وتتجدد أعمال فينصرفون هم أو بعضهم عنها.
* طالب: حديث ابن مسعود «وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣ / ١) من حديث ابن مسعود.]]، قلنا: إنه إذا كان الإنسان أن هذا العمل فيما يظهر للناس بينما إيمانه يكون فيه ضعف بعض الشيء، فهؤلاء لا يمكن أن نقول: في البداية لما ذهبوا مع فرعون كان إيمانهم قويًّا، ثم غيَّرهم الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ما يخالف، هل غيروا؟ هل عبدوا؟ ما فيه إلا اللي عبد العجل (...) وأخيرًا مَنَّ الله عليهم وجاءهم موسى (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: كم بقي موسى فيهم؟
* الطالب: أربعين يومًا.
* الشيخ: هذا في التيه فقط.
* الطالب: إي، هو لما بنقول: إنهم تغيروا يعني نفس أجسادهم (...).
* الشيخ: لا، نقول: حتى أحوالهم تتغير، لا شك في هذا، المهم دعونا من هذا جدل، الحقيقة هذا جدل ما لنا بفائدة، هذا مجرد جدل ما لنا بفائدة.
إحنا نقول: الأصل أن من انتصر فهو مؤمن حقًّا، ومن نصره الله وورثه الديار فهو من عباد الله الصالحين، هذا الأصل، ثم إذا طرأت أحواله نقول: الله أعلم كيف تطورت هذه الأحوال، وليست في هذا فائدة في الحقيقة، ما فيه مسألة عملية نبغي نطبقها الآن حتى نحقق كيف نعمل، مسألة قَصَّ الله علينا فيها أحوالًا لبني إسرائيل تدل على أن هؤلاء القوم آمنوا وطرأت عليهم أحوال، وبالنظر إلى أحوالهم العامة نعرف أن إيمانهم ليس كإيمان هذه الأمة، وأن هذه الأمة أكمل إيمانًا وأكمل عملًا.
* طالب: لا، إحنا (...) هل نستنتج من هذا أنه من الممكن أن يكون هناك إيمان كامل في البداية، ثم ينقص نقصًا شديدًا إلى أن يصل إلى هذا الحد؟
* الشيخ: نعم، هذا ممكن.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا ما ذكرته إلا أخيرًا عند مجلس حديث ابن مسعود (...) بهم في الأول.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، أبدًا.
* الطالب: (...) لا شك أنهم مؤمنون، وأنهم..
* الشيخ: ما فيه إشكال أن الإيمان حاصل، لكن الحين اللي أشكل عليكم أنه -مثلًا- كيف تطورت فيهم الأحوال إلى أن يقولوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف ١٣٨]، ما يمنع أن بعضهم قال هذا أو تقلَّبت فيهم الأحوال، الله أعلم.
* طالب: قوله (...).
* الشيخ: الفرقة الطائفة.
* الطالب: الطائفة من الماء.
* الشيخ: إي، الطائفة من الماء صار كل فرق وقطعة منه مثل الطود العظيم.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: هو من الممكن أن يكون أن الله يذكِّرهم بعيوبهم السابقة لعلهم يرتدعون، أو يذكرهم بهذا لبيان أن هذه من عادتهم وسجيتهم بين أمرين: إما أن يبين عيبهم لعله يصلح من أحوالهم، ويكون ما صلح من أحوالهم أحوال باقيهم كالهادم لما سبق.
وإما أن يقال: إن هذا بيان لأن هذه طبيعتهم وسجيتهم مثلًا، فيكون فيه مع التوبيخ لهؤلاء تسلية للرسول عليه السلام وأصحابه.
* طالب: ما صاروا عليه بعد الرسول ﷺ، وبعد الإسلام ما يدل.
* الشيخ: ما صاروا عليه أخبث؛ لأنهم الآن صاروا كفار؛ لأنه بعد بعثة الرسول بل بعثة عيسى عليه الصلاة والسلام وكفرهم، صاروا كفارًا ما فيهم إيمان أبدًا.
* طالب: (...) حتى المختارين السبعين منهم.
* الشيخ: نعم، ما فيه شك أنهم هم معارضون، وأن عندهم عذرًا، ومن أراد أن يعرف عن أحوالهم شيء فهو يراجع إغاثة اللهفان لابن القيم، هذا ما فيه شك.
لكن الكلام على الذين أورثوا أرض فرعون في ذلك الوقت، ما لنا الحين الحق بأن نقول: إيمانهم كامل ولَّا إيمانهم ناقص، إنما نعرف من قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥] أنهم في ذلك الوقت صالحون فقط وتغير الأحوال بعد ذلك.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى﴾ (...)﴾ ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (...)﴾ ﴿وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ [الشعراء ٦١ - ٨٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيما سبق من الآيات * ومن الفوائد:
* أولًا: بيان عقوبة الله سبحانه وتعالى للطاغين، وذلك بإزالة النعم عنهم؛ إما بإخراجهم منها، وإما بإزالتها هي، وتؤخذ من قوله: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الشعراء ٥٧].
* وفيها: أن العقوبة بعد التنعيم أشد، ولذلك نص عليه ما قال: فأخرجناهم من أماكنهم فقط أو من ديارهم، ولكن بَيَّن على سبيل التعين ما هم فيه من النعيم؛ لأن الأخذ بالعقوبة بعد النعيم يكون أشد.
* وفيها أيضًا: تحذير للطغاة من أن تزول نعمهم بسبب طغيانهم. ففي عصرنا هذا فتح الله على الناس من أنواع النعيم ما لم يكن موهومًا من قبل وبالأولى ليس معلومًا، فيخشى أن يخرج هؤلاء من هذا النعيم إذا طغوا وعتوا عن أمر الله سبحانه وتعالى.
* وفيه أيضًا فائدة: أن الإنسان قد يؤخذ من حيث يرى أنه علا وظهر، فإن فرعون بعث في المدائن حاشرين يدعوهم إلى قتال موسى وقومه، فخرجوا تابعين لهم على أنهم سيدركونهم، فصار في هذا الخروج حتفهم وهلاكهم، ونظيره في هذه الأمة ما صنعت قريش حين خرجت إلى بدر، وكان أبو جهل يقول: والله لا نرجع حتى نقدم بدرًا، فنسقي فيها الخمور وتعزف علينا القيان ونشرب الخمور حتى تسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدًا، فأُخِذُوا من حيث أتوا.
* وفي هذا دليل على قوة إيمان موسى عليه الصلاة والسلام في قوله: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء ٦٢].
ووجه قوة الإيمان أنه في هذا المقام المحرج الذي لا يرى الإنسان فيه إلا أنه هالك، ولهذا قال أصحابه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء ٦١].
* وفيه أيضًا: تمام قدرة الله عز وجل بفلق البحر وتيبيسه في الحال.
* وفيه دليل على أن لكل شيء سببًا، حتى الآيات التي يجعلها الله على يد الشخص لها سبب، فإن الله تعالى لم يفلق البحر إلا بعد أن أوحى إلى موسى أن أضرب بعصاك، فضربه فانفلق.
* وفي هذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى كما يهدي إلى الطريق المعنوي يهدي أيضًا إلى الطريق الحسي؛ لقوله: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء ٦٢]، ليس المراد هنا هداية العلم والتوفيق للعمل الصالح، وإنما المراد الهداية لطريق النجاة التي ينجو بها، فهداه الله سبحانه وتعالى.
* وفيه: أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الماء كالأطواد؛ كالجبال العظيمة على أيمانهم وشمائلهم؛ ليكون في ذلك، أي: في عبورهم حتى لا يأخذهم العجب والعلو؛ لأن هذه الأطواد هي في الحقيقة في منزلة نواقيس الإنذار، يخافون ويرهبون إذا كان الماء على أيمانهم وعن شمائلهم مثل الأطواد، فإنهم لا يرون في أنفسهم استغناء عن الخوف، فيكونون بين الخوف وبين الرجاء ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء ٦٣].
* فيه أيضًا من آيات الله -فوق تفريق الماء-: إثبات الماء جامدًا حتى لا يسيل، والله تعالى على كل شيء قدير، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢].
{"ayahs_start":57,"ayahs":["فَأَخۡرَجۡنَـٰهُم مِّن جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ","وَكُنُوزࣲ وَمَقَامࣲ كَرِیمࣲ","كَذَ ٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَـٰهَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ","فَأَتۡبَعُوهُم مُّشۡرِقِینَ","فَلَمَّا تَرَ ٰۤءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ","قَالَ كَلَّاۤۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ","فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقࣲ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِیمِ"],"ayah":"فَأَخۡرَجۡنَـٰهُم مِّن جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق