الباحث القرآني

(﴿قَالَ فِرْعَوْنُ﴾ لموسى ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الذي قلت: إنك رسوله؛ أيْ: أيُّ شيء هو؟ ولما لم يكن سبيل للخلق إلى معرفة حقيقته تعالى، وإنما يعرفونه بصفاته، أجابه موسى ببعضها) ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾ هذا الكلام الذي قاله المؤلف في تفسير الجملة بعيد من الصواب كل البعد، ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ من المعروف أن (ما) يستفهم بها عن الحقيقة، فتقول: ما الذهب؟ يُقال مثلًا: هو معدن نفيس إلى آخره، تقول مثلًا: ما العلم؟ تقول: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، فـ(ما) يُستفهم بها في الأصل عن الحقيقة. ويدعي المؤلف أن فرعون استفهم عن ذلك عن الحقيقة، ولكنه ليس كذلك، فرعون استفهم عن هذه الربوبية؛ لأنه قال: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فما هذه الربوبية التي زعمت أن الله تعالى أرسلك وهو رب العالمين؟ لأننا لو قلنا: بأنه يستفهم عن حقيقة الله سبحانه وتعالى للزم من ذلك أن يكون قد أقر به، ولكنه يسأل عن حقيقته، وهو لم يقر به حتى يسأل عن الحقيقة، عن حقيقة هذا الرب، وإنما ينكر الرب أصلًا. فالاستفهام للإنكار؛ أي شيء هو رب العالمين الذي زعمت أنه أرسلك؟ يعني ليس هناك رب، فالتفسير الذي ذهب إليه المؤلف بناء على ما هو معروف، من أن (ما) -وهو عند المناطقة أيضًا، ما هو معروف في اللغة العربية، عند أهل المنطق- أن (ما) يُستفهم بها عن كنه الشيء وحقيقته، فقال: إن فرعون يستفهم عن كنه الخالق سبحانه وتعالى وحقيقته، ولكن موسى لما لم يمكن أن يجيب عن ذلك عدل إلى بيان صفة من صفاته، فيكون الجواب من موسى غير مطابق للسؤال، ويُسمى هذا بأسلوب الحكيم أن يُجاب السائل بغير ما يتوقع، ولكن ما قاله وما ذهب إليه ليس بصحيح، كما أنكره ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره، وقال: إن هذا معناه إقرار فرعون بالله، لكن يسأل عن حقيقة هذا الإله، والصواب أن موسى عليه الصلاة والسلام أجابه بجواب مطابق للسؤال، وأن فرعون يسأل عن هذه الربوبية التي زعم موسى أنه مرسل من رب العالمين ﴿مَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أي شيء رب العالمين الذي أرسلك؟ ليس معناه: من أي شيء هو مادته، لا. الجواب: (﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: خالق ذلك)، ولا يكفي أن يُفسر بالخالق، خالق ذلك ومدبره، والمتصرف فيه؛ لأن الرب ما يكفي أن يكون خالقًا، بل لا بد من خلق وتدبير وتصرف، وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ هل ربوبية فرعون كهذه الربوبية؟ * طلبة: لا. * الشيخ: لا، وهل يدخل في ذلك؛ لأن الله ربه؟ نعم؛ لأن السماوات والأرض وما بينهما هو لا يخرج عن واحد منها، وهو في الأرض وما بينهما، وكأنه أيضًا أجاب بهذا إشارة إلى إبطال عبودية فرعون؛ لأن فرعون لا خلق سماوات ولا أرضًا ولا ما بينهما، فمن الذي يستحق الربوبية؟ خالق ذلك ومدبره والمتصرف فيه؛ لأن الرب ما يكفي أن يكون خالقًا، بل لا بد من خلق وتدبير وتصرف. وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الشعراء ٢٤] هل ربوبية فرعون كهذه الربوبية؟ لا. وهل يدخل في ذلك لأن الله ربه؟ نعم، لأن السماوات والأرض وما بينهما هو لا يخرج عن واحد منها وهو في الأرض. ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ وكأنه أيضًا أجاب بهذا إشارة إلى إبطال عبودية فرعون؛ لأن فرعون لا خَلَقَ سماواتٍ ولا أرضًا ولا ما بينهما، فمن الذي يستحق (...)؟ فينبغي الوقوف ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ ثم يقال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء ٢٤] فالأمر بَيِّن؛ ولهذا المؤلف قدَّر الجواب قال: (﴿إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ بأنه تعالى خالقه فآمنوا به وحده). وإنما قلنا: إنها لا تَعَلُّقَ لها بما قبلها؛ لأنه لو تعلقت بما قبلها لكان المعنى أنه رب السماوات والأرض إن أيقنوا بذلك وإلَّا فليس رب السماوات والأرض، وهذا الكلام لا يستقيم، بل نقول: رب السماوات والأرض وما بينهما (...). ثم قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أي: من ذوي الإيقان فأيقنوا بذلك لأنه لا أحد أو لا مدفع لكون السماوات والأرض مخلوقة لله لا يقدر أحد على خلقها. * طالب: (إن) هنا شرطية؟ * الشيخ: إي نعم، (إن) هنا شرطية وجواب الشرط محذوف؛ إما ما قدَّره المؤلف أو ما قلناه أيضًا فأيقنوا، و(فآمنوا) و(أيقنوا) معناهما واحد، فآمنوا به وحده.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب