الباحث القرآني

(﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ [الشعراء ٢٢] أصلها: تمن بها علَيَّ)، أي: تجعل بها منة عليَّ، ولكنه حذف حرف الجر وعُدي الفعل إليها فـ﴿تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ أي: تجعلها منة ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يقول: (بيان لتلك أي: اتخذتهم عبيدًا)، وإذا كانت بيانًا لتلك فتكون أن تفسيرية، تفسير لاسم الإشارة في قوله: ﴿تِلْكَ نِعْمَةٌ﴾؛ يعني أي: ﴿عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: حين عبدت بني إسرائيل جعلت تربيتي عندك وليد النعمة، وفي الحقيقة أن هذا ليس بنعمة؛ لأن كون الإنسان لا يقتل هذا الرجل، وهو يقتل غيره عدوانًا هل تكون هذه نعمة؟ لا، ليش؟ لأن أصل قتل أولئك ظلم وجور، فكونه لا يقتل هذا الرجل ليس نعمة، غاية ما هنالك أنه لم يظلمه، فهو لم يدفع عنه ضررًا نازلًا به من غيره، ولم يجلب إليه نفعًا، فموسى يقول: كيف تَمُن علي بهذه النعمة أن عبدت بني إسرائيل؛ يعني: ولم تستعبدني، فهذه ليست نعمة؛ لأن كون الإنسان لا يظلم هذا الرجل، ويظلم ذاك، ليس نعمة على من لم يظلم؛ إذ لم يسد إليه نفعًا، ولم يدفع عنه ضررًا، غاية ما هنالك أنه امتنع عن ظلمه، وامتناعه عن ظلمه نعمة على من؟ في الواقع على الظالم، على نفس الظالم؛ أن الله تعالى أنعم عليه، فمنعه من ظلم هذا الرجل، ولهذا يقول: ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ (ولم تستعبدني لا نعمة لك بذلك لظلمك باستعبادهم)، فأنت الآن ما أعطيتني منة جديدة ونعمة جديدة، حتى تمن بها. * طالب: أقول ما يكون قول (...) فرعون أنه أنعم بها عليه. * الشيخ: كيف؟ * الطالب: قوله: ﴿تِلْكَ نِعْمَةٌ﴾. * الشيخ: إي هو ينكر عليه، ولهذا يقول المؤلف: (وقدر بعضهم أول الكلام همزة استفهام للإنكار)، هو ينكر عليه، يقول: كيف تـمُنُّ عليَّ بهذا الشيء؛ لأنك عبدت بني إسرائيل، هذا ليس بنعمة. * طالب: وإن فرعون يراها نعمة. * الشيخ: إي يراها نعمة، هذا اللي قال له: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ﴾ [الشعراء ١٨، ١٩] هو جعل هذه من النعم. هنا يقول: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ كونك عبدتهم؛ أي: جعلتهم عبيدًا له، ووجه الاستعباد أنه -والعياذ بالله- كان يقتل الرجال، فيبقى النساء بدون قَيِّم، والمرأة إذا بقيت بدون قَيِّم تُضطر إلى أن تخدم، ولهذا قال العلماء: إنه كان يستخدم النساء فيبقيهن، وبالضرورة إذا لم يكن لهن قيم سوف يلجأن إلى الأقباط لاستخدامهن. وقوله: (قدر بعضهم أول الكلام همزة) ليس ببعيد أنه قال: أَوَتِلْك نعمة تمنها علي أن عَبَّدْت بني إسرائيل؟ يعني فليس لك علي نعمة. * طالب: فرعون كان يمن عليه بهذه النعمة ويذكره بالماضي، فموسى عليه السلام يُعرض عن ذلك، ويحاول أن يقرره ويبين له شناعة عمله، (...) النعمة البسيطة التي أنعمتها علي أَنْسَتْك ما عملته مع بني إسرائيل. * الشيخ: إي نعم، هذا صحيح، لولا وجود (أن)؛ يعني أن هذه تبين المبهم في قوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾؛ يعني: فكأنه يقول: تَمُن عليَّ بهذه النعمة حين عبدت بني إسرائيل؛ يعني: ولم تستعبدني، هذا المعنى، ولولا أن هذا المعنى ظاهر لقلنا: إن موسى عليه الصلاة والسلام صرف نعمته عليه كالمتهكم به، كيف؟ يعني يقول: أين النعمة التي أنعمت بها علي، وأنت تعبد بني إسرائيل؛ لأن تعبيد بني إسرائيل خلاف النعمة في الواقع، ومن المعلوم أن موسى من بني إسرائيل، فتعبيد بني إسرائيل وهم قومه إذلال له، هذا المعني جيد في الحقيقة أن نقول: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ يعني: كيف تَمُن علي بهذه النعمة؛ يعني وأنت تُعَبِّد بني إسرائيل، ويكون هذا من باب ما يسمونه بتأكيد الذم بما يشبه المدح، وحينئذ نبقي ﴿أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ على أنها تفسير لتلك؛ يعني: أهذه النعمة التي تَمُن عليَّ أن تعبد بني إسرائيل فأين النعمة فهذا معنى جيد، إن كنت تريد هذا فهذا معنى جيد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب