الباحث القرآني

(﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا﴾ أي: حينئذ ﴿وَأَنَا مِنْ الضَّالِّينَ﴾ عَمًّا آتَانِي اللَّه بَعْدهَا مِنْ العلم والرسالة)، ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا﴾ كلمة إذن تعرفون أنها للمستقبل؛ لأن أصلها إذَا فنونت، وحينئذ تكون للماضي، فتفسير المؤلف (إذن) بـ(حينئذ) من باب التفسير بالمعنى، لا التفسير باللفظ؛ إذ لا يُفسر حرف بحرف يُقابله في المعنى، ولكن من باب التفسير بالمعنى؛ يعني: فعلتها حينئذ، فعلتها فيما مضى ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾. وذهب بعض المفسرين إلى أن إذن على ما هي عليه جواب لفرعون كالمتهكم به، كأنه يقول: إذن أفعلها؛ يعني: ولا أبالي بك، ولكني من الضالين الجاهلين بحكم القتل، ولعل هذا أقرب أن تكون: إذن على بابها ليست بمعنى الماضي، وكأن ذلك جواب لفرعون على سبيل الاستهانة به، وعدم الاكتراث، وأنه لا يبالي به، وقوله: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ جواب على قول فرعون له: ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾. وقوله: ﴿مِنَ الضَّالِّينَ﴾ يقول الشارح، أو المفسر: (عما آتاني الله بعدها من العلم، والرسالة)، فيكون المراد بالضلال هنا الجهل، وعلى هذا فيكون الضلال إذن ينقسم إلى قسمين؛ ضلال يُذم عليه الفاعل أو الضال، وضلال لا يُذم عليه، فالضلال الذي حصل، أو الذي اتصف به موسى حين قتله القبطي ضلال لا يُلام عليه؛ لأنه لم يأته وحي، ولا رسالة حينئذ، فهو معذور. ومن هنا نعرف أنه يصح أن نصف المخالفين للصواب من أهل العلم نصفهم بالضلال، لكن لا الضلال المطلق الذي يُذمون عليه إذا عرف أنهم أهل نصح في الإسلام، لكن أخطؤوا بعد الاجتهاد، مثال ذلك مثلًا ما مر علينا في باب الأصول من أن كثيرًا من أهل العلم أشاعرة من الذين عرفوا بالإخلاص للإسلام، وبمقام الصدق فيه، ومع ذلك نصفهم بأنهم ضالون، لكن لا الضلال المطلق الذي يُشم منه، أو يشعر بالذم، والقدح، لكن المراد مخالفة الصواب، وإلا سنجد من يشنع إذا قلنا مثلًا: إن ابن حجر ضال، والنووي ضال، وكثير من أكابر العلماء مخطؤون للصواب، أو مخطئون فيما يقولون، مجانبون للصواب، لكن لا، نقول: ليس الضلال المطلق الذي يُذم عليه الفاعل؛ لأن الضلال مع الاجتهاد هو تحري الحق، لا يُذم عليه المرء وإن وُصِف به. * طالب: (...) أفعلها. * الشيخ: لا، أصله ما يمكن يقول: أفعلها. وقد فعل، لكن: ﴿إذًا﴾ في جواب للحال باعتبار جوابه لفرعون. * طالب: ثم إن جملة الحال ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ (...). * الشيخ: لا؛ لأن ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ جملة حالية حال من الفاعل في ﴿فَعَلْتُهَا﴾، الآن ﴿إذًا﴾ ما تكون متعلقة بفعلتها تكون متعلقة بجواب: أجيبك إذن، ﴿فَعَلْتُهَا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ يعني: باعتبار جوابه لفرعون، لا باعتبار أنه فعلها؛ لأن ما يمكن أن نقول: فعلتها إذن، ما فعلها إذن، وفعلها سابقا. * طالب: أُجِيبك إذن. * الشيخ: أُجيبك إذن، فأنا فَعلتُها وأنا مِنَ الضالين، فكأنه يشعر بعدم الاكتراثِ وبالتحدي لفرعون، وأنه لم يبالِ به، يقول: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ ويش المراد بالضلال هنا؟ * الطلبة: الجهل. * الشيخ: الجهل المراد به الجهل الذي ليس عن عمد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب