الباحث القرآني

قال الله تبارك تعالى في ذكر جواب فرعون لموسى: (﴿قَالَ﴾ فرعون لموسى: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ﴾ ) في الآية إيجاز، والإيجاز عند البلاغيين ينقسم إلى قسمين؛ إيجاز حذف، وإيجاز اختصار، أيهما الموجود هنا؟ * طالب: الحذف. * الشيخ: إيجاز الحذف، ولهذا قال: (فأتياه فقالا له ما ذُكِر)، قَالَ فرعون لموسى إلى آخره، موسى لما أدى الرسالة هو وأخوه، قال فرعون مجيبًا لهذه الدعوة: (﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا﴾ في منازلنا ﴿وَلِيدًا﴾ صغيرًا قريبًا من الولادة بعد فطامه)، هذه واحدة ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الشعراء ١٨، ١٩] يعني: أفبعد هذا الأمر تأتي وتدعي أنك رسول رب العالمين، ومعنى ذلك أنه ينكر ربوبية فرعون، فكأنه يقول بعد هذه الأمور الثلاثة: كان الأليق بك أن تأتي معتذرًا، وأن تأتي خاضعًا؛ لأننا مَنَنَّا عليك؛ ولأنك أخطأت علينا المنة. قال: (﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا﴾ في منازلنا ﴿وَلِيدًا﴾ صغيرًا قريبًا من الولادة بعد فطامه)، والقصة معروفة في سورة القصص، أن الله تعالى أوحى إلى أمه إذا خافت عليه أن تجعله في تابوت، وتلقيه في اليم، وفعلت إيمانًا منها بوعد الله، ثم قدر الله تعالى أن وقع هذا التابوت في قبضة آل فرعون، فالتقطوه لحكمة يريدها الله عز وجل وهم لا يشعرون، فلما التقطوه أرسلت أم موسى أخته لتقص الخبر ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ [القصص ١١] عن بُعد، ثم رأتهم يطلبون له مرضعة، فعرضت عليهم ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص ١٢] فرُدَّ إلى أُمِّه، مع أنه لم يرتضع ثدي أنثى غيرها، وهذا من تمام قدرة الله عز وجل، ووفائه بوعده، أنه رده إلى أمه قبل أن يتغذى بشيء سوى لبنها، وبقي معها حتى فطمته، وبحسب الحال سوف يرجع إلى من؟ * طلبة: فرعون. * الشيخ: إلى آل فرعون الذين التقطوه، فرجع إليهم فنشأ فيهم، وهذا من تمام قدرة الله أن ينشأ هذا الصبي الذي كان هلاك فرعون بسببه ينشأ في حجره، وقد قيل: إن فرعون كان يقتل أبناء بني إسرائيل خوفًا من هذا الولد؛ لأن الكهنة قالوا له: إنه سيظهر رجل في بني إسرائيل يكون زوال ملكك على يده، فصار يقتل أبناءهم. هذا على كل حال من الإسرائيليات الذي لا ندري هل يصدق أم لا، إنما كونه يقتل الأبناء، ويستحيي النساء هذا في القرآن، لكن هل هو إذلال للشعب واستعباد لهم، أو خوف من هذا الولد؟ الله أعلم، على كل حال تربى عنده فكان يمن عليه فرعون بهذه المنة ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ يعني: فكيف تأتي بضد ما نريد، وتدعي أن لك ربًّا أرسلك، ثانيًا: ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ ولَّا سنينًا؟ * طلبة: سنين. * الشيخ: سنين؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. وقوله: ﴿مِنْ عُمُرِكَ﴾ في الأصل صفة للسنين، أصلها: لبثت فينا سنين من عمرك، ولكن القاعدة في النحو أن الصفة إذا قُدِّمت أعربت حالًا؛ لأن الحال صفة في المعنى، والصفة بالمعنى الذي هو النعت لا يمكن أن يتقدم على المنعوت، لهذا قالوا: إن صفة النكرة إذا قُدِّمت عليها أُعْربت حالًا منها، هذه القاعدة عند النحويين. ﴿مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ هذه السنين ثلاثين سنة، حسب ما قال المؤلف وبعض المفسرين، ولكن الأَوْلى أن تُبْهَمَ كما أبهمها الله، لكن هم قدروا هذه الثلاثين؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام نُبِّئ على رأس الأربعين على ما هي عادة الله سبحانه وتعالى في إرسال الرسل، فقالوا: إن الثلاثين كان عند فرعون، ثم إنه ذهب إلى مدين، وبقي فيهم كم؟ * طلبة: عشر سنوات. * الشيخ: عشر سنوات، ثم أرسله الله، فمن هنا صارت السنين ثلاثين، ولكن هذا ليس بلازم؛ لأنه قد يكون تربى عند فرعون أقل من هذا، ثم انضم إلى من؟ إلى بني إسرائيل، فلهذا ما ينبغي أن نجزم بأنها ثلاثون سنة، فلنقول كما قال الله: ﴿سِنِينَ﴾ وهي جمع، وأقل الجمع ثلاث سنوات، ولكن يبدو أنها أكثر؛ لأن الثلاث سنوات قد لا يكون بها تلك المنة التي يمن بها فرعون. يقول: (يلبس من ملابس فرعون، ويركب من مراكبه، وكان يسمى ابنه)، ولذلك قالت امرأة فرعون: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص ٩]. * طالب: امرأة فرعون. * الشيخ: امرأة فرعون ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ إي نعم. فهذا دليل على أنهم اتخذوه ولدا؛ يعني عسى أن ينفعنا مطلقًا، وإن لم نتبنه أو نتخذه ولدًا، ومن المعلوم أن الولد سوف ينفع، ولكن الله يقول: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص ٩] لم يكن الأمر كما توقعوه، بل كان بالعكس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب