الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى في سياق ما قاله هود لقومه: (﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِع﴾ للماء تحت الأرض، ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ كأنكم، ﴿تَخْلُدُونَ﴾ عليها لا تموتون). ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِع﴾ جمع مَصنعٍ، وهو محل الماء، كما قال المؤلف المصانع عبارة عن الخزانات التي تحت الأرض يتخذونها لعلهم يخلدون؛ يعني كأنهم خالدون في هذه الدنيا غير ميتين. وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ المؤلف رحمه الله أتى بها للتشبيه (كأنكم)، ولكن ما رأينا أحدًا ذكر أنها تأتي للتشبيه، بل إنما قالوا: إنها تأتي للإشفاق والتعليل والترجي، هذا هو المعروف من معاني (لعل)، ومن هنا ينظر المعاني الثلاثة أيها أولى بها؟ * طالب: الترجي. * الشيخ: للترجي؛ يعني يترجون أن يخلدوا في ذلك؟ * طالب: نعم. * الشيخ: أو للتوقع؛ يتوقعون الخلود، على كل حال للترجي أقرب؛ يعني أنهم يتخذون هذه المساكن لأجل أن يبقوا فيها كأنما يخلَّدون فيها. وقوله: المصانع هي التي للماء تحت الأرض، قد يُنازَعُ فيها أيضًا؛ بأن يقال: إن المراد بالمصانع مكان الصناعة؛ يعني أنهم أيضًا اتخذوا مصانع كثيرة كما تدل عليه صيغة منتهى الجموع (مفاعل). ثم إنها قوية لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾؛ لأنه لا أحد يبني شيئًا للبقاء الكثير إلا ويحكمه ويتقنه، فيكون هود عليه الصلاة والسلام أنَّبهم بأمرين: الأمر الأول: اتخاذ الآيات الأبنية القوية العظيمة عبثًا وإظهارًا للقوة والفخر. والثاني: هذه المصانع العظيمة التي اتخذوها لأجل أن يخلدوا ويبقوا فيصنعوا فيها، وقد قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ [الفجر ٦ - ٨]، وهذه العماد العظيمة والتي لم تخلق مثلها في البلاد لا بد أن تكون ناتجة عن مصانع قوية لتولد هذه المواد. ﴿لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾، ثم قال من جبروتهم أيضًا العدواني؛ لأن الأول جبروت معماري ومصنعي، والثالث الجبروت العدواني: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء ١٣٠]، والآن قِسْ هذه الأشياء على وقتنا الحاضر تجدها منطبقة تمامًا، فأمس تكلمنا على مَن يتخذون من هذه القوة آية للفخر والعبث، ثم هذه المصانع أيضًا التي يتخذونها مصانع القنابل الذرية والنووية وغيرها لأجل أن يخلدوا؛ حتى لا يتسلَّط عليهم أحدٌ، وحتى تكون لهم السيطرة في هذه المصانع. نأتي للوصف الثالث موجود في هذا الوقت ولَّا لا؟ ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾؛ يعني: أنكم تبطشون ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾، وإنما قلت: أنكم تبطشون؛ لأن (إِذَا) تفيد تحقق وقوع الشرط بخلاف (إِنْ)؛ فإنَّ كلمة (إنْ): إنْ قام زيد فقُمْ، ما تدل على تحقُّق وُقوعِ الشرط، لكن إذا قلت: إذا قام زيد فقُمْ، هذه معناه كأنه سيقوم، ولكن ليكن وقت قيامك وقت قيامه. هنا يقول: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ﴾؛ يعني: وأنتم تبطشون، ﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ قال: (بضربٍ أو قتلٍ، ﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ من غير رأفةٍ) هذا الوصف الثالث -والعياذ بالله- العدوان، والذي حملهم على هذا العدوان الإنسان بشرٌ، لما رأوا أنفسهم أقوياء في البناء والصناعة قالوا: ليس أحدٌ فوقنا، فبطشوا -والعياذ بالله- بدون رأفة؛ لأن الإنسان بطبيعته كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب ٧٢]. (﴿فَاتَّقُوا اللَّه﴾ في ذلك ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ ) هذا كرَّره تأكيدًا، أو تأسيسًا إذا كان يعود على ما بعد قوله في الأول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾؛ إن كان يعود على ما بعد ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ فهو تأسيس، وإذا كان لا يعود عليه وأنه قال ذلك إبلاغًا للرسالة فإنه يكون مع الأول تأكيدًا، وفي الحقيقة أن المقام يقتضي التأكيد، وأن المقام أيضًا في الأمور الثلاثة التي وبَّخهم عليها، أيضًا يقتضي أن يُخَصَّ بزيادة العناية في قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب