الباحث القرآني

قال: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ١١٤] هذا يشعر بأنه علِم إخلاصهم، وأنهم إنما قالوا: ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء ١١١] تلميحًا لطردهم، ولَّا لا؟ ولا شك أن هذا الذي قالوه كأنهم يقولون: نحن نأنف أن نكون معك؛ ومعك هؤلاء الأرذلون، نكون نحن على اليمين وهم على اليسار، أو هم على اليسار وهم على اليمين، لا بد أن تطردهم لنؤمن، فيقول: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أكَّد هذا (ما أنا بطارد) الباء هذه للتوكيد، يعني ما يمكِن أطردهم أبدًا؛ لأنني أنا دعوتهم إلى الإيمان فآمنوا، وكان حقهم عليَّ الطرد ولَّا الإكرام؟ الإكرام. وهذا الذي قاله قوم نوح -وهو أول الرسل- قاله قوم محمد ﷺ، وهو آخر الرسل، فقال الله تعالى له: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف ٢٨]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام ٥٢]. فهذا دأب المكذبين للرسل، ما عندهم شيء يعتمدون عليه سوى التمويه والتضليل وزخارف القول التي لا تنطلي إلا على العميان. ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: * وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يقرِّب منه كل مؤمن، وأن يختار لنفسه أصلح الأصحاب، كما جاء في السنَّة بالحث عليه؛ على اختيار الجليس الصالح[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٠١)، ومسلم (٢٦٢٨/ ١٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري؛ أنه ﷺ قال: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد..».]]. * وفيه أيضًا دليل على أنه ينبغي موالاة المؤمنين، والقُرب منهم، وأن هذا دأب الأنبياء. * وفيه أيضًا الصبر على ما يجد من المؤمن من الجفاء ومن دناءة المهنة وغير ذلك. * وفيه أيضًا التواضع للمؤمنين وعدم إزعاجهم، ولو كانوا من كانوا فيما بين الناس؛ الرسول عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق جاهًا عند الله وأعظمهم منزلةً عاتبه الله تعالى في رجل أعمى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾ [عبس ١ - ٤].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب