الباحث القرآني

(﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ كما للمؤمنين من الملائكة والنبيين والمؤمنين)، ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ كلمة (ما) استفهامية ولَّا نافية؟ * طالب: نافية. * الشيخ: نافية، والدليل إتيان (مِن) المؤكدة ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾، وأصله: فما لنا شافعون، لكن أوتي بـ(مِن) للتوكيد. والشافع هو المتوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة؛ كشفاعة النبي ﷺ لأهل الموقف أن يُقْضَى بينهم من باب الشفاعة لدفع المضرة والمشقة، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة من باب جلب المنافع. فالشفاعة هي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة، وإن شئت فقل: بدفع الضير أو جلب الخير. هم ليس لهم شافعون؛ لأن من شرط الشفاعة؟ * طالب: من شرط الشفاعة (...). * الشيخ: وغيره؟ * الطالب: وغيره أن يكون المشفوع له مؤمنًا. * الشيخ: ويش الدليل؟ * الطالب: الدليل ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء ٢٨]. * الشيخ: نعم، هؤلاء لا يرتضيهم الله، فهم يقولون: ﴿مَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾؛ يعني: ما لنا أحد يشفع إطلاقًا، لا من الأنبياء ولا من غيرهم؛ لأن من شرط الشفاعة أن يرضى الله تبارك وتعالى عن المشفوع له وعن الشافع. يرضى عن الشافع؟ * طالب: من باب أولى. * الشيخ: من باب أولى، نعم، إذا كان لا بد من رضا الله عن المشفوع له فعنِ الشافع من باب أولى. وإما الإذن فهو شرط أيضًا، حتى مع رضا الله عن هذا وهذا لا بد أيضًا من الإذن، والله تبارك وتعالى لا يأذن بالشفاعة إلا لمن يرضاه، فصار لا بد من الشرطين، لا يقال مثلًا: إنه إذا ارتضى شخصًا لا بد أن يأذن له، قد يأذن، وقد لا يأذن، ولكن نعلم أنه لم يأذن إلا لمن ارتضى، وهؤلاء لا يرتضيهم الله. ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾. ﴿وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ هذه معطوفة على ﴿شَافِعِينَ﴾ باعتبار اللفظ، لو عطف عليها باعتبار المحل لكانت (ولا صديقٌ)؛ لأن ﴿شَافِعِينَ﴾ في محل مبتدأ. ﴿وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ الصديق من صدَقَك الود؛ يعني: الصاحب الصادق في وُدِّه يسمونه صديقًا، وهو أخص من الصاحب، فكل صديق صاحب، وليس كل صاحب صديقًا. وأما الحميم فإنه القريب، أو أنه يبالغ في الصداقة بحيث يحنو عليك، ثم يحنو القريب. والمؤلف يقول: (أي: يهمه أمرنا)؛ لأن الصديق الحميم الحاني العاطف أو القريب يهمه أمر صاحبه كصديقه. فهل هذه الصفة (حميم) صفة كاشفة أو صفة مقيدة؟ كاشفة، إذا قلنا: ما من صديقٍ إلا وهو حميم، فهي صفة كاشفة، وإذا قلنا: قد يكون صديقًا لكنه ليس بحميم، فهذه الصفة مقيدة بشرط أن نجعل الحميم هنا بمعنى القريب؛ لأنه قد يكون صديقًا وليس قريبًا، فإذا جعلنا الحميم بمعنى الحاني الذي يكون كالقريب لحنوه وعطفه، فهي صفة كاشفة. لكن إذا قلنا: (حميم) قريب صارت مقيدة؛ لأن ما كل صديقٍ يكون قريبًا. * طالب: (...). * الشيخ: لا، كيف؟ يعني إذا قلنا: (ولا صديق حميم) صار هذان وصفين؛ الصداقة والقرابة، ولَّا لا؟ إذن صفة القرابة ما معناها صفة الصداقة، يكون صديق وغير قريب ما فيه مانع. * طالب: يوم القيامة. * الشيخ: (...) يوم القيامة لكن ما تنفعه القرابة ولا الصداقة. ﴿وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ (رجعة إلى الدنيا)، ﴿فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (لو) للتمني؛ يعني: ليس لنا كرَّة؛ يعني رجعة إلى الدنيا، ﴿فَنَكُونَ﴾ الفاء للسببية، (نكون) منصوبة بـ(أن) مضمرة بعد فاء السببية لتقدم التمني، ولهذا يقول: (لو هنا للتمني، و(نكون) جوابه). ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾؛ يعني: ليت أن لنا كرَّةً، ﴿فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقولوا: (ليت) لأن المقام مقام تذلل وخضوع، و(لو) في التمني أقل من (ليت)؛ لأن (ليت) صريحة في الطلب، و(لو) فيها نوع من اللين والعرض؛ مثلما تقول للإنسان الذي تمنى أن يزورك: لو أنك تزورني، فإن (لو) هذه للتمني بلا شك، لكنها تَمَنٍّ فيه لين وعرض ولطف، والمقام هنا يقتضيه؛ لأنهم في مقام ذلٍّ -والعياذ بالله- وخضوع، فلم يقولوا: ليتنا نرجع، ولكنهم يقولون: ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، على أنهم في سورة الأنعام يقولون: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام ٢٧]. فيقال: الجمع بينهما أن لهم حالات أحيانًا يقولون بهذا، وأحيانًا يقولون بهذا. لكن أيهم الأول (ليت) أو (لو)؟ الظاهر (ليت) هي الأولى؛ يعني كأنهم يكونون بالأول بعزم على التمني، ثم إذا لم يحصل لهم رجعوا إلى الخضوع والعرض. لو أنهم رُدُّوا هل يرجعون؟ يقول الله عز وجل في سورة الأنعام: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام ٢٨]، هذا الخبر الصادق؛ يعني ليس قولهم: إننا إذا رجعنا نكون من المؤمنين، هذا خبر كاذب الخبر الصادق ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في قولهم: إننا ﴿نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. * طالب: في نفس المقام (...) فعل الله ﴿لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا﴾؟ * الشيخ: لا، الظاهر أنها فعل الله يمكن (...) تلك الساعة يقولونها صدقًا، ولكن الله أخبر بأنهم إذا رجعوا سيعودون إلى الكفر. ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: من المصدقين (...) الملتزمين بالعمل؛ لأن الإيمان وحده لا ينفع إذا لم يستلزم العمل فليس بإيمان، ولهذا نقول: الكفار الذين (...) مؤمنون ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل ١٤]، لكن لكونهم لا ينقادون لم ينتفعوا بإيمانهم. إبليس مؤمن ولَّا لا؟ * طلبة: مؤمن. * الشيخ: بمعنى التصديق مؤمن، لكنه مستكبر، فلم ينفعه إيمانه. وأذكر أنه حينما صعد أول رجل إلى الفضاء من روسيا وشاهد الكون أعلن بأن هذا الكون له مدبر، فجاء أصحابه.. أبدًا، يكون أشد من غيره، إذا تبين له الأمر، الآن تبين له الآن (...). * طالب: (...). * الشيخ: (...) حتى (...) منه. * طالب: إذا قلنا مثلًا: الإيمان قول وعمل واعتقاد، على هذا مثلًا نخرِج كل مثلًا من قال بلسانه أو اعتقد بقلبه كإبليس وفرعون. * الشيخ: إذا لم ينقد نعم، إذا لم ينقد فإنه ليس بمؤمن، معلوم. ولهذا قلنا: إن الإيمان هو التصديق المستلزِم للقبول والانقياد؛ قبول الخبر والانقياد للأمر (...)، هذا الإيمان، وأما مجرد الإنسان يقول: أنا مؤمن بالله وأنا أعترف بأن الله موجود وأن له رسلًا، لكنه ما يعمل، ما ينفعه هذا الإيمان. * طالب: هو أصله ما يحصل بالنفس. * الشيخ: هو إيمان لأن الإيمان الذي ينفع هو ما ذكرت، أما الإيمان فهو يطلق على مجرد التصديق. (...) هذا مؤمن بشيء لكنه كافر بأشياء، إنما الإيمان الشرعي نعم ينفع نقول: هذا ليس بمؤمن يعني إيمانًا شرعيًّا، أما لغةً فهو مؤمن. * طالب: فضيلة الشيخ، كل من كان مستكبِرًا فهو أشر. * الشيخ: (...) لأن الذي يتبين له الحق وهو يستكبر عنه يكون كفره كفر عناد، واللي ما يعرف الحق وهو الآن يعمل بعمل أهل الكفر فهذه كفره كفر جحد. فالنصارى الآن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني قبل بعثته، يعتبرون ضالين، وبعد أن بُعث وتبين لهم الحق يكونون مغضوبًا عليهم؛ إذ لا فرق بينهم وبين اليهود، كل منهم بُشر بمحمد عليه الصلاة والسلام. والله تعالى يقول في وصف الرسول: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف ١٥٧] معروف، وكفرهما على حد سواء، ولهذا ما يصح أن نقول: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ [المائدة ٨٢]، هذه ما تنطبق على زماننا هذا، ولا على ما قبله بأزمنة؛ لأن الله بيَّن: ﴿ذَلِكَ﴾ العلة ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة ٨٢- ٨٣] الآن منهم الصدِّيقون والرُّهبان مستكبرون عن الحق، داعون إلى الضلال والعياذ بالله، فلا يمكن أن ينطبق عليهم هذا الوصف، وعداوتُهم الآن للمسلمين وللذين آمنوا أيضًا خاصة، للذين آمنوا، لا للمسلمين فقط، عداوتهم ظاهرة، وهم لا ينسون أبدًا غزوات المؤمنين لهم في عُقر دارهم، ولا ينسون أبدًا الحروب الصليبية، ولا ينسون الافتتاح العظيم الذي حصل بديار أهلهم، فإن بلاد الروم كلها أُخذت، والروم كلهم نصارى، أخذت على أيدي المسلمين. يقول الله تعالى: (﴿﴿إنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ ﴾ المذكور من قصة إبراهيم وقومه ﴿﴿لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ﴾ [الشعراء: ١٠٣-١٠٤]) هذه سبق الكلام عليها، لكن يجب علينا أن نعرف أن الله تعالى إذا قال عن شيء: إن فيه آية يجب ألا نأخذه مأخذ الظاهر فقط، فلنتأمل ويش هالآيات هذي. وقوله: ﴿فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ هل المراد في جملة القصة، أو في كل قطعة من القصة؟ الإشارة إلى المجموع بلا شك، ففي كل قطعة منها آية، وفي اجتماع هذه القطع بعضها إلى بعض أيضًا آية، فتكون الآية موزعة على كل قطعة، وتكون الآية أيضًا اجتماع هذه الأشياء جميعًا يكون فيه آية. إنما المهم أن الله تعالى إذا قال لك: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ يجب عليك أن تتأمل وتتفكر وتعتبر؛ لتُظهِر هذه الآية. وقوله: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ سبق أن الضمير في قوله: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ﴾ الراجح أنه يعود إلى من كانوا في عهد النبي ﷺ. وقوله: ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذه حجازية ولَّا تميمية؟ * طالب: هذه حجازية. * طالب آخر: هذه حجازية لكن (...). * الشيخ: هذا الصواب، ولهذا بعض الطلبة يتوهم أن (ما) هي التي عملت، والصواب أن اللي عمل (كان)؛ لأنك إذا جعلتَ (ما) هي العاملة جعلت (كان) زائدةً. والأصل عدم الزيادة، (...) هو نفي للكون ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يعني لم يكن أكثرهم من ضمننا. ثم قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥] المؤلف يبغي يذكر جوابًا على تأنيث الفعل مع أن الفاعل مذكر. ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ أولًا نوح عليه الصلاة والسلام هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، أول رسول بُعِث إلى أهل الأرض هو نوح عليه الصلاة والسلام. وآدم أول نبي نُبِّئَ، فإنه كان نبيًّا بلا شك، ونوح أول رسول. وإنما كان آدم نبيًّا للضرورة؛ لأنه لا بد أن يتعبد لله، ولا عبادة لله إلا بما شرع، ولا شرع إلا بوحي، لكنه لم يرسَل؛ لعدم دعاء الحاجة إلى ذلك؛ إذ الناس كانوا متفقين، فلما اختلفوا بعث الله الرسل؛ ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [البقرة ٢١٣] وفي قراءة ابن عباس: ﴿﴿فاختلفوا﴾ ﴾ وهذه جملة لا داعي لها؛ لأنها مفهومة من قوله: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣]. فعلى كل حال في عهد آدم ما حاجة إلى الرسالة، إنما النبوة فقط، وهو يتعبد لله وأبناؤه، بل أولاده يتبعونه في ذلك على وجه الاتفاق بينهم، ولما كثُرت الأمة وانتشرت في الأرض اختلفت، فصارت الحاجة داعية بل الضرورة داعية إلى إرسال الرسل، فبعث الله تعالى نوحًا، وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض؛ كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣]، وكما هو صحيح صريح في «حديث الشفاعة أنهم يذهبون إلى نوح فيقولون له من جملة ما يتوسلون به إليه: أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤٧٦)، ومسلم (١٩٣/ ٣٢٢) من حديث أنس.]]، لكن إذا قلنا: إنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فهل نقول: إنه أُرسِل إلى الناس كافة؟ فيحتاج حينئذ إلى أن نجمع بينه وبين قول النبي ﷺ: «وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١) من حديث جابر بن عبد الله.]]. * طالب: (...). * الشيخ: هم يقولون: أول رسول، الأولية ما تصدق إلا بالانفراد، ولَّا لا؟ * طالب: بلا. * الشيخ: لأنه لو شاركه غيرُه ما كان هو الأول، كان هو وغيره هو الأول. فقد يقول قائل: لعل أحدًا بُعث في زمنه، بُعث في حياته لكن في غير مكانه. وقد نقول بظاهر الأول وأنه إنما بُعث إلى الناس لأن الناس كانوا في ذلك الوقت أمة واحدة قليلين لم ينتشروا كثيرًا في الأرض، فكان هؤلاء الناس بمنزلة القوم في الرسل الذين بعدهم. وعلى هذا الطريق نَسلَم من الإشكال الآخر، وهو أن الله تعالى أغرق جميع أهل الأرض في عهد نوح إلا من آمن معه؛ إذ يقال: كيف يغرقون ولم يُبعَث إليهم رسول؟! فلولا أن نوحًا كان رسولًا إليهم ما أُغرقوا جميعًا. وإن كان من الجائز أن يُقال: لعله أيضًا الذين بُعث إليهم في زمنه كذبوا رسلهم، لكن ظاهر الآيات أن الذين غرقوا إنما غرقوا بسؤال نوح. على كل حال هذا إشكال دائر بين العلماء من قديم، وقد أجابوا على ذلك بأن نوحًا عليه الصلاة والسلام كانت رسالته إلى الناس كافةً في ذلك الوقت عرَضًا لا أصلًا. وفرق بين من يأتي إلى أمم مختلفة أُرسل إلى كل أمة رسول، ثم يقال لهؤلاء الأمم كلهم: يجب أن تتبعوا هذا الرسول لتكونوا أمةً واحدةً، وبين من لم يُبعَث إلا في قومه فقط؛ في أمة واحدة فقط؛ فإن كونه مبعوثًا إليهم جميعًا على سبيل الاتفاق والعرَض، لا على سبيل القصد. وبهذا تظهر الميزة بين محمد ﷺ وبين نوح عليه الصلاة والسلام، ونسلَم من الإشكال، فنقول: نوح أُرسِل إلى قومه، وليس هناك أمم مختلفة يجب أن يتوحدوا على رسول كما كان في عهد النبي محمد ﷺ. وكونه مرسَلًا إلى جميع الناس في ذلك الوقت ليس من باب القصد، بل هو من باب الاتفاق والعرَض، يعني أنه اتفق أن الناس كلهم انحصروا في قوم نوح. فهنا ما قُصِد من رسالته أن تكون شاملة لجميع الأمم، بخلاف رسالة النبي ﷺ؛ فإنه قُصد أن تكون شاملة، وأن يتوحد اليهود والنصارى والمجوس والوثنيون كلهم يتوحدون في أمة واحدة؛ لفرقٍ بين العمومين؛ العموم القصدي والعموم الاتفاقي العرَضي. هذا نوح يقول الله: إن قومه كذبوا المرسلين، ونحن نعلم أنهم ما كذبوا إلا رسولًا واحدًا، ولَّا لا؟ ليس قبله أحد حتى نقول: كذبوا هذا وهذا، يقول المؤلف في الجواب عن هذا: (بتكذيبهم له لاشتراكهم) أي المرسلين (في المجيء بالتوحيد) إذا اشتركوا كلهم في المجيء بتوحيد الله عز وجل والقيام في طاعته صاروا جنسًا واحدًا، وتكذيب واحد من الجنس تكذيب للجميع؛ إذ إنهم لم يكذبوا نوحًا لأنه اسمه نوح، لكن كذبوا نوحًا لأنه جاء وقال: إنه من رب العالمين. وعلى هذا فإذا جاء هود كذبوه ولَّا لا؟ * طالب: بلا كذبوه. * الشيخ: بلا؛ إذ لا فرق. إذا جاء صالح كذبوه، إذا جاء موسى كذبوه، إذا جاء محمد كذبوه، لماذا؟ لأنهم كذبوه للجنس لا للشخص؛ لأنه أتى بما يخالف ما هم عليه، فكذبوه لذلك، فيكونون مكذبين لجميع الرسل. ولهذا الآن نقول للنصارى الذين يدعون أنهم مؤمنون بعيسى عليه الصلاة والسلام: إنكم كافرون به مكذبون له، لماذا؟ لأنهم كذبوا محمدًا ﷺ، لا سيما وأن رسولهم ﷺ عيسى بشرهم به ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف ٦]، وهل يبشرهم بمن ليس لهم؟ لا يبشرهم بمن ليس لهم، أرأيت لو أن مولودًا لفلان وُلد، هل أجيء إليك وأقول: أبشر بمولود فلان؛ إذا كان ما بينك وبينه ارتباط؟ لو أن إنسانًا قدِم ليوزع جوائز على آل فلان، هل أبشرك بقدومه؟ أبدًا، ولو بشرت به لَعُدَّ سَفَهًا. إذن لم يبشرهم عيسى إلا لأنه رسول إليهم، ولهذا قال: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ يعني عينه بالاسم حتى لا يبقى فيه إشكال فيما بعد، ولكن -والعياذ بالله- هم كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام ليكونوا من الكافرين بعيسى بن مريم. واليهود كذلك كفرهم بمحمد عليه الصلاة والسلام كفر بموسى وبالتوراة التي وُجد فيها رسولُ الله مكتوبًا عندهم ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦] مثلما أن الإنسان يعرف ابنه؛ هم يعرفون محمدًا ﷺ بوصفه، ولكنه الاستكبار والعياذ بالله. * طالب: ﴿اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ من قَبيل العَلَمية ولا من قبيل الوصف؟ * الشيخ: لا من قبيل العلمية؛ لأن الرسول سمى نفسه أحمد في غير حديث. من قبيل العلمية. * طالب: شيخ بالنسبة لآدم نقول: إنه نبي وليس برسول، يعني لأنه نُبِّئَ بالشرع فهو يتعبد به؟ * الشيخ: يتعبد به ولم يختلف عليه أحد. * الطالب: طيب أولاده كيف وصلت إليهم (...)؟ * الشيخ: رأوه يفعل ففعلوا؛ لأن عادة أن الإنسان يقلد من هو أكبر منه، وليس هناك موانع وفوارق تمنعهم وتفرقهم عن تقليده. * الطالب: قد تكون فيه أشياء قولية تحتاج إلى تفسير؟ * الشيخ: هو يمكن فهَّمهم، سيفههم، يفههم من فعله ومن قوله، إذا رأوه يقول ويفعل قالوا وفعلوا مثله. * الطالب: إذن صار مرسلًا. * الشيخ: لا، المرسَل: المبلَّغ المكلَّف، أما هذا فليس بمكلَّف. ولهذا نقول مثلًا: إن الجن انتفعوا برسالة موسى، ولَّا لا؟ والمعروف عند أهل العلم أنه لم يصل إليهم، وأنه ما أُرسل إلى أحد من الجن إلا محمد ﷺ، (...) ﴿يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأحقاف ٣٠] وهذا يدل على أنهم كانوا منتفعين بكتاب موسى. * طالب: أهل العلم أيش دليلهم على أن الرسل السابقين لم (...) ما دام الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]؟ * الشيخ: يقولون: إن النبي يُبعث إلى قومه، وقومه: قبيلته ومن يتصل بهم، والجنُّ ليسوا من جنسه حتى يكونوا من قومه. * طالب: (...). * الشيخ: صحيح، هذه ما تدل على عموم الرسالة إلى الجن؛ لأن الجن ليسوا من الناس، لكن في كون الرسول عليه الصلاة والسلام يجتمع بهم ويواعدهم، ويتلو عليهم القرآن، ويخبرهم بما فيه يدل على أنه مرسَل إليهم. * طالب: (...) يعني ما فيها نفي (...) أرسل (...). * الشيخ: لا، (...) يرسل إلى قومه، والجن ليسوا منهم. * الطالب: الجن الذين يعيشون عند القدوم؟ * الشيخ: لا، أوافق (...) من الإنس والجن، حتى لو قال: من الجن لكان في النفس منها شيء؛ لأن الجن ليسوا من قومه. * الطالب: وإنما يعيشون عند القوم. * الشيخ: ولو عاشوا، لو عاشوا عند قوم ما صاروا منهم. * الطالب: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦] (...) يعبدون (...) بالهوى، إلا بشرع. * الشيخ: يبقى عندنا (بشرع)، كلمة (بشرع)، هم يتعبدون لله بشرع (...) لكن هل منهم رسل أو ليس منهم رسل؟ هذه المسألة أيضًا موضع نزاع بين العلماء؛ منهم من قال: منهم رسل؛ لقوله: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام ١٣٠] ﴿رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ والرسول لا بد أن يكون من جنس مَن أُرسِل إليه؛ لقوله: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ [الأنعام ٩]، ولا يمكن أن يُرسَل إلى الجن بشر. ومنهم من قال: إن قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ يعود إلى المخاطَبين باعتبارهم مجموعًا ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ يخاطب اثنين، والضمير في ﴿مِنْكُمْ﴾ يعود إلى أحد الاثنين. مثلما قالوا على زعمهم: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن ١٩ - ٢٢] وزعموا أن اللؤلؤ والمرجان لا يخرج إلا من المالح، وإن كان الصواب أنه يخرج منهما جميعًا، لكن على كل حال عود الضمير على واحد من المجموع إذا فُقد الجميع سائغ لغةً. وبعضهم يقول: إن المراد بالرسل هنا النُّذُر، فسُمُّوا رُسُلًا لمشابهتم لهم، والنذر لا شك أنهم يأتون إلى الجن كما يأتون إلى الإنس. * طالب: شيخ، (...) الراجح (...). * الشيخ: الراجح أنه ليس منهم رسول؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ﴾ [يوسف ١٠٩]، والجن لا يُسَمَّونَ رجالًا. * طالب: ثبت في الحديث أن أحد ابني آدم قتل (...) فهذا يدل على (...). * الشيخ: إي نعم، ما فيه شك أن العدوان لا بد منه، يعني هذه (...) ولكن هذا لا يلزم منه أن يستكبر عن عبادة الله (...) ألا يصلي، ألا يصوم، ألا يتعبد، مثلما (...) العدوان من كثير من العُبَّاد. * طالب: (...). * الشيخ: لا (...)، لكن الأنبياء؛ لأن النبي غير الرسول، النبي من أُوحي إليه. * الطالب: (...) لأن لم يوح إلى (...). * الشيخ: ﴿كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ﴾ [النساء ١٦٣] يعني معه لأن الوحي الذي يُشَبَّه بوحي محمد عليه الصلاة والسلام هو من نوح فما دونه. الوحي المشَبَّه بوحي الله إلى رسوله محمد ﷺ هو ما كان لنوح ومن بعده؛ ليش؟ لأنه وحي مقرون بالإنسان. * طالب: (...)؟ * الشيخ: (...) هو بالأصل، الأصل هو (...). * الطالب: (...). * الشيخ: لا، لكن آدم عليه الصلاة والسلام ما هو كما أوحى الله إلى محمد عليه الصلاة والسلام. هو وحي خاص فقط غير مكلَّف بتبليغه. * طالب: (...) مخبِرًا أنه سوف (...)؟ * الشيخ: إذا قال: إنه غير مقصِّر انتهينا، قال مستكبرًا. * الطالب: (...). * الشيخ: إذا صار عامةً نقول: لا، إن الله تعالى بشركم أيها النصارى على لسان عيسى نبيكم بمحمد. * الطالب: (...). * الشيخ: نقول: إذا كنت لا تعتقد إلا أنه مخبِر بأنه سوف يُبعَث رسول فإن هذا من ضلال قومه الذين أضلوه، وإلا ما فيه شك، ما عندنا شك أن عيسى بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام، بشرهم (...) البشارة. * طالب: ابن القيم (...). * الشيخ: ما هو فيه شك، من كذب أي رسول فهو منكر لله، أو واصف الله بما لا يستحق؛ لأن الله تعالى يؤيد الرسول بالآيات، فإذا كان ثابتًا لزم أن يكون الله تعالى غير موجود أو أنه تعالى والعياذ بالله خائن أو ما أشبه ذلك. * * * قال الله تعالى فيما سبق من الفوائد: * أولًا: انتفاء الشفاعة عن المكذبين للرسل، أنه لا يُشفَع لهم. منين تؤخذ؟ * طالب: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ [الشعراء ١٠٠]. * الشيخ: من قوله: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾. * وفيها أيضًا من الفوائد: سب هؤلاء بعضهم بعضًا. * طالب: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ﴾ [الشعراء ٩٧ - ٩٩]. * الشيخ: فإن هذا قدح فيهم؛ من جهة أنهم أضلوهم، ومن جهة أنهم مجرمون. * وفيه دليل على انتفاء التشبيه عن الله. * طالب: قولهم: ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. * الشيخ: ﴿إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء ٩٧، ٩٨]. وهذا التشبيه (...) تشبيه الخالق بالمخلوق أو المخلوق بالخالق؟ * الطالب: تشبيه المخلوق بالخالق. * الشيخ: المخلوق بالخالق، إي نعم. * ويستفاد من هذا الحديث: إثبات الشفاعة للمؤمنين. * طالب: من قوله: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ [الشعراء ١٠٠] نفوا أن يكونوا شافعين (...). * الشيخ: إي، كأنهم رأوا أن المؤمنين يشفعون بعضهم لبعض قالوا: نحن ما لنا من شافعين ولا صديق حميم. * وفيه دليل على الندم البالغ الذي يصيب هؤلاء في ذلك اليوم. * طالب: من قوله (...) لو رجع إلى الدنيا. * الشيخ: لو رجعنا إلى الدنيا ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ١٠٢]. هذا التمني هل هو صحيح؛ لو رجعوا لكانوا مؤمنين؟ * طالب: لا. * الشيخ: ويش الدليل؟ * الطالب: لأن الله تعالى قال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام ٢٨]. * الشيخ: قال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. طيب نوح عليه الصلاة والسلام من هو؟ * طالب: هو أول رسل الله؟ * الشيخ: أول رسول أرسله الله. * الطالب: أول رسول أرسله الله إلى الأرض. * الشيخ: ويش الدليل؟ * الطالب: الدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣] فكونه أوحى إلى نوح (...). * الشيخ: (...) الدلالة من الآية؟ * الطالب: ﴿كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ﴾ كما أنه أوحي إليك ورسول إلى هؤلاء فإن نوحًا قد أُرسل من قبل. * الشيخ: ما يلزم من كونه قبل الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون أول الرسل. * الطالب: ﴿كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾. * الشيخ: ﴿وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ نعم هذا. * الطالب: يدل على أنه قبلهم. * الشيخ: وأيضًا في «حديث الشفاعة: أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤٧٦)، ومسلم (١٩٣/ ٣٢٢) من حديث أنس.]] صريح. كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥] مع أنه أول الرسل؟ * طالب: أن رسالة الأنبياء واحدة، فمكذبو نوح عليه السلام لم يكذبوه لشخصه أو لأن اسمه نوح، ولكن كذبوه لأن ما جاء به هو التوحيد، فلو جاء كل نبي بالتوحيد لكذبوه، فهم مكذبون بالمرسلين. أو أنه لطول مكثه عليه السلام في قومه مئة سنة إلا خمسين عامًا كأنه رسل. * الشيخ: نعم، طيب. * ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن التكذيب بالحق من شخص تكذيب به من جميع الأشخاص. * طالب: قوله: ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥]. * الشيخ: ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ مع أنه ما كذبه إلا واحد، لكن في الحقيقة هم كذبوا الحق، سواء جاء به نوح أو غيره، ولهذا صاروا مكذِّبين لجميع الرسل. * وفيه دليل على أن نوحًا أُرسل إلى جميع الناس. * طالب: لأن قوم نوح هم أول الناس. * الشيخ: كيف؟ * الطالب: (...). * الشيخ: ما يكفي هذا. * طالب: لقوله تعالى: ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ [الشعراء ١٠٥]، ولم يقل: أخوهم. * طالب: (...). * الشيخ: (...). * طالب: (...) أخوهم. * الشيخ: كتير قال: أخوهم، كل (...) أخوهم إلا شعيبًا. * طالب: (...). * الشيخ: فيه دليل على أن نوحًا بُعث إلى جميع الناس. * طالب: (...). * الشيخ: ما (...) وجه الدلالة من هذا، أنا أقول هكذا فما وجه الدلالة؟ * طالب: قوله: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥] فهم قد كذبوا عامة المرسلين، فيدل على أنهم جمع للمرسلين (...). * الشيخ: لا. ما دمنا قلنا: إنه أول الرسل، أول رسول ومرسل إلى قومه، يعني ما فيه أحد غيره، لو كان ثمة رسول لشاركه في الأولية. * طالب: (...). * الشيخ: قررنا أن نوحًا .. المشكلة في نوح فسرناها بأنه الرسول الذي بعثه الله تعالى أول ما بعث من الرسل. * طالب: قد يقول قائل: نعم ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء ١٠٥] القوم الذين بُعث فيهم لوحدهم، وفيه أقوام ما أُرسل إليهم. * الشيخ: ما يمكن، ولهذا إحنا قلنا أمس، قلنا: يحتمل أن الله بعث رسلًا آخرين بعد بعثة نوح في زمنه إلى قوم آخرين، فلا يكون مرسَلًا إلى جميع الناس، لكن على كل حال ما دام أول لحظة بُعث إلى هؤلاء يكون ما فيه رسول غيره. وقد قلنا: إن هذا لا ينافي عموم رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه في ذلك الوقت ما فيه إلا قومه ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات ٧٧]. وهذا أمر ليس قصدًا وإنما هو باتفاق، وقع اتفاقًا. ومعنى وقع اتفاقًا أن الله تعالى لما أرسله لم يكن في الأرض سوى قومه. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن الأقوام كثيرون: بنو إسرائيل والعرب والأجناس الأخرى، ومع ذلك فهو مبعوث إليهم جميعًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب