الباحث القرآني

الطالب: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء ١ - ١١]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تقدَّم أن الله سبحانه وتعالى بيَّن جزاء عباد الرحمن بأنهم ﴿يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان ٧٥]، وأنَّ الصبر؟ * طالب: (...). * الشيخ: أنواعه، هذه ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ (...)، الباء معناها؟ * طالب: الباء هنا (...). * الشيخ: و(ما)؟ * طالب: و(ما) بمعنى الذي. * الشيخ: بمعنى الذي؟ بالذي صبروا؟ أولئك يُجْزَون الغرفة بالذي صبروا؟ * الطالب: لا، (ما) مصدرية. * الشيخ: (ما) مصدرية. * الطالب: بصبرهم. * الشيخ: أي: بصبرهم. إذا قلنا: الباء للسببية، فكيف تجمع بينها وبين قوله تعالى: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧]؟ فاهم الآن؟ أقول: كيف تجمع بين قوله: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ و﴿يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان ٧٥] هما متفقان، ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مثل ﴿يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان ٧٥]، الباء للسببية لهذا وهذا، لكن يحتاج إلى الجمع بينهما، والحديث الصحيح: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦ / ٧١) من حديث أبي هريرة.]]. يجمع بينهما؟ * طالب: (...). * الشيخ: تمام؛ لأننا نقول: الباء للعوض؛ (...) باء العوض؛ يعني: ما يمكن العمل عوضًا؛ لأنه لو كان عوضًا، وأراد الله أن يقتصَّ من العامل لكان العمل ما يكافئ نعمة من النعم، واضح؟ وأما الآيات والأحاديث التي تُثبِت أن العمل يدخل به الجنةَ الإنسانُ، وينجو به من النار، فهذه للسببية، واضح؟ إذا قلت: بعت عليك ثوبًا بدرهم، الباء هنا ويش هي؟ * طالب: للعوض. * الشيخ: للعوض معلوم، ما هو بسبب الدرهم، لو كان الدرهم معك ما أعطيتكَ الثوب، مجرد أن كونه معك، لكن إذا عوضتني به أعطيتُك الثوب، فهذا هو الفرق. قوله تعالى: ﴿تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾ [الفرقان ٧٥] هل هما مترادفان ولَّا متغيران؟ * طالب: (...). * الشيخ: كيف ذلك، والصحيح (...)؟ * الطالب: (...). * الشيخ: ما دام قلنا: إن كل الكلام تحية.. * الطالب: إي نعم (...). * الشيخ: إذن.. * طالب: العام التحية. * الشيخ: أيُّ العام؟ * الطالب: العام التحية. * الشيخ: العام التحية، ثم إن التحية أيضًا كما تقولون بالقول تكون بالفعل؛ ولهذا يقال: حيَّاه بالتُّحَف (...) بالمنزل، وما أشبه ذلك. قوله: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ [الفرقان ٧٧] الرسول أمر بأن يخاطب مَنْ؟ * طالب: (...). * الشيخ: حتى المؤمنين، إذن: فقد كذبتم، هذا وجه السؤال، شوف (...) المناقشة؛ يأمر نبيه. * الطالب: (...). * الشيخ: يرفع عنهم العذاب. * طالب: في قوله: ﴿لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ ما (...)؛ يعني: تكفرون، ثم بيَّن أنهم بعد تكذيبهم للنبي ﷺ وجهادهم ضد الحق أنهم الآن يحِلُّ بهم العذاب، ويكون لزامًا لهم في الدنيا والآخرة، وفي هذا ما يثبت عذاب القبر أيضًا. * الشيخ: المهم أن المعنى: الخطاب للكفار، والمعنى: لولا دعاؤهم الله لعجلهم بالعذاب، طيب، ويش دعاؤهم؟ * طالب: دعاؤهم إذا قلنا: يا رب، اللهم.. * الشيخ: لكن متى يكون هذا الدعاء؟ * طالب: (...) قوله تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت ٦٥]، يعني: عند الاحتياج والضرورة يدعون الله سبحانه وتعالى. * الشيخ: فهذا هو ظاهر الآية؛ لقوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾، وقيل: إن المعنى: الخطاب للمؤمنين، وأن المراد بالدعاء العبادة؛ يعني: ما يصنع الله بكم لولا عبادتكم، ويصير: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ انتقال إلى خطاب آخرين. لكن في هذا تشتيت الضمائر في الواقع، واختلاف السياق بعضه مع بعض، وما دام المعنى صحيحًا مع وجود التناسق بين الكلامين فهو أولى. لكن في هذه الحال دعاء مضطر، والله سبحانه يقول: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل ٦٢] عام، فدعاء المضطر، ودعاء المظلوم لذاته؛ لأن المضطر في تلك الحال يعلم أنه مضطر إلى الله، إذا سأله سؤال افتقار، وسؤال حاجة، والله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين، ما أحد يحتاج إليه ويدعوه ولو كان كافرًا إلا أجابه. * طالب: (...). * الشيخ: إي، يستجاب. * الطالب: ولو كان كافرًا؟ * الشيخ: ولو كان كافرًا، إي نعم، اقرؤوا الآية على تقبل العمل، (...) سياق عمل؛ قرَّب أحدهما قربانًا، فتقبَّل منه والثاني لم يتقبل، فقال: إنما يتقبَّل الله من المتقين. * طالب: (...) دعاء عمل. * الشيخ: إي لكن دعاء سؤال وإلحاح؛ يعني: واحد محتاج يسأل؛ يعني: كريم إذا سأله السائل ولو كان أعدى عدو له هو يعطيه؛ لكرمه، ما هو لذات السائل، مثل ما المظلوم يجاب ولو كان كافرًا، ليس لشخصه، ولكن إقامةً للعدل. * طالب: (...). * الشيخ: أيهم؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا، ما هو (...)؛ ولهذا يُقبَل الدعاء حتى من غير المتقي مثل ما ذكرنا، ثم إنَّ الله تمدَّح ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل ٦٢]، أن اللهَ بيَّن ﴿إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت ٦٥]. سورة الشعراء الشعراء: جمع شاعر، وسُميِّت به؛ لأنه ذُكِرَ في آخرها. والتسمية للسور: منها شيء توقيفي من النبي عليه الصلاة والسلام، ومنها شيء اجتهادي؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام أحيانًا يذكر السورة بعينها؛ مثلما قال: «اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ»[[أخرجه مسلم (٨٠٤ / ٢٥٢) من حديث أبي أمامة الباهلي.]]، وأحيانًا لا يذكرها ولا يُبَيِّن اسمَها، ولكن يجتهد الصحابة في تسميتها. وتسمية السور أيضًا قد تكون واحدة؛ بمعنى أن تُسمَّى السورة باسم واحد، وقد يكون للسورة عدة أسماء. ومن التُّحَفِ الغربية أن سورة الإسراء تُسَمَّى سورة بني إسرائيل، وبعض القوميين أنكر ذلك قال: ما يمكن (...) بني إسرائيل خصوصًا اليهود، فأنكروا هذا الشيء مثلما أنهم أثبتوا -القوميون- أثبتوا أن اليهود قتلوا عيسى بن مريم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ﴾ [النساء ١٥٧]؛ ولهذا لما اجتمعت الكنيسة قبل أعوام، وأصدروا بينانًا ببراءة اليهود من قتلِ المسيحِ عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قامت القيامة من القوميين (...)، كلٌّ يجادلون بالباطل، والحقيقة أن هذا لا يضر إسرائيل شيئًا، وإنما يضرُّهم هم بتكذيبهم للقرآن، ثم إنهم ما زالوا الآن اليهود لهم ثلاثون سنة أو أظن أكثر، (...) وأربعين، والآن نحن في ثمانين؛ أكثر من ثلاثين سنة، اثنين وثلاثين سنة، وهم محتلُّون القدس، وهؤلاء القوميون كالكلاب تنبح لكن لا تصل، ولا غرضهم أيضًا القضاء على اليهود، ولا يريدون ذلك أبدًا، وإنما غرضُهم البقاء على كراسيِّ الحكم فقط، وإلَّا فنحن نعلم بقرائن الأحوال أنهم لا يريدون القضاء عليها أبدًا، بل يريدون أن تبقى المسألة هكذا (...) مشاعر السُّذَّج والسطحيين. (...) رحمه الله له قصيدة جيدة جدًّا في هذا المعنى اسمها فلسطينيات، وذكر أن قضية فلسطين مثل الدمية الصورة التي يلعب بها الطفل يتلهَّى بها، وهذا صحيح وحق. الدليل على ذلك أن القضاء على إسرائيل لا يكون إلا عن عقيدة؛ لأنهم هم يحاربون عن عقيدة، وقد قيل لي: إنهم لما احتلوا أرض فلسطين ودخلوا مدينة القدس، جعلوا يُقَبِّلون تراب الأرض ويبكون؛ لأنهم يحاربون عن عقيدة، ونحن لا نحارب عن عقيدة بلا شك، الذين واجهوا اليهود لا يحاربون عن عقيدة إلا عن عقيدة قومية لا انتصار بها؛ ولهذا نحن نحمد الله بعد هذه الهزيمة العظيمة النكراء أن هذه الهزيمة ليست هزيمة دين، وإلا لتضاعفت نكباتها، ولكنها هزيمة عصبية، وهزيمة العصبية ما تهم، اللي يهم أن تكون هزيمة باسم الدين، فيقالُ: غُلِبَ الإسلام، ولكنهم لا يقولون: غلب الإسلام، وإنما يقولون: نُكِبَ العرب، فهذا مما يُخَفِّف عنا القضية، وإن كنا وإن كانت ثقيلةً علينا على كل حال، ولكن مع ذلك اليهود يزدادون (...) لأقدامهم في مدينة القدس، ولن يخرجوا منها إلا بصلاح المسلمين؛ ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥] هؤلاء هم الذين يرثون الأرض، أما غير الصالحين فلن يرثوها، اللهم إلا إزالة من هو أظلم، قد يكون ذلك، لكن انتصارًا لحق ما يمكن من غير صالحين، فإذا صلح المسلمون، ورجعوا رجوعًا حقيقيًّا إلى الله، حينئذ ينصرون، وإلا فلا نصر لهم؛ ولذلك الآن اليهود يثبتون أقدامهم في القدس. في الليلة الماضية أنا سمعت أنهم سينقلون مكاتب الحكومة إلى القدس الشرقية، معنى ذلك أنهم ما عندهم نية يخرجون، وسمعتُ مرة من خطيبٍ في مصر يقال له: عبد الحميد كشك، يقول: إنه سمع أن جولد مائير رئيسة الوزراء حين النكبة تقول: إذا كان من الجائز أن نتنازل عن تل أبيب فليس من الجائز أن نتنازل عن القدس؛ يعني: مع ذلك -صرح به يقول في لندن- معنى ذلك أنهم ما يمكن يتنازلون، وهذا صحيح، أناس يجيب الله لهم بلدًا مقدَّسًا، قيل لهم في التوارة: إنها الأرض التي كتب الله لكم، فوعدهم إياها موسى؛ ولهذا يسمونها أرض الميعاد، ثم يتركونها لعرب، ما يمكن هذا. * طالب: شعارهم (...) على كل ملة (...) كفر، يعني صريح. * الشيخ: إي نعم، نعوذ بالله. * طالب: في حديث يقول -ما أدري عن صحته-: «إنه في آخر الزمان أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق»[[أخرج مسلم (٢٩٤٩ / ١٣١) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».]]، هل هذا الحديث صحيح؟ * الشيخ: صحيح. * الطالب: يعني: على شرار الخلق، كيف يعني؟ يعني: يضعف الإيمان (...)؟ * الشيخ: إي نعم، يضعف الإيمان. * طالب: ولكن يا شيخ ما يكون هناك أناس صالحون يبقون على هذه الحالة (...)؟ * الشيخ: حتى يأتي أمر الله، إي، أمر الله بأي شيء؟ * طالب: الريح الطيبة. * طالب آخر: بأمر الله؛ للقضاء على (...). * الشيخ: القضاء على الإسلام. * الطالب: القضاء على الإسلام؟ * الشيخ: إي نعم، لا تزال ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله؛ لأن إذا جاء أمر الله ذهب ظهورهم. * طالب: الأشخاص هؤلاء يذهبون مع اللي ذهبوا. * الشيخ: مثلما قال الرسول: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا يَقْبِضُهُ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣ / ١٣) من حديث عبد الله بن عمرو.]]، فيموت العلماء ويموت الناس المسلمون شيئًا فشيئًا حتى تنقضي الدنيا. الشعراء يقول: (مكية -والمكي هو الذي نزل قبل الهجرة على القول الصحيح؛ يعني: فالمعتبر الزمن لا المكان- إلَّا ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ ﴾) إلى آخره، أربع آيات ﴿الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء ٢٢٤ - ٢٢٦]، هذا الاستثناء كما قلنا سابقًا ونقوله الآن: ليس بمقبولٍ إلَّا إذا دلَّ الدليل عليه، والدليل عليه تارة يكون بالنقل، وتارة يكون بالمعنى، والمعنى قد يكون واضحًا، وقد يُنازَع فيه، فهنا المؤلف استثنى هذه الآيات الأربع بقرينة السياق؛ لأن قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [الشعراء ٢٢٧] هذه قِيل: إنها نزلت حينما قال حسان رضي الله عنه لما نزلت الآية.. تأثَّر لها؛ فأنزل الله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾، والانتصار بعد الظلم متى كان في المدينة ولَّا في مكة؟ * الطلبة: في المدينة. * الشيخ: في المدينة، كان في المدينة، فمِن ثَمَّ قالوا:إن هذه الآيات إنها مدنية. ثم قال: (وهي مئتان وسبع وعشرون آية)، وتقسيمُ الآياتِ هذا أيضًا توقيفيٌّ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام ليس له شأن في تقسيم الآيات، تَنزِلُ الآيات من عند الله مُقَسَّمة، وأيضًا الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بوضعها في مكانها من السورة فهي توقيفية أيضًا في الترقيم. قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وقد تقدم الكلام على ذلك كثيرًا، وقلنا: إن البسملة متعلقة بفعل محذوف متأخِّر، ويش بعد؟ مناسبٍ لما يُسَمَّى عليه، فمثلًا: بسمِ الله الرحمن الرحيم، عندما تريد أن تقرأ تقول: التقدير: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ، وقُدِّرَ فعلًا لأنه الأصل في العمل، وقُدِّر متأخرًا لإفادة الحصر والتبرك بتقديم اسم الله، وقدِّر مناسبًا لأنه أخصُّ، وإلَّا يجوز أن تُقَدِّر: باسم الله أبتدِئ، ولكنه إذا قُدِّر خاصًّا فهو أخص وأدلُّ على المقصود. (﴿طسم﴾ الله أعلمُ بمرادِه بذلك)، وهذا يحتمل قوله: (بمراده بذلك) يحتمل أنه يقصد أن لهذه الكلمة، أو لهذه الحروف معانٍ، والله أعلم بها، ويحتمل أن مراده الله أعلم بذلك، أي: بالغرض الذي من أجله أتى بهذه الحروف الهجائية، أفهتم الآن؟ وبين المعينين فرقٌ؛ يعني على التقدير الأول: يكون هذه الكلمة لها معنى، لكن ما هو بمعروف، وعلى التقدير الثاني: يكون لا معنى لها، ولكن ما هو الحكمة في الإتيان بها؟ غير معروفة. أما احتمال أن يكون لها معنى، فهذا بعيد؛ وجهُ البُعد أن القرآن أتى بلسانٍ عربيٍّ، وأن هذه الحروف الهجائية بمجرد كونها حروفًا ليس لها معنى، والله سبحانه وتعالى لا يُنَزِّل لنا حروفًا هجائية، ويُقصَد بها المعنى؛ لأن هذا خلافُ أن يكون القرآن بيانًا وخروجًا عن مقتضي اللغة العربية. وأما الاحتمال الثاني: وهو أن يُقال: اللهُ أعلم بما أراد بالغرض الذي مِن أجله أتى بهذه الحروف الهجائية، فهذا حَقٌّ، حَقٌّ إذا قال الإنسان: أنا ما أعلم، الله أعلم. ولكن بعض أهل العلم أبدى مناسبة، وقال: إن من المناسبات أن القرآن الكريم المُعجز للناسِ أجمعين أنه لم يأتِ بأمر غريب، وإنما أتى بكلماتٍ من هذه الحروف التي يتكوَّن منها كلامُ الناس، ومع ذلك أعجزهم؛ لأنه لو أتى بحروف جديدةٍ غير معلومة للناس لقيل: إن إعجازَه ظاهر، ولا أحد يقدر، لكن وجه الإعجاز وتمام الإعجاز أن يأتي بحروف هي من حروف الكلام الذي يتكلَّم به الناس، ومع ذلك يُعْجِزُهم، واستأنسوا لهذه المناسبة، أو لإثباتِ هذه المناسبة بأنك لو تدبَّرت هذه السور التي ابتُدِئت بالحروف الهجائية لوجدتها يُذكَر بعد الحروف ما يتصل بالقرآن. ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ١، ٢]، ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ١ - ٣]، ﴿المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١، ٢]، ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس ١]، ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود ١]، ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [يوسف ١]، ﴿المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد ١]، ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم ١]، ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر ١]، ﴿كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ [مريم ١، ٢]، ﴿طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه ١، ٢]، ﴿طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الشعراء ١، ٢]، ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل ١]، ﴿طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [القصص ١، ٢]، ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم﴾ [العنكبوت ١ - ٣]، ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم ١ - ٣]، ﴿الم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [لقمان ١، ٢]، ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة ١، ٢]، ونمشى على هذا. بقي أنه يجب أن تقولوا: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت ١، ٢]، و﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم ١ - ٣]، و﴿كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ [مريم ١، ٢] ما فيها للذكر للقرآن. فيقال: فيها ذكر للقرآن؛ ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ هذا وحي، و﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم﴾ فإنَّ قصص وأخبار الأولين إنما كان بالوحي، و﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾، إخبار أيضًا عن أمرٍ مستقبلٍ من أمور الغيب لا يُعْلم إلا بالوحي، ثم لو فُرِضَ أن هذا ليس بواضح، فإن النادر لا حكم له، وهذا المعنى الذي أشرنا إليه ذكره الزمخشري، وأيَّده شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب