الباحث القرآني
ثم قال: (﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ [الفرقان ٧٤] بالجمع والإفراد).
﴿وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ جمع، ﴿وَذُرِّيَّتِنَا﴾ إفراد.
﴿هَبْ لَنَا﴾ منها ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ لنا بأن نراهم مطيعين لك ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان ٧٤] في الخير).
بعد أن ذكر الله تعالى صلاح هؤلاء بأنفسهم، ذكر أنهم أيضًا يسعون في إصلاح غيرهم ممن يتصل بهم من الأزواج والذرية، فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا﴾ [الفرقان ٧٤]، وفي هذا دليل واضح على أن دأب المؤمنين دعاء الله، وأما من قال: علمه بحالي يكفي عن سؤالي، فهذا قول باطل، وليس بصحيح؛ لأننا نقول: إن الله تعالى وصف الرسل وأتباعهم بأنهم يدعون الله، وهم يعلمون علم اليقين بأن الله تعالى يعلم بحالهم، ومن قال مثل هذا القول فإنه يدل على استكباره عن دعاء الله سبحانه وتعالى، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وأيش قلنا؟
* الطالب: قلنا بأن الذين قالوا: إنه يكفي معرفة الله بحال المؤمن (...) عليه.
* الشيخ: إي.
* الطالب: فالمؤمنون دعوا بدعاء الله عز وجل، وكذلك الرسل.
* الشيخ: بعد؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، قلنا: وأن هذا القول يدل على استكبار صاحبه وعدم خضوعه لربه، وإلا فمن المعلوم أن الله عالم بكل أحد، فلماذا لا تقول: يا ربي؟ لماذا لم تقل؟ ولكن هذا والعياذ بالله من الطرق الشيطانية التي أرسلها الشيطان على متبعيها من الصوفية وغيرهم.
﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا﴾ الهبة بمعنى العطية ﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ [الفرقان ٧٤].
هل ﴿مِنْ﴾ للتبعيض ولّا لبيان الجنس؟
* طالب: لبيان الجنس.
* الشيخ: هه؟
* طالب: للجميع، صلاح الذرية جميعًا.
* طالب آخر: للصلاح.
* الشيخ: إي نعم، لبيان الجنس، ما هم يقولون: بعض أزواجنا هب لنا منهم قرة أعين، بل الجميع، لا، ولكنها للبيان، ﴿مِنْ﴾ بيانية وليست تبعيضية.
وقوله: ﴿مِنْ أَزْوَاجِنَا﴾ جمع زوج، الذكر ولّا الأنثى؟
* طالب: كلا (...).
* الشيخ: الرجل يقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ﴾؛ لأن (الذين) للمذكر، والمرأة تقوله أيضًا؛ لأن الخطاب أو التحدث بصيغة جمع المذكر يشمل المؤنث أيضًا، فالمرأة تقوله والرجل يقوله أيضًا.
يقول: ﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ قراءتان: ﴿وَذُرِّيَّتِنَا﴾ ، ﴿وَذُرِّيَّاتِنَا﴾، أما على قراءة ﴿وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ فالوجه فيها ظاهر لفظًا ومعنى، أما لفظًا فلمناسبة الجمع قبلها: ﴿مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾، وأما معنى فلأنه أشمل، شموله ظاهر: من أجل الجميع.
وأما ﴿وَذُرِّيَّتِنَا﴾ فإنها لا تتلاقى مع ما قبلها من حيث الصيغة؛ لأنها مفرد، لكنها تلاقيها من حيث المعنى؛ لأنها مفرد مضاف، والمفرد المضاف للعموم، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: هل فيه مثال يدل على أن المفرد المضاف للعموم من القرآن؟
* طالب: من القرآن؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ما أستحضر.
* الشيخ: ما تستحضر؟
* الطالب: نعم.
* طالب آخر: قوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان ٢٠].
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: قوله ﴿نِعَمَهُ﴾.
* الشيخ: إي، جمع، هل مثله ما تستحضر؟
* طالب: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨].
* الشيخ: نعم ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾، يقينًا المراد بالـ﴿نِعْمَةَ﴾ هنا الجمع؛ لأنه قال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا﴾، والنعمة الواحدة أولًا لا تُعد، والشيء الثاني لا تُحصى، والله يقول: ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾، فهذا مثال واضح جدًّا على أن المفرد المضاف يكون للعموم والشمول.
إذن ﴿وَذُرِّيَّتِنَا﴾ على قراءة الإفراد يلاقي ما قبله من حيث المعنى؛ لأنه يشمل جميع الذرية.
ومَن المراد بالذرية؟ المراد بالذرية الأولاد ذكورهم وإناثهم، وأولاد الأبناء دون أبناء البنات، فإن أولاد البنات ليسوا من الذرية لغة ولا شرعًا عند كثير من الفقهاء، نعم، وقيل: بل أولاد البنات من الذرية؛ لأن الله تعالى قال في إبراهيم: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾ [الأنعام ٨٤، ٨٥]، ﴿وَعِيسَى﴾ ولد بنت وليس ولد ابن، فجعله الله من الذرية، فدل هذا على أن أولاد البنات من الذرية.
ولكننا نقول: ليس في الآية دلالة؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام أمه أبوه؛ يعني ما له نسب من قبل الأبوة، منقطع؛ ولهذا المرأة الملاعِنة أو الملاعَنة إذا نفى زوجها ولدها منها، صارت هي أمًّا وأبًا.
فالصواب أن الذرية لا يدخل فيها أولاد البنات، هذا من حيث اللغة والشرع، أما من حيث الوقف والهبة وما أشبه ذلك مما يتصرف فيه الإنسان بنفسه وله الحرية فيه، فهذا حسب ما ينص عليه، لو قال مثلًا: هذا وقف على ذريتي الذكور والإناث ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده، وأيش يصير هذا؟ يكون للجميع.
وكذلك لو قال: هذا وقف على ذريتي ومن تفرع منهم، وليس له إلا بنات، هذا أيضًا يدخل أولاد البنات بلا شك، أو قال مثلًا: على ذريتي وولد البنات ينزلون منزلة أمهاتهم. فكذلك؛ يعني إذا نص على الشيء أو دلت القرينة عليه دخل أولاد البنات، لكن هذا الدخول بحسب ما تقتضيه الصيغة عرفًا أو نطقًا لا بحسب الشرع واللغة العربية.
﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان ٧٤]، ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾، وأيش معنى قرة العين؟ قرة العين هل معناها الاستقرار، مأخوذة من الاستقرار؟ ولّا مأخوذة من القُّر وهو البرد؛ لأنهم يقولون: إن دموع العين الحزينة حارة والعين القريرة باردة؟
نعم، هذا هو الأقرب، وليس من الاستقرار؛ لأن الإنسان ما هو معناه إذا فرح قرت عينه، ولا معناه أنه إذا حزن (...)، ليس الأمر كذلك، لكنها من القر الذي هو البرودة؛ لأن الإنسان إذا حزن حميت عينه، ولهذا يُقال: دموع الحزين حارة.
فالمعنى السرور والاطمئنان وما أشبه ذلك، وكني بالعين؛ لأنها تتأثر.
وقول المؤلف: (بأن نراهم مطيعين لك)، هذا بالحقيقة من جملة ما تقر به عين المؤمن؛ أن يرى أزواجه وذرياته مطيعين لله، والغريب أن الإنسان المسلم إذا رأى أزواجه وذرياته مطيعين لله تقر عينه وإن كان هو فاسقًا، الغريب أن الوالد يفرح أن وليده يصير مطيعًا لله مجتنبًا للمعاصي وهو فاسق! يحب أن وليده يصلي مع الجماعة ولو ما يصلي هو، وكذلك يحب أن وليده ما يشرب الدخان لو هو يشرب الدخان؛ لأن المسلم مجبول على محبة طاعة الله، فهؤلاء الذين يكونون قرة أعين؛ يعني: بأن نراهم مطيعين لك. هذا واحد.
والصواب أيضًا: ولنا؛ لأن الإنسان أيضًا إذا كان ولده وزوجته موافقين لطاعته، تقر عينه ولّا لا؟ تقر، هذا إذا أضيفت إلى طاعة الله، لكن إذا كانوا مطيعين لله وعاصين له، تقر عينه من وجه إذا ذكر طاعتهم لله وقيامهم بطاعة الله رضي وفرح، وإذا رآهم عاصين له يقول للولد: اجلس في القهوة وانتظر الرجال، ولكنه يخرج، نعم.
ويقول للمرأة: أصلحي الطعام، ولكنها لا تصلحه، هذا لا شك أنه يسوؤه هذا الشيء ولا تقر عينه به، مع أن هذا الأمر معصية لله؛ يعني لو شئنا لقلنا: إن قوله: (بأن نراهم مطيعين لك) يشمل حتى طاعتهم لأبيهم وطاعة المرأة لزوجها، يشمل هذا وهذا، وكذلك قيام الرجل بما يجب لزوجته يدخل في ذلك؛ يعني لو شئنا أن نقول هكذا لقلناه، لكنه خلاف ظاهر الكلام. فالصواب: أن نراهم مطيعين لك قائمين بما يجب عليهم لنا؛ لأن بذلك يتم قرار العين.
يقول: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان ٧٤]، ﴿إِمَامًا﴾ يعني: قدوة، والإمام هو القدوة المتبع.
وقوله: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾، سبق الكلام على التقوى عدة مرات، وأن المراد بالتقوى: اتخاذ وقاية من عذاب الله، وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
ومعنى كونهم: ﴿لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ أي قدوة، اتصافهم بالتقوى واتصافهم بالعلم؛ لأنه ما يمكن أن يكون الإنسان قدوة إلا إذا علم فيه العلم والتقوى، فإذا لم يكن عالمًا لم يثق الناس به من حيث العلم، الجاهل ما يقتدون به، وإذا كان عالمًا لكن عنده انحراف قولي أو عملي أو اعتقادي، فإنه أيضًا لا يكون قدوة للمتقين، لا لعدم علمه، ولكن لعدم نصحه.
فهذا الدعاء: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، يتضمن ثلاثة أمور: العلم، والتقوى، والتأثير؛ لأن من لم يكن عالمًا لم يكن قدوة، ومن لم يكن متقيًا لم يكن قدوة، ومن لم يكن مؤثرًا لم يكن قدوة أيضًا، والتأثير بالقول وبالفعل له دور كبير، تجد مثلًا رجلين متقاربين في العلم، لكن أحدهما يصرف الله القلوب إليه فيتخذونه قدوة، والآخر لا يحصل له هذا الأمر، فهذا نقول: نزيد على العلم والتقوى التأثير، والتأثير -كما تعرفون- يكون سببه قوة البيان والفصاحة إذا كان التأثير بالقول، ويكون سببه أيضًا الاستقامة وحسن السلوك إذا كان تأثيرًا بالفعل.
وعلى كل حال فلا تتم الإمامة إلا بهذه الأمور الثلاثة: العلم، والتقوى، والتأثير بالقول أو بالفعل.
وفي الآية إشكال لفظي، وهو قوله: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان ٧٤]؛ لأن (اجعلنا) فعل ينصب مفعولين أحدهما مبتدأ والثاني الخبر، ومن شروط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين إفرادًا وتثنية وجمعًا.
هنا المبتدأ جمع ولّا لا؟ ﴿وَاجْعَلْنَا﴾ (نا) جمع، و﴿لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، ﴿إِمَامًا﴾ هذا الخبر، وهو المفعول الثاني، مفرد ولّا جمع؟
* طالب: مفرد.
* الشيخ: مفرد، هو مفرد، فيبقى إشكال؛ وهو عدم مطابقة الخبر للمبتدأ، والمطابقة أن يُقال: واجعلنا للمتقين أئمة، فما هو الجواب على هذا؟
* طالب: ما يمكن يصير الخبر جملة؟
* الشيخ: وين الجملة؟
* الطالب: فيها تقدير: ﴿إِمَامًا﴾ (...)؟
* الشيخ: ما تصير جملة؛ لأن هذه ﴿إِمَامًا﴾ منصوبة، فالفعل مسلط عليها.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لو قال: للمتقين إمامٌ، مع أنه ما يصلح. لو كان: للمتقين إمامٌ، صارت جملة مع أنه ما يصلح، لخلوها من الرابط، نعم؟
* طالب: نقول إن هذه من الصفات التي تصلح للمفرد وللمثنى والجمع.
* الشيخ: كذا؟
* الطالب: ربما، وجه نظر.
* الشيخ: يعني حجة نحو؟
* الطالب: إي.
* الشيخ: إي نعم، بعضهم قال هكذا، قال: إن ﴿إِمَامًا﴾ لفظ صالح للمفرد وغيره، مثل: فلك، وجنب، وأشياء كثيرة من هذا النوع، وعلى هذا لا إشكال؛ لأن ﴿إِمَامًا﴾ بمعنى أئمة، صالحة للجمع.
ومنهم من قال: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان ٧٤]، أن (نا) نائبة عن كل واحد، ما هو بعين المجموع؛ يعني: اجعل كل واحد منا إمامًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني كل واحد يدعو لمفرده؛ أي: اجعل كل واحد منا إمامًا، نعم؟
* طالب: أو من ذرياتهم؟
* الشيخ: لا، ما هو من ذرياتهم، ﴿وَاجْعَلْنَا﴾ نحن، فعلى هذا..
* الطالب: يعني يشمله يا شيخ؟
* الشيخ: على هذا لا إشكال أيضًا، إذا جعلنا الضمير في ﴿وَاجْعَلْنَا﴾ ليس عائدًا للمجموع، إنما عائد لكل فرد من الجميع، فلا إشكال في المسألة، وهذا أقرب؛ لأن كل واحد من المؤمنين ليس يسأل الله سبحانه وتعالى أنه يجعل المجموع أئمة، هو يريد أن يجعل كل واحد إمامًا.
وفي هذا دليل على فضيلة الإمامة في الدين، ومنها إمامة المساجد، فإن الإمام في المسجد إمام للمتقين، اللي يجون يصلون متقون إن شاء الله، فهو إمام لهم، فيدل ذلك على فضيلة تولي الإمامة في المساجد، وأظن ذلك معلوم، فضل الإمامة في المساجد معلوم، لو لم يكن منها إلا أن الإنسان يكون قدوة، وأن الإمامة تعينه على أداء الصلاة، الإمام ما تفوِّته الصلاة كل يوم، واللي غيره تفوته أو يفوته بعضها.
كذلك الإمام إذا تكلم يُسمع له أكثر، وكم من إنسان ما برز وظهر إلا بسبب إمامته، لا سيما إذا تولى الخطابة.
فالمهم أن هذه الأمور التي ينفر الناس منها -مع الأسف- الآن تجد حتى بعض طلبة العلم لا يمكن أن يتولوا إمامة مسجد حتى مع الضرورة إلى ذلك، وإلا الواجب الذي ينبغي أو المستحب المؤكد الذي ينبغي أن يتولوا هم هذه الإمامة لينتفعوا وينفعوا غيرهم، ويسدوا الفراغ الذي ربما يشغله من لا يوثق في دينه وعمله.
* طالب: يا شيخ، لو يا شيخ سوينا مثلًا توعية أو إرشاد للناس على مثلًا حب الإمامة لأجل ألا (...)؛ لأنه حتى الآن الأشخاص الذين يرغبون في الإمامة يأتيهم مثلًا آباؤهم أو أقاربهم ويقولون لهم كلامًا فارغًا لهم: أنك تتحمل الجماعة يوم القيامة، وأنك ربما تبطل صلاتهم؟
* الشيخ: صحيح، نعم.
* الطالب: إي والله.
* الشيخ: إي، بعض الناس يظنون أن الإمام مسؤول عن جماعته، ما هو مسؤول أبدًا، هو مسؤول عن صلاته، وصحيح هذه المسؤولية من جهة إتمام الصلاة؛ يعني مثلًا إذا صليت وحدي ممكن أن أقتصر على الواجبات فقط، لكن إذا كنت إمامًا لغيري ما يجوز أقتصر على الواجبات، يجب أن آتي بالصلاة كاملة، وهذه مسألة أيضًا يجب أن يلاحظها الأئمة؛ لأن بعض الناس يقول: ما دام أني إمام بجيب أدنى الواجب. نقول: نعم، لو كنت تصلي وحدك فلا حرج عليك أن تقتصر على أدنى الواجب، ولا حرج عليك أن تطول ما شئت كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن إذا كنت إمامًا فأنت الآن في ولاية، والولي على الشيء أيش يجب عليه أن يفعل؟ ما هو أحسن ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام ١٥٢]، فما دام أنك أنت ولي الآن، يجب عليك أنك تفعل في صلاتك أكمل ما يكون، ما هو بتقتصر على الواجب.
الفقهاء رحمهم الله يقولون: يُكره سرعة تمنع المأموم فعل ما يُسن، وتحرم السرعة التي تمنع المأموم فعل ما يجب. هذا صحيح، لكن أنا عندي حتى الأول السرعة التي تمنع المأموم فعل ما يُسن ما هي بمكروهة فقط، بل حرام، حرام ليش؟ لأنك أنت الآن ولي، ويجب على الولي أن يفعل ما هو الأصلح لمن وُلِّي عليه، ولا شك أن الأصلح هو اتباع السنة.
مثل ما قلنا في الأمور التي يُخير فيها الإنسان: إن كان أنه من أجل ما يتعلق بنفسه فالتخيير تَشَهٍّ، اللي يشتهيه يسويه، كالتخيير في خصال الكفارة، مثلًا: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة.
وإذا كان التخيير فيما يتعلق بمصلحة الغير، فالتخيير تخيير تَشَهٍّ ولّا مصلحة؟ تخيير مصلحة.
* طالب: بعض الأئمة يا شيخ يقول: أنا (...)، فهل عليه مسؤولية من جانبه؟
* الشيخ: الإمام ما عليه مسؤولية في هذا إلا مثل ما على غيره، كل إنسان رأى منكرًا فليغيره.
* الطالب: ولا تزيد مسؤوليته في ذلك؟
* الشيخ: أبدًا ما تزيد.
* طالب: بس (...)؟
* الشيخ: مثل غيره، أيضًا لو كان في المسجد إنسان وجيه كلمته مسموعة صار عليه من السلطة أكثر من الإمام، فنحن نقول: هو مثل غيره حسب الحال، الإنسان اللي يقدر يغير بإيده يغير بإيده، واللي ما يقدر يغير بلسانه، واللي ما يقدر يغير بقلبه.
* طالب: بس يا شيخ مثلًا يستطيع أنه يعدل، يستطيع أنه يتأكد؟
* الشيخ: ما يجب عليه العدل أبدًا.
* الطالب: بس (...)؟
* الشيخ: لا، التعاون؟ كل الناس ودهم التعاون في هذا الأمر.
* الطالب: أن الأمر معروف (...)؟
* الشيخ: حتى لو فُرض أن الرجل قال: أنا إن كنت إمامًا ألزمت نفسي بهذا، فهل هذا من الخير ولّا من الشر؟
* الطالب: من الخير.
* الشيخ: إي، الحمد لله، إن كان من الخير فليكن مما يدعو إلى الإمامة ويشجع عليها، والحقيقة أن الله -سبحانه وتعالى- جعل للأشياء شروطًا: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت ٦٩]، ما يهدي الله الإنسان سبيله إلا بعد أن يجاهد فيها، لما تبغي تصل إلى شيء به السرور والأنس والحبور على جناح الريح ما يمكن، لا بد من شوك ومن حصى ومن كل شيء: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ»[[أخرجه مسلم (٢٨٢٢ / ١) من حديث أنس بن مالك.]].
* طالب: يا شيخ الآن (...)؟
* الشيخ: لا يلزم يا أخي، هو ما فيه شك أنه من الكمال أن يكون الإمام عالمًا أو طالب علم يستطيع أن يتكلم، لكن إذا لم يكن؟
* طالب: ينهى عن المعروف ولو (...).
* الشيخ: لا، أنا (...) الإمام، أنا أقول: إنه يجب أننا نسد الفراغ عن غيرها؛ لأنه من الكثرة والأجانب عندنا وصارت مساجدنا كلها (...) الإمام يؤثر؛ يعني لولا أن الناس عندهم تمسك وعدم ثقة بالأجانب وعندهم ثقة كبيرة في المواطنين، لكان كل اللي يصلون وراء الأجانب يجهرون بالبسملة ويقنتون في الفجر ويمشون، لكن -الحمد لله- أنهم إلى الآن ما صار لهم قبول في البلد، وهذا من نعمة الله، وإلا كان يؤثرون تأثيرًا بالغًا، فالإمام لا شك أنه يؤثر على من خلفه، إي، إحنا نقول: يجب على المواطنين عندنا أنهم يسدون هذا الفراغ لئلا يشغله من لا يُوثق به.
* طالب: اللي يدخن (...)؟
* الشيخ: (...)، والدخان أهون من العقيدة؛ لأن المشكلة العقيدة الآن، المهم العقيدة، نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: مسألة إغلاق المسجد هذه وظيفة، حتى الفقهاء يسمونها وظائف.
* الطالب: يلزم بأشياء خلاف (...).
* طالب آخر: صحيح؛ لأني أنا شفت (...)، يجب على الإمام كذا، ويجب عليه كذا.
* الشيخ: ما يخالف، هو يجب على الإمام كذا بمقتضى الإمامة، وهل هذا يمنع أيضًا؟ لأنك أنت إذا ما قمت بهذا قام بها الأجنبي.
* طالب: إن كان ما يعتقد هذا الشيء وبيمنعه (...)؟
* الشيخ: كيف ما يعتقد؟ ويش ما تعتقده؟
* الطالب: الإنسان اللي بيرشد الناس (...) إلى أن يقول كلمة خير.
* الشيخ: وأيش يدريك أنه يقول كلمة خير؟
* الطالب: واضح، الإنسان (...).
* الشيخ: أبدًا ما هو بواضح، قبل أن يتكلم وهو غير معروف لك ما هو بواضح.
* الطالب: ممكن إذا ما صار خير (...).
* الشيخ: صعب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا أبدًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ثم أيضًا أن الإنسان الإمام نفسه قد لا يكون عنده إدراك اللي يقول ها الكلمة الخير، يمكن يجيب لك الحديث الموضوع: (...) خصلة، نعم، كلها أحاديث موضوعة، ويش يدريك هذا؟ يعني اتقاء الشر قبل الوقوع فيه أحسن ما يكون الإنسان (...).
* الطالب: الأحسن يا شيخ ما منع (...) يتكلم.
* الشيخ: أولًا الرسول ما أظن أحد يتكلم والرسول حاضر.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذه واحدة، وكذلك أيضًا ما عهدنا أن أحدًا يتكلم مع وجود الأئمة، والشيء الثاني: ما إحنا بنقول: إن الحق يجب أنه يمنع، لكن نقول: من يقول إن هؤلاء يريدون الحق؟ نجد كثيرًا يتكلمون إذا قضوا قالوا: أعطونا، هذا اللي يجب أن يمنعوا ويضربوا أيضًا، يعني يصطادون الدنيا بالدين؟ (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، إذا صارت عندنا (...)، نسمع عن هذا.
* الطالب: بس يمكن أن يكون معروفًا يا شيخ؟
* الشيخ: وأيش هو اللي معروف؟
* الطالب: الشخص هذا.
* الشيخ: اللي بيتكلم؟
* الطالب: إي.
* الشيخ: إذا صار معروفًا ما يمنع أبدًا، إذا صار معروفًا ما هو بيمنع، أما الحين يقولون -يعني أنا ما جاءني شيء من هذا (...)، لكن أجزم جزمًا أنهم يقولون-: اللي ما تعرفوه لا (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: المهم أن هذه غير مانعة يا جماعة، ما هي مانعة من تولي الإمامة، وكما أنك أنت إذا صرت غير إمام، هل أنك إذا صرت غير إمام اللي بيتولى الإمامة بيسمح للناس يتكلمون؟ أبدًا، أنا قصدي أن الإمامة فيها مصالح كثيرة، لا بالنسبة للشخص نفسه؛ لأنه هو يقدر يتكلم بما يشاء ويوجه الناس، عندما لا يكون إمامًا، لو جاء يتكلم قال له الإمام: لا تتكلم، على كلامهم، لكن لو صار هو الإمام أحد يمنعه أن يقول أتكلم؟ إذن ينفع الناس بعلمه.
ثم هي أيضًا مما يعين على الطاعة، أنا أشعر بهذا، لما كنت غير إمام يفوتني بعض الأحيان بعض الصلاة وأتكاسل وحينًا نروح المسجد ذاك، وحينًا نروح المسجد ذاك، لكن لما كنت إمامًا الحمد لله ما تفوتني صلاة الجماعة.
* طالب: بس أجرًا يا شيخ إذا كان اللي يضبطه الصلاة، وهو من الأول (...)، ما ينقص أجل تبكيره؟
* الشيخ: ما ينقص أبدًا؛ لأن كون الأشياء تشجع الإنسان، كون أن الإنسان يصير له مشجعات على الخير ما يبطل هذا أجره، ليش المرغبات اللي جعلها الله في الكتاب والسنة على الخير إلا لأجر يسعى له؟
* طالب: بس فيه ناس (...)؟
* الشيخ: لا، ما هو بمسألة التبكير، مسألة أنك تعين (...) على التبكير فقط، على إدراك الجماعة أيضًا، يمكن ما أبكر.
* الطالب: إي نعم، إدراك.
* الشيخ: نعم، هذا مما يعين، أليس الله جعل للناس من الغنيمة شيئًا؟ وأليس أن الأئمة والمؤذنين يجعل لهم رَزقًا من بيت المال؟ وأليس النبي عليه الصلاة والسلام يشجع في إعطاء المؤلفة قلوبهم؟ وغير ذلك، يعني كون أن الإنسان يكون له مشجعات على الخير ما يبطل أجره، الكلام على النية الأصل، إذا كنت تفعل هذا للدنيا هذا صحيح، هذا يؤثر عليك كثيرًا، أما إذا يسر الله لك من الأسباب الطاعة ما يعينك عليها فهذا طيب، ولا ينقص الأجر.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: بل الرسول ﷺ يشجع على هذا الشيء، على ما يعين: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٢٣)، ومسلم (١٠٩٥ / ٤٥) من حديث أنس بن مالك.]]، «وكان يصب على رأسه الماء وهو صائم من الحر»[[أخرج أبو داود (٢٣٦٥) عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال: رأيت رسول الله ﷺ أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: «تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ»، وصام رسول الله ﷺ، قال أبو بكر -أحد الرواة-: قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله ﷺ بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش، أو من الحر.]]، كل هذا يعينه على الطاعة، فالمشجعات على الخير ما تنقص الخير، الكلام على النية بس: إن فعلت هذا الشيء للدنيا تراه صحيحًا هذا (...).
* طالب: بس ربما يسرع يا شيخ الواحد، قصده (...)، يعني مثلًا يصير دأبه؟
* الشيخ: نعم، إذا كان إنه يرائي الناس في هذا، هذا شيء ثان، حتى اللي ما هو بإمام يمكن يرى أنه يفقد في الجماعة، ويجب ألا يفقد لو ما هو بإمام، فالكلام عاد هذا على النية، إذا كان يخجل من الناس فهذه لا شك أنها تنقص أجره، لكن إذا كان لا يقول: أنا أسرع لأقوم بالواجب عليَّ ولا أربك الناس، مرة يتقدم ومرة يتأخر، هذا طيب؛ إنما أسرع لإحسان عمله.
* طالب: بعض الأئمة الآن (...)؟
* الشيخ: بس اللي (...) هذا ما نقدر نقول له تأخر؛ لأن اختيارنا الأولى عند ابتداء الإمام، فإذا وُجد إمام ما يمكن نعزله إلا بسبب شرعي.
* الطالب: تطوعي، يعني ربما يكون الشخص متطوعًا، يقول: (...).
* الشيخ: لكن بس ما هو مطيع.
* الطالب: هذا يشكل.
* الشيخ: لا ما يشكل، عندك معناه (...) الأئمة، البلد اللي على ها الصفة هذه (...).
* الطالب: (...) أربع شباب خلف إمام عامي.
* الشيخ: نحن ودنا يجيئون عندنا دول.
* الطالب: الكلام (...).
* الشيخ: لا، (...) بالتراويح بعضهم قاموا ببعض الواجب، لكن (...).
* طالب: يا شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ما نسوي لهم توعية بالنسبة لحث الناس على الإمامة؟
* الشيخ: (...) من غير توعية.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، والله ما سويت.
* الطالب: ربما يا شيخ إذا فعلت يصير فيه إقبال من الشباب؟
* الشيخ: والله لعله إن شاء الله، راح يكون إذا صارت مناسبة إن شاء الله.
* طالب: (...) إذا رضي؟
* الشيخ: إي، إذا رضي ما فيه مانع، لا سيما إذا كان الذي تولى خيرًا منه، إذا كان الذي بيتولى خيرًا منه فهذا طيب.
* الطالب: لكن هذا الإمام لو موجود ما (...).
* الشيخ: إذن هذا تنازل له؛ لأن المرتب من اللي بيصير له؟ بيصير للثاني، والثاني تنازل عنه، ما يهم، وهذه وقعت -حسب ما سمعت- مؤذن الجامع الكبير في الرياض ابن ماجد كان يؤذن في مسجد (...)، ولما عُمِر المسجد هذا الجديد والكبير طلبوا منه أنه يكون هو المؤذن، لكن إمامه الأول ما صار راضيًا بذلك، فجعلوا له مرتبًا والوظائف اللي على المسجد، وهذا جعلوا له مرتبًا جديدًا.
طالب: يا شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: فيه بعض الأئمة مثلًا طريقه في البيت مثلًا (...) أصلي مثلًا أوقاتي التي أستطيع أن أحضر فيها المسجد، ويجعل شخصًا آخر من أهل البلد من كان يساعده في أوقات (...)؟
* الشيخ: أقول: ما فيه مانع، إذا تخلفت فصلِّ.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هذه أكثر ما (...) مثل ما قال الأخ، يقول: والله هذه تربط وتشغل، وأنا ودي يومًا أتمشى هنا ويومًا أتمشى هنا ويومًا..
* طالب: قصده يا شيخ هذا (...)؟
* الشيخ: والله أنا أقول: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق ٤]، كل هذه عقبات الأصل عدمها، فأنت اجزم واحتسب الأجر من الله، وبيساعدك الله، يهيئ الله لك من أمرك يسرًا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، صحيح.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما هو معنى ذلك أنا إذا قلنا: إن الأذان أفضل من الإمامة معناه أن الإمامة ما فيها (...).
* الطالب: قد يكون يا شيخ.
* الشيخ: نقول: صر مؤذنًا (...) جزاك الله خيرًا، إذا كنت حرصت على الخير فكن مؤذنًا، وكن إمامًا.
* طالب: والحديث الأول حديث: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ»[[أخرجه أبو داود (٥١٧) من حديث أبي هريرة.]]؟
* الشيخ: حديث «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» إن صح بعد، الحديث فيه مقال، لكن إذا صح فالمعنى أن الإمام مسؤول عمن وراءه؛ يعني ضامنًا لهم، يجب أن يكون في صلاته مثل ما قلنا قبل قليل: إنه يأتي بها على الوجه الأكمل.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، إذا صلى بهم نعم، (...)، لو يصلي واحد محدث الإمام وأيش (...).
* طالب: يا شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: لو إمام مثلًا اقتنع أن (...).
* الشيخ: الأحسن يأخذه، نرى أن الأحسن يأخذه، لا المرتب ولا الوظائف اللي على المسجد.
* الطالب: يمكن يقول: هذا زيادة خير وأجر إن شاء الله.
* الشيخ: نعم، هو على خير، يأخذه ما دام أن نيته أصلًا ما جاء إلا لله، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه يأخذون من الغنائم ولّا لا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: هل يوجد أحد أخلص منهم؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: (...) وإذا شئت فخذه واصرفه في شيء نافع لك؛ يعني حقيقة الأمر -مثل ما قالوا: إنك لو ما تأخذ أنت يتعطل المسجد، إن جاء إمام جديد بعدك يحتاج إلى معاملة جديدة، إي نعم، وكذلك أيضًا الوظائف، بعض الناس يقول: والله (...) الإمام أو المؤذن، نقول: هذا بكيفك أنت، يعني كونك تأخذه أو ما تأخذه هذا شيء ثان، لكن نظرًا إلى أنك إذا تركته وكان (...) لكن تروح لغيرك أيضًا؛ لأن الإمام بالحقيقة ليس مستقلًّا -ولا المؤذن- بما يعطى من كل وجه.
الشيخ: (منهم ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان ٧٠]).
هذا مستثنى من قوله: ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان ٦٨] وما أُبدل منه؛ يعني: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ [الفرقان ٧٠] فإنه لا يلقى أثامًا ولا يضاعف له العذاب ولا يخلد فيه.
وتقدم أن شروط التوبة خمسة: الإخلاص لله، والندم على ما وقع، وأن يقلع عنها، وأن يعزم على ألا يعود، وأن تكون في الوقت الذي تُقبل فيه التوبة، في وقتها.
وتقدم أيضًا أن هذا الاستثناء يشمل كل الذنوب الثلاثة: الشرك، وقتل النفس، والزنا، وأن ما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن القاتل لا توبة له[[متفق عليه؛ البخاري (٤٧٦٤)، ومسلم (٣٠٢٣ / ١٩).]] » فإن أراد على وجه الإطلاق فليس بصحيح، وإن أراد لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول فهذا صحيح، على أننا نقول: لا يبعد أنه إذا تاب توبة نصوحًا أن يتحمل الله تعالى وتبارك عنه حق المقتول فيرضيه.
* طالب: قول ابن القيم في إعلام الموقعين إن الحدود تسقط بالتوبة (...)، واستدل بحديث النسائي «أن رجلًا وقع على امرأة فأنها استغاثت برجل فمر (...)، فأمسكوا بالرجل الذي استغاثت به، فذهبوا به إلى النبي ﷺ، وقالت: إن هذا الذي زنى بي، فلما أراد أن يقيم عليه النبي ﷺ حد القذف اعترف رجل عند النبي ﷺ، وقال: أنا الذي فعلت بها، فقال عمر: ألا تقيم الحد على هذا الذي اعترف؟ فقال ﷺ: «لَقَدْ تَابَ»[[أخرج أحمد (٢٧٢٤٠) من حديث وائل بن حجر قال: خرجت امرأة إلى الصلاة، فلقيها رجل فتجللها بثيابه، فقضى حاجته منها وذهب، وانتهى إليها رجل فقالت له: إن الرجل فعل بي كذا وكذا، فذهب الرجل في طلبه فانتهى إليها قوم من الأنصار، فوقفوا عليها، فقالت لهم: إن رجلًا فعل بي كذا وكذا، فذهبوا في طلبه، فجاءوا بالرجل الذي ذهب في طلب الرجل الذي وقع عليها، فذهبوا به إلى النبي ﷺ فقالت: هو هذا، فلما أمر النبي ﷺ برجمه قال الذي وقع عليها: يا رسول الله، أنا والله هو، فقال للمرأة: «اذهبي فقد غفر الله لك»، وقال للرجل قولًا حسنًا، فقيل: يا نبي الله، ألا ترجمه، فقال: «لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقُبِل منهم». وأخرجه أبو داود (٤٣٧٩)، والترمذي (١٤٥٤) من حديث وائل بن حجر بسياق آخر، وهو أن النبي ﷺ قال للرجل قولًا حسنًا، قال أبو داود: يعني الرجل المأخوذ، وقال للرجل الذي وقع عليها: «ارجموه»، فقال: «لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقُبِل منهم».]] (...)؟
* الشيخ: هذا صحيح بالقرآن: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤].
* الطالب: بس ما يُقام عليه الحد؟
* الشيخ: ما يُقام عليه الحد إذا تاب قبل القدرة عليه، إذا كان هذا في قُطَّاع الطريق وذنبهم من أعظم الذنوب، فهذا من باب أولى، إلا حد القذف إذا قلنا: إنه حق للآدمي، فلا يسقط إلا بإسقاط المقذوف.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هه؟
* الطالب: اعترافه..
* الشيخ: على مسألة التوبة، أو أن الرسول علم منه ذلك، المهم أنه إذا تاب قبل القدرة، فإنه لا يُقام عليه الحد.
﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان ٧٠] التوبة تقدم الكلام عليها، والإيمان في اللغة التصديق والإقرار، ولكنه في الشرع: تصديق القلب المستلزِم للقبول والإذعان، وليس مجرد التصديق، بل هو تصديق مستلزم لهذا، فإن لم يستلزم فليس بإيمان.
قلنا المستلزم لأي شيء؟ للقبول والإذعان، يقبل ما جاء به الشرع ويذعن له، فيصدقه إن كان خبرًا ويقوم به إن كان طلبًا.
* طالب: وإذا لم يتب القاتل؟
* الشيخ: إذا لم يتب القاتل فعليه الوعيد الذي ذكر الله سبحانه وتعالى.
* الطالب: أليس هو من الكبائر؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: والكبائر تحت مشيئة الله؟
* الشيخ: نعم، هو تحت المشيئة، لكن من يقول: إنه يغفر له؟
وقوله: ﴿وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان ٧٠] هنا ذكر العمل ووصفه بالصلاح؛ لأن العمل غير الصالح لا ينفع صاحبه، والعمل الصالح ما جمع شرطين، وهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله ﷺ، فإن لم يكن فيه الإخلاص فليس بمقبول، وإن لم يكن فيه المتابعة فليس بمقبول، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]]، هذا دليل أن غير المخلَص فيه مردود.
وأما غير المتابَع فيه فلقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري بنحوه (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له، من حديث عائشة.]].
ويجمعهما قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف ١١٠].
وقوله: (منهم) منين؟ أي: من فاعل هذه الأمور الثلاثة؛ الشرك وقتل النفس والزنا، وإنما قيدها بذلك بقرينة السياق، ولئلا تتكرر مع ما بعدها.
(﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ المذكورة ﴿حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان ٧٠] في الآخرة) يبدلها، التبديل: جَعْلُ شيء مكان شيء، وهذا التبديل هل هو تبديل قدري، أو تبديل جزائي؟
اختلف في ذلك أهل العلم، فمنهم من قال: إنه تبديل قدري، ومنهم من قال: إنه تبديل جزائي، كيف ذلك؟
الذين يقولون: إنه تبديل قدري، يقولون: إن معنى تبديل السيئات حسنات أنه لما آمن وعمل عملًا صالحًا صار بدل الشرك إيمان، وصار بدل الزنا وقتل النفس عمل صالح؛ معناه: أن هذا الإيمان والعمل الصالح صار بدلًا عن الكفر والزنا وقتل النفس، فالمعنى أن إيمانه وعمله الصالح الذي فعله هو الحسنات التي أبدل الله تبارك وتعالى السيئات بها، فيكون هذا التبديل قدريًّا.
وقيل: بل هو جزائي، بمعنى أن هذه المعاصي نفسها تكون حسنات، يبدل الله السيئات السابقة يجعلها حسنات، بالإضافة إلى حسناته الأخيرة التي قُدرت له فَفَعَلها، وكيف ذلك؟ يقولون: لأن هذه السيئات لما تاب منها صار له بكل توبة من هذه السيئات حسنة، فأبدلت السيئات حسنات بالتوبة منها؛ ولأنه كلما تذكر ما سبق من أعماله السيئة أحدث له توبة، فكانت هذه الأعمال السابقة صارت حسنات بالتوبة منها.
والصحيح شمول الآية لهذا وهذا، وأن الآية شاملة للأمرين، فإن ﴿مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ تبدلت سيئاته السابقة فصارت حسنات، لكنها ليست هي الأولى نفسها، وكذلك إذا تاب منها جوزي على هذه التوبة بالثواب، فصارت السيئات بالتوبة منها حسنات.
وكلام المؤلف يميل إلى الثاني، إلى أن التبديل هذا تبديل جزائي، لقوله: (في الآخرة) لأنه لو كان قدريًّا ما كان في الآخرة، إذ التبديل القدري إنما يكون في الدنيا؛ لأنه عمله.
والصحيح شمول الآية للأمرين، فبالإيمان والعمل الصالح تبدلت أعماله إلى أعمال صالحة، وبالتوبة من السيئات صارت السيئات السابقة حسنات؛ لأنه يزداد بهذه التوبة رفعة ومقامًا عند الله سبحانه وتعالى.
(﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان ٧٠] أي لم يزل متصفا بذلك).
و(كان) هنا كما مر علينا مجردة من الزمن، والمراد بها: اتصاف اسمها بخبرها صفة لازمة، ولهذا قال: (أي لم يزل متصفا بذلك) أي بالمغفرة والرحمة.
والغفور صيغة مبالغة أو صفة مشبهة، وكلاهما يدل على الثبوت والدوام والكثرة.
والمغفرة ستر الذنب مع التجاوز عنه؛ يعني ستر الذنب وإسقاط عقوبته، وليس مجرد الستر؛ لأنه مأخوذ من المِغفر، وبالمغفر يكون الستر والوقاية.
وأما الرحيم فهو ذو الرحمة الواصلة إلى المرحومين؛ لأنها تدل على الفعل مع الصفة أيضًا، والرحمة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى يكون بسببها الإنعام والإحسان إلى الخلق بجلب المنافع ودفع المضار.
وأما من فسر الرحمة بالإحسان أو بإرادته فقوله خطأ؛ لأن إرادة الإحسان أثر من آثار الرحمة، وكذلك الإحسان، وليس هو الرحمة.
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان ٧٠]، نعم؟
* طالب: شيخ، قولنا: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ هنا صفة مشبهة، ربما (...) يا شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: رغم أنها منصوبة ولم تعمل ولم تضف.
* الشيخ: ما هو بلازم تعمل ولّا تضاف، وأما نصبها فللعامل، نصبها للعامل.
* طالب: ورد حديث فيما معناه: ما يزال العبد يرى سيئاته توضع في كفة موازين حسناته؛ يعني التائب.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: حتى يتمنى أن لو أكثر من السيئات[[أخرجه مسلم (١٩٠/ ٣١٤) من حديث أبي ذر.]]؟
* الشيخ: ما أعرف هذا الحديث، لكن نظرًا إلى أنها تبديل السيئات بحسنات يمكن من هذا الوجه.
(﴿وَمَنْ تَابَ﴾ [الفرقان ٧١] من ذنوبه غير من ذكر)؛ ولهذا قال فيمن سبق: (﴿وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الفرقان ٧٠] منهم)، من هؤلاء.
وإنما قال: (غير من ذكر) لئلا يلزم التكرار، ولكن لا مانع أن نقول: لا حاجة للاستثناء وتكون الآية الثانية عامة، فيكون من باب ذكر العام بعد الخاص؛ لأن إخراج من سبق من عموم الآية هذه لا وجه له، فالأولى أن يُقال: إن الآية الثانية عامة تشمل من سبق وغيرهم.
(﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان ٧١] أي يرجع إليه رجوعا فيجازيه خيرا).
شوف ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، ﴿تَابَ﴾: رجع من ذنبه، ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾: استزاد من العمل الصالح، فيكون هذا الرجل استَعتب مما فعل وازداد خيرًا.
يقول: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾، أي: ﴿مَتَابًا﴾ تامًّا، فالمصدر هنا للتعظيم، لتعظيم هذه التوبة؛ أي: ﴿مَتَابًا﴾ عظيمًا لكمال هذه التوبة، وإلا لو قال قائل: إن هذا تحصيل حاصل، من تاب فإنه يكون تائبًا؟!
لا، المقصود أن توبته هذه توبة كاملة عظيمة، فالإتيان بالمصدر: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ للدلالة على أن هذه التوبة وقعت موقعها، وأنها كاملة، وهذا حق فإن الرجل إذا تاب وازداد عملًا صالحًا تبين بذلك صحة توبته وكمالها.
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله: هل يُشترط للتوبة إصلاح العمل أو لا يُشترط؟
فمنهم من قال: إنه يُشترط لها إصلاح العمل، وعلى هذا فيكون ذلك شرطًا سادسًا زائدًا على الشروط الخمسة، وأن من تاب ولم يصلح عمله فإنه ليس بتائب.
وقال بعض العلماء: بل تصح التوبة مع عدم إصلاح العمل، وقال بعضهم: إن كان العمل من جنس ما تاب منه فلا بد من إصلاحه، وإلا فلا تصح التوبة.
مثال ذلك: رجل تاب من الزنا ولكنه يسرق، فعلى القول الأول لا تصح توبته من الزنا لعدم إصلاح العمل، وعلى القول الثاني تصح؛ لأن السرقة ليست من جنس الزنا، وعلى القول الثالث من باب أولى أنه لا يشترط إصلاح العمل مطلقًا، وأن من تاب من ذنب قُبلت توبته.
ورجل آخر تاب من الزنا ولكنه استمر في النظر المحرم، استمر ينظر إلى النساء نظرًا محرمًا، فهذا على القول بأنه لا يُشترط إصلاح العمل تصح توبته من الزنا، وعلى القول بأنه لا بد من إصلاح العمل لا تصح توبته من الزنا، وعلى القول بأنه بالوسط اللي يقول إذا كان من جنس ما تاب منه لم تُقبل أيضًا لا تصح؛ لأن هذا زنا العين كما قال النبي ﷺ[[أخرج أحمد (٨٣٥٦) عن أبي هريرة عن النبي ﷺ، قال: «العين تزني، والقلب يزني، فزنا العين النظر، وزنا القلب التمني، والفرج يصدق ما هنالك أو يكذبه».]].
ولكن الصحيح أن يُقال: أما إن أُريد بالتوبة وصف هذا الرجل بأنه من التائبين الذين يلحقهم الثناء ويصدق عليهم أنهم تائبون، فهذا لا يمكن أن تصح منه التوبة أو أن يستحق وصف التوبة إلا بإصلاح العمل؛ لأنه لم يتب التوبة المطلقة، وإنما عنده مطلق توبة، وأما إن أُريد بالتوبة التوبة من العمل المعين، فالصواب الجزم بأن توبته تُقبل؛ لأن هذا مقتضى عدل الله عز وجل، من عمل خيرًا فله ومن عمل شرًّا فعليه ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨]، فكيف نقول: إن هذا الرجل لا تصح توبته مِن عمل تاب منه ورجع وندم؛ لأنه مُصِرٌّ على غيره؟! ما يصلح.
فالصواب في هذا أن يُقال: أما استحقاق وصف التائبين على وجه الإطلاق، فهذا لا يستحقه التائب إلا بإصلاح العمل؛ لأنه كيف يكون تائبًا إلى الله من هو مُصِر على معصيته ولو من غير جنس ما تاب منه أو من جنسها!
وأما إذا كان المقصود التوبة من هذا العمل المعين؛ يعني مطلق توبة، لا توبة مطلقة، فإنها تصح جزمًا؛ لأن هذا مقتضى عدل الله سبحانه وتعالى.
* طالب: شيخ، في الحديث «أن رجلًا أذنب ثم تاب ثم أذنب ثم تاب ثم أذنب ثم تاب، ثم قال الله تعالى: علم عبدي أن (...)، فليعمل عبدي ما شاء»[[أخرج البخاري (٧٥٠٧)، ومسلم واللفظ له (٢٧٥٨ / ٢٩) بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: «أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك»، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: «اعمل ما شِئْت».]]، أو كما قال.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: هذا دليل على أنه إذا تاب ثم رجع إلى العمل لم تُقبل توبته؟
* الشيخ: لَمْ؟
* الطالب: لا تُقبل توبته.
* الشيخ: إي نعم، هذا العمل ما هي بمسألتنا هنا.
* الطالب: ربما يكون عملًا آخر؟
* الشيخ: لا، هذه غير مسألتنا، نحن نقول: الرجل هذا تاب من الذنب ولّا رجع إليه، لكنه عاصٍ لله من جهة أخرى، هذا هو بحثهم.
* طالب: بس إذا قلنا بأنه جزمًا تحصل له التوبة، فهناك أحكام كثيرة تترتب على التوبة.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: مثل قلب السيئات إلى حسنات.
* الشيخ: نعم، نقول: نعم، بالنسبة لهذا العمل المعين إذا تاب منه صار حسنة.
* طالب: تقلب (...)؟
* الشيخ: والله هذا الكلام اللي قلنا قبل: هل هو قلب جزائي ولّا قلب قدري؟
* الطالب: إي، بس لا، هذا العام؟
* الشيخ: لا أبدًا، إذا كان من الشرك والزنا وقتل النفس.
* الطالب: إي، لكن تاب توبة نصوحًا كاملة؟
* الشيخ: لا، تاب من هذه الأشياء، المهم أنه حتى من تاب توبة خاصة من ذنب خاص بُدلت سيئاته حسنات، السيئة اللي تاب منه تكون حسنة، أولًا؛ لأنه تركها لله، وقد «ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من هَمَّ بسيئة فتركها كتبت له حسنة»[[أخرج البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣٠ / ٢٠٦) واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من هَمَّ بحسنة فلم يعملها، كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها، كُتِبت له عشرًا إلى سبع مئة ضعف، ومن هَمَّ بسيئة فلم يعملها لم تُكتب، وإن عملها كُتِبت».]]؛ لأنه تركها لله، فهذا مثله، ثم إن مجرد أن يتوب إلى الله ويعرف أن له ربًّا يؤاخذه ويعاقبه ويشعر بالخجل من الله عز وجل والحياء منه هذه من الحسنات العظيمة.
* الطالب: بس ما دام عليه وصف العاصي أو فاسق..
* الشيخ: إي، عاصٍ بأيش؟ بالنسبة لكذا، تائب بالنسبة لكذا.
* الطالب: ما الفرق بين الزنا والسرقة؟
* الشيخ: كيف الفرق؟
* الطالب: يعني مثلًا كلهم (...) من الكبائر، وكلهم مثلًا..
* الشيخ: الفرق بينهما أن هذا يُجلد وهذا تُقطع يده، وهذا يكون فاسقًا من وجه، وذاك فاسق من وجه آخر، هذا باعتبار الأعراض، وهذا باعتبار الأموال، (...) الفروق، ليس كل الذنوب على حد سواء لا في النوع ولا في القدر ولا في الإثم؛ ولهذا قلنا: إن الوصف المطلق للتوبة لا يستحقه؛ لأنه حقيقة ما هو بتائب؛ إذ إنه عاص لله سبحانه وتعالى من وجه، لكن كوننا نقول: ما يقبل توبتك من الزنا؛ لأنك تسرق، هذا ليس بصحيح.
* الطالب: ما يمكن بدل ما نفرق بينهم من ناحية الجنس، نفرق بينهم من ناحية الدرجة؟
* الشيخ: كيف من ناحية الدرجة؟
* الطالب: يعني مثلًا فيه هناك كبائر شديدة وهناك وسط (...)؟
* الشيخ: هو يستحق ما حصل، اللي هو تاب منه يُغفر له، واللي أصر عليه يبقى عليه، صغيرة كانت أم كبيرة؛ لأن هذا مقتضى عدل الله، أليس هذا عَمِل خيرًا بتوبته؟
* طالب: هو ربما وصفه واضح، لكن أن تُقلب إلى حسنة (...)؟
* الشيخ: نحن ما قلنا: إن قلب السيئة حسنة بالتوبة؛ لأنه مجرد رجوعه إلى الله سبحانه وتعالى وتركه لها وتوبته منها حسنة، هذا إذا قلنا: إن المراد بالحسنة الجزائية، أنه يُجازى على نفس السيئة حسنة، إذا قلنا: إنه قدري؛ بمعنى أن إقلاع هذا الرجل عن هذا الذنب..
* الطالب: لا، واضح هذا.
* الشيخ: واستقامته، هذا ما فيه شيء، حتى الجزائي ما فيه إشكال أبدًا.
* الطالب: القدري واضح، لكن..
* الشيخ: والجزائي أيضًا؛ لأن كرم الله سبحانه وتعالى أسرع وأسبق من عقوبته.
* طالب: (...)، فهو من قدري؟
* الشيخ: قَدَري من القدر.
* الطالب: وأيضًا الجزائي من القدر؟
* الشيخ: إي، لكنه ثواب، لكن هذا قدري بمعنى أنه يُقدر له حسنات جديدة غير الأولى، والجزائي بمعنى أنه يُجزى على نفس السيئات حسنات.
* طالب: الواو يا شيخ في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا﴾ [الفرقان ٧٠]، (...)، وأيش نعرفهم؟ عاطفات؟
* الشيخ: إي نعم، عاطفات، نعم.
* الطالب: إذا كانت يا شيخ عاطفة فإذن يكون على الشرط السادس من لا بد من أن يصلح العمل.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: إذا كانت عاطفة نرجع إلى الشرط السادس الذي يقول لا بد من صلاح العمل؟
* الشيخ: إي، لكن عاد عَمِل صالحًا، نحن قلنا: ما يستحق وصف التوبة المطلق إلا بهذا، بالعمل الصالح.
* الطالب: هناك يا شيخ آيات من القرآن تصف الإنسان بالتوبة ولو ما عمل عملًا صالحًا؛ يعني (...)؟
* الشيخ: إي، مثل: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤]، إي نعم.
* طالب: ذكرنا هنا أن العاصي يعرف من نفسه مثلًا ضعف إيمانه وتسلط عدوه عليه، وأنه سوف يعود إلى هذه المعصية، أيهما أولى (...) كلما يعمل معصية يتوب، وإلّا يترك التوبة لئلا تكون توبة كذب؟
* الشيخ: لا، يتوب، وأيش يدريك؟
* الطالب: بس يعرف أنه سيذنب.
* الشيخ: لا، بس نقول: توبته هذه ما تصح، لكن مجرد شعوره بأنه مخطئ قد ينفعه هذا، أما أن يقول: أستمر، ما يجوز هذا.
* الطالب: هو من أصله معترف أنه مخطئ؟
* الشيخ: معترف أنه مخطئ لكن هو يقول: أنا أستمر، ما أنا بمقلع لا بقلبي ولا بفعلي.
* الطالب: إي.
* الشيخ: كلما سنحت لي الفرصة أفعل.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: هذا شر، لكن كونه يتوب إلى الله ويخجل ويصير عنده نوع من التقرب إلى الله أحسن من عدمه.
* الطالب: ولو تعددت توبته؟
* الشيخ: ولو تعددت توبته، لكن الواجب على المؤمن أنه يتوب جزمًا، وإذا قُدر فيما بعد أن أسباب المعصية توفرت لديه وأن نفسه غلبته فإن ذلك لا ينقض توبته الأولى، سيؤاخذ من جديد بالمعصية الجديدة ثم يتوب.
* طالب: (...) على قوله: أستغفر الله وأتوب إليه، أن قول الكثير (...)؟
* الشيخ: واستغفارك أيضًا استغفار كذابين؟
* الطالب: (...) تطلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى رغم إصرارك، إنما التوبة لا.
* الشيخ: على كل حال نسأل الله أن يتوب علينا، حتى قول الإنسان إذا انتهى من الأكل: الحمد لله، ما أحد يشعر بمعنى هذه الكلمة تمامًا إلا أنها روتينية، وبسم الله كذلك، (...) بعد الصلاة عادية، عادة؛ يعني الحقيقة هذه مسائل..، وهذا هو اللي الحقيقة يفسدنا: أن أعمال القلوب ما نشعر بها، تلقى كثيرًا منا يحافظ على سنة رفع الأصبع عند الدعاء، لكن رفع القلب عند الدعاء ما أحد يبحث فيه، مع أن هذا أهم، الله يتوب علينا، إذا فكرنا بأنفسنا (...) ظاهريين لا باطنيين.
* طالب: يا شيخ، التوبة الخاصة ذَكَر فيها الإيمان، والتوبة العامة ما ذَكَر فيها الإيمان، وجه ذلك؟
* الشيخ: ويش لون؟
* الطالب: الخاصة: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ﴾ [الفرقان ٧٠]، والعامة: ﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [الفرقان ٧١]؟
* الشيخ: أصله فيه الشرك هناك، ذَكَر فيه الشرك، فلا بد من الإيمان مقابل الشرك.
* طالب: يا شيخ، عندما يكون إنسان أخلف مع الله؛ يعني أصابه البلاء.
* الشيخ: أيش لون؟
* الطالب: ابتلي بذنب، وأخذ يستغفر الله ويتوب ويستغفر الله ويتوب؛ يعني ظل على هذا الذنب، عَجَز لا يقلع عنه؛ يعني عجز أبدًا ما قدر..
* الشيخ: مسألة عجز هذه أمر غير وارد إلا على مذهب الجبرية (...) عن ترك، فالتروك أهون من الأفعال؛ ولهذا ما تجد الترك مثلًا رُتب عليه مثلًا الثواب المطلق، بخلاف الفعل، الفعل أشق على النفس؛ لأنه جهاد للنفس من وجهين، لكن الترك من وجه واحد، فكلمة يعجز ما هو بصحيح.
* طالب: يا شيخ كلمة..
* الشيخ: هذا -سلمك الله- لو أن سوط السلطان في ظهره مرة وفي بطنه مرة، يعجز ولّا ما يعجز؟
* الطالب: لا ما يعجز.
* الشيخ: خلاص.
* الطالب: لكن (...)؟
* الشيخ: ما هو بصحيح، أنا أشهد أنه ليس عجزًا؛ لأن فيه أناسًا تابوا، صدقوا العزيمة وتابوا وأقلعوا عنه، إي نعم، الصحابة رضي الله عنهم قبل أن ينزل تحريم الخمر كانوا مدمنين على الخمر، وإمساك الخمر لشاربها أكثر من إمساك الدخان، ومع ذلك بيوم واحد كلهم (...)، الكلام على صدق العزيمة بس، إي نعم.
الآن في غير الصيام هذا الشارب ما يستطيع يتوقف -على زعمه- النهار كله، ما يقدر على زعمه يمسك النهار كله عن الدخان، وفي الصيام حيث إنه عازم.
* الطالب: يقدر يصوم، والليل كله ما يقدر.
* الشيخ: إي.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان ٧١]، قلنا: إن قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ ليست كقول القائل: الأرض تحتنا والسماء فوقنا؛ يعني تحصيل حاصل، بل إن المعنى أن هذه هي التوبة الصادقة الحقيقية الكاملة.
وقوله: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ أي: يعني يرجع إلى الله رجوعًا تامًّا كاملًا، كما قال المؤلف.
﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان ٧٢]، هذه معطوفة على قوله؟
* طالب: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ﴾ [الفرقان ٦٣].
* طالب آخر: لا، على مجموع الأوصاف.
* الشيخ: على قوله: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ﴾ [الفرقان ٦٣]، وسبق أن الصحيح أن ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ﴾ خبر وليست صفة، كما قال المؤلف.
(﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان ٧٢] أَي الْكَذِب وَالْبَاطِل).
هذا معنى ﴿الزُّورَ﴾ من ازورَّ؛ أي: مال وانحرف: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ [الكهف ١٧]، فالمعنى ﴿الزُّورَ﴾: كل ميل قولي أو فعلي، إن كان قولًا وُصف بالكذب، وإن كان فعلًا وصف بالباطل، فكل قول أو فعل مائل عن الطريق فإنه زور، مفهوم الآن؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: الكذب زور، والشتم واللعن والغيبة زور أيضًا، والغصب والسرقة والزنا وغيرها زور أيضًا.
* طالب: باطل.
* الشيخ: زور، هو زور، لكن قد نسميه باطلًا إذا كان فعلًا.
فالمهم أنهم ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فهل يفعلونه؟
* طالب: لا.
* الشيخ: من باب أولى؛ لأنهم إذا كانوا لا يحضرونه فإنهم لا يفعلونه قطعًا، إذ لو فعلوه لحضروه، كل فاعل حاضر، وليس كل حاضر فاعلًا على وجه الحقيقة، لكنه فاعل حكمًا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء ١٤٠]، فدل هذا على أن القاعد سواء قاعدًا أو مضجعًا أو واقفًا، المهم أن المشاهد لفعل العاصي مثل العاصي حكمًا عند الله، نعم، إلا من أُكره على الحضور، فهذا شيء آخر لا حكم له كمن أُكره على الفعل.
* طالب: كل المعاصي يا شيخ؟
* الشيخ: كل المعاصي نعم.
(﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾ من الكلام القبيح وغيره ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان ٧٢] معرضين عنه).
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾ (اللغو) الصواب أنه ليس الكلام القبيح؛ لأن الكلام القبيح داخل في الزُّور، لكن المراد بـ(اللغو) ما لا فائدة فيه، كل ما لا فائدة فيه فهو لغو؛ وذلك لأنه لا يقصد، وما لا يقصد فهو لغو: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة ٨٩]، فاللغو ما لا فائدة فيه.
* طالب: لو كان مباحًا؟
* الشيخ: سواء كان قولًا أو فعلًا.
وقوله هنا: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان ٧٢]، ما قال مثل ما سبق: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان ٦٣]؛ لأنه هناك خطاب معين مباشر، فيقولون: لا بد أن يقولوا قولًا يسلمون به. لكن هنا يمرون بالشيء بدون أن يخاطبوا به، والمراد بالمرور به سواء كانوا مارين هكذا في طريق أو مارين مثلًا جالسين فجاء شيء لا فائدة فيه؛ لغو، فإنهم يمرون كرامًا، ومعنى مر الكرام هنا: أي أنهم لا يلحقهم منه شيء، بل يحاولون الإصلاح؛ لأن الكريم يعطي غيره، ينفع نفسه وغيره.
فهم إذا ﴿مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾ يمرون ﴿كِرَامًا﴾ يحاولون أن يفيدوا من وجودهم؛ وذلك بأن ينقلوا هذا اللغو إلى أمر مفيد، فهمتم ولّا لا؟ ولهذا قال: ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾، ما قال: ﴿قَالُوا سَلَامًا﴾ لأنه هناك يخاطبون بما يُسيء إليهم فيقولون قولًا يسلمون به؛ لأن المقام يقتضي بس أنك تسلم، لكن هنا ما يؤذَون، إنما يمرون بلغو لا فائدة منه فيمرون كرامًا مفيدين ومستفيدين.
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾، قال: (معرضين عنه) ما هو بصحيح أيضًا، قد لا يعرضون عنه لكن يفيدون ويستفيدون، والإنسان الموفق يستطيع أن يفيد ويستفيد، حتى فيما إذا كان المجلس مجلس لغو؛ يعني كلامًا مباحًا، يستطيع أن يحوله إلى كلام مطلوب؛ وذلك بما يستعرضه مثلًا من كون هذا الشيء الذي يتحدثون به دليلًا على قدرة الله، ولّا على رحمة الله، ولّا على حكمة الله مثلًا، فيفيد ويستفيد، لكن هذه الأمور في الحقيقة تريد رجالًا يعتبرون أنفسهم قادة مصلحين، ما تريد رجالًا يعتبرون أنفسهم من جنس مجتمعهم يمشون الهوينى بدون إصلاح؛ ولهذا يفوتنا كثيرًا في هذه الأمور، يفوتنا كثيرًا واللهِ من هذه الناحية، نجلس مجالس اللغو لا نفيد ولا نستفيد، غاية ما هنالك إن كان الإنسان استحضر نية التأليف وعدم الانزواء وما أشبه ذلك، وهذا خير لكن ولو، الخير والأكمل أن تحاول الإفادة والاستفادة.
وبعض الناس أيضًا يريد بالمجالس التسلي فقط، ما يريد معنى وراء ذلك، وهذا فاته خير كثير، فعلى كل حال الناس يختلفون، والمسائل تعود على النيات، وكم من عمل عمله شخص وعمله آخر فصار بينهما مثل ما بين السماء والأرض: السجود يكون شركًا ويكون طاعة، إن سجدت لصنم كان شركًا ولله كان طاعة، وهكذا جميع الأعمال في الحقيقة النية لها تأثير كبير في إصلاحها أو إفسادها.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، أصلًا لا تحولهم قفزة (...)، لكن تستطيع شوي شوي، نعم، الآن مثلًا عندما تحاول أن تمنع الماء الكثير المنحدر في مرة واحدة ما تستطيع، (...) مع الجوانب شوي شوي، يمكن تقضي عليه.
* طالب: شيخ سؤال، لو كان الأشخاص هؤلاء شباب شفت أن همهم لهو كله، مثل ما قال (...) لهو، مثل ما يحدث في النوادي وغيرها، لكن أنا قلت: بروح أسافر مع هؤلاء وأروح معهم للمحلات اللي يروحون إياها هم على قصد وأنا على قصد، أنا قصدي أصلحهم مثلًا أحاول أعالجهم، وهم قصدهم غير، قصدهم أني معهم داخل معهم في اللهو، وأنا لي هدف من ذلك..
* الشيخ: ما يخالف، أنت إذا قصدت الإصلاح فهذا طيب، بس أخشى أنهم يغلبونك.
* الطالب: لا، إن شاء الله بحاولهم، إن جاء ولّا (...) ويكون وسيلة إلى أول حاجة (...) ثم إقراره على هذا الفعل.
* الشيخ: لا، أصلًا ما هي النوادي محرمة، من يقول: إن النوادي محرمة؟
* طالب: بعض الأفعال فيها يا شيخ.
* الشيخ: بعض الأفعال فيها، لا بأس، بعض الأفعال فيها قد يكون غير مرضٍ، لكننا ما نحاول أن نقول: إن هذا مُحرَّم؛ لأن بعد تركهم وترك الاختلاط بهم مشكلة، معناه أنهم يخلوهم والشياطين.
* طالب: (...)، لما يشوفه يقول: شوف ابن الشيخ الفلاني، ولّا العالم الفلاني حاضر؟
* الشيخ: حاضر بينصحهم.
* الطالب: إي، بس الناس ما (...).
* الشيخ: نعم؟
* طالب: (...)، أصلًا لو تبغي تصلح مثلًا تزيل النوادي، هذا المعنى؛ يعني إصلاحها إزالتها.
* الشيخ: لا، ليس إصلاحه هو إزالته.
* الطالب: أبدًا (...).
* الشيخ: هي على كل حال، ما فيه شك أنه يمكن المراد منها وأصل المؤسسين لها أن قصدهم صد الناس عن دين الله، وهذا هو الواقع؛ لأنها هي أيضًا مثل القات، لكن مع ذلك ما نقول إنها معدومة الخير مئة بالمئة.
* طالب: (...).
* الشيخ: ويش رأيكم؟ ويش نسوي؟
* الطالب: ما يقربون ولا يؤيدون؛ لأن البعض ممكن (...).
* الشيخ: لا ما نؤيدهم، نحن ما نؤيدهم على أعمالهم ولا على نواديهم بالحقيقة، ونرى أنه من المصلحة أن يُصرف الشباب إلى شيء آخر، إلى تعلم الرماية وإلى تعلم السباحة وإلى السياق وإلى الأشياء المفيدة (...)، ما يهم، المهم بس شيء يفيدون الناس، أما هذه أنا ما أقول إني أؤيد النوادي، بل أقول: إن ضررها أكثر من نفعها، وإن كان مع ذلك ما نقول: إن ضررها مئة بالمئة، نقول: ضررها أكثر من نفعها.
* طلبة: (...).
* الشيخ: ألا ترون أن ها الشباب الكثير هذا لو بقي مُسَرَّحًا في الأسواق ما يحصل فيه مفسدة؟
* طالب: لا بد أنه يفسد..
* الشيخ: والله أنا عندي أن هي كافة هي؛ يعني كافة..
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، بس أنا عندي أن بقاءهم أفسد، لو بقوا مُسَرَّحين في الأسواق لكان أفسد لهم.
* طالب: (...) ومكتبات.
* الشيخ: اتفقنا على هذا، على أنها تحتاج إلى توجيه، وأن وجود النوادي ضرر، لكن ما نقول: إنها ضرر محض؛ لأنها كافة بعدت عنا أشياء كثيرة، تجد هذا الشباب لو أنهم مثلًا قاموا يتجولون في الأسواق ويتجمعون تجمعات، كان يحصل شيء كثير.
* طالب: بلا شك (...) ومكتبات وحدائق، وكذا فيفادون يا شيخ.
* الشيخ: هو ما أنا بقول: إن هذه فكرة جيدة، ما هي بفكرة جيدة، ما هي بسليمة أبدًا، ولا هي مقصود بها الخير للمسلمين أيضًا، أنا أجزم -والله أعلم- أنه ما قصد بها الخير للمسلمين، إنما قُصد بها إلهاء الناس وصدهم عن دين الله.
* طالب: حتى يا شيخ أيش تدلنا (...)؟
* الشيخ: لا، لكن مع ذلك ما نقول: إنها شر محض، هذا الكلام العام الذي هو موضع النقاش، هل هي شر محض أو فيها خير؟ وأقصد بالخير ما هو بالخير الإيجابي، لا أقصد به خيرًا إيجابيًّا، لكن خيرًا سلبيًّا، بمعنى أنك تكف عن مفاسد في ظني أكثر منها.
* طالب: إي نعم، (...).
* الشيخ: متدهورة؟
* الطالب: متدهورة، إي الكرة السعودية متدهورة وضعيفة.
* الشيخ: إي.
* الطالب: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [البقرة ١١١].
* الشيخ: الاستشهاد ليس..
* الطالب: الاستشهاد بالقرآن، ثم علم لا إله إلا الله محمد رسول الله قد (...).
* طالب آخر: (...)، لو كان مع يهود بأي شيء؟
* الشيخ: هو ما فيها شك، ولهذا تجد أن بعضهم يشجع ناسًا -مثلما قلت- من النصارى واليهود من هؤلاء اللاعبين، وتجدهم إذا جاءت مباراة في التليفزيون لو أُقيمت الصلاة يسمع إقامة الصلاة ما يقوم للصلاة، هذا صحيح.
* طالب: ويحبون هؤلاء أكثر من أي شخص.
* الشيخ: إي نعم، يحبون من يشجعونهم من هؤلاء يمكن أشد من حب الله ورسوله.
* طالب: (...) وقدموا طاعتها على طاعة الله عز وجل، وعلى حب الله عز وجل.
* الشيخ: نعم، صحيح، ينطبق عليها عبد الدينار والدرهم؛ لأنهم إن أعطوا رضوا، وإن لم يعطوا سخطوا، إن نجحوا رضوا وإلا سخطوا، وقالوا: أيش هذا الحظ؟ وأيش ها النصيب؟ وأيش ها التقدير؟
* طالب: (...).
* الشيخ: عجيب، هذه الأيام دي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ومات موتًا؟
* الطالب: (...).
* طالب آخر: يذكر (...).
* الشيخ: يعني فرح على ها الحال؟
* الطالب: إي، قفز (...).
* الشيخ: فرحًا.
* الطالب: إي، فرح (...).
* الشيخ: انتصار فريقه الذي يراه.
* الطالب: يظنه (...).
* الشيخ: الله أكبر، سبحان الله العظيم.
* طالب: يعني يا شيخ كم مرة (...).
* الشيخ: لا، (...).
* الطالب: وإلا كان وأيش نيتي بها المحاضرة، بقول لهم مثلًا: إن الكرة ما فيها شيء، لكن متى يصير فيها شيء؟ يصير فيها شيء إذا أشغلتنا مثلًا عن وقت الصلاة، إذا مثلًا جعلنا كل همنا بعد، ولّا أقولهم (...).
* الشيخ: لا، فيه خير أبدًا إن شاء الله، ما يصير إلا الخير، أنت إذا صار هم اللي طالبينك، فهم ما يطلبوك إلا أنهم يظنونك (...).
* الطالب: لكن بس نخشى (...).
* الشيخ: هه؟
* طالب: علشان يبارك هذا العمل (...).
* الشيخ: لا، أنا أخشى بعد أن هذا يصير خطيرًا، الإنسان يجب أنه يراعي اللي بينه وبين الله بعد، إذا طلب منه ناس وقالوا: تعال ذكرنا.
* طالب: بس أذكرهم بالمسجد، بس أمامي مثلًا أشياء..
* الشيخ: لا، ما هو بالمسجد، إذا قال: تعال ذكرني اجتمعوا.
* الطالب: فيه صور مثلًا (...).
* الشيخ: أحسنت.
* الطالب: صور مجسمة.
{"ayahs_start":74,"ayahs":["وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَ ٰجِنَا وَذُرِّیَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡیُنࣲ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِینَ إِمَامًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیُلَقَّوۡنَ فِیهَا تَحِیَّةࣰ وَسَلَـٰمًا","خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرࣰّا وَمُقَامࣰا","قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ یَكُونُ لِزَامَۢا"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیُلَقَّوۡنَ فِیهَا تَحِیَّةࣰ وَسَلَـٰمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق