الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، وعندي مكتوب قبل ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾: (هُوَ ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ [الفرقان ٥٩])، ومكتوبة على أنها أصل، وهذا ليس بصحيح، هي ليست من القرآن (هو). * طالب: هي مُخْرَجَة. * الشيخ: مُخْرَجَة؟ * الطالب: إي نعم. * الشيخ: لا، أنا عندي مدخلها جنب القوس، ومشكولة أيضًا على أنها قرآن. قوله: (هُوَ ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ )، قدَّر المؤلف هذا المبتدأ ليجعل الجملة مستأنَفَة منفصلة عما قبلها من حيث الإعراب، مع أنه يجوز فيها وجه آخر؛ أن تكون صفة لقوله: ﴿الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان ٥٨]، يعني: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان ٥٨]، ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الفرقان ٥٩]، فيكون في قوله: ﴿الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ بيان لصفته الذاتية، وفي قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ بيان لصفته الفعلية، وبهذا يتحقق أن يكون سبحانه وتعالى أهلًا للاعتماد والتوكل؛ لأن مَن هذا وَصْفُه وهذا فِعْلُه جدير بأن يُخَصَّ بالتوكل. أما على ما ذهب إليه المؤلف فهو يجعل الجملة استئنافية، مُسْتَأْنَفَة، وهي أيضًا وإن كانت مستأنفة من حيث الإعراب فإنها من حيث المعنى متصلة بما قبلها، تدل على كمال قدرته، وأنه جدير بأن يُخَصَّ بالتوكل تبارك وتعالى. ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الفرقان ٥٩]: أوجدها، وإنما يسمى الإيجاد خَلْقًا إذا كان مسبوقًا بتقدير؛ لأن أصل الخلق التقدير، لكنه يُطْلَق عليه وعلى الفعل، فإذا أُطْلِق الخلق على الفعل صار معناه أنه فعلٌ بتقدير، فيكون الإحكام سابقًا، ثم الفعل على منهاج ذلك الإحكام، فخلقها مُحْكَمَة، ومَن تَدَبَّرَها وتأَمَّلَها وجد فيها غاية الإحكام. وقوله: ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الفرقان ٥٩]، يقول: (من أيام الدنيا، أي: في قدرها؛ لأنه لم يكن ثَمَّ شمس، ولو شاء لَخَلَقَهُنَّ في لمحة، والعدول عنه لتعليم خَلْقِه التَّثَبُّت). * طالب: عندي (والعدل). * الشيخ: عندي (العدول)، عدل يعدل عدلًا وعدولًا، صحيحة. يقول: (﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الفرقان ٥٩] من أيام الدنيا)، هذا هو القول المشهور، وهو الراجح. وأما مَن قال: ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أيام الآخرة، وأن اليوم كألف سنة، أو مَن قال: إن المراد بالـ﴿أَيَّامٍ﴾ مُطْلَق الزمن، أي: في لحظات، فكذلك أيضًا قول مرجوح؛ لأن القرآن إنما يخاطب الناس بما يعرفون، والذي يعرف (...)، فالصحيح أن المراد (﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا) كما قال المؤلف، أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، فإنه به تَمَّ خَلْق السماوات والأرض، وخلق آدم في آخره. وقوله: (أي في قَدْرها لأنه لم يكن ثَمَّ شمس)، وتقدير الأيام بالشمس، والشمس غير موجودة حين الْخَلْق، فعلى هذا يكون المراد ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أي: في قدر هذه الأيام الستة. ثم أورد المؤلف جوابًا عن سؤال يفرضه الذهن، وهو أن يقول قائل: لماذا لم يخلقهن الله سبحانه وتعالى بكلمة ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، يكون على مراد الله سبحانه وتعالى؟ أجاب بأنه فعل ذلك (لتعليم خَلْقه التَّثَبُّت)، هذا ما جرى عليه أهل العلم؛ أن الله سبحانه وتعالى خلقها في ستة أيام؛ ليُبَيِّن للعباد أن المقصود الإحكام لا الإسراع، فيتثبت الناس فيما يفعلون، حتى فيما قَدَرُوا عليه فإنه ينبغي أن يلاحظوا فيه الإحكام دون الإسراع في تنفيذه. ورأيت كلامًا لبعضهم حسنًا، قال: إن خَلْق السماوات والأرض له أسباب، وهو عبارة عن تكوين، والتكوين هذا يحتاج إلى مدة، يعني مثل ما ينشأ الجنين في بطن أمه شيئًا فشيئًا بمدة، كذلك هذا الْخَلْق له أسباب كَوَّنَتْه، هذه الأسباب كانت في هذه المدة ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾، لكن هؤلاء الذين يقولون بهذا القول يُرَجِّحُون القول بأن المراد بالأيام أيام الآخرة الطويلة علشان تكون التطورات التي أدت إلى الكمال مناسبة. وعندي أن هذا ليس بلازم؛ لأن الله تعالى قادِر على أن يجعل هذه الأسباب التي مِن شأنها أن تمتد لعِظَم المخلوق أن يكون ذلك بهذه السرعة، والله أعلم، إنما التعليل هذا الأخير يكون معناه سبب تأخُّرها، وأنها لم تَنْتَهِ إلا في ستة؛ لأنها تحتاج إلى تطورات، هذه التطورات شيئًا فشيئًا حتى تنتهي إلى الكمال، كما هو المعروف فيما نشاهد مما يخلقه الله سبحانه وتعالى من غير السماوات والأرض، نجد أن هذه المخلوقات ما تأتي هكذا دفعة، وإنما لها أسباب وأحوال تتطور إليها حتى تصل إلى درجة الكمال. * طالب: قال المؤلف: (لم يكن ثَمَّ شمس). * الشيخ: نعم. * الطالب: مسلم هذا؟ * الشيخ: إي نعم؛ لأن الشمس إنما خُلِقَت بعد ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت ١٢]، بعدما خلقها أَوْحَى فيها أمرها، وهذا يشمل كل ما يتعلق بالسماء. * طالب: (...)؟ * الشيخ: لا، لكنه خُلِقَ في آخر يوم الجمعة، أو في يوم جمعة بعد زمن طويل. * الطالب: (...) قبل خلق الماء؟ * الشيخ: ما ندري، الله أعلم. * الطالب: (...). * الشيخ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الفرقان ٥٩]، ﴿ثُمَّ﴾ هذه للترتيب الذِّكْرِي أو المعنوي؟ * طالب: المعنوي. * طالب آخر: من معنى الآية. * الشيخ: المعنوي؛ لأن الأصل هو هذا، الأصل أنها للترتيب المعنوي لا للترتيب الذهني، والفرق بينهما أن الترتيب الذِّكْرِي لا يلزم أن يكون ما بعدها متأخِّرًا عما قبلها، بل قد يكون قبله ولكنه ذُكِرَ بعده، هذا يسميه العلماء الترتيب الذِّكْرِي، ولكنهم لا يلجئون إليه إلا عند الضرورة، إذا لم يمكن الترتيب المعنوي قالوا: هو ترتيب ذِكْرِي، وأنشدوا عليه البيت المشهور الذي لا أعلم قائله، وهو: ؎إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ∗∗∗ ثُمَّ قَدْ سَادَ بَعْدَ ذَلِكَ جَدُّهُ قالوا: إن هذا من باب الترتيب الذِّكْرِي؛ لأن سيادة الجد متقدمة على سيادة الأب، وسيادة الأب متقدمة على سيادة الابن، هذا هو المعروف والمعهود، وإن كان قد يكون الأمر بالعكس، قد يكون الْحَسِيب يسود، وبسيادته يسود أبوه، ثم يسود جده، لكن المعروف بالعكس. على كل حال هذا الترتيب في الآية ترتيب معنوي؛ لأنه الأصل، ولا يلجأ للأول إلا عند الضرورة. وقوله: ﴿اسْتَوَى﴾ يعني: عَلَا على العرش، وهذا العلو عُلُوّ خاص، ليس كالعلو على سائر المخلوقات؛ لأن الله سبحانه وتعالى عالٍ على جميع المخلوقات عُلُوًّا مطلقًا، لكن هذا العلو على الأرض عُلُوّ خاص، وهو يدل على كمال العالي؛ لأن هذه المادة (استوى) تدل على الكمال من حيث هي، تقول: استوى الثَّمَر، بمعنى كَمُل نضجه، وتقول: استوى الرجل، بمعنى كَمُل عقلًا، ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص ١٤]. هنا إذا تعدت بـ(على) صارت دالة على العُلُوّ لكن متضمنة للكمال، فعلى هذا يكون ﴿اسْتَوَى﴾ بمعنى عَلَا علوًّا خاصًّا على وجه الكمال. وقول المؤلف: (﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ هو في اللغة سرير الْمَلِك). هذا العرش، يعني ليس كل كرسي يسمى عرشًا، كرسي المعلِّم ما نسميه عرشًا، لكن الكرسي الخاص بالْمَلِك يسمى عرشًا، هذا في الأصل في اللغة، قال الله تبارك وتعالى عن ملكة سبأ: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل ٢٣]، وقال: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ [يوسف ١٠٠] في قصة يوسف، لكن المراد بالعرش هنا ما هو أعظم من ذلك، هو عبارة عن هذا المخلوق العظيم الذي وَسِعَ السماوات والأرض والكرسي؛ لأنه جاء في الحديث أن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، حلقة يعني حلقة الْمِغْفَر أو الدِّرْع، ما هي بالنسبة للفلاة؟ لا شيء، وإنَّ فَضْل العرش على الكرسي كفَضْل الفلاة على هذه الحلقة[[أخرج البيهقي في الأسماء والصفات (٨٦١) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله ﷺ وهو في المسجد، فذكر الحديث، قال فيه: قلت: فأي آية أنزل الله عليك أعظم؟ قال: «آية الكرسي»، ثم قال ﷺ: «يا أبا ذر، ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة». ]]، إذن ما يعلم قدره إلا الله عز وجل. وهنا من التعمق والتنطع أن نبحث ونسأل عن ماهية هذا العرش، يعني من أين هو؟ مِن ذَهَب؟ من فضة؟ من زَبَرْجَد؟ من كذا؟ هذا وردت فيه آثار، لكنها ليست بصحيحة، وليست واردة عن معصوم، ولا ينبغي أيضًا الخوض فيه؛ لأن ما لنا وله من أين مادته، إنما المهم أن نعرف عِظَم هذا العرش، وأنه هو الذي استوى عليه الله عز وجل. يقول المؤلف: (﴿الرَّحْمَنُ﴾ بدل من ضمير ﴿استوى﴾ أي: استواءً يليق به). ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان ٥٩]، يعني ما تقول: إن ﴿الرَّحْمَنُ﴾ فاعل ﴿اسْتَوَى﴾؛ لأنه سبقه، ما يدل على رجوعه إليه: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان ٥٩]، يعني كلام المؤلف يقول: إنه لا يُعْرَب على أنه فاعل ﴿اسْتَوَى﴾؛ لأنه سبق، ما يرجع إليه الضمير في ﴿اسْتَوَى﴾، ولكن لا مانع من أن نجعله فاعلًا على أن يكون إظهارًا في مقام الإضمار، لا مانع منه، وإلا صحيح أن ظاهر السياق يقتضي أن يكون ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ﴾ ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾، يعني: هو، أن الفاعل ضمير مستتر، أن يكون (﴿الرَّحْمَنُ﴾ بَدَل) كما قال المؤلف، هذا وجه، لكننا نقول: إنه ليس بمتعين؛ لجواز أن يكون ﴿الرَّحْمَنُ﴾ على أنه إظهار في مقام الإضمار. وذكروا أيضًا فيه وجهًا ثالثًا، وهو أن يكون مبتدأ، وخبره: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان ٥٩]، وأن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: هو الرحمن. ولكن ما ذهبنا إليه أولى، ويكون فائدة الإضمار هنا بيان أن هذا الاستواء والعلو الخاص ليس كعلو المتجبِّرِين الْمُتَكَبِّرِين، بل هو عُلُوّ رحمن واسع الرحمة؛ لأنه عادة البشر أو الملوك إذا استووا على عروشهم أن يكون لديهم من الجبروت في الغالب والعظمة ما يتخيلونه إذا استووا على عروشهم، ولكن الله سبحانه وتعالى مع عُلُوِّه عظيم على عرشه العظيم هو رحمن واسع الرحمة تبارك وتعالى، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾. وقول المؤلف: (أي استواءً يليق بِهِ)، السؤال الأول على هذه الجملة: هل هذه الجملة تدل على أن المؤلف لم يُحَرِّف؟ * طالب: لا تدل على أنه لم يحرِّف. * الشيخ: لا تدل؟ * الطالب: أي أنها تدل على العكس. * الشيخ: أعوذ بالله. * الطالب: أي أنه يُحَرِّف. * الشيخ: صح. * طالب: إي نعم، صحيح. * طالب آخر: لو ما جاءت، يعني لو كل الآيات غير الاستواء قال بكذا صار فيه دليل. * الشيخ: والله إني تأملت اللي قبلها يقول كذا، أنا راجعت عدة مواضع يقول كذا، (...). * طالب: هذه مخالفة. * الشيخ: إي، طيب ما يخالف، أنت تقول: إنها تدل على أنه لم يحرِّف. * طالب: (...). * الشيخ: هاه؟ * طالب: يعني ربما يكون اللائق به ﴿الرَّحْمَنُ﴾ أن تطلق بمعنى الـ.. * الشيخ: العلو. * الطالب: إي نعم. * الشيخ: أنت ليش تقول أنها تدل على العكس؟ * الطالب: تدل على العكس؛ لأنه لم يقل: إن المعنى اللغوي لـ(على) صار (...)، فهو يعطيك هذه الجملة ليقنعك أنه على مذهب السنة كما هو اعتقاد البعض، ولكنه على العكس. * الشيخ: إي. * الطالب: يعني لو كان يريد العلو الحقيقي الذي فَسَّرَه العلماء (...). * الشيخ: على (...). * الطالب: (...). * الشيخ: هو في الحقيقة ما تثبت ولا تنفي، أنا في رأيي؛ لأنه ما ذَكَرَ إلا صفة الاستواء فقط، يعني ما تَعَرَّض إلا بأن صفة الاستواء تليق به، لكن معنى الاستواء ما تكلَّم عليه، لكن في الحقيقة أنا أرى أن هذا يومئ إلى مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأنه لو كان يرى أن ﴿اسْتَوَى﴾ بمعنى استولى، ما قال: (استواء يليق به)؛ إذ لا يمكن أن يكون المعنى: استولى استيلاءً يَلِيق به، وإنما يكون مثل هذا التعبير فيما إذا جُعِلَ الاستواء صفة، ما هي صفة (...) صفة فعل، فيكون (استواء يليق به)، لكن مع هذا ليس هذا التفسير بكامل، وكان عليه أن يقول: عَلَا على وجهٍ يليق به، واضح؟ * طالب: (...) خاف أنه يقع (...) التأويل، فخرج عن التأويل؟ * الشيخ: لا، ما هو بوارد، لو أراد لقال: ﴿اسْتَوَى﴾ بمعنى استولى، مثل ما قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر ٢٢] هو فسرها بقوله: (جاء أمر ربك). * طالب: ثم آيات العلو كلها يؤولها. * الشيخ: إي. * الطالب: (...). * الشيخ: إي نعم، هو على كل حال كلامه هنا ما يدل على إثبات ولا على نفي، لكن فيما أعتقد أنه يدل على التفسير بمعنى العُلُوّ، بدليل الاستيلاء لا يقال: إنه استيلاء يليق به، ما يتصور هذا، لكن مع ذلك ما فَسَّرَها كما ينبغي، وكان الذي ينبغي أن يقول: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾: عَلَا عليه عُلُوًّا يليق به. * طالب: يعني تفسير الآيات ليس على مذهبه؟ * الشيخ: إحنا ما أمامنا إلا هذا. * الطالب: (...). * الشيخ: الآيات هذه، وأنا تتبعت اللي قبلها من مواضع ووجدت أنه يقول هذا، وأنا استغربت في الحقيقة، ترى هذا الذي معنا ما هو بالسيوطي، هذا المحلي؛ لأن السيوطي فَسَّرَ أول القرآن، والمحلي فسر آخر القرآن، فأقول: إني أنا استغربت هذا مع أنه هو لا يُقِرّ بالعلو الذاتي، وهذا من الغرائب، يعني يعتبر طريقة متناقضة بالنسبة للمؤلف. فالصواب إذن على كل حال: (استواء يليق به) معناه صحيح، لكن تحتاج إلى تكميل، وهو أن يُفَسِّر يعني يُصَرِّح ويوضح معنى الاستواء. ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ عَلَا عليه على وجه يليق به. فإذا قال قائل: أليس الله عاليًا على جميع المخلوقات؟ فالجواب: بلى، لكن هذا العُلُوّ عُلُوٌّ خاص بالنسبة للعقل، وقد مر علينا في العقيدة، ولا حاجة إلى التكرار أن أهل التعطيل حرَّفُوا معنى الاستواء إلى معنى الاستيلاء، وبَيَّنَّا هناك أن هذا التحريف باطل من عدة أوجه لغوية وشرعية وعقلية، وأنه يلزم على هذا التفسير لوازم باطلة لا تليق بالله سبحانه وتعالى. وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ﴾، أي: الْمُتَّصِف بالرحمة، وهي إذا أُفْرِدَت عن الرحيم دَلَّت على الصفة والفعل، والرحيم أيضًا إذا أُفْرِدَ عنها دَلَّ على الصفة والفعل، وإذا اقترنتا فُسِّرَ الرحمن بما يتعلق بالصفة، والرحيم بما يتعلق بالفعل، مفهوم هذا؟ * طالب: نعم. * الشيخ: فعلى هذا هنا انفردت ﴿الرَّحْمَنُ﴾، فيكون تشمل الصفة والفعل، أيش سؤالك؟ * طالب: قوله سبحانه وتعالى في آية الكرسي: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [البقرة ٢٥٥]، وهنا يقول: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، كيف إذا جاء واحد -مثلًا- يقول (...)، ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، وهنا يقول: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾؟ * الشيخ: (...) ما بينهما خلاف. * الطالب: أبدًا؟ * الشيخ: أبدًا، ويش الخلاف، (...)؟ * الطالب: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ (...)؟ * الشيخ: طيب، ويش معناه؟ * الطالب: المعنى أن العرش فوق الكرسي. * الشيخ: إي. * الطالب: وهنا الكرسي كان وَسِعَ السماوات والأرض. * الشيخ: كاملًا السماوات والأرض، يعني لعِظَمِهِ وكِبَرِه يكون واسعًا لهما جميعًا، لكل السماوات والأرض. * الطالب: الكرسي؟ * الشيخ: إي. * الطالب: والعرش فوقه؟ * الشيخ: والعرش فوقه. (﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ﴾ أيها الإنسان ﴿بِهِ﴾ بالرحمن ﴿خَبِيرًا﴾ يُخْبِرك بصفاته). * طالب: شيخ؟ * الشيخ: نعم. * الطالب: كيف تكون الرحيم تدل على الفعل إذا اقترنت؟ * الشيخ: إي نعم؛ لأن فعيل تدل على إيقاع الفعل، سميع بمعنى سَمِع الصوت، رحيم بمعنى رحم الخلق، والرحمن مثلها كلمة غضبان، يعني ممتلئ غضبًا، كذلك الرحمن يعني واسع الرحمة، ولهذا فَسَّرَه بعض السلف بقوله: الرحمن ذو الرحمة العامة، والرحيم بالمؤمنين، إي نعم. قال: (﴿فَاسْأَلْ﴾ أيها الإنسان ﴿بِهِ خَبِيرًا﴾ ). المؤلف جعل الخطاب في قوله: ﴿فَاسْأَلْ﴾ ليس للرسول ﷺ، بل لجميع مَن يصح منه الخطاب، من يصح خطابه (أيها الإنسان). (﴿بِه﴾ بِالرَّحْمَنِ ﴿خَبِيرًا﴾ )، ﴿خَبِيرًا﴾ يعني به، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾. وقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾ قد يقول قائل: إن المتبادر أن يقول: اسأل عنه خبيرًا؛ لأن السؤال بمعنى الاستفهام يُعَدَّى بـ(عن)، أو لا؟ تقول: سألت بفلان ولّا عن فلان؟ * طالب: عن فلان. * الشيخ: عن فلان، سألت عن فلان، فكيف نجيب عن التعدية بالباء، مع أن المتبادر أن يتعدى بـ(عن)؟ * طالب: يجوز لغويًّا أن تعمل مثلًا (عن) بمعنى الباء. * الشيخ: الباء بمعنى (عن). * الطالب: الباء بمعنى (عن). * الشيخ: عندك شاهد على هذا؟ * الطالب: (...). * طالب آخر: على المذهبين؛ مذهب البصريين ومذهب الكوفيين يُضَمِّنُون (...) ويُعَدَّى بالباء، وإما يُضَمِّنُون الحرف يعني يجعلون (في) بمعنى (عن) أو (من)، كقوله تعالى في سورة الإنسان: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦]، فـ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ يعني: فيها (...). * الشيخ: يعني أنت تقول: إن الباء بمعنى (عن)؟ * الطالب: إي. * الشيخ: هذا الفاصل، أي نجعل (اسأل) بمعنى فعل يناسب أن يتعدى بالباء، ما هو الفعل الذي يناسب يتعدى بالباء؟ * طالب: (...). * الشيخ: الآن اتفقتما في (...)، الباء بمعنى (عن)؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: زين، أو يُضَمَّن الفعل معنى يناسب الباء، لكن كيف الفعل المناسب، ويشلون نقول؟ فاسأل؟ * طالب: (...). * الشيخ: إي. * طالب: (...). * الشيخ: لا، (...) ومرة نرجح ذا، لها نظير في القرآن يمكن إذا قرأناه يتضح: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرِينَ﴾ [المعارج ١، ٢]، ما قال: سأل سائل عن عذاب واقع. * طالب: طلب. * الشيخ: طلب عن، يعني استفهم عن كذا. * الطالب: سأل مع الطلب، أي (...). * الشيخ: هاه؟ * الطالب: (...). * الشيخ: نعم؟ * الطالب: تضمين الحرف سهل. * الشيخ: تضمين الحرف يمكن هنا بسهولة. * الطالب: يبقى الفعل. * الشيخ: الفعل نعم. * طالب: (...)، يعني: سأل سائل عن عذاب هو في الحقيقة سيقع، واقع يعني، فهو (...)؟ * الشيخ: لا، (...)، عندي يقول.. نقرأ عليكم الفائدة ونعقب عليها، يقول: (﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾ أي: اسأل عنه ﴿خَبِيرًا﴾ أي عالِمًا بصفاته)، ﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾ أي: بتفاصيل ما ذكر إجمالًا من الخَلْقِ والاستواء لا بنفسِهما فقط؛ إذْ بعد بيانِهما لا يبقى إلى السؤال حاجة، ولا في تعديتهِ بالباءِ فائدة، فإنها مبنية على تضمينه معنى الاعتناء. ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، يعني: اعْتَنِ بالسؤال عنه، واسأل خبيرًا، هذا التضمين. (المستدعِي لكون المسؤول أمرًا خطيرًا مهتمًّا بشأنه غير حاصل للسائل، وظاهر أن نفس الخلق والاستواء بعد الذِّكْر ليس كذلك، وما قيل من أن التقدير: إنْ شككتَ فيه ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، على أن الخطاب له ﷺ والمراد غيره، فهو بمعزل من السداد، بل التقدير: إن شئتَ تحقيق ما ذُكِر أو تفصيل ما ذُكِر ﴿فَاسْأَلْ﴾ معتنيًا بهِ ﴿خَبِيرًا﴾ عظيمَ الشَّأنِ، محيطًا بظواهر الأمور وبواطنها وهو الله (...) يُطلعك على جَلِيَّة الأمر، وقيل: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ﴾ مَن وجده في الكتب المتقدمة ..) إلى آخره. يعني اللي فهمته الآن أنه يريد أن يجعل الباء متعلقة بمحذوف حالًا من فاعل (اسأل): فاسأل مُعْتَنِيًا به خبيرًا، أو مهتمًّا به خبيرًا. هذا وجهان؛ الوجه الأول: أن تكون الباء بمعنى (عن)، وهذا واضح، فاسأل عنه خبيرًا. والثاني: أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره: معتنيًا أو مهتمًّا به، حال من الضمير المستتر فيه: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾. وعندي أيضًا أنه فيه احتمال أن ﴿فَاسْأَلْ﴾ تُجَب به ﴿خَبِيرًا﴾، يعني: كأنه ضَمَّن السؤال ما يدل على الجواب، مثلما قيل في: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾، ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ وأجيب ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾، فيكون هذا الباء عدل عن (عن)؛ لأن (عن) إنما تدل على مجرد السؤال، والباء تدل على الإجابة أيضًا. وعلى كل حال فالمعنى هذا: الرحمن الذي خلق السماوات والأرض واستوى على العرش اسأل عنه خبيرًا يخبرك. فمَن المراد بهذا الخبير الذي أمرنا الله تعالى أن نسأله؟ * طالب: هو الله. * الشيخ: هو الله، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، يعني: خذ الخبرة والعلم مني؛ لأني خبير بنفسي، هذا المعنى، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: على الخبير سقطت، تعني نفسها حينما سُئِلَت عن مسألة نَسِيَتْها، لكنها قالت: على الخبير سقطت[[أخرجه مسلم (٣٤٩/٨٨) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ]]، تعني نفسها. فالمعنى: اسأل عن الله سبحانه وتعالى خبيرًا به وهو نفسه، وهذا يستفاد من الآية. الآن نأتي للفوائد. * طالب: (...). * الشيخ: ثلاثة. * الطالب: الأول بمعنى (...). * الشيخ: إي نعم. * الطالب: والثاني؟ * الشيخ: بمعنى معتنيًا به. * الطالب: وتكون الباء متعلقة بالحال. * الشيخ: بمحذوف حال من الضمير، والثالث: أن تكون دالة على الجواب: تُجَب به. * طالب: طيب، يا شيخ. * الشيخ: نعم. * الطالب: ما نقول مثلًا (...) العرب على سبيل -مثلًا- الإغراء، أو على سبيل تعظيم المفعول؟ * الشيخ: يمكن أن يكون هذا، يعني يمكن أن تتضمن هذا، بمعنى أن ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ يعني: اسأل مَن هو مِن أعظم الناس قدرةً لما يخبرك به، يعني قصدك أن تكون .. * الطالب: (...). * الشيخ: إي نعم، فاهم كلامك، يعني معناه: أننا أخبرناك بذلك ونحن أعلم مَن نخبرك به، فكأنه من باب التعظيم والمبالغة، قال: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، وأنه ليس المراد حقيقة السؤال، إنما المراد التعظيم، يعني: ما أعظم مَن أخبرك خِبْرَةً. إي، هذا وجه جيد ولا ينقص معنى الآية (...). * طالب: لا يصح أن نقول (...)؟ * الشيخ: نعم، كيف؟ * الطالب: إذا قلنا (...). * الشيخ: لا، صحيح إذا قلنا: متعلقًا بـ﴿خَبِيرًا﴾ واضح، ولا تحتاج إلى أي (...)، يعني: فاسأل خبيرًا به يُخْبِرك عنه، هذا وجه، الحقيقة أنا عندي الآن أنه أحسن الأوجه ولا فيه تكلف، ويكون تقديمها عليها لمراعاة الفواصل، والأصل: فاسأل خبيرًا به. هذا ما يحتاج إلى كلام وواضح جدًّا، إي نعم، ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾. * طالب: تضمين المؤلف (...) الفعل؟ * الشيخ: كيف؟ * الطالب: تضمين المؤلف الفعل. * الشيخ: ما أدري، المؤلف ما تعرَّض لهذا. * الطالب: لا، صاحب الحاشية. * الشيخ: هذا (معتنيًا به أو مهتمًّا). أقول: * فوائد الآيات الكريمة، أولًا: إثبات خلق السماوات والأرض، وأنها كانت معدومة، فيكون في هذا رد لقول الفلاسفة القائلين بقِدَم الأفلاك، وأن الأفلاك قديمة؛ لأن ما كان مخلوقًا فإنه ليس بقديم، وترى ليس بقديم بالمعنى الذي يفهمه، أو المصطلح عليه عند الفلاسفة؛ أن القديم هو الأَزَلِيّ، أفهمتم؟ لا أن المراد به القِدَم اللغوي؛ لأن القديم في اللغة هو الشيء المتقدِّم ولو كان حادثًا، كما قال الله تعالى: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس ٣٩]، لكن في اصطلاح الفلاسفة إذا قالوا: قديم، فمعناه: أَزَلِيّ ليس بحادث، نقول: هذه الآية ترد عليهم؛ لأن الله يقول: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾. * وفيها أيضًا: دليل على ما أشار إليه المؤلف من أن الذي ينبغي أن يلاحظه الفاعل هو الإتقان والتثبت في الأمور، حتى يخرج الشيء على الكمال، يخرج المفعول على الكمال. * وفيها أيضًا: دليل على حكمة الله سبحانه وتعالى بتسيير الأمور حسب أسبابها على الوجه الذي أشرنا إليه، بأنها امتد خلقها إلى ستة أيام؛ لأن الأشياء تتطور وتتعلق بأسباب معينة تكمل في هذه المدة. * وفيها دليل: على كمال قدرة الله عز وجل؛ لأن هذه السماوات والأرض وما بينهما أمور عظيمة ما يستطيع الخلق أن يخلقوها أبدًا، لا في ستة أيام ولا في ستين قرنًا، ولا في .. ما يمكن، الذين صنعوا الأقمار الصناعية أول ما أخرجوها تَخْبُرُون ماذا حصل من الضجة العظيمة والتعظيم العظيم لهؤلاء الذين صنعوها، مع أنها ليست بشيء بالنسبة لأصغر نجم في السماء، ولّا لا؟ لا بذاته، لا بالحجم، ولا بالكيفية، ولا بالقوة، ولا بالانتظام، تزول في آخر الأمر، وفيه يختلف نظامها وتتلف. فالحاصل أن في خلق السماوات والأرض ولو في ستة أيام، ولو في الأيام الستة، فيها دليل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى وعظمته؛ لأن عِظَم المخلوق يدل على عِظَم الخالق، كما أن عِظَم الفعل في غير الخالق يدل على عظمة الفاعل ومهارته وقدرته، ولهذا الناس إذا رَأَوْا بناءً مُحْكَمًا يُثْنُون على البناء ولّا على الباني؟ * طلبة: على الباني. * الشيخ: نعم، يُثْنُون على الباني أولًا، وعلى البناء ثانيًا، ويُذْكَر في الحيدة التي تُنْسَب إلى عبد العزيز الكِنَاني –إن صحت عنه – أن أحد الذين نَاظَرُوه عند الخليفة انتقد خِلْقَتَهُ، فقال له عبد العزيز الكِنَاني: أنت ما انتقدتني الآن، إنما انتقدت الخالق، ثم ضرب مثلًا بأنه لو كان الجدار اللي عند الخليفة مشوَّهًا ومائلًا ثم عِيبَ الجدار، مَن العيب يقع عليه في الحقيقة؟ على الباني، على الذي بناه، فخِلْقَة الإنسان ليست من اختياره، فلا يُذَمُّ عليها. ولذلك ما ورد من الأحاديث التي تُعَلِّق الذَّمَّ على الْخِلْقَة فإنما ذلك ليس للخلقة نفسها، ولكنها دليل على ما تحمل عليه هذه الْخِلْقَة من الصفات التي يُذَمُّ عليها العبد؛ لأنه وُجِد في بعض الأحاديث ذَمّ ثم يفسره العلماء بصفات خِلْقِيَّة، هذا الذم الْمُعَلَّق على صفة. نقول: إذا صح أن الحديث يُفَسَّر بهذه الصفات الْخِلْقِيَّة فليس ذلك لأجل هذه الصفات الخلقية، ولكن لما تتضمنه غالبًا من صفات فعلية أو خُلُقِيَّة للإنسان؛ إذ الإنسان لا يُذَمُّ على ما خلق الله فيه، وإنما يُذَمُّ على ما كان باختياره، واضح؟ * وفي هذا: دليل على الاستواء، على استواء الله على عرشه؛ لقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، وعلى أن الاستواء من الصفات الفعلية، ليس من الصفات الذاتية؛ لأنه مُرَتَّبٌ بعد خلق السماوات، يعني حادث، وهل الاستواء قبل خلق السماوات والأرض ثابت أو ليس بثابت؟ * طالب: ليس بثابت. * الشيخ: هاه؟ * الطالب: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود ٧]. * الشيخ: العرش على الماء. * طالب: ما دام (...). * الشيخ: ما ندري، يمكن (...)، ولذلك نقول: الاستواء على العرش قبل الخلق ما نتكلم فيه، الله أعلم به، لكن الاستواء على العرش حين الْخَلْق موجود ولّا لا؟ ليس بموجود؛ لأن ذلك ينافي قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾، أما قبل الْخَلْق فالواجب السكوت عنه؛ لأن ذلك ليس في وسعنا، والله تعالى لم يخبر عن نفسه به. * وفيه دليل على ثبوت صفة الرحمة لله، من قوله: ﴿الرَّحْمَنُ﴾. * وفيه دليل على عِظَم صفاته تبارك وتعالى؛ لقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾. * وفيه دليل أيضًا –في الآية– على أن الصفات توقيفية؛ لقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، يعني معناه أن وصف الله سبحانه وتعالى لا يكون إلا بحسب ما عَلِمْنَاه منه، فلا يمكن أن نصف الله تعالى بما لم يَصِف به نفسه، ولهذا قال العلماء: إن أسماء الله وصفاته توقيفية –هذا هو القول الصحيح الراجح– وأنه ليس لنا أن نَصِفَ الله تعالى بما لم يَصِفْ به نفسه؛ لأن ذلك ينافي كمال الأدب معه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات ١]، وكما أنه ليس لنا أن نُحْدِث في شرعه شيئًا فليس لنا أن نصفه بشيء لم يَصِفْ به نفسه، ولله المثل الأعلى، الإنسان لو قيل: تَحَدَّثْ عن رجل، وهذا الرجل غائب عنه، هل يملك أن يتحدث عن شيء من صفاته؟ إلا ما يُعْلَم من الصفات البشرية، بأن يقول: هو إنسان مخلوق يَحْيَى ويموت، إلى آخره، لكن يتحدث عن صفة ما هي صفة من الصفات العامة من قبل البشرية ما يجوز يتحدث، فكيف بالله سبحانه وتعالى! * طالب: (...) أيام فالأيام على ما أراد الله سبحانه وتعالى من أيام الله لأن هذه المسألة من الخلق (...) ليست من الأمور المتعلقة بالمخلوقين حتى نقول (...) وإنما هي مسألة خلق السماوات والأرض مسألة تتعلق بالخالق وحده فنقول إنها في أيام (...) ؟ * الشيخ: كيف أيام (...)؟ * الطالب: اللي هي ألف سنة. * الشيخ: من يقول: إن الله أراد؟ * الطالب: أقول: إن المسألة هذه خلق السماوات والأرض ليست –مثلًا- مثل الصفات الأخرى المتعلقة .. * الشيخ: ما يخالف، الْخَلْق نفسه من صفات الله، لكن الأيام التي أضاف الله الْخَلْق إليها وجعله في هذه الأيام معلومة لنا. * الطالب: بس هو أخبرنا كذلك بنص القرآن (...) صارت معلومة. * الشيخ: (...) الأيام؟ * الطالب: قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الحج ٤٧]. * الشيخ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ﴾، ﴿يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ﴾، ما ندري عنه، يومًا واحدًا أو أيامًا ما ندري، حتى ﴿يَوْمًا﴾ هذه قد يقول قائل: إنه يوم مُعَيَّن عند الله كألف سنة. * الطالب: يعني ليست جميع أيام الله كهذه؟ * الشيخ: لا، ولو قال: وإن اليوم عند ربك، وأتى بـ(أل) الجنسية يمكن يقال، فالأقرب هو هذا، والله أعلم، حتى المسألة ما هي بالأمر اليقيني، لكن الذي يترجح حسب مقتضى اللفظ العربي، وأن (...) باللفظ العربي، هو أن الأصل حمل اللفظ على ما دل عليه (...) إلا بدليل؛ هذا الأصل، الواجب أن القرآن تكون دلالته بمقتضى اللغة العربية ما لم يوجد دليل يقتضيه. * طالب: (...)؟ * الشيخ: نعم. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: إي، لكن تقرير المعاد؟ * الطالب: لا، تصحيح (...). * الشيخ: لا، القول (...)، ما هو معناه التصريح بوقوعه، التصريح موجود في كل الكتب، لكن تقريره ليس كتقرير القرآن. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: لا، هو ذكر عنه شيء في (...) ما يدل على هذا، يدل على أن القرآن يتكلم عن المعاد وتقريره وإثباته أكثر مما تكلمت التوراة والإنجيل، إي نعم، وإلا معلوم أنه مُصَرَّح به. * الطالب: لأن (...). * الشيخ: لا لا، مُصَرَّح به في كل الكتب، ولا يمكن أن يستقيم عمل الناس إلا بالإيمان بالمعاد، ولذلك اللي ينكرون المعاد الآن ما يؤمنون، ما (...)، ما دام أنهم يقولون: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ [الجاثية ٢٤] ما يعملون. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، من التصريح كالتقرير، يعني المراد تقريره على أوجه شتى؛ لأن الله سبحانه وتعالى قَرَّرَ المعاد في القرآن ليس بطريق واحد، بعدة طرق، ونحن أشرنا مرة إلى أنَّ آخر سورة يس فيها عشرة أوجه كلها تقرر المعاد. * طالب: عشرون يا شيخ. * الشيخ: عشرة، لكن بعضها أصرح من بعض. * الطالب: لماذا (...)؟ * الشيخ: أيهم؟ * الطالب: (...). * الشيخ: لأن الأصل أن الخطاب الذي يفرد في القرآن لجميع الناس، إلا إذا دَلَّ الدليل على أنه خاص بالرسول؛ لأن القرآن نزل للجميع فهو يخاطب الكل، ما لم يدل دليل على أنه خاص بالرسول، مثل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١]، هذا معروف أنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، ومثل: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ صرح أنه ينادي الرسول وحده، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ﴾ [المائدة ٦٧]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ [الأحزاب ٤٥]، إي. مما يدل على عظمة ذلك، ومنه أيضًا على ما نراه مما بينهما الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك؛ لأن القول بأن هذه في نفس السماوات ليس عليه دليل من الكتاب ولا من السنة، وإنما ظاهر القرآن يدل على أنها في فلك بين السماء والأرض، والواقع يشهد لذلك أيضًا، فإنهم وصلوا إلى القمر، ولو كان في نفس السماء ما وصلوا إليه؛ لأن الله يقول: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء ٣٢]، فإذا كانت السماء محفوظة حتى عن أشرف الرسل وأشرف الملائكة إلا باستئذان فمن دونهم من باب أولى. * طالب: قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ﴾ [نوح ١٥، ١٦]؟ * الشيخ: إي نعم، يعني في جهتهن، ﴿فِيهِنَّ﴾ أي في جهتهن. * الطالب: يعني ما هي مظروفة لهم؟ * الشيخ: لا، ما هي مظروفة لهم، المظروف الجهة، مثلما سيأتينا إن شاء الله، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان ٦١]، نفس الشيء. وسبق أيضًا أن الله تعالى استوى على عرشه، أي: علا عليه علوًّا خاصًّا، وليس كالعلو المطلق للمخلوقات، وإنما هو علو خاص، وأنه من الصفات الفعلية، وأن أهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك على الوجه الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، لا يكيفون ولا يحاولون أن يكيفوا أيضًا؛ لأن ذلك أمر مستحيل. وسبق أن إضافة الاستواء إلى الرحمن: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان ٥٩] فيه إشارة إلى أنه تعالى مع علوه على جميع مخلوقاته فإن رحمته شاملة لجميع الخلق، وليس كعلو غيره مما إذا علا تجبر وتكبر وأخذ بالعنف والغلظة. وكذلك أيضًا تقدم أنه يُستفاد من قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان ٥٩]، أنه لا تطلب معرفة الله إلا من الله، من الخبير به وهو الله سبحانه وتعالى، وأن هذه الآية تشهد بما عليه أهل السنة والجماعة من أن أسماء الله وصفاته توقيفية، لا يجوز لأحد أن يثبت منها إلا ما أثبته الله ورسوله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب