ثم قال: (﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ ساترًا كاللباس ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ راحة للأبدان بقطع الأعمال ﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان ٤٧] منشورا فيه لابتغاء الرزق وغيره).
هذا أيضًا من النعم التي لا يستطيع أحد أن يأتي بها إلا الله.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ اللام للتعليل؛ أي: من أجلكم، ﴿جَعَلَ﴾ من أجلكم ﴿اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾، ومعنى ﴿لِبَاسًا﴾: (ساترًا كاللباس)؛ وذلك لظلامه.
ولهذا الإنسان ربما يخرج في الليل بثياب لا يستطيع أن يخرج بها في النهار، ربما يخرج يجيب حوائج في الليل، لا يستطيع أن يخرج بها في النهار؛ لأن الليل يستر، فهو لباس.
وهل هو لباس للأرض ولّا لباس لنا؟ للجميع؛ لأنه يكسو الأرض ويكسو الإنسان في الواقع، فهو كاسٍ للأرض وهو كاسٍ أيضًا للإنسان.
وقوله: ﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ [الفرقان ٤٧]، السبت بمعنى القطع، والمؤلف فسره بالراحة وهو من باب تفسير الشيء بلازمه، وإلا فهو قطع للتعب، يقطع التعب، ففيه هذه الفائدة العظيمة: أنه يقطع التعب السابق، وليس كما قال المؤلف: (بِقَطْعِ الْأَعْمَال)؛ لأن الإنسان قد يقطع أعماله وهو يقظان، ولكنه يقطع التعب كما هو مشاهد، فالإنسان يكون تعبانًا ثم ينام، فإذا نام انتقض تعبه، فهو في الحقيقة قطع للتعب الماضي وتجديد للنصاب المستقبل.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، قصده أن الإنسان إذا نام ما يعمل.
* الطالب: يعني ما يعمل لله سبحانه وتعالى ولّا لأي شيء؟
* الشيخ: لأي شيء، فهو إذا نام لا يعمل، فهذا وجه كونه سباتًا، ولكنا نقول: ليس كذلك، ليس قطعًا للعمل، بل هو قطع لتعب البدن؛ ولذلك يكسب البدن راحة، أما مجرد قطع الأعمال فهذا قد يكون مع وجود الصحو واليقظة.
﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان ٤٧] يعني: محلًّا للنشور؛ ولهذا قال المؤلف: (منشورًا فيه)؛ يعني أن النهار محل النشور لابتغاء الرزق وغيره من الأعمال، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى.
ولا يرد على هذا ما نحن فيه اليوم من كون الليل ليس لباسًا؛ لأن هذا أمر طارئ بسبب الأنوار المحدثة التي صنعها الإنسان، هذه الأنوار لو فاتت لعاد الظلام على الأرض، ثم إن هذا النور والإضاءة الذي يمنع كون الليل لباسًا ليس بعام في الواقع، بل هو أمر نسبي، ثم هو أيضًا ضعيف لا يشمل الظل، فالظل الذي يحجب ضوء هذه الشمعة مثلًا يكون أسود ﴿لِبَاسًا﴾.
وكذلك أيضًا: ﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ لا يرد عليه بعض الحالات الطارئة كالحراس مثلًا، الحراس في النهار ينامون وفي الليل يعملون، لكن هذه أمور نادرة، والنادر ليس يقطع القواعد، القواعد لا يمكن أن (...) بالأمور النادرة، إنما الكلام على العام.
هذا أيضًا من نعمة الله سبحانه وتعالى، هل أحد يستطيع لو لم يجعل الله الليل أن يأتي بالليل؟ ما أحد يستطيع؛ يعني لو اجتمع الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم بجميع صنائعهم ما استطاعوا أن يأتوا بنصف ليل ولا بساعة من ليل.
كذلك أيضًا النوم، هل يستطيع أحد أن ينوِّم أحدًا؟ أبدًا ما يستطيع، وحبوب النوم هذه ما ترد علينا؛ لأن الإنسان يعطي حبوب النوم مثل الذي يقول: أنا أستطيع أن أنوم الإنسان بإعطائه جرعات للنوم، نقول: هذا مثل الذي قال لإبراهيم: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة ٢٥٨]، فإن هذا الذي يعطي جرعات للنوم ليس هو الذي ينوم، وإنما يفعل السبب الذي يكون به النوم. أرأيت لو أن الله تعالى جعل هذا الجسم غير قابل للنوم هل تستطيع هذه الجرعات أن تنومه؟ لا، إذن فالنوم لا يستطيع أحد أبدًا أن يأتي به إلى بدن الإنسان، وحتى لو أتى به مثلًا فقد يأتي به الإنسان ولا يكون قطعًا، لا يكون قاطعًا للتعب؛ ولهذا امتن الله سبحانه وتعالى به على العباد، وهو أمر لا يستطيع أحد فعله.
كذلك جعل النهار نشورًا، من يستطيع أن يخلع هذا اللباس -لباس الليل- حتى يكون الإسفار وينتشر الناس في مصالحهم؟ الجواب: لا أحد يستطيع سوى الله عز وجل؛ ولهذا امتن الله سبحانه وتعالى على عباده في هذه الأمور الثلاثة: بالنوم، والليل، والنهار.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الله يعافينا من هذا، أعوذ بالله.
* الطالب: يعني هذا دليل على أنه (...)، مهما يسوي به.
* الشيخ: معلوم، ما فيه شك، هذا أمر معلوم.
إذا قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى جعل الليل لباسًا وجعل النهار نشورًا وجعل النوم سباتًا، ما حل النوم؟ هل هو في الليل ولّا في النهار؟
* طالب: في الليل.
* الشيخ: الأصل في الليل، لكن قد يكون في النهار أيضًا، قد يتعب الإنسان في النهار وينام ثم يستريح، كوقت القائلة مثلًا؛ ولذلك ما يقول قائل: إن الله سبحانه وتعالى ذكر نعمتين في الليل ونعمة واحدة في النهار، بل نقول: إن الله ذكر في الليل نعمة وهو كونه ﴿لِبَاسًا﴾، وفي النهار نعمة؛ وهو كونه نُشورًا، وجعل في النوم مطلقًا نعمة وهو أنه سبات؛ يعني قاطع للتعب، والله أعلم.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: النوم بكل أنواعه قاطع للتعب ولّا نوع دون نوع؟
* الشيخ: النوم الطبيعي الذي من خلقة الإنسان، فأما النوم الذي يحدث بسبب المرض؛ لأنه قد يكون الإنسان يمرض فيكثر معه النوم، فالظاهر ما يدخل في الآية.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: المهم في الظاهر، الظاهر أنه أمر نسبي، وبعض الناس يرتاح له كثيرًا.
* الطالب: أو مثلًا بعد العصر (...).
* الشيخ: أنا الآن لو ما أنام شوي قبل (...) ممكن ما استطعت أني أعمل، كان أنعس ثانيًا، وهو ما جربناه فيما سبق.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: تقول إنه يتعب بالحقيقة أكثر ما يتعب إذا صار الإنسان ممتلئ البطن، إذا نام ممتلئ البطن فهو يمكن، لكن الكلام على العموم (...)، نعم؟
* طالب: يا شيخ، بعض الأوقات مكروه النوم فيه؟
* الشيخ: ما أعرف عن هذا شيئًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما هو مكروه، «إلا أن الرسول يكره النوم قبل صلاة العشاء»[[أخرج البخاري (٥٩٩)، ومسلم (٦٤٧ / ٢٣٦) واللفظ له، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ لا يبالي بعض تأخير صلاة العشاء إلى نصف الليل، وكان لا يحب النوم قبلها، ولا الحديث بعدها.]]، هذا مكروه، قبل صلاة العشاء لسبب شرعي ما هو بسبب جسمي، وأما نوم العصر فهم يقولون قول الشاعر:
؎أَلَا إِنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى ∗∗∗ خَبَــــــالًا وَنَوْمَــــــــاتِ الْعُــــــصَيْرِجُنُـــــونُ
هذا ما هو بصحيح، كثير من الناس الآن ينامون العصر باستمرار، ولا أصيبوا بالجنون ولا قيل: إنكم مجانين.
* الطالب: العلماء قالوا: إنه (...).
* الشيخ: يشغل عن الفكر، يمكن يقضيه الإنسان، أحيانًا يعني ما يستطيع أنه ينام في نصف النهار، ولكن ما يستطيع يبقى إلى الليل، لازم ينام (...).
* طالب: شيخ، (...).
* الشيخ: إي، يمكن (...).
نعم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما أظن هذا، هذا فهم للحديث (...)، فالعوام يقولون: ..
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما (...)، والعوام بعد يقولون: أقل فإن الشياطين لا تقل، يحذفون الياء (...). نعم؟
(...)
(نَشُور كَرَسُولٍ وَالْأَخِيرَة بَشِير) هذه فيها عدة قراءات، أولًا الريح فيها قراءتان، سبعيتان ولّا إحداهما شاذة؟
* طالب: سبعيتان.
* الشيخ: وأيش الدليل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، الدليل أنه إذا قال: وفي قراءة؛ فهي سبعية، وإذا قيل: وقرئ؛ فهي شاذة. نعم.
﴿الرِّيَاحَ﴾ و﴿﴿الرِّيحَ﴾ ﴾ [الفرقان: ٤٨] فيها قراءتان: ﴿الرِّيَاحَ﴾ و﴿﴿الرِّيحَ﴾ ﴾، وفي هذا نعرف أن ما اشتهر من قولهم: إن الريح لا تكون إلا في العذاب والرياح تكون في الرحمة ليس على إطلاقه، وأنه قد يؤتى بالريح مفردًا في ريح الرحمة، لكنه له قرينة، فهنا قال: ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الفرقان ٤٨]، فعرف أنها ريح رحمة. وكذلك قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ﴾ وأيش بعدها؟ ﴿طَيِّبَةٍ﴾ [يونس ٢٢]، هذه ريح رحمة لكنها وُصِفت، فأما عند الإطلاق فالغالب أن الريح للعذاب.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم مثل الحديث هذا.
وقوله: ﴿بُشْرًا﴾ [الفرقان ٤٨] فيها عدة قراءات، نشوف أولًا: ﴿﴿نُشُرًا﴾ ﴾ بضم النون والشين، ومعنى ﴿﴿نُشُرًا﴾ ﴾ يقول المؤلف: (متفرقة)؛ يعني أنها تكون أحيانًا جنوبًا، وأحيانًا شمالًا، وأحيانًا غربًا، وأحيانًا شرقًا، بهذا التفرق يتولد السحاب ثم المطر.
وقوله: (وفي قراءة بسكون الشين تخفيفًا) كيف؟
* طالب: ﴿﴿نُشْرًا﴾ ﴾.
* الشيخ: ﴿﴿نُشْرًا﴾ ﴾، وقوله: (تخفيفًا) يعني أنها لا يتغير بها المعنى، وإنما تسكن للتخفيف.
(وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدرًا).
* طالب: ﴿﴿نَشْرًا﴾ ﴾.
* الشيخ: ﴿﴿نُشْرًا﴾ ﴾، حينئذ يتغير. ﴿﴿نُشُرًا﴾ ﴾ و﴿﴿نُشْرًا﴾ ﴾ معناهما واحد لا يختلف؛ لأن التسكين للتخفيف. لكن ﴿﴿نَشْرًا﴾ ﴾ يعني ينشرها نشرًا، هذه مختلفة تكون مصدرًا.
(وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة) سكون الشين وضم الموحدة بدل النون، وهي: ﴿بُشْرًا﴾ وهذه هي القراءة المشهورة، ومعنى ﴿بُشْرًا﴾ على هذا أي: مبشرات؛ يعني: هي تبشر، وليست مصدرًا، وأن الله يبشر بها، وإنما هي نفسها ﴿بُشْرًا﴾، نعم؟
* طالب: (...) (وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون) ما ذكر (...)؟
* الشيخ: (بسكونها) أظنه واحدًا.
* الطالب: و(الموحدة) (...).
* الشيخ: الباء الموحدة، إي ﴿بُشْرًا﴾، هذه هي.
المفرد يقول: (مفرد الأولى: نشور)، وأيش هي الأولى؟ ﴿﴿نُشُرًا﴾ ﴾.
(كرسول ورسل)، رسول ورُسُل، ورسول ورُسْل، هذا مفرد الأولى ما لم تكن مصدرًا وهي ﴿﴿نَشْرًا﴾ ﴾، فإن كانت مصدرًا فهي مفرد، ما هي جمع.
والأخيرة ﴿بُشْرًا﴾، يقول: (الأخيرة مفردها بشير).
صارت القراءات أظن أربعًا: ﴿﴿نُشُرًا﴾ ﴾، و﴿﴿نُشْرًا﴾ ﴾، و﴿﴿نَشْرًا﴾ ﴾، و﴿بُشْرًا﴾ أربع قراءات في هذه الكلمة.
فائدة اختلاف القراءات؛ يعني هذا من إعجاز القرآن: أن يؤخذ من كل قراءة معنى، وعلى هذا ستكون هي جامعة على كونها بشارة وكونها منشورة متفرقة بين يدي المطر.
وقوله: ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الفرقان ٤٨]، المراد بالرحمة هنا المطر أو آثاره، وهذه رحمة مخلوقة؛ لأن الرحمة المضافة إلى الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: رحمة هي صفته فهي غير مخلوقة، ورحمة هي من آثار الصفة فهي مخلوقة، فقوله تعالى للجنة: «أَنْتَ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، هذه مخلوقة ولّا لا؟ مخلوقة، وقوله: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٥٦] هذه الصفة التي ليست مخلوقة، فإذن الرحمة المضافة إلى الله تنقسم إلى قسمين: مخلوقة؛ وسميت رحمة؛ لأنها من آثار الرحمة، وغير مخلوقة؛ وهي صفته.
والذي معنا الآن: ﴿بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الفرقان ٤٨]، هل هي المخلوقة ولّا غير المخلوقة؟
* طالب: الأمران.
* الشيخ: كيف الأمران؟
* الطالب: عموم الرحمة من الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، يحتمل أن المراد ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ يعني معناه: إذا أراد أن يرحم، إذا أراد أن يرحم فتكون من غير المخلوقة، ويحتمل ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ بين يدي المطر نفسه، فتكون الرحمة هنا مخلوقة؛ لأن إطلاقها للمطر يقتضي ذلك.
والمؤلف فسرها على أنها الرحمة المخلوقة؛ لأنه قال: (قُدَّام الْمَطَر).
﴿وَأَنْزَلْنَا﴾ [الفرقان ٤٨].
من المعروف أن الذي يكون به المطر بإذن الله هي الرياح الجنوبية؛ ولذلك يقولون لنا -الأولون من آبائنا وأجدادنا: إذا هبت الريح الجنوبية (...)، قالوا: خلاص الآن يأتي المطر ولا حاجة نسقي الزرع؛ لأنه كأنه شيء معتاد عندهم.
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان ٤٨]، ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ﴾ أي: من السحاب؛ لأن السماء كل ما علاك فهو سماء، ولا شك أن المطر إنما ينزل من السحاب، فيكون المراد بـ﴿السَّمَاءِ﴾ هنا العلو.
وقوله: ﴿مَاءً طَهُورًا﴾ يعني به المطر، والطَّهور -بفتح الطاء- هو ما يُتطهر به أو ما تحصل به الطهارة، وأما الطُّهور بفعلها فهو فعل التطهر، فهو التطهر.
هنا يقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا﴾، وقبلها: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ﴾ [الفرقان ٤٨]، ففيه من علم البديع ما يُسمى بالالتفات، وفائدته كما مر علينا كثيرًا تنبيه المخاطب؛ لأن تغير الأسلوب يوجب التنبه، وفيه أيضًا العناية بما حصل الالتفات إليه؛ لأنه احتاج إلى أن ينبه بهذا الالتفات إليه.
ولا شك أن إنزال المطر هو المقصود من إرسال الرياح، أليس كذلك؟ ولذلك جاء الالتفات إليه بصورة المتكلم: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ﴾، كلمة ﴿مَاءً﴾ للواحد ولّا للجماعة؟
* طالب: للواحد.
* طالب: قد تكون للواحد وقد تكون للجماعة.
* الشيخ: لكن تصلح للواحد المعظم نفسه، وهي هنا كذلك.
(﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان ٤٨، ٤٩] بالتخفيف، يستوي فيه المذكر والمؤنث، ذكره باعتبار المكان، ﴿وَنُسْقِيَهُ﴾ أي: الماء ﴿مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا﴾ إبلًا وبقرًا وغنمًا ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان ٤٩] جمع إنسان، وأصله أناسين، فأُبدلت النون ياء وأُدغمت فيها الياء أو جمع إنسي).
ذكر الله سبحانه وتعالى من فوائد هذا المطر فائدتين:
أولًا: إحياء البلدة الميتة ﴿بَلْدَةً مَيْتًا﴾، ولم يقل: ميتة؛ لأنه (يستوي فيه المذكر والمؤنث) كذا عندي، ما عندكم أنتم: (أو ذَكَّرَهُ باعتبار المكان)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن الصواب أن يُقال: (أو ذكَّرَه باعتبار المكان)؛ لأنه إذا قال: (ذكَّرَه باعتبار المكان)، ما صح قوله: (يستوي فيه المذكر والمؤنث)؛ لأنه إذا استوى فيه المذكر والمؤنث ما يحتاج أن يعلل أنه ذكر باعتبار المكان، فنقول مثلًا: الصواب أن يُقال: (أو ذَكَّره باعتبار المكان).
فكلمة (مَيْتًا) إذا كان يستوي فيه المذكر والمؤنث، صار قولك: (مَيْتًا) أو (ميتة) على حد سواء.
أو ميتة على حد سواء، وأما إذا قلنا: إنه للمذكر فحينئذ نحتاج إلى الجواب عن كونه وُصف به مؤنث: ﴿بَلْدَةً﴾ [الفرقان ٤٩]، فيقول: إنه ذكَّره باعتبار المكان.
قوله تعالى: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ﴾ [الفرقان ٤٩]، الباء هنا للسببية، والمحيي هو الله عز وجل، ولكن المطر سبب.
وقوله: ﴿مَيْتًا﴾ [الفرقان ٤٩]، وصف البلدة هنا بالميت هل المراد نفس الأرض تكون ميتة ولَّا ما عليها؟
* طالب: كل ما عليها من نبات.
* الشيخ: ما عليها في الواقع؛ لأن الفائدة من الأرض وما عليها، والذي ترعاه الإبل والبقر والغنم هو ما على الأرض، ليس تأكل التراب والحصى. فإحياؤها باعتبار ما فيه أنه يحيا وينمو ويكبر.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، بس هي نفس الأرض ما يدخلها الحياة والموت، نفس الأرض يعني الأحجار والطين ما يدخلها الحياة والموت، إنما يدخل الحياة والموت ما فيها؛ فلذلك قال في آية أخرى: ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج ٥]، والاهتزاز والربو إنما يكون بما عليها، أما هي ما تهتز.
قوله: ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا﴾ [الفرقان ٤٩].
هذه فائدة أخرى للمطر: أنه يسقى به الأنعام والناس. لكن كيف ذلك؟ هل هو بالغدران التي تبقى على وجه الأرض، أو أن هذا الماء يخزن في الأرض، أو بهما؟
بهما جميعًا؛ لأن سقي المطر يكون على هذين الوجهين: إما غدران تكون به قيعان لا تشرب فينتفع الناس بها، وإما أن الأرض تشربه ويُخزن فيها كما قال الله: ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر ٢٢]، بل الذي يخزنه الله سبحانه وتعالى.
* وفي الآية هذه: دليل على إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان ٤٩].
* وفيه دليل على إرسال المبشرات والمقدمات بين يدي الأشياء بقوة الرجاء؛ لقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الفرقان ٤٨].
* وفيه أيضًا دليل على قدرة الله عز وجل بإرسال الرياح؛ لأن هذه الرياح لو اجتمع الخلق كله بالتأكيد على أن يأتوا بواحدة منها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، مع أن هذه الرياح في بعض الأحيان تقتلع الأشجار وتدمر المنازل. هذه القوة العظيمة لو تأتي بمولدات الدنيا كلها لتخلق مثل هذا الهواء ما حصل هذا.
* وفيه دليل أيضًا على الحكمة، على حكمة الله عز وجل بكون المطر ينزل من السماء. لو كان هذا المطر الذي تحيا به الأرض يأتي جريًا على سطح الأرض ما كان فيه هذا النفع؛ لأنه لا يصل إلى قمم الجبال إلا بعد أن يغرق ما تحتها، لكنه إذا نزل من فوق أتى على قمم الجبال وأتى على ما هو أسفل منها، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى بذلك.
* وفيه دليل على أن الأصل في الماء الطهارة؛ لقوله: ﴿مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان ٤٨]. ونحن نعرف الآن حسب ما تلونا عليكم أن الماء الموجود في الأرض من السماء.
* طالب: كله؟
* الشيخ: نعم كله، ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ [الحجر ٢٢]، فإذا كان من السماء فإن الأصل فيما نبع من الأرض أو فيما نزل من السماء الأصل فيه أن يكون طهورًا.
* وفيه دليل على إثبات الحكمة في أفعال الله؛ لقوله: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ﴾ [الفرقان ٤٩]، لام التعليل، وهذا دليل من مئات الأدلة على إثبات الحكمة، فيكون فيه رد على طائفة من طوائف المبتدعة، من هم؟
* طالب: الجهمية والمعتزلة.
* الشيخ: لا، ما هم بالمعتزلة. الجهمية؛ لأنهم يرون أن فعل الله لمجرد المشيئة، ليس لعلة، الجهمية؛ فإنه لا يرجح شيئًا على شيء لحكمة، إنما لمجرد المشيئة، ولا يفعل شيئًا إلا لمجرد المشيئة! ولا شك أن هذا القول مردود بالأدلة النقلية والعقلية؛ لأن من يفعل لحكمة أكمل ممن يفعل لغير حكمة، أليس كذلك؟ وهم يرون نفي الحكمة، يقولون: لأن الحكمة غرض، والله سبحانه وتعالى منزه عن الأبعاض والأعراض والأغراض، شوف حسن التعبير! اللي يسمع هذا التعبير يقول: هذا مثل تعبير القرآن: منزه عن الأبعاض والأغراض والأعراض. يريدون بالأبعاض مثل اليد والوجه والعين وما أشبه ذلك، ويريدون بالأعراض الصفات الفعلية، الأفعال الاختيارية؛ كالنزول والاستواء وما أشبه ذلك، ويريدون بالأغراض الحكمة؛ لأنهم يقولون: لو فعل لحكمة لكان ناقصًا بدونها. وهذا من قلب الحقائق، إذا فعل لحكمة فهو دليل على كماله، وأنه لا يفعل شيئًا لمجرد المشيئة سفهًا.
* وفيه دليل على جواز ذكر بعض الفوائد، يعني الاختصار على البعض لا يعد نقصًا؛ لأنه هنا ذكر الله من فوائد المطر فائدتين فقط: إحياء الأرض وسقي الأنعام والأناسي، مع أن للمطر فوائد أخرى: كالتطهر به مثلًا، فالتطهر به ليس سقيًا وليس إحياء للأرض، وغير ذلك أيضًا من الفوائد. لكنه لما كان أشد ما يكون ضرورة في المطر هو إحياء الأرض بالنبات ليأكل الناس والأنعام، وكذلك السقي، فالطعام والشراب ضروري من ضروريات الحياة بالنسبة للأنعام وبالنسبة للناس، اقتصر الله تبارك وتعالى على ذكر هاتين الفائدتين فقط؛ لأنهما هما الفائدتان الضروريتان الحاصلتان بنزول المطر: إحياء الأرض للنبات والأكل، والسقي للشرب.
وقوله تعالى: ﴿أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ﴾ [الفرقان ٤٩]، لكن هنا الأنعام ما قال: أنعامًا كثيرة، والأناسي قال: ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان ٤٩]. وفي هذا التعبير إشكالان:
الإشكال الأول: لماذا وصف الأناسي بالكثير ولم يصف الأنعام بالكثير.
الثاني: أننا نعلم أن الله تعالى يسقي بهذا الماء كل الأناسي، كل الناس يشربون منه؛ فلماذا قال: ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾؟ يعني كأنه يفهم أن من الأناسي من لا يسقى بماء المطر، فما هو الجواب عن الإشكال الأول: وصف الأناسي بالكثرة دون وصف الأنعام؟
* طالب: (...).
* الشيخ: معناه أن ﴿كَثِيرًا﴾ صفة لهما جميعًا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: ما هو بالظاهر؛ لأنه كان يطابق.
* طالب: الأنعام بالنسبة للأناسي هي أقل.
* طالب: (...).
* طالب: الأنعام أكثر من الأناسي.
* الشيخ: إي نعم. أيش لون؟
* الطالب: أقول: الأنعام أكثر من الأناسي.
* طالب: (...).
* الشيخ: أنا عندي والله أعلم أن بعض الأنعام لا يحتاج إلى الماء حسب ما نسمع أن بعضها ما يحتاج إلى الماء، وبعضها ما يحتاج إلا قليلًا جدًّا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أشياء كثيرة يعدون علينا نقول: ما تحتاج إلى الماء، أو إذا شربت لا تشرب إلا قليلًا جدًّا، يمكن في السنة مرة. فإذا صح هذا فهو من الحكمة، قد يكون هذا من الحكمة بعدم وصفه بالكثرة.
لكن يبقى عندنا الإشكال الثاني أشد من هذا: ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان ٤٩].
* طالب: ما يقال على الإشكال الأول.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: مثل الأنعام لا (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: بخلاف الإنسان (...).
* الشيخ: إي، لكن أنا ما ذكر لنا الشرب فقط: ونسقيه أنعامًا وأناسي.
الإشكال الثاني: أن قوله: ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾، مع أن جميع الأناسي يشربون؟
* طالب: (...).
* طالب آخر: حسب ما قلته الأنعام يجب أن تكون كثيرة (...).
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: وصفها بالكثرة ليس تقييدًا للشرط (...) الواقع أن الأناسي كثيرة.
* الشيخ: يعني بالنسبة للأنعام، يعني؟
* الطالب: لا، (...) وأنت قلت: الإشكال الثاني أنه يوجد أن هناك بعض الأنعام لا تشرب.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: أو لا تستفيد من (...)، فنقول: إن ﴿كَثِيرًا﴾ ليست تقييدًا للشرب لمن يشرب من الأناسي، وإنما بيان الواقع فقط أن هؤلاء الأناسي كثيرون الذين يشربون، وهم كلهم يشربون، فتكون للكثرة.
* الشيخ: لو أقول مثلًا: عندي رجال كثيرٌ، هل يفهم من ذلك أن فيه رجالًا آخرين ما حضروا (...)؟
* طالب: نعم.
* طالب: الله سبحانه وتعالى (...).
* الشيخ: إي، ولهذا يقول: جمع إنسان، وأصله...
* طالب: (...) أن تكون ﴿كَثِيرًا﴾ صفة للأنعام والأناسي؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: ما فيه ما يمنع من أن تكون الصفة (...)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، نحن قلنا: المطابقة، ولكن أورد علينا الأخ قال: حتى الأنعام فيه أيضًا جمع، ﴿كَثِيرًا﴾ يستوي فيها المفرد والجمع.
* طالب: ربما يدل على (...).
* الشيخ: لا، هي إذا قلنا: إن ﴿كَثِيرًا﴾ صفة للأناسي وللأنعام زال الإشكال.
الإشكال الثاني: ممكن أن نقول مثلما قال محمد، يعني أنه يبين الله سبحانه وتعالى أنهم أناسي كثيرون، ولا يلزم من هذا أن بعضهم لا يشرب، وأنه تكون الكثرة هذه كثرة شاملة، مثلما تقول: الجند كثيرون، أو عند الأمير جند كثير، كلمة (جند كثير) تشمل جميع الجنود وتصفهم بالكثرة. (أناسي) تشمل جميع الناس وتصفهم بالكثرة.
* طالب: لو قال أكثر (...).
* الشيخ: إي، قول قال أكثر صحيح، واضح.
على كل حال يمكن إذن، إذن الإشكال الذي يتبادر في الأول التخلص منه بأي شيء؟ بأن نجعل ﴿كَثِيرًا﴾ صفة للأمرين: أنعامًا كثيرًا وأناسي كثيرًا. وليس كقول الله تعالى: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء ١]، فإن ﴿رِجَالًا كَثِيرًا﴾ ما تصلح أن تكون ﴿كَثِيرًا﴾ صفة للأمرين؛ لأنها مقدمة على النساء؛ أما هذه فيمكن أن يقال بأنها وصف للمعطوف والمعطوف عليه.
وأما ﴿كَثِيرًا﴾ فإنه لبيان الواقع وليس لإخراج البعث، ونظيره في التمثيل أن تقول مثلًا: عند الأمير جند كثير، أو خرج إلى العدو جيش كثير، فهو وصف له بالكثرة. يعني: ﴿وَأَنَاسِيَّ﴾ ليسوا بالقليلين، هذا المعنى، ﴿أَنْعَامًا﴾ ليست قليلة ﴿وَأَنَاسِيَّ﴾ ليست قليلة، بل هي كثيرة، ويكون هذا بيانًا لشمول انتفاع الخلق ناطقهم وبهيمهم بهذا الماء: ﴿أَنْعَامًا﴾ كثيرًا ﴿وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾.
طيب، إلى الآن توصلنا جميعًا إلى أن الكثير صفة للأنعام والأناسي، بالنسبة لكثرة الأنعام هل نقول: كثرة الجنس والأنواع ولَّا كثرة الأفراد، أو الجميع؟
* طالب: الجميع.
* الشيخ: وبالنسبة للأناسي كثرة الأفراد؛ لأن الأناسي جنس واحد.
ثم قال الله تبارك وتعالى، كم من الفوائد اللي عدينا من هذه الآيات؟ سبع فوائد.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الظاهر والله أعلم للكثرة؛ لأنها أكثر، أكثر أنواعًا وأفرادًا.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: الله أعلم، ما هو علشان الـ... الكلام على إفادتها من المطر، إي هو على الأنعام هذا لأنه أكثر. وقد يقال: إن إحياء الأرض لمصلحة الإنسان، وسقي الأنعام لمصلحة الإنسان، وسقي الإنسان هذه لمصلحة نفسه، فقدم ما يكون انتفاعًا غير مباشر للإنسان، ثم أخر الانتفاع المباشر من باب السير للأبعد فالأبعد في المصالح، الأبعد فالأبعد؛ لأن الأنعام من مصلحة الإنسان، والأرض إحياؤها من مصلحة الإنسان، وإحياء الأنعام أشد مباشرة والتصاقًا بالإنسان من إحياء الأرض؛ لأنه كم من أراض تشرب المطر لا ينالها الإنسان وينتفع بها، بخلاف الأنعام.
{"ayahs_start":47,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ لِبَاسࣰا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتࣰا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورࣰا","وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا","لِّنُحۡـِۧیَ بِهِۦ بَلۡدَةࣰ مَّیۡتࣰا وَنُسۡقِیَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا وَأَنَاسِیَّ كَثِیرࣰا"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ طَهُورࣰا"}