الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ [النور ٤٥] بعدما ذَكَر آياتِ الله سبحانه وتعالى في العالم العُلْويِّ، ذَكَر آيته في العالم السُّفْلي، وهو قوله:
(﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾ أي: حَيَوانٍ ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ أي: نُطْفة).
﴿خَلَقَ﴾ بمعنى أوْجَدَ. ﴿كُلَّ دَابَّةٍ﴾ الدَّابَّة: كُلُّ ما يدبُّ على الأرض، وإنْ كانتْ قد تُطْلق على ذواتِ الأربع عُرْفًا، وقال: الدابة التي تمشي على أربع. هذا في العادة والعُرف، ولهذا ما يُسَمَّى الإنسانُ دابَّةً في العُرف؛ لو يقول لك إنسان: يا دابَّة، يمكن تتخاصم أنت وإياه، لكنها في اللغة: كُلُّ ما دَبَّ على الأرض فهو دابَّة؛ قال الله عز وجل: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود ٦].
وقوله: ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ هذا أصْل خِلْقة الدوابِّ؛ مِن الماء، وقول المؤلِّف: من نُطْفة، ليس بصحيح؛ لأنه ليس كلُّ دابَّة من نُطْفة، بلْ كلُّ دابَّة من ماء؛ نُطْفة وغير نُطْفة، فأمَّا ما يتوالد فماؤه نُطْفة، وأمَّا ما يتولَّد فماؤه رُطُوبة؛ يعني هذه الأشياء التي تتولَّد تتولَّد مِن العُفُونات والرُّطُوبات، وأمَّا الذي يتوالد فنَعَمْ، يتوالد من نُطْفة، له نُطْفة يخلقه الله منها، فكلمة ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ أَعَمُّ مِن كلمة نُطْفة، والواجب إبقاء الآية على عمومها؛ لأجْل أن تشمل المتولِّد..
أما ما يتولَّد فماؤه رطوبة، يعني هذه الأشياء اللي تتولد تتولد من العفونات والرطوبات.
وأما الذي يتوالَد فنعم، يتوالد من نطفة، له نطفة يخلقه الله منها.
فكلمة ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ أعم من كلمة (نطفة)، والواجب إبقاء الآية على عمومها لأجل أن يشمل المتولِّد، بعد؟ والمتوالِد، وهذه الآية بعض من قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء ٣٠]، أيهم أعم؟
* طالب: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ﴾.
* الشيخ: لأن ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ يشمل الدواب وغير الدواب، حتى الأشجار وشبهها من الماء.
طيب، قوله: ﴿مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، الناس يستشهدون بالآية على غير ما أراد الله بها، شو اللي يستشهدون عليها؟
* طالب: الماء.
الشيخ : على أن الماء ضروري لبقاء الحياة، وليس الأمر كذلك، بل الآية تدل على أن أصل الأشياء هذه الحية من الماء، ولو كان المراد ما يستشهد به الناس من أجله لقال: وجعلنا من الماء كل شيء حَيًّا، أي: صَيَّرْنَاه حَيًّا بالماء، ولكن ما هي الآية بلا شك، إن أصل هذه الأشياء الحية، ويش أصلها؟ أصلها الماء، ولا شك عاد إذا (...) من جهة ثانية، نقول: إذا كان أصلها الماء فهي مفتقِرة إليه؛ لأن أصله أيضًا نموه هو ما يكون إلا بالماء.
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ [النور ٤٥] (كالحيات والهوام).
﴿فَمِنْهُمْ﴾ هذا التخصيص يدل على أن الدابة المراد بهم العقلاء، ﴿فَمِنْهُمْ﴾، وإلا لقال: فمنها، أي: من هذه الدواب، إلا أن العلماء قالوا: إن في ذلك تغليبًا، تغليب لأي شيء؟ للعقلاء، ولذلك قال: ﴿فَمِنْهُمْ﴾، أي: من هذه الدواب.
﴿مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ واللي يمشي على بطنه هو يمشي ولَّا يزحف؟ يزحف، لكن هذا مشيه الزحف، مثل الحيات والهوام، ويش هي الهوام؟ الحيات معروفة، والهوام ويش هي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المؤلف يظهر لي أنه في كلامه نظر؛ لأن الهوام منها ما يمشي على بطنه، ومنها ما يمشي على رجلين، ومنها ما يمشي على أربع، فالتمثيل بها فيه نظر، أما الحيات فنعم تمشي على بطنها، وكذلك الدود مثل الصِّرار وغيره تمشي أيضًا على بطنها.
(﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ كالإنسان والطير)، الإنسان يمشي على رجلين ثنتين، والطير يمشي على رجلين ثنتين، فيه طير تمشي على أكثر من رجلين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؟ ما نعرف، يمكن يوجد، ما ندري؟ لكن نحن نعرف أن الطيور ليس لها إلا رجلان اثنتان.
(﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور ٤٥]، كالبهائم والأنعام)، هذا واضح، طيب، هل هذا التقسيم مُفيد للحصر ولَّا لا؟ هل هو من باب الحصر ولَّا من باب القصر؟
* طالب: من باب القصر.
* الشيخ: من باب القصر، يعني الاقتصار على بعض الأشياء؛ لأن من الحيوانات أو من الدواب ما يمشي على أكثر من أربع، أو لا؟ فيه شيء يسمونه أم أربعة وأربعين رجل، موجود، وفيه أشياء لها دون ذلك؛ لها ستة أرجل، وفيه أشياء لها أكثر من ذلك، إنما هذا التقسيم ليس للحصر، ولكنه للقصر، أي: من باب الاقتصار على بعض الأنواع فقط، ويدل على ذلك قوله: ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ يعني من هذا الذي ذُكِر؛ من كونه على بطنه، وعلى رجلين، وعلى أربع، وعلى ما هو أكثر من ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا أحد يحجزه، فهو خالق لما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى.
ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، القدرة صفة يتَّصف بها القادر، بحيث يفعل ما يريد بدون عجز، بخلاف القوة؛ فإنها يفعل بها ما يريد بدون ضعف، فالقوة تقابَل بالضعف، والقدرة تقابَل بالعجز، انظر إلى قوله تعالى: ﴿اللهُ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوةً ثم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَة﴾ [الروم ٥٤]، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤].
فجعل القدرة في مقابل العجز، فلقدرته لا يعجر -سبحانه وتعالى-، على كل حال القدرة صفة يتصف بها القادر بحيث يفعل ما يريد بدون عجز.
فيه رجل مثلًا يصلي قائمًا لكن مع تعب، أيش نقول، هذا قادر ولَّا قوي؟
* طالب: قادر.
* الشيخ: قادر، وفيه إنسان يصلِّي قائمًا، وهو لا يهمه، هذا نسميه؟
* طالب: قوي.
* الشيخ: قوي وقادر أيضًا.
فيه إنسان يحمل هذه الصخرة كما يحمل الريشة ما يهمه، وفيه إنسان يحمل هذه الصخرة، يا الله، يحملها، الأول؟
* طالب: قوي.
* الشيخ: قوي، والثاني؟
* طالب: قادر.
* الشيخ: الثاني قادر؛ لأنه يفعله لكن مع التعب والمشقة، فهو قادر على الحمل.
وفيه أيضًا ثالث: لما جاءت منها (...) هذا ليس قويًّا ولا قادرًا.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النور ٤٥]، يوجد كلمة بين الناس، يقولون: إنه على ما يشاء قدير، هذه الكلمة لا ينبغي أنك تقولها؛ لأنك إذا قَيَّدت القدرة بالمشيئة حصل بذلك قصور، ويش يصير قدرته على ما يشاء دون الذي لا يشاء، مع أن الله قادر على ما يشاء وعلى ما لا يشاء، لكن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فالذي يوجد بعض الناس يقول: إنه على ما يشاء قدير، يجب أن يُنْهَى عنه، ويقال: قل: إنه على كل شيء قدير، لا على الذي يشاؤه فقط، لا سيما وأنك إذا قلت: إنه على ما يشاء قدير، وقَدَّمْت المعمول، فإن تقديم المعمول ويش يفيد؟
* طالب: الحصر.
* الشيخ: الحصر، وأنك حصرت القدرة فيما شاءه فقط، وهذا ليس بصحيح، فالذي يجب على الإنسان أن يطلِق صفة القدرة لله كما أطلقها الله تعالى لنفسه، ويقول: إنه على كل شيء قدير، كما وصف الله به نفسه، ما يقيِّدها بما شاء.
فأما قوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩]، فالمشيئة هنا ليست قيدًا في القدرة، ولكنها قيد في الجمع، يعني أنه إذا شاء هذا الفعل فليس بعاجز عنه، وهذا قاله الله تعالى ردًّا على من أنكروا البعث، وقالوا: إنه ما يمكن إن الله يجمع الناس بعد أن تفرَّقوا في الأرض وكانوا رميمًا.
ومثل ذلك أيضًا ما ورد به الحديث في مسلم «في الرجل الذي أمره الله تعالى أن يدخل الجنة بعدما سبق عليه، فقال له الله تعالى: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث ابن مسعود.]]، فإنه هنا يخاطبه بفعل شيء وقع، فكأنه قال: إني على ذلك قادر إذا شئته، ولهذا عَبَّرَ بـ(قادر) دون (قدير)؛ فإن (قدير) أبلغ في الصفة، بخلاف (قادر) فقد تتعلق بفعل شيء معين.
على كل حال الذي ينبغي للإنسان ما هو؟ بل الذي يجب عليه أن يطلِق صفة القدرة إذا وصف الله بها، فيقول: إنه على كل شيء قدير، فقط، ولا يقيِّدها بالمشيئة.
﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
* * *
(﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ أي: بَيِّنَات هي القرآن، ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ﴾: طريق، ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: دين الإسلام).
﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا﴾ سبق الكلام على مثلها عدة مرات، وقلنا: إن هذه الجملة مؤكَّدة بكم؟ بثلاثة مؤكِّدات: القسم، واللام، و(قد)؛ لأن (لقد) أصلها: والله لقد، فتكون الجملة هنا مؤكَّدة بهذه المؤكِّدات الثلاثة.
وقوله: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ أي: بينات، لا شك أن هذا التفسير لا يطابق المفسَّر؛ لأن (مُبَيِّنَات) أبلغ من (بينات)؛ لأن الْمُبَيِّن البائن في نفسه الْمُبِين لغيره، فهو ظاهر في نفسه مُظْهِر لغيره، والْبَيِّن ظاهر في نفسه فقط، والأول أبلغ، لهذا تفسير المؤلف يعتبر قاصرًا.
والصواب أن الْمُبَيِّنَات بمعنى البينة في نفسها الْمُبَيِّنَة لغيرها، فالآيات هذه التي أنزلها الله مُبَيِّنَات، ويش تبين؟ تُبَيِّن كل ما يتعلق بمصالح العباد، تبين الخير من الشر، والحق من الباطل، والمتقي من الفاسق، وصفات الخالق من صفات المخلوق.
وكل ما يحتاج الناس إليه ويتعلق بمصالحهم في دينهم ودنياهم فإن هذه الآيات بَيَّنَتْه، لكن التبيين له طرق؛ تارة يكون تبيينًا بالتفصيل، وتارة يكون بالإجمال، أحيانًا يكون بيان القرآن بالتفصيل، وأحيانًا بالإجمال.
فمثلًا إذا تدَبَّرْت آيات الفرائض -قسمة المواريث- تجد أن الآيات فيها بَيِّنَة بالتفصيل، وإذا تدَبَّرْت بعض الآيات الأخرى مثل: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، ﴿آتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة ٤٣] تجد أنها مجمَلة، لكن الإنسان يعرفها من أدلة أخرى، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩]، ما من شيء إلا بَيَّنَه هذا القرآن.
وقد قصصتُ عليكم ما ذُكِر عن الشيخ محمد عبده -رحمه الله- أنه كان في مطعم في أحد بلاد أوربا، وكان عنده رجل من النصارى، فقال له: إن القرآن تبيان لكل شيء، فهل بَيَّنَ كيف يُصْنَع هذا الطعام؟
طبعًا نحن ما نشوف إن في القرآن هكذا؛ أنك لما تصنع الطعام تحط بصل، وتحط ملح، وتحط لحم، وما أشبه ذلك، ما هو موجود، فقال: نعم، هذا القرآن بَيَّنَ لنا كيف نصنع هذا الطعام، تعجب هذا النصراني، قال: كيف يعني؟ فدعا صاحب المطعم وقال له: كيف صنعتَ هذا الطعام؟ فقال: صنعته بكذا وكذا وكذا، وبَيَّنَ له تراكيبه، فقال: هكذا في القرآن، فإن الله يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل ٤٣].
يصير القرآن ما بَيَّنَ ذلك تفصيلًا، لكن أرشدنا كيف نهتدي إلى معرفة الأمور، ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، وهذه طبعًا الآية ما تريد أهل الذكر يعني الطبخ، لكن إما أن نقول: أهل الذِّكْر أهل العلم، وعلم كل شيء بحسبه، وإما أن نقول: أهل العلم بالشرع، ونقيس ما عدا العلوم الشرعية على العلوم الشرعية، يكون من باب العموم المعنوي في الآية؛ لأن الآية إن لم تشمل هذا بعمومها اللفظي فهي شاملة له بعمومها المعنوي.
بالمناسبة العموم اللفظي هو الذي دخل في الكلام لفظًا، دل عليه الكلام دلالة مطابقة، والعموم المعنوي هو الذي دل عليه الكلام بالقياس، يعني ما دخل في اللفظ، ولكنه يقاس عليه؛ لأن القياس عبارة عن اشتراك المقيس والمقيس عليه شو به؟
* طلبة: في العلة.
* الشيخ: في العلة التي من أجلها ثبت الحكم، وهذا عموم معنوي، ولذلك تجدون في كلام العلماء يقول: هذه المسألة يشملها النص بعمومه اللفظي، بمعنى أنها فرد من أفراد هذا العموم، وأحيانًا يكون بعمومه المعنوي، بمعنى أنها تُقَاسُ على ما دَلَّ عليه.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، لَمَّا بَيَّنَ حال الآيات، لكن هل كل أحد يستفيد من هذه الآيات الْمُبَيِّنَات؟ لا، قال: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، يعني على الرغم من كون الآيات مُبَيِّنَات واضحة مُبَيِّنَة، على الرغم من ذلك فما كل أحد يهتدي بها، وإنما الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وهذه الآية كغيرها من كثير من الآيات، مثل قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾، وبعده: ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس ٢٥]، فعَمَّمَ بالدعوة، لكن الهداية: ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، هذه مثلها، فالآيات مُبَيِّنَات مُوضِحَة للأمور، لكن ما كل أحد يهتدي بها، فالله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
طيب، كلمة ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾، تقدم أيضًا الكلام على أن كل شيء قيده الله بمشيئته فهو مقرون بالحكمة، فالله تعالى يهدي من اقتضت الحكمة هدايته، (...) وأن الإنسان ينبغي له أن ينظر في آيات الله الكونية ليعتبر بها؛ إذ إن الاعتبار بها يستلزم عبادة الله عز وجل، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾ إلى آخره [النور: ٤٣]، إنما قرَّرَ الله تعالى ذلك لأجل أن ينظر الإنسان هذا الشيء، بل أن يعتبر بهذا الشيء الذي ينظر إليه، ويَعْلَمه؛ ليستدل به على قدرة الفاعل، ومن ثم على عبادته؛ لأن القادر مستحِقٌّ للعبادة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة ٢١]، (...).
إلى غايتها، اختلفت أداة المشي عندها، منهم من يمشي على بطنه (...) أن الله سبحانه وتعالى له التصرف المطلق في خلقه، ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾.
* وفيه: إثبات القدرة وعمومها، من قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وأشرنا في الشرح أو في التفسير إلى أن ما يستعمله بعض الناس من تقييد القدرة بما شاء غلط، وأن الواجب إطلاق صفة القدرة، وأجبنا عن مثل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩]، والحديث الذي فيه: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث ابن مسعود.]]، وقلنا: إن هذه المشيئة متعلِّقة بالفعل لا بالصفة، فالصفة مطلَقة، والفعل هو المقيَّد بالمشيئة؛ إذا شاء فعل، وإذا شاء لم يفعل.
* وفيه أيضًا -فيما سبق-: بيان أن الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى مُبَيِّنَة مُوَضِّحَة، لأي شيء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، مُبَيِّنَة لكل شيء؛ الحق من الباطل، وأهل الخير من أهل الشر، والأحكام التي بين الناس، وغير ذلك، لكن مع كونها مُبَيِّنَة هل اهتدى بها كل الناس؟ لا، وإنما يهتدي بها مَن شاء الله هدايته، ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ [النور ٤٦]، لكن ما كل أحد يهتدي بها، ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النور ٤٦].
* وفيه دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يعتمد على نفسه في الهداية، بل يسأل الله دائمًا أن يهديه ثم يُثَبِّتَه، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: ما دام أن الله هو الذي يهدي، فإذن لا تَسْتَقِلّ أنت بهداية نفسك، فاسأل الله دائمًا الهداية، ثم الثبات عليها، ولا تغتر بما معك من الإيمان مثلًا؛ فإن ذلك قد يُسْلَب منك، لا سيما إذا أُعْجِبَ الإنسان بعمله، فإن إعجاب الإنسان بعمله قد يؤدي إلى حُبُوطه وبطلانه.
* وفيه أيضًا دليل على أن الشرع كله اللي هو دين الإسلام أنه مستقيم ليس فيه اعوجاج؛ لقوله: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ [الأنعام ١٥٣]، التي تروح يمين وشمال، ﴿فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام ١٥٣].
إذا قلنا: إن الهداية من الله عز وجل، وأنها معلَّقَة بالمشيئة، ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، فهل لهذه الهداية سبب؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، وهي؟
* طالب: طلب الحق.
* الشيخ: طلب الحق، طلب الإنسان الحق هذا من أسباب الهداية، الدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، والدليل ما سيأتي في الآيات بعدها، الآيات التي بعدها ترشد إلى ما ذكرنا؛ أن سبب الهداية هو إرادة الإنسان الحق، وطلبه له، فإذا أراده وطلبه فإن الله تعالى يهديه إليه، أما إذا أعرض وتولَّى فإن الله تعالى لا يهديه إليه.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَاۤبَّةࣲ مِّن مَّاۤءࣲۖ فَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ رِجۡلَیۡنِ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰۤ أَرۡبَعࣲۚ یَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ","لَّقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ ءَایَـٰتࣲ مُّبَیِّنَـٰتࣲۚ وَٱللَّهُ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"],"ayah":"وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَاۤبَّةࣲ مِّن مَّاۤءࣲۖ فَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ رِجۡلَیۡنِ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰۤ أَرۡبَعࣲۚ یَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق