الباحث القرآني

ثم قال: (﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾ [النور: ٤٣] يسوقه برِفْقٍ). ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أيضًا الخطاب لِمَن؟ لكُلِّ مخاطَبٍ؛ أَلَمْ تَرَ أيها المخاطَب، و(ترى) هنا بَصَريَّة، ولا عِلميَّة؟ * طالب: بَصَريَّة. * الشيخ: أنا ما أعرف، إذا قُلنا هكذا معناه الأعمى ما يدري عن شيء، معناه أنه ما اعتبر بهذا السحاب لأنه ما يراه. لماذا لم نقُلْ: عِلْمية؛ لأن العِلْمية تتضمَّن البصريَّة؛ يعني: ألَمْ تعلم؛ سواء كان ذلك عن طريق المشاهدة أو عن طريق السماع، إذن نخلِّيها (تَعْلم) على أنها عِلْمية؛ ﴿تَرَ﴾ أي: تعلم. (﴿أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾ يسوقه برِفْقٍ). وقائل يقول: يسوقه. ولم يقيِّده بـ(رِفْق)، نعم، ولعل ذلك أَوْلى؛ أن نفسِّر الإزجاء بالسَّوْق سواء برِفْقٍ أو بغير رِفْقٍ؛ لأننا نشاهد أن السحاب يسير أحيانًا برِفقٍ وأحيانًا يسير بسرعة وهو سحاب؛ يقول المتنبي -أظن-: ؎وَمِــــــــــــــنَ الْخَيْرِ بُطْءُ سَيْبِـــــــكَعَــــــنِّي ∗∗∗ أَسْرَعُ السُّحْبِ فِي الْمَسِيرِالْجَهَامُ اللي ما فيه ماء. * * * (...) مثل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] فهو للتقرير؛ يعني: قد شَرَحْنا لك، وهكذا كلَّما دخلَتْ أداة الاستفهام على النفي صارتْ للتقرير؛ تقريرِ ذلك الشيء. يقول الله تعالى مقرِّرًا هذا الأمر المرئي: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾، والرؤية ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ بمعنى العِلم، وتفسيرنا لها بالعِلم أعَمُّ من تفسيرها بالرؤية البَصَريَّة؛ لأجْل يشمل رؤيةَ الإنسان ببصره لأنها تؤدِّي إلى العِلم، ورؤيةَ الإنسان بسمعه فيما يُخبَر به لأنها تؤدِّي أيضًا إلى العِلم، ورؤيةَ الإنسانِ في قراءته عن هذا الأمر لأنها تؤدِّي إلى العِلم، والمهمُّ أنه ما دامتْ الرؤية محتمِلةً لِأنْ تكون بمعنى العِلم فتفسيرها بالعِلم أَوْلى لأنه أَشْمَلُ وأعَمُّ. والخِطاب في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ هل هو للنبيِّ ﷺ أو لكلِّ من يصِحُّ خِطابه؟ الظاهر أنه لكلِّ مَن يصِحُّ خِطابه؛ يعني: ألَمْ تَرَ أيها المخاطَب أنَّ الله يُزْجِي سحابًا... إلى آخره؛ لأن ذلك أيضًا أشْمَل. وقوله: ﴿يُزْجِي سَحَابًا﴾ يقول المؤلف: (يسوقه برِفْقٍ). ومِن المفسرين مَن قال: يسوقه، ولم يقُل: برفق؛ لأجل أنْ يشْمَل السَّوْق بِرِفْقٍ، وبغير رِفْقٍ؛ لأن السحاب -كما هو مشاهَدٌ- أحيانًا يكون مَشيُهُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا، وأحيانًا يكون مَشْيُهُ بسرعةٍ؛ سريعًا. و(﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ يضُمُّ بعضَهُ إلى بعضٍ فيَجْعلُ القِطَعَ المتفرِّقةَ قِطعةً واحدةً). وهذا أيضًا مشاهَدٌ؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يؤلِّف بين هذا السحاب ويجمع بعضَهُ إلى بعضٍ حتى يكون قِطعةً كبيرةً، وأحيانًا لا يؤلِّف بيْنَه؛ نفْس القِطعة الصغيرة تتوسَّع وتكون قطعةً كبيرةً، لكن التأليف أبْلَغ؛ لأن المؤلَّف أحيانًا يكون من غير جنس المؤلَّف به، دائمًا تكون سحابةٌ بيضاءُ وحمراءُ وسوداءُ ثم تجتمع وتكون بلونٍ واحدٍ، وهذا أبْلَغ. هذا التأليف يقول الله عز وجل: (﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ بعضه فوق بعضٍ). ﴿رُكَامًا﴾ يعني متراكمًا؛ بعضه فوق بعض، وهذا أيضًا مشاهَدٌ في رؤية العين؛ فإن السحاب تجد بعضَه فوق بعضٍ، أمَّا إذا كنْتَ في الطائرة مرتفعًا فإنه يبدو لك ذلك ظاهرًا؛ تجد من السحاب ما هو تحتك ومن السحاب ما هو فوقك، وإذا كنْتَ في الأرض يتبيَّن لك أن السحاب بعضُه على بعضٍ، بأيِّ شيء؟ بكَوْنِ بعضِه يغطِّي بعضًا. وكيف يغطي بعضًا؟ شوف مثلًا قطْعة تَمُرُّ تحت قطْعةٍ أخرى وتتجاوزها، تتعداها، مما يدلُّ على أن بعضَه فوق بعضٍ، هذا الرُّكَامُ له منظرٌ عجيبٌ إذا كان الإنسان فوقه، منظرٌ يبهج ويَسُرُّ، ولذلك جعله الله تعالى من الآيات الدالة على كمال قدرته. ثم (﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ المطر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ مخارجه). ﴿تَرَى﴾ بمعنى تُبصِر هنا؛ لأن المطر يُرى بالعَيْن، و﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ أي: من خِلال هذا السحاب. لكن هذه الرؤية هل الإنسانُ يُدرِكها، أو بعضُ الناسِ دون بعض؟ في الحقيقة إنه ما يُدرِك إلا إنسانٌ قويُّ النَّظَر، لكنْ نحن نعلم أن المطر ينزل من السحاب ويتخلَّلُه؛ قال بعض العلماء: إنه مثل الغربال يكون؛ يعني: مثل الغربال الذي يغربل به القمح، وما أشبه ذلك؛ ينزل (...) هذا المطر من خِلاله. مِنْ أين يأتي المطر إذا كان ينزل من خِلاله؟ منه هو نفسه، ينعصِر بإذن الله ثم يتخلَّل منه، ثم قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ [النبأ ١٤] ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ فإنه بإذنِ الله ينعصِر وينزل هذا المطر، وعلى كل حالٍ الأسبابُ الطبيعيَّةُ ما نَعرِفُ عنها شيئًا، لكن هذا ما نعرفه بالرؤية الحسيَّة. * * * ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا﴾: (في السماء؛ بدلٌ من السماء بإعادة الجارِّ. ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ أي: بعضه ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾...) إلى آخره. ﴿يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا﴾ في السماء. الغريب أن المؤلِّف -رحمه الله- مُرتبكٌ في هذا؛ قال في الأوَّل: ﴿مِنْ جِبَالٍ﴾ قال: (﴿مِنْ﴾ زائدة). يعني: زائدةٌ إعرابًا، فعلى كلامه يكون التقدير: ويُنَزِّل من السماء جبالًا. ثم عَقِبَه قال: (بدل من السماء بإعادة الجار). ويش اللي بدل؟ قوله: ﴿مِنْ جِبَالٍ﴾، مِن جبالٍ في السماء. طيِّب، إذا كانت بدلًا بإعادة الجارِّ فهل ﴿مِنْ﴾ زائدةٌ في قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ ولَّا ليست زائدة؟ ليست زائدة لأنها للابتداء؛ ﴿يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ لابتداء الغاية؛ يعني: إلى الأرض، والمعنى -الحقيقة- هو المعنى الأخير الذي ذكر؛ على أن قوله: ﴿مِنْ جِبَالٍ﴾ بدلٌ من السماء؛ كأنه قال: يُنَزِّل من جبالٍ في السماء. فهي بدلٌ من السماء بإعادة الجارِّ الذي هو ﴿مِنْ﴾، وعلى هذا فلا تكون ﴿مِنْ﴾ زائدةً بل تكون لابتداء الغاية؛ يعني: يُنَزِّل من السماء إلى الأرض. من أين ينزل من السماء؟ قال: ﴿مِنْ جِبَالٍ فِيهَا﴾ أي: في السماء. (﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ أي: بعضه). هذا الذي لو قال: إن ﴿مِنْ﴾ زائدةٌ، لكان له وجهٌ، لكن هو جَعَل ﴿مِنْ﴾ تبعيضية؛ لأنه قال: (أي: بعضه)؛ يعني: بعض بَرَد، نعم، ﴿مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾. * طالب: (...). * الشيخ: ما عندك (زائدة)؟! * الطالب: لا. * الشيخ: عجيب، ﴿مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا﴾ ما عندكم (زائدة)؟! * طلبة: زائدة. * طلبة آخرون: صِلة. * الشيخ: هي من الصِّلة أو زائدة المعنى واحد، لكنْ عندكم (صِلة) أو (زائدة)؟ على كل حالٍ (زائدة) أو (صِلة) بمعنى واحد، لكنْ كيف يكون زائدة أو صِلة وهو يقول: (﴿مِنْ جِبَالٍ﴾ بدلٌ من السماء بإعادة الجارِّ)؟! ومعلومٌ أن ﴿مِن﴾ في قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ ليستْ زائدةً ولا صِلةً، بلْ لها معنى وهو الابتداء؛ ابتداء الغاية. بقي أن نقول: ﴿فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ ﴿فِيهَا﴾ الضمير يعود على ﴿السَّمَاءِ﴾؛ يعني: من جبالٍ في السماء. وقوله: ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ المؤلِّف يريد أن تكون ﴿مِنْ﴾ للتبعيض؛ يعني: يُنَزِّل بعضَ بَرَدٍ من هذه الجبال، ويحتمل أن تكون زائدةً؛ يعني: ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾ أي: بَرَدًا؛ يَنْزِل مِن السماء مِن جبالٍ بَرَدًا، فتكون ﴿مِنْ﴾ زائدةً، ويحتمل أن تكون ﴿مِنْ﴾ لبيان الجنس، كيف لبيان الجنس؟ أيْ أنَّ الجبال مِن بَرَدٍ؛ مِن جبالٍ مِن البَرَد، فتكون الجبال نفسُها مِن البَرَد، وعلى هذا يصير: ويُنَزِّل مِن السماء مِن جبالٍ مِن البَرَد، ويكون مفعول التنزيل محذوفًا؛ يعني: يُنَزِّل بَرَدًا؛ إذا كان يُنَزِّل من السماء من الجبال التي من البَرَد، فإذا نَزَّل من الجبال التي من البَرَد، ويش يُنَزِّل؟ بَرَدًا، فيكون المفعول محذوفًا تقديره: بردًا. صار على كل حالٍ ﴿يُنَزِّلُ﴾ أين مفعولها على رأي المؤلِّف؟ مفعولها ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾؛ لأنه قال: (أي: بعضه) على أساس أن ﴿مِنْ﴾ للتبعيض، فهي بمعنى (بعض)، وعليه فيكون هذا هو مفعول ﴿يُنَزِّلُ﴾، وأمَّا المنَزَّل منه، ويش المنَزَّل منه؟ ﴿مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ﴾؛ الجبال التي في السماء؛ لأنَّا قلْنا: ﴿مِنْ جِبَالٍ﴾ بدلٌ من ﴿السَّمَاءِ﴾ بإعادة الجارِّ، فيكون المنَزَّل منه هذه الجبال، والمنَزَّل البَرَد. على الاحتمال الأخير لي ذَكَرْنا أن ﴿مِنْ﴾ زائدة، يكون أيضًا المنَزَّل البَرَد، لكنْ ليستْ ﴿مِنْ﴾ للتبعيض. وعلى الاحتمال الثالث: قلْنا: إن ﴿مِنْ﴾ لبيان الجنس، ويش جنسه؟ جنس الجبال، جِبال من بَرَد، يعني: يُنَزِّل من جبالٍ من الْبَرَد. ويش يُنَزِّل؟ بَرَدًا، فعليه يكون المنِّزل -اللي هو المفعول- محذوفًا تقديره: بَرَدًا، ودلَّ عليه السياق. على كلِّ حالٍ معنى الآية الكريمة أنَّ في السماء جبالًا من البَرَد يُنَزِّل اللهُ تعالى منها؛ من هذه الجبال، هذا المنَزَّل أحيانًا يكون كبيرًا وأحيانًا يكون صغيرًا، لكنْ مِن نعمة الله أنه لا يكون كبيرًا بحيث يهدم البناء، هذا شيءٌ نادرٌ جدًّا، إنما يكون كبيرًا بحيث يَقتُل بعضَ الزروع أو بعض الأشجار حسب حكمة الله عز وجل، أمَّا أن يهدم المنازل ويَقتُل الآدميِّينَ فهذا قليلٌ، وإنْ كان قد يوجد، لكنه قليلٌ، وفي هذا دليلٌ على قُدرة الله سبحانه وتعالى أن هذه السماء تكون فيها هذه الجبال، هذه الجبال من البَرَد، ويَنْزل منها ما يَنْزل بمشيئة الله سبحانه وتعالى وحكمته على هذه الأرض، ولهذا قال: ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾. هذه الجملة هل هي لبيان الامتنان، ولَّا لبيان العقوبة: ﴿يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾ أو تحتمِل؛ لِأَنْ (يصرِف)؟ قد يتبادر للإنسان أن المراد بالإصابة في الأول إصابة العقوبة كما يُقال: صَرَفَ اللهُ عنكَ السوءَ، وكما جاء في الحديث: «وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) من حديث علي بن أبي طالب، وأخرجه الدارقطني (١١٣٩) من حديث جابر بن عبد الله واللفظ له.]] فلا يُصرَف ولا يُعبَّر بالصَّرف إلا عن شيءٍ مكروهٍ، وعلى هذا فتكون الجملة ﴿فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾ مسوقةً لبيان العقوبة التي تحدث بهذا البَرَد. ويحتمل أن يكون من باب الامتنان؛ فإن البَرَد قد يكون خيرًا، وقد يَحصُل به ريُّ أرضٍ ونباتُ الأشجار وغيرُ ذلك، فيَصِير هذا من باب سياق الامتنان؛ يُصِيبُ بهذا البَرَد مَن يشاء فينتفع به، ويَصرِفه عمَّن يشاء فيفوته الانتفاع. ولا مانع من أن يُستعمَل الصَّرف في صرف الشيء النافع، لا مانع، وإنْ كان الأكثر أن يكون لصرف الأشياء الضارة، لكنْ قد يُستعمل أيضًا في صرف الأشياء التي تنفع، هذا مِن بلاغة القرآن أن تكون هذه الجملة صالحةً للوجهينِ: وجْه العقوبة، ووجْه الرحمة؛ الإصابة بالبَرَد أحيانًا تكون عقوبة تَهلِك بها الزروع وتموت بها المواشي، وأحيانًا تكون بالعكس. * * * (﴿يَكَادُ﴾ يَقْرُب ﴿سَنَا بَرْقِهِ﴾ لَمَعانُه ﴿يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ الناظرةِ له؛ أي: يخطفها). من قوة هذا البرق يكاد سَنَاه -يعني لمعانه- يذهب بالأبصار، وفي هذا إشارةٌ إلى أن السحاب التي فيها بَرَد يكون بَرْقُها أشدَّ لمعانًا من غيره، فهذا البرق يكاد لقُوَّته يَذهبُ بالأبصار، ولا شكَّ أن هذا البرق عظيمٌ جدًّا، وقد ذكروا أن فيه طاقةً كبيرةً من الكهرباء وأنها تساوي كذا وكذا من الكيلوات، وهذا الأمر واقعٌ؛ الآن تَجِدُ -مثلًا- الطائرات قد لا تَبْعُد بُعْد هذا السحاب، ومع ما فيها من الإضاءة ما تكاد تُبصِرها، أمَّا هذا فإنه كما تشاهدون يكاد يخطف البَصَر ويملأ الأرضَ ضياءً، مما يدلُّ على كثرة الطاقة الكهربائية التي في هذا البرق، مع أنه بيد الله بلحظةٍ يعني كأنه شَوْطٌ ضَرَب، وهذا هو الظاهر؛ من باب الاحتكاك، كما ذُكِر أنه يكون (سالب) و(موجب)، فيتولَّد من بينهما هذا البرق، ولا مانع -إن صحَّ الحديث- أن يكون أيضًا هذا من أسباب ضَرْب الْمَلَك، الذي يسوق السحاب[[أخرجه الترمذي (٣١١٧) من حديث ابن عباس.]]، فإذا صَحَّ الحديث فإنه لا يُنافِي ما ثَبَتَ من حيث العِلم الذي يتَّصِل بهذا الأمر مِن كَوْنِه اجتماع (سالب) و(موجب) فيَحصُل به هذا اللَّمعان؛ إذْ إن اجتماع السالب والموجب قد يكون بأسباب ضَرْب أيش؟ ضَرْب الْمَلَك إذا صحَّ الحديث بذلك، فهذا لا مُنافاةَ بينه وبين ما وَرَدَ عن النبي ﷺ إن صح، ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾. إذن هذا من آيات الله سبحانه وتعالى الدالَّة على كمال قدرته، سَوْق هذا السحاب بين السماء والأرض، وكَوْنه جبالًا من البَرَد، وإصابةُ اللهِ تعالى به من شاء وصرفه عمَّن يشاء، كلُّ ذلك من آيات الله، ولهذا جَعَلها الله سبحانه بصيغة الاستفهام الدالِّ على التقرير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب