الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾.
(﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ خزائن المطر والرزق والنبات). (...).
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أوَّلًا: قوله: ﴿وَلِلَّهِ﴾ هو خبر مقدَّم، و﴿مُلْكُ﴾ مبتدأ مؤخَّر، وقد عُلِم مِن القاعدة أن تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصْر؛ القاعدة عند أهل العِلم أنه اذا قُدِّم شيءٌ مِن حقِّه أن يؤخَّر دلَّ ذلك على الحصر في هذا المقدَّم؛ يعني حصر المؤخَّر في المقدَّم؛ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أيش معناه؟
* طالب: أي: لا نعبد إلا إياك.
* الشيخ: أي: لا نعبد إلا إياك، ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لا نستعين إلا إياك، فإذا قُدِّم ما حقُّه التأخير كان ذلك دليلًا على حصر الشيء فيه.
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بناءً على هذه القاعدة، ويش تفهم؟ أن مُلْك السماوات والأرض لِمَن؟
* طالب: لله.
* الشيخ: وحده ولَّا معه غيره؟
* الطالب: وحده.
* الشيخ: وحده، من الحصر ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾.
وقوله ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هذا شاملٌ لِمُلك الأعيان والتصريف؛ فـ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أعيانهما لله، والتصريف والتسيير أيضًا لِمَن؟ لله، وتخصيص ذلك بخزائن الرزقِ والنباتِ والمطرِ هذا لا وجْهَ له إطلاقًا؛ فالله تعالى له مُلك السماوات والأرض خَلْقًا وتدبيرًا، الأعيانُ والتصريفُ لله وحدَه، ويدلُّ على ذلك ما فيها من الانتظام وعدم الاضطراب وعدم التناقض، ولهذا استدلَّ الله سبحانه على وحدانيَّته بقوله: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا﴾ لو كان معه إلَهٌ ﴿لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾، صحيحٌ؛ ما دام إلَهٌ لازم يكون له مَمْلكته وحدَه، وفي النتيجة ﴿وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون ٩١] فإذا علا بعضُهم على بعضٍ فلِمَن تكون الألوهيَّة؟ للعالي بلا شكٍّ، ونحن نرى بعَيْنِ اليقين أنه لم يتميَّز الْخَلْق بعضُه على بعضٍ، وأن العالم العُلْويَّ والسُّفْليَّ كُلُّه وحْدةٌ، كُلُّه كُتلةٌ واحدةٌ مُسَخَّر بعضُه لبعضٍ، ويتمُّ بعضُه ببعضٍ، ولا يتناقض ولا يتنافر، فلهذا كان العَقْل والمشاهدة دليلَيْنِ على وحدانيَّة الله عز وجل.
ثمَّ لا يمكن أيضًا تعدُّد الآلهة؛ لا بدَّ أحدهما يغلب؛ لأنهما إن تمانَعَا -هذا دليلٌ عقليٌّ جدًّا، معروف- إن تمانَعَا وعجز كلُّ واحدٍ منهما عن الآخَر، ويش صارا؟ صارا غير مستحقَّيْنِ للألوهيَّة، (...) رب، ما دام كل واحد عجز، الرب ما يكون عاجزًا، وإنْ غَلَب أحدُهما الآخرَ صار وحدَه الربَّ والإلهَ، فإذن لا بد أن يكون إلهًا واحدًا؛ لأنه إما أن يَغلِب فتكون الألوهيَّة له، وإما أن يعجز والثاني يعجز أيضًا فلا يَصْلح كلٌّ منهما أن يكون ربًّا؛ لأن الرب لا بد أن يكون قادرًا، وهذا من أَبْيَنِ الأدلَّة وأوضحها.
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إذا قال قائل: أليس الله تعالى يقول: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون ٦]، ويقول: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ﴾، فأثبَتَ للإنسانِ ملْكًا، وأنتم تقولون: إن مُلْك السماوات والأرض خاصٌّ بالله بدليلِ الحصر، فكيف الجمع؟
الجواب: الْمُلْك هذا مقيَّدٌ، ليس مُلكًا مطْلقًا، ومَن الذي ملَّكَكَ؟ اللهُ تعالى هو الذي ملَّكَكَ هذا الشيءَ على قَدْرٍ محدودٍ أيضًا؛ أنت إذا كُنتَ تَمْلكُ هذا الْمُسَجِّل مثلًا تَمْلكه وتبيعه وتشتريه، تنتفع به، هذا واضحٌ، لكن هل تَمْلك أنك تكسره؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، بالنسبة للمخلوقِين تَملِك، لكن بالنسبة لله ما تَملِك، لا يجوز لك أن تكسره؛ لأنك ممنوعٌ من قِبَل الله، لكن الله عز وجل هل يملِك أن يُتلِف مَن على البسيطة ولَّا لا؟
نعم؛ ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر ٤٥]، فتبيَّن بهذا أن مُلْكي للشيء منين؟ مِن الله هو اللي مَلَّكَني، هذه واحدة، والشيء الثاني: مُلكٌ محدودٌ، مقيَّدٌ، وعلى هذا فلا منافاة بين ما أثبَتَ الله تعالى للإنسان من الْمُلْك، وما أثبَتَ لنفْسه من الاختصاص بالْمُلْك. واضح؟ ولهذا قال بعض أهل العِلم: كلُّ شيءٍ أُضيفَ مُلْكه للإنسان فهو على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة؛ لأن المالك في الحقيقة من هو؟ اللهُ سبحانه وتعالى، وأنا مالكٌ مجازًا، لأني ما أتصرَّف في هذا الشيء إلا كما أُمِرتُ أو كما أُذِنَ لي، ما أتصرَّف تصرُّفًا مطْلقًا.
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ : المرجِع).
هذا فيه تنبيهٌ على أنه سبحانه وتعالى مالكٌ للأوَّلِ والآخِر؛ ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ابتداءً، ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ انتهاءً.
وفيه -والله أعلم- إشارةٌ إلى أنه إذا كان الْمُلْك لله والمرجع إليه فإنه لا يَحِلُّ لنا نحن أن نتصرَّف إلا حسب ما أيش؟ ما شُرِعَ لنا، ما دُمْنا ملْكًا لله عز وجل، نحن الآن ملْكٌ لله، أليس كذلك؟ ومصيرنا إلى مَن؟ إلى الله، إِذَن ما دُمْنا ملْكَه، ومصيرنا إليه فالواجب ألَّا نتصرَّف إلا حيث شَرَع لنا؛ لأنه ما دُمْتَ تعلم أنك ملْكٌ له فهو الذي يدبِّرك: افعل كذا، لا تفعل كذا. وما دُمْتَ تعلم أيضًا أن مصيرك إليه فلا بد أن تستعِدَّ لهذا المصير لأنه سوف يحاسبك.
وقوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ فيه أيضًا ما في قوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب، لكن ﴿إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [النور ٤٢] إعراب ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ ويش محلها من الإعراب؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: خبر مقدَّم، و﴿الْمَصِيرُ﴾ مبتدأ مؤخَّر، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر، كُلُّ شيءٍ حقُّه أن يتأخَّر إذا قدَّمْته معناه أنك تريد أن يكون ما بَعدَه محصورًا فيه، فإذَن المصير إلى الله، مهما طار الإنسانُ ومهما حلَّقَ في الخيال وفي التفكير ومهما بقِي في الدنيا فإن مصيره إلى مَنْ؟ إلى الله عز وجل؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ﴾ [البقرة ٢٢٣] ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦]، مُلاقاة الله عز وجل والمصير إليه أمرٌ لا بد منه، حَتْميٌّ، كما أن وجودنا مِن الله فكذلك أيضًا انتهاؤنا إلى الله عز وجل.
ويحتمل أن قوله: ﴿الْمَصِيرُ﴾ ليس المراد مصير الناس في الآخرة فقط، بل مصير الأمور كُلِّها؛ يعني: المرجع إلى الله في كلِّ شيء، كلُّ شيء صائرٌ إلى الله، فهو سبحانه وتعالى هو الذي يدبِّر ويفعل ما شاء.
{"ayah":"وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق