الباحث القرآني

ثم قال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النور ٤١] ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الهمزة للاستفهام الداخل على النفي، وإذا دَخَل الاستفهام على النفي أفاد التقرير؛ مثل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] يعني: قد شَرَحْنا لك صدرَك. ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يعني: قد رأيتَ، فهمزة الاستفهام إذا دخلَتْ على النفي تفيد التقرير؛ أي: إثبات ما ذُكِرَ لا نَفْيه؛ مثلًا قال الله (...) نبيه ﷺ: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾. ويش معنى ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾؟ يعني: قد شرحنا لك صدرك؛ يُقرِّر الله تعالى أنه شَرَح صدرَ النبي ﷺ. ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحج ٧٠] ويش معناه؟ قد علِمْتَ. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ﴾ يعني: قد رأيتَ. وقوله ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ هل الخطاب للرسول ﷺ أو لكلِّ من يتأتَّى خطابه؟ * طالب: لكله. * الشيخ: الظاهر العموم؛ أَلَمْ تَرَ أيها المخاطَب، لا: أيها النبي؛ لأن ذلك أشمل وأعمُّ. وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ﴾، هل هذه الرؤية بصرية أو عِلمية؟ * الطلبة: عِلمية. * الشيخ: إذا جعلتَها بصريةً صارتْ هذه الرؤية خاصةً بما يُفعَل لا بما يُقال ولا بما يُعلَم بالعقل، وإذا جعلْتَها عِلميةً شملتْ ما يُعلَم بالقول وبالبصر وبالذِّهن، وحينئذ أيهما أَوْلى؟ * الطلبة: عِلمية. * الشيخ: أن تكون علمية؛ يعني: ألَمْ تَعْلم؛ سواء كان عِلمك عن طريق المشاهدة بالبصر، أو عن طريق السمع بالأُذُن، أو عن طريق الاستنتاج بالعقل والتفكير. فعليه نقول: المراد بالرؤية هنا، أيش؟ العِلم؛ ألَمْ تعلم، سواء كان هذا العلم عن أيش؟ * طالب: (...). * الشيخ: عن الرؤية بالعَيْن، أو السمع بالأُذُن، أو الاستنتاج بالعقل والفكر، وهذه الثلاثة هي طُرُق العلم؛ كما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء ٣٦]. إذَنْ: ألَمْ تَعْلم عِلمًا ناتجًا عن هذه الأمور الثلاثة أو عن واحدٍ منها أنَّ الله يُسبِّح له مَن في السماوات والأرض. (ومِن التسبيح صَلاةٌ.) كذا عندكم (صلاةٌ) بالتنكير؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: نعم. ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ﴾ أتى بـ﴿مَنْ﴾ التي للعاقل لأنَّ التسبيح أظهر للعُقَلاء مِن غير العُقَلاء، وهذا التسبيح يشمل التسبيح بالقول وبالحال؛ بالقول نقولُ: سبحان الله. وبالحال أنك إذا تأمَّلْتَ خَلْقه وما جُبِلَ عليه علِمْتَ بذلك أن الله تعالى مُنَزَّهٌ عن العَبَث وعن النقائص، يُسمَّى هذا تسبيحًا بأيش؟ بالحال. إذا قلنا: التسبيح بالمقال، فمِن المعلوم أن الكافر لا يُسبِّح الله بمقاله؛ يعني ما يقول: سبحان الله. لأنه يَصِفُ الله بالعيب ويجعل مع الله شريكًا، لكنه مسبِّحٌ لله بحاله؛ فإن حاله وما جُبِل عليه وانصرافَه عن الحقِّ مع وضوحه وما أشْبَهَ ذلك، كل ذلك مما يدل على تنزيه الله سبحانه وتعالى وعلى حكمته. وقوله: ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يشمل الملائكة ولَّا لا؟ * الطلبة: يشمل. * الشيخ: يشمل الملائكة. وتسبيح الملائكة لم نَعْلمه نحن عن طريق الرؤية، ولكن عن طريق الوحي الذي يقوم بالسَّمْع؛ سَمِعنا مِن نبيِّنا ﷺ أن الملائكة تُسبِّح الله، وسمعنا قول الله عز وجل أن الملائكة تُسبِّح الله إلى آخره. * * * قال: (﴿وَالطَّيْرُ﴾ جمع طائرٍ بين السماء والأرض. ﴿صَافَّاتٍ﴾ حالٌ؛ باسطاتٍ أجنحتهن). وَ﴿الطَّيْرُ﴾ معطوفة على أيش؟ على ﴿مَنْ﴾؛ يعني: وتُسبِّح له الطير. و﴿صَافَّاتٍ﴾ حالٌ من الطير؛ يعني هي أيضًا تُسبِّح الله سبحانه وتعالى في حالِ صفوفها؛ أي: صَفِّ أجنحتها؛ أي: بَسْطها. هذا التسبيح حالِيٌّ ولَّا مقالِيٌّ؟ * طالب: حالِيٌّ. * الشيخ: نحن نعلمه حالِيًّا، ولكن ربما يكون أيضًا مقالِيًّا؛ ربما أنها في حالةِ مَدِّ أجنحتها وبَسْطها تُسبِّح الله لأن الطير لها نُطْق؛ قال الله تعالى: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل ١٦]، فكُلُّ شيء ينطِق، حتى الحصى ينطِق، «وقد سُمِع تسبيح الحصى بين يَدَيِ الرسول ﷺ»[[أخرجه البزار في مسنده (٤٠٤٠)، والطبراني في المعجم الأوسط (١٢٤٤) من حديث أبي ذر.]]، كلُّ شيء يُسبِّح، بل قال الله في آية أخرى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء ٤٤] وهنا قال: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ﴾، ولم يَذْكر السماوات، ولم يُعمِّم؛ في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾؛ لأن هناك قال: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾، وهنا قال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ﴾، فأثبَتَ عِلْمنا بهذا التسبيح، وهو ليس شاملًا كما في الآية الثانية. ﴿الطَّيْرُ صَافَّاتٍ﴾ أما تسبيح الطير صافاتٍ بلسانِ المقال فهذا ما نَعْلمه، لكن بلسان الحال نَعْلمه؛ فإن صفوفها في الهواء بين السماء والأرض وعدم سقوطها، واتجاهها يمينًا وشِمالًا والرياحُ مع عُصُوفها لا تحجبها عما تريد؛ هذا مما يدل على كمال قدرة الله عز وجل. الرياح التي تُقَلْقِل الجبال والسيارات ما تحجب الطائر عن اتجاهه، هو يتَّجِه مُعاكِسًا للرياح -وهذا شيءٌ مشاهَدٌ- ولا يُبالِي، وهذا من تمام قدرة الله عز وجل، هذا الطير الضعيف الصغير اللي يمكن الريح تَحمِله إذا كان متَّجِهًا ما ترُدُّه الرياح، هذا من تمام قدرة الله عز وجل. ومِن تمام القدرة أيضًا أنَّك تَجِدُه في أيام الشتاء الباردة القارسة تَجِدُه يطير بين السماء والأرض بهذه السرعة وفَوْقَ أيضًا ولا يتأثَّر بهذا البرد، كل ذلك دليلٌ على كمال قدرة الله. ثم أعظم من هذا قال: (﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ﴾ اللَّهُ﴿صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ ). ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ﴾ ﴿عَلِمَ﴾ فِعلٌ ماضٍ، فيها ضمير مستتر يعود على من؟ * الطلبة: (...). * الشيخ: كلام المؤلف: يعود على الله؛ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ﴾ أي: قد علم الله ﴿صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾، هذا ما ذهب إليه المؤلف. والقول الثاني: أن فاعل ﴿عَلِمَ﴾ يعود على ﴿مَنْ﴾ وما عُطِف عليه؛ يعني: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ﴾ مِنْ هؤلاء المسبِّحِينَ ﴿قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ يعني أن الله تعالى أَلْهَمَ هذه الأشياء حتى عَرَفَتْ كيف تُسبِّح الله عز وجل وكيف تصلِّي له، وأما عِلْم الله بذلك فمفهوم من قوله ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾. وعلى رأي المؤلف يكون في الآية شِبْه تكرار؛ ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ هذه الجملة هي الأولى على رأي المؤلف، ولهذا الصحيح أنَّ قوله: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ﴾ أي: كلٌّ مِن هؤلاء المسبِّحِينَ قد عَلِم هو نفسُه صلاتَه وتسبيحَه، بأيِّ شيءٍ عَلِم؟ أمَّا بالنسبة للبَشَر -وكذلك الجن- فقد عَلِموا عن طريق الرُّسُلِ؛ الرُّسُلُ أرسلهم الله ليُعَلِّموا الناس كيف يُصَلُّون وكيف يُسبِّحون الله عز وجل، وأمَّا البهائم والحيوانات الأخرى فإنها عَلِمَتْ صلاتها وتسبيحها بما أَلْهَمَهَا الله عز وجل، ولكُلٍّ منها صلاةٌ وتسبيحٌ خاصٌّ؛ قال الله سبحانه وتعالى على لسان موسى ردًّا على فرعون: ﴿مَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾ فقال: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠]؛ إن هذه الهداية كما تشمل الهداية للأمور التي تَحفظُ أجسادَها كذلك يصِحُّ أن تشمل الهدايةُ للأمورِ التي أَلْهَمَهَا الله سبحانه وتعالى من التسبيح والصلاة، إذن الصوابُ أن الفاعل في ﴿عَلِمَ﴾ يعود على مَنْ؟ * طالب: (...). * الشيخ: على الْمُسَبِّح. * الطالب: (...). * الشيخ: إي نعم، وأمَّا عِلم الله بما فعله. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، هذا مفهوم من قوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ قال: (فيه تغليب العاقل). ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ يقول: (فيه تغليب العاقل)، ويش تقولون؟ لأن ﴿يَفْعَلُونَ﴾ الواو للعاقل، ومعلومٌ أن من في السماوات يشمل العاقل وغيرَه، لكن الآية غُلِّب فيها العاقل بالأول وبالثاني؛ ﴿مَنْ﴾ ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ﴾ هذه للعاقل، كذلك ﴿يَفْعَلُونَ﴾ للعاقل، ففيها تغليب العاقل، والسبب في ذلك والله أعلم أن التسبيح والصلاة في العاقل أظهر منها في غير العاقل، فلذلك غُلِّب، وإلا فغير العُقَلاء في الأرض أكثر من العُقَلاء، (...) الحيوانات والحشرات. * طالب: (...). * الشيخ: إي نعم، إلا إذا دلَّ الدليلُ على أنه في لسان المقال؛ مثل مَن قال: سبحان الله، مَن سبَّح اللهَ وما أشبه ذلك، هذا بلسان المقال، من سبَّح الله ثلاثًا وثلاثين دُبُر الصلاة. * طالب: (...). * الشيخ: هذه مثل ما أنه أحيانًا يُذكَر بعد العموم، كذلك أحيانًا يُذكَر بعده العموم، مما يدلُّ على أن الصلاة من أهم الأعمال، لكنْ سبحان الله العظيم! يعني شوف حتى الحيوانات تُصلِّي؛ ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾، ولكن صَلاتها ما ندري عددها؛ هي مثل صلاتنا أم تختلف، المهم أنَّ لها صلاةً ولها تسبيحًا ولكنه خاصٌّ بها؛ قد عَلَّمها الله سبحانه وتعالى كيف تُصلِّي وكيف تُسبِّح وعَلِمتْ صلاتَها وتسبيحَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب