الباحث القرآني

﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ [النور: ٣٤] بفتح الياء وكسرها في هذه السورة، بُين فيها ما ذُكر، أو بَيَّنَتْه، طيب ﴿مبيَّنات﴾ بَيَّنت ولا بُيِّنت لنا. * طالب: بُيِّنت. * الشيخ: بُين فيها ما ذُكر لكن ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ أي بَيَّنت ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ أو ﴿مبيَّنات﴾ مبيَّن فيها ما ذُكر. (اللام) في قوله: ﴿وَلَقَدْ﴾ اللام واقعة في جواب القسم، وهي للتوكيد، و(قد) كذلك للتوكيد. ﴿وَلَقَدْ﴾، وعليه فهذه الجملة مؤكَّدة؟ * طالب: أربع. * الشيخ: لا. * الطالب: بثلاث. * الشيخ: ثلاث، ويش هي؟ * الطالب: (...). * الشيخ: القسم المقدر قبل (...) واللام، و(قد)، وهنا أكد الله سبحانه وتعالى هذا بهذه المؤكدات الثلاث للأهمية؛ لأننا إذا علمنا أن هذه آيات مبيِّنات، فإن ذلك سوف يستلزم منا الاعتناء بهذه الآيات. وقوله تعالى: ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ﴾ ما المراد بالآيات هنا: الشرعية ولّا الكونية؟ * طلبة: كونية. * الشيخ: لا، الظاهر أنها الشرعية؛ لأن الإنزال يتضح معها أكثر مما يتضح مع الكونية، فالظاهر أنها الشرعية، وهي الوحي الذي نزل على الرسول ﷺ. وفي قوله: ﴿أَنْزَلْنَا﴾ الوحي الشرعي؛ لأنه ينزل حقيقة من العلو إلى السفل؛ لأنه ينزل منين؟ من الله على قلب النبي ﷺ، فهو نزول حقيقي. وقد حرفه بعضهم إلى أن المراد الإنزال الوحي، قال: ﴿أَنْزَلْنَا﴾ يعني: أوحينا، وقال: إن النزول لا يكون إلا من أعلى، ولا يكون إلا في جرم، يقال: نزل الإنسان من السطح إلى الأرض، والقرآن ليس كذلك. هذا لا شك أن الذي يقول هذا الكلام ويش ينكر؟ علو الله. ولهذا أهل السنة والجماعة من جملة ما استدلوا به على علو الله: أن الله أنزل القرآن على النبي، وقالوا: يلزم من الإنزال أن يكون المنزِل عاليًا. لكن يفسر بالوحي بحجة أن الشيء النازل هو جرم، والقرآن ليس ذا جرم، وإنما هو قول ينزل، فهذا لا شك أنه محرف لكلام الله عز وجل. ونحن نقول: إن القرآن ينزل كما قال الله، فإن كلمة (ينزل) غير كلمة (يوحي) أو (يوحَى)، بل لها معنى آخر خاص، ثم إنه ما المانع من أن يكون النزول في الأمور المعنوية، مثلًا نزول إذا أضيفت إلى الأمور الحسية (...) في الأجرام، ولا الأمور المعنوية، فلها معنى آخر، أليس الله يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح ٤] والسكينة حَجَر يلقى في القلب ولّا أمر معنوي؟ أمر معنوي ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فإذن يكون الإنزال في الأمور المعنوية. ثم ما المانع من أن يكون القرآن أيضًا له جرم، ولكننا لا نعرف هذا الجرم؛ لأن الله يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل ٥] وقد ثبت «أنه ﷺ نزل عليه الوحي ذات يوم، ورأسه على رجل حُذيفة حتى كاد يرضها»[[أخرجه البخاري (٢٨٣٢) من حديث زيد بن ثابت، ولم نجده عن حذيفة. ]]، «وأنه نزل عليه الوحي وهو على الراحلة فتبرك به»[[أخرج أحمد في المسند (٢٧٥٧٥) من حديث أسماء بنت زيد بلفظ: «إذ أنزلت عليه المائدة كلها فكادت من ثقلها تدق بعضد الناقة».]]، فلا مانع من أن يكون جرمًا ولكن ليس كالأجرام المعروفة، الله أعلم، والله سبحانه وتعالى يجعل الأمور المعنوية أمورًا حسية، ألم تروا إلى الموت يوم القيامة يمثل بأيش؟ بكبش يشاهده الناس من أهل النار ومن أهل الجنة ويُذبح أمامهم، كما أن الأعمال توضع في الموازين يوم القيامة، والأعمال أيش أصلها؟ من المعاني، ما هي أجرام، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وقدرته تعالى فوق إحاطة عقولنا. وعلى كل حال الآية هذه فيها دليل صريح على أن الله أنزل القرآن من عنده، وأنه نزول ليس بمعنى الوحي فقط، بل هو معنى خاص أخص من الوحي. وقوله تعالى: ﴿آيَاتٍ﴾ جمعها، يعني حقيقة الأمر أنها كذلك، والقرآن ليس حكمًا واحدًا ولا خبرًا واحدًا، أخبار كثيرة وأحكام كثيرة، فهي آيات، نعم. طيب ﴿آيَاتٍ﴾ بمعنى أيش؟ علامات. علامات على أي شيء؟ على عظمة من أنزلها وعلى صدق من جاء بها عليه الصلاة والسلام، ووجه ذلك -وجه كونها آيات- أنك إذا تأملت الأحكام التي جاءت بها هذه الآيات وجدتها مطابِقة تمامًا للمصلحة، للمصلحة في المأمورات ودفع المضرة في المنهيات، ووجدت أيضًا أن أخبارها في غاية ما يكون من المصلحة والمنفعة، نعم، ووجدت لها تأثيرًا بالغًا من جملة تأثيره، وآثاره هؤلاء الأمم الذين كانوا منابذين للإسلام فدخلوا في دين الله أفواجًا لمجرد أنهم سمعوا القرآن، ورأوا آدابه وأخلاقه، ثم إن هذا التأثير لمن ألقى السمع، أو كان له قلب، تأثير ما يوجد له نظير في الحقيقة إذا صفا الذهن، وأقبل الإنسان بقلبه على القرآن مهما كان، حتى لو ما هو مسلم لا بد أن يتأثر، جبير بن مطعم كان في أسارى بدر (...) في المدينة، «فسمع النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾، فقال رضي الله عنه: كاد قلبي أن يطير، نعم، ومن ذاك الوقت ألقى الله الإيمان في قلبه، ثم أسلم بعد»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٤)، ومسلم (٤٦٣ / ١٧٤) من حديث جبير بن مطعم.]]، فهذا دليل على أن القرآن آيات عظيمة تدل على عظمة من أنزلها، ويش عليها أيضًا؟ وعلى صدق من جاء به، وذلك لما تضمنته من الأحكام العادلة التي تبهر العقول، ولا يمكن لبشر أن يأتي بمثلها، ومن الأخبار الصادقة النافعة، وأخبار مممتعة للنفس، ومريحة لها، ونافعة للقلب أيضًا ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١]. وقوله تعالى: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ أي: تبين الحق من الباطل وتفصل بينهما وتميز بينهما، ثم أيضًا تبين الأحكام بنفسها، لكن منها ما يحتاج إلى بيان من غيره، ومنها ما هو بين في نفسه، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يوجد في الشرع بحسب الواقع لا يوجد أمر مشكل، لكن الإشكال بحسب أيش؟ بحسب الفهم؛ لأن الإشكال الذي يقع في المسائل الشرعية ليس لقصور في النصوص، ولكن لقصور في الفهم، أو قصور في العلم، قد يكون إنسان قاصرَ علمٍ لا يحيط بالنصوص كلها، وقد يكون قاصرَ فهمٍ، ومن ثَم يحصل الإشكال. أما مع العلم، والفهم التام، فإنه لا يمكن أن يوجد إشكال في الشريعة. ولذلك تجد أحيانًا، أحدثكم عن نفسي، أحيانًا تعرض لي مسألة ويكون حكمها عندي واضحًا مثل الشمس، ثم في يعني في زمن آخر تأتي نفس المسألة ويكون فيها إشكال، لماذا؟ لأن الصفاء ذهنا وأحوال الإنسان لها تأثير في فهم النصوص، لها تأثير بالغ في فهم النصوص. ولهذا أنا أرى أنه ينبغي لطالب العلم أن المسائل التي تعرض له، المسائل النادرة التي يخشى أن ينساها، أنه يجب يقيدها، ما يعتمد على نفسه يقول: الآية هذه بينة ما حاجة أن أقيدها ولا شيء؛ لأنه يمكن يأتي يوم من الأيام يكون ما فتح الله عليك به بالأمس غير موجود الآن، إما لتخلف السبب، أو لوجود المانع، والإنسان بشر تتقلب به الأحوال، يمكن يغضبه الصبي في بيته، يخرج للناس غضبان، ولا يتحمل ولا كلمة من الناس، ويمكن يرضى في بيته ويخرج للناس (...) فالإنسان بشر في جميع أحواله يتقلب ويتغير. على كل حال أنا أعود إلى أن القرآن -ولله الحمد- مبيِّن، أيش بعد؟ ومبيَّن أيضًا، ولكن الخفاء الذي يدخل للإنسان إنما هو من نفسه، لا من حيث الأدلة، وذلك لأحد أمرين، ما هما؟ القصور في العلم، أو القصور في الفهم، فمن أجل أحد هذين الأمرين يحصل الخفاء في الأحكام الشرعية، أما الآيات التي أنزلها الله فهي آيات مبيَّنة مبيِّنة، ما فيها إشكال، وقد ذكر -رحمه الله- شيخ الإسلام ابن تيمية عبارة في العقيدة الواسطية قال: من تدبر القرآن، طالبًا الهدى منه، تَبَيَّنَ له طريق الحق. هذه في الحقيقة عبارة تكتب بماء الذهب، كما يقول الناس (...) لكن قصدي أن هذه العبارة (...) من تدبر القرآن طالبًا الهدى منه، لا بد من أمرين، تبين له طريق الحق. ﴿آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾، ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ ﴿مُبَيَّنَاتٍ﴾ و﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ قراءتان سبعيتان. (﴿وَمَثَلًا﴾ خبرًا عجيبًا، وهو خبر عائشة رضي الله عنها ﴿مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي: من جنس أمثالهم، أي أخبارهم العجيبة كخبر يوسف ومريم) يعني أنزل الله أيضًا ﴿مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، والظاهر -والله أعلم- أن المراد بـ(المثل) هنا ما هو أعم من الواقع، يعني أمثالًا من الذين خلوا، وليس هذا خاصًّا بخبر عائشة رضي الله عنها، ومريم، ويوسف، بل هو أعم من ذلك، لكن المؤلف قصره كعادته -رحمه الله- أنه يقصر الآيات العامة على المعنى حسب السياق، وهذا نقص في الحقيقة، صحيح أن السياق قد يقيد المطلق، وقد يخصص العام، لكن بدليل، أما إن لم يكن دليل على أن هذا خاص، فالأولى العموم. فقوله: ﴿مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هذا في الحقيقة قد يكون أعم مما ذكر المؤلف من سور القرآن. إذن أحكام شرعية عبر عنها بالآيات المبينات، وأخبار صادقة فيها العبرة عبر عنها بقوله: ﴿وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالًا ممن خلا من قبلنا، لا فيما يتعلق بالعفة والصيانة، ولا فيما يتعلق بالدين والإيمان والكفر، نعم ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ وبعده ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد ١٠]، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى قصة لوط قال: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود ٨٣]، الإنسان العاقل يقيس؛ لأن سنة الله واحدة، والله جل وعلا البشر بالنسبة إليه سواء إلا بالتقوى، فإذا أهلك الله أمة من الأمم السابقة بمخالفته فهل يمتنع أن يهلك هذه الأمة أيضًا؟ نعم، ما يمتنع، وإن كان يمتنع شيء وهو (...) من الصالحين، وهو الإهلاك العام، هذا ما ينجي الصالحين، بل قال بعض العلماء: إنه لم يوجد من بعد إهلاك فرعون، إذ استدلوا على ذلك بقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ [القصص ٤٣]، قالوا: فبعدما نزلت التوراة على موسى عليه الصلاة والسلام ما بقي بعد من الأمم السابقين (...)، هذا هو الواقع في الحقيقة، سواء دلت الآية عليه أم لم تدل، إنما هذا هو الواقع. وقوله: ﴿مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ مثل قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، رُمي بما رمي به، وأنجاه الله أو لا (...) وأنجاه الله عز وجل، من الذي رماه بالفاحشة؟ امرأة العزيز، والغريب أن امرأة العزيز هي اللي راودته عن نفسه، وغلقت الأبواب، هيأت كل شيء، ولكنه عليه الصلاة والسلام ﴿هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف ٢٤] بعد أن هم مع توفر الأسباب وانتفاء الموانع ووجود الطلب والهمة بعد ذلك منع نفسه، وهذا أعلى ما يكون في العفة، خلافًا لمن ذهب يخالف كلمة (همّ)، ﴿هَمَّ بِهَا﴾ الغريب أن بعضهم يقول: ﴿هَمَّتْ بِهِ﴾ للزنى، و﴿هَمَّ بِهَا﴾ ليبطش بها، هذا تناقض، لكن يقال: تمام العفة أن تحصل مع وجود الطلب ﴿هَمَّ بِهَا﴾، ولهذا قال النبي ﷺ في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال: «رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٢٣)، ومسلم (١٠٣١ / ٩١) من حديث أبي هريرة.]] ما فيه مانع إلا هذا، وإلا ما عندهم أحد، والشهوة متوفرة، والعزيمة موجودة، ما هي العزيمة الهم، يعني: لكن منعه خوف الله عز وجل، وهو عليه الصلاة والسلام بعد أن همت وهم بها وجد الآن الطلب والسبب، وانتفى المانع حينئذ، رأى برهان ربه فتح الله عليه، أو أحس فانصرف، أخيرًا تبين أن الفاعل من؟ امرأة العزيز، ظهر ذلك علنًا، حتى إن يوسف عليه الصلاة والسلام من قوة صبره ومن حكمته لما دُعي أن يخرج من السجن ﴿قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ [يوسف ٥٠] ما خرج حتى بان أمره، وهذا يعتبر من الصبر العظيم، وإلا قد يعذَر، الإنسان مسجون وقال له: اطلع (...) قبل ما يقول: اطلع نعم لكن هو عليه الصلاة والسلام أبى حتى يكون بريئًا تمامًا و(...) هذا اللي حصل. بالنسبة لمريم رضي الله عنها نفس الشيء، اليهود اتهموها، ما قالوا: إنك زانية، لا، عرضوا تعريضًا، قالوا: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم ٢٨] يعني منين (...) كذلك الجواب، أبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغيّة، فمن أين جاءك البغاء؟ هذا معنى كلامهم. ولهذا اختلف العلماء: هل يُحَدّ بالقذف إذا عرَّض أو لا يحد؟ والصحيح أنه إذا كان التعريض واضحًا يُحَدّ، بل إنه أعظم، كما يقول بعض العلماء: إن التعريض بالزنا أعظم من التصريح به؛ لأنه يتضمن قذفًا ولومًا، مثل لو (...) وقال لك: الحمد لله أنا (...) أزني.. * * * أن من أكره فتاته على البغاء فإن الله سبحانه وتعالى يغفر لها ويرحمها، إذا تحقق الإكراه، وأن في هذا دليلًا على أن المكرَه لا حكم لفعله، كما أنه لا حكم لقوله، وأن من فرق بين الإكراه القولي والفعلي فلا وجه لتفريقه، وبينا الأدلة أنها عامة في ذلك. وسبق أيضًا بيان أن الله سبحانه وتعالى أكد بأنه أنزل ﴿آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ أو ﴿مُبَيَّنَاتٍ﴾ تبيِّن ما تدل عليه وتظهره، سواء كانت هذه الآيات من آيات الأحكام أو من آيات الأخبار، وسبق أنها آيات على أي شيء؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا، على أي شيء. * طلبة: (...). * الشيخ: على عظمة المنزل وصدق من جاء بها، وهو محمد ﷺ. وفيها أيضًا سبق ضرب الأمثال لهذه الأمة بما سبق مما جرى على الأمم السابقة، وأن في ضرب الأمثال مصلحة كبيرة، وهي أن الإنسان يعتبر بها على حاله، وذلك أن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد نسب، وأن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وسنة الله في الأولين والآخرين واحدة، إلا أنه يُستثنى من ذلك الإهلاك العام، الإهلاك العام رفع عن هذه الأمة، وإلا فأصل العقوبة واردة في هذه الأمة كغيرها. وسبق أيضًا أن القرآن الكريم موعظة، لكن لا ينتفع به إلا المتقون الذين اتخذوا وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه. ثم قال المؤلف: (﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ في قوله: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢]، ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] إلى آخره ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ﴾ [النور: ١٦] إلى آخره ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا﴾ [النور: ١٧] إلى آخره، وخصها بالمتقين لأنهم ينتفعون بها). المؤلف -رحمه الله- ذكر هذه الآيات بناءً على عادته، وهو تخصيص العام بالسياق، كان عادته كما رأيتم يخصص العموم بالسياق، والصحيح أن العموم لا يخصص بالسياق؛ لأنه يشمل ما تضمنه السياق وغيره. وعلى هذا فهو موعظة للمتقين في هذه الآيات التي عدها وفي غيرها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب