الباحث القرآني

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ﴾ [النور ٢٩] أي منفعة ﴿لَكُم﴾ باستكنان وغيره كبيوت الربط والخانات المُسبلة ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ تظهرون ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره) إلى آخره. * طالب: يعني (...) هنالك. * الشيخ: باستئذان. * طالب: باستكنان. * الشيخ: أيش؟ * طالب: بالكاف، باستكنان. * الشيخ: باستكنان وغيره؟ طيب، هي أصلًا لخبطت عندي شوية. يقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾، الجناح: الإثم. فيستفاد مما سبق أن الأوامر هناك للوجوب؛ لأنها هي التي يأثم الإنسان بمخالفته، فقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ يدل على أن ما سبق يكون في مخالفته الجناح. ﴿أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ المتاع: يقول المؤلف: المنفعة، والأصح أنها أعم من ذلك، سواء منفعة باستكنان كما قال المؤلف أو غيره، متاع يعني: ما يكون متعة لكم من منافع وأعيان، حتى لو كان البيت مثلًا فيه أعيان لي، ككونه مخزنًا فيه أموال، هذا أيضًا ليس عليَّ جناح أن أدخله بدون استئذان، وإن كان البيت لغيري. والسبب لأن وجود الحاجة فيه لي، أو المتاع لي فيه، هو إذن لي بالدخول، كون هذا الرجل بيعطيني جزءًا من بيته أضع فيه متاعًا لي هذا يدل على أنه قد أذن لي بذلك، ما حاجة أني أستأذن إذنًا جديدًا. وهذا أيضًا الإذن الذي أوجبه الشارع في هذه الحال ما يظهر أنه يجب؛ لأن البيت غير مسكون، وإذا صار غير مسكون فأصل الاستئذان إنما جعل من أجل النظر، والنظر هنا مفقود؛ لأنه ما فيه أحد، لكن لما كان لغيري صار الإنسان قد يكون متحرجًا؛ لأنه قال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾، لو أخذنا بعموم ها الآية ذي لقلنا: البيوت غير المسكونة ولو فيها متاع لنا ما ندخلها حتى يؤذن لنا، لكن في هذه الحال إذا كانت غير مسكونة وليست محلًّا للسكنى وفيها متاع لنا، سواء منفعة أو عين، فإنه لا حرج علينا أن ندخلها بدون استئذان. وقوله: ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ دليل على أنه إذا لم يكن فيها متاع لنا فإننا لا ندخلها ولو كانت غير مسكونة، والحكمة في هذا ظاهرة؛ لأن الرجل إذا دخل بيتًا ليس له وهو غير مسكون وليس له فيه منفعة أو متاع، يؤدي ذلك إلى تهمته، شو به؟ الفساد، كما يوجد الآن في البيوت التي لا تسكن أحيانًا تكون مأوى للخبثاء، فإذا كان الإنسان ليس له متاع في هذا البيت فإنه لا يدخله إطلاقًا، أما إذا كان له متاع وهو لو غير مسكون فلا حرج على الإنسان أن يدخله، سواء استأذن أولم يسـتأذن، ولكن الاستئذان هنا غير وارد؛ لأنه ليس مسكونًا، إلا أنه لولا هذا الاستثناء لقلنا: إن عموم قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ يقضي على هذه الحال أيضًا، ولكن هذا من نعمة الله. فالحاصل الآن: البيوت ثلاثة أقسام صارت: بيوت مسكونة فيها أهلها، ويش الواجب؟ الاستئذان والسلام. بيوت ليس فيها أحد، لكنها مسكونة، لكن ما وجدنا فيها أحدا، أيضًا لا بد من الاستئذان، ما ندخلها حتى يؤذن لنا. بيوت غير مسكونة، هذه إن كان فيها متاع لنا فليس علينا جناح في دخولها، وظاهره إن لم يكن لنا فيها متاع فإنه لا يجوز دخولها، علينا جناح في ذلك. والسبب أنها إذا كانت غير مسكونة، وهي ما ملك لنا، لو ملك لنا واضح لكنها ليست لنا، إذا دخلناها وليس لنا فيها متاع أوجب ذلك التهمة، هذه من جهة، ويوجب أيضًا المخاصمة مع صاحبها؛ لأن صاحبها يقول: لأيش تدخل بيتي؟ أليس كذلك؟ فإذا قلت له: هو غير مسكون، ولا حاجة أستأذن لأن ما فيه أحد، ما فيه ساكن، يقول: ولكن البيت لي، لا يحل لك أن تتصرف فيه بالدخول، فلهذا يقول: اشترط الله تعالى أن يكون فيها متاع لنا. * طالب: يا شيخ، المتاع المنفعة لأيش؟ * الشيخ: لا، المتاع يقول المؤلف: (أي منفعة). * طالب: (...). * الشيخ: إما منفعة أو عين. * طالب: (...). * الشيخ: المنفعة مثلما قال المؤلف: باستكنان أو شبهه. الاستكنان وشبهه من المنفعة، مثلًا: لو فُرض أنه نزل أمطار كثيرة، وحولك بيوت غير مسكونة ودخلت لأجل تستكن من المطر، أو حر شديد، أو عدو لاحقك، أو ما أشبه ذلك، هذه منفعة، والعين مثلما أشرنا إليه. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾. * طالب: يعني إذا كان المصلحة (...). * الشيخ: إي نعم، ﴿فِيهَا مَتَاعٌ﴾ يعني: شيء يمتعك. * طالب: (...). * الشيخ: إي نعم، مثلما قال هنا: ﴿مَتَاعٌ﴾، أي: ما تتمتع به من عين أو منفعة. ثم قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾. لاحظوا الفرق بين التعبيرين، هناك قال: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾، و﴿عَلِيمٌ﴾ اسم، وهنا قال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾، و﴿يَعْلَمُ﴾ فعل، الجملة فعلية. والفرق بينهما أن الأول ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ باعتبار وصف الله بالعلم؛ فإن علم الله تعالى صفة لازمة له أزلية أبدية، ولّا حادثة؟ * طلبة: أزلية. * الشيخ: أزلية أبدية، وليست بحادثة إطلاقًا، علم الله لا يتجدد سبحانه وتعالى، بل هو لم يزل ولا يزال عالمًا بما كان وما سيكون. وهنا قال: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ وقد قال العلماء: إن الجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث، الجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث، وحينئذ يشكل علينا؛ لأننا أسسنا قاعدة أن علم الله أزلي أبدي. فنقول: إن المراد هنا ربط العلم بالعمل، ربط علم الله بالعمل، وربط علم الله بالعمل يقع كثيرًا في القرآن؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد ٣١]، ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران ١٤٢]، وما أشبهها مما يدل على أن علم الله سبحانه وتعالى مقرون بالعمل. وليس قرنه بالعمل من أجل أنه تجدد بعد وقوع العمل، لا، لكن الله تعالى يعلم بالشيء قبل وجوده أنه سيقع، ويعلم بالشيء بعد وجوده أنه قد وقع، فالعلم المقارن غير العلم السابق، العلم المقارن هو الذي يترتب عليه الجزاء، والعلم السابق لا يترتب عليه الجزاء، ولهذا قال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ [آل عمران ١٤٢]، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أيش بعد؟ ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾، فالمراد بذلك العلم المقارن، ويش الذي يترتب عليه؟ الجزاء؛ بالإثابة على الموافقة، والعقوبة على المخالفة. لاحظوا يا جماعة لأن هذه بالحقيقة مشكلة، يعني وجود التعبير عن العلم بالفعل أو مثل الآية الأخرى ﴿لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ﴾ وما أشبه ذلك تشكل على الإنسان، ووجه الإشكال أنه يقول: علم الله لا يتجدد، هذا هو المستقر في نفوسنا وعقيدتنا، وهو الواقع، علم الله لا يتجدد، وهذه الآيات ظواهرها أن علم الله يتجدد. ويش الجواب قلنا؟ الجواب: أن علم الله أزلي لا يتجدد، لكن هو علمٌ سابق على الوجود، وعلمٌ مقارن للوجود، فهمتم؟ فالعلم السابق على الوجود علم بأن الشيء أيش؟ * طلبة: سيقع. * الشيخ: سيوجد أو سيقع. والعلم المقارن للوجود علم بأن الشيء وقع، والعلم المقارن للوجود هو الذي يترتب عليه الجزاء؛ إثابة في الموافقة، وعقوبة في المخالفة. وبذلك يزول عنا هذا الإشكال العظيم الذي من اعتقده فهو كافر، من اعتقد مقتضى ظواهر هذه الآيات فهو كافر؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجدد علمه، بل هو بكل شيء عليم، ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج ٧٠]، ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد ٢٢]، وهل يكتب الله ما لا يعلم؟ ما يمكن، لا يمكن أن يكتب إلا ما علم، ولا يمكن أن يقع إلا ما كان موافقًا للكتاب. على كل حال ﴿يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ قرن العلم هنا بما يبديه الإنسان ويكتمه؛ لأنه العلم الذي يترتب عليه أيش؟ الجزاء، ولهذا قال: ﴿مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾. يقول: (﴿مَا تُبْدُونَ﴾ تظهرون، ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ تخفون، من دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره، وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم يسلمون على أنفسهم). هذا أيضًا بالحقيقة من دخول غير بيوتكم، هذا مثلما أشرنا إليه سابقًا السياق، كما قال المؤلف، لكن العبرة بالعموم، فكل ما نبديه من قول وفعل، وكل ما نخفيه، فإن الله تعالى عالم به. والغرض من بيان علم الله بذلك هو أيش؟ التحذير من المخالفة، والترغيب في الموافقة. أما كونه تحذيرًا من المخالفة فظاهر، وأما كونه ترغيبًا في الموافقة فأنا إذا علمت أنني مهما عملت من خير فإن الله تعالى يعلمه، وسيجازيني عليه، فإنني أنشط على العمل وأقول: ما يضيع لي شيء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب