الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ﴾ إلى آخره [النور: ٢٤] قال: (﴿يَوْمَ﴾ ناصبه الاستقرار الذي تعلق به لهم) ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ﴾ ما جعلها المؤلف متعلقة بـ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ جعلها متعلقة بـ(لَهُمْ)، (...) بجار ومجرور؟ بالاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور؛ لأن ﴿لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ نريد الأخ يعربها لنا. * طالب: (...). * الشيخ: (...) ﴿عَظِيمٌ﴾، أعرب ﴿لَهُمْ عَذَابٌ﴾؟ مين يعربه؟ نعم؟ * طالب: (...). * الشيخ: نعم * الطالب: (...). * الشيخ: نعم، الجار والمجرور خبر مقدم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، (لَهُمْ) جار ومجرور خبر مقدم، و﴿عَذَابٌ﴾ مبتدأ، و﴿عَظِيمٌ﴾ صفة، طيب الجار والمجرور إذا صار خبر مبتدأ يقولون: إنه يجوز أن تجعله متعلقًا بفعل، ويجوز أن تجعله متعلقًا باسم فاعل، قال ابن مالك: ؎وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرْ ∗∗∗ نَاوِينَ مَعْنَى كَائِـــــــنٍ أَوِاسْتَقَــــــــرْ فهنا نقول: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ استقر لهم عذاب أليم، نجعل الخبر جملة، أو: كائن لهم، نجعلها اسم فاعل، وأيًّا كان فإن (كائن) يصح أن يتعلق به الظرف، و(استقر) أيضًا يصح أن يتعلق به الظرف، وعلى هذا فنقول: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ﴾، العذاب العظيم يكون لهم متى؟ يكون لهم ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور ٢٤] إلى آخره. ﴿لَهُمْ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، فهمتم؟ لكن هل الجار والمجرور هو الخبر ولَّا متعلق الجار والمجرور هو الخبر؟ الجواب: متعلقه، لكن هم يقولون: الجار والمجرور خبر من باب التسامح والتجوز، الخبر هو المحذوف الذي تعلق به الجار والمجرور، ويش تقديره؟ مستقر أو استقر، مستقر لهم عذاب أليم، أو استقر لهم عذاب عظيم، يشير المؤلف يقول في التفسير: (ناصبه الاستقرار الذي تعلق به ﴿لَهُمْ﴾ )، وين الاستقرار؟ ها اللي قدرناه ها اللي قلنا تقديره: مستقر لهم، أو تقديره: استقر لهم. إذن كلمة ﴿يَوْمَ﴾ ظرف منصوب، أيش اللي ناصبه؟ الاستقرار، نحن بدل ما نقول: الاستقرار نقول: ناصبه المقدَّر الذي تعلق به الجار والمجرور، سواء قدرته (مستقر) أو قدرته (استقر)، فـ﴿يَوْمَ﴾ هذه متعلقة بها، إذن متعلقة بما تعلق به الجار والمجرور في ﴿لَهُمْ﴾، سواء قدرتها (مستقر) أو قدرت (استقر). الآن انتهينا من تفسير الآية. وذلك لأن الخبر إذا كان جارًّا ومجرورًا لا بد أن يتعلق بمحذوف؛ إما أن تقدره فعلًا وإما أن تقدره اسم فاعل، فتقول: استقر له أو مستقِر له. وسمعتم البيت الذي أنشدناه لهذه القاعدة في الألفية: ؎وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرْ ∗∗∗ نَاوِينَ مَعْنَى كَائِـــنٍ أَوِاسْتَقَــرْ (كائن) هذا اسم فاعل، (استقر) فعل. هذا العذاب العظيم متى يكون لهم؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ﴾، (﴿تَشْهَدُ﴾ بالفوقانية والتحتانية) ﴿تَشْهَدُ﴾ و﴿يَشْهَدُ﴾ ، (﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] من قول وفعل، وهو يوم القيامة) يعني اليوم الذي تشهد فيه هذه الجوارح هو يوم القيامة. قوله: (﴿تَشْهَدُ﴾ بالفوقانية والتحتانية) يعني أن فيها قراءتين ﴿تَشْهَدُ﴾ و﴿يَشْهَدُ﴾ ؛ وذلك لأن (ألسنة) جمع، تكسير ولَّا مذكر؟ جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز فيه التذكير والتأنيث، تقول: قال الرجال وقالت الرجال. ﴿تَشْهَدُ﴾ مؤنث ولَّا مذكر؟ مؤنث، و﴿يَشْهَدُ﴾ مذكر، كلاهما جائز. ﴿أَلْسِنَتُهُمْ﴾ جمع لسان و﴿أَيْدِيهِمْ﴾ جمع يد و﴿أَرْجُلُهُمْ﴾ جمع رجل، ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، قال المؤلف: (من قول وفعل) استفدنا من كلام المؤلف رحمه الله فائدة عظيمة، وهو أن العمل يشمل القول والفعل، بخلاف الفعل، ولهذا نجعل القول ويش قسيمه؟ تقول: قول، ويش قسيمه هذا اللي يكون مقابلًا له؟ فعل، ما تقول: قول وعمل، إذا أردت أن تحرر تمامًا تقول: قول وفعل، (...) قول وعمل، لكن على سبيل التجوز. إذن فهمنا أن العمل يطلق على القول وعلى الفعل. بل قال أهل السنة والجماعة في بحثهم في الإيمان: إن العمل يشمل عمل اللسان، وهو القول، وعمل الجوارح، وهو الفعل، وعمل القلب أيضًا، عمل القلب مثل خوفه ورجائه ومحبته وما أشبه ذلك، يعنى حركة القلب، الحركة القلبية. فصار إذن العمل إذا قيل: عمل، يشمل القول والفعل، وإذا أردت أن تقسم تقول: قول وفعل. إذا سمعت أو جاءك عبارة فيها قول وعمل فاعلم أن هذا من باب التجوز، تجوَّز بالعمل عن الفعل، وإلا فالأصل أن الفعل قسيم القول، لا أن العمل قسيم القول. * طالب: فيه فرق في المعنى؟ * الشيخ: إي نعم فيه فرق، معروف، إذا قلت: عمل، يشمل القول والفعل، وإذا قلت: فعل، يختص بالفعل اللي هو عمل الجوارح، والقول عمل اللسان، فالعمل يشمل قول اللسان وفعل الجوارح، لكن الفعل يختص بفعل الجوارح فقط. * طالب: (...). * الشيخ: لا، إذا قيل: قول وعمل من باب التقسيم، لكنه تجوَّز في إطلاق العمل على أحد معنييه، وهو الفعل، نقول: ما هو بحاطط عام على خاص (...) التقسيم. طيب، أقول: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ﴾ اللسان يشهد على الإنسان، كيف يشهد؟ يقول لهذا القاذف للمحصنة الغافلة المؤمنة، يقول: إنك قذفتها، لسانه نفسه يقول: إنك قذفتها، مع أن الفعل منه فعل في الدنيا، العمل عمل اللسان، ومع ذلك يشهد اللسان على صاحبه بهذا القول الذي هو القذف، أيديهم أيضا تشهد عليهم، أرجلهم تشهد عليهم، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن هذه الأعضاء تشهد على الإنسان يوم القيامة، وكذلك ذكر أن الجلود تشهد أيضًا، وأنه يحصل محاورة بين الإنسان وبين جلده، ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [فصلت ٢١]. * ففي هذه الآية: إثبات البعث وإثبات الجزاء، وأن الجزاء من جنس العمل، ويش الدليل؟ قوله: ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، تشهد بما كانوا يعلمون، لا بزيادة ولا بنقص. * وفيه أيضًا: تمام قدرة الله عز وجل، حيث إن هذه الأعضاء تنطق، مع أن النطق في العادة باللسان، لكن يكون نطق بكل شيء إذا أراد الله سبحانه وتعالى، ولهذا تقول الجلود: ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾. * وفي هذا دليل على عظم القذف للمحصنات الغافلات المؤمنات، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه من الكبائر، فقال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، وذكر منهن: «قَذْف الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٦٦)، ومسلم (٨٩ / ١٤٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. * وفي هذا دليل على غَيرة الله عز وجل، على كمال غَيرة الله، وأنه جل وعلا غيور، وقد جاء في الحديث الصحيح: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٠٤٤)، ومسلم (٩٠١ /١) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، وكذلك قصة سعد بن عُبَادَة لما نزل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور ٤] فإن سعدًا رضي الله عنه استشكل كيف أن الرجل يجد على زوجته رجلًا ثم يذهب يطلب أربعة شهود، لا يأتيه إلا وقد فرغ، وقال رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام: «والله لأضربنه بالسيف غير مُصفَح». يعني أضربه بالسيف بحده حتى أقتله، فقال النبي ﷺ: «أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤١٦)، ومسلم (١٤٩٩ / ١٧) من حديث سعد بن عبادة.]]، نعم، ويدلك على هذا، شوف كيف أوجب الله لهؤلاء القاذفين، أوجب لهم أن يُلعَنوا في الدنيا والآخرة، وأن لهم عذابًا عظيمًا، ولهذا جاء الشرع بما أراده سعد بن عبادة رضي الله عنه، فإن الإنسان لو وجد والعياذ بالله إنسانًا على امرأته فله قتله، له أن يقتله سواء كان هذا الفاعل محصنًا أم غير محصن، ولا يحتاج أيضًا إلى مدافعة، ما يحتاج أنه يقول: إذا عجز عن (...) فله قتله، بل له قتله مباشرة؛ لأن هذا ليس من باب دفع الصائل، ولكنه من باب الغيرة على محارمه. ولهذا وقعت القصة في عهد عمر رضي الله عنه، واختصموا إليه وأقروا بأن هذا المقتول.. يعني ما أنكروا ادعاء الزوج بأنه وجده على امرأته؛ «لأنه قال: يا أمير المؤمنين، أنا ما ضربت إلا فخذي امرأتي، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فأخذ السيف رضي الله عنه عمر وقال له: إن عادوا فعد»[[عزاه ابن قدامة في المغني (١١ / ٤٦٢)، (١٢ / ١٣٥) لسعيد بنمنصور في سننه، ولم نقف عليه فيما بين أيدينا من السنن المطبوعة.]]، ولم ينكر عليه هذا الفعل؛ لأن هذا الإنسان ما يتحمل أنه يجد إنسانًا ينتهك محارمه إلى هذا الحد حتى يقتله. فعلى كل حال في هذه الآية قلت: إثبات غيرة الله عز وجل، ووجه هذا أنه سبحانه وتعالى حمى أعراض عباده المؤمنين المحصنين الغافلين بهذه العقوبة العظيمة، وهي اللعن في الدنيا والآخرة. طيب هل يستفاد من الآية جواز لعن القاذف للمحصنة الغافلة المؤمنة؛ لقوله: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا﴾، أم هذا بيان لواقع الأمر أن الناس يلعنونهم ويكرهونهم ويبعدونهم عن مجالسهم وعن مخالطتهم؟ ما رأيكم؟ الحقيقة أن الآية محتملة، مثل قوله ﷺ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ؛ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ»[[أخرجه أبو داود (٢٦) وابن ماجه (٣٢٨) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.]] ورواية مسلم: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ». قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ»[[أخرجه مسلم (٢٦٩ / ٦٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فسمى ذلك لعنًا. فهل المعنى أن هؤلاء الناس الذين يفعلون هذا الفعل ينفر الناس منهم ويبعدونهم ويتخلون عن أخلاقهم، أو يجوز أن نلعنهم؛ نقول: اللهم العن من تخلى في طريق الناس أو ظلهم، وهنا نقول: اللهم العن من قذف محصنة غافلة مؤمنة؟ الظاهر أن الأمر يتناول هذا وهذا، يتناول الأمر الواقع أن الناس يلعنونهم بالفعل ويبعدون عنهم ويبعدونهم من مجالسهم، وأنه يجوز للإنسان أن يلعن من قذف محصنة غافلة مؤمنة؛ لأن الله لعنه، فالدعاء عليه باللعن من باب تحقيق ما أخبر الله به.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب