ثم قال الله تعالى : (﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [النور: ٢١] أي طرق تزيينه) ﴿لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ الخطوات: جمع خُطوة، وهي عبارة عما بين المسافة التي بين القدمين في المشي، هذه الخطوة، والمراد بخطوات الشيطان طرقه، فعبر بالخطوة عن الطريق؛ لأن الطريق أثر الخطى، وقول المؤلف: (طرق تزيينه) نعم هو هكذا، الشيطان جميع طرقه مكروهة للنفوس، لكنه يزينها للإنسان حتى يدخل فيها، طرق الشيطان من حيث المعنى العام هي التكذيب والاستكبار، هذه الطرق العامة للشيطان، فالشيطان مكذِّب ومستكبِر، مستكبر مثلًا من أدلة استكباره أنه أبى أن يسجد لآدم، نعم، وتكذيبه أنه ادعى أنه خير من آدم، فإن هذا يقتضي أنه كذّب بكون آدم خيرًا منه، فهذه الطريق طريق الشيطان على سبيل العموم؛ التكذيب والاستكبار.
طيب التكذيب يقابل أيش؟ يقابل الأخبار، والاستكبار يقابل التكليف؛ الأوامر والنواهي. وإذا تأملت جميع المعاصي وجدتها لا تخرج عن هذين الأمرين؛ إما تكذيب وإما استكبار، فهو -أي الشيطان- طريقه مبني على هذين الأمرين: التكذيب والاستكبار، التكذيب فيما يتعلق بالأخبار، والاستكبار فيما يتعلق بالتكليف من الأوامر والنواهي.
طيب عندما نأتي للتفصيل مثلًا البخل من خطوات الشيطان ولَّا لا؟ نعم؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: إي نعم؛ لأنه يأمر به.
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨] قال كثير من أهل العلم: إن المراد بالفحشاء هنا البخل؛ لأن الآية في سياق الإنفاق، وإن كان الأصلح (...)، طيب الأكل بالشمال والشرب بالشمال؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: من خطواته أيضًا؛ لأن النبي ﷺ أخبر «بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله»[[أخرجه مسلم (٢٠٢٠ / ١٠٥) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.]]، وعلى هذا فالأكل بالشمال والشرب بالشمال يكون حرامًا؛ لأن الله نهى عن اتباع خطوات الشيطان، «والنبي عليه الصلاة والسلام نهى أيضًا أن يأكل الإنسان بشماله ويشرب بشماله»[[أخرجه مسلم (٢٠٩٩ / ٧٠) من حديث جابر رضي الله عنه.]]، ومن ثم نأخذ خطر تهاون الناس اليوم بهذه المسألة؛ لأن كثيرًا من الناس -نسأل الله لهم الهداية الآن- يأكلون بالشمال ويشربون بالشمال، ويزعمون أن هذا تقدم ومدنية، والسبب هو الشعور بالنقص؛ لأن الإنسان مع الأسف متى شعر بنقصه فإنه لا بد أن يقلد من يرى أنه أكمل منه، فهؤلاء المخبولون ظنوا أن غيرهم من هذه الأمم الكافرة أرقى منهم وأشد تقدمًا، وصحيح أنهم أرقى منا في الصناعة وفي أمور الدنيا أرقى منا، لكن في الأخلاق والآداب التي أرشدنا إليها الإسلام ليسوا أرقى منا، إلا أنه بالنظر لحال المسلمين اليوم لا شك أن عندهم هم من الآداب الإسلامية التي يطبقونها لا عن قصد، ولكن لمجرد أنها أخلاق فاضلة، لا تعبدًا لله، خير منه، ومع الأسف أن المسلم الذي أمر بتطبيق هذه الآداب والأخلاق هو الذي تقاعص عنها، مع أن المسلم إذا طبقها يكون متصفًا بهذه الأخلاق الفاضلة، وهذه لا شك أنها نبل وشرف، وزيادة على ذلك يكون مأجورًا لأنه يفعلها امتثالًا لأمر الله ورسوله، أولئك إذا فعلوها يؤجرون ولَّا لا؟ ما يؤجرون، إنما يفعلونها لأنها أخلاق فاضلة، فهم مثلًا عندهم صدق في المعاملة وعندهم بيان وعدم غش وعندهم وفاء بالوعد، كل هذه من الصفات التي أمر الإسلام بها، كثير من المسلمين الآن متخلٍّ عن هذه الصفات، لكن إذا اتصف بها المسلم يكون محمودًا عليها ويكون مأجورًا عليها أيضًا؛ لأنه يفعلها امتثالًا.
أقول: إن خطوات الشيطان إذن طرقه التي يسير عليها والتي هي منهج سلوكه، وذلك دائر على أمرين؛ هما: التكذيب والاستكبار، وقد تكون خطوات الشيطان مبينة مخصوصة كما قلنا في مسألة الأكل بالشمال والشرب بالشمال.
قال الله تعالى: (﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ﴾ أي المتبع ﴿يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ أي القبيح ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ شرعًا باتباعهما).
﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾؛ (من) أيش نعربها؟ شرطية، (من) اسم شرط، و(من) الشرطية تحتاج إلى شرط وجزاء، يعني إلى فعل شرط وجواب شرط، أين فعل الشرط؟ ﴿يَتَّبِعْ﴾، وجواب الشرط ﴿فَإِنَّهُ﴾ الجملة ﴿فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، طيب عندنا الآن ﴿مَنْ يَتَّبِعْ﴾ وعندنا الشيطان ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾: ﴿فَإِنَّهُ﴾ الضمير يعود على أيهما؟ إن نظرنا إلى أصل الجملة والموضوع قلنا: إنه يعود إلى ﴿مَنْ﴾، يعنى التحدث الآن يعني جواب الشرط يعود على ما يعود عليه فعل الشرط، جواب الشرط يعود على ما يعود إليه فعل الشرط، وإذا نظرنا إلى السياق وإلى أقرب مذكور قلنا: إنه يعود إلى الشيطان، يصبح المعنى: ومن يتبع خطوات الشيطان وقع في الفحشاء والمنكر، ليصير جملة ﴿فَإِنَّهُ...﴾ تكون دالة على جواب الشرط وليست هي جواب الشرط.
أما على ما سلك المؤلف فإنه يأمر، تكون هي جواب الشرط، هي بعينها جواب الشرط، واضح أظن أو ما هو بواضح؟ إذا قلنا: الضمير عائد على ﴿مَنْ يَتَّبِعْ﴾ فإنه -أيْ مَن يَتَّبِع، أيِ المتَّبِع- كما قال المفسِّر، فالجملة هي جواب الشرط.
ويرجِّح هذا التقدير أن الأصل أن المذكور جواب الشرط، وأن الضمير في جوابه يعود على ما يعود إليه فعل الشرط، هذا الأصل، وأما على الرأي الثاني يقول: ﴿فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، يقول: فإن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، ويكون هذا دالًّا على الجواب، ويؤيد هذا -يعنى هذا الرأي- أن السياق في النهي عن اتباع أيش؟ خطوات الشيطان، فكأنه يقول: من يتبع خطوات الشيطان وقع في الفحشاء والمنكر؛ لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، وهذا أظهر من وجهين؛ لأن السياق يدل عليه، هذا وجه، ولأن المتبع لخطوات الشيطان قد لا يأمر بالفحشاء والمنكر، قد يفعل الفحشاء والمنكر ولكن لا يأمر بها، فليس بلازم من اتبع خطوات الشيطان أن يأمر بالفحشاء والمنكر، نعم، من اتبع اتباعًا مطلقًا، يعني الاتباع المطلق، لزم أن يأمر بالفحشاء والمنكر؛ لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.
فعلى كل حال الأرجح أن الضمير في قوله: ﴿فَإِنَّهُ يَأْمُرُ﴾، نعم، الأرجح أنه عائد إلى الشيطان، لا إلى المتبع، يرجحه أمران: أولًا: دلالة السياق عليه؛ لأن الله نهى عن اتباع خطوات الشيطان، ثم ذكر ما يؤيد هذا النهي من التحذير، حيث بين أن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، وهذا كل عاقل إذا علم أن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر هل يسوغ لنفسه أن يتبع خطواته؟ الجواب؟ لا.
الوجه الثاني مما يؤيد ذلك: أن الذي يتبع خطوات الشيطان قد لا يأمر بالفحشاء والمنكر، قد يتبع ذلك بنفسه ولكن لا يأمر به، وكثير من أهل الضلال تجدهم ضالين بأنفسهم، لكن ما عندهم دعوة لما هم عليه، وإن كان نجد أيضًا أن كثيرًا أيضًا من أهل الضلال عندهم دعوة يأمرون بالفحشاء والمنكر، أي بما هم عليه، فالصحيح إذن أن الضمير في قوله ﴿فَإِنَّهُ﴾ يعود على الشيطان، وإذا قلنا بأنه يعود على الشيطان يبقى النظر: أين جواب الشرط؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا قلنا: ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي الشيطان..
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، محذوف، تدل عليه هذه الجملة، وأيش تقديره؟ ومن يتبع خطوات الشيطان وقع في الفحشاء والمنكر؛ لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، فمن اتبعه وقع فيه، والله أعلم. (...) من الآية التي قدر الزمن.
* طالب: أيكون العذاب معنويًّا (...).
* الشيخ: يمكن يكون العذاب معنويًّا بما يحصل له من الحسرة والقلق وما أشبه ذلك، يمكن يكون هذا.
* طالب: النهي (...).
* الشيخ: للتحريم نعم، النهي للتحريم، ولهذا إذا كان للتحريم ما يسوغه ما يفعل بعض الناس الآن: والله أنا آكِل، أخاف أني شربت باليمين، وأنا آكِل، أخاف أني ألوث الإناء.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ وَمَن یَتَّبِعۡ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَإِنَّهُۥ یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدࣰا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"}