الباحث القرآني

قال: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾ الوعظ يقول المؤلف: (ينهاكم الله أن تعودوا)، والأمر والنهي موعظة؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [النساء ٥٨]، فجعل الأمر موعظة؛ لأن الإنسان يتعظ بها، هكذا هنا. ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ أي: يحذِّركم بالموعظة، والتحذير متضمِّن للنهي، وعلى هذا فيجب أن نعرف أن قول المؤلف: (ينهاكم) ليس تفسيرًا لها بمقتضى اللفظ، ولكن بما يدل عليه المعنى، وإلا فالموعظة التحذير بما يُلِين القلب تخويفًا أو ترغيبًا، فمعنى ﴿يَعِظُكُمُ﴾ أي: يُحَذِّركم الله سبحانه وتعالى. ﴿أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ﴾ يعني: من أن تعودوا ترجعوا لمثله، ﴿أَبَدًا﴾ يعني: ما دمتم أحياء. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هل هي شرط للموعظة: ليعظكم أو لا، أو جملة مستقلة، والتقدير: إن كنتم مؤمنين فاتعظوا بذلك؟ يقول المؤلف: (إن كنتم مؤمنين) ويش بعد؟ (تتعظون بذلك)، هذه الجملة في الحقيقة إن قلت: إنها شرط في قوله: ﴿يَعِظُكُمُ﴾؛ ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، فإنه يجب أن يؤول الموعظة هنا بالموعظة النافعة، لا بمجرد ذكر الموعظة؛ لأن الموعظة لا تنفع إلا بشرط الإيمان. وأما إذا قلنا: إن الموعظة بيان ما يَتَّعِظ به المرء، فليس الإيمان شرطًا في ذلك، فإن موعظة الله مُلْقَاة لكل أحد، سواء كان مؤمنًا أم غير مؤمن، ولكن لا ينتفع بها إلا المؤمن، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ هذا عام، ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس ٥٧]. فالحاصل أن نقول: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، إن كانت قيدًا في قوله: ﴿يَعِظُكُمُ﴾، فالمراد بالموعظة الموعظة النافعة؛ فإنها هي التي تنفع المؤمن. وإن كانت الموعظة إلقاء ما به الوعظ للناس، سواءٌ انتفعوا أو لم ينتفعوا، فإن قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ مستقلة، وجوابها محذوف، أي: إن كنتم مؤمنين فاتَّعِظوا بما وعظكم الله به. وفيه إشارة إلى أنه لا ينتفع بالموعظة إلَّا المؤمنين، على كلا الاحتمالين هي إشارة واضحة على أنه لا ينتفع بموعظة الله إلا المؤمن، أما غير المؤمن فإنه لا ينتفع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب