الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾، ﴿لَوْلَا﴾ يقول المؤلف: (هَلَّا ﴿إِذْ﴾ حين ﴿سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ﴾ أي: ظن بعضهم ببعض ﴿خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ كذبٌ بَيِّنٌ، فيه التفات). ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ يقول الشارح: (﴿لَوْلَا﴾ بمعنى هلَّا). فهي أداة تحضيض، وفيها شيء من التوبيخ، حيث ظنوا أمرًا لا ينبغي أن يكون، يعني هَلَّا إذ سمعتموه، أي سمعتم هذا الخبر الذي فَشَا ولا أصل له. ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾، أولًا: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾ يقول المؤلف: (فيه التفات من الخطاب)، يعني إلى الظاهر، لولا إذ سمعتموه، ويش مقتضى السياق أن يقال؟ ظننتم بأنفسكم خيرًا، لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرًا، لكنه قال: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾، فالتفت منين؟ من الخطاب إلى الظاهر، يعني من ضمير الخطاب إلى الاسم الظاهر، وقد مر علينا سابقًا أن للالتفات فائدتين على الأقل، ما هما؟ * طالب: تنبيه السائل. * الشيخ: التنبيه، هذه واحدة. * طالب: التحدي. * الشيخ: لا، ما هو بدائم التحدي الفائدة الثانية يُعَيِّنها السياق، فالالتفات على كل حال فيه الفائدة المتيَقَّنَة المعيَّنة هي التنبيه، ليش؟ لأن مجرى الخطاب إذا اختلف، أيش يقتضي؟ يقتضي أن ينتبه الإنسان، ولهذا كان بعض الخطباء يغير الأسلوب، لا من خبر إلى إنشاء، أو من إنشاء إلى خبر، أو من استفهام إلى إثبات، وما أشبه ذلك، حتى في الصوت والإلقاء تجده يغير لأجل أن ينتبه؛ لأن الناس إذا خوطبوا على وتيرة واحدة في الخطاب يمكن يتوهون، لكن إذا تغير الأسلوب أو كيفية الأداء يحصل بذلك الانتباه، إذن فائدة الالتفات ما هي؟ التنبيه هذه فائدة معينة في كل التفات والفائدة الثانية؟ * طالب: يعينها السياق. * الشيخ: الفائدة الثانية نقول: يعيِّنها السياق، ما نقدر نحدِّد أو نعيِّن هنا الآن، يعيِّنها السياق، إذن نشوف الفائدة الثانية هنا ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ولم يقل: ظننتم، إشارة إلى أن ظنهم هذا يُخْرِجهم من الإيمان؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين ما ظنوا إلا الخير، ولم يقل: ظننتم خيرًا؛ لأنهم في ظنهم هذا الظن خرجوا من الإيمان، لكن ليس خروجًا مطلقًا إلا بعد نزول الآيات. الفائدة الثانية بعد فائدة التنبيه، الإشارة إلى أنهم في ظنهم هذا ليسوا بمؤمنين؛ لأن المؤمنين لا يظنون إلا الخير، الفائدة الثانية أنه كان ينبغي عليهم أن يظنوا هذا الظن لأنهم مؤمنون، هم يقولون إنهم مؤمنون، وهم مؤمنون حقًّا، فكان ينبغي عليهم ويش أن يظنوا؟ أن يظنوا خيرًا، فعندنا الآن هم ظنوا ما ظنوا، فكانوا بذلك غير مؤمنين؛ إذ المؤمنون لا يظنون إلا خيرًا. ثانيًا: كان ينبغي عليهم لإيمانهم أيش؟ أن يظنوا خيرًا. وقوله تعالى: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾؛ لأن الواقع أن القضية بين ذكر وأنثى، كذا صفوان بن المعطل وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فهي من الجنسين، ولذلك قال: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾، نص على الجنسين؛ لأن القضية أو التهمة في الجنسين جميعًا؛ في صفوان، وهو من المؤمنين، وفي عائشة، وهي من المؤمنات، ولهذا قال: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الذين هم بمنزلة صفوان، ﴿وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾ اللاتي هن بمنزلة من؟ عائشة. وقوله: ﴿بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ هل معناه أني أنا أظن بنفسي خيرًا، وأن اتهام عائشة يكون الإنسان ظن بنفسه شرًّا، أو أن المراد بالأنفس هنا الجنس؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة، والمعنى: ظنوا بأنفسهم، أي: ظنوا بصفوان وعائشة، بل وبالنبي عليه الصلاة والسلام خيرًا، فهل هذا المراد أو المراد الأول؟ أنتم فاهمون السؤال الآن؟ ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ﴾ هل المراد ﴿بِأَنْفُسِهِمْ﴾ أنفسهم هم، يعني بأعينهم، أو المراد ﴿بِأَنْفُسِهِمْ﴾: بعائشة وصفوان والنبي ﷺ، وجعلهم الله أنفسًا؛ لأن المؤمنين كلهم كنفس واحدة، كما في قوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة ١٢٨] أي المعنيين يراد؟ * طالب: الأخير. * الشيخ: إي، الأخير واضح، إن المراد ظنُّوا أي بعضهم ببعض، كما قال المؤلف، يعني ظنوا بأنفسهم، أي: بهؤلاء المتهَمين كذبًا وزورًا خيرًا؛ لأنهم من أنفسهم، يعرفونهم ويعرفون أحوالهم، وهم إخوانهم في الإيمان، أو إن المعنى الذي أشرنا إليه: بأنفسهم هم، يعني: يظنون خيرًا بأنفسهم، وكأنهم لو اتُّهِمُوا بهذا الأمر وهم يعرفون أنفسهم، ويش يظنون بأنفسهم؟ خيرًا وبراءة، يعني: كما أنكم لا تتَّهِمون أنفسكم لو قيل فيكم ذلك، فالواجب كذلك أن تظنوا بعائشة وصفوان رضي الله عنهما، ففسرنا المراد بالأنفس يُراد بها نفس الظَّانّ. وكيف يعني يَتَنَزَّل المعنى؟ المعنى: يظنون بأنفسهم خيرًا، أي: بأن هذا الأمر لو كان أمرًا متهَمين به لكانوا يعرفون أنفسهم، ولا يمكن أن يصدِّقوا بهذا الأمر؛ لأنهم يعرفون أنهم نزيهون منه وبريئون منه. على كل حال المعنيان محتملان، وكلاهما له وجه صحيح؛ فعائشة وصفوان من أنفس المؤمنين؛ لأن المؤمن مع أخيه كنفس واحدة، والذي يظن بأم المؤمنين وصفوان خلاف ما ينبغي كأنما ظن في نفسه، يعني: فكما أنك تعرف في نفسك، ولا تظن فيها مثل هذا الظن، فكذلك يجب أن تعرف أم المؤمنين وصفوان، فلا تظن فيهما إلا ما تظن في نفسك، فكما أنك لا تظن في نفسك إلا خيرًا، كذلك لا تظن في أم المؤمنين وصفوان إلا خيرًا. ﴿بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾، قوله: ﴿وَقَالُوا﴾ معطوفة على ﴿ظَنَّ﴾؛ ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَقَالُوا﴾، وفي هذا أنه يجب على المؤمن إبطال الباطل بقلبه، ويش بعد؟ وبلسانه، ما يكفي أنك تعتقد أن هذا ما هو بصحيح، بل يجب أن تبيِّن بطلان هذا الشيء؛ لأن من يعتقد أن هذا الأمر غير صحيح ويسكت، ويش موقفه؟ موقفه سلبي في الواقع، غاية ما هنالك أنه برَّأ نفسه، لكن الواجب أن يُبْطِل الباطل. ولهذا قال: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾، أيش بعد؟ ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ لازم مِن ظنٍّ وقَوْل، ما يكفي أنك تعتقد أن ما قيل في عائشة وصفوان أنه إفك؛ بل يجب أن تقول، لماذا؟ لأجل أن نقابل هذا الباطل بالإبطال، وأما أن نسكت ونقول: والله احنا نبرأ إلى الله، ونقول: هذا ما هو صحيح أبدًا، ما يكفي هذا، لا بد أن نظن الخير، ويش بعد؟ ونُبْطِل، أيش نُبْطِل؟ الباطل. ﴿وَقَالُوا هَذَا﴾، ﴿وَقَالُوا﴾ معطوفة على ﴿ظَنَّ﴾، فهي داخلة في التحضيض، أي أن الله تعالى يقول: الواجب أن يظنوا الخير، أيش بعد؟ وأن يُبْطِلُوا (...).أبلغ في التوبيخ، فإنك إذا تحدثت لصاحبك بصيغة الغائب صار ألطف وأهون، وإذا أتيت بعد ذلك بصيغة الخطاب صار أبلغ، سواءٌ كان ذلك مدحًا أم ثناءً، فمن الثناء ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٢ - ٤]، ثم قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة ٥]، فأثنى على الله، المصلي أثنى على الله في الأول بصيغة الغائب ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، ثم بصيغة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ المخاطب، كأنه بعد الثناء صار حاضرًا بين يدي ربه، فقال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. إذن الالتفات هنا من الغيبة إلى الخطاب فائدته التنبيه وقوة التوبيخ؛ لأن الخطاب أبلغ، انظر إلى قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس ١ - ٣]، في الأول ﴿عَبَسَ﴾ للغائب، ثم قال: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾؛ لأنه -النبي عليه الصلاة والسلام- كأن الله سبحانه وتعالى لم يشأ أن يخاطبه بهذا اللفظ: عبست وتوليت، بل ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾، حتى تَبَيَّن، ثم قال: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ هذه مثلها. المهم أنه إذا انْتُقِل من صيغة الغَيْبَة إلى صيغة الخطاب فله فائدة التنبيه، وزيادة فائدة أخرى تُسْتَفَاد من السياق. ﴿
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب