الباحث القرآني
ثم ذكر نعمة أخرى أيضًا فقال: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ ﴿وَإِذْ قَالَ﴾ يعني: واذكروا إذ قال موسى لقومه، والقوم بمعنى القبيلة، والفقهاء يقولون: إن القوم من الجد الرابع فما دونه، هؤلاء القوم في اللغة العربية.
قال: ﴿لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ﴾ ناداهم بوصف القومية تحببًا وتوددًا وإظهارًا لأنه ناصح لهم؛ لأن الإنسان ينصح لقومه، ﴿يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أكد الجملة لبيان حقيقة ما هم عليه و﴿ظَلَمْتُمْ﴾ بمعنى: نقصتم أنفسكم حقها؛ لأن الظلم في الأصل بمعنى النقص، قال الله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣] يعني: تنقص، هذا هو الأصل، ولكن قد يراد به أكثر من النقص، إنما هنا ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ نقصتموها حقها، وذلك بمخالفة التوحيد.
فقال: ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ الباء هنا للسببية، أي: بسبب اتخاذكم العجل، واتخاذ مصدر، وفعلها اتخذ، وهو مضاف إلى فاعله، الكاف فاعل، و﴿الْعِجْلَ﴾ مفعول أول، والمفعول الثاني؟
* طالب: إلهًا.
* الشيخ: محذوف، تقديره؟
* طالب: إلهًا.
* الشيخ: إلهًا، ظلمتم أنفسكم بسبب اتخاذكم العجل إلهًا تعبدونه من دون الله.
والعجل هذا سبق أنه عجل من ذهب صورة، وأن الذي فتن الناس بها رجل يقال له: السامري، اتخذوه إلهًا والعياذ بالله، فأرشدهم موسى ﷺ إلى الخلاص من هذا الظلم العظيم قال: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ ﴿تُوبُوا﴾ أمر بمعنى ارجعوا؛ لأن التوبة والأوبة معناها الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والتوبة تكون بالإقبال على الله، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، إذا كان الظلم بترك واجب، فالتوبة بفعله، وإذا كان الظلم بفعل معصية، فالتوبة بتركها والإقلاع منها.
﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ ما قال: إلى الله، ولا قال: إلى ربكم؛ لإظهار لومهم وتوبيخهم؛ لأن البارئ بمعنى الخالق المعتني، خالق معتني، فكأنه يقول: كيف تتخذون العجل إلهًا وتَدَعون خالقكم الذي يعتني بكم، وهذا كقول إلياس لقومه: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ [الصافات ١٢٥]، ﴿إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ أي خالقكم، أيش بعد؟
* طالب: المعتني بكم.
* الشيخ: المعتني بكم.
﴿فَاقْتُلُوا﴾ الفاء هنا تفسيرية؛ لأن قوله: ﴿اقْتُلُوا﴾ تفسير للمجمل في قوله: ﴿تُوبُوا﴾، وعلى هذا فالفاء للتفسير، أي: فتوبوا بهذا الوصف.
﴿اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: ليقتل بعضكم بعضًا، وليس المعنى أن كل واحد يقتل نفسه بالإجماع، ما أحد من المفسرين قال: إن معنى قوله تعالى: ﴿اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: كل واحد يقتل نفسه، وإنما المعنى: يقتل بعضكم بعضًا، يقتل الإنسان ولده والده أخاه، المهم أنكم تستعدون وتتخذون سلاحًا -خناجر وسكاكين وسيوف- وكل واحد منكم يهجم على الآخر ويقتله، فهمتم؟
اختلف المفسرون هل هذا القتل وقع في ظلمة أو وقع جهارًا بدون ظلمة؟ فقيل: إنه لما أمروا بذلك، قالوا: لا نستطيع أن يقتل بعضنا بعضًا، فينظر الإنسان إلى ابنه فيقتله، وإلى أبيه فيقتله، وإلى أخيه، وإلى صديقه، هذا شيء ما يمكن، فألقى الله عليهم ظلمة وصار يقتل بعضهم بعض ولا يدري من قتل.
وقيل: بل إنهم قتلوا جهرًا بدون ظلمة، وإن هذا أبلغ في الدلالة على صحة توبتهم، إن الإنسان يقتل أي واحد أمامه، وأنه لما رأى موسى ﷺ أنهم سينتهون؛ لأنه إذا صار بعضهم يقتل بعضًا من يبقى؟
* طالب: يبقى واحد.
* الشيخ: يبقى واحد، فلما رأى أنهم سينتهون ابتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنهم الإصر، فأمروا بالكف، وقيل: بل سقطت منهم أسلحتهم، سقطت من أيديهم، والله أعلم، المهم أن ظاهر القرآن إنه ما حصل شيء، يعني: ما حصل ظلمة ولا شيء، وأنهم أمروا أن يقتل بعضهم بعضًا، وهذا أبلغ في الدلالة على صدق توبتهم ورجوعهم إلى الله سبحانه وتعالى.
وذهب بعضهم إلى أن المراد: يقتل البريء منكم المجرم، يعني: الذين دعوا إلى عبادة العجل وعكفوا عليه يُقتلون، والذين تبرؤا منه يَقتلون، والله أعلم، لكن الظاهر الأول؛ لأن قتل البريء للمجرم ما فيه دلالة على صدق التوبة من المجرمين؛ لأن الإنسان قد يُقتل وهو مصر على الذنب، ولا يدل ذلك على توبته، قال عليه الصلاة والسلام: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾.
* طالب: قال عليه الصلاة والسلام في الحديث؟
* الشيخ: إي، قال موسى.
* طالب: إي.
* الشيخ: نعم، ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾، ﴿ذَلِكُمْ﴾ المشار إليه القتل، وهنا قال: ﴿ذَلِكُمْ﴾، ولم يقل: ذلك؟ لماذا؟
* طالب: جماعة.
* طالب: لأنهم قوم.
* طالب: شبه جماعة.
* الشيخ: لأنه شبه جماعة لا.
* طالب: خبر جماعة.
* الشيخ: خطأ، انتبه، قال: ﴿ذَلِكُمْ﴾، ولم يقل: ذلك، ولا يشير إلى جماعة.
* طالب: يخاطب جماعة ويشير إلى واحد.
* الشيخ: صحيح يخاطب جماعة ويشير إلى واحد وهو القتل، المشار إليه واحد، مفرد مذكر وهو القتل، والمخاطب؟
* طالب: جماعة.
* الشيخ: جماعة، وهم قومه. ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ قوله: ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ يعني: من عدم التوبة، أو من عدم القتل، وهذا من التفضيل بما ليس في الطرف الآخر منه شيء، فهمتم؟ والتفضيل بما ليس في الطرف الآخر منه شيء هذا وارد في اللغة العربية، لكن بعضهم يقول: إنه يسلب منه التفضيل هنا، ويكون دليلًا على وجود الخير في هذا الأمر بدون تقدير المفضل عليه، فمثلا هنا يقول قائل: لو لم يقتلوا أنفسهم هل في ذلك خير؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ما فيه خير؛ فلماذا قال: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾؟ نقول فيها جوابان:
أحدهما: أن هذا من باب التفضيل بما ليس في الطرف المفضل عليه منه شيء، كقوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤]، خير مستقرًّا من أهل النار، مع أن أهل النار ليس في مستقرهم خير.
وبعضهم يقول: إنه هنا ليس اسم تفضيل لمثل هذا، بل فيه وصف هذا الشيء في الخيرية فقط، وليس من باب المفضل والمفضل عليه في شيء، ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾.
ثم قال الله تعالى -ما نقول: قال ﷺ، نقول: قال الله تعالى-: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ هذا محط ذكر النعمة ولَّا لا؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: لأن الأول: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ ذكر الذنب والتوبة منه، لكن النعمة بأي شيء؟
* طالب: بالتوبة.
* الشيخ: بتوبة الله عليهم؛ ولهذا قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾. وتوبة الله على عبده معناه: أنه يرضى عنه بعد الغضب، ويقبل إليه بعد التولي عنه والإعراض عنه، إيه ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ هذا من كلام الله.
* طالب: (...) وعد منه ﷺ.
* الشيخ: لا، اذكر نعمة الله إذ قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ فهي من كلام الله.
وقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ أيش معني تاب؟ أقبل إليكم بعد أن كان معرضًا عنكم، أو أن المعنى: تاب، أي: قبل التوبة، قبل التوبة منكم، ومن لازم قبول التوبة منهم أن يقبل الله إليهم.
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ هو ضمير فصل، ويسميه بعض النحويين ضمير عماد؛ لاعتماد الخبر عليه، وضمير فصل؛ لأنه فصل بين الصفة والخبر.
وقد ذكرنا أن فيه ثلاث فوائد، من يذكرها؟ ضمير الفصل فيه ثلاث فوائد ذكرناها سابقًا، وأيش؟
* طالب: الفصل.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: تعيين الخبر لما بعده.
* الشيخ: إيه يعني: فصل، تعيينها لما بعدها خبر (...)، لا بأس، والثالث؟
* طالب: التوكيد.
* الشيخ: التوكيد، نعم.
وقوله: ﴿التَّوَّابُ﴾ صيغة مبالغة، ولم يقل: التائب، نعم؛ لأن التائب تدل على مطلق الفعل، لكن التواب تدل على كثرته، تدل على كثرته، والله سبحانه وتعالى كثير التوبة لكثرة توبته على عبده، وكثير التوبة لكثرة من يتوب عليهم من الناس، فهو يتوب بالمرات المتعددة على عبده، ويتوب للأشخاص الكثيرين الذين يكثر توبتهم؛ لهذا جاءت الصيغة التواب.
وقوله: ﴿الرَّحِيمُ﴾ أي: ذو الرحمة الواصلة للمرحوم؛ لأنها هنا صفة مشبهة لكن تدل على الفعل، يعني: أنه سبحانه وتعالى رحيم، يعني: راحم بالفعل.
توبة الله سبحانه وتعالى، وصف الله بالتوبة، ينبغي أن يعلم بأن توبة الله على العبد نوعان: توبة سابقة على توبة العبد، وتوبة لاحقة، أما توبته على السابقة على توبة العبد، فهي توفيقه للتوبة، وأما توبته اللاحقة بعد توبة العبد، فهي قبول التوبة؛ قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة ١١٧] إلى أن قال: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة ١١٨]، قبله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة ١١٨] ﴿تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم.
* طالب: سؤال بخصوص العجل، هل كان هذا العجل يعني فيه نوع حياة؟
* الشيخ: لا، الله بين: ﴿لَهُ خُوَارٌ﴾ [الأعراف ١٤٨]، والحياة ما فيه حياة؛ لأن الله قال: ﴿عِجْلًا جَسَدًا﴾ [الأعراف ١٤٨] ما فيه روح.
* طالب: قول السامري: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه ٩٦] تفسيرها (...) صح؟
* الشيخ: الله أعلم، من الإسرائيليات اللي ما تصدق ولا تكذب، لكن ظاهر القرآن إنه ما فيه إلا مجرد صوت فقط، صوت كصوت العجل، أما أن يكون فيه روح فلا؛ لأن وصفه بالجسد دليل على أنه لا روح فيه؛ لأنه لو أطلق وقيل: عجلا، لظن الظان أن فيه روح، فخرج دفع هذا الوهم بقوله: ﴿جَسَدًا﴾.
* طالب: والقبضة.
* الشيخ: نعم.
* طالب: هذه القبضة؟
* الشيخ: القبضة ما تعرف شو أثرت فيه، هل أثرت حسنًا بأن جملته وطلته مثلا أو أن هذه القبضة صار فيها تأثير بالصوت صوت هذا العجل، وكثير من المفسرين يقولون: إن هذا الصوت ما هو الطبيعي في هذا الشيء، وأن الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه، فيكون لها صوت.
* طالب: شيخ، التوبة بالنسبة للعبد وأيش الفرق بينها وبين التوبة بالنسبة لله (...)؟
* الشيخ: لا فرق بينهما، كله الرجوع، إلا إذا قلنا: إن التوبة من الله معناها قبول توبة العبد، إي نعم، يكون معناها غير الرجوع، أما إذا قلنا: إن الله تاب عليهم، بمعنى رجع عن إعراضه عنهم بالإقبال عليهم، فيكون معناها واحد.
قال: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى﴾ يعني: واذكروا أيضًا يا بني إسرائيل، والخطاب لمن كان في عهد الرسول ﷺ، لكن إنعامه على الأمة أولها إنعام على آخرها، ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى﴾ لن تفيد النفي، لكنها تقتضي التأبيد ولَّا ما تقتضيه؟
* طالب: ما تقتضي.
* الشيخ: ما تقتضي التأبيد، إلا إذا قيدت به، ولكنها لها ثلاث حالات: تارة تقيد بما يدل على الغاية، كقوله هنا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ﴾، ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه ٩١]، هذه واضحة إذا قيدت بما يدل على الغاية إنها لا تدل على التأبيد ولا تحتمل التأبيد، ولَّا لا؟
وتارة تقيد بما يدل على التأبيد، كقوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة ٩٥].
والثالث: أن تأتي مطلقة: لن يقوم فلان. نعم، فهذه إن دلت القرينة على أنها تقتضي التأبيد فهي للتأبيد، وإن دلت القرينة على أنها لا تقتضي فهي محتملته، فمثلا: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة ٢٤] هذي أيش (...)؟
* طالب: تأبيد.
* الشيخ: تأبيد، ما فيها أبدًا.
* طالب: القرينة.
* الشيخ: لكن القرينة تقتضي ذلك، إذن هذا حكم لن؛ ولهذا قال ابن مالك في الكافية: ؎وَمَنْ رَأَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدَا ∗∗∗ فَقَوْلَهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا
قوله: اردد؛ لأن المعتزلة بل الأشعرية يقولون: لن للتأبيد؛ ولأجل ذلك استدلوا بقول الله تعالى لموسى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف ١٤٣] أن الله لن يرى، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولكن قولهم بلا شك مردود.
إذن ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ أي: لن ننقاد، ولن نصدق، ولن نعترف لك بما جئت به، ﴿حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾، نرى بمعنى نبصر؛ ولهذا ما تنصب إلا مفعولا واحدًا؛ لأنها رؤية بصرية، فاعلها؟
* طالب: نحن.
* الشيخ: وين؟ مستتر جوازًا تقديره: نحن.
﴿اللَّهَ﴾ مفعول به، نعم، ﴿نَرَى﴾ فعل مضارع فاعله مستتر وجوبًا تقديره: نحن، نحن قلنا لكم: إذا كان الضمير تقديره: أنا أو أنت أو نحن، فهو واجب، وإذا صار هو أو هي فهو مستتر جوازًا، لكن (...) هذه مسائل بدهية ما هي صعبة، يعني من المسائل النحوية الصعبة، هذه يمكن اللي في الابتدائي يعرفها، وما يرضينا منكم هذا. كل ما كان الضمير تقديره: أنا أو نحن أو أنت فهو؟ مستتر وجوبًا، وإذا كان تقديره: هو أو هي، فهو مستتر جوازًا. هذا تقديره: نحن، فيكون مستترًا وجوبًا.
وقوله: ﴿جَهْرَةً﴾ هذه حال أو هي مفعول مطلق، أي: رؤية جهرة، متى قالوا ذلك؟ قيل: إنهم قالوا ذلك حينما اختار منهم موسى ﷺ سبعين رجلًا...
شوف الآيات معكم الآن، أنتم فهمتم القولين الآن ولَّا لا؟ فهمتم القولين؟ أم ما فهمتم القولين؟
القول الأول يقولون: إن موسى عليه الصلاة والسلام اختار من قومه سبعين رجلًا لميقات الله لموعده، وذهب بهم ولما صار يكلم الله ويكلمه الله قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ يقولون هذا القول حينما كان موسى خارجًا لميقات الله، وقال بعض العلماء: بل إنه لما جاء بالتوراة لما رجع من ميقات الله وأنزل عليه التوراة وجاء بها قالوا: لا، ما هي من الله ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾.* الطالب: السياق يؤيد الثاني.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: الأخير.
* الشيخ: الأخيرة؛ لأنه قال: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾، ثم ذكر قصة العجل وهذه كانت بعد مجيء موسى بالتوراة، ثم بعد ذلك ذكر: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فظاهر السياق يدل على أن هذا القول كان حينما جاء بالتوراة وقال: هذه من عند الله، فقالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ لكن (...).
﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (١٥٥)﴾ [الأعراف ١٥٥]
هذا ما يدل على القول الأول؟ إن هذا كان عندما كان يناجي الله؟ أي: بعضهم أيده بها بهذه الآية القول الأول، ولكن الحقيقة ما فيه تأييد له؛ لأن هذه يقول: ﴿أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ رُجِفَ بهم (...) الصاعقة، صعقوا وماتوا، ولكن موسى خاف أن يموت، وأن يحصل ما حصل في الأول، أو خاف أن يموت، وإن كان الثاني بعده، فالظاهر لي أن هذا لا يترجح، لا يترجح القول الأول بهذه الآية لاختلاف العقوبتين، العقوبة هذه أيش؟ الصاعقة، وتلك: الرجفة، الله أعلم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ لما قالوا هذا أخذتهم الصاعقة، الصاعقة يعني الموت الذي صعقوا به.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ أي: ينظر بعضكم إلى بعض، ينظر بعضكم إلى بعض حتى تساقطوا، والجملة في قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ حال، حال من أين؟ من الكاف في قوله: ﴿فَأَخَذَتْكُمُ﴾ الصاعقة، يعني: والحال أنكم تنظرون، ينظر بعضكم إلى بعض حتى هلكتم جميعًا.
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ ﴿بَعَثْنَاكُمْ﴾ أصل البعث في اللغة: الإخراج، ويطلق على الإحياء كما في هذه الآية، ويدل على أن المراد به الإحياء هنا قوله: ﴿بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾.
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ هل هو موت حقيقي؟
الجواب: نعم، وليس نومًا؛ لأن النوم يسمى وفاة ولا يسمى موتًا ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ [الأنعام ٦٠] ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر ٤٢].
وقوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ هذه نعمة كبيرة عليهم أن الله تعالى أخذهم بهذه العقوبة، ثم بعثهم ليرتدعوا، ويكون ذلك كفارة لهم؛ ولهذا قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لعلكم تشكرون، أي: تشكرون الله سبحانه وتعالى، و(لعل) هنا للتعليل وليست للترجي؛ لأن الترجي في جانب الله سبحانه وتعالى لا يجوز، إذ إن الترجي - كما هو معروف في اللغة العربية - طلب ما فيه عسر، والله تعالى لا يعسر عليه شيء، ولكنها كلما جاءت في كتاب الله فهي للتعليل ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، وهذه إحدى الآيات الخمس التي في سورة البقرة، فيها إحياء الله تعالى الموتى، والثانية: في قصة صاحب البقرة، والثالثة: في ﴿الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة ٢٤٣]، والرابعة: في قصة الذي ﴿مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ [البقرة ٢٥٩]، والخامسة: قصة إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠] إلى آخره، والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، ولا ينافي هذا ما ذكر الله في قوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون ١٥، ١٦] لأن هذه القصص الخمس وغيرها كإخراج عيسى الموتى من قبورهم هذه تعتبر أمرًا نادرًا يؤتى به لآية من آيات الله سبحانه وتعالى، أما البعث العام فإنه لا يكون إلا يوم القيامة؛ ولهذا نقول في شبهة الذين أنكروا البعث من المشركين ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس ٤٨] ويقولون: ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان ٣٦] نقول: إن هؤلاء مموِّهون، فالرسل ما قالت لهم: إنكم الآن تبعثون، متى؟ يوم القيامة، ولينتظروا فسيكون هذا بلا ريب.
* الطالب: شيخ في قول الله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غافر ١١] نفس الجواب اللي قاله هنا؟
* الشيخ: أي نفس الجواب، أنه ما يقع من بعض الناس الذي أميتوا مرتين أو ثلاثا وأحيوا ثلاثًا، هذا يكون خلاف العام.
قوله تعالى ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
* يستفاد من ذلك: أن إنزال الله تعالى الكتب للناس من نعمه وآلائه ولَّا لا؟ وهي من أكبر النعم؛ لأن الناس لا يمكن أن يستقلوا بمعرفة حق الخالق، بل ولا حق المخلوق؛ فلذلك نزلت الكتب تبيانًا للناس.
* يستفاد منها أيضًا: أن موسى عليه الصلاة والسلام نبي؛ لأن الله آتاه الكتاب.
* يستفاد منه: فضيلة التوراة؛ لأنه أطلق عليها اسم الكتاب، و(أل) هذه للعهد أيش؟ الذهني لأنه ما سبق لها ذكر، فدل هذا على أنها معروفة بين بني إسرائيل، وأنه إذا أطلق الكتاب فهو للتوراة، ومن وجه آخر أيضًا أن الله تعالى سماها الفرقان كما سمى القرآن الفرقان؛ لأن كلا الكتابين من أعظم الكتب، يعني: أفضل الكتب بعد القرآن التوراة؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة القصص: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا﴾ [القصص ٤٩] يعني: من التوراة والقرآن ﴿أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فدل هذا على أن التوراة أنها مشاركة للقرآن في كونها فرقانًا؛ ولذلك كانت عمدة الأنبياء من بني إسرائيل ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة ٤٤].
* ويستفاد من هذا رابعًا: بيان عتو بني إسرائيل، بيان عتو بني إسرائيل وطغيانهم؛ لأنه إذا كانت التوراة التي نزلت عليهم فرقانًا، ثم هم يكفرون هذا الكفر يدل على زيادة عتوهم وطغيانهم؛ إذ من نزل عليه كتاب يكون فرقانًا كان يجب عليه بمقتضى ذلك أيش؟ أن يكون مؤمنًا مذعنًا خلافًا لهم.
* وفيها أيضًا دليل: على أن الله تبارك وتعالى ينزل الكتب ويجعلها فرقانًا لغاية حميدة جدًّا وهي * الفائدة الخامسة وهي: الهداية؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
* الفائدة السادسة: أن من أراد الهداية فليطلبها من الكتب المنزلة من السماء، ما يطلبها من الأساطير، وقصص الرهبان، وقصص الزهاد، والعباد، وما أشبه ذلك، بل إنها من الكتب المنزلة من السماء، فعلى هذا ما يوجد في كتب الوعظ من القصص عن بعض الزهاد والعباد وما أشبه ذلك، نقول لكاتبيها وقارئيها: خير لكم أن تبدوا للناس كتاب الله وتبسطوه وتشرحوه وتفسروه بما ينبغي أن يفهم حتى يكون ذلك نافعًا للخلق؛ لأنه ما فيه طريق للهداية إلى الله إلا الكتب المنزلة من عنده.
* وفيه أيضًا من الفوائد اللغوية: جواز عطف الصفة على الموصوف؛ لقوله: ﴿الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ وقد مر علينا هذا ذكرنا له مثالًا آخر في القرآن، بل فيه أمثلة مثل: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤)﴾ [الأعلى ١ - ٤] وهذا جائز بشرط أن لا يوهم خلاف المقصود، فإن أوهم خلاف المقصود بحيث يتوهم المخاطَب أن الثاني غير الأول، فإنه يمتنع وتحذف حرف العطف؛ لئلا يظن أن الثاني هو الأول، كما أنه يجب أحيانًا أن يكون بالعطف إذا أوهم أن هذه الصفة لغير الأول، إذا أوهم أن الصفة هذه لغير الأول وجب حرف العطف، مثلًا تقول: مررت بزيد الضارب عَمْرًا والكريم، ولا تقول: الكريم، مررت بزيد الضارب المجرم الكريم وأيش تقول؟ تقول: والكريم تأتي بالواو؛ لأنك لو تقول: الضارب المجرم الكريم، أوهم أن الكريم وصف للمجرم، فتقول: الضارب المجرم والكريمِ، يعني وهو أيضًا الكريم، لا ما هو ضاربًا الكريم، هو كريم، ما هو الضارب المجرم والكريم، لا، فالمهم صار الآن عطف الصفة على الموصوف جائزًا، وقد يجب أحيانًا وقد يمتنع أحيانًا، متى يمتنع؟ إذا أوهم التعدد بحيث يظن أن الثاني لا يعود للأول، ويجب العطف إذا أوهم خلاف المقصود فإنه يجب العطف؛ لئلا يظن أن هذا الوصف تابع للثاني لا للأول، كم من فائدة في الآية هذه؟
* الطلبة: سبع.
* الشيخ: * الفائدة الثامنة: إثبات الأسباب، من أين نأخذه؟ من قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آتاه الكتاب لأجل أن يهتدوا، فإذن الهداية لها سبب، الأسباب لا شك في ثبوتها، ولا أحد ينكر الأسباب أبدًا.
* ويستفاد من هذا أيضًا: أن الإتيان المضاف إلى الله سبحانه وتعالى يكون كونيًّا ويكون شرعيًّا، فإيتاء الكتب شرعي ولا كوني؟ شرعي، وإيتاء المال كوني ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص ٧٦] فالإتيان كوني.
* طالب: شيخ، إيتان ولا إيتاء؟
* الشيخ: نعم، الإيتاء. الإيتاء نوعان: شرعي وكوني؛ لقوله: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [الإسراء ٢].
* وفيها أيضًا: ذكر فضل موسى وتقدم، وأنه نبي، فضله وأنه نبي.ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة ٥٤] إلى آخره.
* يستفاد من هذا: أنه ينبغي للداعية أن يستعمل الأسلوب الذي يجلب إليه، و(...) الناس عليه؛ لقوله: ﴿يَا قَوْمِ﴾، فإن هذا لا شك أن فيه من التلطف والتودد والتحبب ما هو ظاهر.
* وفيه أيضًا: دليل على أن اتخاذ الأصنام مع الله أنه ظلم؛ لقوله: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾.
* الفائدة الثالثة: أن المعاصي ظلم للنفوس، ووجه ذلك أن النفس أمانة عندك إن رعيتها بأحسن الرعاية فقد أديت حقها، وإن رعيتها بأسوأ الرعاية فقد ظلمتها؛ ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»[[متفق عليه: البخاري (١١٥٣)، ومسلم (١١٥٩ / ١٨٨). ورواه أبو داود (١٣٦٩)، واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.]].
* وفيه أيضًا الفائدة الرابعة: أنه ينبغي التعبير بما يناسب المقام؛ لقوله: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ لم يقل: إلى الله؛ لأن ذكر البارئ هنا كإقامة الحجة عليهم في أن العجل لا يكون إلهًا، فإن الذي يستحق أن يكون الإله من؟ البارئ؛ لأنه الخالق.
وفيه دليل على الفائدة الخامسة، أظن، * الفائدة الخامسة: وجوب التوبة؛ لقوله: ﴿فَتُوبُوا﴾.
* والفائدة السادسة: أن التوبة على الفور، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿فَتُوبُوا﴾؛ لأن الفاء للترتيب والتعقيب.
* وفيه دليل أيضًا على إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ﴾ فإن الباء هنا للسببية.
* وفيه دليل على أنه ينبغي للداعية كشف الأمور وبيانها؛ لأنه ما قال: ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ وأجمل بل بين في قوله: ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ وهو ما يسمى عندنا بالعرف: وضع النقط على الحروف؛ لأنه قال: ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ صحيح ظلم، لكن إذا نص وبين وكشف المبهم فهو أولى وأحسن.
* طالب: إذا كان ينفر البيان؟
* الشيخ: إذا كان ينفر فإنه قد يعرض للفاضل ما يجعل المفضول أفضل منه.
* وفيه أيضًا دليل على سفاهة بني إسرائيل، من أي وجه؟ من اتخاذهم العجل إلهًا، العجل هم الذين صنعوه بأنفسهم، ويعرفون أن العجل المخلوق اللي أفضل منه، ما يصح إلهًا، وهم جعلوا هذا الجسد جعلوه إلهًا، عجلًا جسدًا ما فيه روح، ومع ذلك اتخذوه إلهًا، فهذا دليل على سفاهتهم، سفاهة عقولهم.
* وفيه دليل على ما وضع الله تعالى على بني إسرائيل من الأغلال والآصار؛ حيث كانت توبتهم بأن يقتل بعضهم بعضًا؛ لقوله: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ لو وقعت هذه في أمة محمد، فما هو الطريق للتخلص منها؟ أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا من هذا الذنب، ويقبلوا على توحيده وعبادته ويتخلصوا منه نهائيًّا، ولا يشرع لهم أن يقتلوا أنفسهم في هذه الأمة.
* وفيه أيضًا دليل على أن القتل قد يكون خيرًا للإنسان إذا أدى إلى ما هو أفضل منه؛ لقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾، وتعلمون أن القصاص إضافة قتل نفس أخرى إلى المقتول أولا؟ ولكن عاقبته حميدة؛ ولهذا صار جائزًا وسائغًا، وقال الله تعالى فيه: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٧٩].
* وفيه أيضًا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يتوب على التائبين مهما عظم ذنبهم؛ لقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾.
* وفيها إثبات اسمين من أسماء الله وهما: التواب والرحيم، وإثبات ما تضمناه من صفة، وهي: التوبة والرحمة، وإثبات ما تضمناه من صفة باقترانهما لا كل على انفراد، باقترانهما؛ لأنه لما اقترنا تولدت أو نتج من اجتماعهما صفة ثالثة، وهي: دفع المضار وجلب المنافع، من أين؟
* طالب: التواب.
* الشيخ: لأن التواب به دفع المضار، والرحيم به جلب المنافع.
* وفيه دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتعرض لما يقتضيه هذان الاسمان من أسماء الله، فيتعرض لتوبة الله ورحمته، فيتوب إلى ربه سبحانه وتعالى ويرجوه الرحمة، وهذا هو أحد المعاني التي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَل الْجَنَّةَ»[[متفق عليه: البخاري (٢٧٣٦)، ومسلم (٢٦٧٧ / ٥، ٦) من حديث أبي هريرة.]] فإن من إحصائها أن يتعبد الإنسان لله بمقتضاها.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: جسد، يعني جسد بمعنى ما فيه روح، الجسد معناه كل شيء له جثة هو جسد.
* فيه أيضًا دليل على أن الأمة كنفس واحدة، من أين تؤخذ؟ ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؛ لأنه قد سبق أن قلنا: ما أمروا بأن يقتل كل واحد منهم نفسه، بل يقتل بعضهم بعضًا.
* وفيه أيضًا دليل على تفاضل الأعمال؛ لقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾، وأن الأعمال تتفاضل عند الله سبحانه وتعالى فبعضها خير من بعض.
* طالب: فيها قراءات ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾ ﴿بَارِئِكُمْ﴾؟
* الشيخ: عندي فيها قراءات: ﴿بَارِيكُمْ﴾ هذه قراءة، و﴿اتَّخَتُّمُ﴾ وين ﴿اتَّخَتُّمُ﴾ ؟
* الطالب: الإظهار والإدغام.
* الشيخ: ما هي بعندي.
* الطالب: ﴿بَارِئِكُمْ﴾.
* الشيخ: إي باريكم فيها قراءة: ﴿بَارِيكُمْ﴾ وفيها قراءة: ﴿بَارِئِكُمْ﴾ إسكان الياء أو الهمزة نعم، أما ﴿اتَّخَتُّمُ﴾ ما فيها، ما عندي.
* الطالب: عندي قراءة.
* الشيخ: وين هي؟
* الطالب: ﴿ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ باتخاتكم﴾ .
* الشيخ: ما عندي، وأيش الكتاب اللي عندك؟
* الطالب: الحجة لابن خالويه.
* الشيخ: وأيش هو؟ قوله تعالى ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ﴾ تقرأ بالإظهار والإدغام. الإدغام ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾ الذال بالتاء، تقول: ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾ ﴿اتَّخَتُّمُ﴾ ، يعني تظهر الذال ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾، أو تدغم الذال تقول: ﴿اتَّخَتُّمُ﴾ الحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب على كل حرف منها. والحجة لمن أدغم: أن الظاء والثاء، والذال مخرجهن من طرف اللسان، وأطراف الثنايا العلى، فوجب الإدغام لمقاربة المخرج والمجانسة.
الإدغام بالذال ما هي بالهمزة.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا ما يظهر؛ لأنه مشدد الحرفين.
* الطالب: وهمزة الوصل (...)؟
* الشيخ: الظاهر أن همزة الوصل تروح (...) إلا عند الابتداء.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البقرة ٥٥، ٥٦] هنا يذكرهم الله تبارك وتعالى بنعمته عليهم، لكن لا بكونهم قالوا هذا القول ثم صعقوا، ولكن بأنهم بعثوا من بعد الموت.
* ففيه: أنه عند تذكير النعم ينبغي استيعاب الأمر استيعاب الموضوع لتتبين النعم ومواقعها.
* وفيه أيضًا دليل على سفاهة هؤلاء، أي سفاهة بني إسرائيل، وما أكثر ما يدل على سفاهتهم، فهم المؤمنون بموسى، ومع ذلك قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فسبق لنا أن العلماء اختلفوا متى قالوا هذا.
* وفيه أيضًا دليل على أن من سأل ما لا يمكن فهو حري بالعقوبة؛ لقوله: ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ لأن الفاء تدل على السببية.
* وفيه: أقول: إنه من سأل ما لا يمكن حري بالعقوبة لا سيما مثل حال هؤلاء الذين قالوا ذلك عن تشكك، ففرق بين قول موسى: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١٤٣] وبين قول هؤلاء: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فموسى قال ذلك شوقًا إلى الله عز وجل، وليتلذذ بالرؤية إليه، أما هؤلاء فقالوه تشككًا، يعني: ما نحن مؤمنين إلا إذا رأيناه جهرة، ففرق بين الطلبين.
* وفيه أيضًا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى في أخذ الصاعقة لهؤلاء في آن واحد.
* وفيه دليل على أن ألم العقوبة وقعها عند النظر أشد؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ فإن الإنسان إذا رأى أن الناس يتساقطون في العقوبة -والعياذ بالله- يكون ذلك أشد وقعًا عليه.
* وفيه دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى حيث أحياهم بعد الموت؛ لقوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾.
* وفيه دليل على وجوب الشكر على من أنعم الله عليه بنعمة؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وقد مر علينا كثيرًا بأن الشكر هو القيام بأي شيء؟ بطاعة المنعم، إقرارًا بالقلب واعترافًا باللسان وعملًا بالأركان، فيعترف بقلبه أنها من الله، لا يقول: إنما أوتيته على علم عندي، كذلك أيضًا يتحدث بها بلسانه افتخارًا ولّا اعتبارًا؟ اعتبارًا لا افتخارًا، وكذلك أيضًا يكون في طاعة الله سبحانه وتعالى في جوارحه، وبهذه الأركان الثلاثة يكون الشكر، وعليه قول الشاعر: أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا
{"ayahs_start":54,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِىِٕكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ عِندَ بَارِىِٕكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ","وَإِذۡ قُلۡتُمۡ یَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ","ثُمَّ بَعَثۡنَـٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"],"ayah":"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِىِٕكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ عِندَ بَارِىِٕكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق