الباحث القرآني

ثم قال عز وجل -مبينًا نعمة أخرى من أكبر النعم-: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ ﴿آتَيْنَا مُوسَى﴾ أي: أعطيناه، وآتينا بالمد تنصب مفعولين، بخلاف أتينا؛ فإنها لا تنصب إلا مفعولا واحدًا؛ لأن آتى بالمد بمعنى أعطى، وأتى بمعنى جاء، يقول: ﴿آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ أعطيناه، وأل في الكتاب للعهد، أيّ العهود؟ الذهني، يعني: الكتاب المعروف عندكم وهو التوراة، وسمي كتابًا لأنه مكتوب، فقد كتب الله التوراة بيده جل وعلا. ﴿وَالْفُرْقَانَ﴾ الواو حرف عطف، والفرقان معطوف على الكتاب، وهل هو غيره؟ أو هو ولكنه من باب عطف الصفة على الموصوف؟ الجواب: الثاني، فالفرقان هو نفس الكتاب، فإن التوراة فرقان، فرق الله بها بين الحق والباطل، وبين العدل والجور، وبين أولياء الله وأعداء الله، إلى آخر ما يكون به التمييز والفرق، فعلى هذا يكون عطفها من باب عطف الصفة على الموصوف، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى ١ - ٣]، والذي قدر فهدى هو الله عز وجل، لكن هذا من باب عطف الصفة على الصفة. يقول جل وعلا: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لعل هذه للتعليل كما سبق، و﴿تَهْتَدُونَ﴾ أي: تسلكون مسلك الهداية، والمراد بالهداية هنا التي ذكرها الله عز وجل: هداية الإرشاد وهداية التوفيق؛ وذلك لأن ما أوتيه موسى علم، فمن اهتدى به فقد علم، وكذلك علم يثمر عملا لمن وفق، فنفسر الهداية هنا بأيش؟ بهداية العلم وهداية التوفيق، العلمية والعملية. * في الآية الكريمة دليل على فوائد: * أولا: أن موسى نبي، بل رسول؛ لأن الله آتاه الكتاب، وكل من آتاه الله الكتاب فهو رسول، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥]. * ومنها: الثناء على التوراة؛ حيث سماها الله تعالى فرقانًا. * ومنها: الحكمة في إيتاء الكتاب والفرقان لموسى وهو الهداية. * ومنها: أن العلم سبب للهداية، لأجل التعليل في قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، لكن هل السبب لا بد أن يكون مسببه أو قد يوجد مانع؟ قد يوجد مانع، وعلى هذا فلا يرد علينا أن يقول قائل: إننا نجد في العلماء من لم يهتد، نقول: لوجود مانع، وإلا فالأصل أن العلم سبب الهداية، وأن الهداية تقع بالعلم، لكن قد يكون هناك عوارض وصوارف توجب أن لا ينتفع الإنسان بما أعطاه الله تعالى من العلم كما هو معروف. و﴿تَهْتَدُونَ﴾ المراد بها هنا هداية العلم، أو العلم والتوفيق؟ العلم في كل حال، والتوفيق لمن شاء الله، (...) للهداية لكن من الناس من يهتدي ومنهم من لا يهتدي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب