الباحث القرآني

طالب: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة ٤٧- ٥٢] * الشيخ: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كل هذه الآيات في بني إسرائيل؛ لأن هذه السورة مدنية، واليهود في المدينة كانوا كثيرًا، ثلاث قبائل حين قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة، فلهذا قص الله من نبئهم في هذه السورة كثيرًا. منها يقول الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة ٤٦]، ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ أي: يتيقنون، والظن يُستعمل في اللغة العربية بمعنى اليقين، وله أمثلة كثيرة، منها قول الله تبارك وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ [التوبة ١١٨]، ﴿ظَنُّوا﴾ بمعنى أيقنوا، فالظن يُستعمل بمعنى اليقين، كما أن العلم يُستعمل بمعنى الظن، يعني يتعاكسان، فالعلم يستعمل بمعنى الظن كقوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة ١٠]، ﴿إِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ﴾ أي: ظننتموهن، وإنما قلنا ذلك؛ لأن ما في القلب لا يعلمه إلا الله، فلا يمكن الاطلاع عليه إلا بالقرائن، والقرائن لا تفيد إلا الظن، والمهم أن الظن يستعمل بمعنى اليقين، والعلم يستعمل بمعنى الظن، ﴿يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾، أي: يتيقنون أنهم سيلاقوا الله عز وجل، وذلك في يوم القيامة، كما قال تعالى في عموم الناس: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦]، فلا بد من ملاقاة الله، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ»، كل إنسان يكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، «فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ -يعني عن يساره- فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧٥١٢)، ومسلم (١٠١٦ / ٦٧) من حديث عدي بن حاتم.]]، فكل إنسان سيلاقي ربه، لكن لا شك أن المؤمن سوف تناله البشارة في هذه الملاقاة، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٢٢٣]، إذن الحمد لله نحن نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين، يعني لن نخاف من هذا اللقاء؛ لأن الله يقول: ﴿بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، معناها لا خوف عليهم، ولهذا يخلو الله بعبده المؤمن ويضع عليه كنفه -يعني ستره- فيقول: «عَمِلْتَ كَذَا، عَمِلْتَ كَذَا، عَمِلْتَ كَذَا؟ فَيُقِرُّ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]]. ﴿مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، ﴿إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ يعني يوم القيامة، أو إليه راجعون في جميع أمورنا؟ الجواب أن نقول: إذا كانت الآية تحتمل معنى أعم فخذ بالمعنى الأعم؛ لأن كلام الله عز وجل معلوم عنده، ويعلم سبحانه وتعالى ما تتضمنه الكلمة وما يترتب عليها، ولذلك كان لازم كلام الله حقًّا، ولازم كلام النبي حقًّا، ولازم كلام غير الله ورسوله قد يكون حقًّا، وقد يكون باطلًا، وقد يلتزم به المتكلم، وقد لا يلتزم به، ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ أي: يوم القيامة، أو إن شئت فقل: راجعون إليه في كل أمورهم. * في هذه الآية الكريمة إثبات ملاقاة الله عز وجل؛ لأن الله مدح الذين يتيقنون بهذا الإثبات، ومنها كما ذهب إليه كثير من العلماء إثبات رؤية الله عز وجل؛ لأن اللقاء لا يكون إلا مع المقابلة، وهذا يعني ثبوت الرؤية، فإن استقام الاستدلال بهذه الآية على رؤية الله فهذا المطلوب، وإن لم يستقم الاستدلال وصار فيه المنازعة فلدينا أدلة أخرى كثيرة تدل على ثبوت رؤية الله عز وجل يوم القيامة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء المؤمنين يوقنون أنهم راجعون إلى الله في جميع أمورهم، وهذا يستلزم أمورًا، أولًا: الخوف من الله؛ لأنك ما دمت تعلم أنك راجع إلى الله فسوف تخف منه، كذلك أيضًا يستلزم مراقبة الله عز وجل، والخوف في القلب، والمراقبة في الجوارح، أي أنهم إذا علموا أنهم يرجعون إلى الله فسوف يخشونه في السر والعلانية، وكذلك أيضًا يستلزم الحياء منه أن يفقدك حيث أمرك، وأن يجدك حيث نهاك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب