الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾، ﴿اهْبِطُوا﴾ الواو تدل على الجمع، وهل المراد الجمع أو المراد التثنية بناء على أن أقل الجمع اثنان؛ لأن العلماء مختلفون: هل أقل الجمع اثنان أو أقل الجمع ثلاثة؟ فمن قال: إن أقل الجمع اثنان قال: المراد هنا آدم وحواء فقط، ومن قال: أقل الجمع ثلاثة قال: آدم وحواء وإبليس؛ لأن إبليس وإن لم يكن في الجنة، خرج منها حين أبى أن يسجد لآدم، ولكن هو حولها يوسوس لهما ويكلمهما، فقيل لهم جميعًا: ﴿اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾، هل في القرآن اهبطا بالألف؟ فيها اهبطا، وهذا مما يؤيد أن الضمير هنا الواو إنما تدل على اثنين فقط، ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ [طه ١٢٣] أي الاثنين، وهي حال من الواو في ﴿اهْبِطُوا﴾. ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾، إما: أصلها (إن ما) فإن شرطية، و(ما) زائدة للتوكيد، و﴿يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ أيضًا فعل مؤكد بنون التوكيد، ولذلك لم يكن مجزومًا، بل كان مبنيًّا على أيش؟ * طالب: (...). * الشيخ: لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد لفظًا وتقديرًا، ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ﴾،﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾، أي: علمًا، وذلك بالوحي الذي يوحيه الله تعالى إلى أنبيائه ورسله، ﴿فَمَنْ تَبِعَ﴾، الفاء هنا رابطة للجواب جواب الشرط؛ لأن الجملة بعد الفاء هي جواب الشرط، والجملة بعد الفاء هنا اسمية ولّا فعلية؟ اسمية، وقوله: ﴿فَمَنْ تَبِعَ﴾، ﴿مَنْ﴾ شرطية، و﴿تَبِعَ﴾ فعل الشرط، والفاء في قوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ﴾ رابطة للجواب أيضًا، و(لا) نافية، و﴿خَوْفٌ﴾ مبتدأ، انظر تداخل الشروط الآن. جملة ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ﴾ جواب (إن) في قوله: ﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾، وجملة: ﴿فَلَا خَوْفٌ﴾ جواب: ﴿فَمَنْ تَبِعَ﴾، ﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾، أي: أخذ به تصديقًا بأخباره وامتثالًا لأحكامه، وأضافه الله لنفسه؛ لأنه الذي أنزله عز وجل وأمر عباده به، ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فيما يستقبَل، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فيما مضى، بل هم مطمئنون غاية الطمأنينة لا خوف عليهم مما يُستقبل؛ لأنهم آمنون، ولا هم يحزنون عما سبق؛ لأنهم قد اغتنموه وقاموا فيه بالعمل الصالح. في هذه الآية فوائد، منها: أن آدم كان عاليًا في الأول؛ لقوله: ﴿اهْبِطُوا﴾، والهبوط لا يكون إلا مِن؟ من أين؟ * طالب: من السماء؟ * الشيخ: لا، الهبوط لا يكون إلا من أعلى، وهل الجنة التي أُسْكِنها آدم هي جنة الخلد؟ أو هي عبارة عن بستان عظيم كثير الأشجار كثير النبات كثير الأنهار؟ في هذا قولان للعلماء، والصحيح -إن لم نقل: المقطوع به- أنها جنة المأوى التي أُسْكِنَها آدم، ولا يقال: كيف تقولون: إن هذا هو الصحيح والجنة من دخلها لم يخرج منها؟ قلنا: نعم من دخلها لم يخرج منها، متى؟ بعد البعث يوم القيامة، أما الآن فلا، وعلى هذا فالقول الراجح أنها جنة المأوى، وفي هذا يقول ابن القيم في الميمية المشهورة: ؎فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ∗∗∗ مَنَـــــازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ قال: منازلك الأولى. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الكلام لله؛ لقوله: ﴿قُلْنَا﴾. ومنها: أنه بصوت مسموع وحروف مقروءة؛ لقوله: ﴿اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾، فلولا أنهم سمعوا ذلك ما صح توجيه الأمر إليهم. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التوكيد في الأسلوب العربي فصيح ومن البلاغة؛ لقوله: ﴿جَمِيعًا﴾ وهو توكيد معنوي؛ لأنه حال من حيث الإعراب؛ لأن الشيء إذا كان هامّا فينبغي أن يؤكَّد، فتقول للرجل إذا أردت أن تحثه على شيء: يا فلان، عجِّل عجل عجل، هذا ثلاث مرات، المقصود أيش؟ التوكيد والحث. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الهدى من عند الله؛ لقوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾. ويتفرع على هذه الفائدة: أنك لا تسأل الهدى إلا من الله عز وجل؛ لأنه هو الذي يأتي به. فإن قال قائل: ﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ (إن) لا تدل على الوقوع؛ لأنها ليست كـ(إذا)، قلنا: نعم، هي لا تدل على الوقوع، ولكن الواقع يدل على الوقوع، ما هو الواقع؟ أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من اتبع هدى الله فإنه آمِن مِن بين يديه ومن خلفه؛ لقوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. * ومن فوائدها: أن من تبع هدى الله فهو الرابح لا أحد غيره؛ لقوله: ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، أما غير هؤلاء فهم دائمًا بين خوف مما يُستقبَل وحزن على ما مضى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب