الباحث القرآني

طالب: ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ٣٧ - ٤٢]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ (تلقى) أي: أخذ حينما ألقى الله إليه هذه الكلمات تقبلها وأخذها، وهذه الكلمات هي قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٢٣]، وقوله: ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ هذا فيه إضافة الربوبية إلى آدم، وهي الربوبية الخاصة، وقوله: ﴿فَتَابَ عَليه﴾، الفاعل مَن؟ الله، يعني فتاب ربه عليه. ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، والتوبة هي: رفع المؤاخذة، والعفو عن المذنب إذا رجع إلى ربه عز وجل، ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، هذه الجملة تعليل لقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾؛ لأن هذا مقتضى هذين الاسمين العظيمين: ﴿التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، وقوله: ﴿هُوَ التَّوَّابُ﴾، هو ضمير فصل يفيد الحصر، وأيش بعد؟ والتوكيد، هنا لا نقول: الفصل بين الخبر والصفة؛ لأن ما قبل الصفة أو ما قبل ما يحتمل أن يكون صفة ضمير، والضمير يقول النحويون: إنه لا يوصف ولا يوصف به، إذن نستفيد من ضمير الفصل هنا فائدتين فقط هما: التوكيد والحصر. وقوله: ﴿التَّوَّابُ﴾ صيغة مبالغة من تاب، وذلك لكثرة توبة الله عز وجل على العباد، فما أكثر التوبة من الله علينا على كل فرد منا، وما أكثر التوبة باعتبار أفراد التائبين، فلذلك سمى الله نفسه التواب. واعلم أن لله تعالى على العبد توبتين: التوبة الأولى قبل توبة العبد، وهي: التوفيق للتوبة، والتوبة الثانية: قبول التوبة، يعني أنه يوفق العبد للتوبة فيتوب، فيتوب الله عليه، وكلاهما في القرآن، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة ١١٨]، تاب ليتوبوا، إذن هذه التوبة الأولى؛ توبة التوفيق للتوبة، ﴿لِيَتُوبُوا﴾ أي: ليتوبوا إلى الله فيتوب الله عليهم توبة القبول. وأما توبة القبول ففي قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى ٢٥]، إذن ﴿التَّوَّابُ﴾ صيغة مبالغة من تاب، وتوبة الله تعالى على قسمين، أو نوعين: الأول: التوفيق للتوبة، والثاني: قبول التوبة، وكلاهما في القرآن العظيم. ﴿الرَّحِيمُ﴾ يعني: ذو الرحمة الواسعة الواصلة إلى من شاء من عباده، وعلى هذا فالرحمن داخل في ضمن الرحيم؛ لأنه إذا ذُكر الرحمن وحده أو الرحيم وحده دخل أحدهما في ضمن الآخر، وإن ذُكرا جميعًا صار الرحمن باعتبار الصفة، والرحيم باعتبار الفعل. من فوائد هذه الآية الكريمة: منة الله سبحان الله وتعالى على أبينا آدم حين وفقه لهذه الكلمات التي كانت بها التوبة؛ لقوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾. * ومن فوائدها: أن منة الله على أبينا هي منة علينا في الحقيقة؛ لأن كل إنسان يشعر بأن الله إذا منّ على أحد أجداده كان مانًّا عليه. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن قول الإنسان: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٢٣] سبب لقبول توبة الله على عبده. وفيها أي في ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فيها أنواع من التوسل: الأول التوسل بالربوبية، والثاني: التوسل بحال العبد ﴿ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾، والحال الثالثة: تفويض الأمر إلى الله، والرابعة: ربما يقول ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ أيضًا فيها ذكر العبد إذا لم يُغفر له، فهو توسل. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى يتكلم بصوت مسموع، كيف ذلك؟ تلقى منه كلمات، وتلقي الكلمات لا يكون إلا بسماع الصوت، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يتكلم بكلام يُسْمَع، بصوت مسموع وحروف مقروءة. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: منة الله عز وجل على آدم بقبول التوبة، فيكون في ذلك مِنَّتان: الأولى التوفيق للتوبة حيث تلقى الكلمات من الله، والثاني: قبول التوبة، حيث قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان إذا صدق في تفويض الأمر إلى الله ورجوعه إلى طاعة الله فإن الله تعالى يتوب عليه، وهذا له شواهد كثيرة أن الله أكرم من عبده: «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ ذِرَاعًا تَقَرَّبَ اللَّهُ إِِلَيْهِ بَاعًا، وَمَنْ أَتَاهُ يَمْشِي أَتَاهُ هَرْوَلَةً» »[[متفق عليه. البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥/٢) من حديث أبي هريرة.]]، فكرم الله عز وجل أعلى وأبلغ من كرم الإنسان. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين الكريمين: التواب والرحيم. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: اختصاص الله بالتوبة والرحمة، بدليل ضمير الفصل، ولكن المراد اختصاصه بالتوبة التي لا يقدر عليها غيره، ليس بكل توبة؛ لأن الإنسان قد يتوب مثلًا على عبده، على ابنه، على أمته، وما أشبه ذلك، لكن التوبة التي لا يقدر عليها إلا الله وهي المذكورة في قوله: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران ١٣٥] هذه خاصة بالله، كذلك الرحمة المراد بها الرحمة التي لا تكون إلا لله، أما رحمة الخلق بعضهم لبعض هذا ثابت لا ينحصر بالله عز وجل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ» »[[أخرجه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤) وقال: حسن صحيح، وأحمد (٦٤٩٤) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب