الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قلنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة ٣٥ - ٣٩]. * الشيخ: قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ﴾، ما سبق أخذنا فوائده، ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، الفاعل، فاعل القول هو الله عز وجل، وقوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾، (زوج) معطوف على الفاعل في ﴿اسْكُنْ﴾، ولّا على ﴿أَنْتَ﴾؟ على الفاعل في ﴿اسْكُنْ﴾ لأن ﴿أَنْتَ﴾ توكيد للفاعل وليست هي الفاعل؛ لأن ﴿اسْكُنْ﴾ فعل أمر، وفعل الأمر لا يمكن أن يظهر فيه الفاعل؛ لأنه مستتر وجوبًا، وعلى هذا فـ﴿أَنْتَ﴾ الضمير المنفصل هذا توكيد للضمير المتصل، وقوله: ﴿وَزَوْجُكَ﴾ هي حواء، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره.[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٣٠، ٣٣٩٩)، ومسلم (١٤٧٠/٦٢،٦٣) من حديث أبي هريرة بلفظ:" ولولا="" حواء="" لم="" تخن="" أنثى="" زوجها="" ?.?="]] وقوله: ﴿الْجَنَّةَ﴾ اختلف العلماء، أولاً الجنة هي البستان الكثير الأشجار، وسمي بذلك لأنه مستتر بأشجاره. وهل المراد بالجنة جنة الخلد؟ أم هي جنة سوى جنة الخلد؟ ظاهر القرآن والسنة أنها جنة الخلد، وليست جنة، يعني ليست بستانًا كثير الأشجار عذب المياه طيب الهواء، لا، ولكنها جنة الخلد؛ لأن أل هنا للعهد الذهني، وقوله: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، ﴿كُلَا مِنْهَا﴾ أي: من هذه الجنة، ﴿رَغَدًا﴾ أي: أكلًا هنيًّا ليس فيه تنغيص، ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، أي: في أي مكان من هذه الجنة، ونقول أيضًا: وفي أي زمان؛ لأن ﴿كُلَا مِنْهَا﴾ فعل مطلق لم يقيَّد بزمان، فهما يأكلان من أي مكان كان، وفي أي زمن كان. ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ الشجرة أشار الله إليها ﴿هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾، ولم يقل: شجرة كذا أو كذا، بل أشار إليها بعينها، و(أل) في الشجرة للعهد الحضوري؛ لأن كل ما جاء بـ(أل) بعد اسم الإشارة فهو للعهد الحضوري؛ إذ إن اسم الإشارة يعني الإشارة إلى شيء قريب، هذه الشجرة هل لنا أهمية في بيان نوعها؟ لا، ولهذا لم يبينها الله في القرآن ولا النبي ﷺ في السنة، ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿تَكُونَا﴾، ولم يقل: فتكونان؛ لأنها وقعت جوابا للطلب وهو قوله: ﴿لَا تَقْرَبَا﴾، فالفاء هنا للسببية، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وقيل: إن الفعل منصوب بنفس الفاء، والأول للبصريين والثاني للكوفيين، والثاني هو المختار عندنا بناء على القاعدة: أنه متى اختلف علماء النحو في إعراب كلمة أو جملة فإننا نأخذ بالأسهل ما دام المعنى يحتمله. ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، والظالم هو المعتدي؛ لأن أصل الظلم هو النقص، قال الله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣]، والظلم يكون بواحد من أمرين: إما بتفريط في واجب، أو غلو فيه، أو انتهاك لمحرَّم، والمراد به هنا الانتهاك للمحرم، يعني: إن فعلتما فأنتما ظالمان؛ لأنكما عصيتما الله. في هذه الآية الكريمة: إثبات القول لله عز وجل، من أين أخذنا؟ * طالب: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ﴾. * الشيخ: وفيها أيضًا دليل على أن قول الله بصوت مسموع وحرف مرتب، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ﴾، ولولا أن آدم يسمعه لم يكن في ذلك فائدة. وأيضًا: هو مرتب؛ لأنه قال: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾، وهذا ترتيب للحروف، ﴿يَا﴾ ﴿آدَمُ﴾ ﴿اسْكُنْ﴾ ﴿أَنْتَ﴾ ﴿وَزَوْجُكَ﴾ ﴿الْجَنَّةَ﴾، وإنما قلنا ذلك؛ لأن بعض أهل البدع يقول: إن كلام الله تعالى ليس مرتبًا، وأن قوله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة ١] خرجت دفعة واحدة، يعني: السين والباء والميم خرجت دفعة واحدة غير مرتبة، وهؤلاء يسمون الاقترانية الذين يقولون: إن كلام الله مقترن بعضه ببعض؛ لأنهم يزعمون لو قلنا بترتبه وأن بعضه سابق على بعض، لزم من ذلك أن يكون حادثًا، وكما تعرفون أن القاعدة عندهم أن الحادث لا يقوم إلا بحادث، وقد بينّا مرارًا أن هذه قاعدة باطلة. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: منة الله عز وجل على آدم وحواء، حيث أسكنهما الجنة من أول ما خلقهما. * ومن فوائد الآية الكريمة: مشروعية النكاح لبني آدم؛ لقوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾، فهذه سنة أبينا آدم، فإن قال قائل: زوجته بنت من؟ قلنا: إنها خُلقت من ضلعه، خلقها الله من ضلعه، فإن قال قائل: إذن تكون بنتًا له، فكيف يتزوج ابنته؟ فالجواب: أن لله تعالى أن يحكم ما شاء، لله أن يحكم ما شاء، فكما جاز أن يتزوج الأخ أخته من بني آدم الأول، فكذلك جاز أن يتزوج آدم مَن خلقها الله تعالى من ضلعه، والله تعالى يحكم بما يشاء. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأمر يأتي للإباحة؛ لقوله أيش؟ ﴿وَكُلَا مِنْهَا﴾، فإن هذا للإباحة، بدليل قوله: ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، خيّرهما أن يأكلا من أي مكان، ولا شك أن الأمر يأتي للإباحة، ولكن الأصل فيه أنه للطلب حتى يقوم دليل على أنه للإباحة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن ظاهر النص أن ثمار الجنة ليس له وقت محدود، بل هو موجود في كل وقت، من أين تؤخذ؟ ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، فالتعميم في المكان يقتضي التعميم في الزمان، وقد قال الله تعالى في فاكهة الجنة: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ﴾ [الواقعة ٣٢، ٣٣]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى قد يمتحن العبد فينهاه عن شيء قد تتعلق به نفسه؛ لقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾، ووجه ذلك: أنه لولا أن النفس تتعلق بها ما احتيج إلى النهي عن قربانها. ومنها: أنه قد يُنهى عن قربان الشيء والمراد فعل الشيء مباشرة؛ للمبالغة في التحذير منه، فإن قوله تعالى: ﴿لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾، المراد: لا تقرباها، أي: لا تأكلا منها، لكن لما كان القرب منها قد يؤدي إلى الأكل نُهي عن قربها. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يبهم ما أبهمه الله، ووجه الدلالة: أنه لو كان الله تعالى أراد منا أن نعتقد شجرة معينة لعينها، فالأدب مع الله أن تبهم ما أبهم، وتعيّن ما عيّن. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن معصية الله تعالى ظلم، ظلم للنفس وعدوان عليها؛ لقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب