الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠] إلى آخره.
في ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ قراءتان: ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ و﴿إِبْرَاهَامُ﴾ ، وفي ﴿أَرِنِي﴾ أيضًا قراءتان: ﴿أَرِنِي﴾ و﴿أَرْنِي﴾ بسكون الراء. وفي قوله: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ قراءتان أيضًا: ﴿صُرْهُنَّ﴾ بالضم، و﴿صِرْهُنَّ﴾ بالكسر، وفي ﴿جُزْءًا﴾ قراءتان أيضًا: ﴿جُزُءًا﴾ و﴿جُزْءًا﴾ بسكون الزاي، فهذه كم كلمة؟ واحد اثنين ثلاثة أربع كلمات في كل كلمة منها قراءتان سبعيتان.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ إذ: مفعول لفعل محذوف، تقديره: اذكر إذ قال إبراهيم. و﴿أَرِنِي كَيْفَ﴾ الرؤية هنا بصرية فتنصب مفعولًا واحدًا، لكن لما دخلت عليها همزة التعدية صارت تنصب مفعولين؛ الأول: اليا، والثاني: جملة ﴿كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾.
﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ فيها إعرابان مشهوران، أحدهما: أن الهمزة دخلت على مُقدر عُطف عليه قوله: ولم تُؤمن، وهذا المقدّر يكون بحسب السياق، وعلى هذا فالهمزة في محلها، والإعراب الثاني: أن الهمزة مُقدمة وحرف العطف مؤخر، وأصلها: وألم، فتكون هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، وذكرنا أن هذا الإعراب أسلم وأسهل، أسلم لأن الإنسان ربما يقدر فعلًا ليس هو المراد، وأسهل لئلا يُتعب الإنسان نفسه في طلب فعل يكون مناسبًا.
وفي قوله: ﴿صُرْهُنَّ﴾ بالضم من (صار يصور)، وبالكسر من (صار يصير). وفي قوله: ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ الفعل هنا مرفوع ولا مجزوم؟
* طالب: مجزوم.
* الشيخ: هو على كل حال مبني، لكن هل هو في محل جزم ولا في محل رفع؟
* طالب: في محل جزم.
* الشيخ: على أنه؟
* طالب: جواب الطلب.
* الشيخ: جواب الطلب. هذه هي القصة الخامسة التي فيها إحياء الموتى في هذه السورة، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: هذه هي الخامسة، والأولى؟
* طالب: في بني إسرائيل.
* الشيخ: في بني إسرائيل والثانية؟
* الطلبة: في إبراهيم.
* الشيخ: لا.
* طالب: في القتيل.
* الشيخ: في القتيل من بني إسرائيل في قصة البقرة، والثالث؟
* طالب: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾.
* الشيخ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة ٢٤٣]
* طالب: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [البقرة ١٢٧]؟
* الشيخ: لا يا أخي ما فيها. والرابعة في قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، والخامس هذه الآية، كلها فيها إحياء الموتى في هذه الدنيا، فيكون فيه آية ظاهرة في الرد على المنكرين للبعث.
قال: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الأب الثالث للأنبياء؛ لأن الأول آدم، والثاني نوح، والثالث إبراهيم، كما قال تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾، وقال في نوح: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات ٧٧]، وآدم معلوم أنه أبو البشر.
قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ مبتدأ، إن أخطأت فقوموني.
* طالب: لا يا شيخ.
* الشيخ: ﴿رَبِّ﴾ مبتدأ؟
* الطلبة: منادى، منادى.
* الشيخ: ﴿رَبِّ﴾ منادى، أين حرف النداء؟
* الطلبة: حذف، محذوف.
* الشيخ: محذوف للعلم به. ﴿رَبِّ﴾ إحنا نعرف أن المنادى يكون منصوبًا ويكون أحيانًا مبنيًّا على الضم، وهذا لا منصوبًا ولا مبنيًّا على الضم؟
* الطالب: المنادى له ست إعرابات، وهذا المضاف إلى ياء.. فحذفت الياء.
* الشيخ: هذا منادى المضاف إلى ياء المتكلم، وياء المتكلم هنا محذوفة وبقيت الكسرة.
* طالب: عوضًا عنها.
* الشيخ: ما هي عوضًا عنها.
* طالب: دليلًا.
* الشيخ: دليلًا عليها. إذن كيف نقول في إعرابه؟ نقول: ﴿رَبِّ﴾ منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وقوله: ﴿رَبِّ أَرِنِي﴾ يعني أرني بعيني حتى أرى، في لغتنا العامية نقول: (وَرَّنْ)، نقول: أرني يعني اجعلني أنظر وأرى بعيني ﴿كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ السؤال هنا عن الكيفية ما هو بعن الإمكان؛ لأن إبراهيم لم يشك في القدرة، لكن أراد أن يعرف الكيفية، كيف يحيي الله الموتى بعد أن أماتهم وصاروا ترابًا وعظامًا كيف يحييهم؟
فالسؤال إذن عن الكيفية لا عن معنى الإحياء؛ لأن معنى الإحياء عنده معلوم والسؤال عن الكيفية. وقوله: ﴿كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ هل مراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أي موتى يكونون، أو أن المراد به الموتى من بني آدم فضرب الله له مثلًا بالطيور الأربعة؟
إذا نظرنا إلى اللفظ ﴿الْمَوْتَى﴾ وجدنا أنه عام؛ يعني أي أحد، أو أي شيء يحييه الله عز وجل أمامه فقد أراه، قال الله تعالى له: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ يعني ألست مؤمنًا؟ وهذا الاستفهام للتقرير وليس للإنكار أو للنفي، فهو كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] يعني قد شرحنا لك. ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ يعني أو قد آمنت، فهذا للتقرير تقرير إيمان إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقال: ﴿بَلَى﴾ مُقررًا لهذا الشيء. وقوله: ﴿تُؤْمِنْ﴾ فسَّر كثير من الناس الإيمان في اللغة بالتصديق، فقال: الإيمان في اللغة التصديق، وهذا التفسير ليس بدقيق لكنه تفسير بما يقارب كتفسيرهم الريب بالشك، وتفسيرهم الرهن بالحبس، وتفسير قوله: ﴿تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ [الأنعام ٧٠] أي تُحبس، وما أشبه ذلك مما يفسرونه بالمعنى المقارب الذي يقرب للفهم وإلا ففي الواقع أن بين الإيمان والتصديق فرقًا، ويدلك على هذا التعدية، فالتصديق يتعدى بنفسه وبحرف الجر، ويختلف في المعنى إذا عُدي بنفسه وإذا عُدي بحرف الجر، وأما الإيمان فلا يتعدى إلا بحرف الجر ما يتعدى بنفسه، واضح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نرجع إلى التصديق؛ التصديق يتعدى بنفسه وبحرف الجر ومع ذلك يختلف معناه، فتقول: صدَّقته؛ أي صدقت المخبِر، وتقول: صدقت به؛ أي بالمخبر ولَّا بالخبر؟
* الطلبة: بالخبر.
* الشيخ: بالخبر، فتغير المعنى بين تعديته بحرف الجر وتعديته بنفسه، وتغير المعنى بذلك واختلاف تعدي الفعل يدل على أن بينهما فرقًا، إذ لو لم يكن بينهما فرق لتساوى الفعلان أو لتساوت المادتان في التعدي واللزوم لأيش؟ لأن المفسِّر يطابق المفسَّر، آمن تتعدى بنفسها ولّا بحرف الجر؟
* الطلبة: بحرف الجر.
* الشيخ: تتعدى بحرف الجر، وتتعدى بحرف الجر اللام وبحرف الجر البا، ويختلف معناها. لا تقول: آمنته كما تقول: صدقته، أبدًا، هذا لا يوجد في اللغة العربية، لكن تقول: آمنت به، و: آمنت له. آمنت به تفيد معنى الإقرار والطمأنينة، ولهذا يقال: أقررت به واطمأننت به عرفتم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لكن آمنت له تفيد معنى الاستسلام، استسلمت له وانقدت له مع الإقرار؛ لأن آمن من حيث الإقرار ما تتعدى باللام، لكن إذا تضمنت معنى الاستسلام تعدَّت باللام، ولهذا كان الإيمان شرعًا لا بد فيه من اطمئنان وهو القبول ومن إذعان وهو الاستسلام، فصح الآن أن الإيمان لا يصح أن نجعله بمعنى التصديق على سبيل الإطلاق لهذا المعنى الذي أشرنا إليه، لكن لا مانع أن نُفسره بالتصديق لإنسان نريد أن نُقرّب له أيش؟ المعنى، أما على وجه التدقيق والتحقيق فإن الفرق بينهما..
أما على وجه التدقيق والتحقيق فإن الفرق بينهما ظاهر، وقد أشار إلى شيء من هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان، كتاب الإيمان له مشهور، فالحاصل أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام آمن بمعنى أنه أقر واطمأن واعترف اعترافًا لا مرية فيه بأن الله سبحانه وتعالى يحيي الموتى ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾ (بلى) حرف يُجاب بها النفي، النفي المقرر بالاستفهام لإثباته، فإذا قلت: ألست حاضرًا معنا في الدرس يا عبد الله؟ وأيش تقول؟
* الطالب: بلى.
* الشيخ: بلى، يعني حاضر، وإذا قلت: ألستَ حاضرًا معنا في الدرس؟ وأيش تقول؟
* الطالب: نعم.
* طالب: هذا نفي.
* الشيخ: إذن ما حضرت! إذا قلت: نعم معناه ما حضرت.
* طالب: حضر بالقلب.
* الشيخ: إذن إذا أجبت بنعم فهو لتقرير النفي، وإذا أجبت ببلى فهو لتقرير الإثبات. يترتب على هذا مسائل كثيرة مهمة، أليس في ذمتك لفلان كذا وكذا؟
* الطلبة: نعم.. بلى.. إذا أردت التفصيل.
* الشيخ: نشوف إذا أجبت بلى أو نعم واضح، إذا قلت: نعم فهو تقرير لأيش؟
* الطلبة: للنفي.
* الشيخ: وإن قلت: بلى فهو للإثبات، ولهذا يُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف ١٧٢] أنه قال:«لَوْ قَالُوا: نَعَمْ لَكَفَرُوا»[[الجامع لأحكام القرآن (٢ / ١٢).]]؛ لأن المعنى لو قالوا نعم يعني لست بربنا، واضح؟
* الطلبة: واضح.
* الشيخ: جيد، ومع ذلك فإنه قد يُجاب بنعم يراد بها بلى كقول الشاعر:
؎أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْـــــرٍو ∗∗∗ وَإِيَّانَا فَـــــــــــــذَاكَ لَنَــــــــــــــــاتَدَانِــــــي ؎نَعَمْ وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ ∗∗∗ وَيَغْشَاهَا النَّهَارُ كَمَا غَشَانِي
الآن هذا الرجل
؎أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْـــــرٍو ∗∗∗ وَإِيَّانَا فَـــــــــــــذَاكَ لَنَــــــــــــــــاتَدَانِــــــي
وأيش قال؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، يعني بلى، يعني بلى يجمع، وهو لا يريد النفي، قال شوف المسكين يكفيه هذا الجمع: وترى الهلال كما أراه، ما دام إني أنا أشوف الهلال وهي تشوف الهلال فهذا اجتماع لكن المفلس ما (...) يقول هكذا ويغشاها أيش الظلام أظن أو النهار كما غشاني نسيت الكلمة هذه، المهم في قوله: نعم وترى الهلال كما أراه، فهنا أجاب أليس بـ (نعم) يريد بذلك (بلى).
إذن ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ جوابها في الإثبات (بلى)، ولهذا قال: ﴿بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أي ليزداد طُمأنينة وإلا فقد كان مطمئنًّا من قوله: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ﴾ أي ليزداد طمأنينة، والطمأنينة كما نعلم جميعًا هي الاستقرار كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٧) ومسلم (٣٩٧ / ٤٥) من حديث أبي هريرة.]] أي تستقر وتبقى. ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فأراه الله تعالى الآية.
﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ [البقرة ٢٦٠] قوله: ﴿خُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ أيّ الطيور هذه؟
* الطلبة: لم يُقيّد.
* الشيخ: لم يعينها الله عز وجل، ولهذا تعتبر محاولة من حاول تعيينهن من المفسرين محاولة لا فائدة منها؛ لأنه لا يهمنا، أكانت هذه الطيور إوزًا، أم حمامًا، أم غربانًا، أم أي نوع من أنواع الطيور؛ لأن الله لم يُبيِّنها لنا.
﴿أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ ﴿صُرْهُنَّ﴾ من (صار يصير) أو من (صار يصور)، ﴿صُرْهُنَّ﴾ أي أملهن إليك، والصُّور الميل، ومنه الرجل الأَصْوَر التي مالت عينه إلى جانب من جفنه، الرجل الأصور يعني اللي مالت عينه إلى جانب من جفنه، ويسمى الأحْول، ولهذا حتى في عرف الناس الآن إذا واحد يناظر كذا يقول: يُصوّر، صور بعينه يناظر الشمس يناظر القمر وما أشبه ذلك، فمعنى ﴿صُرْهُنَّ﴾ أي أملهن، ﴿صُرْهُنَّ﴾ اضممهن إليك، ففعل، أخذ أربعة من الطير وضمَّهن إليه وذبحهن ووزَّعهن أجزاء.
قال: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ الجبال التي حوله ﴿اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ﴾ أي من هذه الأربعة ﴿جُزْءًا﴾ لأجل أن لا يظن الرائي أن عملك سحر؛ لأنك إذا أبعدتها عنك زالت الشُّبهة حتى يكون بعيدًا منك. ﴿اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ ففعل عليه الصلاة والسلام، جمع الأربعة وذبحهن، قطّعهن أجزاء، جعل على كل جبل جزءًا ثم بعد ذلك دعاهن، قال: أيتها الطيور، ائتين إليّ، فماذا صار؟ جاءت الطيور جاءت إليه تسعى سعيًا.
قال الله عز وجل: ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾.
﴿ادْعُهُنَّ﴾ أي نادِهنّ؛ لأن النداء يُسمى دعاء، قال الله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣] يعني لا تنادونه كما ينادي بعضكم بعضًا فتقولون: يا محمد، ولكن قولوا يا رسول الله، يا نبي الله، وما أشبه ذلك. إذن ﴿ادْعُهُنَّ﴾ يعني نادهن يعني قل: أقبلن.
قال الله تعالى: ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ ﴿يَأْتِينَكَ﴾ قيل: إنها جواب قوله: ﴿ادْعُهُنَّ﴾، وقيل: إنها جواب لفعل شرط مُقدَّر تقديره: إن تدعهن يأتينك، فعلى القول الأول يكون جوابًا لقوله: ﴿ادْعُهُنَّ﴾؛ لأن من لازم أمر الله إياه بدعائهن أن يدعوهن، فكأن الشرط معلوم من الأمر، وعلى القول الثاني لا إشكال، إذا جعلنا ﴿يَأْتِينَكَ﴾ جوابًا لفعل شرط محذوف؛ يعني إن تدعهن يأتينك. ﴿يَأْتِينَكَ﴾ هذه جواب سواء قلنا جواب لفعل الأمر في ﴿ادْعُهُنَّ﴾ أو قلنا: إنها جواب لشرط مُقدّر تقديره: إن تدعهن، فهي مبنية على السكون وليست مجزومة، مبنية على السكون في محل جزم، وإنما بُنيت على السكون لاتصالها بماذا؟
* الطلبة: بنون النسوة.
* الشيخ: بنون النسوة ﴿يَأْتِينَكَ﴾.
وقوله: ﴿يَأْتِينَكَ﴾ من باب (أتى يَأتي) لا من باب (آتى يُؤتي)، والفرق بين البابين أن (آتى) بالمد بمعنى أعطى، قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ [النساء ٢٠] يعني أعطيتم إحداهن، وأما (أتى) فهي بمعنى جاء، كما قال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل ١] ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ يعني جاء أمر الله.
إذن إذا أردت أن تخبر عن شخص بأنه جاء تقول: أتى، وإذا أردت أن تخبر عن شخص بأنه أعطى تقول: آتى، واضح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذن ﴿يَأْتِينَكَ﴾ من باب (أتى يأتي) بمعنى جاء؛ أي يقبلن إليك.
﴿سَعْيًا﴾ يحتمل أن تكون مصدرًا في موضع الحال؛ لأن سعيًا ما فيه إشكال أنها مصدر، وفعلها (سعى)، لكن هل هي منصوبة على المصدرية وعاملها محذوف تقديره: يأتينك يسعين سعيًا، أو هو مصدر في موضع الحال أي يأتينك ساعيات؟ أيهما أوْلى؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني أوْلى، لماذا؟
* الطلبة: لعدم التقدير.
* الشيخ: لعدم التقدير، وعندنا قاعدة قررناها فيما سبق: أنه إذا دار الأمر بين أن يكون الكلام تأكيدًا أو تأسيسًا فهو تأسيس، وبين أن يكون محذوفًا منه أو غير محذوف فهو غير محذوف منه، هذه قاعدتان مفيدتان: إذا دار الأمر بين أن يكون الكلام تأكيدًا أو تأسيسًا فهو تأسيس، وإذا دار الأمر بين أن يكون محذوفًا منه أو غير محذوف فهو غير محذوف منه. إذن نقول: ﴿سَعْيًا﴾ مصدر في موضع الحال.
قوله: ﴿سَعْيًا﴾ هل نُفسر السعي في كل موضع بحسبه، أو نقول سعيًا على الأرجل؟ قال بعضهم: إن السعي في كل شيء بحسبه؛ يعني أن سعي الطيور هو الطيران، فالمعنى: يأتينك طيرانًا لا نقص فيهن، أو أنه سعيًا على الأقدام يعني على أرجلهن يعني يمشي المشي لكن بسرعة، في هذا قولان للمفسرين؛ أحدهما: أن السعي هنا بمعنى الطيران؛ لأن سعي كل شيء بحسبه، والثاني: أن المراد بالسعي المشي بسرعة، ولكن أيهما أوْلى فيما يظهر لنا؟
* الطلبة: الطيران.
* الشيخ: الطيران؛ لأن كونهن يمشين على الأقدام لا يدل على كمالهن؛ إذ إن الطائر إذا كُسر جناحه صار يمشي، لكن كونهن يطرن هذا أبلغ، كأنهن أتين على أكمل الحياة والوجود.
ثم قال: ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ﴿وَاعْلَمْ﴾ الخطاب لمن؟
* الطلبة: لإبراهيم.
* الشيخ: لإبراهيم، ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فإذا علمت ذلك علمت كمال قدرته عز وجل لكمال عزته وكمال حكمته؛ لأنه حكيم، والله سبحانه وتعالى يربط دائمًا بين هذين الاسمين: العزيز، والحكيم، أتدرون لماذا؟ لأن العزيز من المخلوقين قد تفوته الحكمة لعزته فيرى نفسه عزيزًا غالبًا فيتهور في تصرفاته، ويتصرف بدون حِكمة، والحكيم أيضًا إذا اقترنت حكمته بعزة صار له سلطان وقوة ولم تفُته الأمور انتظار أن يكون هذا التصرف حكيمًا أو غير حكيم، فجمع الله بين العزيز والحكيم.
فما معنى العزيز؟ ذكر ابن القيم في النونية أن له ثلاثة معانٍ: عزة القَدْر، وعزة القَهر، وعزة الامتناع.
فمعنى عزة القدر: أن الله تعالى ذو قدر رفيع متحاشٍ عن كل نقص، معروف عندنا القدر والشرف.
ومعنى عزة القهر: أن الله تعالى غالب لا يمكن أن يُقهر بل هو القاهر، ومنه قوله تعالى: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص ٢٣] يعني: غلبني وقهرني في الخطاب.
الثالث: عزة الامتناع يعني: القوة وأنه سبحانه وتعالى لا يضره شيء لقوته، ومنه قولهم في اللغة العربية: أرض عَزَاز، عَزاز يعني صلبة قوية، فصار العزيز له ثلاثة معانٍ: عزة القدْر، عزة القهر، عزة الامتناع.
الحكيم مشتقة من الحُكم والحِكمة، والحُكم نوعان: كوني، وقدَري، والحِكمة نوعان: صورة، وغاية، فالأقسام إذن أربعة، الحكيم منين مأخوذة؟
* الطلبة: من الحكم والحكمة.
* الشيخ: الحكيم من الحكم والحكمة، والحُكم نوعان والحكمة نوعان، الحُكم نوعان: حكم كوني، وحكم شرعي، يصح أن أقول: حكم قدري وحكم شرعي؟
* الطلبة: يصح.
* الشيخ: يصح، الحكم الكوني نافذ على كل أحد بكل حال صح؟
* الطلبة: صحيح.
* الشيخ: شاء الناس أم أبوا، الحكم الشرعي ليس نافذًا على كل أحد، هو ثابت لكن ليس كل أحد يُنفذه، بل من الناس من يستكبر عنه. واضح يا جماعة.
* الطلبة: واضح.
* الشيخ: نحتاج إلى مثال يؤيد ما قلنا، قال أحد إخوة يوسف: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ [يوسف ٨٠] يحكم الله لي حكمًا قدريًّا كونيًّا، يعني ما أفارق أرض مصر إلى بلاد الشام حتى يأذن لي أبي يقول: تعالَ، أو يحكم الله لي، يُقدر ذلك سبحانه وتعالى.
الحكم الشرعي حين ذكر الله عز وجل الأحكام المتعلقة بالنساء المهاجرات في سورة الممتحنة قال: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠] هذا حكم شرعي، ومنه قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة ٥٠]، وإن كان هذا يحتمل أن يكون أيضًا شاملًا للحكم القدري.
الحكمة أولًا ما هي الحكمة؟ الحِكمة هي وضع الشيء في موضعه بحيث لا يقول العقل: إن هذا في موضع لا يليق، بل يقول العقل الصريح: إن هذا في موضع لائق به، سواء كان كونيًّا أو شرعيًّا. قلنا: إن الحكمة صورة وغاية، فالصورة معناها: أن يكون الشيء على صورة معينة، هذا حكمة، الصلاة مثلًا كانت على هذا الوضع حكمة ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: الزكاة كونها لا تجب إلا في أموال معينة وبقدر معين ولأناس معينين حكمة ولّا لا؟
* الطلبة: حكمة.
* الشيخ: هذه في الأمور الشرعية.
الأمور القدرية: كون الإنسان على هذا الوجه، ذو قامة، مستقيم، يمشي على رجلين حكمة ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وكون الحمار يمشي على أربع حِكمة، لو مشى على رجلين وأيش نحمّل على راسه؟ ما يصلح نعم على ظهره، وعلى هذا فقِس، هذه الحكمة أيش؟
* طالب: القدرية.
* الشيخ: الكونية القدرية، هذه الحكمة صورة؛ يعني كون الشيء على صورة معينة هذا يكون على صورة معينة موافِقة للحكمة.
هل يلزم أن نعلم حكمة كل شيء في صورته؟ أبدًا، ما يلزم، يعني لو قال قائل: لماذا صارت الصلاة أربع ركعات في الظهر والعصر والعشاء، وركعتين في الفجر؟ ما تستطيع أن تعرف الحكمة، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: الحكمة الغائية، ما هو الغرض من إيجاد هذا الشيء؟ هذا واحد، وما هو الغرض من كونه على هذه الصفة؟ عرفتم. إذن الحكمة تتضمن الحكمة الغائية؟
* طالب: الصورة ووجه الصورة.
* الشيخ: يعني لماذا كان على هذه الصورة المعينة؟ هذه حكمة، ولماذا شُرع أو لماذا وقع إذا كان كونيًّا؟ هذا أيضًا له حكمة. لو قال قائل: ما الحكمة من الجدب؟ جدب الأرض وعدم النبات قحط المطر، الفساد في الأرض وأيش الحكمة من هذا؟
* الطلبة: ليتعظ.
* الشيخ: نعم ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم ٤١]. وأيش الحكمة من خلق المؤذيات كالعقارب والحيات وشدة الحر وشدة البرد وما أشبه ذلك؟
* الطلبة: ليتعظوا.
* الشيخ: حكمة لها عدة حِكم ذكرنا فيما مضى ست حِكم لخلق هذه الأشياء المؤذية، هذا نسميها حكمة أيش؟
* الطلبة: غائية.
* الشيخ: غائية، الحكمة من الشرائع، أولًا: التوحيد هو الأصل الأصيل لإيجاد كل الخلق؛ الإنس والجن، ثم هذه الشرائع المتفرعة هي له بمنزلة السقي، عندما تصلي كأنك تسقي قلبك مادة الحياة؛ لأنك تتصل بمن؟ بالله عز وجل، تناجيه وتخاطبه، لكن ترى هذا أُريد الصلاة التي فيها خطاب القلب واللسان لله عز وجل، وأكثر صلاتنا فيها خطاب اللسان فقط، القلب يخاطب مَن؟
* الطلبة: الإنسان يبغي الغنيمة من الدنيا.
* الشيخ: يختلف، هذا يخاطب سيارته، وهذا يخاطب عمارته، وهذا يخاطب صاحبه، يختلفون الناس حتى إن الإنسان إذا تذكر أنه هوجس وأنه أخطأ ولفّ صلاته يقوم الشيطان فاتحًا باب ثان خل هذا وراك يجي الثاني، ينتبه الإنسان يتجه لصلاته يفتح بابًا ثالثًا، وتجد هكذا أبواب تتفتح وكلها ليس فيها مصلحة للإنسان، أحيانًا إذا انتهت الصلاة بعد الهواجيس اللي من الله أكبر إلى ورحمة الله ذهبت ولا كلمة واحدة تكفيه عنها كلها، وأحيانًا يمضي ويدبّر ويغير ويقدم ويؤخّر في صلاته وإذا انتهى من صلاته وكل الهواجس مرت (...) كله (...) ما يبين، هذا الشيء واضح.
إذن الحكمة من هذه العبادات المتفرعة على التوحيد هي تغذية القلب، تغذية القلب بالاتصال بالله عز وجل، وزيادة الإيمان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت ٤٥] فتبين بهذا وجه حكمة الله عز وجل في أحكامه الكونية والشرعية.
نرجع الآن إلى الآيات الكريمة لنأخذ فوائدها: أولًا: قال إبراهيم لربه: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾.
فيستفاد من هذه الآية الكريمة: أن التوسل إلى الله بربوبيته من آداب الدعاء التي يتوسل بها الرسل (ربِّ)، الحكمة لأن إجابة الدعاء من مقتضات الربوبية؛ إذ إنه فعل، وكل ما يتعلق بأفعال الرب فهو من مقتضيات الربوبية، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام حين ذكر: «الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ»[[أخرجه مسلم برقم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة.]] ولو تأملت أكثر أدعية القرآن وجدتها مُصدرة بالرب؛ ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ [آل عمران ١٩١ - ١٩٣] إلى آخره، ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤٧]، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا﴾ لأن إجابة الدعاء من مقتضيات الربوبية، إذن نستفيد من هذا: أن من آداب الدعاء أن يتوسل الإنسان الداعي إلى الله بربوبيته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا حرج على الإنسان أن يطلب ما يزداد به يقينه لقوله: ﴿أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ لأنه إذا رأى بعينه لا شك أنه يزداد.
* ومنها: أنه ليس خبر اليقين كعين اليقين ﴿أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾؛ لأن إبراهيم عنده خبر اليقين بأن الله قادر لكن يريد عين اليقين.
* ومنها: أن عين اليقين أكمل من خبر اليقين، ولهذا جاء في الحديث: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ»[[أخرجه أحمد (١٨٤٢، ٢٤٤٧)، وابن حبان (٦٢١٣-إحسان) من حديث ابن عباس.]]. يقول العلماء: إن اليقين له درجات ثلاثة: عِلم، وعين، وحق، كلها موجودة في القرآن وأظن في سورة واحدة، لا في سورتين، ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ [التكاثر ٥] بعدها؟
* الطلبة: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ [التكاثر ٦]
* الشيخ: ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ جواب لو؟ جواب لو هذه ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ هي جواب لو ولّا لا؟
* الطلبة: إي نعم، لا.
* الشيخ: لا، ولهذا يجب الوقوف ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾ تقف لازم؛ لأنك لو وصلت لأوهم أن قوله: ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ جواب لـ (لو)، ولو كانت جوابًا لـ (لو) اختلف المعنى كثيرًا، ولهذا بعض الناس نسمعهم يقرؤون ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ﴾ هذا ما هو صحيح؛ لأن ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ جواب لقسم محذوف تقديره: والله لترون. ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ [التكاثر ٧] هذا علم اليقين وعين اليقين؟ أين حق اليقين؟ في آخر سورة الواقعة: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة ٩٥].
نضرب مثالًا يوضح الأمر، قلت: إن معي تفاحة حلوة، وأنا عندك ثقة، هذا أيش؟
* الطلبة: خبر اليقين.
* الشيخ: إيه، خبر اليقين، هو بالنسبة لي خبر، وبالنسبة لك علم، علمت الآن أن معي تفاحة حلوة، فأخرجتها من جيبي وقلت: هذه التفاحة، عين اليقين، ثم أعطيتك إياها وأكلتها وإذا هو حلوة، هذا حق اليقين واضح؟ هذا الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان عنده علم اليقين بلا شك أن الله قادر على إحياء الموتى، لكن يريد عين اليقين، ولهذا قال الله له: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾. يقول: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾.
من فوائد الآية: إثبات أفعال الله الاختيارية، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى له أفعال تتعلق بمشيئته. في قوله: ﴿تُحْيِ الْمَوْتَى﴾.
* ومن فوائدها: تمام قدرة الله سبحانه وتعالى بإحياء الموتى، وعليه جاءت الآية الكريمة: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ [التغابن ٧] فكفرهم بإنكار البعث.
* ومن فوائدها: إثبات الكلام لله عز وجل ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾، ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً﴾، والله سبحانه وتعالى يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء، بما شاء من القول، متى شاء في الزمن، كيف شاء في الكيفية، وكلام الله سبحانه وتعالى بأصوات مسموعة وحروف مقروءة؛ لأن هذا اللي نقرأ الآن أمامنا كلام الله وإبراهيم سمع كلام الله ولّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إذن هو بصوت، بأصوات مسموعة وحروف مقروءة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن إبراهيم مؤمن بقدرة الله عز وجل على إحياء الموتى لقوله: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾.
فإن قلت: كيف تجمع بين هذا وبين ما ثبت في الصحيح؛ صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»[[متفق عليه. البخاري (٤٥٣٧)، ومسلم (١٥١ / ٢٣٨) من حديث أبي هريرة.]]، فأثبت شكًّا فينا وفي إبراهيم، وأننا أحق بالشك من إبراهيم؟
فالجواب: أن الحديث لا يراد به هذا المعنى؛ لأن هذا معنى يخالف الواقع، فهل عند الرسول عليه الصلاة والسلام شك في إحياء الموتى؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، لكن المعنى: أن إبراهيم لم يشُكّ فلو قُدر أنه يشك فنحن أحق بالشك منه، وما دام الشك منتفيًا في حقنا فهو في حقه أشد انتفاء؛ لأننا لو قدر الشك في هذا الباب لكنا أيش؟ أحق بالشك من إبراهيم، فإذا علم أننا نؤمن بأن الله قادر فإبراهيم أولى منا بالإيمان، هذا هو معنى الحديث ولا يحتمل غيره.
فإن قلت: ولا زال الإشكال هل إبراهيم أكمل إيمانًا من محمد ﷺ؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، ولكن هذا قاله ﷺ على سبيل التواضع، ولهذا قرن بينه وبين قوله: «وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِي»[[متفق عليه. البخاري (٣٣٧٢) ومسلم (١٥١ / ٢٣٨) من حديث أبي هريرة.]]، يوسف كم بقي بالسجن؟
* الطلبة: سبع سنين.
* الشيخ: بضع سنين، وجاءه رسول الملك يدعوه، قال له: ما أطلع ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ [يوسف ٥٠] مع أنه اللي يحبس سبع سنين وقالوا: اطلع يطلع ولّا لا؟ هذا مقتضى الطبيعة، لكن يوسف عليه الصلاة والسلام كان حليمًا، كان حليمًا حازمًا، قال: ما أطلع حتى تظهر البراءة براءتي كاملة ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ إلى آخر القصة فتبين بهذا أنه لا يلزم من قول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا أن يكون إبراهيم أقوى إيمانًا منه.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات زيادة الإيمان في القلب، ﴿بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾، ففيه رد على من قالوا: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ولا ريب أن هذا القول ضعيف؛ لأن الواقع يكذبه، والنصوص تكذبه أيضًا، ففي القرآن قال الله تعالى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح ٤]، ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٤]، وفي السُّنة: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»[[متفق عليه البخاري برقم (٣٠٤) ومسلم برقم (٨٠) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، فالإيمان إذن يزيد، ولكن يزيد كمية أو كيفية، أو كمية وكيفية؟
* الطلبة: كمية وكيفية.
* الشيخ: كمية وكيفية، كمية فالذي يسبح عشرًا أزيد إيمانًا من الذي يسبح خمسًا، والذي يصلي عشر ركعات أزيد إيمانًا من الذي يصلي خمسًا، هذا يزداد بماذا؟
* الطلبة: بالكمية.
* الشيخ: بالكمية، بالكيفية يزداد الإيمان بالكيفية، صلى ركعتين بطمأنينة وخشوع وتأمل، وصلى أربع ركعات لكن بسرعة، الثاني فيه زيادة العدد والأول فيه زيادة الكيفية، كذلك يزداد الإيمان بحسب إقرار القلب؛ لأننا ذكرنا الآن عمل الجوارح، يزداد الإيمان بحسب إقرار القلب، كلما كثرت الآيات لدى الإنسان لا شك أنه يزداد إيمانًا رسوخًا، اقرأ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ على طرف ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج ١١] هذا إيمانه ضعيف مهزوز، إن كان مشى ما جاءه فتنة فهو ماشي، وإن أتاه فتنة شُبهة أو شهوة انقلب على وجهه، نحن الآن هنا ما عندنا أحد يعارضنا في العقيدة ما عندنا معتزلة ولا جهمية ولا جبرية ولا أحد ماشين على الفطرة صح ولَّا لا؟
* الطلبة: صح.
* الشيخ: لكن لو يُبتلى الإنسان يجي واحد من عفاريت الإنس جيد في المجادلة والمحاجة من المعتزلة ربما يؤثر عليه، وينقلب؛ لأن ما عنده رسوخ، كذلك إنسان عنده إيمان، لكن تعرضت له امرأة ذات منصب وجمال وأغرته حتى وقع، وإنسان آخر تعرضت له هذه المرأة لكن قال: إني أخاف الله، تجد الفرق بينهما، فالمهم أن القول الراجح الذي لا شك فيه والذي تدل عليه الأدلة السمعية والواقعية أن الإيمان يزيد وينقص.
* طالب: قولنا ﴿سَعْيًا﴾ ما نقول: الأولى أن يسعى على الأرض بسرعة؛ لأنه هو يعني اللفظ؟
* الشيخ: هو المتبادر.
* الطالب: المتبادر.
* الشيخ: إيه، لكن بس هؤلاء الآخرون يقولون: سعي كل شيء بحسبه، أقول: سعي كل شيء بحسبه، فالطيور تسعى بأجنحتها.
* الطالب: فيه مثال يا شيخ في القرآن سعي كل شيء بحسبه؟
* الشيخ: إي نعم كيف؟ ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة ٩] ما هو المراد بأنكم تركضون بالأقدام.
* الطالب: بس الغالب الركض على القدم.
* الشيخ: لا، ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ هذا ما هو السعي الذي هو الركض على القدم.
* الطالب: هذه معروفة يعني من السياق؟
* الشيخ: هذا يكون معروفًا من السياق، ما دام أضيف السعي إلى الطير فهو سعي الطيور، وعلى كل حال المسألة محتملة فيه، إن رجعنا إلى اللفظ فالسعي هو بالقدم، إن رجعنا إلى المعنى فالسعي بالجناح.
* الطالب: شيخ، من قال إن الحكمة المراد بها السُّنة؟
* الشيخ: لا هذه ما هي هنا مثل: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء ١١٣] صحيح المراد بها السنة مع أن الصحيح أن المراد بقوله: ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ ما هو أعم يعني الحكمة: الشريعة الواقعة موقعها ومنها السُّنة، ولهذا قال: ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران ١٦٤] يعني أسرار الشريعة.
* طالب: شيخ، الحُكم والقضاء والإرادة كلها لها تقسيمات كونية وشرعية الفرق بينهم؟
* الشيخ: الفرق بينهن كالفرق بين معناهن، فالإرادة غير الحكم؛ لأن الله يُريد ثم يحكُم كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة ١] فكل شيء بحسبه له معنى مستقل لكن يُقسّم، وكذلك القضاء والحكم والكتابة كونية وشرعية وأشياء كثيرة.
* طالب: الآيات ألا تُختم بأسماء وصفات تناسبها؟
* الشيخ: بلى.
* الطالب: كون الآية خُتمت باسم العزيز في سياق سؤال إبراهيم على إحياء الموتى هل يشير بذلك إلى تحريم مثل هذا السؤال مستقبلًا؟
* الشيخ: لا، يأتينا هذا في الفوائد نشوف إن شاء الله.
* طالب: شيخ، يعني يقول: قال إبراهيم، هل المقصود يا شيخ إبراهيم كلم الله عز وجل كما كلمه موسى تكليمًا أو وحيًا؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: أقول: كيف كلم الله إبراهيم كلم الله عز وجل وحيا أو مباشرة كما كلم موسى؟
* الشيخ: لا، الظاهر أنه مباشرة، لكن إحنا ذكرنا لكم من قبل لماذا خُصّ موسى بأنه الكليم.
* الطلبة: بالرسالة.
* الشيخ: لأنه كُلم بالرسالة من عند الله لا وحيًا، وإلا الله كلم محمد عليه الصلاة والسلام وكلم موسى وكلم آدم.
* طالب: شيخ، ممكن الآن الواحد يسأل سؤال إبراهيم: رب أرني كيف كذا؟
* الشيخ: إذا كان ممكنًا، إن كان غير ممكن فهو يصير من الاعتداء في الدعاء، وإن كان ممكنًا فهو جائز.
* الطالب: شيخ، القدرة قلنا القوة أقوى من القدرة في الآية الثانية؟
* الشيخ: نعم أكمل من القدرة فيمن يوصف بالقوة.
* الطالب: هذا بالنسبة للمخلوق ومثلّناه يا شيخ أما بالنسبة للخالق عز وجل هما صفتان مستمرتان؟
* الشيخ: إي نعم، لكن نقول: القدرة ضدها العجز، والقوة ضدها الضعف.
* الطالب: هذا بالنسبة للمخلوق يا شيخ.
* الشيخ: وحتى بالخالق، ولهذا قال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤].
* الطالب: نعم، ما يكون من جهة الكمال يا شيخ، وبس هذا تنويع في الآيات؟
* الشيخ: لا لا، القدرة يقابلها العجز لا شك.
* طالب: شيخ، في مسائل الاعتقاد التي تطرأ على المؤمنين من الناس، يعني هل تطرأ على الأنبياء؟
* الشيخ: والله ربما، وهذا على تفسير ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إنَّ أرْجَى آيَةٍ في القرآنِ هي هذِهِ الآيَةُ»[[تفسير الطبري (٤ / ٦٢٩).]] وقال غيره: أرجى آية في القرآن قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر ٥٣]، وقال آخرون: أرجى آية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]، ابن عباس رضي الله عنه قال: إن هذا الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان يغفر الله للإنسان فيها، ولهذا قال: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى﴾ فهذا الوسواس الذي قد يأتي للإنسان يرتفع ولا يضر، وجعل بعض العلماء منه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف ١١٠].
* طالب: ما نجعل منه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾ [الحج ٥٢]؟
* الشيخ: لا لا ما هي من هذا النوع؛ لأن ذاك الشيطان يلقي في أمنيته.
* الطالب: لأنه قد يلقي الشيطان في أمنيته؟
* الشيخ: لا ما هي بأمنيته ما يتمناه في قلبه، الصواب أن الأمنية هنا بمعنى القراءة كقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة ٧٨]، وأن الشيطان قد يسمع على لسان النبي ما يرضاه الشيطان ولا يرضاه النبي.
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠].
* فيه أيضًا: جواز الاقتصار في الجواب على الحرف الدال عليه، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: من قوله: ﴿بَلَى﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿بَلَى﴾، وعليه فلو قيل للرجل: أولم تُطلّق زوجتك؟ فقال: بلى، طلقت، ولو قيل للرجل: أزوجت فلانًا؟ قال: نعم، انعقد؛ لأن حرف الجواب يغني عن ذكر الجملة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على من قال: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لقوله: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فإن الطمأنينة زيادة إيمان وقوة.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: جواز امتحان الله عز وجل العبد بما يزداد به إيمانه لقوله: ﴿خُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ إلى قوله: ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: كمال قدرة الله تعالى حيث حصل إحياء الموتى؛ أي إحياء هذه الطيور بمجرد دعوة إبراهيم إياهن، أقبلن، فأقبلن سعيًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: العزيز والحكيم.
وإثبات ما تضمناه من الصفة، وهي العزة والحكمة؛ لأن كل اسم من أسماء الله فهو متضمن لصفة ولا عكس، يعني ليس كل صفة يُؤخذ منها اسم، لكن كل اسم يؤخذ منه صفة، لماذا؟ لأن أسماء الله عز وجل أعلام وأوصاف، بخلاف أسماء الإنسان فقد تكون أعلامًا وأوصافًا والغالب عليها أنها مجرد أعلام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ليس الخبر كالمعاينة لقوله: ﴿أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ ودرجات اليقين ثلاثة: علم، وعين، وحق، علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، أيها أعلى؟
* الطلبة: حق اليقين.
* الشيخ: حق اليقين، ويظهر ذلك بالمثال، فإذا قلت لك: إن عندي تفاحة حلوة، فهذا علم اليقين، فإذا أريتك إياها فهو عين اليقين، فإذا أكلتها، فهذا حق اليقين كذا؟ الكفار وعدوا النار، فإذا رأوها يوم القيامة فهو عين اليقين ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف ٥٣]، فإذا دخلوها فهو حق اليقين.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِی كَیۡفَ تُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّیَطۡمَىِٕنَّ قَلۡبِیۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةࣰ مِّنَ ٱلطَّیۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَیۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلࣲ مِّنۡهُنَّ جُزۡءࣰا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ یَأۡتِینَكَ سَعۡیࣰاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق